قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل السادس عشر

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل السادس عشر

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل السادس عشر

عل إيهاب الحديقة في أبهى صورة لاستقبال أخته وعمه وزوجة عمه بمساعدة فرحة ومريم ووفاء بشكل بسيط بعيدًا عن التكلف بما يليق بالمناسبة فجعل من فروع الشجر الرفيعة على بوابة الحديقة بشكل متقابل بحيث تصبح كالسهم يتدلى منه بعض أضواء الزينة البسيطة وكذلك غطى علية المظلة الداخلية بأوراق الشجر والورود البيضاء.

عاونته فرحة برسم بعض الزخارف الاسلامية على أطباق الحلوى المصنوعة من الخوص واستخدام بعض الزهور الجافة، كانا يشعران بمتعة حقيقية أثناء عملهما في الحديقة لم تخلو هذه المتعة من بعض المنغصات التي تسببت بها وفاء ومريم بسبب تخبطهم في الألوان وأختلافهم فيها، وأثناء عراكهم كفتيات صغيرات لمحت وفاء يوسف ووالدها يخرجان من المنزل ويتوجهان للخارج فاستوقفتهما بندآتها المتكررة وهي تتجه إليهما بخطوات واسعة، وقفت أمامهما تسألهما أن يأخذوها معهما لاستقبالهم في المطار ولكن والدها رفض قائلا:.

خليكى يا وفاء. العربية يدوب ده حتى أنا مش هروح معاه. كانت مريم قد لحقت بها فقالت هي الأخرى:
عاوزه أروح معاكم
وهنا هتف يوسف بحدة: - تيجى معانا فين. أنتِ عاوزه تتنططى في أى حتة وخلاص
أضاءت عيناها بدموعها وقفزت على الفور إلى وجنتيها تعلن غضبها من نفوره الدائم منها بلا سبب تفهمه، رمقه عمه بنظرة صارمة قائلا:
بتكلمها كده ليه يا يوسف هي قالت حاجة غريبة يعنى، مش كده يا يابنى.

يوسف: - انا آسف يا عمى عن اذنك علشان كده يدوب ألحق معاد الطيارة
أستدارت مريم وتراجعت خطوات بطيئة وهي تضع يديها على فمها وتبكى بمرارة، لحقت بها وفاء وأخذتها بعيدًا حتى لا يراها إيهاب على حالتها هذه وحاولت أن تخفف عنها:
متزعليش يا مريم. هو يوسف كده بيطلع فجأة زى القطر.

بكت مريم بحرارة وهي تقول: - انا مش عارفة بيعاملنى كده ليه. من ساعة ما شافنى وهو واخد مني موقف حتى لما تحصل حاجة بالغلط يفتكرها حاجة وحشة أو انا قصداها
قالت وفاء مستفهمة: - حاجة وحشة ازاى يعنى؟

تابعت مريم قائلة: - أى حاجة تتخيلها. أقع يقوم وليد يمسك أيدى فيفتكرنى موافقة انه يمسكنى كده. يشوف واحدة صاحبتى بتعمل حاجة غلط يقوم يفتكرنى موافقة على تصرفاتها. وكل مرة أحاول اثبتله أنى مبعملش حاجة غلط ميدنيش فرصة ويسيبنى ويمشى. وبعد كل ده يهزأنى قدامك انتِ وعمى ويشخط فيا، انتِ متعرفيش البهدلة اللى كنت بشوفها وانا بشتغل معاه
صممت وفاء في تفكير ثم قالت: - وانتِ بتفسرى التصرفات دى بأيه؟

أشاحت بيدها قائلة بحنق: - مش طايقنى طبعا. ومش عارفة ليه. انا عملتله أيه علشان يعاملنى كده
قالت وفاء وهي تمط شفتيها: - ياعينى يا يوسف. هو انت وقعت ولا الهوا اللى رماك
رفعت مريم رأسها بعينين دامعتين قائلة: - تقصدى ايه؟
ضحكت وفاء بصخب وقالت: - وأنتِ كمان يا مسكينة. الله يرحمكم ويحسن إليكم
حاولت مريم جاهدة مقاطعت ضحكات وفاء وهي تهتف بها: - بطلى ضحك وفاهمينى قصدك ايه.

قامت وفاء من مكانها وجلست قريبا من مريم وقالت بخفوت: - قصدى أنه بيحبك يا عبيطة وبيغير عليكى
تحجرت عيني مريم وهي تنظر إلى وفاء بعدم تصديق، فأومأت لها وفاء برأسها مؤكدة وهي تقول:
وانتِ كمان بتحبيه
نهضت مريم وكأنها لدغت وهي تصيح في وفاء: - أنتِ شكلك اتهبلتى يا بت أنتِ والقضايا اللى بتذاكريها لحست مخك.

ثم انصرفت وهي تتابعها ضحكات وفاء المتواصلة في شغف وقلبها يرتجف مع ارتجافة ابتسامة شاحبة غير مصدقة على شفتيها.

وبعد ثلاث ساعات كان الجميع يتجهز ويتم وضع اللمسات الأخيرة على ديكور الحديقة الجديد حتى سمعوا صوت أبواق سيارة يوسف تنطلق متتالية وكأنه في زفاف، ذهب الجميع إلى بوابة الحديقة في سعادة وقد كانت سعادة مريم لا توصف حينما رأت اختها إيمان تهبط من السيارة وقد زاد نور وجهها أكثر وأكثر، وزاد جمالها دون وضع أى من أدوات الزينة عليه، نعم إنه نور الطاعة يزداد بها، أسرعت إليها بخطوات قريبة إلى العدو ولم تنتظر إيمان حتى يستطيع يوسف أن يدخل بالسيارة بشكل كامل، خرجت مسرعة إلى اختها التي تعدو إليها وسكنت مريم في حضن أختها وكأنها أمها عادت إليها بعد غياب، مسحت إيمان على رأس مريم وهي تنظر إلى إيهاب بشوق كبير، أقبل عليها إيهاب وحاول انتزاعها من مريم ولكنه لم يستطع، كانت متشبثة بها بقوة فاضطر لاحتضانهما معا وقبل رأس أخته بحنان وشوق بالغ وهو يقول بابتسامة عذبة:.

وحشتينا يا حجة. خلاص بقيتى حجة رسمى ها
ضحكت ايمان ضحكة أشرق بها وجهها فزاده بهاء وقالت: - لا برده لسه مش رسمى أوى. دى عمره مش حج
قضى وقت طويل في العناق والتحيات والسلام بينهم جميعا ودخل الجميع إلى مكانهم المفضل تحت المظلة ولكنها كانت مختلفة بديكورات إيهاب وفرحة، ظلت تنظر إيمان حولها بتعجب وتقول لإيهاب:
طبعا انت صاحب الأفكار البديعة دى
أشار إيهاب إلى فرحة قائلا وهو يغمز لها: - مش لوحدى.

لم تفارق مريم إيمان، ظلت ممسكة بيدها وهما جالسين في الحديقة كأنها تقول لها أحتاجك بشدة وأفتقدك، نهضت أم وليد تصيح في الخادمة:
يالا يا بت هاتى الأكل بسرعة
قالت عفاف بطيبة: - طب ما نطلع فوق احسن. بدل ما البنت تقعد طالعه نازله تجيب في الأكل
قالت وفاء على الفور: - لا يا طنط احنا عاملين حفلة باربكيو كلوا مشويات
ثم أشارت إلى مريم وهي تقول: - يالا يا مريم نساعد البنت الغلبانة دى.

منعتها أمها وقالت: - تساعديها ليه. هي بتاخد شوية. دى بتاخد على قلبها قد كده
تحدثت إيمان قائلة بهدوء: - وفيها أيه يا طنط. الرسول عليه الصلاة والسلام لما كان بيجيله ضيف كان بيخدمه بنفسه
رمقتها فاطمة بنظرة جانبية وهي تقول: - عليه الصلاة والسلام ياختى
عانقها أخاها مرة اخرى وهو يقول: - وحشنا كلامك والله يا إيمان.

بعد الانتهاء من تناول الطعام قالت وفاء موجهة حديثها لإيمان: - قوليلى بقى يا إيمان لما روحتوا المدينة المنورة ووقفتى قدام قبر النبى عليه الصلاة والسلام حسيتى بأيه؟
أشرق وجهها وهي تقول بعيون لامعة: - ياه يا وفاء مقدرش أوصفلك أحساسى أبدا. حسيت بسكينة وراحة في قلبى. وخصوصا وانا بقول السلام عليك يا رسول الله. قلبى ارتجف كأنى واقفة قدامه عليه الصلاة والسلام.

ثم تابعت وكأنها انتبهت لشىء وقالت: - بس تعرفى يا وفاء حجرة النبى اللى كان عايش فيها وادفن فيها كانت صغيرة أوى. يمكن المظلة دى أكبر منها في الحجم. مع أن النبى أكرم خلق الله على الله وحبيب الرحمن ورغم كده كان بيته بالحجم ده وبالتواضع ده. واحنا بيوتنا كبيرة أوضتين وتلاتة ويمكن اكتر ورغم كده نقعد نشتكى ضيق الحال وضيق الرزق واللى ساكنة في شقة عاوزه فيلا واللى عندها فيلا عاوزه قصر. سبحان الله.

نظر حسين إلى عبد الرحمن نظرة ذات معنى وكأنه يقول له شوفت بقى انا اخترتلك ايه.

جلست مريم مع إيهاب في غرفة المعيشة بجوار إيمان في شقتهم وهي تحكى لهم تفاصيل رحلتها الروحانية الجميلة وهما يستمعان في انتباه والأبتسامة مرسومة على شفتيهما إلى أن قال إيهاب:
الله يا إيمان. شوقتينى اروح عمره. إن شاء الله اروح قريب أول ما اخلص تشطيب العمارة اللى عمى ادانى شغلها ويبقى معايا مبلغ محترم هسافر على طول
قالت مريم: - ده مبلغ يابنى يطلعك حج مش عمره انت والعيلة كلها.

رمقته ايمان بنظرة متفحصة وهي تقول: - طب أيه رأيك طالما المبلغ حلو كده قبل ما تطلع العمرة تخطب فرحة
أبتسمت مريم وهي تنظر إلى إيهاب الذي ابتسم بدوره ولكن ظهرت عليه علامات الحيرة وهو يقول لها:
تفتكرى يا إيمان، تفتكرى عمى يوافق؟
ثم نهض مترددا وقال: - وبعدين هي نفسها ممكن متوافقش
قالت إيمان بثقة: - انا متأكدة انها هتوافق
لمعت عيناه بشغف قائلا: - وعرفتى ازاى هي قالتلك حاجة؟

أشارت له بأصبعها نافية وقالت بابتسامة مداعبة: - لا طبعا هي دى حاجة تتقال. انا اللى عندى الحاسة السادسة والسابعة والعشرة كمان
صمت مفكرًا إلى أن قال ببطء: - تفتكرى كده. يعنى أتوكل على الله وأكلم عمى. بس لو قالى هتعيشها فين اقوله ايه. في بيتك، لا مينفعش استنوا لما يبقى معايا مبلغ تانى اجيب بيه شقة بره تليق بيها.

صاحت مريم بمرح: - ليه بس يا هوبه. انت ناسى الأعتراف اللى عمامى قالوا لإيمان. اننا لينا نصيب في البيت هنا. يعنى الشقة اللى هتجوز فيها بتاعتك من ورث بابا الله يرحمه يعنى ملكك
قالت ايمان مؤكدة: - أنا مع مريم يا إيهاب وعلى فكرة عمى عاوز يكتبلنا نصيبنا بيع وشرا بس مش عاوز ماما تعرف حاجة زى كده
ثم نظرت لمريم موجهة الحديث إليها: - سامعانى يا مريم
مريم: - انا وعدتك يا إيمان خلاص.

تابعت ايمان وهي تنظر لإيهاب: - وافق يا إيهاب علشان خاطرى. أنا نفسى تتجوز بقى وكمان هتسكن معانا في نفس الدور في الشقة اللى قدامنا على طول يالا توكل على الله واستخير ربنا
أومأ ايهاب برأسه موافقا وقال بسعادة غامرة: - طول عمرك بتفتحيلى الأبواب يا ايمان وبتحفزينى دايما.

مضى اليومان المهلة التي طلبها عبد الرحمن من أبيه ليفكر فيهما في موضوع زواجه من إيمان، كان يجلس في مقعده الخاص في شرفته المطلة على الحديقة شاردا حتى أتاه صوت أخته تناديه، ألتفت إليها قائلا:
ايوا يا فرحة في حاجة؟
قالت فرحة تداعبه: - أيوا يا رومانسى. بابا عاوزك في أوضة المكتب حالاً بالاً
قال عبد الرحمن وهو ينهض: - طب روحى انتِ يا غلباوية.

دخل عبد الرحمن غرفة والده بعد أن طرق الباب وأغلقه خلفه وهو يقول: - السلام عليكم. حضرتك بعتلى يا بابا
أشار له والده أن يجلس وهو يقول: - اقعد يا عبد الرحمن...
ثم تابع: - أيه يعنى مردتش عليا اليومين عدوا
قال بعدم فهم: - أرد على أيه؟
رمقه والده بنظرة صارمة وقال: - وانا اللى قلت انك بتستخير ربنا. أتاريك الموضوع مش في دماغك أصلاً.

تذكر عبد الرحمن الحديث الذي دار بينهما على متن الطائرة، بالفعل لقد نسيه لا لعدم أهيمته ولكن لعلمه أن والده مُصر على هذه الزيجة وفي كل الأحوال سوف يضطر للموافقة انتزعه والده من بين أفكاره قائلا:
يعنى مردتش
عبد الرحمن: - بابا هو حضرتك لسه مصمم على الموضوع ده؟
قال حسين بإصرار: - أنت شايف أيه؟
أجاب عبد الرحمن باستسلام: - خلاص يا بابا حضرتك اعمل اللى شايفه صح.

تنهد حسين وهو ينظر لولده يحاول أن يستشف ما بداخله في صمت ثم قال بهدوء: - يابنى انت عارف قيمتك عندى كويس. وانا مش عايز اجبرك على حاجة وكمان إيمان زى بنتى ومرضاش أبدا انها تجوز واحد مجبور عليها.

أستند عبد الرحمن بظهره إلى مقعده وهو يقول: - يا بابا والله إيمان بنت زى الفل. وزوجة رائعة لأى حد في الدنيا. وانا مش مجبور ولا حاجة. كل الحكاية انى كان نفسى أحب البنت اللى هتجوزها الأول لكن خلاص اللى فيه الخير يقدمه ربنا
ابتسم والده برضا وقال: - عظيم. كده مفضلش غير إيمان يارب بقى هي متخجلنيش
ألتفت إليه عبد الرحمن بتسائل: - تفتكر ممكن ترفض.

قال حسين بتفكير: - والله يابنى مش متأكد من موافقتها. انا هقعد معاها واكلمها ولو وافقت هكلم إيهاب على طول على كتب كتاب. بلاش خطوبة وتضيع وقت
نهض عبد الرحمن وهو يهتف: - جواز كده على طول. طب ناخد على بعض الأول
أبتسم حسين وقال: - لما انت بتقول كده وانت الراجل. أومال البنت بقى هتقول أيه
قال برجاء: - يا بابا واحدة واحدة. الحكاية مبتتاخدش قفش كده.

أشار له والده منبها: - واعمل حسابك كتب الكتاب هيبقى شهر واحد بس. وبعدين الفرح على طول
صمت عبد الرحمن ولم يرد عليه فصاح فيه فجأة: - مااااالك....
أنتفض عبد الرحمن لصيحة أبيه وقال بتلعثم: - حاضر يا بابا حاضر. لو عاوز الدخلة كمان ساعة انا جاهز
ضحك حسين بصوت مرتفع، ثم نادى على زوجته بصوت مرتفع، دخلت والدته ولحقت بها فرحة التي قالت:
ايه ده بابا بيضحك بصوت عالى. أكيد في حاجة كبيرة.

نهض حسين من مكانه وتوجه إليها واحتضنها وهو يقول: - عقبالك لما افرح بيكى انتِ كمان
نظرت له زوجته بتسائل وقالت: - هي كمان؟
أومأ برأسه قائلا: - أيوه يا عفاف هي كمان. أصل خلاص عبد الرحمن لقيناله عروسة
أبتسمت في حيرة وهي تقول: - عروسة مين يا حاج؟
قال بابتسامة مشرقة: - إيمان...
ثم تابع بحنين بالغ: - بنت اخويا الله يرحمه
أنتفض عبد الرحمن للمرة الثانية على صوت الزغاريد الذي أطلقتها والدته فجأة.

أصفر وجهه وقال: - دى تانى مرة أتخض في نفس القاعدة، على فكرة انا كده مش هشرفكوا خالص
قبلته والدته واحتضنته وانقضت عليه فرحة بسعادة هاتفة: - مبروك يا بودى مبروك مبروك.
قال بسخرية: - كل ده ولسه العروسة متعرفش أصلا. وعلى فكرة احتمال كبير ترفضنى
قالت عفاف بلهفة: - انا هطلعلها دلوقتى.

أوقفها حسين قائلا: - لا محدش هيكلم إيمان غيرى. انا عمها وعارفها كويس. أطلعى يا فرحة ناديهالى واوعى تلمحيلها بأى حاجة. مفهوووم
هتفت فرحة وهي تعدو: - مفهوم يا باباااا.
طرقت فرحة على الباب وعندما فُتح أطرقت برأسها في حياء وقالت: - أزيك يا بشمهندس. ممكن تناديلى إيمان لو سمحت
أبتسم قائلا في حب: - طب وانا منفعش
تضرج وجهها بحمرة الخجل وقالت: - لا الصراحة مينفعش خالص
جاءت إيمان وهي تقول مداعبة: - مينفعش أيه؟

قالت فرحة بسرعة: - إيمان بابا عاوزك تحت ضرورى جدا خالص
أبتسم ايهاب وقال بتفكه: - ضرورى جدا خالص. كل أدوات التأكيد اللى في اللغة
طب ثوانى يا فرحة هروح البس الأسدال وجاية على طول
أرتدت ايمان إسدال الصلاة وهبطت بصحبة فرحة الى شقة عمها، أشارت فرحة إلى غرفة المكتب وقالت:
بابا مستنيكى في أوضة المكتب
طرقت إيمان ثلاث طرقات خفيفة ودخلت، قال حسين بابتسامة عندما رآها: - أدخلى يا ايمان واقفلى الباب وراكى.

ثم اشار لها بالجلوس فقالت: - خير يا عمى؟
أبتسم بحنان وقال: - قوليلى يا إيمان انتِ بتثقى فيا؟
طبعا يا عمى
يعنى متأكدة انى عاوز مصلحتك وانك عندى زى ولادى بالظبط؟
أرتفع حاجبها بابتسامة حائرة وقالت: - أكيد يا عمى مفيش عندى شك في كده. بس حضرتك بتسألنى ليه
هقولك بعد ما تردى عليا...
نظرت له متعجبة وقالت: - ما انا رديت يا عمى
صمت للحظات ثم قال ببطء: - أيه رأيك في ولادى. يعنى شخصيتهم. تربيتهم. اخلاقهم.

زادت حيرة إيمان أكثر وأكثر، لا تعلم سر هذه الأسئلة ولكنها مضطرة للرد عليها، قالت:
ماشاء الله يا عمى ولاد حضرتك أحسنت تربيتهم. وأخلاقهم فوق الوصف ربنا يخاليهوملك
أتسعت ابتسامته وقال: - ريحتى قلبى يابنتى. كده بقى ندخل في الموضوع على طول
صمتت إيمان وتركت له المجال لمتابعة حديثه فقال بشكل مباشر: - أيه رأيك في عبد الرحمن ابنى
أرتبكت وقالت بتردد: - من ناحية أيه؟
قال مباشرة: - لو اتقدملك تقبليه؟

وقفت إيمان في خجل وأطرقت برأسها ولم ترد، نهض عمها ووقف إلى جانبها ولف ذراعه حول كتفها قائلا:
يابنتى انا عاوز رأيك بصراحة. متكسفيش مني. لو شايفاه ميصلحش قوليلى لاء. ليكى مطلق الحرية ده جواز مش لعبة، طال صمتها مما جعله يشعر بالقلق فقال:
أنا بس عاوز اقولك ان عبد الرحمن متربى ومواظب على صلاته وبيقوم بكل الفروض اللى عليه. وعمره لا مسك سيجارة ولا غيره. وطبعا انتِ عيشتى معانا فترة وشوفتى تصرفاته.

ثم تابع بتنهيدة قلقه: - ولو وافقتى هتريحى قلبى يا إيمان. أنا عاوز اطمن عليكى انتِ واختك قبل ما اموت
قالت بلهفة: - بعد الشر عليك يا عمى. ربنا يديك طولت العمر وحسن العمل يارب.

تابع حديثه قائلا: - عاوز اطمن عليكى مع راجل عارف انه هيصونك لانك في الآخر لحمه ودمه. وتفضلى وسط عيلتك الكبيرة دى ومتسبيناش أبدا. نبقى حواليكى دايما وانتِ عارفة عفاف بتحبك ازاى وهتراعيكى وهتبقى غلاوتك عندها من غلاوة فرحة وانتِ عارفاها طيبة ازاى
زاد شعوره بالقلق لطول صمتها مرة أخرى فقال: - ها يابنتى مردتيش عليا ايه رأيك
قطعت صمتها وقالت بحياء: - طيب حضرتك ادينى فرصة أفكر واستخير وآخد رأى اخويا.

ابتسم لها قائلا: - يومين كويس
قالت على الفور: - لا يومين قليل أوى. يعنى. مش أقل من أسبوع كده
خلاص نقسم البلد نصين نخاليهم أربعة. خلاص اتفقنا مش عاوز مقاوحة تانى يالا اتفضلى
خرجت إيمان من غرفة المكتب تنظرت حولها بحذر، ثم هرولت سريعا إلى الأعلى حيث شقتها وقلبها يخفق بشدة، نظر لها إيهاب وهي تغلق الباب خلفها وتحاول أن تتنفس بصعوبة، قلق عليها واقترب منها مطمئنا:
مالك يا إيمان في حد ضايقك.

تضرج وجهها بحمرة الخجل أكثر وهي تقول: - لا أبدا
اومال مالك كده وشك أحمر وزى ما يكون حد بيجرى وراكى
صمتت وذهبت لتجلس حتى تستطيع تنظيم طريقة تنفسها، ذهب خلفها في حيرة وجلس بجوارها ونظر إليها ينتظر أجابتها، خرجت مريم من غرفتها فوجدتهما هكذا فاقتربت وجلست بجوار أختها وهي تقول:
مالكوا في أيه؟
قال إيهاب بنفاذ صبر: - ما تكلمى يا إيمان ساكتة ليه.

ارتبكت بشدة وهي تقول بخجل: - عمى. عمى بيقولى أيه رأيك في عبد الرحمن
قال إيهاب بعدم فهم: - مش فاهم يعنى أيه. رأيك فيه ازاى يعنى
أطرقت برأسها تحاول أن تجد كلمات مناسبة، وفجأة صفقت مريم بيديها بابتسامة كبيرة وهي تقول:
يا إيمان يا جامد. معقوله يا إيهاب مفهمتش ده انا فهمت.
واكملت بشغف: - عبد الرحمن عاوز يتجوز ايمان ها فهمت ولا نقول كمااان
قطب جبينه في تفكير وقال: - صحيح الكلام ده يا إيمان.

أومأت برأسها مؤكده كلام مريم فقال بنزق: - وعمى ليه مكلمنيش انا الأول
قاطعته مريم قائلة: - ازاى يعنى يقولك انت الأول. مش لما يعرف رأيها الأول يبقى يكلمك ويتفق معاك
أومأت ايمان مرة أخرى وقالت بخفوت: - أيوه هو برضة قالى كده
قالت مريم بسعادة: - وانتِ قولتيله أيه يا إيمان موافقة طبعا مش كده
قالت إيمان بنفس الخفوت: - قلتله عاوزه وقت افكر واستخير ربنا.

نهض إيهاب وهو يقول: - خلاص اللى فيه الخير يقدمه ربنا. استخيرى. بس لما توصلى لنتيجة تقوليلى وانا هبلغه بالرد
وافقته إيمان بإماءة من رأسها وقالت مريم: - بطل تحبكها يا إيهاب ده عمنا. يعنى في مقام ابونا الله يرحمه. مش راجل غريب وناس غريبة عننا نتعامل معاهم بالشكليات دى
قال إيهاب متعجبا: - يا سلام. من أمتى بقى العقل ده
ثم أردف وهو يتجه للباب: - أنا ماشى دلوقتى علشان عندى مشوار شغل مهم أوى.

بمجرد أن أغلق إيهاب الباب خلفه أمسكت مريم ذراع إيمان واجلستها في مواجتها وقالت وهي تصطنع الجدية:
أعترفى بسرعة...
قالت إيمان بدهشة: - أعترف بأيه يا مجنونه
نظرت لها مريم بعين مفتوحة والأخرى مغمضة وقالت بمكر: - أيه اللى خلاكى تغيرى رأيك. مش قلتى انا عاوزه اتجوز واحد ملتزم
سعلت إيمان وانشغلت بطرحت اسدالها حتى تتحاشى النظر لمريم وقالت: - أنا لسه موافقتش يا مريم. انا لسه هستخير.

أمسكت مريم وجهها بيدها وقالت: - اومال ليه كده خير اللهم اجعله خير شكلك زى ما تكونى موافقة. وبعدين عبد الرحمن مش ملتزم زى ما انتِ عاوزه.

أبعدت ايمان وجهها وقالت: - بصى انا كمان محتارة لأنه زى ما بتقولى مش ملتزم زى ما انا عاوزه. لكن عموما احنا عشنا معاهم وشوفنا أخلاقهم وهو أخلاقه مش بعيده عن الألتزام. يعنى بيصلى في المسجد وبار بأبوه وأمه ومحترم ومالوش في حكاية مصاحبة البنات والستات والكلام الفاضى ده. مالوش في السجاير ولا في الحاجات الوحشة دى. معاملاته وطريقة كلامه محترمة ده غير انى عارفة عمى مربيه ازاى وبما أن احنا قرايب فأنا متأكدة من أخلاق البيت اللى اتربى فيه هو فيه بس شوية حاجات عاوزه تظبيط.

كانت إيمان تردد على نفسها هذه الكلمات دائما حتى تقنع نفسها بها وهي تتقلب على فراشها ليلا وكأنها تجد مخرجا أو تبريرًا يجعلها توافق على الزواج من عبد الرحمن، فلقد كانت تطلعاتها أكبر من هذا في الزوج الذي تريد.

طوال الأربع أيام لم يحدث أى احتكاك بين مريم ويوسف ولقد ساعد على ذلك البعد أختبارات آخر العام بالنسبه لمريم وفرحة ووفاء، وبعد انقضاء المهلة المحددة واستخارة يومية، أخبرت إيمان أخيها برأيها. فقال بحيرة:
مش عارف يا إيمان يعنى اقول لعمك أيه دلوقتى؟
ايمان: - زى ما قلتلك يا ايهاب قوله انى عاوزه اتكلم مع عبد الرحمن مرة واحدة وبعدين هقول رأيى.

نهض إيهاب ليذهب لعمه ولكن إيمان استوقفته قائلة: - إيهاب، أيه رأيك تطلب أيد فرحة بالمرة
ألتفت إليها في تفكير وقال: - تفتكرى ده وقت مناسب
قالت إيمان بحماس: - طبعا افتكر ونص. وانا عارفة النتيجة من الكنترول مقدما
قال بتردد: - مش عارف يا إيمان. قلقان أوى من الحكاية دى
ربتت على كتفه وقالت: - صدقنى عمك بيحبك جدا وهيفرح أوى بطلبك ده. وفرحة كمان مياله ليك
شرد قليلا وقال: - بس دى بتمتحن دلوقتى.

ابتسمت له قائلة: - خلاص فاضل أسبوع وتخلص امتحانات. وبعدين يا باشا انا لو كنت عارفة انها هتقعد تفكر وتنشغل كنت قلتلك استنى لما تخلص امتحانات لكن انا متأكدة انها هتطير من الفرح وهتتحمس للمذاكرة أكتر
وضع إيهاب يديه في جيبه وقد تبدل حاله في لحظة وهو يقول بغرور مصطنع: - طبعا يابنتى. أخوكى لا يُقاوم
كانت سعادة حسين بالغة وهو يرى على وجه ابنته علامات الرضا بطلب إيهاب للزواج منها وهي تقول بخجل:.

اللى تشوفه حضرتك يا بابا
فى حين قال عبد الرحمن مداعبا: - يا سلام على الأدب. أيه يابنت الأدب ده كله اللى نزل عليكى مرة واحدة
نظرت له نظرة جانبية وهي تقول مهددة: - طول عمرى مؤدبة على فكرة بس انت كنت في البلكونة. هو محدش قالك ولا أيه
ضحك والدها من مداعباتها لأخيها وهو يقول: - مش لسه كنتِ مكسوفة من شوية لحقتى تقلبى.

ثم التفت إلى عبد الرحمن وقال: - ها يا عبد الرحمن وانت فاضى أمتى علشان القاعدة اللى إيمان عاوزه تقعدها معاك
قال عبد الرحمن بعدم أهتمام: - أى وقت يا بابا وياريت لو النهاردة علشان بكرة عندى شغل كتير مش هبقى فاضى
تابع وهو ينظر لوالده في تساؤل قائلا: - بس هي مقالتش هي عاوزانى فإيه بالظبط؟

ألفتت إليه والده متعجبا وقال: - البنت من حقها تقعد معاك قبل ما توافق عليك. وانا الحقيقة مستغرب المفروض ان انت كمان تبقى عندك نفس الرغبة
عانقت عفاف ابنتها عناق طويل وهي تبكى وتقول: - ألف مبروك يا حبيبتى مش مصدقة انى هشوفك عروسة أخيرًا
أعتدلت فرحة وهي تقول باستنكار: - أيه أخيرا دى يا ماما هو انا عندى خمسين سنة ولا أيه
ثم نظرت إلى يوسف الذي كان يتابع التلفاز واجمًا وقالت: - ولا أيه رأيك يا يوسف؟

قال دون أن يلتفت: - اللى انتوا شايفنه اعملوا
جلست والدته بجواره قائلة: - أزاى يابنى. أنت أخوها ولازم يكون ليك رأى
أبتسم ابتسامة باهتة وقال: - إيهاب مفيش عليه غبار ولا هو ولا إيمان وانا أتشرف بيهم بصراحة
نظرت له فرحة بتساؤل وقالت: - ومريم كمان بنت كويسة
أبتسم في سخرية وهو يقول: - لا ومش أى بنت. ونعم البنات.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة