قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الطاووس الأبيض الجزء الأول للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والأربعون والأخير

رواية الطاووس الأبيض للكاتبة منال سالم الجزء الأول

رواية الطاووس الأبيض الجزء الأول للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والأربعون والأخير

أوصله إلى منزله ليضمن ابتعاده ولو بشكلٍ مؤقت عن اختلاق المشاكل، ثم تابع القيادة إلى بيته، فهناك معركة مؤجلة بينه وبين "خلود" حتما ستشعلها فور عودته .. كانت زوجته تنتمي لهذا النوع من الناس الذي لا يلوم نفسه أبدًا، المبررات متواجدة لأي كارثة ترتكبها، من وجهة نظره المحدودة كان رده في هذا الموقف العسير إلزاميًا لإيقاف سموم كلماتها القاتلة..،

دس المفتاح في قفله وهو يتوقع انتظارها له، صدقت توقعاته وكانت بالفعل جالسة على الأريكة في حالة تحفز واضحة .. وما إن أغلق الباب خلفه حتى انتفضت واقفة، نظرت نحوه مطولاً بنظرات يملأوها الغل، ثم سألته بغضبها المشحون لساعاتٍ في صدرها:
-خلصت اللي وراك؟ فضيت دلوقتي عشان نتكلم؟ ولا هتطنشي زي ما رمتني في الشارع ولا كأني كلبة تعرفها مش مراتك اللي ليها حق عليك؟!
نفخ مطولاً وهو يهمس لنفسه:
-اللهم طولك يا روح.
انفجرت تلومه على الفور لتنشط ذاكرته بما ارتكبه في حقها:
-طبعًا عمرك ما هتطلع نفسك غلطان مهما عملت!

لم ينكر أنه شعر بالخجل من نفسه، لكنها كانت كفيلة باستفزازه وتبديد أي إحساسٍ بالندم، ألقى "تميم" بميدالية مفاتيحه على الطاولة، وتابع السير عبر الردهة متجاهلاً إياها، لكنها لحقت به ولسانها الصارخ يسبقه في إلقاء التهم عليه بصورة تهكمية:
-كنت عندها صح؟ واطمنت عليها يا معلم؟ ما هي الأبلة بتاعتك أهم من مراتك اللي بهدلتها وضربتها وأهانتها عشان ترضيها!

لم ينقصه سوى صراحتها الفجة لتوقظ مشاعره الحانقة، رد يحذرها بخشونة وقد نفذت قواه على الصبر:
-بلاش تحوري وتهلفطي في الكلام، والأحسن خلينا نتكلم بعدين، لما نهدى احنا الاتنين.
أسرعت "خلود" في خطاها لتتجاوزه وهي في قمة غيظها، ثم وقفت أمامه ترمقه بعينين تقدحان بالغضب، امتدت قبضتها لتمسك به من ذراعه، ثم أدارت وجهها للجانب وهي تصرخ فيه:
-أحور؟ ده إنت إيديك لسه معلمة على وشي، شايف؟!

أطبق شفتيه مانعًا نفسه من الرد عليها، كان رده عنيفًا معها، ولكنه كان الخيار المناسب -من وجهة نظره- لإخراس لسانها الطائش، هدرت تلومه بصوت مال للاختناق لتشعره بفداحة جريرته:
-وطبعًا مش ندمان! ما إنت راجل! محدش هيلومك إن عملت فيا ما بدالك..
انفجرت في نوبة بكاء لتبدو سهلة الإقناع وهي تكمل تعنيفها له:
-واحدة غيري كانت قلبت الدنيا على ضربك ليها، بس أنا طبعًا لأني غبية وبأحبك استحملت الإهانة ومافتحتش بؤي، اضربت وسكت عشان خاطرك.

علقت غصة مؤلمة في حلقه بتذكيرها لتهوره، وقال مبررًا على مضضٍ وهو يتحاشى النظر نحوها:
-إنتي اللي خلتيني أوصل معاكي لكده.
تحركت لتقف أمام عينيه، وهتفت بنبرة ناقمة:
-أيوه إنت الملاك البريء وأنا الشيطان الرجيم!
رمقها بنظرة حادة قبل أن يسألها:
-إنتي مش شايفة إنك غلطانة؟

ردت نافية بوجه مكفهرٍ:
-لأ طبعًا، أنا بأعمل زي أي واحدة مكاني تهمها مصلحة أخوها
هتف مستنكرًا تبرير وقاحتها الفجة:
-وده كلام يتقال؟ بتعايري البت بأختها اللي أصلاً متعرفش حاجة
نظرت له بقساوةٍ وهي تعقب عليه بنبرة أشد تشنجًا مستخدمة يدها في التلويح:
-وإنت الصراحة كنت ذوق على الآخر معايا، ده إنت ضربتني قصادها؟

التزم "تميم" الصمت وهو يراها تشير إلى صدغها الملتهف، عمدت "خلود" إلى خفض نبرتها حين تابعت بصوت يكسوه القهر:
-إنت وجعتني، وكسر قلبي اللي بيحبك.
أغمض عينيه لوهلة تاركًا إحساسه بالذنب يتغلغل فيه، واستغلت تلك النقطة ببراعة فأضافت ضاغطة عليه ليعترف بخطئه:
-إنت ليه ساكت؟ قول إنك ندمان على اللي عملته فيا؟ قول إنت البت دي تستاهل تتهزق، مش أنا مراتك حبيبتك اللي اتعامل كده.

حقًا كان تبدد أي شعورٍ يراوده بإعادة التفكير في تصرفه العنيف بكلماتها الحاقدة التي تنم عن جانب بشع مناقض كليًا لشخصيتها المستكينة، نظر لها شرزًا وبوجهٍ مقلوب، اغتاظت من سكوته فأمسكت به من ياقتيه تهزه بعنفٍ وهي تصرخ لائمة:
-رد عليا يا "تميم"؟ إنت مبسوط لما بتشوفني كده؟ ليه بتبعدني عنك؟ ليه بتعاملني زي الغريبة؟ ده أنا مراتك مش واحد صاحبك، ياخي ده إنت أصحابك عارفين كل حاجة عنك أكتر مني.

لم يجد بدًا من ذلك النقاش العقيم معها، لن تعترف بخطئها، ولن يظهر لها ندمه إن كان يشعر به بالفعل، وضع قبضتيه على معصميها، وأزاح يديها بعيدًا عنه ليتمكن من السير، تبعته بصوتها المنفعل تلومه بحرقةٍ:
-حرام اللي بتعمله فيا، حس بقى بيا، ده أنا بأموت قدامك، وإنت مش همك..
اكتسى صوتها بقساوة وتحدٍ سافر حين استأنفت التلميح عن قصدٍ:
-أنا لو كنت مكانك، وبأكلم واحد غيرك ومن وراك، تفتكر كنت هتسمح ب آ...

لم يطق كلماتها النارية التي أشعلت حميته الذكورية فاستدار هادرًا بها:
-متكمليش!
نظرت له باستهجانٍ قبل أن تسأله بنفس أسلوبها المتسلط:
-الغيرة وجعتك صح؟ ولا كرامتك نأحت عليك؟
أظلمت نظراته، واخشوشنت نبرته وهو ينذرها:
-إنتي متجوزة راجل مش شرابة خُرج!

علقت بتلميح ماكر وهي تومئ بحاجبها:
-أديك مش قابل الفكرة، بس حلال ليك وحرام عليا
ثارت أعصابه بعد أن فشل في كبحها، فنهرها بلهجته القاسية:
-عارف إني غلطت، واتهورت، وخالفت عهدي معاكي، وضربت بالقلم.. بس إنتي كنتي الله ينور قالبها حريقة، لسانك زي المنشار عمال يحف في رقاب الناس، كنتي متوقعة مني إيه؟! أفضل ساكت وسايبك تسوئي فيها؟!

توترت نظراتها مع ارتفاع نبرته واحمرار وجهه، وتشجعت قائلة بجحودٍ:
-لكن تضربني عشان ترضي الصايعة دي، ومراتك اللي ضحت بعمرك واستنتك سنين مش مهم تموت بغيظها! رد عليا أنا كلامي صح؟!
توحشت نظرات "تميم" وهتف معبرًا عن تفكيره نحوها بصورة مُشككة فيها:
-مش دي "خلود" اللي أنا اتجوزتها، مش دي البني آدمة اللي بتحبني، أنا شايف قدامي واحدة تانية، نسخة من خالتي، ده لو مكونتش أسوأ منها!

خفق قلبها ارتعابًا من طريقته الغريبة في الحديث معها، وكأنه يظهر لها ندمه على ارتباطه بها، تنفس بعمقٍ وأضاف:
-ولما جيت اتجوزتك كان برضايا، قدرت فيكي انتظارك ليا بعد سنين الغَبرَة دي كلها، فبلاش كل شوية تحسسيني إنك عملتي معايا جميلة، وضحيتي وشبابك ضاع عشاني، يا ستي كنتي سيبيني يوم ما اتحبست، والله ما كنت هالومك زي دلوقتي، على الأقل ساعتها كنا ريحنا بعض، وجايز مكوناش وصلنا لكده النهاردة، إنك تعايري غيرك باللي بتعمليه.

امتلأت مقلتاها بالعبرات سريعًا، لم تقاوم انسيابها، تركتها تغرق وجهها وسألته بصوتٍ ما زال يلومه:
-بقى دي جزاتي في النهاية؟ هو ده مقابل حبي ليك؟
رد بجفاءٍ:
-الجواز مش كله حب يا "خلود"، في مشاكل كل يوم هاتقابلنا، واللي بيحب بجد مش هيأذي حبيبه!

ارتمت في أحضانه ومرغت رأسها في صدره وهي تبكي، لفت ذراعيها حول خصره وحاولت ضمه إليها، لكنه كان كالصخر جامدًا لا يظهر عليه التأثر بدموعها المذروفة، خرج صوتها متقطعًا وهي تتسول مشاعره المفقودة:
-أنا بأحبك، ومستعدة أسامحك بس تفضل ليا، أنا معرفتش في حياتي إلا إنت.

لم يشعر بدفء جسدها المغري، بدا كالشوك بالنسبة له، وبهدوءٍ أخفى خلفه كومة من المشاعر الحانقة انسل من بين أحضانها، وأبعد ذراعيها عنه كأنه ينبذها، ثم تحرك مبتعدًا وقال بنبرة مليئة بالجفاء:
-"خلود" أنا تعبان.

لم يذهب إلى غرفة نومهما، بل غير وجهته لغرفة النوم الأخرى موصدا الباب خلفه، أراد الانعزال عنها لبضعة أيام، ليهدأ كلاهما، لكنها لم تتحمل جفائه، شعرت بدمائها تغلي للفظه المتعمد لتيار حبها المتدفق، لحقت به وقبضت على المقبض محاولة فتح الباب، لكنها فشلت، فكورت قبضتها وطرقت عليه بعنفٍ مواصلة صراخها اللائم:
-ماشي يا "تميم"، بس خليك فاكر إنت بتظلمني إزاي.
أتاها صوته من الداخل يقول ببرود استثار أعصابها التالفة:
-تصبحي على خير.
ضربت من جديد على الكتلة الخشبية وهي تغمغم بسبة خافتة، لكنها لم ولن تيأس أبدًا من تكرار المحاولة، فزوجها من حقها هي فقط.

-أنا جمبك، فمتحمليش هم أي حاجة، أنا السند ليكي يا حبيبتي.
رددت "فيروزة" تلك الكلمات المطمئنة لتبعث إحساس الأمان المفقود لتوأمتها التي تكومت على نفسها في فراشها مستسلمة لأحزانها المتكالبة عليها، مسدت برفقٍ على شعرها المنسدل، وظلت تدلك عنقها في لطفٍ حتى بدأت تشعر بالنعاس، انحنت عليها تقبلها من جبينها وهمست لها:
-إنتي وماما أغلى ناس في حياتي، ربنا يخليكوا ليا.

وما إن تأكدت من سقوطها أسيرة لسلطان النوم حتى نهضت من جوارها، وبحرصٍ واضح في خطواتها أغلقت الباب بهدوء خلفها، أنهت "همسة" ادعائها الزائف باستغراقها في النوم عندما تأكدت من خروجها، فتحت عينيها وأعادت تجسيد المشاهد المؤلمة التي مرت بها دون أن تزيح الغطاء عنها، اختبأت أسفله وتلك الرجفة تسري في جسدها، كانت أجبن من أن توافق على إجراء تحليل الهرمونات لتتأكد من شكوكها، ارتعبت من فكرة احتمالية إصابتها بالعقم، سيطر على تفكيرها ذلك الهاجس المخيف، وقالت لنفسها:
-طب افرض طلع الكلام ده حقيقة، هاعمل إيه ساعتها؟

بدأت الأفكار السوداوية تهاجمها بقوةٍ، استرسلت مع نفسها في جزعٍ:
-ساعتها مين هايقبل يتجوز واحدة زي؟ مافيش راجل هيرضى يعيش من غير عيال وخلفة يتباهى بيها؟ طب وأنا؟
بكت رغمًا عنها تاركة لإحساسها بالقهر الانتشار فيها، ارتجفت شفتاها حين اعترفت لنفسها بصوتها الخافت:
-مش هابقى أم!
انسابت دمعاتها أكثر مع تغلغل ذلك الشعور المؤلم بداخلها، كتمت أصوات شهقاتها بطرف الغطاء، ودت لو أعيدت عقارب الساعة للوراء فلم تسمع ما أذاها نفسيًا ودمرها معنويًا.

تماثلت للشفاء تقريبًا وباتت قادرة على الحركة دون ألم موخز كالسابق بعد مرور بضعة أيامٍ على عودتها للمنزل، والحق يُقال أن والدتها لم تتوانِ عن رعايتها بشكلٍ مكثف لتفيق من أوجاعها وهي في صحة جيدة، سمعت "همسة" صوت الدقات المتكررة على باب المنزل وهي تجلس بالصالة تشاهد التلفاز، فقالت من تلقاء نفسها:
-هافتح أنا يا ماما.

وبتمهلٍ خطت نحو الباب لتدير مقبضه، نظرت مدهوشة إلى الرجلين اللذين احتلا الفراغ أمامها، بدت مبهوتة بحضورهما غير المتوقع، تداركت نفسها وردت مرحبة ومشيرة بيدها حين ألقى عليها الحاج "سلطان" التحية:
-وعليكم السلام، اتفضلوا.

زيارة مفاجئة قرر أن يقوم بها الجد الكبير ومعه ابنه "بدير" لتلك العائلة لوضع بنود اتفاقية جديدة من أجل إتمام تلك الزيجة المعقدة فقط إن ارتضت "همسة" بها أو أضافت عليها بشروطها، أجلستهما في الصالون، واستأذنت بتهذيبٍ:
-هأبلغ ماما إنكم هنا.
رد "بدير" بصوته الهادئ:
-وماله، وخالك شوية وهيحصلنا ...

تبادل مع والده نظرة مفهومة قبل أن يتابع:
-أنا مبلغه قبل ما أجي.
شعرت بالتوتر الحائر يصيبها، كانت متأكدة أن للأمر علاقة ب "هيثم"، ذاك المثابر الذي لم تتوقف عن التفكير فيه لليلة واحدة، ورغم قلقها من تلك الزيارة الجادة إلا نوعًا من المشاعر الفرحة الصافية سرت فيها .. تساءلت "فيروزة" في فضولٍ:
-هو مين جه برا؟

أجابتها وهي تعض على شفتها السفلى:
-ده.. الحاج "بدير" وأبوه
تغيرت تعابيرها المرتخية حين تساءلت على مضضٍ:
-ودول جايين ليه؟ مش خلاص فضينا الموضوع
هزت كتفيها قائلة:
-معرفش
قالت "فيروزة" بنبرة عازمة:
-وأنا داخلة عندهم.
أمسكت بها "همسة" من ذراعها لتُعلمها:
-وعشان تبقي عارفة خالك جاي كمان.

امتعاض منزعج تشكل على محياها بعد أن سمعت ما قالته، زفرت معلقة عليها وقد فطنت نسبيًا لأسباب ذلك التجمع الذكوري:
-أنا كده فهمت هما جايين ليه.
مسحت "فيروزة" بيدها على مقدمة رأسها لتسوي من خصلاتها المتنافرة، وببسمة متكلفة هتفت ترحب بهما:
-شرفت بيتنا يا حاج "بدير"..
اقتربت منه لتصافحه، ثم التفتت نحو "سلطان" ترحب به بنفس ذات الابتسامة:
-إزي حضرتك يا حاج؟

أجاب الأخير في هدوءٍ:
-الحمدلله يا بنتي، احنا في نعمة ورضا من ربنا.
جلست موزعة نظراتها بينهما وهي تقول:
-منورين، خير في حاجة مهمة؟
أجابها "بدير" بغموض:
-دلوقتي هتعرفي، ماتستعجليش يا بنتي.
هتفت بنزقٍ مستخدمة يدها في الإشارة للخلف:
-أنا مجهزة الشبكة بتاعتكم، اعذرونا إن كنا اتأخرنا عشان نرجعها، و...

قاطعها في ضيقٍ:
-دي خرجت من ذمتنا من زمان.
وقبل أن تسألهما كان "خليل" يقف على أعتاب الغرفة مهللاً:
-يا مراحب بالناس الكُمل.

بالطبع حضوره سيفسد أي محاولة منها لإنهاء ما يحاول إعادته، انضمت إليهم "آمنة" وقد أعدت صينية مليئة بأكواب الشاي، أسندتها على الطاولة وقامت بتوزيعها وهي تستقبلهم بودها الدائم، اتخذت مكانها بجوار ابنتها، وقبل أن يتطرق "بدير" للموضوع الهام الذي جاء من أجله استأذن قائلاً:
-يا ريت بنتنا "همسة" تكون موجودة، لأن الكلام يخصها.
صح تخمين "فيروزة" وعبست ملامحها كليًا، تحفزت في جلستها، وكأنها تريد القتال، لكن بضغطة لطيفة من والدتها على فخذها حثتها في صمت على البقاء ساكنة ريثما يُعرف بالضبط سبب الزيارة.

اتضحت الأمور بعد نقاشٍ طويل مفصل، وعُرضت الشروط عليها لتفكر فيها مليًا قبل أن تمنحهم قرارها النهائي؛ حيث تقرر أن تقيم "همسة" في منزل صغير بعيد عن "بثينة" ومقره بالطابق العلوي ببناية الحاج "سلطان" سيتم استئجاره باسمها لمدة خمس سنوات دون أن تدفع مليمًا فيه لتكون تحت رعاية عائلة "بدير"، وبعدها يغدو ملكها، وسيتم فرشه بالأثاث الحديث، كذلك المحل الذي رغب خالها في تأجيره لأجل الإنفاق عليه وعلى أسرتها سيتم شرائه ويصبح ملكًا بالمناصفة لكليهما..،

كما ستُمنح مؤخر صداق لا بأس به إن فكرت في الانفصال لاحقًا ليغنيها عن الحاجة للآخرين، أما عن "هيثم" فإن تجرأ يومًا ومسها بسوء فالعواقب ستكون وخيمة عليه، لم تقبل "فيروزة" بكل تلك الضمانات، وهتفت محتجة:
-احنا مش في سوق عشان تبيعوا وتشتروا في أختي، للدرجادي مافيش إلا هي، ما تدورا على واحدة تانية غيرها.

رد "خليل" معترضًا وفي صوته هجوم بائن على شخصها وقد بات وشيكًا من تحقيق أحلامه:
-ومين قالك إننا بنعمل كده؟ ده جواز على سنة الله ورسوله، بنوفق راسين في الحلال، والحاج "بدير" وأبوه الله يكرمهم قايمين بالواجب وزيادة، نرفض احنا ليه؟
قالت بنبرتها الساخرة وهي ترمقه بنظرة احتقارية يستحقها:
-ده لما تكون "همسة" شبه قريبهم ومنسجمين مع بعض، لكن ده لا فكر ولا حتى تعليم، يعني من الآخر ماينفعوش بعض أبدًا، وما تأخذنيش يا خالي، احنا كده بنرميها عشان الفلوس.

قبض على ذراعها يشدها منه في غيظٍ:
-إنتي اتهبلتي يا بت، بنرميها إزاي يعني؟ خطيبها شاريها وعايزها بشنطة هدومها، محدش غصبه على ده!
انتزعت ذراعها من يده انتزاعًا والتفتت موجهة حديثها إلى توأمتها لتفتح بصيرتها:
-إنتي رأيك إيه يا "همسة" في ده؟ شايفة إن "هيثم" يناسبك؟ ده أمه وأخته قاموا معاكي بالواجب من غير أي حاجة، هتستحملي تعيشي مع ناس مش طايقينك، ليه تعرضي نفسك للمهانة من تاني معاهم؟ وعشان مين؟

ثم حركت رأسها نحو والدتها متابعة حديثها حتى تدعمها:
-وإنتي موافقة يا ماما ترمي بنتك لواحد الله أعلم هيعمل فيها إيه لو أمه قلبته عليها؟
صاح "خليل" عاليًا ليوقف ما اعتبره هراءاتها:
-يا شيخة الناس جايين بتقلهم ومتمسكين بيها، وأكدوا مافيش حد هيمسها بسوء.

هتفت في سخطٍ ونظراتها الحادة مرتكزة عليه:
-والمفروض أنا أصدق، "همسة" مش مروحة ولا تلاجة عشان أحط في بطني بطيخة صيفي وأطنش لأن معايا الضمان، أسفة يا خالي بس أنا مش موافقة.
كز على أسنانه بقوةٍ وعينان تطقان حنقًا منها، لم تعبأ بتهديده البائن في نظراته وملامحه، الأهم أن تطمئن على أختها، لكنها تخشبت مصعوقة في مكانها عندما نطقت "همسة" بصوتٍ أجوف نهائي:
-أنا موافقة اتجوز "هيثم"!

للمرة الثانية خذلتها وأجبرتها على أن تحني رأسها في انهزامٍ، رمقتها "فيروزة" بنظرة مقهورة مستجدية ترجوها فيها بالتراجع، لكنها أكدت من جديد بوجهٍ جليدي، وصوت ثابت، وكأن واحدة أخرى هي من تتحدث:
-أنا مش هلاقي أحسن منه ليا.

سبع سنوات عجاف مرت عليه بصعوبة شديدة خلال فترة حبسه، كان مذاق أيامه فيها كالزقوم في جوفه، لم يهنأ لليلة واحدة طوال تلك المدة التي ظن أنها لن تمضي أبدًا لطولها المستهلك للأعصاب، كانت الدقائق كالساعات، والساعات كالأيام، بصعوبة استطاع أن ينجو وسط تلك البيئة الإجرامية التي تخضبت فيها أخلاقيات البشر بأسوأ وأخطر السلوكيات المنحرفة والمهلكة للإنسانية، كانت تحميه غريزة البقاء وإن كانت على حساب الآخرين..،

المهم أن يُبقى على حياته .. وتلك الليلة كانت مجرد البداية لدوامة من التعاسة، عانى "تميم" من نفس ذلك الشعور العميق بالخوف من المجهول، حين كان يغفو بنصف عين حتى لا يُقتل غدرًا، تملكه نفس الإحساس المستنزف لأعصابه وساد لأيام متتالية قرر فيها مجافاة زوجته علها تتعلم درسها، لكنه بقي معظم ساعات الليل ساهمًا ومحبطًا، تمحص في مشاعره المتخبطة حتى وصل لنقطة أدرك فيها أنه لم يحب "خلود" يومًا، بل لم يبادلها أي نوع من المشاعر سوى تلك التلقائية الناجمة عن القرابة بينهما، لم يحبذ أن يعود لتلك الذكريات.

تقلب على جانبيه في الفراش الضيق، والذي عزز من تذكيره لحياته البائسة في السجن، ألقى "تميم" بالغطاء على الأرضية بركله بقدمه، أحس بارتفاع حرارة جسده، تضاعف توتره وانزعاجه، أطبق على جفنيه ليجبرهما على النوم، أبى كلاهما الانصياع له وظل باقيًا لوقت لا بأس به حتى تمكن منه الإرهاق وسقط في غفوة قصيرة، حينها داهمت أحلامه بوقفتها المتعالية وأنفها المرفوع للأعلى في إباءٍ تُجيد التعبير عنه، كانت كالطاووس في زهوها، شموخها، ورغبة الغير في امتلاكها، اقترب ليتفحصها عن قربٍ وهي ترتدي ذلك الثوب الحريري الأبيض الذي تحركه نسمات الهواء بانسيابية عجيبة، برزت ساقها اليسرى في إغراء مستفز فتجمدت نظراته على بشرتها الناعمة.

كان مدهوشًا بكل ما يخصها، رفع نظره ببطءٍ ليجوب على فاتنته، معذبة أحلامه ودقات قلبه تعدو بسرعة أكبر، فتلك المرة جاءته وفي عينيها تحدٍ مغرٍ، حفزت مشاعره العميقة واستدعتها ليغدو مهددًا بالسقوط صريع إغرائها الفتاك، ألحت عليه رغبة شديدة بالتمتع بها، باختراق أنسجتها، بالغوص معها في متعة لا حصر لها، بلع ريقه وتودد إليها بشكل لم يستطع السيطرة فيه على نفسه، وكأن كل حواسه ورغباته اتحدت معًا لتدفعه دفعًا لإشباع تلك النزوة المحرمة..،

مد يده خلف عنقه ليجذبها إليه، والتقم شفتيها الشهيتين بشفتيه، أحس باحتباس أنفاسه، باختناقٍ رهيب يجثم على صدره، حينئذ استفاق من أحلامه الجامحة وشفتي "خلود" تطبقان على خاصته بقوة لتحصل على قبلات مطولة عميقة، نفض جسدها المسجي عليه كالمذعور وهو يسألها بأنفاس لاهثة من فرط الانفعال:
-إنتي بتعملي إيه؟
همست بصوت بطيء ينهج:
-أنا بأحبك.. مقدرش أبعد عنك.

هبط عن الفراش وهو يكاد لا يصدق محاولتها لنيل متعتها خلال غفوته، ألقى نظرة منزعجة عليها فوجدها قد تأنقت في ثوب حريري شفاف من اللون الأصفر يظهر أكثر مما يخفي، ابتلع ريقه بصعوبة، وحاول ضبط انفعالاته غير المنتظمة ليستعيد هدوئه، زحفت "خلود" على الفراش لتنزل ساقيها من عليه، وقفت قبالته بصدرها المتهدج وتلمست ذقنه بأناملها في حركة ناعمة مغرية، أسبلت عينيها نحوه لتطالعه بنظرات مليئة برغبة جائعة، خبت نبرتها قائلة له:
-أنا عايزاك ليا وبس.

أمسك بأناملها بيده التي بدت جافة في تعامله معها، ورد متسائلاً بتجهمٍ:
-إنتي دخلتي إزاي؟
أجابت ببساطة:
-كل مفاتيح الأوض واحدة بتفتح أي باب، إنت نسيت ولا إيه؟ مش كفاية خصام؟
نفخ في ضيقٍ واضح عليه، وقال وهو يحرر أصابعها من قبضته:
-ماشي يا "خلود".
التصقت به ليشعر بنعومة جسدها عليه فتوقظ الرغبة فيه، وقالت بدلالٍ:
-أنا نفسي فيك أوي يا حبيبي، إنت وحشتني.

بالطبع لم يكن في حالة مزاجية رائقة ليتقبل منها ذلك النوع المستهلك من المشاعر المحفزة للرغبات وجذبه باستماتةٍ إلى الفراش، تنفس بعمقٍ، واستطرد دون أن يجرحها:
-بعدين يا "خلود"، أنا تعبان ومش قادر.
تحولت نبرتها للصراخ فجأة وقد تبدلت تعابيرها الهادئة لعواصف وشيكة:
-إنت بترفضني؟ ده أنا مراتك، ومن حقي أتمتع بجوازي منك، ياخي ده أنا جاية على نفسي وبأصالحك، ولا خلاص مابقتش أنفع وآ...

قاطعها بخشونةٍ:
-إنت بتفسري المواضيع على مزاجك، قولتلك أعصابي تعبانة، مش قادر أعدي اللي حصل سواء منك أو مني كده عادي، أنا بشر وبأحس.. خلينا ناخد وقتنا.
قالت في صوت هامس وناعم لتغريه وهي تقترب منه لتمسك بيده وتجبره على تلمس مفاتنها حتى يذوب الجليد بينهما:
-وأنا عاوزة أنسيك اللي حصل ده كله.. ونبدأ من جديد.

وجد "تميم" نفسه عاجزًا عن مبادلتها أي مشاعر ولو بالإكراه، كان ناقمًا على تصرفاتها السيئة، ولم يتجاوز ما فعلته بعد، أما هي فقد كانت عاقدة العزم على ألا تتركه يهرب من مخالبها بسهولة، ستطوقه بحيلها التي تتفنن فيها لتهلك أعصابه، وتجعله خاضعًا لها ليشبع تلك النشوة الوقتية، المهم أن يكون بين يديها الليلة، لذا تدللت عليه أكثر، وشرعت في تقبيله بشغفٍ محموم، كانت متأكدة من تأثيرها عليه، حاول الهروب من حصارها فقال وهو يداعب طرف ذقنها:
-طب هاعمل لنفسي قهوة الأول، خليني أفوق كده معاكي.

كان اقتراحًا جيدًا للفرار بهدوءٍ حتى يفكر في طريقة يتخلص بها منها، هتفت "خلود" من ورائه بصوتها المغري وبأنفاسٍ حارة:
-ماشي يا حبيبي، وأنا هستناك في الأوضة التانية، متتأخرش عليا، أنا على ناري لحد ما تيجي.
اللا تعبير كان الأبلغ في الرد، لذا لم يعلق عليها واتجه إلى المطبخ وباله مشغول بالبحث عن حل سريع لينجيه من ليلة غرامية ليست في وقتها، وقف في المنتصف حائرًا، لا يعرف أين تضع لوازم إعداد القهوة...،

فتح الأدراج يفتش بتلكؤ عما يحتاجه، وكأنه بذلك يكتسب المزيد من الوقت حتى يصفو ذهنه المشوش ويصل لما يرضيه ولا يحرجها .. أحضر الكنكة، والمعلقة، وتبقى له إحضار البن وكذلك السكر، وجد ضالته في الدرج العلوي، لكن لفت أنظاره تلك الزجاجة الداكنة الغريبة والمخبأة في الخلف، مد يده ليلتقطها وتفحصها عن كثب بعينين مدققتين، تساءل في استغرابٍ حين لم يجد أي بيانات توضح ماهية الموجود فيها:
-إيه العلبة دي؟!

نزع الغطاء البلاستيكي الأبيض عنها ودلق ما فيها في راحته، اعتلته دهشة مستريبة وقد تناثرت حبات دواء زرقاء على باطن كفه، انتقى واحدة وتفحصها في اهتمامٍ متسائلاً مع نفسه، وكأنه يفكر بصوتٍ مسموع:
-غريب أوي البرشام ده! ده بتاع إيه بالظبط؟
ساورته الشكوك حول طبيعته، وبنظرة ذكية تابع حديث نفسه:
-ده لا عليه بيانات ولا اسم ولا أي حاجة!

استراب أكثر في طبيعته، لكنه لم يضع في باله أدنى احتمال بأن يكون ذاك النوع المعروف بالمنشطات الجنسية، وإن كان لونه المميز يدعو للشك، أعاد حبات الدواء للزجاجة فيما عدا واحدة احتفظ بها في راحته ليريها لها، وخرج من المطبخ وعقله يردد:
-طب هي حطاه هنا ليه؟!

احتفظ بالعلبة في جيبه حتى يتحرى عنها، وسار ومعه الحبة عائدًا إلى غرفة النوم، احتضن القرص بين سبابته وإبهامه ليتمكن من رفعه أمام عينيها متسائلاً:
-"خلود"، البرشام ده بتاع إيه؟
وكأن عقربًا سامًا لدغها في جلدها، انتفضت من رقدتها المغرية لتتطلع إليه بنظرات مرتاعة، هربت الدماء من وجهها، وقالت بتلعثمٍ:
-ده.. ده.. بتاعي.

سألها وهو يراقب ردات فعلها المثيرة للشك:
-وبيعمل إيه في المطبخ؟!
حاولت أن تستجمع نفسها لتبدو هادئة، لكن تمكن منها خوفها من اكتشاف حقيقة الدواء، ازدردت ريقها وواصلت القول كذبًا:
-دي فيتامينات عشان لما آ.. بتيجلي الظروف كل شهر.

تعقدت تعابيره وانعقد حاجباه، لم يكن مقتنعًا بما تقوله لكونه المسئول عن إحضار ما يخصها من لوازم نسائية، فتحرى أكثر منها بملاحقتها بأسئلته:
-إنتي مقولتليش عليه مع إني بأجيبلك كل حاجة من الصيدلية، ده عبارة عن إيه يعني؟
أعملت عقلها بقوة لتخرج كذبتها مرتبة مقنعة وهي تجيبه:
-ده كان من أمي، كنت بأخده من وأنا بنت.

سألها بنظرة متشككة:
-وليه مافيش عليه بيانات؟ وبعدين ما تحطيه مع باقي الدوا طالما مهم!
ارتبكت أنفاسها من أسئلته التي لا تنتهي، وأجابت بتوترٍ:
-عشان مانسهوش، ويبقى قريب مني..
ثم تصنعت الابتسام وسألته دون أن تختفي نظرات القلق من عينيها:
-وبعدين إنت شاغل بالك بيه ليه؟
دنت منه وألقت بذراعها على كتفه متسائلة في خبثٍ، ونظراتها إليه غير مريحة:
-مش إنت سايب العلبة في المطبخ؟
أجاب نافيًا:
-لأ.. دي في جيبي.

ارتجفت وقفز قلبها في قدميها رعبًا بعد جملته التي هددت بالإطاحة بكل أحلامها إن اكتشف أمر الدواء، جاهدت لتحافظ على ثباتها، ولكن اهتزت بسمتها وبدت مبهوتة مما أثار ريبته، حاولت التغطية على رجفتها وتغنجت في وقفتها لتبدو أكثر إغراءً وهي تطلب منه:
-طب هات العلبة، وأنا هاعينها مع باقي الدواء!

استشعر رنة قلق خفيفة في صوتها بالرغم من ميوعتها، وقال معاندًا:
-لأ خليه معايا، ماهو مش أي حاجة تتاخد كده وخلاص! مش جايز مُضرة، حتى لو كانت من أمك.
سيطر عليها خوفها وأصرت عليه بصوت متعصب:
-يا "تميم" دي فيتامينات، وأمي متعودة تجيبهالي.. مافيش فيها حاجة.
قال بنظرات غريبة تتفحص تباين ردات فعلها القلقة:
-وأنا روحت فين؟ خليه معايا لحد ما أجيبلك أنا زيه.

تدلى فكها السفي في ارتعابٍ أشد، حتمًا سينكشف أمره وتصبح في خبر كان، اختفى الوهج المسيطر على نظراتها ليحل الخوف كبديل عنه بشكلٍ مبالغ فيه، وببرود لم يرحها أضاف "تميم":
-أنا هاعمل القهوة، وراجع.
ردت بصوتٍ مضطرب وقلبها يخفق بتوترٍ:
-خد راحتك، أنا أصلاً حاسة إني دايخة ومش قادرة، الظاهر إن معاك حق، أنا هنام.

هز رأسه في تفهمٍ وهو يقول لنفسه بارتياحٍ:
-الحمدلله جت منك.
انتظرته حتى اختفى عن أنظارها ودارت في الغرفة بعصبية متواترة، فركت كفيها المتعرقين بذلك العرق البارد معًا، ورددت بصوتها المذعور:
-لازم أخد منه العلبة دي، واتخلص من اللي فيها النهاردة قبل بكرة، وإلا لو عرف ده إيه هاروح في داهية!
...
لم يغمض لها جفن وبقيت ساكنة وهي تستلقي إلى جواره على الفراش تعد اللحظات عدًا حتى تتمكن من إتمام مهمتها الطارئة، أرهفت "خلود" السمع إلى أنفاسه التي بدأت تنتظم لتعلن عن استغراقه في النوم، حينها أزاحت الغطاء عن جسدها المتلبك ونهضت بتباطؤ حريص من عليه لتتجه إلى ثيابه الملقاة على مقعد التسريحة بخطواتٍ خفيفة وهي حابسة لأنفاسها، ألقت نظرة مرتعبة عليه، كان جسده هادئًا، أبعدت سترته وتلك القشعريرة الموترة تسري في بدنها، همست لنفسها لتبدد خوفها المتفشي فيها:
-مافيش حاجة هتحصل، اجمدى وانقذي نفسك.

سحبت البنطال الذي كان يرتديه ونظراتها مثبتة على وجهه النائم، ركزت كامل انتباهها على التفتيش في جيوبه باحثة عن الدواء، وجدته بسهولةٍ في جيبه الجانبي، تنفست الصعداء وطوت عليه أصابعها، وبنفس الحذر تسللت من الغرفة لتصبح في الخارج، وضعت يدها على قلبها النابض تتحسس خفقاته المتتابعة في جنونٍ، للحظة فكرت في التخلص من الزجاجة بما فيها، وبالفعل اتجهت نحو الحمام، أوشكت على إلقاء الأقراص في المرحاض لكنها تراجعت عن تلك الفكرة الطائشة في اللحظة الأخيرة، حيث أنها ستثير الشكوك أكثر فيه إن اختفت الزجاجة دون مبرر منطقي، ابتسمت لنفسها في مكرٍ، وقالت:
-طب وليه لأ؟ ما أنا أطلعه هو اللي غلطان، ويبقى أنا المظلومة في الحكاية دي!

قامت "خلود" بتبديل الأقراص المعنية بأخرى بيضاء وملونة مسكنة للآلام وبحثت عن بضعة أقراص مصبوغة باللون الأزرق لكنها لم تجد، وضعت ما جمعته في نفس الزجاجة مستبعدة أنه قد أفرغ ما فيها بالكامل لينظر في محتوياتها، ابتسمت لنفسها في انتشاءٍ وهي معتقدة أنها حققت نجاحًا باهرًا، خرجت من الحمام لتعيد وضع الزجاجة في مكانها لكنها تناست الجيب المقصود، فوضعتها في الجانب الآخر، وعادت لتتمدد على الفراش وتلك الابتسامة الشيطانية تتراقص على شفتيها.. لكنها لم تدرك اختلاس "تميم" النظرات نحوها، هنا تأكد في قرارة نفسه أنها تخفي عنه شيء ما، وفي الغد القريب سيتحرى عنه.

تمت
الجزء التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة