قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل مئة وعشرة

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل مئة وعشرة

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل مئة وعشرة

تخشب جسدها من ذلك الموقف الحرج الذي يتكرر دومًا معه، وكأن الأقدار تلعب معها وتخدمه مهيئة له الظروف لتجمع بينهما رغمًا عن إرادتها، حدقت فيه بنظرات مدهوشة، وحاولت التحرر من قبضتيه المحكمتين حول ذراعيها لكنه رفض إفلاتها مستغلاً كل لحظة متاحة له للتقرب منها، بدا الانزعاج واضحًا على محياها وهي تصيح بتشنج:
-لو سمحت ماينفعش كده!

لم يضغط عليها كثيرًا، فالمكان والزمان غير ملائمين تمامًا للجدال أو حتى لإظهار المشاعر والأحاسيس، أرخى قبضتيه عنها قائلاً بابتسامة متسلية:
-وماله!
وما إن نالت حريتها حتى تراجعت مبتعدة للخلف محدقة فيه بنظرات تحمل الضيق، ظل دياب يطالعها بنظراته العاشقة بجرأة أكبر غير متحرج من وجود أسيف معهما، أخرجته هي من تحديقه المطول متسائلة:
-ازيك يا دياب؟ إيه الأخبار؟

رد قائلاً بهدوء وهو يعبث بمؤخرة رأسه: -الحمدلله يا مرات أخويا!
عاود دياب التحديق في بسمة التي كانت في حالة خجل واضحة، لم تختفِ بعد الحمرة المغرية الظاهرة على صدغيها، ولم تسكن رجفة جسدها المتوتر إلا قليلاً، ابتلعت ريقها مرددة بارتباك:
-أسيف أنا هارجع البيت!
سد عليها دياب الطريق بجسده ليمنعها من المرور أو التقدم خطوة للأمام قائلاً باستنكار:
-ايه ده! انتي ماشية؟

فركت أصابع كفها بتوتر وهي ترد بتجهم زائف: -ورايا حاجات في البيت، مش فاضية للهزار البايخ ده!
دنا منها فتوترت أكثر من اقترابه الغير حذر، تلفتت حولها مبدية حرجها من تصرفاتها المتجاوزة لكنه لم يكترث بما يفعله، همس لها بتنهيدة حارة:
-بس أنا ملحقتش أشبع منك!
تنحنحت بسمة بصوت خفيض، ثم دفعته بيدها من كتفه لتتمكن من المرور قبل أن يحاصرها أكثر من ذلك، اندفعت مسرعة نحو الباب قائلة بجدية شديدة:
-سلام يا أسيف!

لم تستطع ابنة خالها الرد عليها بسبب فرارها الغير مبرر من الدكان، واكتفت بالابتسام المتعجب، صاح دياب بامتعاض مستنكرًا جفائها معه:
-شايفة المعاملة؟
حافظت على ابتسامتها الرقيقة وهي ترد بهدوء: -معلش بتدلع عليك
احتدت نظراته قائلاً بوعيد: -بكرة يطلع عليها إن شاء الله، أنا ماسك أعصابي لحد النهاية!

وضعت يدها على أنفها مانعة نفسها من الضحك على طريقته المضحكة، ثم قالت: -اصبر على رزقك، ده حتى بيقولوا الصبر مفتاح الفرج!
رد ساخرًا بعبوس: -ده لو فضل فرج عايش!

انحنت بجسدها للأمام لتجمع بقايا روث البهائم من الحظيرة بعد أن أمرها عمها كامل بتولي مهمة تنظيفها يومًا بعد يوم، لم تتصور مطلقًا أن تتحول حياتها من الترفه والرفاهية للشقاء والذل، لو أخبرها أحدهم أنها بعد أشهر ستكون في تلك الحالة وعلى هذه الوضعية لظنت أنه مجنون، لكنها الحقيقة المرة، نعم هي حصلت على وثيقة طلاقها من زوجها مازن، وباتت حريتها مشروطة حتى انتهاء عدتها لتزف إلى ذلك العامل الذي حُكم عليها بأن تكون زوجته، هو لا يبحث عمن يبادلها مشاعر الحب أو الحميمية، بل عمن تلبي له رغباته المنزلية وتؤدي واجباتها بإخلاص، هو يعاني من مشاكل في الإنجاب، ولم يسبق له الزواج، لكن لرغبة عمها في تأديبها وفي ستر فضائحها عرضها عليه، وارتضى الأخير بها ممتعضًا وكأن بها ما يشين، ولما تنكر ذلك وهي من ألقت بنفسها في التهلكة؟

بكت ولاء قهرًا على حالها البائس، انتحبت بصوت خفيض محدثة نفسها: -أنا اللي جبت ده كله اللي نفسي، أنا افتريت وطمعت، وضاع مني كل حاجة!
لم تستطع التركيز في أداء عملها، فانهارت باكية بحرقة أشد، لطمت على رأسها بكفيها متابعة بانكسار:
-كنت غبية! غبية!

أخفضت كفيها لتلطم على صدغيها حينما تذكرت ابنها، ذلك الصغير الذي تناسته في خضم معاركها، لم ينل من أمومتها ولا أحضانها إلا القليل، لم تكن أمًا بالمعنى الحقيقي، شعرت بوخزة عنيفة تضرب قلبها الذي انفطر على بعده، صاحت بنواح:
-حبيبي يا يحيى! وحشتني أوي، يا ترى هاعرف أشوفك ولا لأ؟!

اشتعلت رأسها بنيران الغيرة حينما اقتحم عقلها صورة بسمة بابتسامتها التي تستفزها وهي متأبطة لذراع دياب، احتقنت أعينها الباكية، وامتلأ وجهها بحمرة ملتهبة، بالتأكيد على تربعت على عرش قلبه، واحتلت مكانها الطبيعي، ما أصابها بخيبة الأمل هو إحساسها بأنه متيم بها ويعشقها بجنون، كورت أصابع يدها بقوة ضاغطة عليهم وهي تردد لنفسها:
-بقيت نهايتي هنا، وهي خدت كل حاجة!

أخرجها من شرودها الغاضب صوت زوجة عمها الصائح بحدة: -إنتي يا بت لسه مخلصتيش؟
كفكفت عبراتها بظهر كفها هاتفة: -أهوو على طول
أشارت بيدها متابعة بلهجة آمرة: -طب يالا أوام، لسه عندنا خبيز وموال أد كده!

أسرعت في خطواتها متجهة نحو منزلها هاربة من حصار مشاعره الصادقة والتي تضعف بقوة جمودها الزائف معه، هو استحوذ على كامل تفكيرها رغم إنكارها لذلك أمامه، لكن انفعالاتها تعكس حقيقتها دون أن تضطر للبوح بذلك، توقفت في مدخل البناية لتلتقط أنفاسها قبل أن تصعد إلى منزلها فتظهر عليها علامات التوتر والاضطراب مما يجعلها فريسة لأسئلة أختها التي لا تنتهي عنه، أرادت الحفاظ على بقايا عقلها من كثرة إلحاح الجميع عليه، نعم هي تفكر فيه وبكثرة، لكنها تقاوم إحساس الرهبة الذي يعتري من آن لأخر ليوترها من مستقبل مجهول معه، أحيانًا يلوح في الأفق توترات علاقته السابقة مع طليقته، ناهيك عن وجود ابنه الذي ربما لن يتقبل وجودها في حياته لاحقًا إن اعتقد يومًا أنها احتلت مكان والدته، تصارعت أفكارها المتخبطة بداخل رأسها فأتعبتها، تنفست بعمق هامسة لنفسها بتوجس:.

-ربنا يستر، إن شاء الله هايحصل كل خير.

أكملت صعودها على الدرج بخطوات سريعة، ولجت إلى داخل منزلها متلفتة حولها بهدوء، حمدت الله في نفسها أن الصالة كانت خاوية من والدتها، فأسرعت في خطواتها مختبئة داخل غرفتها، وقفت أمام المرآة متأملة وجهها الذي كان يحتفظ بحمرته الملتهبة، تحسسته بظهري كفها فشعرت بسخونته المتقدة، شردت سريعًا في تقاربهما الشديد، نظرات الوله التي يطالعها بها، هي تزداد عمقًا يومًا بعد يوم، وجدت نفسها تبتسم عفويًا وهي تتخيل أفكارًا جامحة معه فنظراته لها توحي بذلك، وجرأته المباغتة تؤكد نواياه، زادت ابتسامتها العابثة، ثم تجهمت بشدة محركة رأسها مستنكرة شرودها الطائش، همست معاتبة نفسها:.

-مجنونة، بلاش الحاجات دي!

ألقت بجسدها على الفراش لتكمل تحديقها الفارغ في سقفية الغرفة مستسلمة للذكريات الشيقة التي تجمعهما سويًا والتي لا تخلو من اللهو والنظرات العاشقة، تحركت أعينها نحو خزانة الثياب حيث يوجد داخلها ثوب عرسها الذي اشتراه لها دياب، كانت رافضة لتلك الفكرة في البداية، أرادت استئجار ما يليق بها، لكنه عارضها وأهداها إياه، تنهدت بعمق وهي تنهض من على الفراش لتتجه نحوها، فتحت الضلفة لتطالعه بأعين لامعة، مدت يدها ببطء تتحسس ملمسه من فوق الحافظة البلاستيكية التي تغطيه، عضت على شفتها السفلى بخجل، ثم سحبت يدها لتغلق الضلفة من جديد، استندت بظهرها على الخزانة لتشرد من جديد في أحلام وردية.

أشرف بنفسه على وضع اللمسات الأخيرة لافتتاح فرعه الجديد بالتزامن مع دكان زوجته، ونقل إدارته إلى هناك ليكون إلى جوارها أغلب الأوقات بينما سيتولى أخيه متابعة الأعمال بالوكالة مع والده، لم ينزعج منذر من رغبة أسيف في تأجيل الإعلان عن ميعاد الافتتاح النهائي لانشغالها مع ابنة عمتها، بل على العكس رحب بذلك كثيرًا، فالطرف الأخر في الموضوع هو أخيه الأصغر، والذي سيحظى أخيرًا بالحب والاستقرار بعد فترة ليست بالقليلة من مشاكل متواصلة انعكست عليه، لكنه في الأخير خرج منتصرًا وظافرًا بحب جديد، كذلك رتب منذر لسفرة قصيرة يقضيها مع حبيبته وبصحبة العائلة بعد الانتهاء من تجهيزات العرس، فالجميع بحاجة لوقت مثل ذلك لتجديد النشاط والترويح عن النفس.

وعلى مدار الأيام التالية، خصصت أسيف أغلب وقتها لتظل إلى جوارها، فالوقت المتبقي محدود للغاية، وتجهيز العروس يتطلب فترة كافية للتأكد من تجهيز كل شيء، كانت أسعد أوقاتها هي مشاطرتها تلك الفرحة خاصة أن نيرمين كانت على قدر المستطاع تعاونهما، خفف ذلك من وطأة الضغوط النفسية التي كانت تعانيها بسمة، وشعرت بدفء العائلة الذي حمسها كثيرًا، وبدد خوفها تدريجيًا، هي تخشى من تبعات الإقدام على تلك الخطوة الفارقة في حياتها، وجاهدت لصرف أي أفكار متوترة عن ذهنها.

انتهت عواطف من إعداد الكعك والبسكويت الخاص بتلك المناسبة السارة وبدأت في وضعه في علب نظيفة لتوزعه على الأحباء، ورغم تعجب نيرمين من مبادرة والدتها في عمل ذلك إلا أنها أوضحت غرضها قائلة بود:
-خلي الناس تفرح، وبعدين فرصة يا بنتي، إنتي معايا وإيدك بإيدي! هو أنا في ديك الساعة لما تكوني وسطنا وبتجهزي حاجة أختك ويايا، ده الفرحة مش سيعاني يا بنتي، ربنا يديمها علينا ويكمل شفاكي على خير!

تلألأت عيناها بعبرات طفيفة تأثرًا بحديث والدتها، ربما هي سعت لإسعادها بطريقة غير مباشرة، أرادت أن تشعرها بأهمية وجودها، بأن الفرحة لن تكتمل إلا بحضورها معهم، تملكها إحساس سعادة صافٍ، دون تردد احتضنها قائلة بنبرة شبه مختنقة:
-يا رب يا أمي!
ربتت عواطف على ظهرها بحنو ثم تابعت هاتفة: -يالا يا بنتي، تعالي نشوف ناقصنا ايه!

بدا المنزل بمن فيه كخلية النحل خاصة حينما حانت ليلة الزفاف، فلم تتوقف التنهئات ولا المباركات من الجيران والمعارف الذين تسابقوا في ذلك، ولم تهدأ صديقات العروس من الاحتفاء بها على طريقتهن، أصرت بسمة على إقامة زفة حتى لو كانت متواضعة عند منزلها قبل الانتقال للقاعة للاحتفال، فعلى عكس أخيه أراد دياب ألا يحرم عروسه من كل أحلام الفتيات من زفاف مميز، وزينات براقة، وصورًا تذكارية مختلفة، ورغم كون اليوم مشحونًا منذ بدايته إلا أنه كان سعيدًا، فالمهم أنها ستصبح بعد ذلك زوجته.

شغلت نيرمين طرحة أختها بيدها بحب أخوي صادق، فحينما ارتدتها بدت أكثر إشراقًا وجمالاً، تأملت بسمة نفسها في المرآة غير مصدقة أنها عروس بالفعل، ارتسمت تعابير السعادة والفرحة على محياها، رفعت أبصارها نحوها لتقول بامتنان:
-ربنا يخليكي ليا يا نيرمين، حلوة أوي
ردت عليها بابتسامة لطيفة: -إنتي اللي حلوة من يومك!

صدحت أصوات الدفوف والمزامير لتعلن عن قدوم الزفة أسفل البناية، أعقبها إطلاق الزغاريد العالية، فارتبكت في غرفتها وانقبض قلبها بقوة، شعرت بدقات قلبها تخترق أذنيها من فرط الاضطراب الممزوج بالتوتر، وضعت نيرمين يدها على كتفها هامسة لها بعبث:
-اهدي يا عروسة، علقة تفوت ولا حد يموت!
ضاقت نظراتها وهي ترد بخوف: -بلاش توتريني بزيادة، أنا أعصابي تعبانة
-والله ما في أحلى منك عروسة.

قالتها أسيف بنبرة رقيقة وهي تدنو منها حاملة في يدها عطرًا أنثويًا لتغرق به ثوبها، حركت بسمة رأسها نحوها مرددة:
-إنتي شايفة كده؟
أكدت لها بثقة: -طبعًا!
أطلت نيرمين برأسها من النافذة مرددة بحماس: -العريس جه تحت والزفة جاهزة، يالا بينا
هتفت بسمة بخوف: -لالالا، استنوا شوية!
غمزت لها نيرمين بعبث: -خدي راحتك يا بسوم!

تصلب جسدها من فرط التوتر، فتابعت بتهور غير مدركة سذاجة تفكيرها: -أقولكم على حاجة، احنا نأجل الجوازة دي كام يوم، أنا مش مستعجلة!
حدقت فيها أسيف بغرابة وهي تسألها: -إنتي شايفة كده؟
أومأت برأسها مرددة: -أيوه
اقتحم الغرفة دون استئذان الصغيران يحيى وأروى هاتفين بحماس مرح: -مس بسمة
ركضا نحوها ففتحت ذراعيها لتستقبلهما في أحضانها مرددة: -حبايبي
هتفت أروى بابتسامة متسعة: -مبروك يا مس.

أضاف يحيى ببراءة وهو يشير بيده: -بابي طالع ورايا، بس أنا سبقته!
ارتبكت من مجرد ذكر اسمه، وحاولت الحفاظ على ثباتها مرددة بحذر: -أوكي يا حبيبي
تابع الصغير قائلاً ببراءته المحببة: -بابي قالي إنك هتنامي معانا بعد كده، صح يا مس؟
تورد وجهها كليًا من تلك العبارة الصريحة، وردت بخجل: -احم، ايوه
وضعت أسيف يديها على كتفي الصغيرين قائلة بهدوء: -يالا يا حلوين نطلع برا عشان..

لم تكمل جملتها للأخير حيث انتبه الجميع لدقات دياب الخافتة المصحوبة بصوته المتسائل:
-ينفع أدخل؟
انتفض جسد بسمة في مكانه من مجرد سماع صوته، وانكمشت على نفسها رهبة من الموقف برمته، رمشت بعينيها في ارتباك، وبدأت في الضغط على أصابعها محاولة تخفيف حدة التوتر التي تعتريها، ردت نيرمين بترحاب:
-طبعًا.

بتمهل متشوق ولج إلى داخل الغرفة باحثًا بعينيه عنها، تجمدت أنظاره على شخصها الذي سلب عقله، فغر فمه للأسفل مبديًا انبهاره بجمالها الذي زاد توهجًا بارتدائها لثوب الزفاف، هتف غير مصدق:
-اللهم صلي على النبي، هو في كده، أخيرًا هنتجوز!
أخجلها غزله الصريح، وتوترت أكثر، جاهدت أسيف وبسمة لإخفاء ضحكاتهما المتسلية، اقترب دياب أكثر، فزاد ارتباك بسمة، أمسكت بكف ابنة خالها هامسة برجاء:
-خليكي يا أسيف!

ردت عليها بصوت خفيض وهي تشير بعينيها: -خليني ايه بس، ده العريس مستني!
سحبت يدها منها ببطء تاركة إياها بمفردها مع عريسها الذي يحترق تلهفًا في مكانه، نظرت بسمة إلى نيرمين هامسة لها بتوسل:
-نيرمين ماتمشيش! أنا..
قاطعتها بجمود زائف: -باين ماما بتنادي برا، هاروح أشوفها!

نظرت لها باستنكار معاتب لتخليها هي الأخرى عنها وتركها بصحبته، ظل يتابع باستمتاع تصرفاتها الخجلة دون أن يعلق عليها، وانتظر بشوق انصراف الجميع من الغرفة ليصبحا سويًا، سلط أنظاره اللامعة عليها مرددًا بعبث:
-ايه بقى؟
تراجعت للخلف مبتلعة ريقها بتوتر كبير، ثم ردت بحدة وهي تشير بسبابتها محذرة: -في ايه؟ لو سمحت مش هاسمح بأي تجاوز
مازحها مرددًا: -هو أنا في القسم ولا حاجة يا أبلة؟

تابعت محذرة بلهجة شديدة: -خليك مكانك!
رد ببلاهة: -ده أنا جاي أديكي الورد، خايفة ليه؟
أخفضت أنظارها لتحدق في باقة الورد التي كانت بحوزته، عاودت النظر إليه مرددة بعبوس:
-طيب، هاتها!

استغرب تجهمها المبالغ فيه، ولكنه برر ذلك لنفسه بكونها في حالة ارتباك، تلك الحالة التي تسيطر على أغلب العرائس في ليلة زفافهن، لم يتعجل أي شيء منها، حتى وإن كان الانتظار يقتله شوقًا إلا أنه لم يرد إرغامها على شيء، على الأقل حاليًا، نظر لها بوجه خالٍ من التعبيرات قائلاً:
-مش يالا بينا، الناس مستنية تحت، لسه ورانا حاجات كتير!
ردت باقتضاب: -ماشي
تابع آمرًا وهو يشير بعينيه: -هاتي إيدك.

قطبت بسمة جبينها متسائلة بحدة طفيفة: -ليه؟
رد ساخرًا من تساؤلاتها العجيبة: -محتاجها خمساية، مش هنأنجش (نرتبط) في بعض واحنا خارجين!
ردت بامتعاض: -طيب.

تحركت بتمهل جاذبة ثوبها للأعلى لتتمكن من السير دون أن تتعثر فيه، وقفت قبالته متحاشية النظر فيه، لكنه بالطبع لم يضيع الفرصة هباءً، جاب بأنظاره ببطء على ثوبها المميز محدقًا فيها بإعجاب شديد، حينما رأه لأول مرة في محل ثياب الأفراح لم يتردد لثانية في شرائه، اقتناه فورًا، هو صمم من أجلها هي فقط، تأبطت في ذراعه باستحياء، شعر برجفتها وهي تتناول منه باقة الورد، فابتسم لها بسعادة، همس بأنفاس حارة لفحت وجنتها:.

-بس والله قمر!
ردت عليه بإيجاز وهي تتجنب التطلع إلى وجهه رغم يقينها بنظراته التي تخترقها: -شكرًا
مال عليها متسائلاً باستجداء محبب: -مافيش كلمة حلوة ليا؟
ردت بعبوس: -لأ
مط فمه هامسًا: -براحتك، ادلعي زي ما إنتي عاوزة!
أدارت رأسها في اتجاهه متسائلة بحدة: -بتقول ايه
ابتسم لها ببلاهة وهو يجيبها: -يالا عشان الزفة يا حبيبتي، بيزمروا تحت وبيضربوا كلاكسات، بيب بيب، سمعاهم!

لم تتمكن من إخفاء ضحكتها التي تشكلت على شفتيها لتزيدها إغراءً وأنوثة من دعابته الطريفة، طالعها بنظرات أكثر شغفًا ورغبة طامعًا في تذوق رحيق الحب من على شفتيها، هي بالفعل أسرته بعفويتها، بعنادها، بحدته، ا بعصبيها، وبطريقتها الغير متكلفة فبات معشوقها، وباتت حبه الأول والأخير بعد سنوات عجاف من المعاناة والبكاء على أطلال الماضي المشين، فقط ساعات معدودة ويصبح الحلم حقيقة..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة