قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الطاووس الأبيض الجزء الرابع للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والعشرون

رواية الطاووس الأبيض الجزء الرابع للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والعشرون

رواية الطاووس الأبيض الجزء الرابع للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والعشرون

لم يعد في بقائه أي ضرورة، بعد أن لقنه ما جاء لأجله، وأسمعها له بوضوحٍ لئلا يفكر في الاقتراب منها، وأنها أصبحت خاصته، فقط مسألة وقت لتصبح رسميًا تحت حمايته ورعايته. خرج تميم من منزل هذا الدنيء مرفوع الرأس، يتطلع أمامه بنظراتٍ ما زالت حانقة، الشحنة الغاضبة بداخله لم تخبت بعد، ولم تهدأ، إنها هدنة مرغم عليها رفقًا بأمٍ لم تذنب سوى في تربية وتنشئة ابنها تنشئة غير سوية، أفسده الدلال، وأضره الغنج. دنا من مفترق الطرق، حيث اصطفت عربتان ربع نقل بشكلٍ معاكس، لتسد الطريق على أي شخصٍ قادم، كما صدر عنهما صخبًا ضوضائيًا مزعجًا، ليغطي على أي أصوات استغاثات قد تأتي.

ألقى تميم نظرة فاحصة على الكابينتين، لم يتواجد رفاقه بإحداهما، التفت للناحية الأخرى فوجدهم مجتمعين معًا يدخنون السجائر، ويعرقلون الحركة إن جاء أحدهم واشتكى، حتى يعود إليهم، وضع إصبعيه ما بين شفتيه ليطلق صافرة مميزة، انتبهوا له، وتحركوا سريعًا في اتجاهه، ليبادر بعدها ناجي متسائلاً:
-كله تمام؟
اكتفى تميم بهز رأسه، فتساءل شيكاغو بتحفزٍ، وهو يشمر عن ساعديه:.

-احنا في الخدمة يا ريس، إدينا الإشارة ونطربأها.
تحدث قائلاً بامتعاضٍ:
-مايستهلش...
ثم أشار لهم ليتبعوه مكملاً:
-بينا من هنا.
تحركوا في اتجاه السيارتين، فأضاف حمص بسخرية واضحة:
-صحيح البلد مالهاش غير سيرة الفيديو إياه بتاع الدغوف.
نظر تميم ناحيته، وخاطبه بتجهمٍ واضح:
-مع إني مكونتش أحب يتعمل كده، بس هو يستاهل الفضيحة.
علق عليه هازئًا:
-بعدين عنك دي ماسورة فضايح يا ريسنا، خلاص ركب التريند.

سأله ناجي بما يشبه السخرية:
-وبقيت تعرف في التريند كمان يا حمص.
أجابه بابتسامةٍ أظهرت مدى إصفرار أسنانه واتساخها:
-من بعض ما عندكم يا سيد الناس.
بدا السأم ظاهرًا على تعابير وجهه، فهتف في رجاله، وهو يتخذ مقعد الراكب في إحدى السيارتين:
-كفاية رغي، وخلونا نمشي من هنا، لسه عندنا شغل تاني قبل كتب الكتاب.
رد عليه شيكاغو في طاعةٍ وهو يشير لرفيقه باستقلال السيارة الأخرى:
-ماشي يا كبيرنا.

تحولت الباحة الملاصقة لدكانه إلى ما يشبه تجمعًا عائليًا مغلفًا بمشاعر الود والألفة، والصداقة العتيقة. تسابق عمال المقهى الشعبي في خدمة الضيوف الأعزاء، والذين تعالى صخبهم المرح. استطرد دياب قائلاً وهو يشير بسبابته:
-شوفوه بس لو حد قرب من ابنه، تحس إن في ماس كهربي ضرب فيه.
رمقه منذر بتلك النظرة النارية المحذرة قبل أن يعلق عليه في تزمتٍ:
-مش باخد بالي منه!
ضحك قائلاً في تسلية:.

-مش بالشكل ده يا جدع، ده إنت ناقص تحط يافطة ممنوع الاقتراب أو التصوير.
لوى منذر ثغره مرددًا في تهكمٍ:
-بكرة نشوفك هتعمل إنت التاني.
بنوعٍ من التفاخر، انتصب دياب في جلسته، وأخبره:
-هو أنا ليا لي زي.
هز رأسه معقبًا بإيجازٍ:
-طبعًا.
تساءل دياب في اهتمامٍ:
-أومال فين تميم؟ مش ظاهر ليه؟
أجابه بدير بعد زفيرٍ سريع:
-كان قايل رايح مشوار على السريع وراجع.
رد عليه مبتسمًا:
-يجي بالسلامة، ومتجمعين دايمًا في الفرح.

شاركه الابتسام، وقال:
-يا رب.

وقفت خلف شقيقها تُصر على دفع مقعده المدولب، بعد أن جاءت بصحبته لحضور مراسم عقد القران، ما إن رأه الرجال المرابطين عند مدخل البناية، حتى تعاونوا في حمله للصعود للطابق العلوي، شكرتهم آمنة على مساعدتهم، وانتظرت ذهابهم لتسأله:
-عامل إيه يا خويا؟
أجابها خليل بإيماءة صغيرة من رأسه:
-ال، حمدلله.
مالت عليه لتخاطبه معتذرة:
-معلش أنا قصرت معاك اليومين اللي فاتوا، بس إنت شايف الجماعة كانوا آ...

قاطعها مشيرًا برأسه:
-أنا، ك، ويس.
ربتت على جانب ذراعه قائلة في لطفٍ:
-عقبال ما نفرح ب رقية كده وتلاقينا واقفينلها كلنا.
لم يعرف إن كان القدر سيمهله الفرصة لرؤيتها كعروسٍ جميلة تزف إلى زوجها، لمحة من الحزن غلفت نظراته وهو يردد:
-يا رب.

منذ ما يقرب من الساعتين، وهي ماكثة معها في غرفتها، تعاونها على كل صغيرة وكبيرة، لتبدو متأنقة في تلك الليلة الهامة، بالرغم من قلة المدعوين، واقتصار الحضور على بضعة أشخاصٍ من المقربين فقط، بناءً على طلبها، إلا أن شعورها بأنها محط أنظار الجميع ضاعف من الرهبة بداخلها. تطلعت هاجر إلى انعكاس وجهها في المرآة، كانت تزين بشرتها لمحات رقيقة وخفيفة من مساحيق التجميل، وحجاب رأسها يغطي كامل شعرها. أضافت فيروزة القليل من أحمر الشفاه عند شفتيها، وطلبت منها بابتسامة رقيقة:.

-حاولي تفردي الروج على كل شفايفك
خفق قلبها في توترٍ وقد طاف بخلدها في تلك اللحظة أنها ستعايش نفس اللحظات التي عاشتها حين تقدم محرز للزواج منها. انتابتها الهواجس المربكة، وتزايدت المخاوف المبررة برأسها، لذا هتفت تستجدي بوالدتها الواقفة على الجانب الآخر آملة إرجاء الأمر برمته، كرد فعلٍ غريزي:
-بلاش، أنا، مش عايزة آ...
تفهمت ونيسة للتوتر المتفشي فيها، ووضعت يدها على كتفها تسألها في عاطفة حانية:.

-خايفة من إيه يا حبيبتي؟ سراج ابن حلال وشاريكي.
جاءها تعليقها إلى حدٍ ما صادمًا:
-ما محرز كان كده.
انتبهت فيروزة لما يدور بينهما من حوار فحواه أظهر خصوصيته، وحاولت ألا تشارك بالتعليق، وتبتعد عنهما لتتركا لهما فسحة للحديث بأريحية، فادعت انشغالها بإعادة تنسيق باقة الورد. هتفت ونيسة تعاتب ابنتها على جملتها الأخيرة المليئة بسوء الظن، فقالت:
-إنتي عايزة تقارنيه بده؟ حرام عليكي.

اغرورقت عينا هاجر بالدموع، فالتقطت منديلاً ورقيًا تمسح به العالق بين رموشها، في حين استمرت والدتها في مخاطبتها بعقلانية:
-يا بنتي بصي لقدام، الراجل مش محتاج يدعي إنه راجل، الراجل بيبان في مواقفه وتصرفاته.

بالرغم من ابتعادها عنهما، إلا أن كلامها وصل إليها، وللحظة شعرت وكأنها تخاطبها هي، تُذكرها بما كانت عليه مع المخادع آسر، وما فعله –وما زال يغعله- تميم معها، توترت من مجرد التفكير فيه أمام عائلته، وسرعان ما تأثرت بشرتها واصطبغت بحمرة طفيفة، أخفضت رأسها حرجًا، وسارت تجاه النافذة، على أمل أن يداعب الهواء البارد وجنتيها الدافئتين. واصلت ونيسة القول بهدوءٍ واضح:.

- محرز صحيح ضحك علينا كلنا، بس مكانش يُعتمد عليه، كان دراع أبوكي في الشغل العادي؛ لكن المهم أبوكي كان بيقوم بيه لحد ما أخوكي خرج من السجن، وساعتها كل المستور اتكشف وبان.
عبرت هاجر عن مخاوفها، فهتفت بنزقٍ:
-أنا خايفة يكون واخدني تصفية حسابات.

عند تلك الكلمات استدارت فيروزة برأسها لتنظر إلى العروس المرتاعة، تحولت نظرات الحرج إلى أخرى جادة، كما اكتسبت تعبيراتها وجومًا غريبًا، انزلق لسانها يسألها في فضول مهتم:
-تصفية حسابات إزاي؟

بإيجازٍ غير مسهب أفصحت هاجر عن السبب الحقيقي وراء حبس شقيقها، لتُصحح تلقائيًا وكليًا الصورة الخاطئة المأخوذة عنه، ربما بعض العبارات المتناثرة من هنا وهناك، وبعض الأقاويل والمواقف التي تدعم شهامته كانت تعتبرها مجرد تجميل لبضاعة ما، أو تفخيم لشخصية محبوبة بين المواطنين على سبيل الشهرة واكتساب الود؛ لكن أن تأتيها الحقيقة بكافة معالمها الواقعية هكذا جعلها تعيد التفكير في شأنه.

حافظت فيروزة على جمود ملامحها، أخفت اندهاشها، وتساءلت بحاجبين معقودين:
-ووافق بعد ده كله ترتبطوا ببعض.
أومأت برأسها مؤكدة:
-أيوه.
تحلت ونيسة بفضيلة الصبر، وحاولت إقناعها بمنطقيةٍ:
-طب الأولى كان اتجوز من زمان، بس هو استناكي، وإنتي أول بخته، ده غير إنه بيحب ابنك أوي.
ظل التردد مسيطرًا عليها، وقالت في توترٍ:
-مش عارفة، خايفة أجرب يامه، وأنا مش حمل كسرة قلب تاني.

بتلك المشاعر الخائفة مست قلبها، وجعلتها تشعر وكأنها تتحدث عنها؛ لكن على لسان شخصٍ آخر، المبررات، الأسباب، الدوافع، وكل شيء كان مطروحًا للنقاش، غير مجبرة على القبول به، وهذا أكثر ما أحبته في تلك العائلة؛ حرية الاختيار. لم تتوقف ونيسة عن محاولتها دعم ومؤازرة ابنتها، فقالت:
-طبيعي تخافي وتقلقي لما نفس التجربة تتكرر، بس الفرق هنا إن سراج بيحبك من قلبه، واللي بيحب بيعمل أي حاجة عشان يسعد وليفه.

ضحكت هاجر ضحكة مبتورة، وعلقت:
-إنتي بتتكلمي زي أبويا وجدي.
ردت عليها والدتها مؤكدة بثقة، وابتسامتها تنير وجهها:
-لو أبوكي كان شاكك للحظة إنه مايستهلكيش مكانش وافق، ما بالك ب تميم هو كمان؟ تفتكري كان وافق يحط إيده في إيد اللي حبسه؟ إلا إن كان شاف منه كل خير.
أصابت القول في جملتها الأخيرة، وبدأت مخاوف ابنتها تقل تدريجيًا، فأضافت بتريثٍ لتشعرها بالمزيد من الطمأنينة:.

-و محرز ربنا ينتقم منه اعترف وقال إنه خرب الدنيا، مش ده كان كلام أخوكي؟
ردت دون تفكيرٍ:
-أيوه.
ربتت ونيسة على كتفها تستحثها:
-ارمي ورا ضهرك يا بنتي، وبصي للحلو اللي جاي في حياتك.
حملقت هاجر مجددًا في المرآة لتنظر إلى نفسها، محاولة الإصغاء لنصيحتها، ونبذ ما يقلقها. استأنفت ونيسة كلامها معها بابتسامةٍ أكثر اتساعًا:.

-وبعدين الست أمه بلسم، من بيت أصول، محترمة وأخلاق، وبتحبك، والكل عارفها من زمان، ولسانها مايطلعش منه العيبة.
وافقتها الرأي، فأكملت بنبرة مالت للجدية:
-أي أم مطرحها تتمنى ابنها يتجوز واحدة صبية، وحلوة، وليها أصل وفصل، وقبل ده كله بنت بنوت...
تعمدت الضغط على الكلمات الأخيرة لتؤكد لها إصراره عليها، وقبل أن تنطق بحرفٍ أضافت ونيسة بنفس الوجه المبتسم:.

-شوفي إنتي بقى مقدار غلاوتك عندهم، لأنه عملك اللي ما اتعمل لأي واحدة، ومستعد يراضيكي باللي يسعدك.
وجدت هاجر نفسها تبتسم قائلة في فرحةٍ غير مزيفة، وتلك اللمعة تطل من عينيها:
-مظبوط.
احتضنت الأم ابنتها، وقالت بعد تنهيدة بطيئة:
-استبشري خير يا هاجر، وافرحي يا بنتي، ده النهاردة ليلتك.

تأثرت فيروزة، واختنق بتلك المشاعر الودودة الداعمة التي طغت على الأجواء، عانت مؤخرًا من حساسية زائدة لكل ما له صلة بالمشاعر، وهي التي لم تكن هكذا، كبحت عبراتها بصعوبة، وهتفت قائلة دون أن تنظر نحوهما:
-عن إذنكم، هاطلع أشوف ماما إن كانت عايزة حاجة.
رجتها هاجر في نبرة حانية:
-ارجعيلي تاني يا فيروزة، عايزاكي جمبي.
كانت قد فتحت الباب، وهمَّت بالخروج من الغرفة، لذا استدارت ناظرة ناحيتها لترد في رقة:.

-حاضر، أنا معاكي.
منحتها نظرة مطمئنة، ثم أغلقت الباب متجمدة في مكانها لبضعة ثوانٍ، سحبت عدة أنفاس عميقة تحط بها على المشاعر المرهفة التي عصفت بها الآن، لتلتفت بعدها مندفعة بكامل عنفوانها نحو الأمام دون أن تنظر جيدًا.

ادعاء أن شيئًا لم يكن بدا متعذرًا عليه، فالالتقاء بهذا اللزج المنفر يعد شيئًا غير سارٍ للنفس، عاد إلى الدكان، والتقى برفاقه الأعزاء ليستأذن بعدها حتى يبدل ثيابه، ويستعد لاستقبال المدعوين. لم يتوقع تميم تواجدها في منزله، فمعظم الوقت كانت غرفة شقيقته مغلقة على من فيها، تأتي النساء تهنئها، وتمكث لبعض الوقت، ثم تنصرف، أراد رؤيتها قبل نزوله للأسفل، فتفاجأ بخروج نصفه المكمل من الغرفة، في بهائها الساحر والمغري.

كانت فيروزة قد ارتدت ثوبًا أسود اللون، عادت إلى هذا اللون المثير، مع فارق أنه ازدان بفصوص متناثرة للون الفيروزي، حجاب رأسها كان من اللون الأسود، يتماشى مع الثوب البراق، بالطبع أرادت ألا تكون لافتة للأنظار في تلك المناسبة، فاختارت التقليدي من الأثواب؛ لكنها استحوذت على سائر الانتباه والاهتمام، انتفض الحب الثائر في كامل وجدانه، واستثارت به مشاعر التوق والرغبة، اللوعة والاشتياق.

على ما يبدو لم تنتبه إليه، فتحركت صوبه لترتطم به بعنفٍ، شهقت لاصطدامها بالصدر الرجولي، وارتدت للخلف كردة فعلٍ تلقائية. رفعت فيروزة أنظارها للأعلى لتحدق في وجه تميم بعينين متسعتين في صدمةٍ وحرج، ساد بينهما صمت مطبق لبضعة لحظات، قطعه الأخير متسائلاً في اهتمامٍ:
-إنتي كويسة؟
تداركت خطئها غير المقصود، واعتذرت منه بربكةٍ خفيفة:
-معلش، أسفة، مخدتش بالي.
سألها في ملامح جادة:
-في حاجة ناقصة عند هاجر وعايزاها؟

شملته بنظراتٍ بدت فاحصة أكثر منها عابرة، كانت مرتها الثانية التي تراه يرتدي فيها بدلة رمادية أنيقة للغاية بعد السوداء التي ارتداها في حفل زفافه، بدا وكأنه تعمد حدوث هذا، لتراه كذلك في كامل الوجاهة والأناقة، على عكس الصورة المعتادة له. حمحمت في خفوت، وأجابته وهي تبعد نظراتها عنه:
-لأ، مافيش.

حاولت تجاوزه للمرور؛ لكنه تحرك في نفس اتجاهها، اتجهت بعفوية للزاوية الأخرى؛ لكنه كرر نفس الفعلة، حينها تأكدت أنه أراد منعها من المرور، تقلصت عضلات وجهها بشكلٍ منزعج، ونظرت إليه بنظرة مستفهمة حائرة، قبل أن تسأله:
-في حاجة؟
فاستطرد يخبرها بنظراته الدافئة:
-عايزك تعرفي حاجة.
رد بتعجلٍ مقاومة ما يعتريها الآن من مشاعر موترة، وقد ضمت يديها معًا أمامهها:
-خير؟

بوجهٍ مرتخي التعبيرات، ونظرات جمعت كل درجات الحب ومستوياتها، أخفض صوته قائلاً بغموضٍ، جعل النابض بداخلها يتلاحق في دقاته:
-خدتلك حقك من اللي جرحك زمان.
شحب وجهها الخالي من مظاهر الزينة بدرجة ملحوظة، وسألتها وهي تنظر إليه ملء عينيها في توجسٍ:
-قصدك إيه؟
آملت ألا يكون سرها الأخير قد كُشف، هذا الذي أقسمت ألا تبوح به لغير نفسها، تحفزت في وقفتها، وظلت تطالعه بتلك النظرات القلقة وهو يخبرها:.

-اتحاسب على كشفه لسترك، ومش هسمحله يمسك بسوء.
تحيرت في أمره، وسألته بحلقٍ شبه جاف:
-إنت، بتكلم عن مين؟
لم تتبدل تعابيره وهو يجيبها بهدوءٍ:
-اللي مايستهلش إنه يكون قريب، اللي خان الأمانة، عشان نفسه المريضة.
برقت عيناها في صدمةٍ، وهتفت تردد اسم أول من تبادر إلى ذهنها بفعلته الذليلة معها:
- فضل!
رفع سبابتها طالبًا منها بملامحٍ منزعجة نسبيًا:
-لسانك أطهر من إنه ينطق اسمه.

سألته في تحفزٍ، وقد ضاقت نظراتها المتوترة:
-هو إنت عملت إيه بالظبط؟
تصنع الابتسام ليخفف من حدة التوتر قبل أن يخبرها:
-ولا حاجة، المهم عندي إن محدش يدوسلك على طرف لا زمان ولا دلوقتي.
كانت مأخوذة بكل ما يفعله لأجلها، ليس لأنه يريد الظفر بلقطةٍ حصرية تعبر عن شهامته المفرطة في عالم الذكور الأصيلة، بل لشيء آخر رغبت وبشدة في معرفة تفسيره الحقيقي، اشتد ضمها لقبضتيها، وسألته بأنفاسٍ لم تكن منتظمة:.

-إنت بتعمل معايا كده ليه؟
ظهر الانفعال على صوتها رغم خفوته وهي تكمل:
-عايز مني إيه؟
أطرق رأسه للحظات كأنما يبحث عن الكلمات المناسبة، لم يعد هناك أدنى مهرب من المواجهة والاعتراف، عاد لينظر إليها مليًا، قبل أن يتشجع قائلاً:
-هاكون أسعد واحد في الدنيا دي كلها لو...
توقف عن إتمام جملته ليظهر التردد عليه لهنيهة، ألحت عليه فيروزة متسائلة بصبرٍ شبه نافذ؛ وكأنها تنتظر سماع ما تخبأه الحياة لها من سعادة خفية:.

-لو إيه؟
كان لعينيها في تلك اللحظات بما فيها من لهفةٍ وترقب أكبر الأثر عليه، لهذا استجمع تميم الهارب من جأشه، وراح يخبرها بوضوحٍ وبجراءةٍ ربما تكلفه الكثير بعد أن بلغ نهاية الصبر والانتظار:
-وافقتي أتجوزك...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة