قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الأول

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الأول

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الأول

وانزلقت عبرة مشتاقة لأصابعه كي ينزحها عنها، وقبل أن تترك الأطار كانت أصابع زوجها تحتل كتفها ب ضغطة محتوية وهو يردف بخفوت: - مش كل يوم تعملي كده يازينب! ابنك في مأمورية زي أي مأمورية مش جديد عليه يعني
تركت زينب الإطار والتفتت وهي تردد: - المرة دي غير أي مرة يارستم وانت عارف السبب كويس، ابني طلع المأمورية دي بالذات عشان يبعد عن مصر، أول مرة يغيب عني كل ده.

ربت على ذراعها ثم جذبها معه لتخرج للخارج: - هانت، يلا شوفي البنات عشان نفطر سوا قبل ما انزل
خرج رستم من غرفة الإبن الأكبر له وعبر الردهه كي يدخل غرفة ابنته الصغرى، طرق على الباب عدة مرات ولكن لم يأتيه الرد، ف ذفر ب انزعاج وردد: - تمارا! مش كل يوم هصحيكي بعد الضهر يابنتي، حتى يوم الجمعة بتصحي بالعافية؟!، زهقتيني!

حمحمت زينب وهي تقترب منه بترقب و: - تمارا نزلت مع فدوى صحبتها، هيشتروا ملازم وبعدين ييجوا هنا يذاكروا.

قضمت من شطيرة الدجاج المشوي خاصتها وكأنها ستموت جوعًا، ثم مضغت الطعام وبعد ابتلاعه أردفت: - مين حسام ده عشان اهتم بيه! أنا خلاص مسحته من حياتي وكأنه كان ساندوتش شاورما وخلص مني.

ف تركت رفيقتها فدوى أسطوانة المشروب الغازي في المهملات وهي تؤيدها: - هو فعلًا مكنش يليق بيكي
مرّ أمامهم هذا الوسيم ذا الطلّة الجذابة وقد اختبأت عيناه خلف زجاج نظارة شمسية أنيقة للغاية، ف تسلطت عيون تمارا عليه وهي تردد بصوت خفيض: - ياإلهي ماهذا الذي أراه!
فرمقتها فدوى ب استغراب و: - نعم!
تنهدت تمارا وكادت تسير من خلفه منساقة وهي تغمغم: - ده لو اتساب هيجيلي تعب أعصاب.

أمسكت بها فدوى بصعوبة قبل أن ترتكب حماقة من حماقاتها الشهيرة ونظرت حولها وهي تضحك ببلاهه و: - الناس بتبص علينا أثبتي
- أستني هسأله بس عنده انستجرام ولا ندخل على واتساب على طول ومنضيعش وقت
ف قبضت فدوى بأصابعها على رسغها و: - يابنتي ده انتي لسه مفركشة الصبح اتقي الله!
عقدت تمارا ما بين حاجبيها ب اعتراض و: - لأ معلش متغلطيش.

ثم نظرت باتجاه هذا الغريب الذي كاد يختفي من أمامهن و: - ده جميل جدًا گ كوتشي أبيض شيك لسه هيتلبس أول لبسه، لو كنتي سيبتيني عليه! بس انتي مش وش نعمة.

ف سحبتها فدوى نحو مخرج المطعم وهي تردف: - الحج رستم لو شافك ه يحدفك من الدور الخمسة وخمسين من الفندق بتاعه، يلا عندنا ميدترم ومذاكرة، دي الأيام الجاية كلها نفخ.

التفتت تمارا برأسها لتجده ينظر إليها بنظرة جعلتها تقشعر، ف شهقت بخفوت وهي تردف: - بيبصلي، والله بيبصلي
ثم تنهدت و: - في حد يخطف قلب حد كده!
أخرجتها فدوى بصعوبة ثم تركتها وهي تزجرها بنظرة موبخة: - ده انتي هييجي راجل يطلع عليكي القديم والجديد ياتمارا، انتي مينفعش معاكي غير واحد حمش يكسر دماغك.

فقالت تمارا ب لا مبالاه گالمعتاد: - يبقى يجرب كده عشان اكسر إيده، ويلا نمشي عشان انتي نكدتي عليا وسديتي نفسي
تمارا..
تلك المُشاغبة الصغيرة التي اكتسبت كافة صفات (آخر العنقود)، ذلك الشخص المزعج الذي لا تستطيع الإستغناء عنه في كل بيت، ترتيبها الرابع في الأبناء بمنزل يتكون من أب وأم وأخ وحيد أكبر بين ثلاث بنات أصغر منه عُمرًا، تدرس اللغات والترجمة في الفرقة الثانية بالمرحلة الجامعية.

تعيش بمبدأ واحد فقط اليوم لي، وغدًا لا شأن لي به، فهو لم يصير ملكي بعد. ، ليت الحياة كانت سهلة گنظرتها هي لها، حينها ما بات منّا حزينًا ولا مهمومًا.

انتهت توًا من إرتداء ملابسها استعدادًا للذهاب إلى مقرّ عملها، فتحت الخزانة ومدت يدها لتلتقط ساعة اليد خاصتها، ف وقع بصرها على تلك الصورة المُلصقة بالمقابل..

إنها الصورة الوحيدة التي تجمعها به، الصورة الوحيدة التي ترى فيها وجهه وابتسامته، كان ينظر إليها بنظرة تُشفي كل الجراح، نظرة تُنبت يابس القلب وتروي ظمأه، ابتسمت بعفوية وهي تلمس وجهه المحفور بذهنها، ثم أردفت بنبرة تشبعت بالإشتياق: - وحشتني أوي، هترجع أمتى بقى أنا مبقاش عندي صبر!

وارتسمت خطوط الحزن على وجهها فورًا وهي تشعر إنه غاب لسنوات عديدة وليست عدة أشهر، لقد سئمت من حساب الأيام التي تمر عليها في لوعة واشتياق، ولكنها لا تملك سوى الصبر حتى تراه ثانية.
انفتح الباب فجأة، ف أوصدت هي الخزانة على الفور والتفتت لتجد تلك الصغيرة الجميلة وهي تردد: - أثير عايزة بيانو
انعقد حاجبي أثير وهي تتسائل بفضول: - أشمعنا ياتوتي؟
- عشان شوفت البنات بيدوسوا عليه في المدرسة وانا عايزة ادوس زيهم.

ف ضحكت أثير بضحكة لم تصل لعينيها و: - حاضر، المرتب الجاي وعليكي خير هبقى اجيبلك
دلفت تلك السيدة التي تجاوزت الأربعون من عمرها وهي تصيح: - تيّا، برضو سيبتي اللبن وجيتي تعطلي اختك!
زفرت تيّا ب انزعاج وهي تعقد أصابعها سويًا و: - ماما انا شربت كتير أوي وزهقت
التقطت أثير حقيبتها و: - طب انا نازله عشان اتأخرت وانتوا حلوا مشاكلكوا سوا.

استوقفتها سمية وهي تتفقد وجهها و: - لون الروچ ده تقيل أوي ياأثير، أبقي خففيه شويه يابنتي
- ماشي
وخرجت مسرعة كي لا تفوّت موعد الحافلة التي تقوم بنقل موظفّي الفندق، بينما جلست سمية على الأريكة وهي تقول بصوت خفيض: - ربنا يبعتلك النصيب الحلو اللي يعوضك عن كل الصبر ده يابنتي ويرحمك من شقى الشغل وقرفه، يارب فرحني بيها يارب.

وأخفضت بصرها لتجد الصغيرة ذات التسع أعوام تنظر لها ب استنكار و: - أثير مبسوطة معانا هنا، عايزاها تمشي ليه ياماما!
- عشان تروح بيتها مع جوزها وتفرح قلبي بيها ياتيّا
ف ارتمت الصغيرة على الأريكة وهي تعترض قائلة: - لأ مش عايزاها تروح مع جوزها، خليها معايا هنا مش بحب أنام لوحدي
ف ضحكت سمية و: - أبقي نامي جمبي ياتوتي ولا تزعلي.

ف صاحت الصغيرة بحزن جلي: - لأ لأ لأ، عايزة انام في حضن أثير، بتحكيلي حدوته وتعملي سيريلاك وبسكوت البرتقال، لو جه جوزها ده هقوله يمشي انا مش بحبه.

تلوت شفتي سمية و: - أتوكسي انتي وهي، شيفاها هتتجوز بكرة يعني!، دي مطفشاهم كلهم لحد ما هتجيب أجلي.

ثم نهضت عن جلستها و: - أما أروح أشوف هعمل غدا إيه بدل حرقة الدم دي.

وفي تمام الساعة الثانية عشر ظهرًا، كانت أثير تهبط عن الحافلة أمام بوابة الفندق الخلفية، دلفت مسرعة كي تُبدل ثيابها لأخرى رسمية تناسب وظيفتها گموظفة أستقبال بالفندق، ثم شرعت ب اتخاذ مكانها في البهو العريق الواسع خلف أحد شاشات الحاسوب، ضبطت وضعية أسمها على زيّها الرسمي الأسود وتلقائيًا أصبحت ملامحها جادة للغاية، حتى وقفت قبالتها زميلتها وهي تردد: - صباح الفل ياريري، ليكي عندي خبر ب مليون جنيه.

بدت وكأنها لم تتحمس لسماع هذا الخبر، وقالت بدون اهتمام: - إيه ياتغريد؟
ف اقتربت قليلًا ثم همست: - بيقولو اللي بالي بالك راجع قريب
- مين
ف ابتسمت تغريد ب عبث و: - إبن رُستم!
ف تبدلت معالم وجهها فجأة وبدون إنذار، وكأنها تناست أي حزن أو ضيق، تحول وجهها لكتلة من السعادة قد تغطي المحيط بأكمله، وتسائلت بتلهف جلي: - بجد! سمعتي منين، وجاي يوم إيه بالظبط؟
ضحكت تغريد و: - خليكي تقيلة بلاش تدلقي كده.

ف تجهمت ملامحها وقد تفهمت إنها تسخر منها و: - انتي كنتي بتهزري!

وقفت سيارة رُستم أمام الفندق وقام السائق بفتح الباب الخلفي، ف قفزت تغريد من محلها لتذهب إلى مكانها على الفور، بينما تصنعت أثير الإهتمام بعملها لتواري هذا التوتر والإرتباك الظاهر عليها، تستطيع سماع صوت ضربات قلبها الغير منتظمة أثر سماع خبر گهذا، وخفقانه كأنها رأته أمامها بهيئته، سحبت شهيقًا عميقًا كتمته لحظات، ثم ذفرته على مهلٍ وهي تنظر إلى ربّ عملها رستم حربي، حيث كان مدير أعماله وإبن أخيه نزار في استقباله و: - أتفضل يافندم.

دلف الأثنين معًا حيث بدأ رستم بحوار ودّي معه: - قولي يانزار هتبدأ أجازتك أمتى؟ الفرح فاضل عليه أسبوعين يابني ونرمين شغاله زنّ في وداني عشان أسيبك من دلوقتي
- الأسبوع الجاي ياعمي، متشغلش بالك ب نرمين أنا هتكلم معاها
ف أومأ رُستم و: - جميل، ربنا يتمم فرحتكوا على خير
ثم توقف رستم عن السير وتسائل بضيق: - هو كلمك؟!

ف ضغط نزار على شفتيه و: - لأ ياعمي، وانا مش عارف أوصله، بس متقلقش هو عارف إن فرح اخته بعد أسبوعين يعني غصب عنه هييجي.

ف أردف رستم بنفاذ صبر: - أتمنى، أنا بذات نفسي معرفتش أتدخل عشان أرجعه مصر!
- معلش ياعمي، سيبه شوية وهو هيهدى.

حتى وإن كان والده لواء سابق بالجيش المصري، هذا لم يكن سبب كافي لاستعادته بعدما صدر أمر الموافقة على إرساله لهذه المهمة السرية، عانت عائلة رستم كثيرًا بعد تدهور حالة أحد أهم أفراد الأسرة، الإبن الأول والأكبر والوحيد بين ثلاث بنات، حتى فشل الجميع في إعادته لسابق عهده، فلم يكن قلبه شجاعًا لدرجة تجعله يستجيب لما حدث بسهولة ويتقبله.

تجهزت نرمين للخروج برفقة والدتها من أجل حلّ بعض أمور جهاز عرسها، وعندما خرجت من الغرفة كانت زينب ب انتظارها و: - ساعة ونص لبس يانرمين! بالشكل ده مش هنخلص يابنتي!
- خلاص ياماما خلصت، يلا بقى عشان ننجز أحسن أنا زهقت وقرفت من الجهاز اللي مش بيخلص ده!

ف زفرت زينب بسئم و: - مين سمعك!، لما كنت بجهز چيهان أختك متعبتش كده
فتسائلت نرمين بفضول: - صحيح مش هنستنى چيهان؟
- لأ المرة دي مش جايه، الواد عمر تعبان شويه ومش هتعرف تنزل، يلا بينا إحنا
ف استوقفتها نرمين و: - طب وتمارا؟
ف كزت زينب على أسنانها بغيظ مكتوم و: - ده انا هبهدلها لما ترجع، خمس ساعات برا البيت عشان شوية ملازم! بس لما تجيلي!

ثلاث من الفتيات، لا تشبه أيًا منهن الأخرى، وكأن الأم والأب مختلفين، لكل منهن عقليتها وأفكارها، كل منهن لها نهجها الخاص، بداية من أكبرهن چيهان، وحتى أصغرهن تمارا.

كان سفح البحر يلمع ويتلألأ وكأن فصوص الماس نُثرت على سطحه، عميق لدرجة مخيفة، واسع للحد الذي يجعلك تظن بأن الكرة الأرضية لم يعد على سطحها يابس.
رائحته..

رائحته كافية لشفاء عليل الروح، ولكن سحر رائحته لم يكفي لشفاء روحه هو، وكأن زبد البحر يؤلم قلبه أكثر، مع كل شهيق بارد يدخل لصدره كأن النار تلامس فؤاده، ورغم الحروب الناشبة بأغواره إلا إنه يكافح من أجل أن يبدو بهذه الحالة التي هو عليها الآن، حالته الباردة اللامبالية رغمًا عن جرحه الذي لم يرتتق بعد...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة