قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الثائر للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثامن عشر

رواية الثائر للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثامن عشر

رواية الثائر للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثامن عشر

خرجت قُدس من منزل الطبيبة بجسد هزيل وضعيف مُتكئة على ذراعي فادية فسألت فادية: -
- أنا مفهماش كيف تعملى أكدة؟
كادت أن تجيبها لكنها توقفت حين رأت ثائر أمامها بوجه غاضب كالثور الهائج الذي يلتهم فريسته بعينيه و كانت زهرة تقف في الخلف فصدمت برؤيته لكنها ما زالت تحت تأثير المخدر لا تقوى على الحديث أو الشجار.

أقترب ثائر نحوها كالعاصفة بغضبه وهي ترفع نظرها فيه بضعف فمسكها من ذراعها الأيسر بقوة لتتألم منه وقال: -
- بتعملى اهنا ايه؟
- بعمل اللى قولتلك عليه
كز على أسنانه وقال بغضب مكتوم: -
- اللى هو ايه، كيف ما زهرة جالتلى أنك بتجتلى ولدى
نظرت ل زهرة بضيق شديد وهي تشعر بأبتزاز وغيظ وكأنها خانتها وصديقتها هي من طعنتها هكذا، مسك فك وجهها بقوة وقال: -
- أطلعى فيا أنا، جتلتى ولدى
ابعدت يده عنها بقوة وقالت: -.

- طلقنى يا ثائر. طلقنى
تبسم بسخرية شديدة وقال: -
- أطلجك.
نظر بعيدًا عنها مُشتاطًا غضبًا وبداخله نار تلتهم قلبه وصدره، قتلها لطفله يشبه السكين المسموم الذي طعنته في قلبه لتشقه نصفين، تابع حديثه بمكر وشر: -.

- شكلك جنيتى على الأخير يا قُدس وفاكرة أن سكوتى وصمتى جبول للأفعالك وضعف منى، لا فوجى يا قُدس أنا مش طيب ولا جبان وضعيف وصبرى عليكى مش ضعف، بعملتك دى أنتِ اللى هطلعى الوحش اللى فيا وتشوفى وشي التانى، أوعاكِ يا بنت حامد تلومينى على حاجة هعملها وأفتكرى أن أنتِ اللى بدأتِ بالدم لما فكرتى تقتلى ولدى والعين بالعين والسن بالسن...

رحل ثائر من أمامها بعد أن زرع الرعب بداخلها وأعلن أنتقامه منها بالدم، أسرعت زهرة نحوها لتمسك يدها فصُدمت زهرة حين جذبت قُدس يدها منها بأشمئزاز لأول مرة، عادت للمنزل بصحبة فادية ودلفت لغرفتها في صمت...

دلفت زهرة إلى غرفتها مهمومة وحزينة من معاملة قُدس لها فرأت قاسم بالغرفة جالسًا على المقعد في أنتظارها ووجهه عابس ثم قال: -
- أنتِ جابلتى ثائر؟!
نظرت له بأرتباك وحيرة ثم أومأت له بنعم فأغلق قبضته بأحكام شديد يسيطر على غضبه، رأت الغضب والنار على وجهه بوضوح فهتفت مسرعة قائلة: -
- هو اللى أتصل بيا وقال انه عاوز يقابلنى عشان يعرف أنا بنت مين و...

قصت له ما حدث وهي تجهش في البكاء بحسرة وخوف، اربت على كتفها بلطف وقال: -
- طب أهدى يا زهرة اهدى بجى
تحدثت بضعف شديد: -
- أنا مش عاوزة الأب دا يا قاسم مش عاوزاه يأخذنى منك. متسبنيش
تبسم لها بسعادة وطمأنينة ثم أردف بحنو: -
- جنتى يا بت ولا ايه، مهيجدرش يجرب منك أنتِ مرتى وأنا مههملكيش واصل
عنقته بخوف ودموعها تنهمر بغزارة على وجنتيها فمسح على رأسها بيده وقال: -
- متخافيش واصل طول ما أنا في ضهرك يا زهرة.

ابتعدت عنه وهي تجفف دموعها ثم سالته بأرتباك: -
- مش هتسبني لأنى بنت اللى الراجل اللى قتل باباك وأخت ثائر اللى عذب اختك
مسك وجهها بيديه الأثنين وقال: -
- مش هسيبك عشان بحبك، أنا عرفتك وحبتك وأتجوزتك وأنتِ زهرة البنت الوحيدة اى تغيرات تانى مش هتفرق لى.

تبسمت له وسط دموعها وقالت: -
- وأنا بحبك يا قاسم مش عاوزة غيرك من الدنيا دى كلها، أنت أهلى وناسي ومش عاوزة اهل غيرك.

وضع قبلة على جبينها وتبسمت إليه بحب...

دلفت ليلة إلى غرفة قُدس في الصباح ووضعت الفطار على الطاولة، كانت قُدس تتحدث في الهاتف مع ناجح وقالت: -
- جهزت كل اللى قولتلك عليه. طب تمام أنا هكون عندك على المغرب، سلام
اغلقت الخط معه وجلست تفطر وحدها كما أعتادت، دق باب غرفتها وولجت زهرة بأحراج فرمقتها قُدس بعينيها ثم وقفت من مكانها وعقدت ذراعيها أمام صدرها وهتفت بقسوة: -
- أفندم.

- أنا عارفة انك زعلانة منى بس صدقينى أنا عملت كدة لمصلحتك وخوف عليكى
قوست قُدس شفتيها ثم قالت بمكر: -
- عملتى ايه بالظبط
- أتصلت بثائر وقولتله أنى سمعتك بتطلبى من فادية تنزل البيبى
أقتربت قُدس نحوها بغضب مكتوم ثم نظرت في عينيها وقالت: -
- طول الفترة اللى عرفتنى فيها يا قُدس أنا عمرى سامحت حد غلط في حقى أو غدر بيا
هزت رأسها بلا وعيون باكية فتابعت قُدس بجدية: -.

- أنا عشت عمرى كله مبغفرش لفادية جوازها من بابا ولا سامحت بابا أنه اتجوز على أمى وعشت حياتى كلها بعيد عن حضن بابا وعن الصعيد وعن قاسم. أنتِ مش أحسن من بابا عشان اسامحك.

- بس أنا كنت خايفة عليك
صرخت قُدس بيها بانفعال شديد: -
- أنتِ غدرتى بيا وخونتي ثقتى فيك، روحتى لأكثر واحد أنا بكرهه وبهرب منه، روحتى تقولى لواحد أنى بقتل ابنه، أطلعى برا برااااا.

أستدارت زهرة كى ترحل لتستوقفها قُدس بفضول: -
- أنتِ جبتى رقم ثائر؟ أنتِ معاكيش باسورد تليفونى
قصت لها ما حدث لتقهقه قُدس بسخرية وقالت: -
- أختارتى اخوكى اللى لسه بتعرفيه عليا. أصيلة اوى يا زهرة...
- لا يا قُدس أنا...
أستدارت قُدس تعطيها ظهرها وتمنعها من الحديث حيث قالت: -
- أطلعى برا
خرجت وتركتها لتتمتم قُدس باستياء: -.

- وكأن مكتوب على قلبى الخيانة من كل اللى يحبهم بابا، ثائر، زهرة الدور على مين تانى. مين تانى هيخونى...

كان كالثور الهائج بعد أن قتلت طفله ويصرخ بغضب في كل من يقابله ويرتكب أخطاء كثيرة في العمل، جاء أدهم له وقال: -
- أنا سمعت أن قُدس حبلة
- كانت قبل ما تجتل ولدى في بطنها
أتسعت عيني أدهم بصدمة ووقف من مقعده ويقول: -
-كيف دا؟
- راحت لداكتورة ونزلته
تحدث أدهم بغضب شديد: -
- وأنت جاعد اكدة يا برودك
نظر ثائر له وقال: -
- عاوزنى أعمل ايه؟

- أنا لو مكانك كنت جتلتها هي والداكتورة اللى عملت العملية كيف توافج والبلد كلتها تعرف انها مرتك، كيف تجتل ولد العطار.

شرد ثائر قليلًا وقال: -
- عندك حجك
أخذ مسدسه وخرج من المكتب ذاهبًا للطبيبة...

منزل النابلسى
جمعت قُدس أغراضها في حقيبة سفر مُستعدة للعودة للقاهرة كما جاءت، ارتدت بنطلون أسود فضفاض وبلوزة أصفر بكم تدخلها في البنطلون وحذاء رياضي وتلف حجابها، أخذت ليلة الحقائب للأسفل ونزلت قُدس وكانت فادية جالسة على المقعد ببرود مُبتسمة وواضعة قدم على أخرى و قاسم واقفًا بجوار الدرج حزينًا لفراق أخته مرة اخرى و زهرة تقف هناك بعيدًا بأنكسار وحزن شديد.

وصلت قُدس أمام قاسم ونظرت له في صمت ليقول بحزن ونبرة هادئة: -
- برضو هتمشي يا قُدس
- وأقعد ليه؟ عشان مين؟، أنا أكتفيت من خيانة الكل ليا، خايفة اقعد الخيانة المرة دى تجيلى منك أنت.

حدثها بعتاب شديد قائلاً: -
- أخس عليكى يا قُدس أنا أخونك
- أنا لازم أمشي يا قاسم، أنا ماليش هنا غير الوجع والخذلان
سألها بحزن شديد: -
- طب مهتستنيش حتى لما ثائر يطلجك
تبسمت بسخرية وقالت: -.

- أنا وثائر اللى بينا خلاص أنتهى ومبقاش فيه حاجة تجمعنا ولا حتى ينفع تجمعنا، يطلقنى أو لا ثائر كسر جوايا حاجة عمرها ما هتتصلح زى ما ابوك عمل زمان دخل واحدة تانية حياته ومقدرتش أسامحه، مبقتش تفرق معايا يطلقنى ولا لا.

عانقته بحزن لتودعه وترحل ثم رمقة فادية و زهرة بنظرة هادئة ثم أستدارت كى ترحل وخرج معها قاسم، صعدت قُدس لسيارتها بمقعد السائق وتبسمت لأخاها فسالها بقلق: -
-هتسوجى كيف وأنتِ لستك عاملة عملية؟
تبسمت له بحزن وروح مُكسورة وقالت: -
- أنا منزلتش البيبى يا قاسم
أتسعت عينيه على مصراعيها بصدمة شديد وقال: -
- قُدس...
لم تعطيه فرصة للحديث فضغطت على البنزين وأنطلقت هاربة من أمامه ومن الصعيد بأكمله...

كان ثائر يصوب مسدسه على رأس الطبيبة لتقول بخوف: -
- والله يا بيه ما عملت حاجة، والطفل لسته حي في بطن امه.
أتسعت عينيه بصدمة قاتلة وقال: -
- كيف!

°°°° فلاش باك °°°°.

حقنتها الطبيبة بالمخدر لكن قبل أن تعطيه لها صرخت قُدس بخوف قائلة: -
- لا. لا أنا مش هنزله
ابعدت الحقنة عنها بعد أن دخل جسدها جزء ضئيل من المخدر، كادت ان تبتعد عن السرير لتمنعها فادية بغضب: -
- أنتِ جنتى بتعملى ايه؟
- أنا مش هنزل مش هسمع لشيطانى وأقتل ابنى بنفسى، دا ابنى أنا ومحدش هيقربله
بخت فادية هذه الحية سمها بها وقالت: -
- دا ولد ثائر العطار اللى جتل أبوكى
أبعدتها قُدس بضعف من المخدر قائلة: -.

- دا ابنى أنا ومش هتقتله...
- لا هتنزليه
صرخت قُدس بها بقسوة وقالت: -
- أنتِ شيطانة، أبعدى عنى
وقفت تبدل ملابسها لتستوقفها فادية بسؤالها: -
- أنتِ هتخليه عشان يفضل الأمل لرجوعك لثائر لأنك حبتيه مش كدة
تنهدت قُدس بضعف تحت تأثير المخدر: -
- ومحبتش حد قد حبى لثائر، وفعلا هخليه لأنه ابن ثائر بس مش عشان يكون الأمل لرجوعنا لكن عشان يكون الذكرى الوحيدة الحلوة ليا من ثائر. ومتخافيش أنا هنفذ وعدى ليكى وهمشي...

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
- والله يا بيه دا كل اللى حصل لكنى معملتش العملية والله
رق قلبه إليها بعد أن ذكرته الطبيبة بحبها له فخرج ركضًا من المنزل ذاهبًا إلى منزلها ليخبره عواد برحيلها وأن الأوان فات وقد تأخر، رن على هاتفها وكان مغلقًا فهذه المرة هربت حقًا بطفله...

دلف أدهم لغرفة أصالة وكانت نائمة بفراشها ببراءة ليجلس بجوارها يتأملها بحب وقلب مجروح، حفر كل ملامحها في قلبه عينيها وشعرها وحتى صوت أنفاسها، وضع قبلة رقيقة على جبينها وهمس قائلاً: -
- أسف أنى وجعتك يا حبيبتى.

وقف ليخرج من غرفتها ووضع باقة ورود على الكمودينو بجوارها وأنصرف مُشتاق لمحبوبته التي جرحها بحديثه منذ لحظتهما الأولى معًا، فتحت عينيها بهدوء ونظرت للورد ببسمة رقيقة ولمست جبينها بلطف وظلت تنظر للورد ببراءة...

أوقف ناجح سيارته أمام منزل صغير وترجل أولاً ثم هي واخذها للداخل، فتحت فتاة في العشرينات مثلها الباب ودلفت معه ليقول: -
- أنا أخترت البيت دا لأنه بعيد عن الجميع وأقرب محل أو بيت منه على بعد كليو متر وصعب حد يوصلك هنا، ودا مفتاح العربية الجديدة موجودة في الجراج لأن زى ما طلبتى عربية جديدة عشان محدش يوصلك من المرور.

- والمكتب؟
- بعته وسحبت كل الرصيد من البنك من أسبوعين أول ما كلمتينى وحطته في خزنة فوق ودا الباسورد بتاعها، عملت كل دا وأنا مش فاهم أنتِ بتعملى كدة ليه مش عاوزة تتعاملى بالفيزا وعربيتك غيرتها وشركتك وبيتك، كأنك هربانة من حاجة.

أومأت له بسخرية قائلة: -
- فعلاً هربانة ومش عاوزة حد يوصلى ولا حتى زهرة واضح يا ناجح
- واضح
اعطها ورق وقال: -
- دا كشف حسابك وكل الفلوس واللى اتصرف راح فين وطبعًا خصمت ثمن المكتب الجديد
أومأت له بنعم ثم قالت: -
- تمام وعاوزين نشتغل على طول لأننا تقريبا بنبدأ من الصفر
- أكيد أنا واثق في النجاح بوجودك.

تبسمت له ثم استأذن ليتركها تفحصت المنزل بنظرها في المنتصف صالون وغرفة الخادمة ومطبخ أمريكانى أمامه طاولة صغيرة لتناول الطعام وبالجوار دورة مياه، صعدت قُدس للطابق الأعلى وكأن عبارة عن غرفتين ودورة مياه، فتحت باب الغرفة الأولى كانت غرفة أطفال مليئة بالألعاب وفراش صغير تبسمت بلطف ووضعت يدها على بطنها ثم ذهبت للغرفة التانية كانت غرفتها، ألقت بجسدها على الفراش وجهشت بالبكاء، أخرجت كل الألم التي بداخلها وكبتها لتصنع القوة والصمود...

تبسمت فادية بسعادة بسبب رحيلها ودخلت إلى غرفتها تتحدث في الهاتف مع شخص غير معروف وقالت: -
- عملت ايه؟، طيب أنا جاية
أغلقت الخط معه وبدلت ملابسها وأرتدت عباية سوداء ثم خرجت من المنزل دون أن يراها أحد وذهبت لمنزل وسط البلد ودقت ثلاثة مرات وكأنها أشارة، فتح الباب ودلفت تقول: -
- هو فين؟

أشار ليها على الغرفة فدلفت وكان المحامى مقيد في الفراش باصداف حديدية وفمه مغطي بقماش قطنى، جلست على المقعد وأشارت للراجل ان ينزع يفتح فمه ثم قالت: -
- سبنا وحدينا
خرج الرجل لتقول: -
-فين الوصية؟ ورق وصية حامد فين؟
- ليه عشان تجتلنى كيف ما جتليه؟
تبسمت بمكر وقالت: -
- عشان غبى كيفك بالظبط، كان عاوز يطلعنى من المولد فاضيه ويكتب كل حاجة لبته قُدس وابنه قاسم سيادة الداكتور وأنا كأنى خادمة بتخدمه.

نظر لها بأشمئزاز وقال: -
- طب قُدس بتكرهها وهي كمان بتكرهك لكن قاسم مفكرتش هيحس بيه لما يعرف حجيجتك وأنك جاتلة ابوه.

- غبى كيف ابوه، امان لمرات ابوه رغم أن خيته حذرته منى كتير لكنه كان مصدق وش البراءة اللى رسماه عليه.

رمقها من الرأس لأخمض القدم وقال: -
- أنت شيطانة متجسده في جسد بنى آدم
وقفت من مكانها ومسكت فك وجهه وقالت: -
- فين الوصية؟
- أنا بجى مش غبى عشان أديكى اللى عاوزاه وتجتلنى كيف ما جتلتى غيرى
دفعته بمكر ووضعت لاصقة على فمه وخرجت من الغرفة ومن المنزل ليختبيء قاسم منها بصدمة بعد أن سمع حديثهما من النافذة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة