قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع والعشرون

رواية الحرب لأجلك سلام للكاتبة نهال مصطفى 2020

رواية الحرب لأجلك سلام للكاتبة نهال مصطفى الفصل الرابع والعشرون

تمرّ عليّ رغم البعد، بين الحين والحينِ ..تمرّ كضحكةٍ تحلو، وأُقسمُ كم تواسيني! كأغنيةٍ تحدّقُ بي، أغنّيها .. وتُلهيني.
لقد أسعدتني زمنًا .. لماذا صرت تُبكيني؟!

أمل السهلاوي

قاطعها قائلا بهيامٍ وهو يحملها بين يديه : فجر مفيش مفر .. انا خلاص قررت ..
ثبتت اقدامها فى الارض وهى تتراجع بظهرها مستنده على الحائط لتُفشل مخططه وتعوق تنفيذ ما بدت شرارته بانظاره وما تلفحه انفاسه .. قائله
- هشام !! أنت قررت ايه !!
فاق من سطو امراة افقدته صوابه وهو ينصب عوده ويحك ذقنه بحيره باحثا عن إجابه للهرب من هذا المأزق .. فقال
- هاتيلى ميه من وراكى الاول !!
تفرغ ثغرها إثر رده الغير متوقع
- إإإيه !!
- ااايه عايز اشرب !!

باستسلام أحضرت له كوب المياه ولازالت اسهم الحيره تملأها .. انتظرت حتى ارتوى ثم عقدت ساعديها بتحدٍ
- هااا شربت !! ممكن اعرف ايه اللى حصل دلوقت حالا ؟! وكمان اى اللى حضرتك قررته فجاة كده ؟!
- عملت ايه يعنى ؟!

هدأ ضجيج قلبها متنهده بارتياح
- أنت مش قولت الجنان اللى حصل ده قدام عايده وبس !! ممكن اعرف ايه تفسير اللى حصل دلوقت .. ولا هو استهبال وخلاص !!
دار بجسده بفظاظه ليهرب من تحقيقيها الذي بالكاد سينهزم امامه
- مش مضطر ابررلك تصرفاتى .. انا حر ..
اقتربت منه متحديه : لما تكون حاجه تخصنى يبقي مش حر ..!

داعب ارنبة انفها بابهامه وسبابته مرتسما ضحكه خبيثه
- حبيت اشكر بطريقه راقيه على الاكل الحلو ده .
- فلنفترض انى صدقك !! كنت ناوى تقرر ايه بقي ؟!
طافت عينيه بحيره لم تستمر طويلا .. ثم التقت اعينهم التى تطوى اسرارا
- ممم قررت .. انا فعلا قررت انى هاكل الكبده دى كلها لوحدى !!

رفعت حاجبها بعدم تصديق وهى تكتم ضحكها : قول سبب مقنع طيب .. عيب على رُتبتك يا حضرة الظابط ..
رد بهدوء يتناغم مع بروده
- انا اقول اسبابى براحتى .. وانت تقتنعى ، ما تقتنعيش ، ده براحتك ..
ثم انحنى نحو اذنها هامسا :
- وبلاش الفرده دى علي هشام السيوفى لانك جوه حضنى بتجيبى ورا .. انت مش بتشوفى نفسك ولا إيه !!

رفعت كفها لتصفعه بِغِل ولكنه افشل مخططها بتكبيل كفوفها بقبضته الحديديه حتى اصدرت آنين التأوه محاوله التملص من قبضته فاردفت بصوت موشكا على البكاء
- على فكرة انت قليل ادب .. آآه سيب ايدى ..
- انت كمان هتضربي !! طيب والله عيب فى حق البدلة اللى أنا لابسها .. اعقلى يا جوجو وبلاش حركات عيال ..

ثبتت انظارها على ملامحه التى تُرهقها كثيرًا ثم قالت وهى شارده بهم
- سيب ايدى ياهشام بتوجعنى ..
سقطت انظاره على كفها المفتوح امامها، لمعت عيونه ببريق الشوق مرة اخرى يتلهف إثارة غضبها الذي ينعشه .. فانحنى بهدوء يطبع قبله خفيفه على كفها الايمن مرة .. وانامل كفها الايسر مرة آخرى .. هدأ تمردها تماما وانتصر غروره عندما تملك زمام غضبها وهو يشحنها بنظرات الحب الملتهمه التى اشعلت بركان خامد فى قلبها ..

احيانا ما نحتاج لفرصة واحده للبوح بخبايا القلب ، ما تحويه قوارير النفس ، رُبما بعدها نحييا عمرا او نسلك طريق الفراق بلا عودة بلا ندم ، رحيل دون التفات ..
لازال محافظا على نبرته المغلفه بالهدوء
- هطلع اغير هدومى تكونى جبتيلى الغدا .. اتفقنا !!
- هو فى ايه هنا ؟!

قطع صوت زياد خلوتهم وهو يتفوه بصوت مفعم بالنوم والالم الذي اوشك أن يفجر رأسه .. استدار هشام
- أنت هنا ؟!
رمقهم زياد بسخريه : جيت فى وقت مش مناسب .. ؟!
هشام ممازحا : بصراحه اااه ..
فتح زياد الثلاجه وتنازل قارورة المياه وهو يبحث عن مسكن للصداع قائلا
- ولا كأنى موجود .. استمتع يا إتش ..

ثم توقف للحظه وهو يلقى نظرة على المقود
- اكل !! الله انا هموت من الجوع .. قول للبت دى تجيبلى آكل ياهشام ..
تبدلت ملامح هشام من العطر الحب لدخان الغضب
- ما تتلم يا زفت انت ، وبعدين الاكل ده مخصوص ليا يعنى فجر مش عامله حساب حد ...
مسكت كفه برفق : خلاص يا هشام ، فى كتير ..

جهر بغضب : بردو يتربي ويعرف انه بيتكلم مع مراة اخوه يعنى يعاملها باحترام ..
رفع زباد عيونه بتثاقل وهو يقاوم تأثير النبيذ على عقله
- ايه ياهشام .. مش حوار يعنى !!
- ولاااه .. انت طافح ايه .. ومالك مش مظبوط كده ؟!
شوح زياد بتجاهل وهو يجر فى نفسه بصعوبه ليغادر المطبخ
- مش طافح ياعم .. بااس انا ماشي وانت شوفلك حد غيري اتفش فيه ..

وقف فجر امامه معاتبه
- مكنش يصح تعلى صوتك عليه قدامى !
- ومكنش صح يتكلم عليكِ بالأسلوب ده !!
القى ثغره اللفظ بتلقائيه بدون وعى .. فاتسعت عينيها من هول ما تلفظ به وسرعان ما ارتسمت ابتسامه خفيفه كانت سببا فى انقشاع غمامه غضبه بمجرد شروق شمس ضحكتها فى سمائه .. قائلا
- ما انتِ بتضحكى زينا اهو !!

- ياسلام !! اى زينا دى !! عموما يلا روح صالح زياد وانا هجهزلكم اكل تاكلوا سوا ..
القى عليها نظرات فاحصه باستغراب : مع انه ما يستاهلش .. بس تمام خليك إنتِ الجدعه ..
- انا جدعه انى مستحمله واحد زيك اصلا ..
تقبل سخريتها بصدر رحب مبتسما : طيب ياستى مش عارفين نودى جمايلك دى فين .. التضحية باينه بصراحه ..

ثم ارتفعت صوت شهقتها فجاة وهى تركض نحو الموقد
- يالهووووى .. المكرونه اتعجنت .. اعمل فيك اى بس !!
- أنتوا كده تبوظوا الدنيا وتجيبوا العيب فينا !! بطلوا الحجج اللى بتداروا وراها فشلكم يا مدام ..
نيران غضبها لا تحتاج لحطب ليشعل الاغتياظ بقلبها .. يكفى منه كلمة جليديه واحده .. معه كُسرت كل للقواعد وتحولت فى حضرته لامراه تشتعل من ثلج رجل ..
- اوووووووووف ... هيشلنى .. والله حاساه ملبوس عليه عفريت حالف يجننى !!

- معقولة كوين عايده جايه لحد هنا بنفسها ؟!
اردفت بسمة جُملتها بنبرة ساخرة وهى تَهم بنزع ملابسها .. اقتربت منها عايده بخطوات ثابته
- بسمة !! انت اى اللى شقلب حالك اوى كده ، وازاى اصلا تسيبى البيت !!
اسبلت بسمه عيونها : بجد اتغيرت !! هو التغير باين اوى يعنى ؟!
- بت أنت اتكلمى عدل !! فهمينى ايه اللى حصل ؟!

بسمه بنبرة هادئة تخفى خلفها ضجيج اوجاعها
- اللى حصل إنى فوقت .. وشوفت حاجات كتير كنت عامله نفسي مش شيفاها ..
قطعتها عايده سريعا : الموضوع يخُص زياد !!
اندلعت من جوفها ضحكة ساخرة :
- لا زياد ده بقى آخر حاجه ممكن تشغلنى .. اتغديتى ياخالتو !!
اغمضت عايده عيونها للحظه محاوله تمالك اعصابها
- بسمه .. قدامك 5 دقايق وتكونى مجهزة حاجتك عشان ترجعى معايا ..

ردت بسمة بنفس الهدوء وهو تشير بيدها
- للاسف مش هينفع انا فاضلى 5 دقايق بالظبط واكون فى سابع نومه .. اااه وابقي سلميلى على زياد ..
برودها شل حركة اقدام عايده للحظات وهى تترقبها بعيون مندهشة الى أن يأست من محاولاتها فتناولت حقيبتها وهى تتمتم بنفاذ صبر
- شويه عيال كل واحد ماشي بمزاجه .. انتو حرين بقي اشربوا ...

وقفت بسمة نادمه للحظه وهى تقول لنفسها
- ( أنا مكنتش قاصده اعاملها وحش ، ولا معرفش ليه كلمتها ببرود كده ، بس أنا شايفه انها السبب فى كل حاجه وصلتلها انا وزياد ، هى اللى دلعته وفهمته إن الف بنت بتموت عليه ، يمكن لو كانت ربت زياد صح مكناش وصلنا لحالتنا دى .. )
لا يوجد وجع قائمًا على عمود واحد ، الاوجاع كالمنازل لابد من قاعدة خاطئه واعمدة صلبه تحمل سقف مصيبة ما لينهار فوق رأس شخصٍ واحد هو من يستفرد بالالم لوحده ..

- رهف إنت كويسة ؟!
اعتدلت رهف من نومتها إثر دخول فجر المفاجئ .. وبنبرة عتب
- انت لسه فاكره رهف ، دانا راقده فى السرير بسببكم .. اشوف فيكم يوووم .. كان مالى انا ياربي بجو اميتاب باتشان بتاعكم ده ..!!
ضحكت فجر بصوت عال وهى تجلس بجوارها
- والله وحشتنى خفة دمك .. بس اى الجبس ده مقربش يتفك !!
رهف بتوعد
- ادعيلى عشان اقف على رجلى بس هوريكم كلكم .. إننى عائده لانتقم .. فاحذروا !!

داعبت فجر خصيلات شعرها بعبث لترجعه للخلف
- بس انت اقفى بس وحقك تعملى فينا اللى يعجبك ..
ضاقت عيون رهف بخبث : ايه دا انت مش خايفة منى ؟!
اتسعت ابتسامة فجر بمزاح : يعنى نص نص ... صحيح كنت سمعاكى بتتكلمى مع حد .. كنتِ بتكلمى مين يا سوسه !!
- اااه كنت بتكلم مع ديداا .

انعقد ما بين حاجبى فجر : مين ديدا ..
- ااااه ، انت متعرفيش ، دى ميادة مراة هشام .. اسكتى اسكتى يا جوجو مبسوطة اوى لانها قالتلى راجعه قريب ، ياااااه واخيرا فرحها هى وهشام هيتم ، متتصوريش أنا بحلم باليوم ده من أمتى ....!!
هزها حديث رهف الغير متوقع ، ونصب سيفه فى منتصف قلبها ، وامتلأت قنواتها الدمعية بدموعٍ لا تعلم من أين اتت ، تأملتها رهف بنظراتها الخبيثه متجاهله حزن فجر الذي حُفر على وجهها.

- هى بتحبه اوى ، وهو كمان النمس بيحبها بس عامل فيها عم التقيل ، بس على مين !! ده اول ما يشوفها هياخدها بالحضن ..
آهات مُلتاعة صاحبة نبرة المرتعشه فاطرقت بصوت كسيح:
- هشام !!!
لم يخل ثغر رهف من السعاده : يابنتى بقولك مراته وخطوبه تلات سنين ... دول دايبين فى بعض !!
ثم بللت رهف حلقها لحظه وواصلت حديثها
- صحيح أنت واتش هتطلقوا أمتى ، ياريت يا جوجو فى أسرع وقت قبل ما تيجى مياده وتسبب مشكله !! مش هو هشام خلاص حل موضوع القضيه دى والدنيا بقيت فل !!

لازالت فجر تستمع لاسهم كلماتها التى تعمدت رهف ان تصوبهم فى منتصف صدرها فأصبحت تنسحب تدريجيا فى غيبوبة حُزنها .. لم تكف رهف عن ثرثرتها فقال لا مباليه
- جوجو انا شامه ريحة أكل حلوة اوى ؟ انت عاملة اكل تحت ،، انا هموووووت من الجوع .. ممكن تجيبيلى اكل !
شعرت فجر برأسها سينفجر وتتناثر شظاياه فى المكان ، فلم تتحمل مبالغة رهف فالكلام .. فانسحبت بهدوء محاولة اخفاء دموعها التى اوشكت على الانهيار..

لم تكن رهف بالغباء الكامل الذي يمكنها من عدم ملاحظه تبدل ملامح فجر ولكن لذة انتصار ملأت قلبها وهى تقول لنفسها
- اسفه يا جوجو بس لازم ابعدك عن سكة هشام .. هى صاحبة جدعه لكن مش من مستوانا انها تكون مراة اخويا .. اووف يارب متزعلش منى ..
ثم عادت لتواصل حديثها فالهاتف
- ايوه يافارس ، معلش اصل الشغاله بتاعتنا دخلت فجاة ..

هناك فارق بين المرآه العاقله و المجنونه .. الاولى تشبه الملائكه لديها جناحين تُضلل بهم على أحبابها .. اما المجنونه كالشيطان لديها قرنين كل ما تملكه أن تأذي الجميع حولها بدون وعى ...

- خالد .. بلاش تثق فى الحرباية مراة عمك دى ، أنا مش مطمنالها ..
اردفت قمر جملتها على آذان خالد من الخلف ، فاستدار نحوها ببرود
- ايه ممكن تموتنى !! مفتكرش .. !
اقتربت منه قمر بحذر : انت مش واخد بالك من حنيتها الزياده دى من أمتى ، والشوربه اللى بتعشيك وتفطرك بيها ..

- بس الشوربه طعمها حلو الحقيقة
- ياااااااااا خالد افهمنى بس ، الست دى انا مش مرتحالها والله !!
دار خالد نحوها بعدم تصديق
- مفيش سبب يخليها تموتنى !
-يعنى فى سبب للحنية اللى دلدقت فجاة دى !!
مط شفته بحيره : يمكن عاوزه مصلحة ولا حاجه فبتقدم السبت !!
- او حطالك حبوب ادمان مثلا !!

انفجر خالد ضاحكا : العلام كل راسك ولا ايه ياقمر ، استهدى بالله كده وخلى عينك عليها..
تشبثت بكفه متوسلة
- خالد ، وغلاوة أمك ما تشربي ولا تاكل حاجه من يدها تانى ، دى ست مش مظبوطة !!
هجمت هنية على مجلسهم قائله بسخرية
- خبر إيه يابت !! ما تستحى على عينك وتقومى تشوفى شُغلك بدل ما انت واقفه تتسايري اكده !!
الجمها خالد بنبرة حادة : مالكيش دعوة بيها !!

بنظرة خبيثه طوقته هنية ثم قالت : دانت تأمر ياعم الناس كلهم...
‏ولسوف يمضي بك الزمن وتُعلمك الأيام أن جبهة الحياة مليئة بما لا تتوقع .. فكن مستعدا لمفاجئاتها المُباغتة .. لخناجر البشر التى لا تستئذان قبل ما تُصيب قلبك، توقع دائما سوء النية حتى يثبت العكس .. وليس العكس!!

‏"ما أثقل أن يمضي الإنسان حاملاً في صدره: - (طب ليه؟ )"
خرجت من غرفة رهف بعد ما صُعقت من حديثها النارى .. فلئن طاردت شبح حبه الرافضة له دوما .. استحكمت حلقات الشوق على عرش قلبها .. استندت على الحائط بجوارها عندما اوشكت على الانهيار كأن ثقل الصدمه رست فى اقدامها ..

ظلت تتراقص بجفونها بعناء اوشك أن يفقدها الرؤيه ، بللت حلقها الذي جف إثر انفاسها الحارقه ، ‏لم تكن صامتة كانت آهاتها تتسابق لتصدر فى صورة لحن آنين خافت ،كانت مشغولة بالمعارك التي تدور بداخلها،تبحث عن إجابات للأسئلة التي تتصارع في قلبها ورأسها .. ‏ متذكرة مداعباته وملامحه التى كلما اطالت النظر بهم سكنها أكثر .. أجمل مكان تتنزت فيه نظراتها بين ثنايا وجهه .. بقربه تنتشي الروح .. ولكنها اتخذت قرارها فى ثبات تام( لم أُحبك بعد) وبعدها انهارت بمعنى الكلمه فى شلالات دموعها المتدفقة ..

لم تشعر بمقدار الوقت الذي مر على جلوسها ارضا، بعدها جففت دموعها سريعا وهى تنهض نافضة غباره من فوق رأسه وتقول
- فوقى يا فجر !! الموضوع من اوله لاخره لعبة ومسيرها تنتهى .. فوقى ، وبلاش اوهام ..

دلفت درجات السُلم بثبات تام متجهه نحو الجنينه لتستنشق هواءا نظيفا ينظف دواخلها .. ظلت تسير بلا وعى ، كالهائم على وجهه حتى توقف امام ( حمام السباحة ) فاصابتها هزة زعر ظلت تتراجع بظهرها للخلف حتى ارتطمت بصدره الصخرى فسقط قلبها بين كفوفها .. قائله بفزعٍ
- هششام !! أنت هنا ..

ابتسم عندما رأى الخوف محتلا لمعالمها
- مالك !! خايفه ليه ؟! ما بعضش على فكرة !!
ابتعدت عنه وهى تخفى انظارها الهائمه به عنه
- لا ابدا !! حصل خير ؟!
اقترب خطوة منها فى ثبات تام
- أنت معيطه ولا عينك وجعاكى ؟!
لم تتجرأ لترفع انظارها اليه ، فَضلت تحاشي مرمر انظاره
- لا ابدا بس مش بحب اي مكان فيه ميه !!

صمت لبرهه وكأنه يحسم أمر خطته التى قفزت فى رأسه فجاة ، نزل سترته العلويه بهدوءٍ ثم انقض عليها مباغتة ليحملها بين يديه وهو يقفز بها فى المياه على صوت صراخها وضحكاته العاليه التى امتزجا وهى تتنفض فى حضنه كطير ذبيح يلتقط اخر انفاسه
- يا هشام هموت منك والله !! خرجنى ؟!

ظل يضحك على عبثها وملامحها الطفوليه التى ظهرت امامه كالشمس .
- طيب اهدى .. اهدى كده واسترخى وسيبى جسمك للميه ..
ضربت المياه بقدميها وهى تعانقه خائفة صارخه فى أذنه
- ياهشام طلعنى !
طوق خصرها قائلا بوله
- او ممكن تفضلى في حضنى كده ، وسيبي جسمك للميه ..
اغمضت عيونها صارخه
- يخربيتك سنينك بقولك طلعنى ..
- يخربيتكككك انت ودانى !!

- طيب والنبى خرجنى .. حاسه هيغمى عليا ...
هز رأسه نفيا وهو يتحرك فى المياه ببطء
- لازم تجمدى قلبك .. يلاااا ..
امتزجت مياه عينيها مع مياه المحيطه بهم .. فابعدها عن حضنه قليلا ونزل كفوف محاصرا خصرها
- يلا حركى ايديكى .. مش هيحصل حاجه ..

ارتعشت احبالها الصوتيه وشفتيها وكل إنش بجسدها يتنفض ، اتخذت انفاسها بصعوبه وهى تهم بتنفيذ ما امرها به تحت كلمات تشجيعه
- برافو عليك ماانت بتعرفى تعومى أهو !!! يلا حركى ايدك اسرع وافردى ضهرك ..
- وهتطلعنى !!
بمزاح : وعد هطلعك ..

استقوت على مخاوفها ونفذت تعليماته ولازال يشعر بانتشاء رهيب وهو يعلمها .. وجد ملاذها بضعفها وخوفها فقرر هزيمته لانه احبها قويه ، ولا يريدها الا قويه حتى معه ..

اخذت انفاسا متتاليه وشرعت فى تنفيذ أوامره حتى فاجئها بغتة عندما تركها وابعتد عنها فهبت صارخه بصوت هز جدران البيت فوصل لاذان عايده التى عادت للتو ... التهم صرختها بقُبلة طويله جعلتها تناست كل ما قالته رهف ، وكل مخاوفها ، قبلة تذوقت فيها لذة الامان بعد صراع مع الخوف .. عانقته بلهفه وتلك المرة هى من أبت الابتعاد ، هى التى اعلنت التملك حتى ولو مؤقت ، هى التى علمها الحب الانانيه ، فوجئ هشام من رد فعلها معه الغير متوقع فابتعد عنها واخذها في حضنه وظل يربت على شعرها بحنان بالغ حتى استكانت بين ذراعيه .. فهمس
- يلا نطلع...

تقف عايده خلف الشرفة تُراقبهم وتعض على اصابع يديها من شدة الغيظ ، تخللت اصايعها خصيلات شعرها
- الحرباية دى متقعدش ليلة كمان فى بيتى !! قلة الادب والفوضي دى ! ده البيه مش فارق معاه حد ، طيب ياهشام انت اللى جبته لنفسك !!
رفعها هشام من خصرها ليجلسها على طرف الحوض ثم تابعها بخفه رياضيه وجلسه بجوارها فاتكئ على ذراعه الذي نصبه على الارض خلفها فظهرت عضلاته القويه
- حلوة الميه !! مش كده !!

تطلعت فيه ببطء وهى تتذكر عذاب قلبها الذي يؤلمها للحد الذي جعلها تظن انها للتو بدأت بحبه ..
- أنت عملت ليه كده !!
داعب كتفها بكتفه برققٍ
- ما بحبش اشوفك خايفه من حاجه ! حبيت اقوى قلبك شويه ، واتوقعى ان كل يوم من ده ..
نظرت له بشك ثم استدارت برأسها لتنظر مستقيما : وبسس ..
ميل على اذنها هامسا : بصى فوق كده هتلاقي عايده كانت بتراقبنا !! فأنا قولت استغل الموقف بقي !!
- ااااه عايده !

تجاهله وحججه القاتلة تؤكد كلام رهف الذي لازال يجلد فى روحها ، ثم قالت
- انت بتكلم مياده !!
لم يتوقع سؤالها لذلك اخذ لحظات يستوعبه ثم قال
- وانت مالك بمياده !!
- يعنى بتتكلموا ؟!
تحمحم بخفوت : لو قولت لا .. او قولت آه ، هيهمك ؟!
ارتدت ثوب الكبرياء فقالت : لا طبعا .. انا هقوم عشان بردت ..

لم تعط له اى فرصة لايقافها .. بل رمت شرارة سؤالها فى حقول بترول رأسه وغادرت سريعا .. تحرك هشام ليأخذ هاتفه الذي تركه بجوار سترته وعاود الاتصال بمجدى قائلا
- مجدى .. عاوز استفسر عن حاجه !
اطفئ مجدى سيجارته : خير يا هشام وصلت لحاجه؟!
- لالا سؤال غير كده ؟!
- خير ياابن عمى ؟!
- هو أنا اعرف ازاى إنى بحب ؟!

سكت مجدى من هول السؤال ، فعاود النظر مرة آخرى لشاشة الهاتف قائلا : مين بيتكلم ..
- هشااااام ياعم انت انجز ؟!
- ممم الله ! وانت كل ده ومعرفتش ، دانا لقطها من اول خناقة !!
- هى إيه دى ؟!
- لا موضوع كده هابقي اقولك عليه .. المهم عاوز تعرف ايه !!
جز هشام على فكيه بنفاذ صبر : ماتنجز يا عم انت .. !!

- شوف ياهشام لما يجيلك هتعرفه لوحدك .. بس وقتها متكابرش وتعمل نفسك قال مش شايفه ... احممم طير انت بقي عشان عندى مقابله مع زيدان ..
قفل مجدى الهاتف بعدما القى جمر حيرته فى قلب هشام الذي فاض عقله من كثرة التفكير فباتت رؤيتها كريان يضخ القلب بدماء الحياه فيحيا به ..
اسرع خُطاه ليلحق بها فلم يوقفها ندائه بل سرع من حركتها فركض ليقف امامها معارضا
- أنا لما بنادى مابتسمعيش الكلام ليه ؟!

مسحت عبرتها المترقرقه : لو قولت السبب هيهمك اوى يعنى ؟!
- اكيييد .. ؟!
- كل الحكاية انى تعبت يا هشام بيه وانا مش قادرة استحمل المهزلة دى ، يومين وتقول لى طريقك اخضر أصل مراتى حبيبتى رجعت ..
قبض على ذراعها ليوقف خطاها مصدوما
- خدى هنا إيه الهبل ده ؟! ومين فهمك كده !!

- للاسف هى ما تتفهمش غير كده يا سيادة الرائد ، ولو سمحت ممكن متقربليش تانى ؟! كفايه اوى لحد كده ..
ارتفعت نبرة صوت هشام مندهشا
- انت بتزرعى اوهام فى مخك وتصدقيها !! والمفروض إنى اصدقها معاك .. فجررر ب
بغتة وقفت على اظراف قدمها لتكتم انفاسه بقبله مفاجئة اصابته فى مقتل ، وطاحت بعقل لابعد مكان فلم تعطيه فرصة ليبعد للحظه اريت كيف يلتقى طرفين عند نقطه واحده.. وكفوفها المرتعشه تحضن وجنتيه .. ففاق من حيرته و الرد الذي ادهشه على صوت طرقات حذاء عايده هاتفه
- ده ما بقاش بيت ! ده بقي كباريه ؟!

ابتعدت فجر عنه وهى ترمقه بنظرة شك فاخذها هشام فى حضنه قائلا
- معلش يا دودو .. احنا متقلين عليك عرسان جداد بقي .. متقلقيش شهرين وهنريحك مننا خالص ..
ثم سحبها من كفها ليهرب من شرارة نيران امه
- جوجو .. خدى عاوزك فوق !!

اطرقت فجر انظارها لاسفل معاتبه نفسها عن تهورها باحثه عن سبب مقنع لفعلها العشوائى الذي راق لها وكأن الحيره اترسمت على جدار القلب تلك المرة.. هل فعلت هذا لوجود عايده أم انها باتت تختلق الحجج مثله لتفصح عما تُخفيه فالعناق افضل وسيله للبوح عما لا يقال .... !!

لم يكف سامر عن اتصاله المُتكرر ببسمة ولكن كل مرة تعلن رايات التجاهل .. تتشبث بكوب النسكافيه بين يديها وهى تستمع لام كلثوم التى اصبحت صوت وجعها الناطق وهى تقول
- فاااات المعاد .. ويفيد بأيه الندم !! ياااااندم ..
اخذت نفسا طويلا : هو فعلا فات المعاد يا زياد !!

امضت يومها على جمرات الحيره والتوعد وصوت صدح الانتقام يقرع طبوله بداخلها ..
- هنشوووووف .. !!
عندما يبدو الحب مستحيلا اصبح النسيان واجب ، فلا تفنى عمرك على مضض حب لا يعود ، الكرة الارضيه لم تخل من الرجال بعد !! فأى خسارة هينة إلا خسارة نفسك ...

- ايوة يا مدحت .. بص النهارده انسب معاد .. لو صبرنا لمعاد المهمه مش هتنجح !!
اردف هشام جملته وهو يخرج الملابس من الخزانه تحت انظار فجر التى تستمع له باهتمام .. فواصل هشام
- سلطان فزاع لازم يقع الليله !! اسمعنى كده ونفذ كل كلمه هقولك عليها بالحرف ..

ظلت تارقبه بعيونها المرتجفه دوما ما تبحث فى فضائها عنه وحده من يملاها وحده من يسد فراغ قلبى وحده دواء لفجوة الغياب التى تشق قلبها لنصفين .. وحده المكان البعيد الهادى عن اى صخب يعكرها ...
انهى هشام رسم خطته وهو يتابعها بانظارها الحارقه التى تربكبها كثيرا ، فوثب قائما
- كنت مركزه معايا يعنى !!

اعتدلت فى جلستها لقفت على ركبتيها فوق الفراش
- انت مسافر!!
رفع كلا حاجبه للحظه ثم قال
- هريحك منى يا ستى كام يوم ..
بللت حلقها بقلقٍ : رايح مهمه ؟!
ابتسم بمكر : مش بقولك كنت مركزه معايا ... راجل بدوى مغلبنا وراه
اغرورقت مُقلتيها بالبكاء : طيب وانا هقعد لوحدى!!
جلس بجوارها وسحبها من كفها لتجلس بقربه وهو يقول
- ما يتخافش عليك انا عارف ، سايب اسد ورايا ..

عصف القرار بكيانها تلك المره فهى لا تتصور حياتها بدون ان تتطالع ملامحه وتتلذذ بقربهم .. الم حارق يتوهج دخانه من قلبها جعلها تفزع من مكانها وتلقى بوجعها بين يديه لتعانقه سابحه فى بحور دموعها فوق كتفه كطفله صغير ترفض رحيل أباها فدوما ما يدفء القلب بالقرب ..
تلك تانى مفاجأه فى نفس اليوم اطاحت بعقلة وقلبه فى إن واحد ، اندست بجسدها النحيل فى حضنه فسد فراغات كأنه خُلق منه وإليه عاد .. كانت كاعصار احتل جسده وبعثر افكاره ضمها إليه اكثر وهو يقول
- فى إيه ..!!

خرج صوتها ممزوجا بالبكاء : مش عاوزاك تمشي !!
حتى اخنتقت كلماتها بعبراتها المنهمره فاغمض عيونه للحظات طويله ولازال يربت على كتفها بحنان هامسا
- تعرفى إنها المرة الاولى اللى اكون طالع فيها مهمة واتمنى ارجع منها سليم !!
انكمشت ملابسه من الخلف إثر تشبثها به شاهقة فى حضنه تردف بصوت متهدج بالبكاء
- ما انت لازم ترجع عشان أنا هكون مستنياك ..

إمراة غمرت جوفه حب كساه من رأسه للكاحل ، فالعمر كله غير كافي ليقول لها كم احبك .. هدأت تدريجيا حتى استندت على صدره ملتحفه بذراعيه ففى حبه يشبه العودة الى الطفوله .. سكنت مكانها طويلا اشتعل هو بشهوة إطالة النظر بها .. طبع قُبلة خفيفة على جبينها بعدما حسم قراره اخيرا ..
- لو ليا عمر ورجعت من المهمة دى .. لازم نحكى فى موضوع مهم جدا ..

رفعت انظارها بتساؤل : موضوع إيه ؟!
- لما ارجع بقي ما تبقيش فضوليه !!
- لا بجد أنا عاوزه اعرفه ..
- معنديش مانع اقوله دلوقتى
قال بنبرة تحمل دعوة صريحه بالحب فشقت ابتسامته ثغره فقام مبتعدا عنها ليقفل الباب مما اثار فضولها
- انت بتقفل الباب ليه ؟!

قفل الباب ثم عاد إليها : مش عاوزه تعرفى الموضوع ؟! وبصراحه الموضوع مش هيتم غير بقفل الباب !! قفل الباب اساسا مقدمة الموضوع ..
ارتعشت انظارها بقلق وبصوت خافت : هِشام ..!!
- تصدقى !! أن أحلى ( هشام ) سمعتها فى حياتى كانت منك !! أنت بتكسري الهاء اوى كده ليه ..
ثم قعد بجوارها يداعب وجنتها : كل حاجه منك مختلفه ..
تشبثت بكفه بلطف ثم قالت
- هتطول فى المهمه دى !

زم ما بين حاجبيه: مش عارف لو خلصت ممكن اجى الصبح فشلت هضطر اخلصها واجى ..
ثم سحبها برفق : يلا حضريلى هدومى عشان ألحق اروح العريش...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة