قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثالث

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثالث

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثالث

وخشيتُ أن أقول لك دعنا نبدأ من البداية, فتهرب من ذلك الشارع الذي ألتقينا فيه أول مرة. علاء عبدالعليم.

طُمس المكان بسواد حضوره المبنوذ الذى تعمدت فرار منه دائما، فبمجرد ما فتتحت الباب كمن فتح بيده احد ابواب جنهم ليلقى نفسه بها؛ باتت بمفردها فى مواجهة الاسد، اخر كلمة تفوهت بها اسمه اللعين ومن بعدها اقتحم ساحة البيت بدون استأذان قائلا بصوته الخشن
- واخيرا يابت صبرى!
تكورت اصابع اقدامها وارجلها وهى ترتجف كمن يترقب زُهوق روحه امامه عينيه، فاستدار بظهره آمرا.

- اجفلى الباب عاد! فى حديت كتير لازمًا نقولوه..
ظلت ترمقه بنظره وبنظرة آخرى نحو الباب كمن يبحث عن طريقة للهرب، انكمشت حول نفسها وهى تحكم غلق سترتها وتنتفض تتراجع بخطوات سلحفيه.
فهجمت رائحتها على انفاسها اختصار للوقت وتقدم ليقفل الباب حتى خلى المكان عليهما، تخلص من سترته الفضفاضة والقاها على احد الكراسي وجلس بشموخه قائلا
- كيفك يافجر؟!..
- أنت عاوز منى ايه؟!

اندفعت جملتها من قلبها المرتعد وهى تتقدم نحوه فارتفعت نبرة صوته بشيء اشبه بالسخريه
- جيه وقت الحساب!
زفرت باختناق من ثقل رائحته التى خيمت على المكان
- مفيش ما بينا اي اتفاق، انا خلاص نسيت كل اللى اتفقنا عليه...

- الله! الله! وايه كمان يابت صبرى؟!
تحركت لتجلس على المقعد المقابل له وهى تقول
- مفكر انك لسه هتضحك عليا وتفهمنى أن هشام هو اللى لفق كل حاجه لابويا، فجر العيله بتاعت زمان خلاص عقلت، انا ابويا قال لى كل حاجه.

التهمها بنظراته الشهوانيه، فواصل قائلا بثقه
- وايه كمان! سامعك.
- قوم امشي دلوقتى والا هبلغ عنك؟!
- خبر ايه اومال ما تبلى ريقك كده وتهدى!داخله فيا كيفيك كيف القطر ليه...
زفرت بامتعاض:
- اخلص يا زيدان؟!
- شايفك سبتى بيت السيوفى، شكلك اطلقتى؟!
هبت زعابيب جزعها
- انا اللى هربت، زى ما هربت من ارفك اللى معيش البلد كلها فيه...

شد نفسا من سيجارته ثم تابعه بسعال قوي وهو يقول
- زى الشاطرة هترجعى! عشان يا حلوة متتصرفيش تانى من دماغك...

- انسي!ده لما تشوف حلمة ودنك!
تمالك اعصابه بمعاناة، ثم واصل قائلا
- هاجيلك دغرى وطالما كلنا فى مركب واحده يبقي هرسيكى على الشط عشان احنا ملناش غير بعض، وهتقولى زيدان قال...

انصتت لكلامه بخوف دفيين، فسحب نفسا اخرا من سيجارته ثم القاها فى الارض وفركها بقدمه تحت انظاره وكأنه متعمده بتوصيل مغزى فعلها قائلا
- شايفة السيجارة دى!اهو انت بقي متفرقيش عنها، بشتريها وباخد كيفى منها وفى الاخر افعصها تحت رجلى!

ثم انخفضت نبرة صوته بمكر ثعالب
- متخافيش، انا مقدرش اعمل فيكى اكده، عشان لسه مخدش كيفي منك!
لازالت محتميه فى جدار الصمت تستمع اليه بعيون متأرجحه هنا وهناك، فأكمل حديثه قائلا
- ولد السيوفى مأذاش ابوكى، وابوكى ركب العربية وساقها وعارف ان جواها سلاح بمزاجه ده عشان قرشين يسندك بيهم ويدخلك الجامعه، بس بسبب غباءه وقع فى فخ ولد السيوفى، حتة ظابط كان لسه ماسك عندنا، وكانت ضربة معلم ليا ولجماعتى...

ثم صمت اخذ مهلة من الكلام ليشعل سيجارة اخرى انعقد دخانها فوق راسه قائلا
- ومش بس كده الواد مشالنيش من دماغه وشحنه ورا كانت تبقي فشينك وكل مرة كنت اطلع منها بمعجزة!

هبت رياح غضبها بنفاذ صبر.

- انا ماليش دخل فى ارفك ده، لو كنت طاوعتك زمان عشان كنت مكسوره وعاوزه اى قشايه اتعلق فيها، اما لو وعيت بقي مستحيل لان هشام السيوفى انضف منك ومن اللى مشغلينك!

- للمرة الالف اقولك انه مش بمزاجك يا حلوة!
وقفت ببسالة جندى يرفض الظلم قائله بحزم
- لا بقي بمزاجى يا زيدان! وانا مش عاوزه اشوفك تانى..

وقف بهدوء وهو يخطو متمهلا ليقترب منها حتى وقف امامها؛واهدابه تأكل كل انش بها قائلا بخبث
- هو اللى قصلك شعرك؟! ده حسابه طفح معاى.
صرخت فى وجهه تقاوم انسكاب دموع حزنها
- قولت طلعنى من دماغك وسيبنى فى حالى بقي!
قبض بكفه القوى على ذراعها بغلٍ وهو يرجها حتى بابتت تتلوى من شدة الوجع وهو يقول
- انت مش هتقول لى غير نعم وحاضر وبس، فاهمه والا...
حاولت ان تحرر ساعدها من اسر سياج أصابعه صارخه بوجهه.

- ايه؟! هتهددنى بقتل ابويا زى تانى مرة!
التوى ثغره مبتسما بضحكة خبيثه ثم حرر ذراعها شيئا فشيئا، متحدثا بنبره هاديه تحمل عاصفه عاتيه خلفها
- قواكى ولد السيوفى! وبلعتى سِمه...
ثم ادخل يده فى جلبابه واخرج علبة صغيره وتبدلت نبرته حتى اصبحت كفحيح الافعى وهو يقول
- هطلعك من راسي واسيبك عايشه فى مصر واوعدك مش هقرب من ابوكى!بس قصاد دى!
تأرجحت عيونها بفضول وهى تتابعت انكماش وانبساط تجاعيده، فاكمل.

- ترجعى عند ولد السيوفى وتسميه وتصوريه وهو بيتلوى من الوجع...
اتسع بؤبؤ عينيها بذهول محاوله استيعاب دخان شره الذي نفثه فى وجهها، فأكمل مصطنعا الطيبه
- اوعى تفتكرى انى وحش قوى اكده يافجر!بس ده الامر جاي من فوق، اصله ولد السيوفى مش راسي فى مكان شغال يهبش هنا وهناك ويجر شَكل الكل، وبصراحه زودها...

من هول صدمتها انفجرت ضااااحكة وهى تضرب كف على الاخر وهى تجوب المكان بعبث متمتمه
- ده جنان!لالا دانت مش طبيعى! انتوا مش بشر..

وفى لمح البصر باغتها بانقضاضه عليها من الخلف ممسكا بشعرها كالاسد حينما يصطاد فرائسه فدوى صوت صراخ وجعها فى جميع ارجاء المكان مستغيثه، فكتم نواحها بكفه الاخر حتى سقطت تحت رحمته ودخل حصونه، فغمغم مهددا
- اسبوع زمن لو منفذتيش هتسمعى خبر ابوكى، وبعدها خبر ولد السيوفى، وهختم بيكى...
ثم زاد الضغط على شعرها هتلوت ألما واغتسل كفه من مطر عيونها، فأكمل.

- أنا حذرتك، وانت اختارى، ومتحاوليش تغيري مكانك لانى هجيبك من خشم السبع...
ثم القها بكل قوته فى الارض منحنيا ليصفعها بقوه حتى باتت الرؤية امامها مشوشه وشدها من شعرها للخلف وهو ينهرها ميشيرا اليها بسباابتته وشظايا الشر تحرق فى جسدها هاتفا
- انت مش قدى، وبلاش تتحدينى والا هتكونى انت الجانيه...

انتهى من قذف جمره ثم رمها ارضا كمن يرمى قطعة قماش وابتعد عنها متناولا زجاجة السم ورمها بها فاستقبلتها صارخه وهى تتضور وجعا فى حضن الارضية تراقبه وهو يتناول سارته ويغارد بعد ما صفع الباب خلفه بقوة...

اعتدلت فجر وتكورت حول نفسها باكيه وهى تحتضن نفسها بنفسها، ف كل خطوة تأخذها لا تؤمن لك وديعة سلام فهى تحمل بين طياتها دفاتر دمارك، وهى من تغيب عقلها وبدأت حدوتتها بانتقام فلحق بها قطر الهلاك بدون توقف، فكانت كالغريق الذي سقط فالنهر ولم يجد وسيله لانقاذه سوي التمسك بالافعى.

دوما ما تكون النتائج مقتبسه من خطاوى البدايه، فالبدايه الصحيحه نتيجتها راحتك للابد والخطاوى المقلقه عاقبتها انتهاءك لا محالة...

- زياد اهدى كده وفهمنى عشان اعرف اساعدك.
اردف هشام جملته فى احد المكاتب بالمحكمة، فأكمل مجدى قائلا
- انت كنت عارف باللى بيحصل...
رفع زياد وجهه المدفون بين كفيه بخزى وهو يهز رأسه نافيا
- معرفش، والله مااعرف ايه حاجه يامجدى..

- أوماال بسمة جابت المستندات دى منين؟!
هز رأسه بقلة حيله
- معرفش؟! معرفش!هى معقوله تضيعنى كده وهى عارفه انى ماليش ذنب!

هشام بعجز: -
- وهى كان ايه ذنبها وانت بتلعب بمشاعرها..
وثب زياد قائما ليردف باختناق
- انا مضربتهاش على ايدها ياهشام، وهى اللى كملت معايا بمزاجها..
ثار هشام كالبركان ممسكا بياقة اخيه بعنف، مردفا بلوم
- انت ايه؟! مش بنى آدم!دى بنت خالتك ياحيووان معرفتش تحميها من ارفك، تصدق ياااخى حلال فيك اللى هى عملته، وانا لولا مستقبلى ما كنت عبرك وسبتك للسجن يربيك..

انفجر زياد معترضا
- انا مش فاهم هى ازاى بالانانية دى؟! طول عمرها عارفانى وعارفه انى مش بتاع جواز ولا نيله، كانت تيجى كل ليله تتمرمغ فى حضنى ليه؟! وفى الاخر عاوزانى اشيل مسئوليه هبلها! اى التخلف ده..

لكمة قويه بعد الاخر كانت من حظ فكه من يد هشام الحديديه مما جعلت زياد يتقهقر للخلف بخلل، فصرخ هشام بذهول
- اى القذاره دى، انت ازاى عايش معانا ومتربى زينا، اصلا ازاى تتكلم عن واحده على ذمتك كده..

تدخل مجدى سريعا ممسك بيد هشام واقفا بيده وبين زياد قائلا
- اهدى ياهشام، احنا فالمحكمه
نال مجدى ضربة قويه من غضب هشام وهو يدفعه للخلف
- اوعى من طريقي يامجدى، خلينى افوقه...

مسح زياد دماء فمه قائلا بنفاذ صبر
- أنت اللى اهبل ومش فاهم حاجه!البنت من دول بتاخدك لحم وترميك عضم!عاوزين يقشوا كل حاجه واحنا نتسحل معاهم، اطلع من حياة السجون والمحاكم وروح شوف بنات الجامعاات والمدراس متنطوره ازاى ف الشوارع فى عرض بصه منك ولما يتمكنوا يقلبوا الترابيزه عليك، انت هتفهم امتى!، ماتبقي انانى يااخى وشوف اللى يبسطك وبس...

صرخ مجدى بعد ما طفح كيله
- أحنا فى الورطه اللى انت فيها ولا فى دروسك الهابطة!ما تعقلوا، خلونا نشوف هنعمل ايه
هدأت انفاس هشام تدريجيا كأنه عرف ماذا سيفعل قائلا بحزم
- أنا عرفت هعمل ايه؟!
مسح بكفه على وجهه الذي اشتعل بحمرة الغضب حاسما امره
- الحيوان ده لازم يدوق نومة البرش عشان يفوق، يفوق لنفسه ويرجعله عقله اللى مليان ارف وبس...

حسم هشام قراره بدون رجعة وخرج من المكتب فاستدار مجدى نحو زياد معاتبا بانظاره الحارقه وهو يقول بأسف
- مضطر تدفع تمن تخلفك لحد ما تعقل يابن عمى...

تمكن الألمُ منه الى حد التخدير الكامل لجسده ؛ لا احد يحب تعذيب ذاته ولكنه أدمن الأثرَ الذي يتركه العذاب بداخله ؛ نظراتِ التوسُّلِ وصيحاتِ الرَّجَاءِ، والدموعَ التي ينبعثُ القهرُ منها مع كل فتاة ختمت بنسر غرائزه. منحنه كل هذا إحساسًا بالسيطرةِ التامةِ على ضحايته، هو مَنْ اعتاد أن يضعُ قواعدَ اللعبةِ، ومَن يُمارسها، و صاحبُ اليدِ العُليا التي تُقرر مصائرَهم.

لم يتوقع يومًا أن تتبدلَ الأدوارُ؛ فيجلس فوق مقعدِ الضحية، ليحيدَ عن مَسَارِي، ويخوضَ رحلةً خلال أكثر بقاعِ العالمِ ظُلمةً، وان يدفع ثمن ذنبا بريئا منى ليوم الحساب، أ هل هذا يكون العدل؟! ام هذه عدالة السماء التى تهب ولا تذر؟!

- ياعمو ممكن تفهمنى بس؟!
جلست بسمة بجوار عمها متوسله محاولة اقناعه أن يتراجع عن قراره، فهتف بحزم
- بسمه!متحاوليش؟! وابن السيوفى لسه هيتربى، ويعرف مين هما اهلك صح؟!
بسمة بالحاح
- انا خدت حقى من زياد، وهو دلوقت هيدفع تمن اللى عمله فيا ومشيه مع البنات، يبقي نطلعه من دماغنا بقي..

تأفف عمها بغضب
- بسمه الزفت ده هيطلقك، وحسام ابن هيكتب عليكى اهو دكتور زيك ومكان ماتروحوا روحوا، المهم مفيش قعاد فى مصر لوحدك..

جزت بسمه على فكيها بقلة حيلة
-جواز ايه بس ياعمى؟!
- يبقي تقعدى هنا معززه مكرمه لحد ما نصيبك يجيلك...
هبت معارضة
- لا بقي لحد هنا وانا عندى راي تانى؟! عمو انا مش صغيره انا 25سنه، ولو كنت حضرتك مشيت كلامك عليا زمان دلوقت مش هينفع، لان حضرتك اصلا السبب فى كل ده؟

تبدلت ملامح وجهه من الغضب للاستغراب
- قصدك تقولى ايه يا بسمة؟!
- قصدى اقول ياعمى لو مكنتش حطيت دراستى فى كفه وجوازى من زياد فالكفه التانيه مكنش كل ده هيحصل؟! وزي ما انا اتجبرت على الوضع ده هو كمان اتجبر، وكانت ايه النتيجه؟

يسري ممتعضه:
-ده مبرر يخليه يتسرمح ورا البنات!
- انا وزياد كنا متفقين على كده، وكل واحد يعيش حياته براحته، وده حقنا، ولا ايه راي حضرتك..
استند يسرى على عكازه مفكرا وبعد تردد اردف بخفوت
- جوازك من ابن السيوفى عالورق وبس؟!
فرت دمعه من طرف عينيها بأسف ثم اومأت بالايجاب
- اااه ياعمووو، متقلقش!
-يبقي كده تمام، يطلق وانت تتجوزى وحوار وفض!
وقفت معارضة.

- ياعمى هو الواحده عشان تتعلم وتشتغل لازم تتجوز؟! اى عقل ده؟!
- وهى كلمه واحده يابسمه رجلك مش هتعتب مصر تانى...
هزت بسمة رأسها نافية
- لا ما هو اكيد فى حل؟!
- قولتلك مفيش عندى غير الجواز...
فركت كفيها بارتباك ثم قالت بمسايسة.

- بس انا عندى اقتراح، هى مش عمتو سعاد قاعده لوحدها، اى رايك تيجى تقعد معايا فى بيت بابا وتاخد بالها منى وانا وعد منى اخلص سنة الامتياز وهاجى انا وهى واتجوز حسام بقي واللى حضرتك تأمر بيه...

ألجم بردها فدخل فى دوامه تفكير وحيرة طويله، فقطعت تفكيره مُلحه كى لا يفكر كثيرا
- هاا يااعمو، بتفكر فى ايه ماهى اتحلت اهى، ولا حضرتك بتحط عواقب وخلاص!
تنهد يسري بتفهم
- تمام يابسمه، هروح اكلم عمتك عشان مش عاوز اظلمك للمرة التانيه!
تنهدت بسمه بارتياح وارتسمت ابتسامة الانتصار على ثغرها كمن انتصر فى معركه اوشك احد أطرافها على الهلاك فهى التى قادتها بمفردها وظفرت...

- هشام انت هتفضل ساكت كتير كده؟!
اردف مجدى جملته على اذان هشام الذي يقود سيارته لا يدرك امامه الا خلو الارصفه اما عن عقله فمتشتت هنا وهناك، دار بمقود السياره اقصي اليمين حتى اعتدل مسار سيارته فقال
- انا حاسس نفسي 30سنه كنت فى غيبوبه لسه صاحى منها بتعرف على الناس من اول وجديد...

مجدى بهدوء
- طب ايه مش هتحكى لابن عمك وصاحب عمرك؟!

صمت دقيقه وربما اكثر ثم ارتسمت ابتسامه الوجع على ثغره قائلا
- والله ياخى الواحد ما بقي فاهم حاجه، من الثقه اللى كان بيتكلم بيها زياد خلى ثقتى فى نفسي تتهز وانى انا اللى غلط، هو انا غلط يامجدى؟!

- كل واحد بيشوف الدنيا دى بمعدنه، لو من جواك ابيض هتشوف الدنيا كلها بيضه والعكس! شوف نفسك الاول قبل ما تقرر تفتح عينك وتشوف الدنيا..

ركن سيارته اقصي اليسار ثم اتكئ بظهره للخلف متنهدا باختناق
- بكرة هنزل تدريب فى الجهاز!
مجدى بذهول:
- جهاز ايه يا هشااام!موضوع زياد ده لو وصلهم فى امن الدوله لو مسكونا فالمرور يبقي كرمونا والله...

تنهد باصرار:
- لما التحقيق يكمل، يبقي ربك يعدلها!
رمقها مجدى طويلا ثم قال بخبث
- هى فجر راحت فين...

تلون وجهه بحمرة الغضب ثم قال
- ينفع ما تجبش سيرتها تانى؟!
- ياعم رسينى طيب، يمكن تلاقى الحل عند اخوك...
بابتسامه حزينة اردف
- ابن عمك ملهوش حظ مع الستات، بالمختصر كده اخره بندقيه يمسكها يفجر بيها دماغ اتخن مهمه، غير كده فاشل انا فالحوار ده...

- هفضل اسألك كام مرة حصل ايه..
- الهانم طلعت مطبخاها مع زيدان وباعتها تتجسس عليا...

تفوه ثغر مجدى بعدم تصديق وهى ينفض غبار ما فهم عن راسه
- هى قالت كده بنفسها ولا ده استنتاج عبيط من بتوعك!

- قالت كده ومشيت..
مجدى باهتمام
- راحت فين؟!
هشام بقسوة
- راحت في ستين داهيه ولا تفرق معايا!
مجدى متمتما بصوت مسموع وسحب الفضول تقطر بالاسئله فوق راسه
- هشام انت لو مصدق الهبل ده تبقي اتجننت؟! وهى ايه اللى يخليها تعمل كده! اكيد ليها مبررات، وبعدين البنت هتروح فين فالقاهره وهى متعرفش حد كده!

زفر باختاق وهو يعاود ليدير سيارته
- يووووه بقي يا مجدى قولتلك غارت فى ستنين داهيه مش عاوز اسمع اسمها، ولو شوفتها فالشارع ورحمة ابويا هفرمها تحت عجل عربيتى...
- انا شايف انك المفروض تسمعها وتديلها فرصتها؟

صرخ فيه هشام قائلا
-مش هى دى اللى ما كنتش انا مرتاحلها من الاول؟! مش هى دى اللى قولتلك اسأل لى عليها، مش هى دى اللى قولتلك حوارها مش مطمنله، فضلت تقول لى طيبه وغلبانه وبلاش سوء النيه لحد ما انا اللى اخدت فوق دماغى...

ثم زفر دخان شحناته المحرقه وهو يعصر بانامله مقود السياره متمتما
- من النهارده هشام بتاع زمان اتحرق ودينى الكل هيدفع التمن غالى اوووى.

ظل مجدى يرمقه صامتا وتعمد هشام تجاهل النظر إليه شارد فى الحوار بين صوت قلبه الخافت امام صراخ عقله..
-كان الحب بينى وبينها جميلاً حد السُكر...
فصرخ عقله معارضا
-ولكنه كان قاتلا، وجب عليك دائماً أن تخفي أمرك، وأن تكتم شغفك، وأن تثبت باستمرار قوتك لها.
فتسلل اليه صوت قلبه منكسرا.

- وعليّ ايضا أن اضمد ألمها واحتوى أحلامها، وأن اشعر بالذنب أن ابكيتها، ها هو واجبى أن احببت، انا ملك لك إلى أن التقى بامراه تسرقنى منك إليها فلا تلومنى...
فضحك صوت عقله قائلا
- الآن كل التعب فهو لك ولم تبقَ منك الا حطاما، هذا هو جزاء كل من يعتنق الهوى!

ففاق من معاركه الداخليه على صوت صراخ مجدى
- حاسب يااااااهشام...
انحرف بسيارته اقصي اليمين مما اصدرت سيارته صوتا مزعجل ليتفادى الاصطدام بالرجل الذي يعبر الطريق متنهدا بارتياح، فردد مجدى بشكر
- الحمد لله قدر ولطف، هشام اسوق مكانك لو مش مركز!

(مساءا)
غرق قرص الحب الدامى ف بحر حماقتها، دائما ما تجبرنا الحياة على اختيار السيء لتجنب الاسوء حتى انهال الاثنين فوق رأسها، تتقلب على الفراش ممسكه بزجاجة السم كمن يتقلب على جمر مشتعل، ف أكثر شيئا يرعبها جهلها بمن تكون، فى عدم معرفتها بما ستفعله مستقبلا بل ايضا عدم معرفتها حتى بما ستفعله الآن في هذه اللحظة تحديدا، فكل منا بداخله ندبة اكبر من قلبه.

فهمس صوت قلبها معاتبا: كم كنتِ جبانه حتى انك لم تعطيه عنوانا لكِ لتحمى نفسك من لوعة انتظار الرسائل التى لم تأت وروعة طلته حتى وان كانت تحمل عتابا وسخطا! اغمضتت عينيها متذكرة لحظه ما بينهم
#فلاش.

- الاول كُنت شاكك فيك وبفكر فى اي مصيبة تبعدك عن طريقي، كنتى لما تقفى قُدامى وتعندى كنت عاوز اكسر دماغك، بس دايما كان فى مرحله معينة وبقف عندها ماينفعش انفذ، أما دلوقت حاسس بندم شديد إنى بظلمك معايا، أو زي ما قولتِ حاسس إنى اخدت حاجه مش بتاعتى..

ضغط على كفه اكثر ثم قالت: أنت كده جهرت بكل الخطايا، وكتمت أهم حاجه، ممم مشاعرك..!

تعمدت ان فتح باسئلتها قلبه الموصد، فالعاشق يعطى كل مفاتيحه بدون تفكير، لا يخجل ان يُعرى روحه أمام من أحب، فماذا عنه؟!

اتكىء للخلف وهو يبحث عن رد يطاوع غروره ثم اطال النظر إليها، قائلا بتردد
- اقولك على حاجه!
ردت بدون تفكير وهى تنقل كفه التى تحتضنه من فوق فخذه لفوق ركبتها قائله
-انا هنا عشان تقول لى على كل حاجه...

احتضنت بشدقيها شيئا بقلبه لم يكن عالما بوجوده من قبل فتنهد قائلا
- حاسس إنك أمى، لقيت فيك دفء وحنان الام اللى عشت ٣٣ سنه محروم منه..
#باك.

فدفنت وجهه بين كفيها باكيه
- ياريتك بعدتنى عن طريقك ياهشام ولا كان كل ده حصل!
نهضت من فراشها متخذه قرار ان تهاتفه تطمنئن على حاله وكيف حال صوته، فخرجت لصاله الشقه وفتحت الدفتر الجانبى باحثه عن رقمه لتطلبه وما أن وجدته وشرعت بالاتصال به توقفت اثر صوت مفاتيح بسمة التى اخترقت الباب، فوضعت سماعة الهاتف وتصلبت فى مكانها، فاستقبلتها بسمة بابتسامه مشرقه
- معقوله لسه ما نمتيش؟!
هزت راسها نفيا.

- حمد لله على سلامتك...
انحنت بسمه لتسحب حقيبه عمتها وهى تعرفها بفجر
- دى بقي ياعمتو فجر اللى حكيتلك عنها، ودى عمتو سعاد يافجر هتقعد معانا وانا واثقه انك هتحييها اوى زى ما انا بحبها...

سيده فى اول الخمسينات تحمل نفس ملامح بسمه الهادئه ولكنها بلون قمحاوى فارسلت ابتسامه ترحيب لفجر استقبلتها بايماءه عرفان، فهتفت بسمه بحماس
- انا بقول ننام كلنا بقي، والصبح نتعرف وندردش..

قفلت سعاد الباب جيدا ثم اخذت المفاتيح واحكمت غلق الترباس قائله بخفه ظل
- بما اننا احنا التلاته ستات لوحدنا يبقي الترباس ده مش هيتفتح خالص، عشان الحراميه هنا مابيرحموش...
تبادلوا ضحكاتهم الخارج من بركة الحزن الراكده بجوفهم وذهبوا متأهبين للنوم...

( صباحا)
فى احد القصور الفارهه تجلس « مايان» فى الحديقه ترتشف قهوتها وتتصفح الاخبار فالجرائد تعد من الوسائل التى تشبع دواخلها عن تصفح الانترنت، فاقتربت منها ابنة عمها وهى تتحرك بتقاعس شديد وتفرك عينيهة لتفيق، فضحكت مايان على هيئتها الفوضاويع وتركت الفنجان من يدها
- يابنتى انا هفضل لحد أمتى افهمك فوايد الصحيان بدرى!

جلست نانسي بجوارها وهى تلقي جسدها بتثاقل متأففه
- ومين قالك انى عاوزاهم، ياستى انت واحده بتاعت فاشون وبشرة ونضاره اما انا واحده بتاعت هلس ولا ليا فالكيان ولا فالكاريير، طموحى هفطر ايه واقصاهم هتغدى ايه! ليه الزن ده بقي..

- يعنى مفيش امل انك تتغيري يعنى؟!
اردفت مايان جملتها وهى تتناول فنجان القهوة مرة اخرى وارتشفت منه رشفه وهى تستمع لنانسي
- كأنك بتتأملى تنشفى البحر بقماشه!
انفجرت مايان ضاحكه
- لالا دانت حالتك صعبة اووووى!
ثم اعتدلت بتكاسل وهى تاخد هاتف مايان قائله
- ورينى اشوف الفيديو بتاعى عمل كام فيوووه...

فتحت نانسي الهاتف وهى تتكئ بحريه على المقعد فأول صوره وجدتها كانت ل « هشام السيوفى» فتأففت بامتعاض
- يادى النيله عليا وعلى سنينى السوده يابنتى انت ما بزهقيش من صور الواد ده؟! 5سنين يا مايان متابعاه وكل يوم تفتحى الجرايد تدورى على صوره! اى ما تغييرى ما زهقتيش! دانا زهقتلك وتعبتلك..

سحبت مايان الهاتف منها بضيق
- وانت مالك يارخمه، متمسكيش موبايلى تانى..
زفرت نانسي قائله
- يابنتى افهمينى! وخدينى قدوه؟! لو ركزتى مع واحد بس من الصنف البشري الذكورى ده هتتعبى، بصي ماهو مفيش غير حلين...

مايان متأففه
- ايه هما يافالحه!؟
- هقولك بس هاتى القهوة دى الاول تفوقنى...
اخذت نانسي الكوب من يد مايان رغم عنها وهى تعتدل فى جلستها بشموخ.

- الحل الاول طالما هتمشي فى سكة الرجاله يبقي هتضطرى عالاقل تحبى 5فى وقت واحد، واحد يعكنن عليكى التانى يطبطب واحد مطنشك غيره يهتم، واحد خلع اربعه يسدوا واحد خزوقك هتلاقي غيره يهون عليكى، وده ليه؟! هقولك، احنا كبنات تفاصيلنا كتير واهتماماتنا اغرب فرجل واحد لا يكفى، حبايبي فلاشهم على ادهم الرجاله دول...

جزت مايان على فكيها بغيظ ثم قالت
- والحل التانى؟!
تجرعت نانسي اخر رشفه فالفنجان قائله
- انك تفكك منهم خالص ولا تعبريهم، سيبيهم كده يجروا وراكى واللى يقرب يتكهرب، لعبه مسليه اسألينى انا، اصل الرجاله دول مشاكلهم كتير وحوراتهم تقرف، والبعد عنهم غنيمة.

-خلصتى؟!
هزت نانسي راسها نافيا وهى تشير بسبابتها
- نسيت اقولك ملحوظه على النوع الاول، لازم وحتما ولابد انك تحبيهم كلهم زى بعض ما تحبيش حد اكتر من التانى عشان لما تتخزوقى جرحك يداوى ونعرف نلمه بسرعه...

تناولت مايان الواساده من خلفها بنفاذ صبر ورمتها فى وجهها قائله
- تصدقى انا غلطانه انى بسمع كلام عيله زيك!

ضحكت نانسي بصوت عال
- دى دروس من ذهب، طبقيها انت بس وهتدعيلى..
- قولت اخرسي...
- طيب مينو بجد يعنى، ناويه على ايه فى حوار الواد ده...
فكرت مايان للحظه ثم قالت بثقه
- هجيبه؟!
نانسي بخبث: اشمعنا هو يعنى، ماانت الف مين يتمناكى؟!
تنهدت مايان بتحد
- الالف دول ولا يفرقوا معايا، تقله وشخصيته ونجاحه وثقته الزياده فى نفسه جماله مجننينى، راجل اوى وبصراحه النوع ده بيعشش اوى فى دماغى وبيكيفنى..

- مممممم ياسيدى وايه كمان يا ست جوليت...
وضعت مايان ساق فوق الاخرى بثقه عارمه
- هجيبه، هجيبه لحد عندى وكمان يترجانى عشان اتجوزه...

- انت مش هتطبل رن عليا..
بعد مرات عديده من الاتصال لم يمل فارس من محاولاته التى تنتهى بالفشل الى أنها ردت اخيره مردفه جملتها، فبادرها قائلا
- اوووووف اخيرا رديتى!
- هتبطل امتى تتصل بيا..
فارس بحنو:
-لما تفهمينى مالك، روفا هو انا لما عبرتلك عن حبى ده زعلك..
نهضت رهف من مجلسها بغيظ وهى تجوب بخطاوى عابثه
- يابنى انت ليه مش عاوز تفهم اننا هنا فى مصر مش فى امريكا...

اتكئ فارس بظهره على وسادته وهو عاري الصدر يتخذ نفسا طويلا من سيجارته
- فلنفترض انك صح، طيب بذمتك احنا لو كنا اتنين ابطال فى روايه الناس بتقراها والكاتب مخلانييش اعبرلك عن حبى بالطريقه دى كانوا القراء اتهموه بالجنان والهبل...

شددت رهف شعرها صارخه من شدة الاغتياظ
- ااااوووف ياربي، افهمه ازاى ده؟! فارس انجز كنت عاوز ايه...

سحب نفسا اخرا من سيجارته
- وحشتينى على فكرة!
تلعثمت الكلمات بحلقها فاكتفت ان تتفوه صامته فواصل فارس عزف لحن خدعته
- وياستى انا اسف مش هعمل كدا تاني، ولما اشوفك هحاوب نفسى عشان امنعنى عنك، حلو كده؟

اتسعت ابتسامة رهف بجزل طفولى
- اه حلو كده...
اتسعت ابتسامة رهف بدلال ولاول مره يدق قلبها بدربكة الحب قائله
- مش هتيجى بيتنا تانى؟!
- بشرط...!
- لالا بقولك ايه ماعاش ولا كان اللى يتشرط على رهف السيوفى...
التوى ثغره بضحكته المخداعة
- هو لا عاش ولا كان فعلا، بس انا غير يا روفا...
- بلاش الثقه دى ياعم انت، انا مبادئ ما بتتجزأش..
فارس متحديا.

- بقولك اايه، اول ما اديكى تليفون انى عاوز اشوفك بدون نقاش القاكى قدامى، كلمه كده ولا اعتذار كده هتلاقينى عندك وفى اوضتك وهعبرلك عن حبى كمان بطرق الامريكان...

شهقت رهف بذهول من وقاحته فانتفضت وكل ما بيها تلجلج
- انت قليل ادب
ما لبثت أن دخلت امها فى كامل اناقتها قائله
-كويس انك صاحيه، انا رايحه اطمن على زياد قبل مااروح الشغل لان هشام ومجدى محدش فيهم بيرد، وانا هتجنن عليه من امبارح...
اومأت رهف ايجابا محاولة اخفاء دربكتها
- ااه ايوه يا ماما وانا كمان هروح عند بسمه اطمن عليها...
- تمام، وحاولى هاتيها وتعالى، يلا باى ياقلبى عشان متأخرش على الشغل.

- العرق فالتدريب بيوفر الدم فى المعارك، واظن كلكم عارفين مين هو هشام السيوفى وانه فالحرب مابيرحمش عدو وفالتدريب مابيعتقدش جندى...

صوت رخيم اندلع من جوف هشام وهو يتسلل بشموخ بين صفوف العساكر والظباط، فارتفعت نبرة صوته اكثر وكأنه قرر ان يخرج غضبه الدفين فى صوته الامر الناهى، فأكمل قائلا
- الخليه اللى رايحينها من اصعب المجموعات اللى ممكن نقابلها طول فترة شغلنا هنا، يعنى كل واحد قرر يطلع المهمه دى قبل ما يلبس الافرول بتاعه يلبس كفنه، احتماليه رجوعنا من المهمه دى صفر فالميه..
توقف للحظه امام احد الجنود هاتفا.

- واى عمليه بنطلعها هدفنا فيها عشان تعيش البشر ويموت فيها الشر...

واصل تفقد اوجه المحاربين وكأنه قرر ان يلعن نفسه او منتحر لاجل الحرب او عالاغلب الحب فباتت دواخله تتصارع فما الحال بالنسبه لخوارجه، فهتف نابحا
- الا ولو كان ربنا كاتب لحد فينا عمر تانى او قدر تانى، بس على كل انا بوعدكم انى هضحى بنفسي قبل ما واحد فيكم يتأذي، جااااهزين يا رجاله!

هتاف جمهورى قوى تهتز له الجبال مرددا جملته
- جاهزين يافندددم...
فرفع النقيب تامر يده لياخذ الاذن بالتحدث، فاشاره له هشام بالموافقه فقال
- كل زمايلنا اللى بتروح هناك ما بترجعش، احنا عاوزين خطه حتى ولو مش هنرجع نخلص عليهم ونموت معاهم...

جهر هشام بثقه
- ده هيحصل لو هندق الطبول فوق الجبال، لكن عشان نرجع من الحرب دى منتصرين، نرمى نفسنا فالحرب دى كرجاله وهنطلع منها ابطال بعون الله...

تقهقر احد من قادته مجريا مكالمه تليفونيه هامسا
- نشأت بيه اللى بيعمله هشام السيوفى ده اسمه انتحار.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة