قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع

كانت ناهد جالسة بإنزواء على نفسها، متوترة، مضطربة، عقب زيارة فريدة لها وهي في حال غير مبشر، ولج عاصم وعلى ثغره إبتسامة عريضة، لم ينتبه لحالة زوجته، بل قال وهو ينزع عنه سترتهُ: - محدش قالي إن عروسة رائد جاية النهاردة ليه؟، كنت قعدت استقبلتها وشوفت حصرة عاكف بعيني.

فجاهدت ناهد لتكون أكثر هدوءًا عكس ما تحمله بداخله، ثم ردت ب: - آه
انتقل عاصم أمام خزانة الملابس العريضة وهو يتابع: - بابا استقبلها ازاي ياناهد؟
لم تجيب، وكأنها ب وادٍ آخر، التفت برأسه، حدجها قليلًا لسبر ما يختبئ في أغوارها قبل أن يردد مستفهمًا: - مالك ياناهد؟
- هه!

انتبهت له، فقررت الفرار كي لا يحاصرها بإستجوابه گعادته، انسحبت أسفل الفراش وهي تردد: - أنا هنام، كفاية عليا اللي شوفته النهاردة، القصر كان زي السيرك، الكل كان بيتفرج على أبوك وهو بيعامل البنت وكأنها واحدة مننا، تصبح على خير.

شعور السعادة ينشوه، وكأنها الحرب الأخيرة وليست بدايتها، تابع ارتداء ملابسه وهو يفكر مليّا فيما حدث وما قد يحدث، ف الأيام القادمة ستحمل له الكثير.

هبّ طارق من مكانه غير مصدقًا، اقترب من الفراش الراقد عليه فاروق وجلس بجواره وهو يقول: - بجد ياجدي؟!، وافقت!، طب ازاي وامتى؟
ف ابتسم الجد وهو يؤكد: - النهاردة
تحمس طارق بشدة، بدت ملامحه غير مفهومة، هل هذا لذة الإنتصار أم فرحة موافقتها به زوجًا، لم يفكر طويلًا، حيث أخرج هاتفه من جيب سترته ووقف منتصبًا ليقول: - طب انا هنزل دلوقتي.

استمع صوت أبواق سيارة، تلاه صوت فتح البوابات، ف انتقل نحو النافذة لينظر من خلفها، ف إذ بسيارة برديس تعبر البوابات، تحفز بشدة، وتوجه للخروج مسرعًا.

لم تترجل من سيارتها بعد، ثمة ثقل يجثو على جفونها، ونوم يختبئ خلف ثباتها المزيف، فُتح باب القصر وطلّ منه طارق، اقترب منها، فتح لها باب السيارة و: - قاعدة كدا ليه يابرديس؟
كانت مستندة بكفيها على المقود، فاقدة للشعور بالأشياء والأصوات، شعر طارق بالإرتياب، ف اجتذبها بهدوء ليجد جسدها رخو للغاية، حملقت عيناه وهو يتسائل بجدية: - انتي كنتي سايقة ازاي وانتي بالحالة دي؟

كان صوت أنينها فقط هو الذي يظهر أثناء سحبه لها من السيارة، عاونها لتقف وأغلق باب السيارة، ثم سأل: - انتي شاربة حاجة يابيري؟
- آآ، ا...
لم تقوَ حتى على الوقوف كثيرًا، ترنحت، ف امسكت بها ذراعه ليسندها، وإذ برأسها الثقيلة تقع على صدره وهي تقول: - ع عايزة انام، دماغي وجعاني أوي.

لحظة لم ولن تتكرر مرة أخرى، لا يدري هل يغتنم فرصة إقترابها منه لهذا الحد، أم يتركها گالأحمق، طوقت ذراعه خصرها وهو يضمها إليه أكثر، مسح بأصابعه الباردة على بشرتها الساخنة وهو يهمس: - انتي كويسة يابيري؟!، شكلك مش طبيعي.

لم تجيب، أطلقت سلطتها عن جفونها وتركتهما للغفو، سحب طارق شهيقًا امتزج فيه الهواء برائحة شعرها، ف اشتد تطويقه لها لتكون ملاصقة إليه، ابتسم بإنتشاء عجيب، قبل أن ينحني ليحملها بين ذراعيه گالطفل الذي ينزوي بك، داعب وجنتها بشفاههُ، ثم طبع عليها قُبلة صغيرة، قبل أن يتحرك بها للداخل.

صعد الدرج، وعيناه مرابطة عليها، ف أغفل بغباءه رؤية والدته التي تقف على رأس الدرج تنظر لما يفعله ولدها من أفعال لا تروق لها البتة، توقف فجأة أمامها، فسألته ب حنق بالغ وهي تنظر للنائمة: - بتعمل إيه بنت عاصم في حضنك ياطارق؟، خلاص مبقتش عارف تحكم تصرفاتك؟
ف استهجن طارق حديثها قائلًا: - يعني اسيب بنت خالي وهي في الحالة دي!، وبعدين خلاص مبقتش بنت عاصم
ف احتدت نظراتها وهي تسأل: - يعني إيه؟

ف تجاوزها طارق وعبر من جوارها وهو يتابع: - يعني الوقفة دي متنفعش، ولازم أنيمها في أوضتها
سار بها نحو غرفتها، يتمنى لو أنه يظل حاملًا إياها طويلًا ولا يفلتها الآن، ولكنه أصبح أمام باب الغرفة، انحنى قليلًا ليضغط بمعصمهِ على المقبض فينفتح، ثم ولج بها، وضعها برفق على الفراش، وما أن اعتدل حتى وجد والدته تسحبه بعنف نحو الخارج: - ماما!؟ بتعملي إيه؟

فنظرت إيمان حولها قبل أن تقول: - انت اللي بتعمل إيه؟ فوق ياطارق، أنا مش موافقة على البت دي بالذات و...
فقاطعها طارق: - خلاص انا وافقت، وجدي وافق وبيحدد يوم للفرح كمان، عن أذنك.

تركها بمفردها وعاد يدخل إليها، أوصد الباب، ثم فتح الأنوار، نظر إليها من بعيد، ثم تنهد وهو يقترب من فراشها، انحنى لينزع عنها حذائها، ثم تركه جانبًا، سحب الغطاء عليها، وتمتع برؤيتها نائمة، جلس بجوارها، كانت مستكينة للغاية، هو الآن لا يعاني من نظراتها التي تقتله وتجاهلها الذي ينغز رجولته وكرامته، أخفض نظراته عنها، لتقع عيونه على ساعتها الذهبية، فمد أصابعه لينزعها من معصمها فلا تؤرقها أثناء النوم..

استشعرت برديس هذه اللمسة الرجولية الخشنة، وتلك الأصابع التي تعرفها جيدًا، أقشعر بدنها، فتعلقت نظراته بها منتظرًا أن تُصدر رد فعل آخر، ولكنها لم تفعل، ترك ساعتها جانبًا، ونهض ليقف أمام النافذة، فتحها..
وقف أمامها متصلبًا ينظر للفراغ، ثم أخرج سيجارته ليبدأ بإشعالها، وبقيت نظراته للخارج، وفي عقله مئات المواضيع التي تشغل باله..

انتشرت رائحة الدخان في غرفتها، ف سعلت برديس بتلقائية نتيجة مرضها بحساسية الصدر، التفت طارق على أثر صوتها، توتر وهو يبحث عن منفضة يطفئ فيها سيجارته، ولكنه لم يجد، فتأفف بإنزعاج وأطبق أصابعه عليها لتنطفئ في بطن كفهِ، كز على أسنانه بتألم مكتوم، ونظراته ما زالت عالقة عليها، فهذه بمثابة اللحظات الأسعد على الإطلاق.

زرعت ناهد المكان ذهابًا وإيابًا، تفرك كفيها بتوتر، منذ البارحة وهي لا تستطيع تمالك نفسها، انتظرت حتى هذا الصباح بأعجوبة شديدة، نظرت لساعة اليد الذهبية، ثم تمتمت: - أتأخرت كدا ليه؟
وهنا تسمع صوت فتح الباب، لتقع عيناها على عاكف فتركض نحوه بتلهف وهي تردد بعتاب موبخ: - جرى إيه ياعاكف؟ كل دا تأخير!

انتقل عاكف نحو المنضدة الصغيرة، ترك المفاتيح وهو يردد: - الطريق زحمة ياناهد، جرى إيه جيباني على ملى وشي ليه؟
أحادت أنظارها عنه وهي تردد: - مراتك
فسأل ببعض من الريبه: - مالها؟
انخفض صوتها وبدأ الخوف يتمكن من ملامحها وهي تقول: - أمبارح جاتلي أوضتي وهددتني، لحد دلوقتي مش ناسية اللي حصل زمان و...
قاطعها وقد اضطرب فجأة خوفًا من أن تكون أبدت شئ لزوجته: - إياكي تكوني وضحتيلها حاجة ياناهد؟!

هزت رأسها بالنفي وقالت: - لأ، بس انا خوفت، أول مرة اشوفها تتكلم بالشكل دا!
تذكر عاكف نبرتها وهي تتوعده البارحة، وكيف كان رد فعلها حيال شئ يخص حياة ابنها ومصيره، تنهد متبرمًا، وراح يتقدم من الأريكة ليجلس أعلاها وقال: - مش هينفع الجوازة دي تبوظ بسبب حد فينا، وإلا رد فعل فريدة مش هيعجب حد مننا.

وبالرغم من امتعاضها من هذا الرأي، ولكنه في صالح سلامتها، جلست بجواره وهي تردد بإستسلام: - ماشي ياعاكف، اللي تشوفه، المهم تبعد مراتك عني
نظر إليها نظرات مغزية، ثم قال: - مقدرش، انتي اللي لازم تتحاشي التعامل مع فريدة بعد كدا، مش هعرف أتدخل وانتي عارفه كدا كويس، الماضي رجع يظهر قدامها من جديد، ولو فتحت دفاترها، أنا وانتي هنروح في ستين داهية.

ثم نظر في اللاشئ، مط شفتيه للأمام وقال: - مضطر اسكت مؤقتًا، بس البت دي مش هتتهنى بأبني كتير.

لم يكن صبورًا حتى ينتظر أن تخرج إليه، فقام هو بزيارة غرفتها، فتح الباب بعد طرقات عديدة ودخل إليها، لم يجدها، كاد يلتفت ويخرج، ولكنه وجدها تدخل الغرفة وهي تنظر إليه بإستغراب، ثم سألت: - بتعمل إيه هنا ياطارق؟
فقال بدون أن يهتز: - جاي اتكلم معاكي.

انتقلت بخطاها للداخل، تركت منشفتها جانبًا، ثم التفتت إليه وكأنها تنتظر أن يبدأ، لتتفاجأ بنظراته الغريبة والتي لم تستطع تحديد معناها، مما جعلها تبادر ب: - هتفضل ساكت كتير!
تراجع في اللحظة الأخيرة، والتفت وهو يقول: - رجعت في كلامي.

أغلق الباب من خلفه وتركها في حيرتها، بينما وقف هو بالخارج، ينظر بتمعن لهذا الحرق البسيط الذي أصاب بطن يده أثر سيجارة البارحة، قبض عليه، ثم زفر ومضى في طريقه، غير مكترث بما سيحدث بعد أن ضمن موافقتها.

ترك رائد توقيعه على الورقة الأخيرة من الملف، ثم رفع بصره ل أميرة وسأل: - صدر من مروة أي فعل من ساعة ما اتنقلت مبيعات خارجية؟
تناولت أميرة الملف من ربّ عملها وقالت: - لأ يافندم، بس عايزة أقول لحضرتك على حاجة
- ها!

نهض عن جلسته، انتقل لهذا الحائل الزجاجي الذي يفصل بينه وبين الخارج، وبدأ يرفع الستار عنه ليتخلل ضوء النهار غرفة مكتبه، في حين تابعت هي: - النهاردة الصبح حصل مشكلة في التنسيق، سببها إن عاكف بيه وعاصم بيه اختلفوا مع بعض أثناء الإجتماع، ومستر عاكف لغى الإجتماع كله وأجل القرار لأجل غير مسمى.

اضطربت عضلات وجه رائد، ثم أشاح ببصره بعيدًا وقال: - أي اجتماع بعد كدا أنا مش موجود فيه ميتعملش، وبلغي الكلام دا لحنين مديرة مكتب مستر عاصم
- حاضر، مستر فواز المحامي برا منتظرك
- دخليه.

عاد رائد يجلس على مكتبه منتظرًا دخول فواز، حتى ولج بخطى سريعة وهو يحمل حقيبته الجلدية السوداء، على وجهه بدت الجدية وخطورة الموقف، صافحه رائد وعاد يجلس: - خير ياأستاذ فواز، أكيد موضوع مهم جدًا اللي يخليك تيجي تقابلني قبل الإجتماع
ف أجفل فواز نظراته بتفكير وهو يرد: - مهم وخطير في نفس الوقت، ولازم تعرف بيه عشان تتصرف قبل ما ابلغ فاروق بيه بنفسه.

ضاقت عيني رائد وسأل: - في إيه؟!

جلست دريّة تتابع المسلسل المدبلج بتركيز، إلا إن تركيزها تشتت منذ أن اختلت رفيف ب عمها، حاولت أن تتلصص عليهم، ولكنها فشلت، فبقيت بمحلها منتظرة إنتهاء هذه الجلسة السرية بفارغ الصبر.
نظرت حيال ابنتها ندى بنظرات مترقبة، فلاحظت إشراقة ملامحها التي تنُم عن الكثير، ف علمت بخباثتها أن ابنتها تعلم ما لا تعلمه هي، ف سألت: - بت ياندى، انتي تعرفي المزغودة اللي جوا دي عايزة إيه من ابوكي؟
- هه؟

تصنعت ندى تركيزها مع المسلسل الذي لا تتابعه من الأساس، ثم قالت: - معرفش ياماما، علمي علمك
-دريّة
انتبهت دريّة لصوت زوجها الذي صدح، لحظات وكان يخرج هذا الرجل ذا اللحية البيضاء الناصعة، ورأسِه الأقرع ووجهه البشوش، ينظر بسعادة لها وهو يردد: - رفيف جايلها عريس أخر الأسبوع.

حدقت دريّة غير مصدقة، وتحولت نظراتها لتلك الفتاة التي تبغضها لتجد تعابير الفرح جليّة على وجهها، بينما تابع عماد الدين: - عايزك تروقي الشقة كويس وتطلعي الكسوة بتاعت العيد عشان تفرشي بيها الكنب و...

مطت شفتيها بإزدراء وهي تقطع حديثه: - حيلك حيلك ياحج، أنت عرفت هي جيباه منين الأول ولا تعرفه من أمتى؟
ابتسمت بتهكم وتابعت: - ولا احنا كنا نايمين على ودانا كل دا!
فصاح بها زوجها بغير هُدى: -دريّة، خلي بالك من كلامك، أنا مربي رفيف وندى تربية واحدة، وانتي عارفه دا كويس
- خلاص متزعلش أوي كدا، خلي المحروسة هي اللي تقعد أجازة اليوم دا وتروق البيت، أنا مبقتش قادرة على خدمتكم.

فقالت رفيف بدون أن تفقد بهجة صوتها الرنان: - متقلقيش يامرات عمي، أنا هعمل بدالك كل حاجة
أحتضنتها ندى بمشاعر صادقة نقية وضمتها بإنفعال سعيد وهي تقول: - مبروك يافيفي، أخيرًا هتبقي عروسة
رمقتهم دريّة بنظراتها المزدرية، قبل أن تنسحب من محيطهم وهي تغمغم: - إن شاء الله مش هتكمل، كتك الهم بت فقر دخلتي عليا بالنحس وقلة البركة
وصفعت باب غرفتها بإنفعال.

كانت الساعة التاسعة والنصف مساءًا، حينما كانت دريّة جالسة بتوتر، تنظر للساعة من حين لآخر، حتى استمعت أخيرًا لصوت وقع أقدام تقترب من بابها، أسرعت نحو الباب، فتحته وانتظرت أن تتقدم الآتية منها، ثم خرجت هي وسحبت الباب قليلًا لتكون خارج الشُقة وهمست: - شوفتي اللي حصل، السوسة أختك جالها عريس
قطبت مروة جبينها وهي تسأل بغير إهتمام: - رفيف! وفيها إيه ياخالتي؟

شعّ المكر من عيني دريّة وهي تتابع: - فيها إنها هي اللي جيباه، يعني كانت تعرفه واحنا مش دريانين
كانت مروة في وادٍ آخر عقب يوم عمل جديد وشاق ويكاد يكون مهلك، فنظرت بعدم اهتمام أمامها ورددت: - مع السلامة ياخالتي، سيبيها تتجوز وتمشي واهو ترتاحي منها، دخليني انا تعبانة ولازم انام.

وتجاوزتها لتدلف إلى الداخل، إلى المنزل الذي آواها هي وأختها رفيف عقب أن توفى والدهما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة