قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثلاثون والأخير

رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثلاثون والأخير

رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثلاثون والأخير

بعد مرور ساعات...
وصل جسار منزله ركضًا، لم يتخيل ماذا عساه أن يفعل إن اصاب تلك المعشوقة مكروه؟!..
لمن سيخرج ذلك النفس الذي يغادر صدره، ولمن سترقص تلك الدقات التي تؤرق قلبه!..
طرق الباب بقوة وهو ينادي على نور:
-نووووور، نوووور افتحي
مرت دقائق قليلة مرت عليه كساعات في الجحيم ليجد الباب يُفتح ووالدته تهتف مستنكرة رؤيته الان:
-جسار! أنت جيت امتى يا حبيبي؟

دفعه بهدوء من امامه ليدلف مسرعًا وعيناه كجندي لا يبحث في ساحة الحرب الا عن حياته!..
وجد غرفة حسام مفتوحة فركض مسرعًا ودلف لها ليرى ما هو الوضع عليه..
نور في نفس موضعها على الفراش تبكي بقوة وتلك السيدة امامها تجلس بهدوء غريب...
ركض نحو نور ليجعلها تنهض وهو يأخذها بأحضانه متمتمًا بصوت به بحة الصدمة:
-هششش اهدي انا معاكِ خلاص محدش هيأذيكِ اهدي
ولكن بكاؤها ازداد بمجرد أن اخترق عطره أنفها وتنبهت لوجوده...

وجوده أنار تلك الربطة العصيبة التي كادت تخنقها بظلامها!..
فظلت تردد اسمه دون توقف وهي تحتضنه باكية..
نهض معها ليغادروا تلك الغرفة، ثم دلفا معًا الى غرفة جسار ليجلس نور هامسًا بحنان:
-استنيني دقيقة واحدة راجعلك تاني
وبالفعل غادر متجهًا للخارج..
وبمجرد أن رأى تلك السيدة إنفجر كالأعصار الذي اصبح يهدد سير الرياح الطبيعية:
-اطلعي برا يا ست إنتِ، برا إياكِ تعتبي عتبة البيت دا تاني عشان ماطلبش لك البوليس!

مطت السيدة شفتاها مرددة بامتعاض:
-والدتك هي اللي طلبتني يا استاذ، وعلى العموم مش هاجي هنا حتى لو بتموتوا!..
ثم أسرعت تغادر بغيظ، حينها إلتفت جسار نحو والدته التي كان التوتر يتآكلها كمن ينحت في جماد صلابته واهية!..
هتف بخشونة قاسية:
-هي دي الأمانة اللي سبتهالك!؟ هو دا الشيخ اللي وصيتك تجيبيه، جيبالها دجالة وربطاها زي البقرة ف السرير!؟
حاولت التبرير بسرعة:.

-دا عشان لو حصل حاجة ماتحاولش تضربنا او تهرب بس!
عندها تحررت كل شياطينه...
وإنتفخت اوداجه كمن على وشك القتل في التو واللحظة وهو يزمجر بعصبية مفرطة:
-انتوا اللي مجانين مش هي، انتوا اللي محتاجين تتعالجوا، على الاقل هي في واحد ربنا يرحمه هو اللي عملها النيلة السحر دا، إنما انتِ ايه؟ مش المفروض إنك مؤمنة وعارفة إن القرآن والدين أنسب علاج من التخاريف دي!..
بدأت تذرف الدموع...

ربما تكون اخطأت، ربما تكون لم تصب هدفها...
ربما أضلت الطريق المرسوم بحديد راسخ...
ولكن تلك الاخطاء لم تُخلق الا من درع خوفها على ولدها الوحيد!.
إنتبهت لقول جسار الذي أكمل بحدة عدائية واضحة:
-ملكيش دعوة بيا او ب نور بعد كدة، اكيد مش هتبرى منك بس مش هنسالك إنك ماوقفتيش جمبي ف وقت انا محتاجك فيه!..
ثم غادر ليعود لتلك المسكينة بالداخل...
وجدها منكمشة على نفسها تبكي بقهرة جعلت من قلب جسار أشلاء صغيرة...

ليحتضنها بسرعة متمنيًا لو استطاع ادخالها داخله ليحميها دومًا...!

بعد مرور ثلاث اسابيع...
كانت فجر تنظف المنزل وصوت الأغنية المصرية الشهرية يا بتاع النعناع يصدح من هاتفها في الأرجاء...
كانت متكأة تمسح الارضية وتتمايل بخفة مرددة بابتهاج:
-يا بتاع السكر يا مسكررررر، كل يوم ف حبيبي بفكر!
وفجأة وجدت من يحيطها من الخلف مغمغمًا بصوت أجش:
-بتفكري فيه لية وهو جمبك اهو؟!
شهقت هي بعنف وهي تنتصب في وقفتها مغمغمة بفزع:
-الله يخربيتك قطعت الخلف، حسبي الله.

ضحك ليث بخشونة وهو يراقبها...
كانت ترتدي جلباب قصير يصل حد الركبتين وضيق جدًا يرسم مفاتنها وشعرها مفرود بعشوائية على ظهرها وحبات خفيفة من العرق تتساقط منها...
مد يده بحنان يمسح وجهها وهو يهمس بصوت هادئ:
-ربنا يعينك يا حبيبي
عضت هي شفتاها وهمست بتلقائية رغمًا عنها ساخرة:
-تراني اتأثرت، لا لا انا مش واخدة على الحنية دي!
اتسعت ابتسامته المرحة ثم اتكأ بجذعه ليحملها فجأة مرددًا بصوت أجش:.

-فعلًا، الست اصلًا عايزة عربجي عايش معاها، وترجعوا تشتكوا من ارتفاع نسبة الطلاق
ظلت تضربه على ظهره وتتشدق وسط ضحكاتها التي لونت لوحة جديدة مشرقة لينبوع جديد من حياتهم:
-طب نزلني عايزة اكمل تنضيف قبل ما مامتك تيجي
هز رأسه نافيًا وراح يستطرد بخبث عابث:
-وانا في حاجات كتير عايز أكملها قبل ما مامتي تيجي وحياتك!
دلف الى الغرفة ليضعها على الفراش بهدوء، أبعد تلك الخصلة عن عيناها وهو يسألها مشاكسًا:.

-عارفة مين جاي النهاردة؟
سألته بسرعة:
-مين؟
اقترب منها برفق يلثم رقبتها بعمق جعل قشعريرة باردة تسير على طول عمودها، ثم همس:
-هقولك بعدين، الموضوع دا اهم
حاولت ابعاده عنها وهي تعاود سؤاله بأصرار:
-لا قولي دلوقتي ميييين!؟
أمسك يداها معًا يكبلهم بيد واليد الاخرى تفرد شعرها واصابعه تتغلغل بين خصلاتها...
يغرق في رائحة شعرها التي تجعله كالثمل لا يعي الدنيا وما فيها..

شفتاه تبحث بتلقائية عن مرمى شفتاها التي كانت كبئر يرتوي العطش منه، عفوًا بل يرتوي هو وحده منه...
أصبح يلتهم شفتاها بجنون ما إن لمسها، دائما ما يفقد سيطرته تحت تأثيرها...
يحترق شوقًا لها وهي تشعله بلهيبها اكثر!..
ابعدته عنها اخيرًا ليرد هو بسرعة:
-باباكِ واختك جم من السفر عرفت إنهم كانوا مسافرين لان باباكِ كان ف شغل بس خلص ورجعوا ورحت عزمتهم على فرح جسار اللي حكتلك عنه عشان نشوفهم ونخرج معاهم بالمرة.

ثم لم يعطها الفرصة فعادت قبلاته الساخنة تُلهب وجهها كله، ثم انتشرت اكثر ليقبل كل ما تطوله شفتاه...
بينما يداه تعرف عملها جيدًا فتزيح ذاك الثوب الذي يعيق ما يريده...!

كانت ترنيم في غرفتهما في صعيد مصر...
عادت لتعيش مع صقر ولكن في منزل منعزل عن منزل والده، لم تتصافى مع والدته كليًا ولكن كشكر لله عن إعادته لبصرها قررت العفوا عن كل من اخطأوا بحقها...!
كانت تهندم نفسها مرتدية قميص نوم حارق ومغري بجنون متيقنة من انه سيزيد جنون صقر بها..
نظرت في المرآة لرسمة الحنة التي نقشتها اليوم وهي تبتسم بسعادة..
وبعد دقائق سمعت طرقاته على الباب فهمست بهدوء:
-ادخل يا حبيبي.

دلف بالفعل ليقع قلبه صريع تلك اللحظة، خطفته وسلبت أنفاسه ككل مرة تفاجئه بطلتها المغيبة للعقول...!
كان يقترب منها ببطء مرددًا بعبث:
-صلاة النبي احسن، هو النهاردة ليلة العيد ولا ايه؟!
اصبحت امامه فطوقت عنقه وهي تشاكس أنفه بأنفها مجيبة بنعومة:
-لا النهاردة ليلتنا يا ابو العيال
ثم عادت لجديتها تسأله مضيقة عيناها:
-بس الاول قولي اتأخرت كدة لية معلش؟

تنهد وهو يرد بصوت أجش غير منتبهًا لحديثه بل كل انتباهه فيما ترتديه:
-النهاردة كنت بمسح اخر نقطة وساخة ف حياتنا، الناس اللي هددوني عشان ابعد عنك كانوا عايزين يلهوني عشان الشغل القذر بتاعهم بس، النهاردة البوليس عرف مكانهم واتقبض عليهم، انا كنت على علم بكل خطوة بس كنت بجاريهم مش اكتر، وزمانهم بيدعوا لي في السجن!
ومع اخر حرف له كانت شفتاه تعزف سيمفونية من نوع آخر...

يأكل شفتاها وكأنه سيجن إن لم يفعل، يلتهمها بنهم لا يقل ولا ينقص!..
ابتعدت بعد دقائق لتقول من بين انفاسها اللاهثة:
-طب استنى شوف دي، عملتها عشان فرح جسار ونور
قالتها وهي تستدير لتريه تلك الرسمة على كتفها، فلم يكن منه الا ان قبل تلك الرسمة ببطء شديد أتلف اعصابها!..
ليهمس بصوت خشن من فرط رغبته:
-تحفه، لذيذ، جميل، عايز يتاكل أكل
ضربته على كتفه وهي تبتسم بخبث:
-هي ايه دي يا حبيبي اللي عايزة تتاكل؟ الحنة!؟

-لا صاحبة الحنة
قالها وهو يحملها بين ذراعيه وشفتاه تعانق شفتاها في قبلة شرسة نهمة متطلبة ومشتاقة بجنون...
لينتهي بها المطاف ككل ليلة أنينها يطرب أذنيه وتدون ليلة جديدة من لياليهم الملتهبة...!

خاتمة
بعد اسبوعان...
نهضت نور من مقعدها متأوهة بألم، تتنهد كل ثانية عل ما يجيش بصدرها من أنفاس وجوارح ثقيلة يخف..
إنكمش وجهها بامتعاض وهي تتذكر الجلسات التي كان يُحضر فيها جسار الشيخ ويجبرها على حضورها..
حسنًا هي تعرضت لضغط نفسي جعلها روحها كالكرة المُختزنة، ينقصها وغزة رفيعة من القدر لتنفجر منهارة!..
نظرت لجسار الذي اقترب منها يجلس جوارها، ثم هتف متنهدًا بثقل:.

-خلاص فات الكتير ما باقي الا القليل، فاضلك جلسة واحدة وتبقي عال العال
ومن وسط شرودها، تكورها حول شظايا الحقد التي كانت كالشوك تحيط بجوفها، إنتشلت نفسها بصعوبة لتستطع الهدوء وهي تسأله:
-انا في حاجة واحدة مش قادرة افهمها
همهم بتركيز:
-حاجة ايه يا نوري؟
عضت على شفتاها بقوة تُحارب أعاصير الإنهيار من احتلال منطقة العقل داخلها، ثم بدأت تردف مستنكرة:.

-لية حسام يعمل كدة؟ لية يعملي سحر عشان يربطني بيه وهو عارف اني هعاني بسبب الجنان ده!
هو نفسه لا يدري اصلًا...
جزء ضخم داخله يستنكر فعلة شقيقه، ولكن ظلام الحب داخله يمليه بتبريرات مظلمة مثله!..
عاد ينظر لها مرة اخرى وهو يقول بصوت أجش لم تمت رعشة التأثر به:
-ولية ماتقوليش إنه حاول يوقف السحر ده وعشان كدة اتقلب السحر على الساحر ومات؟!

ظلت تهز رأسها نافية عدة مرات وهي تلقي بنفسها في أحضانه، في الجنة خاصتها تحتمي هناك تحت ظلال عشقه، فهمست ببحة هادئة:
-مش عارفة. نفسي أحط له اعذار بس مش قادرة، سحر! لية هو حسام ماكنش إيمانه قوي لدرجة انه يفكر ف السحر؟
بدأ يربت على شعرها بحنان...
ثم بدأ يُفكر مغمغمًا بعبث لينتشلها من بين دائرة التساؤلات التي لا تنتهي:.

-سيبك أنتِ، الشيخ قال فاضل جلسه بس والحمدلله انتِ بقيتي كويسة يعني ممكن نعملها بعد ما نتجوز
ثم صفق بحماس مرددًا والسعادة تتقافز من بين حروفه:
-وفرحنااااا بقا
ابتسمت وهي تشاكسه ببرود:
-وايه يعني فرحنا!
غمز لها بطرف عيناه هامسًا:
-الفرح، وما بعد الفرح ودي اهم مرحلة بالنسبالي
ضربته على صدره وهي تقول بحرج:
-سافل وقليل الادب ودايمل نيتك شمال عشان كدة ربنا عمره ما هيباركلنا
ضحك وهو يجيب بسرعة:.

-لا اذا كان كدة خلاص بعد الفرح هاجيبك وألبسك اسدال ونقعد نختم المصحف!
تعالت ضحكاتها وهي تحدق به لتظهر والدته من العدم ببطء..
حينها نهضت نور مسرعة وهي تقول موجهة حديثها لجسار:
-طب هاروح اعملك شاي
ولكن قبل ان تغادر وجدت والدته تمسك يدها مغمغمة بصوت مبحوح لم تختفي رنة الرجاء منه:
-استني يا نور انا عايزاكي انتِ
هتفت دون ان تنظر لها:
-اتفضلي؟
عضت على شفتاها، رآن الصمت بينهم كملازم لنسمات الهواء!.

فاستطردت هي دون ان تنظر في أعين كلاهما:
-انا مش عارفة اقول ايه، انا مُحرجة منكم، مُحرجة ابص في عيونكم، انا اسفه، اسفه اوووي يا نور انا كنت انانية وفكرت بعاطفة الامومة بس ف مصلحة ابني، خوفي عليه اللي خلاني اعمل كدة لكن اقسملك بالله اني ماكنش عندي اي نية أذيكي نهائي، سامحوني ولو عاوزيني اخرج من حياتكم هخرج بس اشوف ابني كل فترة واطمن عليه!
تنهدت نور بقوة وهي تخبرها بهدوء:.

-وانا ماطلبتش من حضرتك انك تبعدي عنه اصلا، ده مهما حصل ابنك، بس ياريت حضرتك تحاولي تتجاهليني بس
اومأت الاخرى بسرعة وقد بدأت عيناها تدمع وهي تهمس:
-متقلقيش مش هضايقك خالص
حينها ابتسمت نور برسمية وهي تغادر، هي مضطرة، مجبرة على تمرير تلك الصخرة بين أمواج حياتهم..!
دقيقة ووجدت جسار خلفها يحتضنها بحنان وهو يردد بفخر ؛
-وهو انا بحبك من شويه!

ليلة الزفاف...
كان مبهور بطلتها، عيناه تكاد تقفز محتضنة جمال مظهرها الذي اوقع قلبه لسابع ارض، وسرق انتباهه!
احتضنها ما إن اصبحت امامه، يود ان يُدخلها بين ضلوعه فلا تستطع الهرب منه مدى الدهر...!
دفن وجهه عند رقبتها يهمس بصوت اثار جوارحها المشعثة:
-بحبك، اخيرًا بقيتي ملكي وادام كل الناس دي!
ابتسمت هي بتوتر دون رد...
ليقطع لحظتهم السعيدة صوت ليث وهو يقول بمرح:.

-اسفين لقطع تلك اللحظة، عاوزين ناخد تذكار بس!
اومأ جسار بحماس مرحبًا بتلك الفكرة...
ليُقبل الجميع...
صقر وترنيم التي كانت تسير ويدها على بطنها، فأحاطها صقر برقة لتعترض مزمجرة:
-بطل تكلبشني كأني ههرب منك كدة؟!
غمزها بطرف عيناه ولم يستطع دفن الخبث من نظراته وهو يهمس عند اذنها:
-انتِ لسة هتشوفي الكلبشه اللي على حق ف البيت يا ام العيال
وعلى الجهة الاخرى احتضن العروسان بعضهما...

وجوارهم ليث وفجر التي ازداد نور وجهها لرؤية والدها وشقيقتها اللذان عادا من سفرهما...
لتُلتقط لهم اجمل صورة جماعية..
صورة كانت قصة، قصة بدايتها بضعة حروف كان البغض مُدققها، بينما النهاية اعتزلتها!

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة