قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن

‏عندما تُقلِع عن إدمان شيء ما، أول ما ستواجهه هو التّفكير به في أوقات الفراغ، فإن قتلت الفراغ، انتصرت.
أحمد خالد توفيق.

قطع حبال شجارهم دخول رهف وهى تحمل صندوقا خشبيا قديما وقالت بتلقائيه
- سورى ياهشام، بس عمو اسعد الجناينى لقى الصندوق ده مدفون تحت شجره..
تابع حديثه بصوت خفيض وهو يقترب منها متجاهلا تلك التى باتت تحت تأثير صدمة فعله الغير متوقع
- وايه ده كمان؟!
هزت رهف كتفيها بعدم فهم
- معرفش، انا خوفت أفتحه يكون فى قنبله ولا حاجه..
رمقها بنظره سريعه مغلفه بالسخط وتمتم قائلا
- تقومى تجيبيها هنا؟! ورينى...

اعطت الصندوق لهشام، ثم رفعت انظارها الفضوليه نحو فجر وقالت
- جوجو، أنت واقفه عندك ليه؟! انت كويسه؟!
اطرقت بصوت كسيح محاوله الافاقه من صدمتها
- هااا! انا لازم أمشي..
اقتربت رهف منها بنظراتها الاستكشافيه
- وشك مخطوف كده ليه؟!
ثم استدارت نحو هشام متوسله
- هشام ممكن تسمع فجر للاخر، هى معملتش حاجه وحشه بليزززززز..
آهات مُلتاعة صاحبت نبرة صوتها المرتعشه، وبأسف
- سيبي سيادة الرائد براحته، شكله مش حابب يسمع.

اصابهم تجاهله القاسي فى مقتل، حيث جلس على حافه فراشه وفتح الصندوق، فوجد به بعض الاوراق القديم منها والحديث بعض الشيء...
سحبت رهف فجر من كفها واقتربت منه وقالت بنبره فضوليه
- هشام انت لقيت إيه!
لم يبد أى رد فصمته زاد من فضولهم واتساع حدق عينيهم، حيث شرع فى فحص الاوراق وسقطت فى يده صورة بالابيض والاسود لوالده فالصغر بصحبة امرأه تحمل بعض ملامحه..

قلب الصورة على ظهرها ووجد رسالة بخط اليد مكتوب فيها ( هاله، ١١/٢/١٩٨٥ )، قرأ العبارة أكثر من مرة ثم وضع الصوره بجانبه وتفقد الصورة الثانيه باقتطاب لم يغيره سؤال رهف التى جلست بجواره وتفحصت الصوره
- مين دى اللى مع بابا...
للحظه تذكرت فجر جُملة عايده لها
((((- أنا لو خليتك مع هشام هيكرر تاريخ ابوه، هيوجعك زى ما وجعنى، فجر الحقيقه اللى لازم تعرفيها إن هشام مش ابنى. )))).

هزها ما تذكرت وما سينكشف امامه، وبدون تفكير انحنت بعجل وقفلت الصندوق على كفه وقالت راجيه
- هشام عشان خاطرى بلاش، بلااااش..
زادت حيره رهف وتضاعف فضول هشام، فأكتفى بارسال نظرة واحده ثم كلمة كانت كالسيف على قلبها
- أنتى لسه هنا بتعملى إيه؟!
نار سؤاله لفحت قلبها فانخرطت باكيه
- طيب بلاش تشوف اللى فى الصندوق..
رهف باستغراب: أنتى عارفه جواه ايه؟!

رمقتها فجر بأسف ثم أومات ايجابا وهى تحبس اناتها الموجعة، ففتح هشام الصندوق مره أخرى ولكن تلك المرة فرغ كل محتوياته امام عينيه فوجد أمامه خطابا وشهادتين ميلاد وبعض الملفات الاخرى التى تعمد تجاهلها..
تناول الخطاب وفتحه أولا...

- عاوزك تسامحنى ياهشام، مكنش قصدى أكذب عليك يابنى، بس مكنش عندى الشجاعه أقولك وأنا حى وده سبب قسوتى عليك طول السنين اللى عدت كل مااضعف قدامك وأحس انى لازم اقولك بستقوى عليك أكتر عشان اكتم جوايا ومضعفش، وكمان مكنتش عاوزك تتوجع عليا لما اسيبك وأمشي وتحس بيُتم الاب والام، كنت عاوز اصنع منك رجل زى الجبل مايتهزش لاي ريح وخاصة اللى هتعرفه دلوقتى، هشام، عايده مش أمك، أمك ماتت وهى بتولدك، متزعلش من عايده أنا اللى كنت مأكد عليها انها متعرفكش حاجه، وهى طلعت عند وعدها ووفت...

عصر الورقه فى يده مذهولا، سبحت بعينيها الباكيتان فى بحور خذلانه، فتحركت بتثاقل وجلست بجواره فرأته يتفقد شهادات الميلاد، واحده بأسم الام ( هاله السيوفى ) وآخرى المزوره باسم ( عايده النورماندى )..
ازدردت ريقها برعب وتركت عبراتها تغسل وجهها وهى تربت على كتفه
- هشام، عصبيتك وغضبك مش هيغيروا حاجه، اهدى...
كان هدوء وسكوته مُرعب اشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفه، فغمغمت فجر حائره
- اتكلم طيب ماتبقاش ساكت كده؟!

تناولت رهف منه الاوراق وقرأتها بتمتمه ثم تفوهت بصوت مسموع
- يعنى مامتك واحده تانيه غير مامتى! طيب أزاى..
وقفت فجر وجثت على ركبتيه تحت انظاره وهى تقبل كفه الذي تغلف بدموع حزنها، وقالت بانتفاضه
- هششام، بلاش تكتم فى نفسك كده! بص قوم اتعصب كسر أعمل اى حاجه، بس بلاش سكوتك ده...
ثم نقلت اصابعها لوجهه واحتضت ملامحه بتوسل
- قول اي حاجه طيب!
اقتربت رهف منه وهى تجفف عبراتها السائله.

- هشام، بليز، ممكن ماتزعلش، اصل اللى حصل حصل.
انخفضت انظاره لعيون فجر الهالكه وسألها
- كنتى عارفه؟!
ذهول ثم ارتباك ثم حيره ثم أسف فأومات بخذل
- ايوه، مامتك، ممم عايده هانم قالتلى..
غرزت آخر خنجر منها بقلبه فتمتم بغضب
- مش عايز اشوف وشك تانى، اطلعى برا...

رفسها بركبته فسقطت ارضا وهى تراقب خطواته الجنونيه وهو يرتدى ملابسه بعشوائيه وبدون ما يهتم لقفل آزرار قميصه، وخز قلبها بأشواك التجاهل، فاقتربت منه رهف متوسله
- طيب انت رايح فين بس، استنى ماما تيجى ونفهم منها...

دفع اخته بكل قوته حتى ارتطم ظهرها بالخزانه فأصدرت صوتا متأوها، وما هى الا لحظات وقُرع صوت قفل الباب، فأخذ فحل شروره وغضبه واتجه نحو الباب كالثور الهائج وبيده شهادتي الميلاد وغادر، لحقت به رهف ثم فجر صاحبت الخطوات المتردده..
- أهلا، اهلا بعايده هااانمممممم..
بهدوء اردفت
- هاى ياهشام...
ثم رفعت انظارها لاعلى وجدت فجر
- ما قولتيش أنك جايه هنا؟!

لم تلق ردا على سؤالها، فتوقفت إثر ثوران صوت هشام الذي لحق بمسامعها
- كنتى مستنيه تقوليلي أمتى؟!
انعقد حاجبيها باستغراب
- مالك ياهشام، هى تعصبك وانت جايه تطلعهم فيا؟!
- أنت فاهمه كويسه أوى أنا قصدى إيه، بلاش تلفى وتدورى..
ألقت نظرة معاتبه نحو فجر ثم قالت بهدوء
- اااه أنا اللى قولتلها تمشي..
ثم بللت حلقها وعادت متحدثه بنبرة اشبه بالصراخ
- ماتنفعكش، والله ما تنفعك ياهشام...

لمست اقدامه آخر درجات السلم، وبهدوء
- الواضح أن فى حاجات كتير اوى معرفهاش فالبيت ده..
ثم نصب عوده بشموخ واقترب منها بخطوات ثابته
- سرك انت وعماد السيوفى اتكشف ياعايده هانم...
أغرورقت عيونها بدموع ثم رفعت انظارها المتسعه من هول الصدمه نحو فجر مغمغمه
-أنت قولتيلو؟!
رفع رأسه صوب فجر وقال بعتب
- ياريتها كانت قالت، على الاقل كانت هلاقى حاجه تشفعلها عندى..

اقترب منه عايده وحاولت ان تلمس اى جزء منه ولكنه رفض بحزم أن تقترب منه، فانفجرت باكيه وهى تلهث قائله
- وانا ايه ذنبى طيب؟! كلنا ضحايا لافعال ابووك، ومكنش قدامنا غير السمع والطاعه، هتاخدنى ليه بذنبه...
حولت مرة آخرى أن تتشبث بكفه ونحبت متوسله
- عمرى ما حسيت أنك مش ابنى، هو أنا قصرت فى تربيتك طيب! قول لى؟! هشام حبيبي ماتسكتش كده واتكلم واجهنى، عاقبنى لو قصرت لكن متعاقبنيش انى حفظت السر..

- سؤال واحد وبس، خبيتى عنى ليه؟!
كانت نبرته متزنه، هادئه، ثارت نيران لا تنطفىء فى قلوبهم، دلفت فجر بصحبة رهف لاسفل ووقفا خلفه ينتظرون رد عايده التى كانت تصارع لتبدو أقوى، تصارع نفسها لتبحث عن رد يرضيه..
صمت استمر للدقيقه أو أكثر، فالتوى ثغر هشام ساخرا ومنبره مغلفه بالحزن.

- طبعا معندكيش رد، وانا اصلا مستنى رد منك ليه على حاجه انا كنت عارفها وبتجاهلها ٣٣ سنه، مكنتش عاوز منك غير كلمة تأكد الحرب اللى جوايا بس...
فردت عايده ذراعيها واقتربت منه لتحتضنه وانفاسها تلعو وتهبط أمام عينيه فلم تغمض له جفن، ابتعد عنه والقى فى يدها الشهادتتين، وشيعها بآخر نظرة ساخطه وولى ظهره مغادرا...
لحقت فجر خطواته الواسعه راكضا وهى تنادى عليه متوسله
- ياهشام، متمشيش وانت فى حالتك دى..

وصل الى باب سيارته ثم استدار نحوها وتعمد القاء الجمر بحلقها وقال
- مش عاوز ألمحك تانى بعد النهارده، أنت فاهمه..
انخرطت عبره من طرف عينيها
- هتحكم عليا من قبل ما تسمعنى ياهشام...
- قولتها كلمه واحد، مش عايز اشوفك فى حياتى تانى، اختتفى، ولا اقولك أنا اللى هريحكم منى واختفى خالص..

ألقى مخدر كلماته عليها فتجمدت فى مكانها، فسحب ذيول خذلانه وصعد سيارته بعد ما ارسل عليها بعض النظرات الساخطه، تركها وترك روحها تغلى، فهى لاتعلم هذا بسبب غيابه الابدى ولا حضوره القاتل؟!
تقهقرت وخرت قوتها فدفعها قلبها للجلوس بجوارها فلم تجد منه أى اعتراض، دور سيارته وهب معارضا
- قولت انزلى.

التزمت صمتها ولمعت عيونها بنور الانكسار والرفض معا، فحركت رأسها نافيه وكأنها تندب لعيناه حظها وتعاتب القدر الذي حشد كل اقدارها فى ظل رجل! جرت دموعها فصبت فى قلبه، انكمشت حول نفسها على باب سيارته والتزمت الصمت.

لم يجد اى رد فعل منها فتعمد تجاهلها الذي يتفنن فى اصطناعه، تحرك بسيارته والتزم هو الصمت آيضا على عكس حروبهم الداخله بالرغم من كل النواطق التى كان يتلفظ بها ليبعدها عنه ألا أن دواخله هدأت اضطرابها بوجودها، فاستسلم للمرة كمن فقد كل سُبل التمرد..

- بتى جرالها ايه ياست ناديه، انا ما بقتش قادرة اتحمل الحاله اللى هى وصلتلها؟!
هتفت نعيمة أم قمر بجملتها الاخيره بعد ما نفذ صبرها من صمت بنتها الذي استغرق ايام بدون جدوى، قفلت ناديه المصحف ووضعته بجوارها
- أنت مش سمعتى الدكتور بنفسك وهو بيقول أن وضعها على إكده ممكن يطول على حسب حالتها النفسيه!
جلست نعيمه بجوارها متوسله
- طيب وحياة ما بتقولى يارب يردلى غيبه خالد، بتى حصلها ايه وانت مخبيه علىّ.

- يووه يا نعميه عااااد! أنت مزهقتيش من حديتك ده..؟!
فرت دمعة من عين نعيمه وقالت
- بس أنا قلبى متوغوش لييييه، قلبى بيقول لى أن حصل واللى حصل تقيل جوى!
كانت تنصت لهم مهجة من بعيد التى كانت تلقم اظافرها، فنهضت متدلله الخُطى، وهتفت
- أخص عليكى يا حجه ناديه؟! مش عيب وانت ست عارفه ربنا وكُبره كده اهوو وتكذبى، ما تريحى قلب نعيمه..
التفتت إليه نعيمه بلهفه الغريق الذي وجد طوقًا لنجاته وقالت.

- ما تريحى قلبى انت ياست مهجة، وتقوليلى هى جرالها ايه؟!
تمايلت مهجة حتى جلست مقابل ناديه وقالت بخبث
- لا مقدرش، لازم أخد اذن ستك ناديه الاول...
دارت نعيمة نحو ناديه مستغيثه
- ارحمى قلب واحده زيي يا ست ناديه، وقوليلى جرى ايه، حرام عليكى..
وثبت ناديه قائمه لتضع حدا لنقاشهم وقالت
- بتك مستحملتش تشوف خاالد وعمه بيتخانقو فطبت ساكته يانعيمه، كام يوم وهتعاود احسن من الاول..

ثم برقت عيونها نحو مهجة وكأنها تحذرها وواصلت قولها ناصحه
- متخليش الشيطان يلعب فى راسك، واعقلى...
تركتهم ناديه وغادرت ثم لحقت بها مهجة التى انحنت قليلا على آذان نعيمه وهمست بشرٍ
- لكل شيء مقابل، مستعده أقولك اى اللى حصل فى بنتك مقابل ما تعرفيلى خالد راح أى مستشفى بالظبط، فكرى وقوليلى...
نصبت عودها مرة ثانية إثر هتاف زيدان من الخارج وهو يقول
- فى ايه إهنه؟!
- مفيش ياعمده، اى رجعك بدرى كده ياخويا؟!

تجاهل زيدان سؤالها ووجه حديثه صوب نعيمه
- ها يانعيمه بتك عامله ايه..
رفعت انظارها الى مهجه التى خطفت الكلام من شفتي نعيمه
- بنتها بقيت زى الفل يازيدان..
زيدان: طيب زين، خيلها تجهز نفسها إكده عشان عاوزين نكتبو آخر الشهر..
ندبت نعيمه على صدرها
- بس انا لسه مخدتش ماشورة البت ياعمده..
- ومن ميته أحنا عناخدو رأي بنات؟! أنت امها وواعيه لمصلحتها، وعيها هى كُمان...

تسمرت مهجة فى مكانها، فلم تكبح أن تنفجر فيه معاتبه فأقتحم مجلسهم أحد الغفر وهو يقول
- كله تمام ياعمده، حصل كيف ما أمرت؟!

أمام قسم شرطة بنى سويف شجار هائل بين الاهالى وحشد رهيب مختلط من سكان البلده والعساكر اللذين بذلوا قصارى جهدهم لفض الشباك بينهم..
خرج مجدى من القسم رافعا سلاحه وهب صوته جاهرا مع صوت رصاصات مسدسه
- لم لى يابنى الناس دى على جوه..
اخترق صفوفهم حتى فُسح له طريقا ووابتعد الرجلان عن بعضهم بمجرد وصوله، فاسألهم مزمجرا
- مفكرها هنا زريبه أبوكى يابنى آدم انت وهو؟!
فهب الرجل قائلا.

- هو اللى واخد اتنين متر من أرضي ظلم..
فنهرهه مجدى
- تقوموا تيجو تقتلو بعض هنا؟! دانتو ليلة اللى جابوكم سوده...
طأطأ الرجلان رأسهم، فهتف مجدى للعساكر
- دخلوهم جوه لما نشوف اخرتهم ايه، يلاااااه، ومشيلى الناس دى..
تشتت الجماعات فى لمح البصر وما هى الا لحظات ورنت رهف، فاجابها مختنقا
- عاوزه ايه يارهف دلوقتى بمواعيدك اللى شبه وشك دى..
ألقى جملته بشيء من المزاح، فلم يجد منها رد سوى لهفة الاستغاثه.

- ألحقنى يا مجدى، ماما منهاره، وهشام مشي مش عارفين راح فين، وانا مش عارفه أعمل أيه...!
- طيب اهدى اهدى وكلمى زياد على بال ما اكون جيتلك..
ضربت الارض بقدميها
- وحتى ده كمان تليفونه مقفول، ومش عارفه اوصله، مجدى أنا تعبت بجد، ومش عارفه اتصرف..
نادى على أحد العساكر وأمرهم قائلا
- ودى الرجاله دول عند النقيب حسن فوق..
ثم ركب سيارته وواصل
- رهف اهدى واحكيلى براحه اى اللى حصل وأمك مالها..
زفرت باختناق.

- مجدى؟! اى أمك دى؟! انت بقيت بتتكلم بالطريقه اللوكل دى ليه؟!
- جز على اسنان بنفاذ صبر
- ماتنجزى، وده وقتك بروح امك انت كمان! لسه طالع من خناقه لمصيبه ومستنيانى احب فيكى؟!
- اووف طيب ممكن متتعصبش..
اشعل سيجارته متابعا
- أحكى يارهف، احكى في يومك اللى مش باينله ملامح ده...
حكت رهف بأدق التفاصيل ما حدث منذ لحظه ألتقاءها بفجر لتلك اللحظه التى تناولت عايده فيها حبوب منومه حتى لاحظت سكوته التام فقالت.

- مجدى انت سكتت ليه، هو أنا رغيت كتير؟!
شرع أن يجيبها ويهدا السرعه ل يحرك مقود سيارته، فردد بدهشه
- رهف، العربيه مفيهاش فرامل؟!
فزعت من مجلسها صارخه
- الوووووو، يعنى ايه؟! ازاى؟! مجدى متقلقنيش عليك رد بليززززززززز..

صف هشام سيارته فوق جبل المُقطم ثم دلف منه بتجاهل تاام لتلك التى تخنقه انفاسها، فمررت اهدابها على ظهره المنتصب أمامه وتفتنت تقسيمات عضلاته ثم حسمت أمرها ولحقت به بخطوات متردده..
- على فكرة مكنش ينفع أقولك..
القت جملتها على مسامعه وهو يبعد عنها بقرابة المتر، تجاهل جملتها كعادته ثم اقتربت خطوة آخرى وغمغمت
- طيب اتكلم قول لى في إيه طيب، عارفه أن موضوع والدك ده مش سهل، بس مفيش فى ايدنا حاجه نغيرها..

ملأ صدره من هواء المكان ثم قال
- انت هنا ليه؟! مش مشيتى؟! ايه اللى رجعك؟!
فركت كفيها بتردد ثم دنت منه خطوة سحلفيه وبصوت كسيح سألته
- أنت مش حابب وجودى؟!
استدار نحوها بهيئته التى باتت تخشاها كثيرا، وقال
- ايوة، مش طايق اي حاجه فيه ريحتك، ممكن تحسي بقي وتمشي..!
سالت مياه عيونها وانفها ف آن واحد، وباتت جملته كنار تحرق وتحترق بهما، تحركت امام عينيه كرائد فضاء بدون جاذبيه، وقالت بحزن.

- مكنتش عامله حساب إننا هنتجمع تانى..
- بس انا شايف انك مرجعتيش للكلب اللى مشغلك، ايه الحوار ولا هو افتكر حاجه جديده عاوزك تنفذيها! ممم مايكونش عاوزك تقتلينى المرة دى..
جزعت من قسوة اتهاماته فصرخت بوجهه متوسله
- ما كفايه، كفايه تقترح أوهام من دماغك وتصدقها، هو أنا ما بصعبش عليك..؟!
استدار نحو الخلاء أمامه وهو يتفقد هيئه المنازل الاشبه بعُلب كرتونيه مرصوصه وقال.

- عارفه، لو بايدى ارميكى من هنا واخلص منك، عالاقل اضمن انى مش هشوفك تانى...
اجهشت بالبكاء أمامه، فاردفت بخفوت
- للدرجه دى؟! عاوز تخلص منى ياهشام؟!
سيف جملتها شق قلبه لنصفين، نصف يريدها والاخر يريد أن يتخلص منها للحد الذي يؤد أن يقتلها بيده حتى لا يلاحقه شبح وجودها مرة ثانيه، فالقتل هو النتيجه الحاسمه لعدم رؤيتها مرة ثانيه لانه مهما انكر وتجاهل وجودها فذلك لا يمحو حقيقه وجودها..

اغمض عينه بقسوة وتحدث بصوت محشو بالوجع
- وانت مستنيه منى إيه، مستنيه منى اى وانت وخدانى تمثليه، نايمه فى حضنى بالليل اصحى القاكى بمنتهى االبساطه سيبالى حتة ورقة كتابه لى فيها سورى اصلى ضحكت عليك وطلعت خاينه، باى باى ياهشام...
ثم اقترب منها وقبض على رسغها ورجها أمامه
- عيل هشام السيوفى بيلعب معاكى عشان تعملى كده؟! دانتى يابت مااشغلكيش جاريه عندى..
تتقلص وجعا تحت يده فهبت صارخه.

- عارفه انى غلطانه وكلنا بنغلط، ايه انت مابتغلطش؟!
- لا، أنا مابغلطش...
- طيب حتى ادينى فرصه تسمعنى..
دفعها بكل قوته
- ولا هسمعك، انتى بالسبه لى كارت واتحرق، مش هرجع ادور على رماد!
تصلقت انظارها الراجيه نحو عيونه فرجت قلبه من مكانه حتى الانخلاع فارتخت قبضه يده تدريجيا، واخذ يستغفر سرا، حتى هدأ وابتعد عنها قدر لا تطولها يده، واشتعلت انفاسها هى بألم يحرق بقلبها فحاولت تشتيت فكرها عن الالم، وقالت بعجز.

- والله أنا غلطانه، ومستعده اعمل اي حاجه أنت تقول لى عليها عشان تسامحنى، هشااااام ؛ أنا بحبك..
عاد هدوءه مرة اخري وقال ساخرا
- مابقيتش تأكل عيش..
ثم اقترب منها ولازال محافظا على هدوئه
- عارفه انت مش غلطانه، الغلط عندى أنا؟! هو فين العقل والمنطق اللى يخلينى ادخل واحده فلاحه هاربه جاهله بيتى، واتجوزها وأمنها على نفسى وهى لا بيئتها نفس بيئتى ولا مستواها نفس مستوايا...

ثم ضغط على شفتيه واكمل جلد فى روحها وهمس
- عارفه عندنا كأغنيه اللى زيك بيحطوهم فين؟! لو عطفنا عليهم وعطناهم أوضه فالمطبخ بتاعنا يبقي كرمناهم، بس ياخسارة أنت كلتى اليد اللى اتمددتلك واثبتيلى إنى مستحيل أأمن للى زيك، انتو طول العمر هتفضلو تحت رجلينا...
ضاعت فى ضباب قذائف كلماته، التى انهاها بجمله
- اوعى يابت تصدقى إنى بحبك ودايب فيكى، دانت كنتى مزاج ليله واتنين وهرميك، زيك زي اللى قبلك..

طفحت نفسها من علقم كلماته فرمقته بنظرات ساخطه وابتعدت عنه وقالت باشمئزاز
- طلقنى حالا يا هشام..
التوى ثغره ساخرا، ثم قال بثقه اشبه بالغرور
- هيحصل، بس بشروطى وبالوقت اللى احدده أنا..
اختلج قلبها من مكانه وقاومت لمنع تدفق عبراتها وبحدة
- بقولك طلقنى يا هشام...
- لما تعملى اللى هقولك عليه...
صرخت جازعه.

- لا أنت اتاكد انى بعد النهارده لو فى مكان أحتماليه انى اشوفك فيه واحد فالميه أنا مش هروحه، لانى قرفت منك ومابقتش عاوزه اشوفك تانى..
كتم سباتها فى نفسه ولازال مرتديا قناع الجمود وهتف آمرا
- هتروحى تعملى مع زيدان نفس اللى عملتيه معايا بالظبط، تخلصي اللى هأمرك بيه، ورقة طلاقك هتكون عندك وفوقيهم بوسه، ها قولتى إيه؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة