قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والعشرون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والعشرون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والعشرون

كانت عيون برديس على باب الحجرة منذ دخول رفيف وفي أعقابها رائد، شعور الغيرة ينهم من صدرها بتوحش، رغم إنها لم تراهم بشكل متقارب، إلا إنها تشتط إشتعالًا حين تراهم سويًا.

لاحظت والدتها تلك الحالة التي تجلّت عليها، ف سحبتها بهدوء من بين أفراد العائلة لتكون منفردة بها، ثم عنفتها بصوت منخفض: - مالك يابرديس، ما تمسكي نفسك شوية، انتي مش شايفة نظراتك لرائد عاملة إزاي؟!، جوزك لو لاحظ هيقلب الدنيا على دماغك.

أطرقت برديس نظراتها المنكسرة لأسفل وهي تبرر: - مش قادرة أمسك نفسي، كل مااشوفهم مع بعض بتجنن يامامي
ابتسمت ناهد وهي تواري ربكتها، ثم رددت: - أنتي اللي وافقتي على جوازك من طارق، يبقى تتحملي مسؤلية إختيارك يابيري
خرجت رفيف من الداخل بإندفاع و خلفها رائد، وجهت حديثها ل عماد و: - مش يلا بقى ياعمي!
- هدخل اطمن عليه واخرجلك يارفيف.

ودلف للداخل، بينما سارت رفيف بضع خطوات بعيدًا عن هذا التجمع، والتفتت لتردد بإنزعاج طغى على وجهها: - مين قالك إني هتجوزك؟، انت فاكر إنك كدا هتدبسني!
فقال بهدوء جعلها تشتط أكثر وأكثر: - إحنا متجوزين أساسًا ياروحي
ف تقلص وجهها وهي ترد بسرعة: - بس متقولش متجوزين، إحنا اتفقنا هتطلقني
ارتفع حاجبيه بإنكار: - أنا!، أنا اتفقت معاكي على كدا؟، محصلش.

ثم طوق ذراعيها بكفيه وهو يردد: - ليه مش مصدقة إني مقدرش اعيش من غيرك ومش ناوي استغنى عنك؟
تخلصت من كفيه بهدوء وهي تجيب: - كنت حافظت عليا، كنت احترمت وجودي في حياتك، بس الخاين بيفضل خاين مهما حصل.

كانت فريدة تراقبهم بإختلاس، مدققة ناظريها على حركات شفاهم علها تفهم ما يدور بينهما من حديث، لم تلتقط الكثير من الكلمات، ولكن علق بذهنها كلمة جعلتها ترتعد بتخوف، هل حقًا ذُكر الطلاق أم إنها تتوهم!، أنقبض قلبها وهي تتابع ما يحدث، وقد فطنت أن حياتهما معًا على المحك، خرج عماد من الداخل، ف ردد عادل: - تسلم على مجيتك ياأستاذ عماد
ف صافحه و: - ربنا يعافيه يارب، أستأذن انا.

وتحرك نحو ابنة أخيه الواقفة برفقة زوجها، ثم ردد: - يلا يارفيف
ليأتي صوت فريدة من خلفهم: - ليه كدا ياأستاذ عماد، دا انا ملحقتش اكلم معاها
- مرة تانية ياست فريدة
فتحت فريدة ذراعيها لتنضم رفيف إلى أحضانها وهي تهتف بتودد شديد: - طب تعالي في حضني، انتي وحشاني أوي
عانقتها بعمق تسلل لنفسها، ومسحت على ظهرها برفق وهي تردد: - هبقى اكلمك ونتفق على معاد نتقابل فيه، عشان عيزاكي في موضوع مهم جدًا.

ترددت رفيف وهي تبتعد عنها بما ستجيب، فلم تمهلها فريدة الفرصة و: - أوعي تقوليلي مش فاضية
ف تدخل عماد بلباقة: - لأ طبعًا ودي تيجي!
أجبرت رفيف نفسها على الإبتسام و: - حاضر ياماما فريدة
ثم نظرت بإتجاه رائد وقد اختفت إبتسامتها: - عن أذنكم
فقال متعمدًا إستفزازها: - هبقى أمر عليكي في المحل ياروحي.

دفنت غيظها بداخلها وهي تسير في مقدمة عمها، بينما راقبتها عيني رائد متلذذًا بحالتها العصبية تلك، فلم يرى هذا الوجه الذي ترتديه الآن من قبل، سألته والدتهِ بغتةً: - رائد، إيه الحكاية بالظبط؟!
ف تنهد رائد و: - الحكاية بايخة وطويلة أوي ياماما.

شملهم فاروق بنظرات قلقه، وقد تغيرت معالم وجهه قليلًا عقب هذه الفترة المرضية التي قضاها بداخل غيبوبة المرض، حاول أن يعتدل في جلسته، ف عاونتهُ ميسون وهي تضبط الوسادة الموضوعة خلف ظهرهِ، ليتنفس براحة، ثم يردد: - هتعرفوا تخلصوا الشغل دا؟ ولا ابعت رائد يخلصه؟
قطب عاصم جبينه بإمتعاض وهو يجيب ببعض من الحدة: - إيه الكلام دا ياحج، هي دي أول مرة تسلمني شغل!

فأجاب: - أول مرة أسلمكوا انتوا الاتنين شغل واحد
ثم نظر بإتجاه عاكف و: - ومش مرتاح
ف ابتسم عاكف إبتسامة باهتة: - متقلقش يابابا، كله هيتم زي ماانت عايز
ثم ربت على كتف أخيه متزعمًا شعور الأخوية بينهما: - أنا وعاصم هنعمل أحلى شغل وهتشوف، مش كدا ياعاصم
ف انبعج فم عاصم وردد: - طبعًا ياخويا، والتوكيل دا هناخده يعني هناخده، متشغلش بالك.

ف ضغطت ميسون على كف زوجها تبث له الطمأنينة و: - ولادك رجالة يافاروق شايل الهم ليه؟
انفتح الباب ليلج منه عادل ومن خلفه شهيرة، وما أن لمحها عاكف تأهب لعراك لفظي معها وكأنه ينفث عما يغلي به صدره منذ البكور: - انتي إيه اللي جابك هنا؟
ولم تصمت ميسون بدورها: - مش هسمحلك تكرري اللي عملتيه آخر مره.

فوقف عادل منتصبًا في مواجهتهم وقد تحفز شعوره بمهاجمتهم دفاعًا عن والدته: - في إيه مالكم!، محدش يكلمها بالشكل دا أنتوا فاهمين
فصاح به عاكف: - انت هتعمل راجل هنا ولا إيه ياعادل؟
فأجابه بنظرات تكاد تحرقه من فرط قوتها: - انا راجل غصب عنك، ولو زودت في الكلام رد فعلي هيزعلك أوي ياابن أبويا
سعل فاروق غير قادرًا على التحدث: - أ، أ، (كحكحكح) أطلعوا برا.

أنتبه عادل لصوت والدهِ، ف ابتلع كلماته اللاذعة التي كاد يقذف بها في وجه أخيه وردد: - آسف يابابا، بس أمي جاية تطمن عليك ودا حقها
ثم رمق الجميع بحنق بالغ، حتى ردد فاروق: - أطلعوا برا كلكوا، وانتي ياشهيرة تعالي
ف تبرمت ميسون من هذا وقد تحولت عيناها لجذوتي من نار: - تاني يافاروق!، نسيت حصل إيه آخر مره؟
بينما تحدث عاصم أخيرًا: - لسه كل دا معرفتيش الحج يامرات أبويا!، طالما قال برا يبقى برا.

ثم استبق الجميع للخارج، في حين أن عادل ملتزم بالصمت ومن خلفهِ شهيرة، جرّت ميسون ساقيها للخارج وفي صدرها وخزات عنيفة، هي التي عانت الليالي السابقة وهي التي لم تبرح المشفى حتى استعاد وعيه، والآن لم تجني سوى طردها بتهذيب من غرفته، وارت شعورها بالقهر وتماثلت لشعور إنها بخير، حتى تمر الليلة بسلام.

أنغلق الباب عليهما، وجلست شهيرة على مقعد مجاور للفراش، أجفلت جفونها وهي تردد: - حمدالله على سلامتك يافاروق، أنا مقدرتش آجي طول الفترة اللي فاتت، كنت مستنياك تقوم بالسلامة.

فسألها متهكمًا: - ليه؟، حسيتي بالذنب بعد ما دخلت غيبوبة بسببك؟
أومأت رأسها بالإيجاب و: - آه، أنا مقصدتش أوصلك للحالة دي، بس شوفتك بتظلم ولادك، وابني وسطهم، كان لازم يكون دا رد فعلي.

تنهد فاروق بتعب و: - المساواة في الظلم عدل ياشهيرة، لو ظلمت هظلمهم كلهم، ولو عدلت هعدل بين الكل، أبعدي عن الموضوع، دول ولادي أنا.

لم يرق لها ما قال، فرددت: - بس آ...
- شهيرة، لو عايزة تقولي حاجه قوليها أنا مش همنعك، ولو عايزة تسمعي كلامي وتسكتي، يكون أفضل.

ثم تنهد و: - أنا تعبان ومحتاج ارتاح
ضغطت بكفها على كتفه وهي تردد: - أعتبرني معرفتش حاجه يافاروق، أنا مش ضدك، أنا ضد تصرفك ودا من حقي
ولج الطبيب المعالج، فوقفت شهيرة: - عامل إيه النهاردة يافاروق بيه، خضيتنا عليك ياراجل
- الحمد لله
ثم نظر حيالها وتابع: - بقيت أحسن.

أنتهت رفيف من غرف الطعام في الصحن، ثم التفتت لتقول بهمس: - وطلع مقلب هو عامله، وأكيد متفق مع حد يعطل الأسانسير
كركرت ندى وهي تكتم صوتها، ثم تسائلت بشغف: - وبعدين
ف أطرقت رفيف رأسها و: - وبعدها حصل اللي قولتلك عليه
فتعاطفت ندى مع حاله: - ما خلاص بقى يا فيفي بقى، خلينا نفرح بيكم.

لمعت عيني رفيف لمعة متألمة وهي تردد: - بتقولي إيه ياندى!، مستحيل أنسى اللي هو عمله، وكمان أتجوزني قبل ما اكشف الحقيقة عشان يضمن وجودي معاه، لكن دا بعينه.

دلفت مروة عليهن في المطبخ، فتوقفتا عن الحديث وهن ينظرن إليها، رمقتهن بضيق و: - بتبصولي كدا ليه!
فأجابت ندى: - وانتي مركزة كدا ليه يامروة
ثم اجتذبت ندى رفيف للخروج من المطبخ و: - متركزيش عشان متتعبيش
خرجن سويًا، لتردد رفيف بعتاب لطيف: - كدا أحرجتيها ياندى!
فقالت ندى بصوت منفعل: - وهي دي بتحس!، لو بتحس مكنتش عملت كدا معاكي، اسكتي يارفيف انتي على نياتك، أنا بعرف إزاي اتعامل مع مروة.

سكبت مروة الماء البارد وهمّت للخروج، ولكن قاطعها دخول دريّة وهي تسأل: - مقولتيش يامروة هتستلمي شغلك أمتى؟، بدل قعدة البيت دي يابنتي!
زفرت مروة وهي تجيبها: - بكرة ياخالتي، غيرت رقم تليفوني واديني غيرت الوظيفة كمان، تفتكري نفسيتي هتتحسن زي ما قولتيلي؟

ربتت دريّة على ظهرها بعاطفة و: - طبعًا، بس انتي بطلي تفكري في اللي يشيلك الهم، وطالما الجدع اللي بتقولي عليه هو اللي سابك يبقى خسران، في ستين داهية ولا يهمك، بكرة تشوفي عوض ربنا عامل إزاي، يلا عشان تتغدي معانا.

لم تجرؤ على ذكر الحقيقة كاملة، حتى إنها تهرب منها بينها وبين نفسها، فكيف تواجه بها خالتها، خرجت وهي تفكر في حال تلاقي الوجوه، كيف سيكون الوضع، بالطبع سيكون وضعًا متأزمًا للغاية، تأففت بضيق وهي تعنف نفسها من هذا الخوف الذي يعتريها كلما فكرت به و: - هيعمل إيه يعني!، أعلى ما في خيله يركبه، أنا مش هيهمني غير نفسى وبس.

الجميع في حالة إستعداد لخروج فاروق من المشفى اليوم بناء على رغبتهِ، خرج رائد من قسم الحسابات عقب أن أنهى إجراءات الدفع، سار بالرواق المؤدي لغرفة الجد بكامل أناقته، انتشرت رائحته التي نثر منها صباحًا على ملابسه في المكان، وكل من مرّ جانبه وصلت الرائحة لأعماق حواسه..

لمحته برديس من مسافة بعيدة، ف قبضت على جفونها لتمنع حالها من مطالعته، ولكنها وجدت عجزًا يتملكها، فتحت عيناها لتراه عن كثب وهو مقترب منهم، حيث وجه حديثه ل طارق: - أنا خلصت، وهاخد جدي ومراته في عربيتي
ف قوست ناهد شفتيها بإعتراض و: - طب ما يروح ما طارق، وانت كدا كدا طالع على الشركة
فأجاب رائد بفتور: - شكرًا على النصيحة يامرات عمي، بس انا اللي هاخد جدي معايا.

استمع طارق لصوت والدتهِ، ف التفت يراها لتقول له: - جدك عايزك لوحدك ياطارق
أغترّ طارق في خطوته للداخل، حينما كان رائد ينظر لها بتمعن وهتف بصفو نية: - عاملة إيه يابيري، طبعًا فرحتك ناقصة بسبب تعب جدي!
ف ابتسمت بوداعة وقد انشرح صدرها لحديثه معها: - المهم يبقى جدو بخير، وانت عامل إيه؟، مبقتش أشوفك في القصر
- الحمد لله، مشغول اليومين دول بقفل في شقتي عشان لما نحدد معاد الجواز تبقى كل حاجه جاهزة.

تجهم وجهها وهي تستمع لعبارته الأخيرة، ثم رددت: - خلاص هتتجوز!، قصدي يعني هتسيب القصر وتسيبنا؟
ف ابتسم وهو يتابع: - لأ طبعًا اسيبكم ازاي، أمي هتكون في القصر يعني لازم كل يوم اشوفها، بس رفيف مش هترتاح غير واحنا لوحدنا.

تعمقت في الحوار معه على غير عادتها، ربما اشتاقت له وهي لا تشعر، ولكنها وجدت حالها تنساق في الحديث معه وتفتتح الموضوعات كي لا ينتهي الحوار، لاحظت إيمان هذا التودد الغير معتاد بينهما، فلم يرق لها كون ولدها هو الزوج الرسمي ل برديس الآن، وأيضًا على غير رغبتها، مما جعل داخلها ما زال ملوثًا حيال برديس..

خرج طارق من غرفة الجد متفائلًا كأنه تلقى خبرًا سعيدًا، لتقع أبصاره على زوجته التي تمازح رائد ويضحكان سويًا ملء شدقيهما، تنشطت الغيرة بداخله والتهبت حتى وصلت لذروتها، خاصة بعد كلمات والدته المسمومة التي تعمدت بها الإيقاع بينهما: - بقالهم شوية على الحال دا، هزار وضحك ومسخرة على الآخر
تركها طارق قبيل أن تستكمل حديثها وانتقل نحوهما وهو يردد متهكمًا وعلى وجهه بوادر غير مبشرة: - ما تضحكوني معاكم.

التفت رائد إليه يقول برزانة: - عامل إيه ياطارق؟
فكان باردًا متناقضًا مع نيران صدرهِ: - كويس، مقولتش إيه اللي مضحكك أوي كدا
تصنعت ناهد التفاجئ بما قاله عاصم، رفعت حاجبيها بعدم تصديق وهي تردد: - ورق أبيض!، يعني معرفتش أبوك كاتب إيه في وصيته
فأجاب بإقتضاب: - معرفتش، مفيش غير إحتمالين، ياأما أبويا لسه مكتبش وصية، ياأما في وصية مستخبية محدش يعرف مكانها.

عضت ناهد على شفتيها وهي تطابق حديث الأخوين، فكان الحديث مماثلًا، وهذا ما طمئنها قليلًا، استدارت برأسها لتلمح هذا التوتر الجلي بين ابنتها وزوجها، فضيقت عيناها و: - طب روح شوف بنتك وجوزها عشان شكلهم مش مريحني
كان تقدمه منها في نفس التوقيت الذي يستعد فيه طارق للمغادرة بها قبيل أن يرتكب جريمة، ولكنه وقف مع عبارة عاصم: - رايح فين ياطارق؟، مش هتستنى جدك
- لأ، رائد موجود ربنا يخليه.

ثم أطبق على كفها وسحبها خلفه فجأة، ف ابتسم رائد قبل أن يضحك وردد: - جوز بنتك بيغير مني
ثم انفجر ضاحكًا وهو يبتعد عن عمهِ، ف ذمّ عاصم شفتيه بسخط وهو يهمس من بين أسنانه: - فاكر الدنيا بين إيديك زي ابوك!، نفس العجرفة بتاعته
دفعها لتجلس بالمقعد الأمامي، بينما صاحت هي فيه: - صحيح إنك غبي، في واحد يتعامل مع مراته بالهمجية دي!
جلس في مقعد القيادة، وبتهور شديد قاد سيارتهِ وعقلهِ يكاد ينفجر من الغيظ.

كانت تسقي الزروع المُنتشرة في متجرها وتهتم بإجتثاء الذابل منها، تركت أبريق المياه وانحنت تهتم بإحداهن، ليأتيها صوت إشعار إستلام رسالة عبر تطبيق الواتساب الشهير، فتركت زروعها الخضراء اليانعة، وراحت تتفقد هاتفها..

وجدت رسائل نصية عديدة من رائد، ف تأففت بضيق وكادت تتركها دون فتحها، ولكنها لاحظت إنها صور، ف انتابها الفضول، فتحتها لتجد العديد من الصور ل شُقة رائد التي كانت ستسكنها عقب الزواج، وقد بدت لها جاهزة مستعدة لإستقبالها، أنفرجت شفتيها بذهول وهي تتأمل الصور مليًا، هذا هو الأثاث الذي اختارته مسبقًا، وهذه الألوان على الحوائط هي المفضلة لديها والتي انتوت سابقًا أن تختارها، فكرت قليلًا ومازالت تطالع الصور، ثم رددت بغيظ اعتراها: - يعني إيه؟ بتحطني قدام الأمر الواقع!

أغلقت هاتفها و: - طب أعمل معاه إيه دا؟
كان الحوار بينهما على أشده منذ أن ابتعدا عن المشفى، وفكرة واحدة مسيطرة على فكر طارق: - هو سؤال واحد، وقفتي ليه تهزري معاه؟، ماانتي عارفه إني مش بطيقه
- قولتلك 100 مرة ماليش علاقة بمواضيعكم مع بعض، دا ابن عمي وعادي لما اتكلم معاه.

فضرب على المقود بعصبية شديدة وهو يتابع: - طالما قولت مش بطيقه يبقى تبعدي عنه نهائي، وإلا هتبقي سبب خناقه كبيرة بيني وبينه.

عقدت ساعديها بإحتجاج صريح و: - مش عارفه انت لسه بتغير منه ليه طالما اتجوزتك انت، مش هتبطل بقى تطلع عقدك عليا!

كاد يصطدم بالسيارة الأمامية عقب عبارتها الأخيرة التي أضرمت النار بصدره، ولكنه تفادى حادثة كبيرة كادت تقع، وبشدة وعنف لكز ذراعها وهو يهتف: - أنا عندي عُقد!، ولا انتي اللي هتموتي عليه بس هو معبركيش؟، مين فينا اللي عنده عُقد يابنت عاصم.

كشف ما يجول بداخلها كان صدمة بالنسبة لها، حدقت عيناها وهي تنظر إليه غير مصدقة، وجاهدت لتبرئ نفسها من هذا الإدعاء الصادق: - you are crazy! (مجنون)
إزاي تفكر بالشكل دا!

بداخل صرح العامري.

عبرت رفيف بوابات الشركة بسهولة لعلم الأغلبية بشخصها، حتى أن أميرة مديرة مكتب زوجها قد صاحبتها حتى غرفته، جلست رفيف في انتظاره حيث إنه بداخل إجتماع هام قبيل سفر الوفد التابع لهم إلى بولندا، تأملت رفيف غرفة مكتبه الأنيق لأول مرة، وقفت عن جلستها عقب أن سئمت الجلوس، وتجولت يمينًا ويسارًا، حتى لمحت هذا الإطار الصغير على سطح مكتبه، صورة نادرة لهما لم تراها من قبل أثناء عقد قرانهما، تلقائيًا ابتسمت بحبور، وتلمست الإطار..

تذكرت كيف كان مذاق خيانتهِ حارقًا، ف سحبت كفها وهي تتنفس بعمق، حتى استمعت لصوت فتح الباب، تلاقت نظراتهما وهو يشملها بنظرات عاشقة، ثم ردد: - جيتي بنفسك هنا!
أغلق الباب من خلفه وأوصده بالمفتاح، ف تحفز داخلها وهي تهتف بإعتراض: - انت قفلت الباب ليه؟
فقال بوداعة لا تناسب نواياه: - عشان نتكلم براحتنا.

أمسكت حقيبتها وقبضت عليها وهي تشعر بالخطر الذي يحاوطها مع اقترابه لها، ثم رددت وهي تسير نحو الباب: - هنبقى نكلم بعدين، عشان سايبه ندى في المحل لوحدها
يمينًا فيتبعها، يسارًا فيتبعها أيضًا، تنهدت وهي تبتعد للخلف و: - عايز إيه؟
فقال بخبث تلألأ في محجري عينيه: - انتي اللي عايزه مش انا.

ف استجمعت شجاعتها لتهتف دفعة واحدة: - الصور اللي بعتها دي معناها إيه، لو فاكر نفسك هتقدر تحطني قدام الأمر الواقع تبقى غلطان.

ف اقترب منها بحذر وهو يردد بإستمتاع: - وإيه كمان؟ كملي
نظرات عينيه الزرقاوتين تلك تهلكها، وتبدد حصونها التي اختلقتها بينهما، ولكنها أدعت الثبات و: - ومش هتنفذ اللي بتخططله
ف لمس خدها الناعم وهو يردد: - حببتي أنا أصلًا خلصت كل حاجه
واقترب من وجهها وهو يتابع: - فاضل حاجه واحدة بس
ستركض الآن لا محالة، ولكنه حاصرها بذراعيه قبل أن تفرّ وردد: - الفرح ياأوركيدا، تحبي يكون أمتى؟

ابتسم طارق من زاوية فمهِ بسخرية وتابع: - أوعي تكوني فكراني عبيط ولا أهبل، أنا بتفرج على الكل وانا ساكت أه، لكن دماغي توزن عشرة زيك، وعارف إنك موافقتيش غير عشان المحروس هيتجوز، بس وديني لأكون موريه وموريكي انتي كمان، أنا مش السلم المايل اللي هتوصلي بيه للي عيزاه.

فصرخت بصوت هادر: - أقف ونزلني، نزلني
لم يعيرها اهتمامًا، بل زاد من سرعة سيارته، حتى وجدها تنزع عنها حزام الأمان بتشنج وهي تزمجر بإنفعال: - نزلني بقولك
ف ضغط بأصابعهِ على ذراعها وهو يتمسك بها ويصيح فيها: - هي هربت منك ولا إيه! أعقلي يا برديس، اللي بتعمليه دا مش هياكل معايا ولا هينسيني.

خدشت كف يده بأصابعها بغباء شديد حتى نتج عن ذلك خدشات عميقة، ف أزال كفه عنها تلقائيًا و: - يابنت المجانين
همّت تفتح باب السيارة، ف أسرع يغلق أمان السيارة، ولكنه تأخر لحظات، فكانت هي قد فتحت الباب وقفزت من السيارة نحو الطريق السريع متجاهلة المصير الذي ينتظرها بعد ذلك، فصاح بأعلى صوت لديه: - برديس!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة