قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن والعشرون

رواية الحرب لأجلك سلام للكاتبة نهال مصطفى 2020

رواية الحرب لأجلك سلام للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن والعشرون

‏بقدر ما كان يلعن الحظ الذي قذفها به ولكنه كان يموت فى غيابها عشقا.. متعجبا على حالهُ فما اسهل ان يكون حرا ولكنه وقف عاجزا عن التحرر منها!.. كيف تكون امراة النجاه والغرق ف آن واحد!.. فكيف استئصل حبها من منتصف قلبى!

هزت رأسها نفيا وبصعوبة بالغة
- ملهوش لزوم.. همشي لوحدى..
ثم توقفت للحظه وهى تقول بنبرة باكيه
- هشام الصبح كان بيوصينى عليكِ.. خلى بالك منه وقربى له لانه حاسس أنك مش امه.. اقتلى الاحساس ده جواه.. وعامليه زى زياد.. هشام يستاهل كل خير..
ثم اجهشت نبرتها بالبكاء وبنبره متقطعة
- اشوف وشك بخير...

جرت فجر ذيول أوجاعها وهى تمشي بخطوات رجل كسيح وقلبها معلق بالمنتصف بين الرحيل الواجب والاشتهاء فى العودة، حائرة بين قلبها وخوفها الذي خيم على ذهنها بأنها فى المكان الخاطئ وان كل ما تسرب إليها منه ما هو إلا اضغاث أحلام..

وقفت فى منتصف السلم تراقب ظله الثابت النعكس من زجاج الباب الزجاجى، تستحم ذكرياتها بعطره ورائحته ولحظاتها المسروقة التى عاشتها فى كنف رجل عشقت اسره حتى بات الهرب فى حبه البطوله الوحيده التى تخسرها فى كل مرة تعلن فيها الرحيل..

ألقت نظرة اخيره على عايدة التى تترقبها بانتصار من أعلى، فأومات بانكسار وهى تمسح دموعها.. ثم عادت اعينها تتفحص باب المكتب ربما يمر طيفه فيمنع رحيلها..
استسلمت فى حروبها الداخليه وواصلت سيرها حتى لمست اقدمها ارضيه دهليز المنزل.. فصارت امامها اسواره حريه.. والعالم بدونه منفى لعين..

حضنت كفها بضعفٍ وهى تغلق الباب بهدوء خلفها وتبث فى نفسها كلمات لتستند عليها متمتمه بارتعاش: هل سأموت بدونه؟! على كُل جربت الموت من قبل ولم يزعجنى كثيرًا! يا ليته موت ولكنه موت على قيد الحياة.. ياوجعى على حياه سأبداها بدونك!

تنهدت رئة عايدة بارتياح قائد منهزم انتصر فى أخر لحظه بسبب حسن حظه وليس لذكائه، صدفة تبدلت فيها الاقدار.. عادت إلى غرفة زياد فوجدت الاوراق التى اعطتها لفجر لم تتحرك من مكانها.. فلعنتها سرا وهى تقول
- غبية وغاوية فقر!

زفر هشام مختتقا إثر ثرثرة ميادة الغير مُجديه قائلا
- ميادة أنت بترغى من الصبح فى كلام فاضي!
تسكعت نظراتها المتيمة عليه وهى تقول
- حبيت افكرك بأيامنا.. وكلامنا وكل لحظه عشناها سوا كانت سبب فى إنى اتعلق بيك..

تحرك خطوة باتزان.. واردف بنبرة هادئة
- مفتكرش إنى كنت معاك الشخص اللى اتمنتيه! بالعكس انت حشرتينى جوه قالب شخصية تانيه اتمنيها وحبتيها.. ومش هو ده الحب يا ميادة!

داعبت شفتيها ابتسامة حزينه واقتربت منه خطوة سُلحفية
- وهو إيه الحب فى نظرك يا هشام..؟!
صمت للحظة ثم قال
- الحب بيتعاش مش بيتشاف يا ميادة.. ومفتكرش أن عندى رد كافى يوصف لحظه عشتها معاها!

انعقد مابين حاجبيها وقالت بنبرة مكسورة
- هى مين؟!
استدار بجسده فصدر ظهره وهو يمسح على وجهه بنفاذ صبر ثم قال
- ميادة أحنا مش هينفع نكمل مع بعض..

اردفت بانكسار : عشانها!
هتف مبررا :" حتى من قبل ما تظهر، أحنا الاتنين كُنا بنكذب كذبة وللاسف صدقناها.. "

بللت حلقها بعد صمت ساد لدقيقة.. ثم قالت
- حبيتها؟!
ألجمته بسؤالها..فكانت تعرف انه لم يدافع عن نفسه لم يعترف كبريائه بما ينطوى بين ثناياه.. اغمض هشام جفونه لبرهه ثم اطرق قائلا
- الكلام ما بينا مفيش منه فايده!
كررت سؤالها مرة ثانيه بنبرة مُصرة بالحصول الاجابه
- حبيتها ياهشام؟!

- اااااااااه حبيتها يا مياده، حبيتها ومش هسمح لمخلوق يجرحها...
اندلع الصوت من ثناياه اضلعه بنبرة عاليه كانفجار البركان فأهتزت له الجدارن ووصلت لاذان الجميع حينها ظفرت فجر فى الخروج من الباب الخلفى بعدما تأكدت من انشغال الحرس بتناول غدائهم..

احمر وجهه وجحظت اعينه نادما على تسرعه، على قذف كلمة لم تعر اهتمامه من قبل، ولكن كانت الصدمة الكُبرى رد فعل ميادة الغير متوقع.. وهى تبادله بابتسامه واسعه منتصرة
- أنا كده لقيت رد اللى جيت عشانه!

رفع هشام حاجبه مندهشا فقال
- قصدك إيه؟!
اغمضت عينيها لبرهه لتمنع انسكاب دموعها وترتب الكلمات بجوفها فقالت بثبات ظاهرى
- متقلقش مرجعتش عشان ابوظلك حياتك، أنا جيت اشوف الحب اللى اتمنيت اشوفه تلات سنين، رجعت اتأكد انك عمرك ماحبيتنى.. فى ظل ما كنت بستنى منك كتير بس كنت برضي باتفه حاجه عشان بس اشوف منك نظرة حب ومكنتش بلقاها، الحب منور ملامحك ياهشام مخلينى واقفه قدام شخص أنا اتمنيت انه يكونلى.. كده أنت سهلت عليا الطريق، وإنى اقدر انساك بسهولة بدل ما كنت متعلقه مابين بتحبنى ولا لا!

تنهدت بوجع ثم واصلت حديثها قائله
- بس للاسف الانسان الغبى اللى يكمل فى علاقه مش متأكد منها، الحب والحيرة مش بيجتمعوا، مافيش حب رمادي ياسيادة الرائد..هو يا ابيض يا اسود.. بس هرجع واقول أنا اللى كنت غبية..

شرع ان يحرك شفتيه بعدما ما فاق من هول حديثها ولكنها قاطعته محاولة اخفاء ما تشعر به جاهده فقالت بتفهم
- هعفيك من اي اعتذار.. او كلام مش هيفيد بحاجه! هشام طلقنى!

وقف هشام مذهولا عاجزا عن الرد يتأملها تارة ويسرح طورا.. فكررت ميادة طلبها باصرارٍ
- هشام من فضلك أرمى اليمين حالا، مش محتاجه تفكير أنت خلاص اخترت وانا خلاص قررت..

توقفت الكلمه على طرف لسانه بدون اى تردد فكان الامر بالنسبة له كخلع ثوب فضفاض لا يُناسبه ابدا، ولا سبق وتمنى وجوده، فحسم قلبه الامر فى أقل من لحظه فلا يوجد ثمة مقارنة بينها وبين إمراة منصوبه فى قلبه كعمود خيمه، تحمحم بخفوت ثم اردف بهدوء
-تمااام.. أنت طالق..

اعترف اليوم وانا بكامل قوايه القلبيه بإننى لم أحبك.. لانك لم تر الحب بعينياى منذ اللقاء الاول وحتى بعد عدة محاولات.. وذلك اكبر دليل على ان قلبى يخلو منك تماما لانه اخفق فى ارسال اشعه اقوى من اشعة الشمس لمعضله قلبك فتغلف تمردك حبى.. إذًا فأنا لم أحبك..

شردت ميادة فى بحر دموعها وتركها هشام وغادر عندما ألقى كلمته الاخيره التى حررتهما معًا.. ما كادت اقدام تصل لاول درجه بالسلم فأوقفه نفضة صوت عايده المصطنعه وبيدها ورقة
- ألحق يا هشام.. فجر مشيت، لقيتها سايبه الورقه دى على سرير زياد..

اكل منتصف السلم بقدميه بخطوتين فقط وهو يخطف الورقه منها مصدومًا.. فمرر عينه عليها سريعا
- ( انا مشيت يا هشام، ومدورش عليا حكايتنا خلاص انتهت )

عصر الورقه فى قبضة يده وجاشت مراجله وهى يهتف صارخا
- ايه الجنان ده!
غادر سريعا ليلحق بها وتابعت عايدة خُطاه نحو مياده الواقفه بعيدا تراقب الموقف فى صمت، فاردفت بانتصار محارب
- كده خلاص ياحبيبتى خلصانا منها للابد! افرحى.

باتت على جمر الواقع تحترق وهى تتعمد كبح دموعها
- مبقاش له لزوم..
ضاقت عيون عايده متسائله : نعم! اى الجنان ده!
اومأت بخذلان وهى تمسح دموعها الجاريه
- هشام طلقنى خلاص، هشام لقى مكانه خلاص بعد سنين من التعب، ماينفعش افرقه عن حبه اللى مش هيزوره غير مرة واحده..

آمتلأ لحاظها دهشة وذهولا : انتو كلكم اتجننتوا رسمى، مياده انت هتسيبى هشام لواحده جاهل زى دى! فوقى..

تنهدت ميادة بارتياح :
- الحب وراحة قلوبنا متعرفش تفرق بين جاهل ومتعلم، انا كده اقدر انسي هشام وانا مطمنه، انا رايحه ألم هدومى وأمشي.. بس طنط من فضلك مش عايزة بابا يعرف إنى جيت هنا...

جلست عايده ببطء فوق اقرب مقعد وهى تضرب كف على الاخر فسرعان من انهالت مخططاتها فوق رأسها وهى تقول بحسرة
- العيال دول اتجننوا رسمى..

وصل هشام لباب البوابه وبزمجرة صوته التى باتت تتنافس مع صوت الرعد مناديا على الحرس المتجمعين فى غُرفة الحراسه تاركين الباب الجانبى للفيلا مواربا.. جاهرا
- والله عال! ما تقلبوها قهوة بلدى أحسن!

صفوا جميعا باحترام امامه مطأطأين رأسهم لاسفل.. فواصل هشام زمجرته معاتبا
- انا بديكم فلوس عشان تقعدوا تتسايروا كده ومش واخديم بالكم من اللى طالع واللى داخل.. دانت يوم منيل معايا..

- حصل ايه بس يا فندم.. احنا واخدين بالنا كويس من المكان..

هبت زعابيب جزعه
- ااه ما هو واضح بأمارة أن مراتى خرجت ومحدش شافها..

ثم توجه سريعا نحو غرفة الكاميرات وفرغها وشاهد آخر ربع ساعه التى رحلت بهم واستقلت عربية أجره.. ظل الحرس يتبادلون الأنظار بحرج فيما بينهم حتى عاد هشام معاتبا بعد ما دون رقم السيارة الاجرة ليبحث عنها..
- شوفتوا أنكم مش واخدين بالكم ولا حاجه.. طيب كلكم مرفودين ومش عاوز اشوف ضل واحد فيكم هنا.. وكده انا أبن اصول معاكم..

القى جمر كلماته ثم ركضا عائدا نحو سيارته وبسرعه فائق شغلها واوشك على مغادره الفيلا الى أن اعترض طريقه ظهور مجدى المفاجاة ووقوف سيارته امامه على اعتاب البوابه.. فنزل هشام سريعا وعلى المقابل نزل مجدى.. فهتف هشام بحماس
- مجدى فجر هربت، وانا لازم الحقها.. بقولك تعالى دور معايا وكل واحد يدور ف مكان..

صُدمَ مجدى من هول الكارثه ولكنه بادر معارضا
- والمهمه يا هشام..

انفجرت غازات غضبيه الحبيسة فى وجه مجدى
- بقولك مراتى هربت يامجدى...!
اشار إليه مجدى بكفوفه متفهما : تمام تمام.. هدور معاك بس اهدى...

- يا ميادة اعقلى.. آكيد انت خرجتى هشام عن شعوره.. فقال الكلمه دى..
اردفت رهف متوسله وهى تحاول منع رحيل ميادة التى اخذت قرارها، ولكن بدون جدوى اردفت مياده
- صدقينى يا روفا لو شوفت فى عيون أخوكى نظرة بس بتترجانى أقعد كنت هتحدى العالم كله واكمل معاه.. لكن صعب، أنا وهشام بيقينا زى البحر واليابس، لو اجتمعوا مصايبهم هتكتر، خلينا بعيد احسن..

ضربت رهف الارض بقدميها
- انت اكيد فاهمه غلط، هشام بيحبك افهمى..

قفلت مياده حقيبتها وسحبتها بتثاقل وقالت بهدوء
- انا كويسه والله، كده ريحت ضميري من ناحية أخوكى، وهعرف اكمل حياتى عادى.. اشوف وشك بخير!
ارتمت رهف بين ذراعيها باكيه
- بس آكيد ده مش هيأثر على علاقتنا! مش كده..

ربتت مياده بحنان على كتفها : مش معنى أن علاقتى مع هشام فاشله يبقي اخسرك.. انت اختى الصغيره ياهبله!
ابتعدت رهف عنها وهى تُجفف دموعها :
- طيب أنت هتروحى فين!
- هضطر ارجع امريكا.. بس يارب ألقى تيكيت، يلا خلى بالك من نفسك ومن مجدى، بلاش تخسريه لانه بيحبك بجد..

رحلت مياده وفى قلبها علة الخذلان التى لا تظن انها ستشفى منها، انحبست ابخرة الوجع بين ثنايا اضلعها حتى شعرت بانفجار حتمى سيكون مصدره جوفها.. (جارت الانظار واغتنمت الفرص التى دكت القلوب دكا فسقطت رغم عن انف عقلى مُتيمه بظلال رجلٍ لا يرانى.. لو كان الامر باختيارى ما اخترت المُر لثانيه.. ولكن عندما تُغلق كل ابواب البقاء اصبح الرحيل واجب... )

ما هى إلا عدة دقائق من مغادره مياده للمنزل التى تمنت العيش فيه بقية ايامها شارده وهى تمشط ارصفة الطرقات بحثا عن شخص يعوضها ويسد رمق قلبها الذي كان سببه خذلان رجل.. فصرخ صوت البواب فى اللاسيلكى برعب
- ألحقى يا ست عايده... ست ميادة خبطتها عربية قدام البيت!

تقلصت اشعة الشمس التى كانت كافيه ان تصنع حبا بقلب رجل عاش هاربا منه طول العمر، واندلت ستائر الليل وحل الظلام الداكن الذي يتنافس مع لون ظلمة جوف كل شخص منهم.. بات على جمر من الشوق محرقٍ وهو يمسح الطرقات باحثا عنها كمن فقد ضالته..

مرج لهب عينيه عندما وجد فتاة ترتدى نفس زيها فاوقف سيارته بغتة وهبط منها مسرعان وهو يجذب الفتاة بكل قوتها من ساعدها حتى هبت صارخه.. فسرعان ما تراجع للخلف معتذرا وعائدا الى سيارته، عجبى على حبٍ يجعلنا نرى وجه من نحب فى جميع الاوجه..

بقدر ما كان يلعن الحظ الذي قذفها به ولكنه كان يموت فى غيابها عشقا.. متعجبا على حالهُ فما اسهل ان يكون حرا ولكنه وقف عاجزا عن التحرر منها!.. كيف تكون امراة النجاه والغرق ف آن واحد!.. فكيف استئصل حبها من منتصف قلبى!

هاجت اشباحه بداخله ونفذ صبره وهو يري دقات عقرب الساعات تقترب من العاشرة مساءا.. فتتضاعف الخوف فى قلبه عليها من سُكان الطرق التى لا ترحم..
قطعه رنين صوت هاتف مجدى يائسا
- ايوة يا هشام أنا وصلت لصاحب التاكسي.. ولااسف قال انه نزلها تانى شارع من بعد بيتكم لانها مكنش معاها تمن الاجرة..

ضرب مقود السيارة بقلة حيلة ليصرخ قائلا
- يعنى راحت فين! انشقت الأرض وبلعتها..! هتجنن يا مجدى..
صمت مجدى للحظه مفكرا بشيء ما ثم اردف سؤاله باهتمام
- هشام.. هى فجر بتحبك!
هتف هشام بنفاذ صبر : وده وقته انت بتقول ايه؟!

انحرف مجدى بسيارته اقصى اليسار وهو يقول
- جاوب بس، يمكن تصيب المرة دى!
- اووووف ايوه يا سيدى.. بتتنيل!
اتسعت ابتسامه مجدى بهدوء : متأكد يعنى قالتهالك بلسانها ولا ده استنتاج..!
اختنق هشام من هدوء مجدى المُبالغ فيه فقل الهاتف بدون اى انذار وهو يسب فى نفسه علنا
- عيل تافه، طيب يا مجدى بس اشوفك! والهانم التانيه بس تقع تحت ايدى!

عاد مجدى الى فيلا عمه وأخذ يجوب الطرقات باحثا حول المكان.. وبحكم خبرته العريقه بالحب والروايات وعالمه السري الدفين متاكدا ( أن المحب لا يفارق بدون وداع حتى ولو بنظرة عن بعد )..

تجلس تحت احد الاشجار على المقاعد الخشبيه المجاوره لفيلتهم وهى تحضن نفسها من شدة البروده او على الاغلب لبرودة رحيلها عنه فتوقف المطر ولم تكف دموعها ظلت سابحه فى بحور اوجاعها على لحن صليل قلبها التى نسيت كيف يدق من غير ألم!.. برغم هدوئها العظيم الا أن كان هناك صوت يجلدها من الداخل يتعالى صوته ليخترق طبقات السماء السبع..

أبى قلبها الرحيل قبل ما ترمقه بنظرة وداع آخيره تصم فيها ملامحه التى حُكم عليها مغادرتها للابد.. فما اصعب ان يمضى الانسان وهو حاملٌ فى قلبه الحب، الاشتهاء فى العوده، والحياه فى البقاء.. ثنت ركبتيها ودفثت رأسها بداخلهم لتطفىء من شهوة الشوق التى اندلعت فى قلبها.. هاتفه بصوت مقهور
- يارب أنا مكنتش عايزه احبه..
عجيب أمر الحب لا يأتى الا للرافضين له دومًا، اما المنتظرين فلا تمر نسائمه على قلوبهم..

توقفت عربية سوداء بالقرب منها شيئا فشيئا وحاصرتها انوارها فاتسعت ابتسامه مجدى منتصرا وهو يدلف من سيارته ويجلس بجوارها، أما عنها لم ترفع رأسها بعد الا عندما جهر مجدى معاتبا
- فكرك ده الحل؟!
رفعت عيونها الهالكه من كثرة البكاء لتردف بصوت كسيح
- مجدى بيه؟!

استدار مجدى بجسده ليبقي مواجها لها وهو يكرر سؤاله بصيغه آخرى
- انت كده عملتى الصح يعنى وانت سايبه هشام هيتجنن عليكى؟!

تدلت اقدامها المرتجفه وهى تقول متوسله
- بلاش هشام يعنى.. انا بوظتله حياته وكفايه كده.. انا بس كنت حابه اودعه.. مهنش عليا اسيبه وامشي من غير ما اشوفها..
وقف مجدى بثبات وهو يمد لها كفه
- قومى يا فجر يلا..

هزت رأسها نفيا : مش هينفع... خلاص ماينفعش ارجع تانى..
اخذ نفسه بارتياح : لا ينفع..طالما هشام بيدور عليك زى المجنون كده يبقي قرارك ظلم ليكم انتوا الاتنين.. لوسمحتى قومى..

تصلقت انظارها الذابله ملامحه بتردد وهى تهز رأسها نفيا الى ان حسم الرعد والبرق الموقف وانهالت السماء بامطار غزيرة فوق رؤوسهم فاختطلت بدموع عينيها.. فلم يكن لها مجالا للاعتراض..

وثبت قائمه باستسلام وجلست بالمقعد الامامى وهى منكمشه حول نفسها تحمل هم لقائهم ولكن هناك شعور خفي يتراقص بداخلها فارحا بالعوده مصابه بنوبة حنين لرائحة ليالٍ كانت مغموره به..

هاتف مجدى هشام واخبره بوجودها معه، فبرغم من هدوء صخب دواخله إلا أن اندلعت نيران الانتقام بجوفها جاهرا بتوعد
- اوعى تهرب منك يا مجدى... أنا جاي حالا..
- متقلقش يا سيوفى، هوصلها الفيلا ومش هتحرك غير لما تيجى..

مر قرابة النصف ساعة حتى عاد هشام الى منزله غاضبا.. باتت دمائه تغلى فى نفسه... توقف بسيارته امام سيارة مجدى المصفوفة ونزل منها بوجه محمر بنيران الغضب وهو يركل بابها بقوة..

رجفة قوية اصابت جسدها فانكمشت فى باب سيارة مجدى اكثر.. هبط من سيارته إثر ضجيج صوت هشام
- والله عال ياهانم.. تخرجى ولا كأنك متجوزه كيس جوافه!

وقف مجدى أمامه محاولا تهدئته
- اهدا يا هشام واتكلموا بعقل..
صرخ قائلا : دى عايزة تكسير دماغها.. عقل ايه بس يا مجدى! انزلى..

فتحت باب السياره بخوفٍ وهى تندلى منها ببطء شديد وترمقه بعيون ثابته.. رجل لا يفهم الحب الا عبارة عن قفص يأسر من أحب بداخله.. امراة لا ترى الحب الا اجنحه تحلق بهم فوق سحب السماء مع من تحب.. هل يجتمعان؟!

نزلت فجر ونصبت عودها وبدت هيئتها المرهقه امامه ولاول مرة تنتابها قشعريرة خوف منه.. اوشك ان ينقض عليها بغضب اعماه عن نتيجة تصرفاته فسرعان ما اختبئت خلف ظهر مجدى الذي كان لها سد منيعا
- ماتهدا بقي يا هشام!
تراجع هشام خطوة للخلف وهو يحاول تمالك غضبه المشتعل.
- امشي يا مجدى..

مجدى معترضا : أمشي إيه بس! انت هتموتها يا هشام!
لازالت متسلحه بالصمت متواريه خلف ظهر مجدى.. فتناول هشام انفاسه بصعوبه قائلا
- قولتلك امشي يا مجدى...
دار بانظاره الحاائرة نحو فجر التى استقبلتها بنظرة معارضه.. فقال باستسلام
- خلاص همشي.. بس بالعقل كده وبلاش الفرعنه اللى انت فيها دى..
ثم همس قائلا : وبالنسبة للشحنه متشلش هم..

تزحزحت اقدام مجدى من أمامها فسرعان ما شعرت بزوال حصنها فركضت مسرعه نحو الفيلا لتختبىء منه.. لحق خُطاها سريعا وهى يأكل بنيرانه خطاوى الارض.. فركل الفاازه الضخمه بقدمه فانهارت فالحال.. فجهر قائلا وهو يراها تهرب منه ومن غضبه الثائر بدون وعى
- هتروحى منى فين...! والله عال قررت تهرب فهربت! انا بقي هخليكى تفكري بدل المرة ألف قبل ما تاخدى قرار من نفسك...

اسرعت خُطاها وهى تأكل خطاوى السلم ركضا فتابعها غاضبا وهو يسب فى نفسه تارة سرا وطورا علنا.. الى أن وصل لاعتاب غرفته وجدها تقف امامه ضغيفه لا حول لها ولا قوة.. ترتعش من خوفها وانكسارها امامه..فركل الباب بقدمه متحدثا بنبره رخيمه
- سؤال.. وعاوز اجابه منتطقيه.. اي اللى خلاكى تمشي..

تنهدت رئتها بعناء لحقت به دموعا لا تحصى
- مستحملتش اشوفك معاها.. حسيت ما بقاش ليا مكان خلاص.. تمثليتنا انتهت!

هب بصوت قوي وهو يوقع المقعد بيده :
- بأى حق.. انا قولتلك أمشي؟!
صمتت للحظه وهى تنتفض فى مكانها.. فكرر سؤاله
- هاااا انطقى انا قولتلك امشي..
هبت صارخه بنفاذ صبر : مش هستناك لما تقولها يا هشام، انا وانت عارفين مصيرنا كويس اوى.. يبقي ليه استنى الوجع..

لازالت نبرة صوته مرعبه حتى برزت عروقه من شدة الغضب
- بأى حق! تحكمى على حاجة من وجهة نظرك أنت.
اردفت صارخه وبصوت مفعم بالبكاء
- واى حق يخلينى اقعد مع مراتك فى بيت واحد وانا وانت عارفين ان اللى بينا مسرحيه هتنتهى بكلمه منك..!

عاد الحب المضمور يتفجر من جديد وهو يحسم امره ويتحرر من ملابسه امامها ثم تناولها من خصرها بذراعه لتصبح اسيرة ذراعيه قائلا بعدم وعى وهو يدفن انفاسه فى شعرها
- تمام.. وانا هديكى الحق ده...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة