قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس والأربعون

رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس والأربعون

رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس والأربعون

سقطت شوكتها دون ان تنتبه فور رؤيتها لرئيس مجلس الإدارة لشركة هاري يجلس على الطاولة برفقة أليكس على طاولة واحدة يتحدثان ويضحكان بينما يُسلمه بعض الأوراق والتي يأخذها أليكس ويبتسم بنصر!

حاولت عدم التسبب في أي ضجيج، لم تريد لفت انتباههم فقط امسكت بهاتفها بحذر بعد أن تأكدت من انه في الوضع الصامت، قامت بتشغيل كاميرا الهاتف مع التأكد ألف مرة من اغلاق الكشاف كي لا يُفتضح أمرها.

لم تدري ماذا تفعل سوى انها قامت بطلب الحساب وبقية طعامها وذهبت من ذلك المكان سريعاً، داخل الباص المتجه نحو بيتها ظلت تُحدق بالهاتف. هل هذا اذاً هو الشخص الذي يساهم في تخريب شركة هاري من الداخل؟ هل هذا من أخبر بيرت وبقية الموظفين بالرحيل باكراً دون انهاء عملهم؟ كيف استطاع أليكس شراءه؟ كان هذا ما يجول في بالها فهي واثقة من انه يحصل على راتب جيد داخل شركة هاري.

لم تدري ماذا تفعل سوى انها ارسلت تلك الصور إلى هاري في رسالة وانتظرت أن يراها أو يتصل أو أي شيء يدل على انه ما يزال على قيد الحياة.

توقفت الحافلة بالقرب من المنزل خاصتها وبينما كانت على وشك الهبوط منها اختل توازنها وتعثرت وفي الوقت ذاته لم ينتظر السائق هبوطها من على درجات سُلم الحافلة فالنتيجة كانت سقوطها على ارتطامها بالأرض القاسية بقوة، لم تشعر بنفسها سوى أنها تصرخ وتتلوى ارضاً من الآلم الشديد الذي أصاب قدمها. توقف السائق وهرول الجميع ليطمئن عليها. دمعت عيناها بينما امسكت بقدمها والعديد من مواضع جسدها كانت تؤلمها في ذات الوقت. مر كل شيء سريع وفي غضون دقائق وجدت نفسها ترقد على سرير أبيض اللون في مشفى قريبة نسبياً من منزلها وجاءت الطبيبة لتفحصها، بعد أن انهت الطبيبة الفحوصات أمرت بأخذها إلى غرفة الأشعة بحثاً عن أي كسور أو التواءات في جسدها.

سيدة ايفدوكيا يؤسفني أن اخبركِ أن قدمكِ قد كُسرت وأننا سنحتاج إلى وضعها في الجبير.
ماذا؟ إلهي لكن كيف سأذهب إلى العمل في هذه الحالة.

يؤسفني أنكِ لن تفعلي ولن تتحركي خارج المنزل لمدة لا تقل عن أسبوعين حتى لا تحدثُ اي مضاعفات، هناك بعض الكدمات والخدوش في جسدك لكنها ليست بالشيء الكبير لحسن الحظ.
لعنت حظها داخلياً إنها جديدة بالعمل وبالطبع لم يُفعل رصيد الأجازات خاصتها بعد ولا تدري إن كانت إدارة ستوافق على عملها من خلال المنزل لهذه الفترة أم لا.

علي أي حال شكرت ايفدوكيا الطبيبة التي أحضرت الممرضة لتُساعد ايفدوكيا على النهوض ومغادرة غرفة الأشعة لتذهب إلى غُرفة آخرى كي تحصل على الجبير.
مرحباً بيرت. تحدثت ايفدوكيا من الهاتف الذي تحطم جزء من شاشته بسبب الحادث.

ايفدوكيا أين انتِ؟ لما كل هذا التأخير. تذمرت بيرت من خلال الهاتف
حسناً سأخبركِ بشيء لكن لا تفزعي. لقد تعرضت لحادث بسيط.

إلهي! أي حادث؟ تحدثِ يا فتاة ليس هذا وقتاً لإثارة فضولي او قلقي.
بيرت أنا حقاً لستُ قادرة على التحدث. سأقوم بإرسال العنوان في رسالة نصية حاولي القدوم سريعاً.

حسناً آتيه وداعاً ودعتها بيرت بذعر، لقد كانت تحمل أخبار سيئة بالفعل لإيفدوكيا لكنها انشغلت الآن بشيء أكثر أهمية وهو صديقتها المُصابة والتي يجب عليها مساعدتها في الحال.

في الجانب الآخر من المدينة كان يجلس هو بخصلات شعره المُبعثرة قد ازداد طولها قليلاً بحيث أصبحت قريبة من كتفة، زوج من العيون الخضراء قد غلفتهم الحُمرة وكأنها غابة مطيرة بالدم. لم يقترب النوم من عيناه منذ العديد من الأيام لا يستطيع أن ينم وقتاً كافي فقط يغفو لبعض الوقت ثم يستيقظ فزعاً. بالرغم من انه لم يمر سوى بضعة أيام إلا أن الإرهاق قد بدا عليه وقد تفشى السواد أسفل عينه. ولا شك أنه قد خسر بعض الوزن فهو لم يأكل منذ أيام.

يخشى كثيراً فقدانها تلك المرآة القوية التي طالما كانت الأهم في حياته نعم لقد كثر شجارهم في الآونة الأخيرة لكنه لم يقصد ذلك. في النهاية هو يُحبها أكثر من أي شيء وأي شخص في هذه الدنيا.

الآن يشعر بالندم يحرق قلبه على كل لحظة قضاها بعيداً عنها أو كل لحظة مرت في شجار أو جدال.
هي الآن مُمددة كالملائكة صامته وساكنة لا صوت يصدر منها ولا من حولها سوا أصوات الأجهزة التي تُعلن عن وجود نبض وأن التنفس مُنتظم. منذ أيام وهي على هذا الوضع وهي والسيد روبن.

يتكرر المشهد في عقل هاري في كل دقيقة، كان يجلس في الفندق بعد مغادرة ايفدوكيا وقد تجهز للقائها في اليوم التالي، كل شيء كان يسير على ما يُرام وقد شعر أن اخيراً الحياة قد ابتسمت له لكنه لم يكن يرى الصاعقة التي ستحل على رأسه، حتى جائته تلك المكالمة الشئوم حين تلقى خبر اصطدام سيارة والدته بسيارة آخرى.

والدته في حالة غير مُستقرة وتأخر الطبيب في غرفة العمليات وسيد روبن فبنسبة كبيرة لن ينجو منها، حدث كل شيء سريعاً ولكن بآلم شنيع. شعوره بالذنب تجاه كلاهما كان ينهشه نهشاً. نعم كان يغضب ونعم لم يكن سيد روبن هو المفضل لديه لكن بالطبع ليس سعيداً لرؤيته في هذه الحالة.

مرت الأيام ببطء شديد بين البكاء والصلوات والدعاء، لم يشغل بال هاري أي شيء في هذا الوقت سوا والدته. يخشى فقدانها كثيراً فشمسه لن تُشرق مُجدداً إذا رحلت عنه. لن يدخل الهواء رائته إذا رحلت عنه. لن يسعد قلبه ليوم آخر إذا رحلت عنه.

لا يدي كم يوم مر منذ جلوسه هنا في المشفى، لا يدري كم مرة سأل الطبيب عن وضع والدته وهل تحسنت أم لا، لا يدري كم مرة حاول نايل أن يُقنعه بالإنصراف والذهاب إلى أشغاله كي لا يُدمر ما بقي من حياته لكنه لم يستمع له ببساطة لأنه لم يقدر على فعل ذلك. لم يرى نايل هاري كئيباً بهذا الشكل منذ مدة طويلة منذ وفاة والده والتي استغرق هاري شهوراً ليستطيع تخطيها ولم يفعل كلياً حتى الآن.

هاري هاتفكَ يدق.

فقط أغلقه نايل لا طاقة لي للحديث نظر نايل إلى اسم ايفدوكيا الذي ظهر على الشاشة وفقط نفذ ما طلبه هاري لقد أغلق الهاتف، لكن ايفدوكيا لم تستسلم حينها بل هاتفت نايل عبر هاتفه لكن نايل توتر كثيراً ولم يدري ماذا يقول خاصة وإن حذره هاري من معرفة أي شخص بشأن أمر والدته.

تكررت اتصالاتها لكنه لم يكن يُجيب، مرت بضع أيام وبينما كانوا بينتظرون في الخارج كالعادة صدح في الطابق صوت حذاء ذو كعبٍ عالٌ، جسد ممشوق قد التف حوله ثوب فاخر. تسير متوجهه نحو هاري ومعالم الحزن بدت على وجهها، تقترب منه لتُصافحه بحرارة وهي تقول:
اعتذر بشدة هاري لم اكن أعلم بالظروف الذي تمر فيه.

لا عليكِ، لا أحد يعلم هذه كانت رغبتي من الأساس.

فور وصولي إلى باريس أخبرتني المساعدة خاصتي أنك كنتَ تود مُقابلتي، بحثتُ عنكَ حتى قادني أحدهم إلى هنا اردفت ماديسون وهي تُعيد خصلات شعرها الشقراء إلى الخلف، نظر هاري نحو نايل بتوعد ليقول نايل بتملل:
لستُ أنا الفاعل.

أجل ليس نايل. بل مصدر خاص، لا يهم هذا في الوقت الحالي.

اشكركِ ماديسون على القدوم، يبدو أن احداً لم يهتم غيركِ أنتِ ونايل وإيلين تحدث هاري بنبرة حزينة بينما وجه نظره إلى الأرضية.

اوه حقاً إيلين جاءت إلى هنا؟ سألت بنبرة مُتعجبة ثم صمتت لثوانٍ بعد أن ادركت شيء هام، نمت ابتسامة جانبية خبيثة على شفتيها.

مهلاً. مهلاً ألم تأتي ايفدوكيا؟ ادعت الدهشة والحزن ليقلب نايل عيناه فهو لم يُحبذ قط وجود ماديسون بالقرب من هاري.

لا لم تفعل.

يالها من عديمة الذوق، كيف لها أن تتركك وحيداً في ظرف مثل هذا؟ تغيرت معالم وجه هاري إلى المزيد من الحزن والضيق وفي هذه اللحظة تماماً اراد نايل أن يصفعها ويقوم بطردها.

هذا ليس المكان أو الوقت المناسب للتحدث في أمر كهذا، كل ما يهم الآن هو أن يكتمل شفاء السيدة آن والسيد روبن وأن يفيق كلاهما بسلام. حاول نايل التحدث بأكثر نبرة لبقة يملكها وحاول ألا يبدو سخيفاً.

أنا هنا إلى جانبك هاري، كل شيء سيصبح على ما يرام اردفت ماديسون وهي تضع يدها أعلى يد هاري، وفي اللحظة ذاتها جاءت چيما وهي تحمل كوب بلاستيكي بداخله قهوة.

هاري، لقد أحضرتُ لكَ القهوة كما طلبت. منحته أياها دون النظر نحو ماديسون ثم توجهت لتجلس إلى جانب هاري من الناحية الآخرى، ساد الصمت لبعض الوقت قبل أن يأتي الطبيب نحوهم فيقف هاري بسرعة ويتوجه نحوه.

سيد هاري لقد اردتَ إخبارك بشيء جيد، بدأت علامات استجابة بالظهور على السيدة آن لذا فإننا نتوقع أن تفيق في خلال أي ساعة.

إلهي حقاّ؟ اشكركَ كثيراً أيها الطبيب. مهلاً ماذا عن السيد روبن؟

لم نلحظ أي تحسن بعد. لكن على الأقل لا يحدث تدهور في الحالة.

حسناً اشكركَ اردف هاري بسعادة كبيرة وقد نمت الإبتسامة على وجهه بعد أن غابت لأيام.

ألم أُخبرك أن كل شيء سيصبح على ما يرام قالت ماديسون وهي تُربت على كتفه.
نظر نحوها هاري وظهر شبح ابتسامة على شفتيه بينما نظر نايل نحوهم بعدم راحة.

عودة إلى الجانب الآخر من باريس عادت ايفدوكيا برفقة بيرت إلى المنزل بصعوبة بالغة، تسير بعكازين بينما تُحاول بيرت إسنادها حتى لا تسقط.

هذا اسوء يوم في حياتي، بالطبع بعد يوم زواجي بليو سخرت وهي تنزع المعطف خاصتها وتجلس على الأريكة بتعب.

أنا حقاً لا ادري كيف قمتِ بكسر قدمكِ بهذه الطريقة.

لقد اخبرتكِ لقد سقطت من الحافلة.

يالحظكِ السيء ايف. اردفت لتقلب ايفدوكيا عيناها.

أعلم لا داعي لتذكيري بالأمر، بالمناسبة لماذا كان صوتكِ حزين حينما تحدثنا؟

إنه ذلك اللعين، رئيس مجلس إدارة الشركة إنه يحاول تخريب كل شيء. يخرق قوانين سيد هاري. يأخذ قرارات سريعة. إنه يُحاول السيطرة على كل شيء مُستغلاً عدم وجود السيد هاري.

أعلم. اردفت ايف بثبات لتنظر نحوها بيرت بإندهاش وهي ترفع أحدى حاجبيها.

ماذا؟ بالتأكيد لأنني لا اتحدث عن اي شيء سواه في الآونة الأخيرة.

لا ليس لهذا السبب، بل لأنني قد رأيته يجلس برفقة أليكس اليوم، هذا ما تسبب في شعوري بالتوتر. غادرت المكان سريعاً وحاولت الوصول إلى هنا ثم حدث ما حدث. شرحت ايفدوكيا بإختصار ما حدث.

إلهي، هل سمعتِ عن ماذا يتحدثون؟ هل رأكِ أليكس؟

لا لم افعل لم اكن اجلس على مقربة منهم. ولا ايضاً لكنني استطعت إلتقاط مقطع فيديو لهم أثناء تحدثهم. تحمست بيرت كثيراً ثم سألت:
هل قمتِ بإرساله إلى هاري؟

أجل لكنه لم يرد على الرسالة بعد. لم يفتحها على أي حال. تنهدت وهي تحاول التمدد على الأريكة لكن الأمر لم يكن سهلاً لذا تآوهت بآلم.

هل حاولتِ البحث عنه في منزله؟

لا لم افعل، فأنا لدي كرامة بالإضافة إلا أنني لن استطيع فعل ذلك في الوقت الحالي.

أعلم أرى ذلك بوضوح، لا يهم هو سيظهر على أي حال.

مر يومان من الهدوء عدا الآلم الذي تشعر به ايفدوكيا في قدمها تواصلت مع المدير المباشر خاصتها لتُخبره بما حدث وقد ارسلت له صور للتقارير الطبية التي تُثبت حالتها المرضية، أخبرها أنه سيتواصل مع أليكس وسيخبرها بالقرار الذي سيتخذه.

مازال هاري مُختفياً عن الأنظار. جلست تتصفح هاتفها في ملل شديد ولسبب مجهول قررت النظر إلى المحادثة بينها وبين هاري لتجد أن علامة الأسهم إلى جانب الرسالة قد صُبغت باللون الأزرق دلالة على رؤيته للرسالة لكنه لم يُجيب.
انتظرت لبضعة دقائق ولا شيء جديد. حتى وجدت إشعار يقول يكتب بمعنى أن هاري يُجيب على رسالتها.

ايفدوكيا لا أهتم لما تقولين أو ما تقومين بإرساله، لذا من فضلكِ توقفِ عن محادثتي حتى لا تتسببين في المزيد من الحرج لنفسكِ، هذا آخر ما عندي. نظرت إلى الرسالة التي وصلتها طويلاً. معالم الصدمة قد احتلت وجهها، توقف عقلها ولم تعلم بماذا تُجيب. شعرت وكأن العالم من حولها قد توقف. السواد يُغلف المكان. تسللت البرودة إلى أطرافها لكن رد فعلها كان أهدى مما تصورت فهي لم تُبدي أي انفعال قط وإن كان من داخلها يحترق.

وهذه رغبتي ايضاً فلتعتبر أن هذه هي المحادثة الأخيرة بيننا ومن فضلك. لا تعاود الظهور في حياتي مجدداً فقد اكتفيت منك ومن كل شيء يخصك.

أرسلت رسالتها وهي تنزع ما تبقى داخلها من مشاعر وذكريات.

هذه المرة قد حزمت قرارها بعدم العودة، لن تحن ولن تستطيع كلماته المعسولة ولا عيناه اللامعة أن تُغير من قراراها.

لقد أخذت عهداً على نفسها بإلغاء مشاعرها تماماً فقلبها لن يتحمل الإحتراق مرة ثالثة. فالندوب والجروح الغائرة التي تسبب فيها ليو ومن بعده هاري كافية لجعل قلبها يدمي ما تبقى من حياتها.

حان الوقت لتستعمل عقلها قليلاً وأول قرار قد اتخذته هو الإستمرار في العمل برفقة أليكس ناسية تماماً ما رأته في ذلك اليوم وأي شيء يربطه بهاري.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة