قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والأربعون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والأربعون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والأربعون

وبسرعة البرق خرج من الغرفة وأوصد الباب بحذر شديد كي لا تشعر به وتخرج من أوج خطيئتها، الأنفاس تخرج وتدخل بشكل روتيني، ولكنه حقًا يستشعر إنه قد مات الآن.
ازدرد ريقه ومنع حالهُ من أي تصرف أهوج قد يضيع عليه فرصة الإقتصاص ل حقهِ إقتصاصًا عادلًا.

حمحم وسار مبتعدًا عن الغرفة، حتى قابل إيمان في مواجهته وكأنها أتت لتتشفى به، وقبل أن تتحدث إليه صاح فيها: - مش بقولك كبرتي وخرفتي، مراتي في سريرها نايمة في سابع نومه
جحظت عيناها غير مصدقة ذلك، ف منذ أن تركتهم ظلت مراقبة للغرفة ولم يخرج عاكف منها قط، توترت عقب ما قاله وحاولت تبرير ما أفصحت عنه: - أ، أنا شوفت ع...

قاطعها، وخرج صوته المرتفع متعمدًا لفت انتباه أخيه و ناهد لتواجده، وزأر قائلًا بنبرة متوعدة: - أيًا كان اللي في دماغك واللي كنتي عايزة تعمليه مش هوصلك لغرضك، وشيلي مراتي من دماغك بدل ما انا اللي هحطك في راسي وساعتها عضم التربة حتى مش هيرحمك مني ياايمان.

نهضت ناهد بعجالة عن فراشها وتناولت ملابسها بارتباك شديد وقد اعتراها رجفة مذعورة وهي ترتدي ثيابها لتستر عرّيّ جسدها، ثم همست بصوت خفيض: - هنعمل إيه ياعاكف؟، عاصم جه برا
كان يغلق سحاب بنطاله بسرعة وهو يرميها بنظرات محتدمة: - يارب تكوني ارتحتي، قولتلك إحنا في القصر وانتي ولا انتي هنا!، هخرج من هنا ازاي دلوقتي!

أغلقت الروب وهي تردد: - أنا هشغله وانت تخرج بسرعة
نظرت لحال وجهها في المرآه، ثم أمسكت بأسفنجة توزيع بودرة لتفتيح البشرة وراحت تمسح بها تلك المناطق الحمراء المتوهجة ببشرتها، ثم ابتلعت ريقها واستجمعت شجاعتها لتخرج من الغرفة بساقين رخوتين تكاد تسقط من فرط الخوف الذي ينتابها..
مضت نحو زوجها وهي تتسائل بنبرة بدت فيها رعشة خوفها: - عاصم، بتزعق ليه ياحبيبي؟

وسوس له شيطان رأسه أن يطبق على حنجرتها الآن ولا يفلتها سوى وهي جثة هامدة تركتها الروح، ولكنه كابد وجاهد بمجهود مضني كي يكون في هذا التماسك المزيف وهو ينظر لأخته التي فضحت الأمر وكادت تذلّه وتذل زوجته وابنته، لقد ضحى بصمتهِ من أجل أن تكون ابنته مطمئنة لا تعرف شيئًا عن قذارة والدتها الخائنة.
بقى الصمت بين الثلاثة، بينما عادت ناهد تسأل: - في إيه ياإيمان؟

خشيت إيمان من معرفة ناهد لهذا الفخ التي نصبته لها ورميها بتهمة گهذه، فأجابت ب: - اتنين أخوات وبيتكلموا، إيه اللي حشرك ياناهد
ثم انصرفت نحو غرفتها بعجلة وأغلقت على نفسها، اقتربت ناهد منه ووضعت يدها على ذراعه، ف انتفض فجأة وابتعد عنها مشمئزًا وهو يقول: - متلمسنيش، أنا...
حرر رابطة عنقه قليلًا وقد بدأ يختنق ثم تابع: - خارج، أنا خارج ومش راجع النهاردة.

ثم عجّل خطواته ليخرج من هذا القصر المشؤوم، استقل سيارتهِ بسرعة وقادها مبتعدًا عن هذا المحيط، وقد بدأ يبكي بهيستريا حقيقية، يبكي بحق ويصدر عنه أنين البكاء المصحوب بألم قلبهِ من هول هذا المشهد الذي يبدد رجولة أي رجل وينهيها..

ماذا فعل لها كي تخون؟، كي تضاجع آخرًا في فراشه، حتى وإن كان مُقصرًا معها بأي شئ هذا ليس مبررًا لما فعلته، لقد آثمت وافتعلت أكبر خطيئة قد تقوم بها امرأة، خيانة رجل استودع لديها شرفه أمانة.
يود لو تنطبق السماء الآن على رأسه فترحمه من عذاب قلبه وقسوة هذا المشهد المميت، أو أن تنخسف به الأرض وتبتلعه.
توقف فجأة، وتعالت شهقاتهِ وهو يلقي برأسه على المقود مستكملًا بكاءه المفرط الذي يمزق الفؤاد.

كان الوضع متأزمًا هذا الصباح تحديدًا، لم يذهب رائد لمقر الشركة معتمدًا على بعض الأعمال التي سيقضيها في القصر، وبعد أن أعطى أوامره لمديرة مكتبة قامت بإرسال المستندات الهامة التي طلبها مع أحد العاملين، وهنا كانت الأزمة.
مازال جالسًا أمام حاسوبهِ الشخصي يتأكد مما تشكك فيه، حتى إنه استدعى محامي شركته فواز للتأكد من صحة هذا الشعور الذي أصاب معدتهِ بالغثيان.

وضعت زهور قدح القهوة الثالث على التوالي أمامه، فأمرها ب: - زهور، شوفيلي فين طارق بسرعة
- حاضر
دقائق وكان طارق يقف أمامه بهيئتهِ المكتملة للخروج من القصر، رمقه بعجرفة وهو يردد: - خير يابن خالي؟
- في مصيبة، كارثة حلّت علينا
تبدلت ملامح طارق وهو يدنو منه متسائلًا: - في إيه يارائد؟ كارثة إيه اللي حصلت؟
ولجت زهور و: - أستاذ فواز جه.

وقف رائد بسرعة يستقبله، بينما أعاد طارق سؤالهِ بعصبية بدأت تتمكن منه: - ما ترد عليا الأول انا بكلمك
وأول ما قاله رائد سائلًا فواز: - أستاذ فواز، أنت عارف إن علينا ديون بالملايين للبنك؟
- إيه؟
صاح بها طارق وهو يوزع نظراته البلهاء عليهما، بينما أحنى فواز بصره و: - آه عارف، بس لآخر وقت كان عندنا أمل البنك يدينا مهلة سداد أطول لكن...

فجأر رائد وقد تحولت نظراته لنظرات مُسعرة: - لكن!، هي فيها لكن؟!، وازاي كل دا محدش فينا يعرف!
تنهد فواز بتحرج و: - الحقيقة فاروق بيه كان رافض أي حد يعرف، وانا كان عليا التنفيذ بس
ولجت برديس أثر صوت زوجها المرتفع ومن خلفها ناهد، وتسائلت: - بتزعق ليه ياطارق.

ووقفت بجوار زوجها منتظرة أن يجيبها، ولكنه كان واجمًا، شعر رائد بالضياع، هم فعلًا على حافة الإنهيار ماديًا، حتى أسم شركاتهم الذي يمثل ماركة عالمية سيتبدد..
حاول أن يتكلم ولكن شيئًا يجثو على أنفاسهِ الآن، ابتلع ريقه و: - إيه تاني يامتر، قول خلاص المستخبي بان، هتخبي إيه تاني؟
أطرق فواز رأسه ثم ردد: - أنا في الأساس كنت جاي أقولكم على حاجه عرفتها النهاردة.

زفر وقال دفعة واحدة ليتخلص من هذا العبء: - القصر هيتحجز عليه ويتعرض في المزاد للبيع خلال أسبوع لو أول دفعة مدفعتش اليومين دول.

شهقت ناهد وهي تضع يدها على صدرها غير مصدقة هذه الصدمة الجديدة: - يالهوي!، ليه؟
- القروض كانت بضمان المجموعة والقصر، ودلوقتي مفيش غير الحجز على الممتلكات
تبلد جسد برديس وكأنها لا تشعر به، توالت الصدمات على عقلها بشكل مخيف جعل قدرتها على الصمود خائرة..
وفجأة سقطت مغشيًا عليها عقب مقاومتها لشعور الدوران الذي هاجمها، ف انحنى عليها زوجها وأمها، رفعها طارق عن الأرضية قليلًا و: - برديس!

كانت فريدة تجلس على مقعدها المتحرك في مواجهة عاصم الذي يقف أمام الشرفة موليها ظهره، كان قلبها يدق دقات مرتفعة عقب أن صرح لها بما رآه، وقد استشعر إنها على علم أيضًا بتلك النائبة التي أصابته..
ألتفت ليرمقها بعتاب وعيناه محمرتين أثر دموعه طوال الليل، اقترب منها وجلس أمامها على طرف الأريكة وهو يعاود التساؤل: - يعني كنتي عارفه؟، عارفه وساكتة!؟، ازاي استحملتي؟

أدمعت عيناها بقهر وهي تجيبه: - أنا آسفه ياعاصم
- آسفه!، استغفلتيني زيهم! وانا اللي كنت بقول إنك الحسنة الوحيدة في حياة عاكف الو، شايلة كل دا لوحدك وعارفه إن مراتي بتخوني مع جوزك وساكته؟!

ابتلعت ريقها وهي تحاول مواساته: - طلقها بهدوء ياعاصم عشان بنتكم، أنا سكت عشان رائد
فضحك بسخرية و: - العيال مبقوش عيال، ابنك راجل يافريدة وبنتي بقت مسؤلة من جوزها، يعني وقت السكوت خلص ومفيش سبب نسامح عشانه.

فتسائلت بارتياب وقد لمحت الشر بعينيه: - قصدك إيه؟
- قصدي هبرد نارك وناري
زاد تخوفها من تهور وجنون قد يقوم به، ف قالت محاولة تغيير وجهته: - عاصم مينفعش ن...
- خلاص يافريدة، خلاص
قالها وهو يقف عن جلسته، نزح عبراته العالقة بأهدابه، ثم شق طريقه نحو الخروج، ف أطرقت فريدة رأسها بتحسر و: - صحيح ديل الكلب عمره ما يتعدل، منك لله ياعاكف، سيبت حقي منك على الله.

صعد عاصم الطابق الأعلى حيث غرفة برديس، ارتاب لوقفة طارق ووالدته بجانب ناهد أمام الغرفة، فتقدم منهم وكاد يتسائل، لولا خروج الطبيب من الغرفة وعلى وجهه البشوش إبتسامة مُبشرة: - مالكوا ياجماعة متقلقوش، المدام بخير بس لازم تتغذى كويس عشان دي أهم شهور الحمل
- حمل!
قالها طارق فاغرًا فاه، فأجاب الطبيب: - المدام حامل في شهر تقريبًا، ألف مبروك.

تلوت شفتي إيمان وهي تبتعد عنهم منتقلة للأسفل، بينما ابتهجت ناهد و انفرجت شفتيها بسعادة: - بيري حامل؟
حمحم الطبيب وتابع: - بس في حاجه، الحمل ضعيف، يعني محتاج راحة أكبر قدر بجانب تغذية كويسة ومتابعة مع دكتور نسا وتوليد متخصص، والدكتور هيتابع معاها الجرعات المثبتة للحمل.

فصافحه طارق بحرارة وقد ذقذق قلبه عقب أن تلقى البُشرى وقاده للأسفل، وقبيل أن تقتحم ناهد الغرفة استوقفها عاصم و: - أنا اللي هدخل، أبقي ادخلي بعد ما اخرج
عقدت حاجبيها باندهاش، خاصة أن ملامحه مريبة لحد كبير، ف ابتسم بوجهها وتابع: - روحي انتي البسي عشان خارجين نحتفل سوا بأول حفيد
ف استجابت له و: - حاضر.

طرق عاصم الباب قبل دخوله، ثم دلف وعلى وجهه علامات السعادة جليّة ودنى منها ليجلس جوارها: - حبيبة بابي هتبقى ماما صغيرة؟
كانت الفرحة لا تسع قلبها منذ أن علمت، وردت على والدها بصوت رقيق: - شوفت يادادي، أنا لسه مش مصدقة
مدد جوارها وسحبها لأحضانه، مسد على شعرها بعاطفة جياشة و: - لأ صدقي، أنا حاسس إنك هتكوني أم عظيمة يابيري، هتربيه أحسن تربية أنا متأكد
- وليه متكونش بنوتة، أنا نفسي أوي في بنت.

ربت على ذراعها و: - إن شاء الله ياحببتي، كلهم نعمة
وكأنه يوصيها بآخر كلماته: - خلي بالك من نفسك ومن بيتك وجوزك، انتي مالكيش غيرهم
فتشبثت بقميص والدها و: - وانت يادادي، ربنا يخليك ليا
- يارب
دلف طارق مهرولًا، عبس مجرد رؤيتها بين أحضان أبيها وردد: - إيه دا؟ كدا ياخالي تسبقني وتسرق مني متعة الحضن الأول بعد الخبر دا
اعتدل عاصم و: - عايزك ياطارق.

ف دنى طارق منها وهو يردد بشغف: - طب خليها بعدين، عايز أفرح بمراتي الأول
- معلش خليها بعدين، هقولك كلمتين قبل ما اخرج
ذم طارق شفتيه وهو يسير من خلفه، بينما وقف عاصم يتطلع لوجهه أولًا قبل أن يفيض بما في صدره: - بتحب برديس ياطارق؟
فأجاب بدون تردد: - طبعا ياخالي
أمسك عاصم بكف طارق بقوة وردد: - عاهدني تحطها جوا عينك وتحافظ عليها حتى من الهوا، برديس مش هيبقى ليها غيرك.

ارتبك طارق وهو يستشعر شيئًا ما غير طبيعيًا: - ليه ياخالي بتقول كدا طول العمر ليك و...
- عاهدني ياطارق
تعمق طارق في النظر لعيون عاصم الذي بادر متابعًا: - خلاص جدك مسابش أمان لحد فينا، سابنا على الحديدة، عشان كدا عايز أضمن حياة بنتي
- أعاهدك ياخالي.

ترك يده وابتسم ببعض الإرتياح، ثم تركه وسلك الدرج ليهبط لأسفل، و بالصدفة تواجه مع رائد الذي كان صاعدًا لغرفته بعجالة، رمقه عاصم بنظرة حانقة، فهو إبنه، إبن الخائن الذي طعنه لعديد من السنون، ولكنه تذكر إنه بحاجه إليه رغم ذلك..
ألتفت عاصم وناداه: - رائد
توقف رائد عن الصعود و: - نعم ياعمي.

صعد عاصم الدرجتين اللاتي بينهما ثم ردد: - برديس أختك يارائد، خليك في ضهرها وقت ما تحتاجك، متسيبش فرصة لطارق مهما كانت الظروف إنه يزعلها.

تنغض جبين رائد و: - في إيه ياعمي؟ أنت كويس؟
- هبقى كويس، بس لما توعدني ب دا
- أوعدك
ثم أكد عاصم: - خلاص كل حاجه راحت، وانا عارف إن لو حد ليه جنيه انت هتديهوله، متنساش كلامي يارائد.

أومأ رائد رأسه بتفهم، حينما كان عاصم يتابع هبوط الدرج، لم يهتم رائد كثيرًا ب حل هذا اللغز، ف كفاه همومًا، دلف غرفته ليجد رفيف تنهي حديثها مع ندى، كانت نظراته لها موحية، شعرت بشئ غير طبيعي، فاقتربت منه و: - مالك يارائد؟ في حاجه تاني حصلت؟
ف ابتسم باستخفاف و: - وهو إيه اللي محصلش، خلاص كله راح، هيحجزوا على الشركة والقصر، يعني الفروع دورها جاي جاي.

حملقت بعيناها غير مصدقة، حينما تابع هو: - جدي ساب لنا لعنة قبل ما يموت، حتى مريحش ضميره وقالنا عشان نبقى جاهزين نفتقر في أي وقت.

ثم جلس على حافة الفراش ورأسه حجمها ضعفين من شدة الألم، جلست جواره وهي في بالغ الحزن، حتى كلمات الأسى والحزن والمواساة لن تفيد الآن، أمسكت يده بقوة ورددت: - أنت تقدر تبدأ من جديد يارائد، تقدر تعمل شركة تانية
ابتسم باستخفاف و: - منين! محدش فينا كان عامل حسابه على يوم زي ده، خلاص ولاد العامري بقوا فقرا
فقالت باستياء تملكها: - الفقر مش عيب يارائد، واللي خد منكم قادر يعوضكم.

- انتي مش فاهمة أي حاجه يارفيف، أنا كبرت واتربيت على شغلي، كافحت فيه وعملت اللي محدش عمله، كل سنين عمري وشقايا راح مني في لحظة، لحظة واحدة.

ثم ألتفت برأسه نصف التفاته و: - جهزي نفسك عشان كام يوم وهنروح شقتنا، قبل ما البنك ييجي يطردنا من هنا
- طب وماما فريدة؟
دفن وجهه بين يديه و: - رافضة تيجي معايا، قالتلي هتقعد هي وسعد في شقتها وبابا معاهم
ثم وقف عن جلسته وهو يتسائل بحيرة: - السؤال اللي المفروض فعلًا يتسئل هو ميسون، ميسون هتروح فين!؟

- هرجع بيت أمي في المهندسين
قالتها ميسون عندما سألها عادل عما تنوي فعله عقب هذه الفضيحة التي طالتهم والفقر الذي ينتظر على أعتاب ديارهم ليعم عليهم بالخراب وضياع كل هذه السطوة والنفوذ والأسم والعائلة..
بينما تابعت ميسون وهي تنظر لحجرتها جيدًا: - ياريتني أقدر آخد أوضة فاروق معايا، مكنتش أترددت
أطرق عادل رأسه و: - طب سيبيلي العنوان عشان أطمن عنك كل فترة.

كانت ميسون تضب الأغراض في حقائب كبيرة استعداداً المغادرة القصر الليلة، فهي لن تنتظر أكثر من ذلك في هذا العذاب، تنهدت بثقل وهي تضع ثيابها بالحقيبة ورددت: - حاضر ياعادل، ممكن تشوفلي تاكسي و...
- أنا هوصلك بنفسي عشان أعرف العنوان بالمرة
ونهض عن جلسته: - هروح احضر العربية.

وأنصرف من الغرفة مستعدًا لتوصيلها حيث تريد، فقد خرب هذا الخبر المفجع توازن الجميع، حتى فريدة بدأت تستعد لمغادرة القصر خلال يومان على الأكثر..
كان سعد يقوم بالمهام كما تصف هي له: - أيوة حط الچاكت ده على جنب عشان نحطه في آخر الشنطة من فوق، ولما تخلص حط الكتب دي في الشنطة الصغيرة ياسعد
- حاضر ياماما فريدة، بس هو احنا هنمشي ليه؟ أنا بحب البيت دا.

ف ابتسمت فريدة ابتسامة باهتة و: - عشان هيتباع خلاص، وانا متأكدة لما تشوف بيتنا التاني هتحبه زي دا بالظبط
- طب والمدرسة؟
ذمت فريدة شفتيها وهي تفكر فيما قال ثم رددت: - هتفضل زي ما هي ياحبيبي، بس ممكن ننقلك السنة الجاية مدرسة تاني تكون أقرب، المهم تشد حيلك وتجيب نتيجة حلوة في آخر السنة
- حاضر متخافيش، هعمل كدا عشان تبقي مبسوطة مني.

وأقترب منها ليعانقها، هو بحاجة لهذا الأمان الذي تبعثه له في عناقها، أحضانها هي ملاذه الوحيد في هذا العالم المظلم الذي ظلمه كثيرًا، ولكنه نصفه في النهاية.

انتهت ناهد من وضع السلطة الخضراء في الصحن ثم خرجت من المطبخ الخاص ب بيتها الزوجي واتجهت للمائدة وهي تردد: - حكاية الحجز على القصر والشركة دي ضيعت عليا فرحتي بأول حفيد ليا
وضعت الصحن بمنتصف المائدة، ثم نظرت لزوجها الذي يتطلع إليها بغرابة وتابعت: - هدوءك ده هو اللي مخليني قلقانة أكتر، أفتكرتك هتبهدل الدنيا لما تعرف بعملة أبوك المهببة.

فكان جوابه المثير لريبتها حاضرًا: - كلنا هنموت ومحدش هياخد معاه حاجه في قبره ياناهد
ثم أمسك بالملح وراح ينثر في صحنها، حدقت عيناها وهي تسأله: - ليه كدا ياعاصم؟ أنا مش بحب الملح الزيادة
- متقلقيش الأكل عادم وانا لسه حاطط في طبقي
قامت بتقليب الطعام ثم تذوقته و: - إيه دا هما نسيوا يحطوا ملح ولا إيه!

وأمسكت بالملح مرة أخرى لتنثر منه فوق طعامها، وهو ناظرًا لها بنظرات تكاد تنقض لتأكلها، ولكنه أصرف هذا التفكير عن رأسه وبدأ يتناول الطعام بدون شهية، على عكسها هي التي التهمت صحنها كاملًا و: - افتكرتك هتعزمني على أكل برا
فأشار لأصناف الطعام العديدة وردد: - ما الأكل قدامك كتير اهو، ومن أكتر مطعم بتحبيه يعني متعبتكيش في حاجه
ثم تابع وهو يشملها بنظرة متفحصة: - أنا حبيت نكون لوحدنا النهاردة.

ف ابتسمت وهي تلوك الطعام بين أسنانها وتمضغه، بينما نهض هو قائلًا: - أنا هعمل شاي، أعملك
- ياريت
ودلف للداخل، بينما تعقبته هي بعيناها وهي تقول باندهاش: - غريبة! أول مرة يدخل المطبخ!
لم يمر وقتًا طويلًا، حيث خرج من المطبخ حاملًا قدحين من الشاي ومضى بهم نحو الصالون: - لما تخلصي أكل تعالي اشربي الشاي في الصالة
كانت تُنهي آخر ما تبقى من طعامها، ثم مسحت يدها وفمها بالمنشفة الصغيرة ونهضت لتلحق به..

جلست في مقابلته وأمسكت بالشاي لترتشف منه على جرعات صغيرة نظرًا لسخونتهِ، وتابعت حديثها: - قولي إيه اللي مغيرك كدا ياعاصم! أول مرة تخبي عني حاجه
رفع بصره نحوها وعقب: - صح، عمري ما خبيت عنك حاجه، بس انتي طلعتي مخبية حجات كتير أوي
عقدت حاجبيها بتعجب و: - أنا!، أنا عمري ما خبيت حاجه عنك.

ثم وضعت الشاي جانبًا وقررت تغيير مسار الحديث: - بكرة برديس هتروح تتابع مع دكتور نسا كويس، عايزة أروح معاها خصوصًا إن دي أول مرة حمل ليها.

كان هذا المشهد اللعين يصاحب كل اللحظات التي يعيشها، أمام عينيه دائمًا ليذكره بآثمها، تحامت نظراته نحوها وهو ينتظر وينتظر، ولكنه لم يستطع الصمود أكثر من ذلك، حيث قاطعها بسؤاله المفاجئ: - ليه ياناهد، ليه ضربتيني في ضهري؟
اضطربت لا شعوريًا وهي تستمع لكلامه بجانب نظراته المُقلقة، حاولت أن تستر شعورها بالخوف وهي تسأل: - بتقول إيه ياعاصم؟، أنا؟ أنا أضربك في ضهرك، ده انت جوزي وأبو بنتي و...

قذف قدح الشاي بطول ذراعه ليتهشم عقب إصطدامه بالحائط، وصرخ فيها باهتياج لم تراه من قبل: - ولما انا جوزك وابو بنتي، بتخونيني ليه؟!، قصرت معاكي في إيه؟!

ثم نهض عن جلسته ونهضت هي الأخرى بخوف شديد، ارتجفت وهي تواجه إعصاره الذي انفجر أخيرًا عقب أن كبحه لوقت طويل يعاني ويلاته وحده: - بتنامي في حضن أخويا وعلى سريري ليه؟!، أنا مش مكفيكي!، مكنتش قادر أشبع رغباتك الرخيصة فروحتي تترمي في حضن راجل غيري!

قبض على شعرها وجذبها منه بإنفعال شديد، يكاد يقتلعه من جذوره الآن ومازال يصيح ويصيح: - فضلتي ابن الخدامة عني ليه ياناهد؟! في إيه زيادة عني انطقي.

كانت تبكي بهيستريا وتصرخ بتألم من شدة الجذب الذي يجذبه لشعرها، ولم يكن لديها ما تدافع به عن نفسها جراء ما يقول، حاولت أن تتحدث ولكن ثمة شئ يمنعها حتى عن الكلام، رفع رأسها ليراها وهو ينطق بعيونه الحمراء المتقدة: - كنتي مبسوطة وانتي بتعاشري راجل غيري؟!، كنتي بتحسي إيه وانتي بتديني على قفايا وبتخونيني؟ هه؟

ثم صرخ في وجهها من جديد: - مبتتكلميش ليه ياناهد ليه؟
فحاولت التحدث من بين شهقاتها: - سس سامحني، سامحني وانا ه هعيش خدامة ليك طول عمري ياعاصم آ، بس س امحني.

دفعها بعيدًا عنه لتسقط على ظهرها، وانهار جالسًا وهو يضغط بكفيه على رأسه المتألم.
قاومت ناهد آلام سقطتها، وزحفت نحوه وهي تكتم شهقاتها، وضعت كفها على ركبته و: - عارفه إني غلطت، بس دي أول مرة أغلط غلطة زي دي، سامحني ياعاصم، أنا مراتك
كانت نظراته الصامتة المصحوبة بحمرة دامعة تبرحها، فأجفلت ومازالت تتابع: - هعيش بقيت عمري مخلصة ليك والله العظيم و...
- بس، بس متجيبيش سيرة ربنا على لسانك يازانية.

كتمت صوتها وهي تومئ رأسها: - حاضر
نهض وهو يجذبها لتنهض عن الأرضية وردد بصوت گالفحيح: - انتي لازم تدفني تحت التراب عشان جريمتك تندفن معاكي
ألحت عليه ببكائها تشحذه أن يسامحها وألا يفتعل ما يجول بخاطرها: - أرجوك ياعاصم تسامحني، أديني فرصة وسيبني أعيش ليك ولبنتي وحفيدي اللي جاي
طوق رأسها بكفيه، وتطلع لبؤبؤي عينيها من قرب و: - مش هينفع، فات الآوان خلاص، انتي مش هتعيشي يوم واحد تاني.

فصدر نواحها وبكاءها المستغيث برحمته: - ياعاصم أنا آ...
- شششش لازم أصارحك بحاجه أنا كمان
ثم أخفض صوته وأقترب من أذنيها ليهمس: - الأكل اللي كلتيه فيه سم ياناهد، وانتي بنفسك اللي زودتي من السم لما حطيتي ملح تاني.

انحبست أنفاسها مع سماع كل كلمة يقولها، وازدردت ريقها الذي جف فجأة، تأهبت حواسها، واستغرق الأمر منها ثوانٍ عديدة لتدركه، ابتعد عنها قليلًا و: - الملاحة كان فيها سم ياناهد، ماانا مقدرش ألوث إيدي بدم واحدة خاطية مذنبة وخاينة زيك.

كادت تصرخ وهي تدفعه ليبتعد عنها عقب اكتشاف هذا السر الذي سيودي بحياتها للجحيم خلال لحظات: - ألحقون...
كتم صرختها وهو يشدد من قبضته على فمها، تلوت بتشنج بين يديه ليفلتها فتنقذ ما يمكن أنقاذه، ولكنه كان مدخرًا كُل طاقته وقواه لهذه اللحظة التي سيواجهها فيها، تشنجها وصرخاتها المستغيثة كانت تُشفي بعضًا من غليل صدره وتطفئ من نيرانه المتشوقة للأنتقام..

ظلت هكذا، وظل هو يتحدث: - متحاولش، لحظات وكل حاجه هتخلص، هتموتي وتبقي ذكرى حلوة عند بنتك اللي مش هتعرف حاجه عن ماضيكي، إيمان لو كانت عرفت كانت هتعاير بنتك طول العمر، . لكن انا مسمحتش بكدا ومش هسمح.

بدأ جسدها يرخو رويدًا رويدًا، وأمعاءها تحس وكأن شكات توخزها، لحظات وزاد الألم ليعتصر جوف معدتها، كل ذلك وهي سجينة ذراعيه اللذان يطوقانها، وفمها ملثم بأصابعه الغليظة التي أحكمته بإنفعال كي لا ينفتح.
لم يدوم الأمر طويلًا، فقد سكن جثمانها فجأة، معلنًا عن إغماءة ما قبل الموت، حملها، وسار بها نحو غرفتهم.

وضعها على الفراش ودثرها بالغطاء، ثم التقط منديلًا ورقيًا ومسح وجهها الذي تلوث بسواد كحلها السائل على الوجنتين، بقى أمامها واجمًا لبعض الوقت، ثم تحسس نبضها، ليجده قد انقطع عنها بالفعل، فارقت الحياة، دفعت ثمن آثامها، بل إنها دفعت ثمنًا قليلًا حتى.
الآن هو يغادر الغرفة ويغلق الباب من خلفه، مسح عبرة تساقطت على وجنته، ثم ردد: - الله يرحمها.

مرق عاكف بوابة القصر بسيارته، ثم تركها بالممر ومضى نحو القصر، فلمح عاصم يجلس على الدرجتين المؤديتين للداخل، كان شكله غريبًا وغير مهندم، تطلع إليه عاكف ببرود و سأله: - قاعد كدا ليه ياعاصم؟
- بفكر، بفكر في المصيبة اللي سابها أبوك قبل ما يموت
أخفض عاكف نظراته ليحدق في مفاتيح سيارته و: - هي فعلًا مصيبة، كلها يومين ويعلنوا إفلاسنا
وكاد يدخل للداخل، ولكن وقف عاصم واستوقفه وهو يقول: - والحل؟

- حل؟!، مفيش حلول، أبوك طربقها على دماغنا كلنا
ف زفر عاصم بضيق و: - أنا مخنوق أوي، تعالى نروح نكمل كلامنا في أي حتة
ارتفع حاجبي عاكف بعدم اقتناع لهذه العبارة الأخيرة التي قيلت، ولكنه فسر ذلك بأن السبب وراء اختلافاتهم يكاد يكون انتهى، وهو المال والتركة والميراث، ولكنه مازال مدهوشًا، فقطع عاصم هذا الشك بقوله: - هتيجي ولا لأ
- وماله، اتفضل
وأشار نحو السيارة، ولكن بادر عاصم: - مش برتاح غير في عربيتي.

ثم قذف له بالمفتاح و: - أنت اللي هتسوق
ومضى عاصم نحو سيارته، جلس بجوار مقعد السائق، و عاكف لم يبرح مكانه بعد، يحاول أن يترجم فعلته ولكنه لا يستطيع، وجد نفسه يسير نحو السيارة بطواعية ويجلس خلف المقود، ثم قادها نحو الخروج.

كان صامتًا، ينظر للإتجاه الخارجي عبر النافذة، فقطع عاكف صمته قائلًا: - هنروح فين؟
- أطلع على كافيه أول الطريق الصحراوي
استدار عاصم برأسه ليرى أخيه الآن بنظرة مختلفة عن ذي قبل، وبدون مقدمات ردد: - مين يصدق إن مصيرنا بقى واحد!
ف ضحك عاكف بسخرية و: - صحيح، مصيرك بقى زي مصير إبن الخدامة
- ياريتك كنت إبن الخدامة فعلًا
نظر له عاكف من زاوية عينيه و: - قصدك إيه؟

- ياريتك كنت خدت منها خصالها على الأقل، كانت أمينة في شغلها وفي خدمتنا أنا وأمي وعمرها ما خانت.

أعتقد هذا بمثابة إهانة متوارية له الآن، وبدون إنتباه زادت سرعة السيارة وهو ينطق بحنق: - وبعدين بقى في طولة اللسان دي!
فأوضح عاصم صدق نيته للمرة الأولى: - أنا بتكلم جد المرة دي، مش بقلل منك
ثم سأله: - فريدة ست حلوة، مثقفة، عاقلة، حنينة، إزاي جالك قلب تخون الملاك الوحيد اللي في عيلتنا؟

بدأت أعصابه تتلف فعليًا عقب هذا التصريح الخطير، وحاول المماطلة: - خيانة إيه اللي بتكلم عنها أنا مش فاهم حاجه!
ف تبدلت نظرات عاصم بلحظة واحدة، وأعلن عن الشر الذي يحمله بصدره: - لأ انت فاهمني كويس أوي، انت مكتفيتش بكرهنا لبعض، روحت كمان خنتني، دوست على شرفي وعيشت علاقة مع مراتي!، هي فريدة مكانتش مكفياك ولا إيه؟

بدأت عيناه تزوغ عن الطريق وينظر إليه من الحين للآخر وهو لا يستطيع الرد: - عاصم انت مش فاهم، آ...
انتبه عاكف لفساد الفرامل بالسيارة عندما حاول إيقافها لإنقاذ نفسه من الشعور بالخطر الذي داهمه، فقطع عبارته فجأة و: - الفرامل!
فضحك عاصم و: - مش شغاله، شوفت، مش قولتلك مصيرنا واحد، أدينا هنموت مع بعض كمان.

حاول عاكف أن يحلّ عنه حزام الأمان، ولكنه وجد سلاح عاصم يتسلط على رأسه وهو يصرخ به: - متحاولش، خلاص نهايتك اتكتبت ياخويا، هتاخد جزاء خيانتك زيها بالظبط
تطلع عاكف للطريق بعيون مذعورة وهو يجاريه في الحديث حتى يجد مخرجًا من هذه الأزمة: - عاصم أنا هعملك كل انت عايزه بس خلينا نتكلم بالعقل
فهاج صوته الصادح وهو يصيح: - عقل! هو انتوا خليتوا فيا عقل.

دفعه عاكف بمرفقه فأسقط السلاح من يده وهو ما زال يتخبط يمينًا ويسارًا بالسيارة، فوجد ذراعي عاصم تتشبث به وهو يصرخ ب: - متحاولش، هنموت سوا، وزي ما عيشنا بنكره بعض، هنموت موته واحدة في عربية واحدة مع بعض.

حاول عاكف السيطرة على عجلة القيادة ودفع عاصم عنه في آن ولكنه لم يفلح: - هتستفيد إيه من موتنا ياغبي، خلينا نتكلم و...
- خمس ثواني والعربية هتنفجر بيا وبيك ياعاكف.

ترك عاكف عجلة القيادة وبقى همه هو التخلص من قبضة عاصم الممسكة به بإحكام، والذعر جعل عرقه يتصبب بخوف شديد من هذا المصير القاسي الذي ينتظره بعد ثواني، ولكنه لم يفلح بأي شكل، وآخر ما وصل لمسامعه صوت العد التنازلي للموت من فم أخيه الذي نظر لعينيه في مواجهة شرسة للمرة الأولي: - تلاته، أتنين، واح...

طارت السيارة من على الأسفلت مُحدثة إنفجارًا عنيفًا أثر على السيارات المجاورة وقد أصبحت السيارة عبارة عن أشلاء تتطاير في الهواء وسط غيمة من الدخان الأسود الذي يخرج من بين النيران المُسعرة گخروج الروح من جسدها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة