قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والثلاثون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والثلاثون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والثلاثون

وركضت للخارج هروبًا من مكان ستجتمع فيه مع هذا الكائن الصغير الذي تخشاه أكثر من أي شئ آخر، ولكنه ترك القطة بسرعة ولحق بها، استوقفها وراح يحذرها بلباقة تتناقض مع غضبهِ منها: - بعد كدا متشكيش فيا، أنا مش مصدر شك
ف أفتر ثغرها ب ابتسامة ساخرة و: - فعلًا، إزاي يعني أشك فيك؟، انت زي الصفحة البيضا بالظبط، مش كدا!

كانت تلميحاتها تصيبه بالامتعاض أكثر، من ناحية إنها صادقة وناحية أخرى إنه قدم كل ما يستطع لتقبل ب ندمهِ وتوبته عن خطئه ولكنها لم تقبل ذلك..
دقق ناظريه على بؤبؤيها وهو يردد: - أه كدا
ظهرت مروة عقب أن اختفت بالداخل للتحدث في الهاتف بعيدًا عن العيون، لمحتهم وهم يقفون سويًا، ولكنها أدعت عدم الأهتمام بهم، في حين قال رائد بإستخفاف: - مروة اهي، روحي شوفيها، ولو عايزة تسأليها لسه.

لينا علاقة ببعض ولا لأ أسألي، أنا معنديش مشكلة خالص
كانت تعابيره صلبة قوية تخلو من أي لين أو تهاون، متأثرًا بشكوكها التي كانت محقة بها بعد الشعور بخيانتهِ.
انسحبت من أمامه وعادت تدخل إليهم، بينما ظل هو مرابطًا بمحله، عض على شفته بغيظ منها، ثم عاد يدخل للمطبخ وهو يتمتم: - غبية.

مئات الأفكار تتجول في عقله الآن، وهي على رأس هذه الأشياء، كان ممدًا بجسده على الفراش، مديرًا ظهره له متصنعًا النوم على جانبه، بينما عيناه مفتوحتان ولكن لا يرى سواها أمامه.
وهي أيضًا عقلها منشغل به، كانت برديس تداعب أصابعها وهي تفكر بتلميحات رائد حول قطتها، تنهدت بصوت مسموع وتحدثت بصوت خفيض: - طارق انت نمت؟

كان مستمعًا لصوتها، ولكنه لم يجيب، ف استقامت في نومتها و رددت بتذمر: - أوف، أنا زهقت من القعدة دي، طارق قوم نروح أي حته
أطبق جفونه متجاهلًا إياها، فضرب عقله ما رآه بهاتفها من صور عديدة ل رائد، فتح عينيه فجأة ليفر من هذه الحقيقة التي تجاوزها، فوجدها ما زالت تلح: - ياطارق اصحى بقى، من أمتى بتنام بدري
تشنج جسده وهو ينهض من نومته بإنفعال، ونظر للساعة وهو يردد: - الساعة 2 بعد نص الليل، هو إيه اللي بدري!

ضيقت عيناها بحنق و: - لما انت صاحي مش بترد على طول ليه؟
دفع الغطاء عنه وهو يقف مستعدًا لمغادرة الغرفة: - عشان مش عايز أرد
أوصد الباب ووقف قليلًا بمكانه: - هو انا هفضل كدا لحد أمتى؟! أنا زهقت، دا انا حتى مفرحتش بجوازي!
كشر عن أسنانه وهو يردد بغضب اعتراه: - هو ابن ال دا هو السبب!، لو بأيدي كنت خنقته لحد ما طلعت روحه في إيدي
فتحت برديس الباب فجأة وهي مندهشة، وأردفت: - oh my God إنت بتكلم نفسك ياطارق!

فأجاب: - هو انتي خليتي فيا عقل؟، ادخلي نامي أحسن
ومضى بإتجاه الدرج وهو يشعل أحد سجائره متمتمًا: - أبو الجواز على الحب على اللي عايزهم.

جمع رائد كل الأوراق المبعثرة ووضعها أعلى بعضها البعض، ثم فرك عينيه بإرهاق شديد، شعر بها تخرج من المرحاض فرفع بصره حيالها، كانت تجفف وجهها بالمنشفة، ثم تركتها جانبًا وسحبت علاجها لتتناوله، انتقلت عيونها نحوه، فوجدته منشغلًا بالعمل على حاسوبهِ الشخصي، أمسكت بهاتفها الذي أصبح شبه خردة عقب أن تشبع بالمياه، ولكنه مازال قيد العمل، نفخت بسأم ثم تمددت لتنام على أحد أطراف الفراش وتدثرت جيدًا، تاركة إياه مهملًا هكذا..

أغلق حاسوبه وتركه جانبًا وارتكز بنظراته عليها، ثم نظر لخاتم زواجه المحفور عليه حرف ال R من أسمها، داعبه قليلًا وباله منشغلًا بها، وأخيرًا أطبق جفونه وهو ينزعها من أصبعه، نظر له مليًا، ثم تركه على الكومود المجاور له قبل أن يمدد جسده على الفراش بجوارها، مستسلمًا لطاقة واسعة من التفكير سيطرت عليه لوقت غير معلوم.

في صباح جديد، ومع البداية الحقيقية لفصل الشتاء..
وقف رائد خارج القصر ممسكًا بكوب من القهوة السريعة، منتظراً لشئ ما، ارتشف جرعة كبيرة بعدم انتباه، ف احترق صدره بفعل هذا اللهيب الذي لمس حنجرته، مسح على شعره وهو يتجول بنظراته على محيط القصر، حتى خرجت زهور إليه وهي تنظر حولها بارتباك شديد..
دنت منه وهي تهمس: - رائد بيه، عملت زي ما حضرتك قولت
التقط رائد ما تمسك منها بتحمس و: - حد شافك؟

- لأ، بس آ، خايفة
ف رماها بنظرة حادة وهو يجأر ب: - محدش يقدر يقربلك، ادخلي انتي وكأنك متعرفيش حاجه
ف عادت تدلف للداخل بسرعة، بينما وضع هو نظارة الشمس خاصته ومضى حتى البوابات الرئيسية، ناول أحد الحرس الصندوق المغلف وهو يأمره ب: - أعمل زي ما قولتلك بالظبط
- أمرك ياباشا
ثم عاد رائد بنفس الطريق ليستقل سيارته ويمضي بها، نظر في مرآة السيارة الأمامية وضبط شعره وهو يبتسم بتشفي، ثم بدأ يدير المحرك وينطلق.

مازلت متمسكة بعادتها في الإستيقاظ مبكرًا، ولكنها غفت بعمق هذه الليلة لدرجة إنها لم تشعر به عندما انصرف..
استيقظت رفيف ونظرت حولها باحثة عنه، ولكنه غير موجود، اقتربت من المرحاض لتستمع هل هو بالداخل أم لا، فلم تجده، فتحت الباب فإذ به فارغًا، عادت نحو فراشها، وأثناء ذلك لاحظت دبلته، انقبض قلبها وهي تسرع نحو الكومود، فصدق حدسها، أمسكت بها تتأملها وقد شعرت بالقهر..

تظن إنها ستتدلل مطولًا وعليه الرضوخ والإستجابة وعدم الإستسلام بسهولة، جلست على طرف الفراش وهي تسأل سؤال واحد: - معقول بطل يحبني؟!، انا صح ولا غلط!، أنا صح، هو اللي غلط
ثم صاحت وكأنها صرخة مكتومة بصدرها: - غلط.

صوت ضجيج أتى من الخارج جعلها تتوقف عن محادثة نفسها، دققت سمعها قليلًا لتكتشف إنه صوت مدللة العائلة برديس، أطبقت على خاتم زوجها وتحركت نحو الباب، فتحته وخطت خطوة لتستمع إليها وهي تصيح بجنون: - يعني إيه مش موجودة؟!، بقولك كانت في الأوضة طول الليل!
أجفلت زهور وهي تنكس رأسها و: - صدقيني ياهانم مشوفتهاش من الصبح ومعرفش راحت فين.

صرخت فيها برديس بإنفعال شديد: - تروحي حالًا وتدوري عليها، أقلبي القصر كله ومترجعيش غير وهي معاكي
- ح، حاضر
وانطلقت مهرولة من أمامها، استدارت برديس لتجد رفيف تتابع ما يحدث بنظرات شامتة، لقد ضاعت قطتها التي تسبب لها الذعر منذ أن حضرت للقصر، شعرت ببعض الراحة، وعادت تدخل غرفتها وهي تردد: - أحسن، يارب ما تلاقيها.

كانت طوال وجودها بقاعة المحاضرات گالمغيبة كليًا، لا تدري ما هذا الذي أصابها وجعلها في هذه الحالة المزرية من غياب ليلة واحدة فقط، لا تنتبه حتى لصوت المحاضر الذي يلقي عليهم محاضرة جديدة.

جلست ندى طيلة الساعة والنصف على أمل انتهاء المحاضرة المملة تلك في أي لحظة لتتمكن من الخروج وتحاول للمرة المليون على التوالي أن تتواصل معه، من ناحية مطمئنة لأنه قضى الليل بالقصر، وناحية أخرى مضطربة ذهنيًا ولا تعلم ما سر هذا التغير المفاجئ تجاهها، وكيف له أن يغيب كل هذا الوقت بدون تقديم مبرر يشفع له لديها.

خرجت من القاعة بعد انتهاء المحاضرة وقامت بتجديد محاولاتها للمرة الأخيرة وبدون فائدة، ومن بعد ذلك قررت أن تتواصل مع رفيف وتتحدث إليها مباشرة لكي ينفك عنها هذا الاختناق الذي أصابها: - والله ما عملت حاجه يارفيف؟، آخر مرة مكلمني كنا كويسين جدًا
كادت تبكي لولا إنها كبحت رغبتها تلك كونها بوسط محيط ممتلئ بالطلاب والطالبات: - تفتكري كان بيلعب بيا؟

ف نفت رفيف ذلك وبشدة: - لأ مستحيل، عمي عادل مش من الرجالة دول
فصاحت فيها بدون إدراك: - ما قولتلك 100 مرة بلاش عمي دي بتعصبني!
حمحمت رفيف و: - حاضر حاضر، هقفل معاكي عشان ماما فريدة بتنادي، لو عرفت حاجه هعرفك، باي
أغلقت الهاتف واقتربت من فريدة الجالسة على مقعدها وقد ارتدت كامل ثيابها، جلست قبالتها و: - هتتأخري ياماما؟
- لأ ياحببتي، مشوار صغير وهاخد معايا سعد، ما تيجي معانا.

فكرت رفيف قليلًا، ثم عبست بوجهها وهي تردد: - كنت عايزة اروح محل الورد بتاعي أنا أهملته جدًا، ولما بتصل برائد مش بيرد عليا خالص!

ف اقترحت عليها: - إيه رأيك تروحي عنده الشركة، واهي تبقي فرصة كويسة ليكم
كانت نظرات الأم المغزية بعيني فريدة تجبرها على الابتسام تلقائيًا، أجفلت بحرج منها وهي توافق على اقتراحها: - هعمل كدا
- طيب قومي البسي وانا هوصلك في طريقي
تحمست رفيف لتنفيذ تلك الخطة، ومضت راكضة نحو مدخل الغرفة، لتصطدم ب إيمان في الطريق، فتوقفت فجأة ورمقتها بحرج: - آسفه.

فبادلتها إيمان بنظرة محتقرة شأنها: - أبقي فتحي وانتي ماشيه
وتركتها لتدلف إلى الداخل وهي تقول بتذمر: - مش عارفه انا أخرة القاعدة هنا إيه؟، سايبة بيتي ومحبوسة هنا! وأخرتها
قادت فريدة مقعدها نحو المدخل عندما لمحت سعد الذي دنى منها ليساعدها في الخروج: - أنا هخرجك انا
تابعتهم إيمان وهي تردد بنبرة ساخطة: - انتي اتبنيتي واد جديد بعد ما رائد اتشغل عنك ولا إيه يافريدة!

فقالت بإستخفاف وهي تتعمد إستفزازها: - حاجه زي كدا، عقبالك ياإيمان
انصرفت إيمان عن النظر إليها لتتعلق نظراتها بإطار والدها الضخم في حجمهِ: - ربنا يسامحك يابابا، انت اللي خلتني اصطبح بالوشوش دي على الصبح
ثم ألقت بجسدها على المقعد و: - ربنا يعجل بخلاصنا بقى.

كانت برديس تتحرك بهيستريا هنا وهناك منذ ضياع قطتها هذا الصباح، حتى إنها أمرت حرس القصر بالبحث عنها بالمحيط جيدًا، أصيبت بالجنون لدرجة نسيان تناول فطورها.
وقفت أمام الباب تنتظر أي خبر منهم، حتى رأت أحدهم يقترب، لم تتحمل انتظارًا، حيث أسرعت باتجاهه وهي اتسائل بتلهف: - حد لقاها؟
أخفض الحارس بصره بضيق وهو يردد: - للأسف لأ، بس لقينا حاجه تانية معرفش بتاعتها ولا لأ.

انقبض قلبها وهي تتسائل بتوجس وخيفه: - حاجه إيه!
بسط الحارس ذراعه بشريطة متوسطة الحجم، وردية اللون، وقد تلطخت بالدماء، وقال: - لقينا دي برا، قولت يمكن بتاعتها
دققت برديس النظر إليها لتستكشفها من بين الأتربة وبقع الدماء، فتأكدت ظنونها، لقد تعرضت قطتها لمكروه..
شهقت بفزع وهي تغطي فمها وقد لمعت عيناها لمعة باكية: - كيتي!، ماتت؟
- تقريبًا ياهانم خرجت ومحدش شافها وعربية خبطتها على الطريق.

شهقت مرة أخرى وهي تلتقط منه الشريطة ومن ثم أسرعت للداخل بخطى شبه راكضة، انهارت باكية بكاءًا مريرًا وهي تعتلي فراشها، نظرت إلى قفصها المبطن الذي كانت تنام فيه بحجرتها، وكراتها الصغيرة التي كانت تلاعبها بها، ف ازداد بكائها وهي ترتمي برأسها على الوسادة تعاني من فراق روح كانت غالية عليها كثيرًا، تعالت شهقاتها كما لو كانت إنسان تُرثيهِ، واستمر حالها هكذا لفترة من الزمن، لم تفيق منها بتاتًا بل ازدادت حالتها سوءًا وانهيارًا.

ترك رائد قداحتهِ عقب أن أشعل سيجارة بيضاء رفيعة السُمك، وابتسم ابتسامة المنتصر وهو يردد: - دي هدية لملوكة ياشهاب بيه، أنا عارف هي قد إيه بتحب القطط
صمت قليلًا ثم استطرد: - على إيه بس، يارب تعجبها، مع ألف سلامة
ثم أغلق هاتفه و: - يارب تهدي شوية بقى يابرديس
ولجت أميرة وهي تحمل ملفًا ضخمًا وآخر يقل عنه في الحجم، اقتربت من المكتب وهي تقول: - دي كل حاجه متعلقة بفرع مرسى علم زي ما حضرتك طلبت.

أشار لها لتقترب: - الورق دا لازم يتظبط كله النهاردة عشان انا مسافر بكرة ياأميرة، فهماني
- آه يافندم
وضعت أمامه أول ملف وهي تنحنى على المكتب بالقرب منه، ثم رددت: - حضرتك عملت إيه في كيتي؟
ف ابتسم وهو يجيب: - بعد ماانتي اشتريت قفص جديد وجهزتيها بعتها مع السواق لبنت واحد صاحبي عندها قطط وبتموت فيهم
- أنا تخيلت حضرتك هتتخلص منها.

فقال وهو يشمل الورقات بأنظار مهتمة: - مقدرتش الحقيقة، فين عقد المالك بتاع الشركة نفسه؟
انحنت عليه قليلًا وهي تبحث بين الورق بصفو نية، فلم تجد شيئًا، فتركت الملف الآخر وبدأت تبحث باهتمام، حتى رائد لم ينتبه لإنقطاع المسافات بينهما هكذا..

لتضربه الصدفة بضربة أخرى، دلفت رفيف فجأة بدون الطرق على الباب بعد أن وجدت مكان السكرتارية فارغًا، ف تصادمت نظراتها بهذا المشهد الذي زرع الريبة والشك بأغوارها من جديد، هي فقدت كامل ثقتها فيه، حتى إنها على استعداد لتصديق شيطان رأسها وتكذيبه هو.
تعلقت نظراتها بهم بعض الوقت وهم في غفلة من وجودها، وما جعلها تنتظر هو رغبة قلبها المُلحة، علها تجد دليل برائته.

ابتعدت أميرة وهي تردد: - طب أنا هرجع الأرشيف واشوف العقد فين!
كاد رائد يصيح فيها موبخًا إياها، ولكن ظل رفيف أثار انتباهه لينظر باتجاهها: - رفيف! بتعملي إيه هنا؟
ابتسمت أميرة وهي تستقبلها و: - أهلًا يامدام رفيف، نورتي الشركة
ثم استأذنتهم: - عن أذنكم
نهض رائد ومضى صوبها وهو يسأل ببعض الحزم: - ازاي تخرجي من غير استئذان؟، وكمان تيجي لحد هنا من غير ما اعرف؟

أشاحت ناظريها عنه و: - أنا جيت مع ماما فريدة عشان انت مش بترد على الموبايل
ف قوس شفتيه متفهمًا حجتها القوية: - انتي بتتحامي في ماما يعني؟!
لم تجيبه، ولكنها انتقلت لهذا الشك الذي أعماها: - دي بقى واحدة جديدة؟ ماانت مينفعش تقعد فاضي كدا من غير واحدة تسليك؟!
تنغض جبينه بإنفعال وشيك وهو يردد: - انتي بتهببي بتقولي إيه؟، انتي لسه سخنة ولا إيه على الصبح!

فقابلت نظراته الحادة بنظرات أكثر إحتدامًا: - لأ انا واعية للي بقوله، مشوفتش نفسكو كنتوا قريبين من بعض ازاي؟!
ف ضرب كفًا بالآخر وهو يردد: - لا دي هبت منك خالص، مش هتعقلي بقى ولا اعقلك انا بنفسي!
لم تهتم بتهديده وراحت تعاند معه: - لأ مش هعقل، وريني هتعقلني ازاي
فأجاب من بين أسنانه: - أنا صابر عليكي صبر أيوب، إنما لو صبري خلص والله مااعرف هكون عامل ازاي معاكي.

تجاهلت ما قال، واستعدت للرحيل: - أنا رايحة المحل
فقال بجواب قاطع غير قابل للمناقشة: - لأ
- لأ هروح، أنا لازم اطمن عليه قبل مااسافر معاك
ف ارتفع صوتهِ فجأة: - وانا قولت...
صوت قرعات على الباب جعلته يبتر عبارتهِ فجأة ويخفض من صوته: - لأ
دلفت أميرة وهي تردد برسمية: - العقد يافندم
- أنا ماشيه.

قالتها رفيف وهي تنصرف من غرفته وقد بلغ الحنق مبلغه، حينما رغب هو في تركها الآن لتهدأ، ومن منظور آخر ليرى ماذا ستفعل بعد أن ألقى عليها الأمر، هل تعصاه أم تعمل به.
جلس يتفحص العقد بعقل منشغل بها، لقد تجاوزت شكوكها الحد المسموح به، وبدأ هو يضجر مما يعانيه معها وإن كان من البداية هو المخطئ والمسؤول، زفر رائد بضيق و: - روحي انتي دلوقتي ياأميرة ولما اخلص هبعتلك
- أمرك يافندم.

ترك العقد وفرك جلد وجهه بإنفعال، ثم ردد بنفاذ صبر: - مفيش قدامي حل تاني، ودي آخر حاجه هعملها معاكي.

لم يتأخر گالعادة، كانت الساعة تدق التاسعة والنصف ليلًا عندما حضر للقصر متفائلًا مبتهجًا على غير عادتهِ بالأيام السابقة.
صعد طارق على الدرج وهو يمسك بإطار كبير ومغلف، فقد قام بتصليح الإطار الذي انكسر واستبدله بآخر أحلى وأقيم، فتح باب غرفته مستعدًا للقائها ومفاجئتها بما فعل، ليتفاجأ بالمشهد التالي..

تجلس بوضع القرفصاء في منتصف الفراش، ترتدي ثيابًا سوداء وتعقد شعرها بشريط من الحرير الأسود، وقد بدا عليها آثار للبكاء الطويل، انقبض قلبه وترك الإطار جانبًا وهو يدنو منها قائلًا بقلق: - برديس انتي كويسة؟، مالك حصل إيه معاكي؟
ثم تطلع لثيابها السوداء وقال بتوجس تملكهُ: - في حد جراله حاجه؟
تعالت شهقاتها وهي تمسح أنفها بالمنديل، ثم رددت بصوت باكي خالجهُ أنين الألم: - كيتي Died (ماتت) ياطارق.

سعل وهو يكتم سبة خافتة قالها بسرية، ثم رمقها بقنوط وردد: - كل اللي انتي عملاه دا عشان حتة قطة!
فردت ومازال بكائها مستمرًا: - مكانتش قطة عادية، انا كنت بحبها جدًا
تأفف بتذمر بينما ناولته هي شريطة كانت تعقد بها خصلات القطة الأمامية لتبدو أكثر أرستقراطية وهي تتابع: - الأمن لقى دي وقالي العربية خبطتها
وتابعت البكاء، بينما ردد هو مستخفًا: - متزوديهاش يابرديس، أمال لو انا اللي مت؟!، هتزعلي كدا برضو؟

حملقت وهي ترمقه بنظرات معاتبة، وسرعان ما اختطفته بين أحضانها واستطردت: - طارق اخس عليك متقولش كدا تاني، أنا مش بستحمل الكلام دا Please
كانت ردة فعلها أكبر مفاجأة لم يكن يتوقعها، أوقظت عاطفته وشوقه لها والذي كبحه ليالٍ طويلة، ضمته بإنفعال عاطفي خوفًا من فقدانه عقب أن ترسخت الفكرة بعقلها، بينما استسلم هو لدفء صدرها الذي طوقه وعانق رقبته، دغدغت مشاعره التي لطالما رغبتها.

ببطء متوجس، تسللت ذراعه لتطبق عليها، تحسس بأصابعه ظهرها الدافئ المناقض لبرودة كفه، وبشغف كبير ضمها أكثر وهو يطبق جفونه..

تلك الحالة الوحيدة التي انتشلتها من حزنها الذي طاردها منذ الصباح، تركت العنان لنفسها كي تغوص بين ذراعيه وفي جسمه الذي احتواها، بعض الأمان تخللها وقلما تشعر بذلك، لذلك لم تفوت على نفسها فرصة التنعم بهذه اللحظة التي نتجت عن تلقائيتها الشديدة، وأغمضت عيناها سابحة في هذا الشعور اللذيذ.

توقف أمام باب سيارته يتحدث في هاتفهِ، وقد تملكه الغضب جراء تعنتها معه وعنادها الغير منتهي: - إيه؟، يعني إيه مرجعتش البيت من ساعتها ياماما؟
ضرب على سطح السيارة بإنفعال و: -ماشي ياماما ماشي، . لأ مش معايا وقايلها من الصبح تروح، لكن أكيد راحت المحل بتاعها برضو من غير رضايا، سلام ياماما، سلام دلوقتي.

واستقل سيارته وهو يجأر ب: - أعمل معاها إيه دي بقى؟
حاول الوصول إليها، ولكنها كانت مستمتعة برؤية اسمه على
شاشة هاتفها بدون أن تجيبه مثلما فعل هو معها بالصباح..
تابعت عنايتها بأزهارها وورودها، فقد فسد الكثير منهم بسبب غيابها..
أمسكت بخاخ المياة وراحت تنثر على أوراق الزرع الأخضر وهي تغمعم: - فاكرني تحت أمره ولا إيه؟، أما اشوف بقا هيعقلني ازاي؟

وعلى حين غرة، استمعت لصياحه وهو يتقدم منها مندفعًا: - انتي عايزة إيه مني بالظبط؟، عايزة تجننيني ولا عايزة إيه مني؟
التفتت إليه وقد أصيبت بالفزع: - مش عايزة غير انك تشيلني من دماغك
جذبها من ذراعها بعنف وهو يضغط عليه متعمدًا إيلامها: - أفندم!، أشيلك من دماغي ازاي ياهانم وانتي مراتي؟
نفخت بتذمر وهي تتابع: - مراتك على الورق بس، وانا فهمتك كدا من أول يوم.

- وإيه اللي غاصب جنابك على التمثلية السخيفة دي! ما تسيبيني أسهل
تأوهت وهي تتخلص من أصابعه العنيفة ورددت: - إنت اللي متمسك بيا ورفضت تطلقني، مش من حبي فيك يعني
ضاقت نظراته وهو يرمقها بسئم ممتعض: - عندك حق، انا غلطان اني حبيتك واتمسكت بيكي، كان المفروض ارميكي أول ما طلبتي الطلاق.

صمت لحظة وعاد يستطرد: - بس ملحوقة، نرجع بس من السفر وكل حاجه هتحصل زي ماانتي عايزة بالظبط
ازدردت ريقها بارتباك وهي تتطلع لنظراته الصادقة في وعيدها المتخفي، ثم قالت بنبرة سكنها القلق: - يعني إيه؟
فلم يتردد في إلقاء ذلك القرار القاسي والمجحف على مسامعها: - يعني أول ما نرجع هننفصل، ورقتك وحقوقك وكل حاجه هتوصلك مني، لكن اني استحملك تاني واطبطب وادلع، مش هيحصل.

وكأن الساعة توقفت في هذه اللحظة، جمدت بشكل مريب وكأن الأجواء گالثلج رغم اعتدالها، رماها بنظرة غاضبة أخيرة و: - أنا مستني في العربية على الناحية التانية، اقفلي المحل وحصليني يا...
ثم تابع بمرارة اختلجت نبرتهِ: - يامدام مع وقف التنفيذ.

ولم ينتظر لحظة أخرى، خرج متجهًا لسيارته، تاركًا إياها تغوص في أعماق الهموم وحدها، لا تصدق إنه قالها أو ينتوي فعلها، يبدو إنها كانت تستهلك من رصيد حُبه لها حتى نفذ ولم يتبقى منه شئ، حتى الدموع تأبى الخضوع لرغبتها، أرادت أن تبكي أو تصرخ، ولكن دون جدوى، تعلقت وعلقت أحلامها في الهواء، وعما قريب ستستقط سقوط الهاوية.

بقى رائد جالسًا خلف المقود منتظرها، لم يعاتب حاله سوى على الأنتظار كل تلك الفترة لاتخاذ قرار مثل ذلك، ظغط على رأسه بإنفعال وهو يردد بصوت مرتفع: - كفاية أوي كدا، ده محدش اتجرأ عليا زيك، فاكرة نفسك مين؟!
نظر لساعة يده وتابع: - وبعدين بقى في العند دا؟ يعني ادخل اجيبها من شعرها دلوقتي ولا اتصرف معاها ازاي؟

لمح رائد سيارة الشرطة تحوم حول المكان، وبعض الدرجات النارية التي يستقلها شرطيين.
فترجل عن سيارته وهو يغمغم: - كان ناقص الليلة تختم بشرطة وحوادث؟
كاد يعبر للإتجاه الآخر ليصطحبها بنفسه، ولكنه رأى شيئًا أثار الرعب في بدنه، يبدو وكأنه متسولًا أو بلطجيًا، يسرع صوب متجرها ويدخل بسرعة وهي داخله..
فركض رائد للحاق به قبيل أنا يصيبها بأذي.

في نفس اللحظة التي كانت فيها رفيف تستجمع أشيائها وكادت تغلق أضواء المتجر لتتركه، وجدت هذا الغريب الأطوار يدخل بسرعة وهو يلهث، ممسكًا بيده سلاح ناري، فشهقت برعب تجلى في نظراتها وتراجعت للوراء بينما قال هو: - خبيني بسرعة، خبيني وإلا هقتلك انتي كمان واخلص عليكي
ارتجفت ولم تستطع حتى الحراك، بينما اقترب هو بخطى مضطربة وهو ينظر للخارج بتخوف: - بقولك خبيني بسرعة يابنت ال.

واستمر في المضي باحثًا عن زاوية يختبئ بها، ولكن آتاه من خلفه من لم يكن يحذره، أطبق رائد على عنقه ليتحكم في حركته وهو يهدر به: - سيب، سيب السلاح قبل ما أطبق على نفسك
صرخت رفيف وهي تركض للخارج مستنجدة بأي أحد، وجسمها ينتفض بارتعاش لم تقوى على السيطرة عليه.
وبمهارة، ضرب الرجل برأسه ذقن رائد كي يفلته، فتراجع الأخير للخلف ليسقط صف كامل من الزهور..

لم يتوانى الرجل في إطلاق رصاصة طائشة أصابت زجاج المتجر وتفاداها رائد، ف أسرع ممسكًا بزهرية من الفخار المصقل وقذفه بها، فتشتت إنتباهه، ليستطيع رائد أخيرًا السيطرة عليه، انقض عليه وراح يكيل له اللكمات والضربات، وطاله رائد من الركلات والضربات الكثير، تحامى الشجار بينهما في اللحظة التي عادت فيها رفيف بصحبة أحد الشرطيين الذي أرسل نداءًا لزملائه كي يحضروا في الحال عقب عثوره على المجرم المفقود..

تدخل الشرطي لحلّ شجارهم وعراكهم، ثم أطبق على الرجل الذي فقد طاقته وقوته حتى حضر فريق الضباط..
ركضت رفيف لزوجها وقد فاضت عيناها بالدموع: - رائد انت بخير؟
تفحصت وجهه وجسده بقلق: - نروح مستشفى ولا حاجه!؟
فتدخل أحد الشرطيين الواقفين: - لأ يامدام، كلنا هنطلع على القسم دلوقتي
تصلبت عضلاته وتحسس وجهه الذي أصيب بعدة لكمات وهو يردد غير مصدقًا: - القسم؟!
ثم نظر لها شزرًا وهو يكرر: - أنا وانتي هنروح القسم!

رائد هيروح القسم ????.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة