قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن

رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن

رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن

بلحظة كان بدر يقتحم ذلك المكان، ليجد ذلك الرجل يحمل أيسل ببطء شديد وهو يترنح في مشيته، لتستعر نيران غيرته التي اشتعلت بين جنبات صدره وهو يرى ذلك القذر يحملها ويداه تصل لأي جزء من جسدها..!

زمجرة عنيفة تود إختراق حنجرته لتصل للنور، لا يحق لأي مخلوق لمس ما هو له، ما يخصه، يخصه وحده، أيسل أصبحت ملكية خاصة له، النيران التي نشبت بكل خلية بجسده لم تجعل عقله يسعفه ليذكره بمَن تكون ومن يكون وما الظروف التي اجتمعا بها، بل اصبح كالثور الهائج لا يرى سوى الخط الاحمر امامه...
إندفع نحوه يجذبه من ملابسه بعنف ودن أن يعطيه الفرصة كان يكيل له اللكملات ليفرغ به كل غضبه وجنونه وغيرته...

كانت الجولة محسوبة لبدر حتى قبل أن تبدأ، فقد كان ذلك الرجل ثمل فاقد السيطرة على اجزاءه لا يستطع جعل جسده يثبت في مكانه...

فقد الرجل وعيه دون عناء يُذكر، فتركه بدر مرمي ارضًا وهو يبصق على وجهه ويصيح بجنون:
-كلب ابن وخسارة أوسخ ايدي بيك.

ولكن حينما سار خطوتان إنتبه للبنزين المسكوب في كل ركن من ذلك المكان، فعاد ينظر للرجل للحظات ثم تقدم منه ليجذبه من ملابسه نحو الخارج بسرعة ثم رماه في ركن ما في الشارع على بُعد مسافة معقولة من الملهى الليلي، و ركض وبسرعة يعود للملهي ليركض نحو البار ويجلب ماء ثم عاد لأيسل التي كانت مُلقاه ليجلس جوارها بسرعة ثم وضع رأسها على قدمه، وبدأ يلقي ببعض قطرات من الماء على وجهها وهو يضرب على وجنتاها برفق مناديًا:.

-أيسل، أيسل فوقي يلا، أيسل
اعاد الكرة أكثر من مرة، واخيرًا قررت أيسل العطف على بدر الذي كان القلق ينخر روحه نخرًا..!
وتفرق جفناها لتبزغ حياته من بينهما في نفس لحظات بزوغ عينيها البنية التي شابهت وجه القهوة...
ليحيط وجهها بين يداه متنهدًا بعمق، وهو يناديها من جديد بصوت أكثر إصرارًا:
-أيسل، فوقي وركزي معايا يا أيسل لازم نمشي من هنا.

أمسكت أيسل برأسها وهي تعقد ما بين حاجبيها تحاول نثر التركيز والوعي بين بقاع عقلها المظلم في عالم اللاوعي، وما إن إرتكزت نظراتها عليه حتى همست بتعجب مشدوهه:
-بدر! أنت جيت هنا ازاي وبتعمل إيه؟
-زي السكر في الشاي، قومي الله يرضى عنك مش ناقصة غباء.

قالها بدر بتلقائية ونفاذ صبر وهو يمسك جسدها ليعاونها على النهوض، فنهضت هي باهتياج تتفحص ملابسها لتجد كل شيء كما كان فتنفست الصعداء ليسألها هو بقلق يشوبه الحنان:
-انتي كويسة؟
اومأت هي برأسها وتمتمت بخفوت:
-كويسة الحمدلله دايخة شوية بس
لكنها أردفت بعدها بصوت جامد:
-بس أنا مش همشي من هنا قبل ما أكمل اللي جيت عشانه!

لم يكن ينوي محاسبتها في هذا المكان، ولكن يبدو أنها لن ترضخ حتى ينفث بوجهها كل غضبه الأسود الذي يجعل احشاؤوه تتلوى بضراوة وهو يكتمه بشق الأنفس..
وبالفعل أطلق العنان لذلك الوحش الكامن داخله ولم تستكين نيرانه بعد، فراح يزمجر فيها بشراسة وهو يقترب منها خطوة:
-إنتي مجنونة؟ إنتي بكامل قواكي العقلية جيتي المكان القذر ده وشوفي اللي كان هيحصلك لو لا قدر الله كنت اتأخرت شوية!

هزت أيسل كتفاها بلامبالاة ظاهرية بينما داخلها ينتفض جزعًا كلما حاوط عقلها أشباح ذكرى الدقائق الفائتة:
-واديك جيت وربنا سترها الحمدلله.

كز بدر على أسنانه بعنف، يكره دور الباردة الذي تصطنعه، يكره تصنعها للامبالاة بينما هو يرى من هنا قمم جبال ثباتها وبرودها تنهار لتنصهر بين ألسنة اللهب التي تحاوطها من كل جانب...!

ثم هدر فيها بجنون وجسده كله يشع عنف:
-بطلي ام البرود واللامبالاة دي، ولا اه سوري أنا نسيت إنك بتفرحي لما بتلفتي نظر الرجاله وبتفرحي لما بتحسي إنهم هيتجننوا عليكي!

-أنت واحد مش محترم
صرخت بها أيسل ورفعت يدها تنوي صفعه ولكنه كان الأسرع ليمسكها قبل أن تصل لوجهه، ليلوي ذراعها خلف ظهرها وهو يجذبها له ليلتصق ظهرها بصدره دون عناء، لفحت أنفاسه اللاهبة العنيفة جانب وجهها لتشعر بدقات قلبها تتبعثر والفوضى تعم كيانها كله، بينما هو استطرد جانب اذنها بوحشية عاطفية:.

-انا اللي مش محترم ولا انتي اللي انسانه معندكيش احساس ولا دم، مش مدركة انا في الدقايق اللي فاتت حسيت بإيه وأنا شايف حيوان سكران شايلك وانتي مغمى عليكي ومعرفش إيه اللي حصل وعمل فيكي إيه، لمسك ولا لا؟ عراكي عشان يرضي غريزته القذرة ولا لسة؟!
كانت أيسل تتنفس بصوت مسموع، تدرك مدى عمق جرحه الذي يتناثر نزيفه بين حروفه، تكاتلت عليه وحوش الغيرة التي غذاها ذاك المشهد لتمزقه ببطء وبقسوة...!

ولكن لن تتراجع وتخمد نيرانها هي حتى تتم ما جاءت من أجله، فابتلعت ريقها قبل أن تتشدق بصوت مبحوح تتمنى أن يفهم ما تعانيه:
-أنا مش هقدر أمشي لو معملتش كده يا بدر افهمني بليز
أخذ بدر زفير عميق قبل أن يفلت يدها من بين قبضته القاسية ببطء فاستدارت هي لتصبح في مواجهته، امامه تمامًا ولا يفصلهما شيء...

هنا، حيث السكون، حيث لا يدوي صوت سوى صوت أنفاسهم اللاهثة، حيث عينيها المُخضبة بالوجع حين تمتزج بعيناه السوداء العميقة في وصال حار مُهلك من العاطفة جعل الدنيا صغيرة جدًا خلال تلك اللحظات في نظرهما...
لتهمس هي قاطعة ذلك الصمت، بصوت متهدج، مبعوث من رماد الألم بعدما حُرقت بقسوتهم مرارًا وتكرارًا:.

-أنا لازم اوجع قلبهم على المكان القذر ده زي ما وجعوا قلبي بقسوتهم وجحودهم، لازم أحرق المكان ده علشان يعرفوا إن القرف ده ممكن يغور وميبقالوش وجود في أي لحظة، لكن أنا لأ، انا بنتهم من لحمهم ودمهم، أنا اللي هفضل باقية ليهم!
لم يملك بدر سوى أن يومئ برأسه مؤكدًا، لا يستطع ألا يوافقها وهو يراها تفرش أمامه ولأول ما يجول بصدرها ويجعل قلبها يضخ ألمًا بدلاً من الدم...!
ثم خرج صوته حازمًا اجشًا وهو يخبرها:.

-بس انتي هتخرجي وهتتفرجي من بعيد وانا اللي هولع وهنمشي على طول
فهزت رأسها بسرعة مستنكرة وبإلحاح تابعت:
-أنا اللي هولع بليز يا بدر، لو سمحت سيبني اعمل اللي هيريحني!

نظر بدر يمينًا ويسارًا ولحسن الحظ لم تكن توجد كاميرات كما خطر بباله، فامسك بيدها الصغيرة بقبضته بإحكام ثم سحبها للخارج بهدوء حتى أصبحوا على أعتاب ذلك المكان لتقف أيسل اولاً وبدر خلفها، أمسكت عود الكبريت ثم أشعلته لتلقيه بعيدًا عنهم بخطوات وبلحظة ودون ذرة تردد...
وفي تلك اللحظات تشكلت علاقة عكسية، إشتلعت النيران بذلك المكان ليصبح الرماد المتبقي منه تميمة تُحيي روحها هي من بعد موتها...

حاول بدر سحبها ولكنها كانت متيبسة ترفض الخضوع وتحدق بتلك النيران بوله وكأنها السكين الذهبية التي نالت بها قصاصها...
ليردف بدر بحدة مُحذرًا إياها:
-يلا يا أيسل أكيد الناس هتتلم دلوقتي اول ما يحسوا بالحريق
اومأت أيسل برأسها بسرعة:
-طيب يلا.

ولكنها حينما تحركت لم يسعفها الحذاء ذو الكعب العالي والبنزين المسكوب ارضًا لتلتوي قدمها وتسقط ارضًا لتمسها تلك النيران للحظات معدودة من الزمن ولكنها صرخت بألم وهي تبتعد بسرعة في نفس اللحظات التي سحبها بدر بها بقوة...
ليمسكها من كتفاها برفق متساءلاً بنبرة نضحت منها اللهفة والقلق:
-انتي كويسة؟ النار طالتك؟
فأومأت هي بألم وهي تمسك ملابسها عند ظهرها، ثم غمغمت عاقدة حاجبيها:
-أيوه إتلسعت بس بسيطة يلا نمشي.

وبالفعل غادروا معًا بسرعة قبل أن يأتي أي شخص...

في القرية...
تحديدًا في غرفة قاسم البنداري...
كان طريح الفراش، ممسكًا بصورة متهالكة وقديمة جدًا لشابة في العشرينات من عمرها، وضعها جوار قلبه وهو يتحسسها متمنيًا لو كان القدر سنح له ليتلمس ملامحها المشرقة يومًا ما...!

خرج صوته حاملاً الاشتياق، ذلك الشعور المتزايد حد الوجع، حينما تشتاق وتجن معاقيل روحك لروح لم تعد في دنيانا، ولم يمهلك القدر فرصة لتنتشل بضع ذكريات من مخالبه لتعيش عليها، بل تركك خالي الوفاض، تعاني مرارة الأمرين والاشتياق مشتركًا بينهما...!
-وحشتيني يا زينب، وحشتيني وهتفضلي وحشاني لحد ما اجيلك
ثم هز رأسه ليكمل بوجع:.

-بس انتي مش وحشاني من يوم ما مُتي بس، لأ يا زينب إنتي وحشاني من يوم ما أخبارك إتقطعت عني، من يوم ما اتجوزتي راجل تاني واتحرمتي عليا!
ثم إرتسمت ابتسامة عرجاء ضعيفة على ثغره وهو يستطرد بذات النبرة:
-بس تعرفي يا زينب، بنتك مش شبهك، ممكن تكون شبهك في الشكل، لكن الروح لا، بتك قوية وشرسة وقادرة تدافع عن الراجل اللي بتحبه ماستسلمتش للواقع، بتحارب وهتحارب
ثم هز رأسه بصلابة ليكمل وكأنه يوعدها ويطمئنها:.

-بس متقلقيش، أنا شايلها فوق راسي والله، عارف إن يونس ابني عنيد وبيقسى عليها حتى لو حاول مايبينش قدامنا لكن والله من جواه حنية الدنيا
وعادت تلك الابتسامة للظهور وهو يردد بشجن:.

-تعرفي يا زينب، من اول لحظة لمحتها فيها في اليوم اياه لما حصل الموضوع اياه بينها وبين يونس، وانا لاحظت الشبه الواضح بينكم، وماكدبتش خبر وخليت معارفي يجبولي من الشغل اللي كانت فيه كل المعلومات عنها وشهادة وميلادها وكل حاجة، ومن اللحظة اللي عرفت فيها إنها بنتك وانا قررت إن يونس لازم يتجوزها، مع اني مش مصدق إن يونس يعمل فيها كده، انا ماربيتوش على كده يا زينب، لكن ماسبتش للشيطان سبيل وقولت لازم اجوزهم ولو ليهم نصيب في بعض ربك قادر يربط خيوطهم ببعض.

ثم هز رأسه بسرعة:
-ماكنتش اقدر أظلمها وأخليها تعاني زي ما انتي عانيني يا زينب، انا اسف يا زينب، انا اسف يا غالية
فرك عيناه بعنف يمنع تلك الدمعة التي كانت تلح ليطلق سراحها من بين جفناه، ولكنه أبى، فتابـع بصوت حاني وبنبرة مختنقة:
-بس انا بحبها، اوعي تكوني مفكره إني بكرهها علشان هي مش مني، لا، انا بحبها عشان هي بنتك انتي، كل ما اشوفها هشوفك فيها
ثم عاد ليتحسس الصورة متمتمًا بصوت يكاد يسمع:.

-انا اسف، سامحيني يا زينب، سامحيني يا حبيبتي!

عودة للقصر...
وصل كلاً من أيسل وبدر، فنهضت فاطمة التي كانت تنتظرهم على أحر من الجمر لتركض نحو أيسل صارخة بفرحة وقد تهللت أساريرها:
-أيسل، وحشتيني اليوم ده يا حبيبة ماما
فاحتضنتها أيسل بقوة تغرق نفسها بين أحضانها الدافئة وقد بردت من قسوة وجفاف الوحدة..!
وهمست بابتسامة واهنة:
-وانتي كمان وحشتيني اكتر يا مامتي
رفعت فاطمة رأسها لتتفحصها بقلق ليطمئن قلب الأم الملتاع داخلها:.

-إنتي كويسة يا قلبي؟ عملتي إيه في اليوم ده؟ وأكلتي كويس ولا لأ؟ اوعي يكون حد ضايقك هناك؟
فهزت أيسل رأسها وبهدوء ورقة راحت تطمئنها:
-انا كويسة يا حبيبتي متقلقيش ومحدش ضايقني ولا حاجة واكلت
لم تُخفى عن بدر تلك الاختلاجة اللحظية في ملامحها حينما سألتها فاطمة عن إزعاج أي شخص لها، فتنافرت عروقه وذلك المشهد يعاود غزو مخيلته ليكتسحها من جديد مخلفًا خلفه مشاعر عنيفة وعاطفة متأججة...

إنتبه حينما إلتفتت فاطمة له لتردد له بامتنان حقيقي:
-من وقت ما شوفتك طالع في الوقت ده كنت متأكدة إنك رايح تجيبها، شكرًا يا بدر شكرًا جدًا
فتنحنح بدر بحرج مجيبًا:
-مش محتاجة شكر يا ست فاطمة، انا عملت اللي أي راجل مكان كان هيعمله وكمان احنا بينا إتفاق!
اومأت فاطمة وهي تربت على كتفه بابتسامة حلوة:
-بس برضو لازم اشكرك، ربنا يحفظك لشبابك.

بادلها بدر الابتسامة المُجاملة ولم يُعلق، ثم لاحظ تشنج ملامح أيسل وهي تمسك ظهرها، ليبتلع ريقه بعدها متمتمًا في هدوء:
-بعد اذنك يا ست فاطمة عايز أتكلم مع أيسل في حاجة بس.

اومأت فاطمة برأسها موافقة، ليسحب بدر أيسل من ذراعها برفق متوجهًا بها نحو غرفتها وبيده الكيس الذي به المرهم الذي سيضعه لها، حمد الله أن مريم لم تكن موجودة في إستقبالهم الان ويبدو أنها نامت لحسن حظه وإلا لكانت اضجرته بمشاجراتها وكلامها الذي أصبح يثير حنقه مؤخرًا...

دلفت أيسل اولاً لغرفتها، ثم وقفت أمام الباب لتمد يدها له متسائلة بهدوء:
-شكرًا يا بدر، فين المرهم بقا عشان ادهنه انا مش عايزه أتعبك اكتر؟
فرفع بدر حاجبه الأيسر مستنكرًا:
-نعم ياختي! أخرتها شكرًا يا بدر وبتطرديني من اوضتك بعد الفيلم الاكشن اللي عملناه سوا من شوية ده؟! والله ما حد داهنلك المرهم ده غيري انتي بتقولي إيه!

ثم دفعها برفق ودلف ليغلق الباب خلفه، فسألته أيسل و دبشها يتقافز من حروفها وهي تردد بتوجس:
-أنت دخلت ليه؟ اطلع برا انا اللي هادهنه لنفسي يا قليل الأدب
كاد بدر يضحك ولكنه تمالك نفسه ليخبرها بجدية:
-صدقيني هدهنهولك عشان مش هتعرفي تدهني لنفسك ده في ضهرك، وهطمن انها حاجة صغيرة وخارجية وهطلع على طول!
للحظات زاغت عينـا أيسل بتردد ولكن الخجل جعلها تهز رأسها نافية بإصرار:
-لأ برضو اطلع برا انا هتصرف وهدهنه.

فاقترب منها يسألها بتهديد عابث:
-هتقعدي زي الشاطرة وترفعي التيشرت وتخليني ادهنهولك بما يرضي الله ولا أجي ارفعه انا وادهنهولك برضو بما لا يرضي الله؟
جلست أيسل على الفراش على مضض، ثم رفعت التيشرت بتذمر تقنع نفسها أنه سيرى جزء من ظهرها فقط ولن يحدث شيء سيمر الامر خلال لحظات...!

ولكن ما إن جلس بدر خلفها ووضع ذلك المرهم وبدأت أصابعه تتلمس ظهرها ببطء شديد حتى بهت كل شيء أقنعت به نفسها، شعرت أن دقات قلبها تثور وتتجمهر بعنف بين جنبات صدرها، ودوار حاد من المشاعر يُداهمها...

بينما بدر يلعن نفسه ويلعن تهوره الذي دفعه لفعل تلك اللعنة، تعالت أنفاسه وهو يحس بدماؤوه تغلي بين شرايينه وتلك العاطفة تتأجج من جديد بشعور لذيذ ومُهلك...
يشعر أنه أحس بملمس النعيم الذي يفصل بينهما أميال وعوائق شتى، النعيم الذي سيحترق بلظى الشوق حتى يصل له...!

وما إن إنتهى أجبر نفسه على الابتعاد لينهض محاولاً لفظ تلك المشاعر من شرنقة جوارحه الحارة، يهز رأسه وهو يقنع نفسه أنه رجل، وهي أنثى، ومن الطبيعي أن يتأثر بأنوثتها!..
يحاول تذكير نفسه أنها أيسل، تلك الفتاة الأنانية القاسية التي ترضى الاذى لغيرها...

بينما هي مغمضة العينان مأخوذة بتلك العاصفة العنيفة من المشاعر والتي لم يُخرجها منها سوى صوت بدر وهو يقول بخشونة:
-خلاص كده خلصت
اومأت هي برأسها موافقة ثم همست بنعومة:
-شكرًا يا بدر
ثم حاولت تغيير الموضوع فقالت متسائلة بابتسامة لم يراها وهي تعطيه ظهرها:
-مقولتليش يا بدر، أنت روحت هناك ليه؟
-يعني إيه ليه! هو إنتي كنتي عايزاني ماروحش؟
فهزت رأسها نافية:
-لأ بس متوقعتش إنك تيجي، جيت ليه اصلاً؟

فأجابها بعنفوان:
-عشان أي راجل شرقي عنده دم مش هيسيب واحدة مكتوبة على أسمه تبات في مكان زي ده، حتى لو كان إيه!
حينها نهضت أيسل تقترب منه، حتى وقفت أمامه مباشرةً تكاد تكون ملتصقة به، لتنظر لعيناه محدقة بها بثبات ثم سألته من جديد بنعومة:
-بس كده؟
فعاد بدر خطوتان للخلف، يكفيه ضعفًا امام مشاعره الرجولية، يجب أن يضع ماهيتها التي يكرهها دائمًا نصب عيناه!..
ثم هز رأسه مؤكدًا بهدوء وجمود:.

-ايوه كده، حتى لو انتي فيكي كل العبر متنسيش انك مراتي وكان لازم اعمل كده، ومتنسيش إن بينا إتفاق يا أيسل هانم!
قال اخر كلماته ثم استدار ليغادر في هدوء، مخلفًا بعده سكون تاااااام، وها قد عدنا لنقطة البداية...!

في القرية...
دلفت ليال لغرفتها تنظر يمينًا ويسارًا خشية من تواجد أي شخص، لتخرج هاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين، فأجابت بضجر:
-ايوه
-ايه يا ليلو مش عايزه تردي عليا ولا إيه!؟
فزمجرت فيه ليال بصوت منخفض:
-أنت عايز إيه تاني؟
ليرد هو ببرود:
-عايز الفلوس اللي قولتلك عليها
-منا قولتلك اصبر عليا شوية.

-مش هينفع انا محتاج الفلوس دي ضروري حياتي متوقفة عليها، وبعدين دا انتي متجوزه يونس باشا البنداري بجلالة قدره مش هتعرفي تتصرفيلي في كام الف!
-اوف منك، قولتلك الوضع متزفت بيني وبين يونس مش هعرف
-مليش فيه اتصرفي، الفلوس تجيني خلال يومين ماذا وإلا يونس باشا حبيب القلب هيعرف كل حاجة من طق طق لسلامه عليكوا وهيعرف أصل الحكاية كلها وهيعرف مين اللي زقك عليه!

تأففت ليال والقلق يساورها حيال ذلك الحقير ومما ممكن أن يفعله، فقالت بعدها:
-صدقني يونس حتى مش بيخليني اخرج عشان اعرف اقابلك!
وفي تلك اللحظات تحديدًا وعلى ذكر يونس كان يقتحم الغرفة بعنف وهو يقترب منها مزمجرًا بشراسة والشك يقطر من حدقتاه:
-انتي بتكلمي مين ومش عارفه تشوفيه؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة