قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والعشرون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والعشرون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والعشرون

حاولت برديس الإتصال بوالدها أكثر من مرة، ولكنهُ لا يُجيب، ف نقلت المحاولة لوالدتها التي أجابت من المرة الأولى: - أيوة يابيري، انتي فين؟
زفرت برديس أنفاسها بإختناق شديد، ثم أجابت: - أنا في القصر، طارق رجعني ورفض أروح المستشفى
ارتفع حاجبي ناهد بإندهاش و: - رفض!، يعني إيه رفض؟، يعني مش هتيجي تطمني على جدك؟
فسألتها برديس بقلق: - جدو عامل إيه يامامي طمنيني عليه.

نظرت ناهد حيال الواقفين على مسافة منها، ثم أخفضت صوتها وهي تردد: - الدكتور قال إن جدك في حكم الميت إكلينيكيًا
- إيه!
تجمعت الدموع في عيناها وهي تشحذ والدتها: - مامي please شوفي حل وخليني أجي أشوفه، اتصرفي
ف أوجزت ناهد الحديث وهي تردد: - هشوف الموضوع دا، سلام دلوقتي.

توجهت نحو زوجها بخطى متعجلة وملامح متجهمة، أشارت له فتفهم مقصدها وانفرد بها جانبًا لتبقى عيون عاكف مراقبة إياهم بفضول شديد، خاصًة وأن تعابير وجه ناهد كانت مُقلقة للغاية..
قطب عاصم جبينه بعدم تصديق وهو يردد: - يعني إيه مانعها تيجي!، هو فاكر نفسه إيه إبن إيمان؟

تقلصت عضلات وجه ناهد وهي تتابع متعمدة إشعال فتيل أول اصطدام بينهما: - عايز يتحكم فيها وأبوها لسه على وش الدنيا، لازم تحط حدود لتعامله مع بنتي ياعاصم، مينفعش كدا.

وكأنها بلغت مرادها ببضع كلمات مُلهبة: - خلاص ياناهد أنا هتصرف
فكر قليلًا، ثم ردد: - أنا هروح مشوار مهم كدا وانتي خليكي هنا
عقدت جبينها وهي تسأل: - مشوار إيه! هو دا وقت مشاوير؟
- مشوار مهم جدًا بالنسبالي، ولو حصل أي حاجه كلميني.

ثم تركها وانصرف عقب أن ألقى نظرة على أخوته، فتلاقت عيونه بنظرات عاكف المتصيدة له، تجاهله ومضى في طريقه، أناسًا ذاهبون وآتون من حوله وهو لا يشعر بهم، وفكرة واحدة مسيطرة عليه الآن، ف غمغم بصوت خافت: - ياترى مخبي إيه يابابا؟، دلوقتي هعرف كل حاجه.

زيارات شهيرة الأخيرة وانضمامها الحديث لمقر الشركة بعد غياب سنوات طويلة قد لفت الأنظار وزرع الشكوك في نفوسهم، ف بات تفكيرهم جميعًا منصب على هذا السر الذي بقى طي الكتمان وهي الوحيدة التي تعلمه..
انتقل عاصم للقصر، وأول مكان وطأه غرفة فاروق، لم يترك مكانًا إلا وقام بالتفتيش فيه عن طرف خيط س يدلهُ على ما يحدث، ولكن خابت توقعاته، لم يجد شيئًا.

ولكنه عثر على مفاتيح مكتب والده بالأسفل، لمعت عيناه وهو يتأمل النظر لهذه المفاتيح، وسرعان ما تحرك ليكون بالأسفل، كان خلو القصر سوى من برديس التي تعتزل بغرفتها دومًا، و فريدة التي لم تستطع الذهاب للمشفى عاملًا مساعدًا جعله يتحرك بإرتياح..

جميع الأدراج مفتوحة وغير موصدة، ما دلّ على عدم وجود ما يهم بها، حاول فتح الخزانة، ولكنه احتاج لإدخال الرقم السري والذي لم يكن يعلم به، حاول أكثر من مرة معتمدًا على تخمينات هوجاء، ولكن دون فائدة، فزفر بحنق وهو يتمتم: - أكيد فيها حاجه!، طب افتحها ازاي!، لو كسرتها هفتح على نفسي فاتوحه.

تطلعت زهور إلى عاصم بإختلاس شديد، تراقبه بهدوء وحذر، ثم ابتعدت عن المكتب وأخرجت هاتفها وبدأت تحاور أحدهم: - أيوة، أه جه من شوية وطلع أوضة فاروق بيه، بعدها نزل على المكتب وهو جوا دلوقتي، حاضر، حاضر ياسعات البيه، سلام.

نظر عادل لشاشة هاتفه الذي يهتز بإستمرار معلنًا عن إتصال والدته، ولكنها لا يجيبها، حتى سئم إصرارها، فأجاب أخيرًا وقد بلغ غضبهِ ذروتهِ: - عايزة إيه دلوقتي ياأمي؟، مش انتي قررتي تبقي في جبهة لوحدك ومخبية عني كل حاجه، متصلة بيا ليه دلوقتي؟

فكان صوتها لينًا وهي تستلينهُ بقولها: - ياحبيبي كل اللي بعمله لمصلحتك، أنا بحميك من عناد أبوك اللي هيوديك في داهية
اكفهر وجهه وأظلمت عيناه وهو يصيح فيها: - بابا في العناية المركزة وبيموت، من ساعة ما سبتيه الصبح وهو حاله أتقلب وصحته اتدهورت أكتر من الأول، ياريت تكوني كدا مرتاحة، عن أذنك انا هقفل، سلام.

وأغلق هاتفه وهو يتمتم بسخط: - ياريت ربنا يحرمكم نعمة الغنى اللي ادهالكم، يمكن كلكوا تتعظوا وتندموا.

منذ البارحة والجميع في المشفى، رافضين المغادرة، حتى يكونوا أوائل العالمين بخبر وفاتهِ، عدا رائد الذي غادر المشفى منتويًا لقائها بأي شكل، ف منذ هذه الليلة الكحلاء وهو لم ينفرد بها ليبرر ما حدث أو يقدم لها أعذارًا..

في نفس الآن، كانت رفيف في غرفتها تستعد وترتدي ثيابها للذهاب إلى مأواها الحقيقي (مزرعتها الصغيرة) التي صنعتها لنفسها، حيث زهورها التي لم تؤلمها أشواكها أو تؤذيها، وإنما آذاها أكثر زهرة وثقت بها وراعتها واهتمت برعايتها.

عقدت شعرها للخلف بدون عناية كعادتها أمام مرآتها، فلاحظت خاتم خطبتها في يُمناها، امتعضت ملامحها فجأة وهي تنتزعها من أصابعها بإنفعال، ولكنها وجدته متشبثًا بخنصرها يأبى تركه، لم تقنط وأعادت محاولتها، حتى تأذى أصبعها وهي تنتزعها، ألقتها بداخل درج الكومود، وفركت أصبعها بتألم، ثم راحت تخطو للخارج.

واجهت دريّة التي حدقت فيها قبل أن تردد: - أخيرًا خرجتي!، افتكرناكي فاكرة نفسك في فندق وفي خدمة مجانية ولا حاجه.

لم تصمت كعادتها، بل إنها رمتها بنظرة حانقة أتبعتها ب: - أسمعي يامرات ياعمي، انتي مكنتيش بتخدميني ولا حاجه، ولا دخلتي عليا بصنية أكل حتى، وعمر ما كان ولا هيكون ليكي خير عليا، لولا عمي كان زمانك رميتني في الشارع من زمان وانا عارفه كدا كويس، ياريت منتعاملش مع بعض نهائي لحد ما ربنا يأذن واريحك مني وامشي من هنا.

الصدمة مغلفة عقلها بالكامل وهي تستمع لكلمات تلك التي لطالما استمعت لحديثها المسموم ولم تعقب، أنهت رفيف قولها وانسحبت لتخرج من المنزل، فتمتمت دريًة غير مصدقة: - يا ماشاءالله! لسه مغتنيتش ولا عاشت في قصور وبتكلم كدا، أمال لما تعاشر ولاد الذوات؟، هتتنكر مننا!

ذمّت شفتيها بغيظ شديد وتابعت وهي تسير بإتجاه المطبخ: - لما ييجي عمك هخليه يرد عليكي كويس يابنت الأجنبية.

انتهت برديس من ارتداء حذائها ذا الكعب المرتفع، ثم اعتدلت وهي تضبط شعرها خلف ظهرها، سحبت حقيبتها بعجلة، ثم خرجت متجهة نحو غرفة والدها، طرقت الباب أولًا، ليفتح لها وهو مرتدي كامل ثيابه، ثم ردد: - يلا يابرديس، مش عايز اتأخر على الشركة
سارت من خلفه وهي تسأل: - هتعمل إيه مع طارق يا دادي!، لازم يعرف إني مش سهله عشان يتعامل معايا بالشكل دا.

عقد عاصم ما بين حاجبيه وهو يردد: - متقلقيش خالص يابيري، أنا هعرف ازاي اتصرف معاه، هو فاكرك إيه؟ دا انتي بنت عاصم، يعني هو أو أمه يعملوا ليكي ألف حساب.

تنفست برديس براحة وهي تتأبط ذراع والدها أثناء هبوط الدرج، دومًا كان عضدها وحمايتها، لم يتوانى عن زرع هذه الخصال قلبًا وقالبًا في نفسه لأجلها، حتى يكون أبًا يستحق أميرتهِ، ظنت إن موقفه سيكون سلبيًا عقب أن أصر على تزويجها، ولكنها تفاجئت به يرفع من شأنها أكثر ويُحرم على الجميع لمس طرف لها..

تفاخرت وهي تستقل سيارة والدها، منتظرة اللحظة التي ستواجه فيها طارق عقب أن يعلم بذهابها للمشفى مع والدها رغم أوامره.

لمست رفيف تلك الزهرة الذابلة التي توسطت باقة الزهور المتفتحة، وشبهت نفسها بها، فقد ذبلت بمرور الأيام الماضية، وفقدت الإشتهاء لأي شئ، نزعت تلك الزهرة وتركتها جانبًا وهي تتحدث في هاتفها بصوت غريب: - وكمان عايزة بنفسج وقرنفل مع الورد البلدي، متنساش زهور الياسمين والأوركيد، وكمان عايزة ورد الكاميليا عشان عندي طلبية مهمة النهاردة.

كانت تدون في مذكرة صغيرة وهي تتحدث للتاجر الذي يورد لها الزهور بالجُملة، تذكرت شيئًا ما، فقالت: - معلش ممكن تجيبلي زهور الفريز لو موجود.

استشعرت وجود شخص ما خلفها، ف تلفتت لتقع نظراتها عليهِ، اشتعلت جذوة النار بداخلها، وطاردتها عبارة أختها التي أصابتها في مقتل، وكأنها ترى ما حدث حينها الآن أمامها، تلألأ في عيناها لمعات راقصة تنُم عن بوادر بكاء، ولكنها تماسكت بأقصى قوة لديها، وانتبهت لصوت التاجر: - ياآنسه انتي سمعاني؟
- هه!

عادت توليهِ ظهرها، وصبّت جامّ تركيزها فيما تقوم بهِ: - خلاص كدا مش عايزة حاجه تاني، لما الطلبية تجهز كلمني، سلام
سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهلٍ، ثم أمسكت بكوب المياه وارتشفت منه جرعة كبيرة لتسيطر على هذا الإرتباك الذي اعتراها، تركت الكوب فارغًا وقد عاودتها طاقتها العدائية وهي تردد: - حضرتك جاي تشتري ورد؟

لم تلحظ حالتهِ الغير طبيعية بالمرة، وملابسهِ التي بدت وكأنهُ مرتديها منذ يومان، انتظرت جوابًا منه، ولكن لم يأتيها صوتهِ، ف اضطرت لتتحدث مرة أخرى: - ياريت ترد عشان ورايا شغل ومش فاضية
وإذ بيده تجذبها لتلتفت إليه وهو يردد: - أنا جاي اتكلم معاكي، من حقي تسمعيني
حاولت أن تتخلص من كفهِ المُطبق على رسغها ولكنه لم يتخلى، فحدجته بإحتدام وهي تنطق ب: - مش عايزة اسمع حاجه، ومبقاش في بينا اللي يخليني أسمعك.

ثم انتشلت رسغها عنوة، ليلمح أصبعها الملثم بلاصق طبي بني اللون والفارغ من خاتمهِ، ولكنه أزمع على أن يؤكد حقيقة تمسكهِ بها، ف أردف بجدية: - رفيف، انتي مراتي وانا عمري ما ه...
قاطعته بإنفعال أصابها: - أنا مبقتش مراتك، من اللحظة اللي عرفت فيها علاقتك بأختي، واللي كانت واحدة بتشتغل في شركتك، ياترى كان في كام واحدة غيرها وانا معرفش؟

زفر وهو يستطرد: - انتي متعرفيش حاجه، والله ما كنت اعرف، أنا اتفاجئت بيها قدامي في بيتكوا
ف ابتسمت ساخرة و: - والله!، أهو دا اللي بيسموه عذر أقبح من ذنب
استجمعت شجاعتها لتنطق بهذه الكلمة مرة ثانية: - طلقني يارائد، أنا مش هكون ليك مهما حصل
كادت تتحرك من أمامه، ولكنها تحرك ليكون حائلًا أمامها و: - مش عشان حاجه زي دي هتسيبيني، أنا قاطع علاقتي بمروة من قبل حتى ما اتقدملك.

- وطبعًا مكانش عندك الشجاعة تصارحني بالحقيقة، عشان عارف إني مش هكمل معاك وهسيبك في ساعتها، بس اللي متعرفهوش إني مش هسامح خيانتك ليا، حتى لو بينا عقد جواز، مش عيزاه، وانا مُصرّة على الطلاق.

رأي صدق رغبتها في تلك العينان الرماديتان اللاتي كُنّ يشعنّ حُبًا وعاطفة صادقة، الآن وقد تبدل الوضع، لم يجد سوى مُجابهة عنادها ب عِناده، تحولت نظرات المتوسل الضعيف الذي آتى معتذرًا خجولًا من ذنبهِ، إلى نظرات متعندة لن تعرف الإستسلام، عاد خطوة للخلف ومازال مثبتًا نظره عليها ليقول: - مش هيحصل يارفيف، إنتي بتاعتي وانا مش هسيبك مهما حصل.

التفت ليمضي للخارج، ولكنه التفت مرة أخرى وقال كلمته الأخيرة: - مش هطلقك يارفيف، أنسي..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة