قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل العشرون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل العشرون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل العشرون

أسوأ أنواع الخيبات، هي تلك التي تأتي من أقرب الأقربين، ذاك الذي ظننته درعًا وحماية، الذي رأيت فيه أمان وسند، هو الذي يدفع لك بالأذى، تحس حينها بالدنيا كُلها تطبق على أنفاسك وتحرمك حتى حرية التنفس، وترى اسوداد يحيط بكل ما تنظر إليه، إنه شعور الخذل ياعزيزي.

كانت تحمل صغيرها يَزِن فقط، ولكنها تشعر وكأنها تحمل الدنيا كلها.
دخلت منزل والديها وهي تحس بالغربة رغم وجودها بداخل كيان تنتمي إليه، ولكنها شعرت بإنه ليس لها، أغلق ظافر الباب بعد أن ترك آخر حقيبة جانبًا، ثم أردف: - أدخل اغسل إيدك ياعمر وانا هدخل ماما ويزن أوضتهم
- حاضر ياخالو.

حضرت زينب مهرولة، منذ أن علمت بأن ابنتها س تأتي للمكوث في بيت أبيها لأول مرة منذ أن تزوجت وقلبها ضاق عليها بحزن، دنت منها وربتت عليها بحنو وهي تسألها: - تعالي ياحبيبتي، حصل إيه يانور عنيا قوليلي
أذرفت دمعة واحدة كانت على طرف أهدابها، بينما تدخل ظافر و: - بعدين ياماما، بعدين، ياريت بس تحضري حاجه ل عمر عشان مفطرش
- حاضر ياحبيبي حالًا.

ونظرت ببالغ الحزن ل ابنتها، بينما رافقها ظافر لغرفتها وأوصد الباب عليهما و: - ارتاحي ولما تهدي نتكلم في اللي هيحصل الفترة الجاية ياچيهان
ف تركت الصغير جانبًا على الفراش و: - لأ هنتكلم دلوقتي، انت ليه صممت إني آجي هنا ياظافر؟، أنا كنت عايزة أفضل في بيتي وبيت ولادي
- ده بيتك ياچيهان، هنا وسط أهلك، اللي باعك هيعرف إن ليكي بيت وأهل يحضنوكي
أزاحت دموعها و: - بس انا كان عندي أمل آ...

فقاطعها ظافر وقد احتد أسلوبه بسبب سلبيتها التي رآها بها: - مفيش حاجه أسمها أمل، أمل ماتت الله يرحمها يوم ما جوزك اتجوز واحدة تانية عليكي، ده حتى مقالش أعدل بين الأتنين!، طبعًا إحنا مش الأهل اللي نقبل بوضع زي ده، بس يحسسنا إنه باقي عليكي على الأقل.

ثم دنى منها واعتصر جرحها كي لا تترك كرامتها بسهولة: - انتي اتباعتي بالرخيص أوي ياچيهان، انتي والولاد اللي من دمه
تعالت شهقاتها وهي ترمي بنفسها على الفراش، ودفنت وجهها بين راحتيها وهي تجهش ببكاء مرير، ف جلس جوارها وضمها إليه وهو يردف: - بكره يندم على غلطة عمره وإنه ساب واحدة زيك تضيع من إيده.

دفعت يده بعنف عنها وطرقت على الطاولة بدون اهتمام لتواجدها بين العامّة، وصاحت فيه بجنون أصابها: - طالب إيه! طلبك عزرائيل بدري!، انت عايز تخطبني أنا؟
لم يهتم بما يجول حوله من تهامس الناس، وكافح ليكون هادئًا هكذا وهو يجيب: - متقلقيش، أنا وظيفتي وحالتي المادية والنفسية والمهنية والأجتماعية يسمحولي أرتبط ب جنابك يا تمارا هانم، يعني مفيش أي عوائق ولا فروق بعد الشر
- لأ في، فروق عقلية بحتة.

تنغض جبينه وهو يتسائل: - ليه انتي مجنونة ياروحي؟
ضايقها هذا البرود الذي هو عليه الآن، ف قالت ب انفعال لم تواريه: - أنت اللي شرقي متخلف وانا مش هسمحلك تدخل حياتي عشان ترسمها على مزاجك، فاكرني مش عرفاك!

ارتفع حاجبيه مشدوهًا من تلك الفكرة الغريبة التي بُنيّت في عقلها عنه، وتسائل: - انتي مش لوحة عشان ارسمك ياتمارا، مش هنكر إن فيكي حجات لازم تتغير، لكن مش هيكون بالشكل اللي في خيالك
- ولا بشكل تاني
ونهضت ساحبة حقيبتها و: - أنا ازاي كنت غبية بالشكل ده ومفكرتش إنك وراها!
وخرجت، بينما ترك هو مبلغ نقدي على الطاولة ونهض ليكون من خلفها، استوقفها و: - استني هنا أنا اللي هرجعك
- مش عايزة.

فبدأ ينفعل عليها و: - أنا سيبتك تطلعي عصبيتك جوه، أكتر من كده هديكي على دماغك
وفتح باب السيارة و: - اتفضلي اركبي
ف لم تعترض كثيرًا، هي بالفعل تحتاج لمن يعود بها إلى الجامعة ولن تجد وسيلة مواصلات مناسبة هنا، ف خضعت بالأخير واستقرت بجواره، لم تتحدث بكلمة واحدة طوال الطريق، وهو كذلك، شعر بأن الوقت غير مناسب لفتح الموضوع ثانية، عليه بالصبر قليلًا، وتشغيل عقله ليجد حيلة مناسبة يسقطها بها.

كان رستم يفحص الملف الذي بين يديه وهو يتحدث في هاتفه و: - هي دي كل التفاصيل، أتأكد من صحة المعلومة واعرف هي كانت مسجونة في إيه، بس بسرعة الله يخليك ياعبدالله، تسلم ياحبيبي.

أغلق المكالمة ونظر لصورة أثير الشخصية المتواجد بداخل ملفها الشخصي و: - قلبي بيقول إن في حاجه هتطلع من تحت الموضوع ده
أجاب على اتصال زينب و: - أيوة يازينب، وصلت؟، طب انا جاي، لأ لازم اشوف بنتي واتكلم معاها بنفسي، سلام
ونهض مستعدًا للمغادرة وهو يتمتم: - ربنا يرجعك لشغلك بالسلامة يانزار، أحسن انا مش متحمل الضغط ده.

تجول في المكان بعقل منشغل وهم جالسين حوله، يرغب في الإطباق على عنق هذا ال علي ويزهق روحه التي فرطت في غاليته العزيزة.
جلس رستم أخيرًا وتسائل بحزم: - وانتي قررتي إيه؟
نظرت چيهان بعيناها المدمعتين المنتفختين ل شقيقها، ف أومأ برأسه لها لتجيب هي: - هننفصل يابابا، كده كده هو ساب البيت وقال إنه...

وقطعت تلك العبارات الثقيلة على قلبها، أطبقت جفونها بحزن شديد، ف قال رستم نيابة عنها: - مش هتفضلي على ذمة الحيوان ده دقيقة كمان
ربتت زينب على ظهر ابنتها تواسيها و: - اللي تشوفه اعمله يارستم، كلمه خليه يجيب المأذون ويتطلقوا بالمعروف
انفعل رستم وهو ينظر لحال ابنته وصاح بصوت جهوري: - وهو كان عمل معروف في بنتي عشان اخليه يطلقها بالمعروف؟

أحس ظافر بصدق قول رستم، ف اقترح: - مش لازم نواجههم ببعض، چيهان هترفع قضية طلاق و...
فقاطعه رستم بحزم: - لأ، أحنا هنوجعه في رجولته، ده لو كان عنده لسه ذرة رجولة
رمشت چيهان وهي تنظر ل ظافر كأنها تستنجد به و: - آ، بس...
فتابع رستم: - مفيش بس، بكرة هتيجي معايا عند المحامي عشان ترفعي قضية خلع، مش عايزين منه أي حاجه يغور هو وكل اللي ييجي منه.

كانت رافضة للفكرة تمامًا و: - بابا ده أبو ولادي وأكيد هنتقابل عشان يشوف الولاد و...
- مش هرجع في قراري، ده أرحم ليه من إني أذيه، اللي يجرح بنتي لازم يتحمل اللي هيحصل.

ثم نظر ل ظافر وتابع: - أنا مش هادي وعاقل زي أخوكي ياچيهان، وعندي البادي هو اللي ظلم نفسه
أطرقت چيهان رأسها وتركت شقيقها يتحدث نيابة عنها: - اللي تشوفه يابابا
نهضت چيهان وقررت الإنفراد بنفسها، ف منع رستم لحاق أي أحد بها و: - سيبوها لوحدها شوية، هي محتاجة تقعد مع نفسها دلوقتي
ولكن من داخله يودّ لو يجلس جوارها لا يفارقها، أن يمتص آلامها ولتكن له هو، ستتعافى، ولكنها تحتاج للوقت.

تقريبًا مرّ أكثر من ساعة ونصف وهو جالس بمكانه داخل سيارته لم يتحرك في هذه الساعة الصباحية المشرقة، تكاثرت عليه الأمور التي يفكر فيها بالآونة الأخيرة، لم تكفي همومه التي يعيشها حاليًا وإذ بمشاكل شقيقاته التي يعيش فيها منذ عودته، دعس ظافر صبابة سيجارته واستند بيده على المقود وهو يزفر مختنقًا، ثم نظر لساعة يده قبل أن يبدأ بالتحرك من موقعه.

نظر لهاتفه فوجد رسالتين غير مقرؤتين، فتحهما ليجدها من رقم هايدي الذي يحفظه جيدًا: - (عملت إيه؟ )
(أتأكدت من كلامي)
نفخ ظافر ب انزعاج ولم يعيرها اهتمامًا، ثم رمى الهاتف بجواره وقاد سيارته نحو الفندق، حيث استدعاه والده إلى هناك في أمر طارئ، وكأنه استشف بشعوره أن الأمر يخصها.

حرص ظافر أن يكون دخوله من البوابات الخلفية التي لن تسمح له برؤيتها، دلف للغرفة بعد أن طرق بابها فوجد ذلك الصديق القديم الذي يعرفه جيدًا، صافحه بحرارة و: - أهلًا عمي عبدالله
- أهلًا ياحبيبي، نورت القاهرة
- منورة حضرتك
ف تدخل رستم: - قوله اللي حكيته ليا ياعبدالله، عايزه يسمع منك بنفسه
نظر إليه ظافر بترقب و: - سامعك ياعمي.

ف أفاض عبدالله بما علم من معلومات استطاع جمعها: - الست كانت مسجونة في قضية غارمين، كان عليها وصل أمانة كتباه على نفسها لأخو زوجها ولما مدفعتش سجنها، قضت 4 شهور في السجن وخرجت ضمن الأمهات اللي خرجوا في عيد الأم وخدوا إعفاء.

تشنجت تعابير وجهه وهو يتسائل غير مصدقًا: - يعني عم أثير هو اللي سجن أمها!
- بالظبط
فتدخل رستم ليضيف ما علمه بشأن الظلم التي عاشته تلك الفتاه: - عمها استولى على ورثهم وفضل حاطط إيده على البيت كله، مسابش حقهم غير وهو بيموت.

وكأن ظافر اقشعر بحساسية مما استمع إليه، فهو لا يطيق الظلم بكافة أشكاله، حاول منع هذا الشعور من الطفو على صفحة وجهه ف أردف: - تسلم ياعمي
ترك عبدالله فنجان قهوته فارغًا واستعد للمغادرة: - على إيه ياحبيبي، لو محتاجين حاجه في أي وقت أنا معاكم، أستأذن انا عشان رايح للمديرية
- ربنا يقويك ياعبدالله ياخويا
ونهض معه يرافقه حتى الباب، وعندما عاد كان ظافر يبادر ب: - بعدين؟
- بعدين هننفذ اللي اتفقنا عليه.

فرك ظافر وجهه أولًا ثم أردف ب: - يعني اروح اخطبها عشان صعبت عليا؟!
ف استنكر رستم قوله و: - لأ، عشان شاركت في الإساءة ليها، ومش هنتناقش في الموضوع تاني
نهض عن جلسته و: - تمام، حدد المعاد اللي يناسبك ونروح نطلبها
تردد رستم من رد فعله الغير متوقع والذي أظهر فيه يُسر وسهولة لم يكن يصدقهم، لذلك أراد أن ينوه له: - لو فكرت تعمل حركة بايخة آ...
- متقلقش يابابا.

- طيب، متنساش تشتري هدية محترمة عشان تديها للعروسة لما نروح نتقدم لها
تجهم وجهه و: - هدية؟
ف أكد رستم: - آه هدية، حاجه تليق بيك وبينا
- ماشي
ثم نظر في ساعته و: - أنا هخرج دلوقتي عشان عندي مشوار مهم، سلام
كان عقله يعمل تلقائيًا للتفكير فيما سيجلبه لها گهدية، داعب جبينه وهو يفكر، ثم ابتسم فجأة و: - عرفت هجيب إيه، أكيد هتعجبها أوي
ثم ضحك مستمكلًا سيره: - وربنا يقدرني على فعل الخير دايمًا.

أراد أن يحصل على بعض الوقت فقط..
فرصة، فرصة وحيدة يثبت بها إنه المُحب الذي يستحقها وسيجعل الدنيا آداة ل إسعادها، إن تطلب الأمر يأتي بالنجوم بين يديها، فقط ل تبادله هي ذلك الحب.
تفكير طويل لم يكفّ مروان عنه طوال الليل وهو يبحث عن طريق لها، حتى وجد الحيلة التي ستمهله بعض الوقت ليصنع نظرة أخرى عن نفسه في عقلها..

انتظر مروان طويلًا حتى رآها تخرج وسط مجموعة من أصدقائها، ف دنى منها ليُظهر نفسه، رأته، ف امتعض وجهها على الفور، بينما اقترب هو منها، سحبت فدوى رفاقهم وابتعدت كي تترك لهم مساحة من الحرية، وقبل أن تردف بكلمة واحدة كان يسبقها ب: - كان عندك حق، يمكن منعرفش بعض كويس، أو يمكن انتي اللي مش عرفاني، لكن مرضاش إني ارتبط بيكي وانتي من جواكي مش راضية.

بدأت تستريح قليلًا لما يقول و: - كويس إنك قبلت كلامي من غير ما ندخل في حوارات كتير
- قبلت، بس في مشكلة صغيرة
ضافت عيناها وسألت: - إيه؟
كان يتحكم في تعابير وجهه التي بدت جدية منزعجة، متعمدًا ألا يظهر أي حركة قد تُريبها منه، وتابع حديثه وهو ينظر بعيدًا عن عيناها: - أنا كنت مُصرّ ومصمم أوي وانا بطلب إيدك من عمي رستم، لو سحبت نفسي دلوقتي مش هيكون مُقنع، خصوصًا إنه مقتنع بيا جدًا.

ف ابتسمت بسخرية و: - جدًا
- عشان كده هعرض عليكي حاجه، لازم يصدق بنفسه إننا مننفعش لبعض، ساعتها بس هيتنازل.

بدأت تسئم من هذا الحديث المتواري، ف أفصحت ب: - قول يامروان عايز تقول إيه؟
فقال بصراحة مطلقة: - توافقي على الخطوبة بشكل صوري، وبعدين هنفسخها، في ناس كتير مخطوبة مش بيكملوا للآخر بسبب الإختلافات الكتير اللي بينهم.

بدأت تفكر هي الأخرى في الأمر، ف والدها صعب المراس ولن يقبل بسهولة أن ترفض هكذا: - قصدك نمثل؟
- بالظبط
ف وافقت على الفور طالما إنها ستتخلص منه في النهاية و: - موافقة
مد يده لها يصافحها و: - أتفقنا
تصافحا سويًا، ثم قرر أن يذهب ويتركها بدون أن يُصرّ على مرافقتها أو ما شابه كي تكون حرة أكثر: - أنا همشي وانتي كملي يومك، سلام.

والتفت موليها ظهره، لم يستطع منع هذه الإبتسامة المنتصرة كثيرًا، ف تركها تلوح على محياه وهو يتحرك نحو سيارته وهمس: - جيتي على حجري ياتيمو، وانا مش هفرط فيكي أبدًا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة