قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السادس عشر

رواية الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد

رواية الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الجزء الأول الفصل السادس عشر

( نثرات الروح والهوى )

حقنتها "يارا" لتستعيد وعيها تدريجياً، بدأت عيناها تلتقط ما حولها بصورة مشوشة قليلاً حتي إتضحت معالمها، تمسكت "يارا" بمعصمها لتبث لها الأمان قائلة ببسمة رقيقة _حمدلله علي سلامتك يا "أشجان"...
وزعت نظراتها علي الغرفة بخوفاً شديد لتصيح بفزع_أنا فين؟!.
أشارت لها "يارا" بحذر _أنتِ معايا متخافيش أنا هربتك من المستشفي وبعيد عن الشخص المريض دا...

سكنت ملامحها قليلاً فأستندت بجذعيها علي الفراش قائلة ببعض التعب _يعني أنا فين؟..
أجابتها بتردد _أنتِ في مكان أمن خارج مصر كلها...
شهقت بصدمة لتسرع الأخري بالحديث وهي تشير لها بعدم الأنفعال _إسمعيني يا "أشجان" أنا معرفش أيه اللي واقعك بطريق "رحيم زيدان" بس اللي أقدر أقولهولك أنه شيطان ميعرفش يعني أيه رحمة، ومهما كان غرضه منك فنهايتك هتكون الموت...

وضعت عيناها أرضاً ببكاء فجلست "يارا" جوارها لتمسد علي ظهرها بحنان _أنا هربتك من المستشفي وعرضت نفسي لمخاطر كبيرة لأنك صعبتي عليا وشوفت فيكِ أختي...
رفعت" أشجان" المغمورة بالدمع لتجد الصدق بعيناها، شددت "يارا" علي كلماتها برقة_إعتبريني أخت ليكِ وسبيني أساعدك علي قد ما أقدر والأهم من كدا أني أعالجك نفسياً..

شعورها بأنها بمفردها بهذا العالم اللعين جعلها تتقبل كلماتها فكانت منكسرة للغاية وبحاجة من يداويها، إحتضنتها"يارا" بحزن فهي تعلم جيداً عن هذا الرجل القاسي!...
طرقات علي باب الغرفة إكتسحت الغرفة لتشير لها "يارا" ببسمة هادئة_أعدلي الحجاب عايزة أعرفك علي حد مهم..
أعدلت من حجابها لتأذن "يارا" للطارق بالدخول فولج الجوكر للداخل بثبات، وزعت "شجن" نظراتها بينهما بأستغراب، لتقطع "يارا" لحظات الصمت ببسمة هادئة_دا يا ستي إبن خالتي مراد... "مراد زيدان".

تعمدت لفظ إسمه كاملاً لتثير فضولها لمعرفة العلاقة بينهما وبالفعل أفشت نظراتها بالكثير لتردد بصدمة _"زيدان "!.
كادت" يارا" بأن تجيبها ولكنها توقفت حينما أشار لها" مراد"بالصمت ليبدأ هو بالحديث_للاسف الشديد اللي بتفكري فيه صح بس مع تصحيح بسيط أن الشخص دا أي كان هو مين فهو منتحل شخصية أخويا الله يرحمه ومش بس كدا دا إرتكب أوسخ جرايم ممكن تخطر في بالك..

وشرع" مراد" بقص ما فعله بعائلته وبالأخص شقيقاته لتتحول نظرات عيناها للكره الشديد له، نجح الجوكر بأشعال النيران التي إوقدها "رحيم" ليجعل تلك البائسة في حالة من الكره لذاتها، ختم كلماته التي شقت صدره بذكريات مميتة _أنا إتعمدت أحكيلك كل حاجة عشان متصدقيش الوش اللي بيحاول يرسمه دا، اللي زيه عايش عشان غيره يموت...
خرج من شرود عمق الكلمات ليتحدث بثبات يلاحقه_أنتِ هنا بأمان محدش يقدر يجبرك علي حاجة..

وأشار لها بأحترام بدي بكلماته _باب القصر مفتوح ليكِ تخرجي وتدخلي بالوقت اللي تحبيه، أنتِ هنا ضيفة مش بالأجبار..
وتوجه للخروج بخطوات علي صوتها كالوصم المعهود ليستدير قبل خروجه قائلاً بغموض_وجودك هنا حماية ليكِ أنتِ..
وتركهم ورحل من الغرفة لتتبقي "يارا" لجوارها...

سكنت محلها بدمعات تمزق قلبها قبل أن تنسال علي وجهها!، لا تعلم كيف سقطت بطريق هذا الرجل الذي تعاهد علي تحطيم حياتها البائسة ومن ثم تأتيها المفاجأة المدمرة بأنه معشوق طفولتها الذي تمنت أن يكون خبر وفاته مجرد كذبة أو خداع ولكنها الأن بحالة يصعب وصفها ما بين الخوف والحنين!..
ما بين رجفة جسر وإشتياق قلب!..

إنتبهت للمسة كف "يارا" لتشير لها بحنان وبسمة تبعث الطمأنينه _الدوا..
تناولته من يدها دون إعتراض لشعورها بأنها ليست علي ما يرام ثم إستلقت بأرهاق، تطلعت لها "يارا" بحزن فبداخلها شعوراً غريب بالمسؤولية تجاه تلك الفتاة!...

توجه "مراد" للأعلي بخطوات سريعة تكاد تشبه الركض، يديه تحرر رابطة عنقه بقسوة، ولج لجناحه ليغلق باب غرفته سريعاً كأن شبحاً ما يلاحقه، إستند برأسه على جسد الباب الداخلي كأنه يحتضنه فيخرج آلامه، فتح عيناه الزرقاء ببطء بعدما إستحوذت عليه أشباح الماضي بذكرياته الأليم، ألقي بجاكيته أرضاً ثم تحرك بالكاد تجاه أزرر المسبح ليحرر محتواه بمياهه البارد، مزق قميصه بعينين تقصان بلغات غامضة ما بين الغضب ووعود الأنتقام، بقي ببنطاله البني ليلقي بذاته بداخل صفحاتها، سبح كثيراً حتي وصل لقاعه ثم توقف ليترك جسده للمياه يحركه كيفما يشاء مغلق عيناه بأستسلام...

جلس جوارها بدموع فشل هذا الصبي بكبتها فتمسك بكفها البارد برجاء ودموع تشق لها القلوب_متسبنيش يا ماما، أنا محتاجلك أوي...
فتحت "إنجي" عيناها بصعوبة لتردد ببسمة تكاد تظهر من شدة آنينها_"مراد" حبيبي...
وبكلمات أشبه للهمس قالت _عارف أنا طلبت أشوفك أنت ليه؟..
أشار لها بلا ودمعاته تسيل دون توقف، سعلت بقوة وهي تكبت أنفاسها لعل الموت يمنحها بضعة دقائق تودع فيهما المحبوب_عشان يمكن دي تكون أخر مرة تجمعني بيك يا حبيبي.

وعادت لنوبة السعال مجدداً فرفعت المنديل الورقي لتكبتها قدر ما إستطاعت لتبتسم بألم حينما رفعت المناديل الورقي لتري دمائها التي تتوسطها!، بكي "مراد" لتأكده بأنها النهاية المحتومة التي ستفرقه عن سنده ودعمه الأكبر فقال بألم_يارب خد من اللي باقي من حياتي لأمي..
إنقبض قلبها فقالت بلهفة_الله أكبر، متقولش كدا تاني..
ولامست وجهه قائلة ببكاء_أنت وأخواتك أجمل ما في حياتي يا "مراد"..
ثم قالت ببسمة مخالفة لدمعاتها_وبعدين أنا هروح لحبيبي، هروح لأبني "رحيم"..
قبل يدها مغلق العينان بألم لا مثيل له _خاليكِ معايا...

ربتت بيدها علي خصلات شعره السوداء الفحمي قائلة بدموع يشوبها الخزي_ أنا عارفة أد أيه أنت متعلق بيا يا "مراد" رغم أني مقدمتش حاجة ليك أنت وأخواتك، قضيت حياتي علي السرير دا مكنتش بقدر أقوم بواجباتي كأم ليكم، سبت واجباتي للخدم سامحني لتقصيري يابني...
إحتضنها بحزن فأغلقت عيناها ببكاء وهي تحتضنه مرددة بألم_المرض خالاني عاجزة عن خدمة نفسي...
ثم قالت بدموع لا حصى لها _ويمكن كان السبب اللي خالي أبوك يعرف غيري ويتجوزها عليا طول الفترة دي..

قالت كلماتها الأخيرة ببكاء حارق جعله بحالة لا يحسد عليها لتكمل هي كلماتها القاتلة _عملت كل حاجة عشان أخليه يحيبني بس مقدرش كنت متأكدة أن في واحدة في حياته بس كنت بحاول مصدقش عشانك أنت وأخواتك وعشان "رحيم" حبيبي اللي مأخدش مني غير وراثة المرض اللعين دا وبعدوه عني...
أجابها بدموع_أهدي يا أمي عشان خاطري..
أستكملت كلماتها بأنكسار _حتي خبر وفاته خبوه عني،...

وببكاء محطم قالت _معرفتش أودعه يابني، معرفتش أودعه يا "مراد"، معرفتش أخده في حضني وأطمنه أني هجيله في أقرب وقت..
قبل يدها ببكاء ليصرخ بها بألم _عشان خاطري كفايا..
شهقات متتالية جعلته يخرجها من أحضانه بخوف ليردد بصوتٍ جاهد للخروج_ماما...
قالت بأصوات لاهثة كأنها بأصعب سباق بحياتها_أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله...

شهقات فأنفاس تسحب ببطء لتفتح عيناها الثقيلة بضعف لتتطلع للفراغ ببسمة مشرقة لتردد أخر كلماتها التي إخترقت حواسه_"رحيم"...
لتغلق عيناها بوداع أبدي وبسمتها تزين وجهها، إبتلع ريقه بصعوبة ليهزها برفق ومعه يهتز قلبه كالزلزال! _ماما..
إرتخت بين يديه ليتأكد ظنونه ليصيح بصوتٍ محطم يكسوه الأنين والوعيد _مامااااااا...

خرج لسطح المياه مسرعاً حينما شعر بحاجته المريبة للهواء الذي حرمت هي منه، ألقي بذاته خارج المسبح ليضعف قليلاً فلا بأس بذلك، لم يسلم من هذا المشهد المروع الذي يلاحقه بدون رحمة، وفأتها بين يديه... كلماتها...بكائها.. كل ذلك يحطم قلبه ويطالبه بالقصاص!...
رأي "فريد" بمنظور أخر حتم عليه لذا رفض القبول به، ما تعرض له لم يكن بالهين فكيف يتمكن إنسي من أن يستكمل حياة عانت فيها والدته حد الموت من وجهة نظره! ..

إستند بذراعيه علي الأرض حتي وصل للمقعد فتمسك به ليجلس عليه بضعف فجسده غير قادر بالوقوف، أغلق عيناه بألم لا مثيل له وقبضة يديه ملتفة حول بعضها بقوة توشك علي قتله هو!..

طرقت باب غرفته ثم ولجت للداخل دون أن يصرح لها لتبحث عنه بعيناها حتي وجدته يجلس عاري الصدر على مقعد مقرب من المسبح، تحركت إليه ببسمة حالمة بذلك الوسيم المغلق العينان، هواء الشرفة يحرك خصلات شعره الطويل بجاذبية خاصة، تنحنحت بحرج حينما لاحظت شروده لينتبه لوجودها ففتح عيناه ليجدها أمامه، إبتسمت "حنين" قائلة بصوتها الرقيق _أسفة علي المقاطعة بس كان عندي سؤال فضولي معرفتش أنام من تردده عليا..

وأخرجت الساعة من جيب بجامتها الزرقاء_في واحد بمركزك دا يجيب لزوجته ساعة هدية!..
من المخاطر التي قد تصيب الأنسان إقترابه من حيوان مفترس متحرر بمخالب حادة وهكذا ما إقترفته تلك الحمقاء، نهض "مراد" عن مقعده ليقترب منها بعيناها التي مالت للون الأحمر الدامي، حاوط يديه حول عنقها ليجبرها علي التراجع للخلف حتي أصبحت مقيدة علي الحائط، أجبرها بالتطلع للهيب عيناه الحارقة ليصيح بصوتٍ أخافها للغاية_الظاهر إني أتهونت معاكِ لدرجة أنك نسيتي نفسك وإفتكرتي أنك مراتي بجد...

نظراته المحاطة بهالة مقبضة أجبرتها علي الخوف منه فما أمامها لا ينذر بالخير أبداً، لف معصمه القوي حول لائحة يدها الهاشة فكادت بأن تنكسر بين يديه،أغلقت عيناها بقوة وهي تحاول تحرير ذاتها حتي تتمكن من الفرار من عرين التمساح الثائر المحاط بكثافة من المياه تمنحه قوة عجيبة، إنسياب المياه علي جسده ببطء كأنها تقترب خطوة من الموت!..

إنقتلت مشاكستها المعتادة حينما رأت حالته الأكثر خطورة فهونت عنها دمعاتها لتهوي دون توقف، أعماه غضبه عن رؤية تفاصيل عيناها فكل ما يرأه هو إختراق لقوانين مملكته المصونه!، خرج صوتها الشبه مسموع له_"مراد"... إيدي...

عاد لوعيه المستبعاد نتيجة لأنفعاله لتلتقط عيناه دمعاتها التي يرأها لأول مرة، معالم تألمها وتحرك جسدها الهزيل بين يديه لتحاول تحرير ما أسر لدي قوته الطاغية، لوهلة إستوعب ما يحدث فحرر يدها ليتراجع خطوة للخلف ثم إستدار ليمرر يديه بخصلات شعره المغمور بالمياه بعدم تصديق لما أصبح عليه، يعلم أنه قاسي مع من يتعدي جزء من قانونه المفروض أو يجرأ علي إقتحام حياته الحمراء ولكنه كان يحترم النساء جميعاً وخاصة تلك المشاغبة...

إستعاد جزء من ثباته فأستدار بملامح أكثر ثباتاً وتمكن ليجدها تهرول من الغرفة بفزع بدي علي وجهها الذي لم يكن يعلم سوي البسمة فقط!، سقطت عيناه علي الساعة التي أحضرها لها ملاقاة أرضاً أسفل قدميه من فرط الخوف، أسرعت "حنين" لباب الجناح الخارجي ففتحته وكادت بالخروج لينغلق فجأة أمام عيناها لتجد ذراعيه مقبضة عليه بأحكام، إستدارت إليه بملامح يغمرها الرعب والحسرة تسكن عيناها!، إقترب منها فأنقبض جسدها برجفة ظاهرة لتشير له بيد مرتجفة_من فضلك خليني أخرج..

قرب يديه منها فتراجعت للخلف أكثر قدر ما إستطاعت، كسر المسافة بينهما ليفاجئها بأن طوف وجهها بيديه ليزيح دمعاتها بأصابع يديه التي تختبار تعليمات الحنان منه لأول مرة!، رفعت عيناها إليه ببلاهة مما يفعله، كاد فمها بأن يصل للأرض حينما رأته يتأملها بشغف ونظرات ترأها بزرقاء عيناه لأول مرة!..
وجدها تتطلع له بأستغراب فردد بصوته القريب منها _أسف...

إنفتح فمها لأخره فأبتسم "مراد" بعشق لتلك القصيرة التي تكاد تصل لأكتافه بالكاد، إنحني علي قدميه ليجذب الساعة الملقاة أرضاً ليجذبها برفق ثم نهض ليقف أمامها ببسمته الفتاكة، رفع يديه ليغلق فمها المفتوح علي مصراعيه بيديه ثم جذب الساعة ليرفع معصمها برفق ليضعها حوله بلمساته الرقيقة قائلاً دون النظر إليها _ساعة "لويس موينت" من أفخم الساعات الموجودة بالعالم كله، مصنوعة من الياقوت ومش موجود منها بالعالم غير أربع نسخ فقط...

كاد فمها بأن يصل للأرض مرة أخري فرفع اصبعه ببسمة مهلكة ليعيد غلقه هامساً بسخرية _هديتي اللي مش عجباكِ تمناها ٤مليون دولار...
نقلت نظراتها بينه وبين ما تحمله بيدها ببسمة بلهاء فأبتسم قائلاً بثبات_بالنسبة لأختيار الهدية فأنا بالنسبالي مفيش أهم وأغالي من الوقت وعموماً هعوضك بالهدية اللي تحبيها..

تطلعت له بنظرة فهمها جيداً ليحك طرف ذقته بغضب من إستغلاله فقال بنفاذ صبر _أوكي هخرجك بس أنا اللي هحدد الوقت..
أشارت له بسعادة ثم خرجت متوجهة لغرفتها والفرحة تكاد تحمل أقدامها عن الأرض، توقفت "حنين" حينما رأت نور الغرفة المجاور لها مضيء فتذكرت كلمات السيدة "عفاف" عن وجود إبنة خالته وصديقتها فتوجهت للغرفة ببسمة بشوشة بغاية التعرف عليهم..

جلس "إياد" جوارها بالخلف بغضب، عيناه تراقب باب الباص بتراقب لرؤياها فزفر بتأفف_أنتِ متأكدة أنها هتطلع الرحلة دي؟..
أجابته "صباح" بضيق _قولتلك أيوا البت "دعاء" صاحبتها اللي قالتلي...

وكادت بأن تكمل كلماتها ولكنها توقفت حينما صعدت "فاطمة" الباص بمفردها، شددت علي حقيبة ذراعيها بأرتباك من نظراته المصوبة نحوها من أخر مقعد بالسيارة فجلست هي بالأمام، لاحت علي وجهه بسمة مكر من سهولة نيل مبتغاه فبادر بالحديث المرح مع" صباح" متعمد إن يرفع صوته بالضحك والمغازلة ليسير غيرتها كما ظن، مرت عدة دقائق لتأتي أحد الفتيات للجلوس بجانبها فقالت ببسمة ود _الكرسي محجوز...
أجابتها الفتاة بأستغراب_لمين؟!..
_أنا..

أجابها "يامن" بعدما صعد الباص ليضع حقيبته بالسند العلوي من الباص ليبتسم لفاطمة بنظرة تعمد جعلها أكثر عشقٍ_أسف علي التأخير يا روحي..
أشارت له بهدوء ولكن قلبها كاد بأن يمزق صدرها ليتراقص علي أنغامه الخاصه فحتي وهي تعلم بأنه يفعل ذلك خداع لهم ولكن قلبها لم يتمكن من أن يمررها هكذا فعاش لحظاته كما ولو أنها ستكون الأخيرة..

إنقلبت نظرات "إياد" من الأنتصار للغضب حينما علم بمشاركة يامن بالرحلة التي ظن بأنه سينتقم منها أشد إنتقام، دس القلم الذي يحمله بين يديه بقدميه ليكبت الحقد الشديد المتدفق من الأعماق ليقسم علي دمارهما معاً!...
بالأمام...

نسمات الهواء المتدفقة من الشرفة بعدما تحرك الباص جعل النوم يحاوطها، جاهدته كثيراً ولكنه تمكن منها بنهاية الأمر فغفلت محلها، تحرك الباص بخفة لتستسلم لحركاته لتستقر علي كتفيه!..
كان منشغل بهاتفه حينما شعر بثقل رأسها علي كتفيه، تطلع لها بنطرات غامضة طالت بتأملها عن قرب، مشاعر غريبة تطارده وتهمس له بالتقرب منها أكثر، حتي أنها همست بالأحتواء لها!.

بات كالعاشق الذي يتشبع بملامح القمر وسط السحاب المضيئة!...
أسند رأسه بخفة فوق رأسها ليفرد ذراعيه بعد تردد لتستقر بين أحضانه ليستسلم الأخر بأغلاق عيناه لطول الطريق وقلبه يرتل ترتيل أقصوصة خاصة يفكر من يجلس بالخلف في كيفية تدميرها؟!...

بغرفة "شجن"..
كالعادة تنجح "حنين" بفرض شخصيتها الغريبة فبدت لهما بالمحببة، تعالت ضحكات "يارا" وهي تستمع لها أما "شجن" فأكتفت بمراقبتها براحة تستحوذ عليها شيئاً فشيء...

إنفتح الباب برفق ليطل من خلفه كاميرا لجهاز أحد الهواتف لتسلط علي "شجن" التي بدت أفضل حالا من وجودها بالمشفي رغم أنها لم تتعدي الساعات!..
سجلت الكاميرا بسمة عيناها المحرمة لها، جلست "حنين" جوارها قائلة بأشارة فخر _بس يا ستي ومن يومها وأنا اللي بيلاحقه أصله بصراحة عاجبني وفيه تفاصيل فتي أحلامي بس دا ميمنعش أنه أيده طايشة حبتين تلاته...

أنطلقت ضحكة مداوية من "شجن" فجعلت "يارا" بصدمة من أمرها لتبتسم بسعادة لا مثيل لها بأنها تخطو في طريق الشفاء من أول الخطوات فيبدو أن لحنين تأثير قوي للغاية، إلتقطت الكاميرا ضحكاتها لتخرج من تحملها للخارج برفق ثم رفعت الهاتف لأذنها_زي ما حضرتك شايف الهانم حالتها هنا أفضل ومش بعيد أنها ترجع أحسن من الأول بوجود "حنين" و"يارا"..

طال صمت المتصل ليخرج صوته بعد فترة بتعليمات صريحة لها لتشير السيدة "عفاف" بوقار_تحت أمرك يا "رحيم" باشا...
وأغلقت الهاتف لتملي ما أخبرها به!..

بسيارة "رحيم زيدان"
ألقي بهاتفه بالأمام جوار السائق الذي إلتقط الهاتف مسرعاً، إستند "رحيم" بذراعيه علي النافذة ليفكر بحديثها قليلاً هل عليه أن يتخلي عن إنتقامه حالياً ويتركها بمنزل عدوه اللدود حتي تنال شفائها!...

طال تفكيره المنغمس بعيناه الزيتونية المتخفية خلف نظاراته السوداء التي صارت جزء أساسي منه!..
أشار له السائق بوقار_وصلت يا باشا..
تطلع بأتجاه ما يشير إليه ليجدها تقترب منه فهبط السائق سريعاً ليفتح الباب الخلفي لتنضم بالخلف جوار "رحيم زيدان"...
تطلعت له بثبات فأبتسم بخفة _حمد لله علي السلامة.
ثم إشار للسائق بحذم_أطلع...

إنصاع له ليتوجه للمكان المنشود مسرعاً فما كان منه الا دقائق حتي وصل أسفل الشركة، تطلعت له بهدوء معاكس عما بداخلها فقال "رحيم" ببسمة هادئة_أنا مفكرتش أتدخل بحياتكم لأنها مكنتش حياة لكن حالياً أنتِ تقدري تعيشي وتحققي اللي تحبيه..
وإكتفي بأشارة بسيطة من يديه فهبطت للأسفل بأرتباك لتغادر سياراته خلفه مسرعة، رفعت عيناها تتأمل البناء المشيد بحرافية عجيبة ببسمة هادئة فصعدت للأعلي ببطء كأنها تخشي رؤية أحداً ما!...

توقف المصعد أمام الدور الرئيسي فترجهت مسرعة للمكتب الرئيسي الخاص بصاحب هذا المعمار الهندسي ذو الأسم الموصوم، كادت بأختراق باب المكتب لتقف علي صوت السكرتيرة الغاضبة_علي فين يا أنسة؟!..
إستدارت للخلف لتشهق الأخري بصدمة بينما أكملت طريقها للداخل ببسمة ثقة..
بالداخل..

كان يجلس علي مكتبه بضعف، عيناه باتت كالغرف المظلمة من شدة إشتياقه لها، جلس "جان" يتابع عمله بذهن مشغول ليزفر بضيق منعدم مقدرته على فعل شيء سوى التفكير المتواصل بها...
جذب "جان" صورتها من علي المكتب ليعانقها بألم لا مثيل له كأن الصور حية وستنقل محبته لها، أخرج الصورة من أحضانه ليتأملها بنظرات مطولة حزينة، إعتدل بمقعده حينما طل ظل بالصورة التي يحملها فأستدار برأسه للخلف ليتصنم محله كالمشلول الذي فقد التحكم بأطرافه ليلفظ بلسان ثقيل للغاية_"سلمى"!...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة