قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر

سمع صوتها عاليا على غير العادة، يبدو ان امر ما قد اغضبها فترك موضعه المعتاد فى قاعة المقهى بالقرب من المطبخ و مد رأسه مستفسرًا فى هدوء حتى لا يلاحظه احد..
اخذت تتحدث عن غلو الأسعار و جشع الموردين لمستلزمات المقهى كانت تبحث بعينها عن شئ ما أدركه من فوره، فدخل المطبخ فى تؤدة و هى توليه ظهرها و اقترب من مكانها واضعا جوارها ما كانت تبحث عنه و خاصة عندما تغضب، وضع تفاحة..

هتفت زافرة: - استغفر الله العظيم..
وألتقطت التفاحة أو التى ظنت انها كذلك فى عجالة و قضمتها فى عنف تخرج فيها غيظها الا ان التفاحة انفجرت بوجهها و دفعت بعصيرها على خدها و ملابسها، هنا انفجر يوسف مقهقها و انتبهت هناء ملتفتة الى غفران مستفسرة عما يحدث لتقهقه بدورها على حال غفران المغطى بعصير الطماطم التى قضمتها معتقدة انها احدى التفاحات المسكينة التى تفرغ فيها غلها..

وقفت غفران فى ثبات منتظرة انتهاء مزاحهما فهتف يوسف بدوره: - ما رأيك هناء!؟، أليست هكذا افضل!؟، بعض من عصير الطماطم على ذاك الوجه الثائر يعطيه بعض من..
قاطعته غفران ساخرة: - من السخافة..
قهقه كلاهما على رد غفران الغاضب، و التى بدأت فى ازالة اثار الطماطم المنتشرة على وجهها و ملابسها..
ليستطرد يوسف ممعنا فى اغاظتها: - بعض من الفلفل الأسود و الملح سيكون رائعا لتكتمل مقادير السخافة..

علت قهقهات هناء و لم تعقب بينما نظرت غفران فى ضيق لذاك المنشرح لما فعله بها و قررت ان ترد له الصاع صاعين، والبادئ اظلم..
تظاهرت بالانشغال من جديد وتوجهت حيث يقف فى اعتداد مدعية تجاهلها لمزاحه فى خيلاء و سكبت بعض الزيت فى طريق عودته و انتظرت لثوان حتى تنل ثأرها، خطوة و اخرى خطاها مبتعدا حتى يخرج لقاعة المقهى الا ان ذاك السائل الزلق جعله يفقد توازنه ليبدأ السقوط الكبير، سقوط السيد الضخم..

كانت فى قمة نشوتها و هو يجاهد لكى يظل على ثباته الا ان محاولاته باءت بالفشل و سقط بالفعل سقوطا مدويا..
انفجرت كل منهما ضاحكة على ذاك الممدد ارضا ينظر اليهما شذرا، لتهتف هناء باسمة: - هذا حق ما فعلته بغفران، تحمل وانهض يا بطل..
و مرت هناء فى حرص بعيدا عن موضع سقوطه و هى تحمل بعض طلبات الطعام لتقديمها..

ظل ممددا بلا حراك ينظر اليها و هى توليه ظهرها لكنه يستشعر فرحتها و يدرك ضحكاتها التى تكتمها من جراء اهتزاز جسدها فى محاولة للسيطرة عليها..
هتف فى صوت واهن مدع: - يبدو انى قدمى أصيب بسوء، انا لا أستطيع النهوض..
انتفضت موضعها مستديرة الى موضع سقوطه واندفعت فى ذعر تنحنى لتتأكد بنفسها مما يزعم هاتفة: - هل أصيبت قدمك حقا!؟.
اكد فى إيماءة مستكينة: - يبدو ذلك، لكن لا عليكِ، احتاج فقط للنهوض كى اتصرف..

مدت كفها بشكل لا ارادى تحاول ان تمد يد العون و قد بدأ شعورا بالذنب يكتنفها فهى المتسبب فى ذلك، فى لحظة تهور منها رغبت فى نيل ثأرها و هى التى ما كان ذاك طبعها ابدا فدوما هى المتسامحة التى تقدم الغفران مهما كان الخطأ لكن معه لا تعرف ما الذى دفعها لارتكاب فعلتها تلك.

نظر هو الى كفها الممدودة اليه فى أريحية و بساطة لم يعتدها و شعر انها ليست فى وعيها لتفعل ذلك فالتلامس معه بأى طريقة كانت خط احمر بالنسبة اليها لا يجب تجاوزه مها كانت الظروف و يشهد على ذلك ذعرها حين أنقذها من عصبة الكلاب التى كادت تفتك بها وهتفت بوجهه فى جملة صريحة، لا تلمسنى مجددا ..

ابتسم رغما عنه ففعلتها العفوية تلك تعنى له الكثير مد كفه بدوره متشبثا بكفها الرقيق محاولا النهوض الا ان الامر لم يكن بتلك البساطة، لزوجة الارض كانت شديدة و هى كانت ضعيفة كفاية حتى لا تتحمل محاولة جذبه بكل هذا الجسد الضخم لتكون النتيجة الطبيعية هى سقوطها مندفعة الى احضانه..

لحظات فارقة من الزمن مرت على كليهما و نظرات كل منهما معلقة بأحداق الاخر كانما كلاهما قد اعاد اكتشاف صاحبه و ادرك ان نوافذ روحه تلك التى يتطلع اليها تحمل الكثير من الأسرار و الخبايا، شعر بقربها ان ذاك الأيمان الذى افتقده قد عادت جزوته المنطفئة فى الاشتعال من جديد و احست هى ان ذاك الأمان الذى افتقدته دهرا حتى ظنت ان وجوده ضربا من الخيال ها قد اضحى حقيقة ملموسة الان..

انتفضت حين ادركت ان ما يحدث لا منطقى و لا يصح حدوثه من الاساس، انبت نفسها فى غضب داخلى مكتوم حاولت الا تظهره على محياها و بدأت فى الانسحاب من جواره مبتعدة عن موضع سقوطه و منه الى الاعلى تختبئ بعيدا، بعيدا عنه و عن تلك المشاعر التى يوقظها بها كلما ظهر بالصورة او حتى اختفى..

وصلت غرفتها واغلقت خلفها بابها و شهقت باكية تستغفر فى تضرع وهى تضم تلك الكف التى مدتها اليه دون وعى منها تنظر اليها فى تيه امام وجهها تود لو قطعتها او ربما احتضنتها، و ما بين تناقض الرغبات المُهلك ذاك ظلت عالقة تتأرجح كبندول ساعة لا يهدأ..

كانوا قد اتفقوا على تجهيز حفل باهر للاحتفال برأس السنة الجديدة، كانت الاستعدادات على قدم و ساق و بدأ إقبال الذبائن منذ السادسة..
تبادلوا جميعا الإشراف على وضع الطلبات و تقديمها و الاستعداد ليكون الكل في أبهة حلة لاستقبال عاما جديدا تمنى الجميع ان يكون ملئ بالسعادة..

وقف هو في موضعه كعادته و ابتسم للزوار على غير العادة، و ظهر منير و خلفه طلت هناء بثوب رائع منتشية تنظر إلى مقهاهم الذى كان في نفس الوقت من العام الشبه منصرم بعد ساعات قليلة خال و لم يكن يستوعب هذا الكم من الزبائن و لم يكن أبداً بهذه الشهرة، العام الماض يعد الأفضل على الإطلاق، و الفضل يعود إلى غفران، تلك الفتاة التى ما ان هلت إلى المقهى حتى تبدل حاله في شهور قليلة من مقهى متواضع على احدى النواصى إلى مقهى يأتي اليه المرتادين خصيصا، واصبح اسمه ذائع الصيت و أكلاته و كعكات غفران محل إعجاب الجميع، تلك الفتاة وجه الخير على الجميع..

ظهرت غفران متأخرة قليلا عن منير و هناء، جالت عيني يوسف باحثة عنها بين الوجوه التي كانت تضع أقنعة تنكرية لكنه لم يبصرها و سخر من نفسه فمن السهل العثور عليها لانها تضع غطاء رأس، استدار قليلا ليكاد يشهق في صدمة، هل هذه غفران!؟.

كانت تقف في ثوب رائع بلون زهرى و حجاب بلون مماثل، تغطى وجهها بقناع فضى رائع، كانت تقف باحد الأركان ولم يكن باستطاعته الاقتراب، لا يعلم لم ثقلت قدميه و ما عاد قادرا على الحركة ليدنو منها فمنذ حادث سقوطه او بالأحرى سقوطهما و كل منهما كان يتحاش صاحبه و ينأى عن التواجد معه قدر الإمكان و كأن اتفاق بينهما..

كانت غفران تقف اللحظة وحيدة تشعر بخجل شديد فقد كانت ترفض الهبوط بين رواد المقهى من الأساس لذا استخدمت ذاك القناع الذى تضعه لتخبئ قسمات وجهها التى تشتعل حياء..

كانت تنظر من خلال ذاك القناع حولها بحرية ووقعت نظراتها عليه، دق قلبها بسرعة غير معهودة و حاولت ان تجذب نظراتها مبتعدة عن محياه و استطاعت ببعض من عزيمة و هى تتمتم باستغفار، كان مهلك الطلّة بتلك البدلة السوداء و رباط العنق، انها المرة الاولى التى تراه بهذا الشكل الرسمى بعيدا عن ملابسه المعتادة و خاصة سترته الجلدية السوداء التى لم يمكن يتخلى عنها..

كان المقهى مزدحم و قد قرروا اثناء الاعداد للحفل ان تكون الخدمة به على طريقة الاطباق المعدة مسبقا كلها موضوعة على احد الجوانب و للعميل حرية الاختيار مما هو مقدم حتى يتسنى لهم الاستمتاع بأجواء الحفل قليلا..

لم ترغب غفران فى الجلوس و فضلت البقاء منزوية بالركن الذى وقفت فيه محاولة ان لا تلفت الانتباه لوجودها من الاساس، لكن بالنسبة له كان وجودها فارضا نفسه على ما عاداها، كانت نظراته مسلطة عليها لا تحيد عنها ابدا، مما استرعى انتباهها فشعرت بانها تذوب خجلا و تتمنى لو تبتعد على الفور، لكنه تحرك اخيرا من موضعه، كاد قلبها ان يتوقف فقد اعتقدت انه فى سبيله اليها لكن حمدت ربها سرا انه ابتعد للجانب الاخر من القاعة و قد قرر ان يضع موسيقى او اغنية ما من اختياره كما فعل بعض الزبائن و اختاروا أغنياتهم المفضلة مهداه لأحبائهم..

تهادى لمسامعها كلمات الاغنية التى اختارها، و التى حازت إعجاب الجالسين حتى ان بعض منهم قام مع رفيقته للرقص على أنغامها و كلماتها الساحرة..
يا سيدتى، ليس هنالك شئ يملأ عينى..
لا الاضواء و لا الزينات..
ولا أجراس العيد و لا شجر الميلاد..
لا اتذكر الا وجهك انت..
لا اتذكر الا صوتك انت..
تعالى، تعالى، تعالى..
هات يدك اليمنى، كى اتخبأ فيها
تعالى، تعالى، تعالى..
هات يدك اليسرى، كى استوطن فيها.

قولى اى عبارة حب، حتى تبتدأ الأعياد.
لا تعلم لما شعرت ان تلك الاغنية ما هى الا رسالة مبطنة بشكل ما مرسلة اليها، طردت هذا الخاطر و بدأت فى التركيز على امور اخرى اكثر أهمية تخص العمل.
لم يبق الا لحظات و بدأ الزبائن فى العد التنازلى فاليوم الاول من العام الجديد على وشك البدء..
اغلقت الأنوار عندما حان منتصف الليل تماما، و بدأت الصرخات المنتشية و التهانى ما ان فتحت من جديد..

نظر يوسف الى موضعها فلم يجدها و كانها كانت مجرد صورة من وحى خياله المشتاق لمحياها..
تنبه و اندفع فى اتجاه الدرج الداخلى المفضى لحجرات النوم، كان عليه ان يستنتج هذا بكل سهولة..
صعد الدرج فى خفة و فى ثوان كان يقف امام باب حجرتها المغلق، سمع همهمات دعائها، كانت تناجى ربها كما اعتادت و كما بدأ يعتاد هو بل يأنس لذلك و يتوق اليه فى سكينة عجيبة أدهشته..

تناهى لمسامعه حديثها مع ربها فى تضرع وبنبرة يملأها الحياء فأقترب يكاد يلتصق ببابها رغبة فى الا يفته حرفا مما تنطق الان هامسة: - انا لا اعلم ما الذى يجعله مميزا و انت ادرى الناس بحاله يا رب، و لا يد لى فى ميل قلبى الذى يكمن بين إصبعين من يدك تقلبه كيفما شئت، يا رب ان كان خيرا فقربه وان كان شرا فاصرفه واقض لى الخير حيث كان و كيفما شئت و ارضنى به يا الله..

تسمر للحظات يتردد صدى دعائها بين جنبات روحه و اخيرا انتفض مبتعدا فى حرص يهبط الدرج حتى اصبح فى لحظات داخل الحفل من جديد، لكن لا ذاك الصخب الدائر و لا ذاك الضجيج الذى يعم المكان كانا اكثر صخبا و ضجيجا من طرقات قلبه و بعثرة روحه و فوضى مشاعره او غليان افكاره و التى هامت هناك حيث تركها، و قد اعترف من توه انه عاشق حد الثمالة لتلك الرائعة بالأعلى، و لا حيلة له فى ذلك..

شعرت بحركة مريبة تحدث بالأسفل فأقشعر بدنها خوفا و فكرت ان توقظ الجميع لاستطلاع الامر، لحظات مرت قبل ان تتخذ قرارها و تنهض من فوق مصلاها بعد أداءها صلاة الفجر، ارتدت مئذرها على عجالة و فتحت الباب فى حذّر و ما ان همت بطرق الباب على غرفة منير و هناء حتى تنبهت ان باب غرفة يوسف مفتوح و ذاك الظل الضخم الذى كان يتجه للأسفل بالتأكيد هو ظله، لابد و انه استمع للجلبة التى حدثت بالأسفل و نهض يستطلع الامر مثلها..

قررت الذهاب خلفه و هبطت الدرج فى تؤدة تتلمس خطواتها حتى وصلت للمطبخ حيث يظهر الصوت الان اكثر وضوحا، تنحت جانبا تختبئ حين ظهر ذاك الظل الغريب الواقف امام المبرد يستطلع ما بداخله و يخرج بعض ما فيه و اخيرا ظهر يوسف من احد الأركان منقضا عليه، لم يكن ذاك الظل الغريب ضخما مقارنة بيوسف لذا استطاع يوسف السيطرة عليه بسهولة و إخضاعه و ما ان دفع به نحو احد الأركان حتى استطاعت استيضاح اللص الذى لم يكن الا شابا صغيرا لم يتعد الثامنة عشرة من عمره، و الذى هتف فى ذعر محاولا تجنب اى ضربات قد يتلقاها من يوسف بكفه التى يرفعها فى مواجهة وجهه: - انا لم افعل شيئا و لم اخذ شيئا، صدقنى انا لست لصا..

انحنى يوسف مواجها له جازا على اسنانه و هو يهتف فى غيظ: - اذا ما الذى أتى بك الى هنا!؟، ضللت طريقك للجحيم ام ماذا..!؟
اكد الشاب متلجلجا: - لا، انا فقط كنت جائعا و..
و لم يكمل كلماته و قد بدأت الدموع فى الظهور بمآقيه، مما جعل قلب يوسف يرق له هاتفا: - هل كنت تسرق جوعا!؟.

اطرق الفتى برأسه خجلا و همس بعد لحظات: - ليس من أجلى، اقسم لك انا ما فعلت الا من اجل امى و اختى الصغرى، استحيت ان ادخل عليهما و انا لا احمل قوتا لهما..
هتف يوسف فى حنق: - استحيت منهما و لم تستح من إطعامهما من حرام!، استحيت منهما و لم تستح من الله!.
كادت تشهق فى صدمة من كلمات يوسف للفتى، هل ذكر اسم الله!؟، هل يخبر الفتى ان يستح من رؤية الله له فى موقف كهذا!؟، تكاد لا تصدق ما سمعته اذناها.

و بدأ قلبها يدق فى سعادة حتى كادت تندفع هربا من موضعها حتى لا تفضحها دقاته التى كادت تصم أسماعها، و تنبهت عندما هتف يوسف بالفتى امرا: - انهض..
هتف الفتى فى ذعر: - هل ستسلمنى للشرطة!؟، ماذا ستفعل امى و اختى دونى!؟، ارجوك، انا..
هتف يوسف فى نفاذ صبر: - قلت لك انهض، و لانت نبرة صوته عندما ادرك ذعر الفتى الذى كان يطل جليا من نظراته هاتفا: - ما اسمك!؟.

هتف الفتى متعجلا و هو ينهض مقابلا يوسف: - رامى...
ربت يوسف على كتفه مطمئنا و هتف مؤكدا: - يمكنك اخذ ما يكفيك انت و امك و اختك، و انا سأتكفل بثمنه، و عدنى ألا تكرر ذاك الحمق مرة اخرى..
هتف الفتى مذهولا: - أحقا ستتركنى ارحل و لن تبلغ الشرطة!؟.
هتف يوسف مازحا: - هل أتحدث الروسية يا فتى!؟، نعم اذهب و عد مرة اخرى الساعة الواحدة ظهرا..
هتف الفتى مذعورا: - هل ستسلمنى ساعتها للعدالة!؟.

هتف يوسف و هو يضم قبضته غيظا: - الا تفكر الا فى السوء أيها الاحمق!؟، لو أردت لقضيت عليك دون الحاجة لجلبة احضار الشرطة، بل ستعود لأجد لك عملا تنفق به على اختك و امك من الحلال، اسمعت!؟، بالحلال، حتى لا تعود لفعلتك الغبية هذه مرة اخرى..
هلل الفتى و انبسط وجهه فرحة و هتف فى سعادة: - حقا!؟.
ابتسم يوسف مؤكدا: - نعم، هيا ارحل الان و عد كما اتفقنا..

أومأ الفتى برأسه موافقا و اندفع راحلا لا يصدق انه نجا و سينال عملا ايضا..
تنبهت غفران لتتسلل عائدة لغرفتها قبل ان يفطن يوسف لوجودها و اغلقت بابها خلفها و هى تفكر فيما رأته بالأسفل..

تمددت على فراشها و تعلقت نظراتها بالسقف كالعادة عندما يصيبها السهاد لكن هذه المرة ما يعتريها هو خليط عجيب من المشاعر لا يمكنها وصفه او تفسيره..
مزيج من فرحة مخلوطة بسعادة بلهاء يكتنفها بعض الرهبة و القليل من القلق..
لا تعرف كنه ذاك الخليط العجيب لكن جل ما تدركه تلك اللحظة هو الانشراح و النشوة التى تغمرها كلما استعادت افعال يوسف او حواره مع الفتى بالأسفل..

دمعت عيناها فى حبور و ابتسمت فى امتنان و رفعت أكفها للسماء شاكرة فقد استشعرت ان يوسف قد بدأ يخطو اولى خطواته فى الطريق الصحيح، طريق الله..
اما هو فقد عاد حجرته و قد اربكه ما فعله مع ذاك الفتى، و تساءل فى تعجب لعله يجد اجابة تريح اضطراب خواطره، لما فعل ذلك!؟، لما ترك الفتى يرحل دون ان يعاقبه على فعلته!؟، الم يكن هذا احد أسباب الخلاف الدائم بينه و بين غفران!؟

هل اضحى دون ان يشعر نسخة منها يتصرف كما تتصرف هى!؟، هل اصبح كذلك بالفعل!؟.
نهض يزرع الغرفة جيئة و ذهابا يخلل أصابعه فى توتر بين خصلات شعره و يزفر فى ضيق..
لقد اصبح تأثيرها عليه قوى لدرجة لم يكن يتخيلها انه حتى اصبح يتحدث بلسانها هى، الم يذكر الله فى حديثه مع الصبى!؟ منذ متى يفعل!؟، انه لا يذكر الله الا ساخطا غير معترف بربوبيته من الاساس
فكيف به الان يلوم الفتى على عدم مراعاة الله فيما فعل!؟.

انه يشعر بنزاع رهيب تدور رحاه بين جنباته و صراع محتدم بين رغباته، و عليه ان يجد طريقه، لكن الى اين يتجه!؟، فوجعه على فراق ابنته لايزل مغروسا بجذور متشعبة و ممتددة بخلايا روحه، لازال يجذبه للثورة و العصيان
لايزل يدفعه بعيدا عن طريقها، ذاك الطريق المضئ بالبهجة و الطمأنينة القلبية التى يفتقدهما منذ زمن بعيد، فهل حان الوقت ليستعيد سعادته و إيمانه!؟، ام ان وجعه سيكون الاقوى و المسيطر دائما!؟.

هو لا يعلم، و يود لو يفعل..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة