قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن

اندفع الجميع لغرفته بعد ذاك اليوم الشاق والذى نتيجته كانت سعيدة للكل لكن صاحب الفضل الاول فى ذلك لم يعد بعد من انطلاقته على دراجته البخارية..
تمددت على فراشها لا تعلم لما تشعر بذاك القلق الذى يعتريها لخروجه بهذا الشكل..
همست بأدعيتها المعتادة و فتحت مذياعها على القران الكريم و الذى لا تغير قناته، و أغمضت جفنيها لا رغبة لها فى النوم حتى تطمئن انه عاد سالما، و قررت تأجيل شكرها له حتى الصباح..

مرت ساعة و اكثر و لا جديد و استوحشت جدران غرفتها دون طرقه عليها محذرا إياها لتخفض صوت المذياع، لتعاند هى فى صلابة ليرضخ هو فى النهاية و يكف عن الطرق بكفه الضخم على حائطها الذى تستشعر انه يوم ما سيخرقه فى احدى نوبات غضبه.

ابتسمت للخاطر رغما عنها و حاولت ان تصرف شبح النعاس عن أجفانها لبعض الوقت لكنها لم تستطع فالإرهاق قد بلغ منها مبلغه فراحت فى سبات عميق و لم تدرك صوت محرك دراجته البخارية التى توقفت فى الذقاق خلف المقهى مؤكدا على عودته..
استيقظت هى على صوت جوالها الذى كان يصدح مؤذنا لصلاة الفجر، نهضت فى صعوبة تجر جسدها جرا خارج الفراش فهى لم تنل ما يكفى من النوم بعد..

وضعت مئذرها و غطاء رأسها و توجهت للحمام لتتوضأ فتنبهت لضوء ينبعث بالقرب من التلفاز، اقتربت فى حذّر محاولة عدم ازعاج من يجلس هناك و الذى لم يكن الا هو، لكنه كان نائما فى وداعة تتناقض تماما مع ذاك الحجم الذى احتل الأريكة بكاملها، كان يحتضن شيئا ما الى صدره لكنه على وشك السقوط منه.

اقتربت اكثر فى حرص لا تعلم ما الذى يدفعها لذلك، فلتدعه ينام كيفما شاء لما تتدخل من الاساس، لكنها تجاهلت ذاك الصوت التحذيرى داخلها تماما و تحركت باتجاهه حتى وقعت عيناها على شاشة التلفاز التى كانت تعرض صورا لفتاة ملائكية رائعة تضحك فى شقاوة و..
مهلا، اهذا هو!؟، كادت تصرخ فى صدمة و هى تراه يتحرك امامها على شاشة التلفاز مندفعا باتجاه تلك الفتاة الصغيرة التى كانت تجرى فى سعادة صارخة حتى لا يلحق بها..

من هذه!؟، و ذاك الفيلم الذى يجمعهما، يبدو انه من فترة ليست بالبعيدة، فشكله لم يختلف كثيرا على ايه حال، نفس الضخامة و الطول الفاره و الذقن و اللحية الا انهما اكثر تهذيبا و اقل طولا كذلك شعره و تلك العقدة التى تجمعه خلف عنقه، شيئا واحدا فقط هو المختلف، نظرات عينيه تلك تحمل الكثير من الأمل و المحبة و السعادة، اما نظراته الحالية فلا تحمل سوى شئ واحد، الحزن الدفين..

تسللت ببطء و امتدت كفها تسحب ذاك الشئ الذى كان على وشك السقوط من بين كفه و الذى لم يكن الا صورة فوتغرافية لنفس الفتاة فى إطار طفولى يحمل نماذجا لشخصيات كرتونية و مزيل بكلمة رقيقة على احد جوانبه بالإنجليزية، ملاكى..
كادت الدموع تطفر من عينيها فى وجع.

و قد ادركت ان هذه الفتاة هى ابنته بالتأكيد، لكن ما الذى أبعده عنها!؟، و اين تراها تكون!؟، هى لا تعلم، لكنها ادركت بحدسها ان هذا هو السبب الذى أبعده عن طريق الله، لابد و انه كذلك..
نهضت فى هدوء و انسحبت فى حرص شَديد مخافة إيقاظه و دخلت الى الحمام تتوضأ و منه الى حجرتها لتفرد مصلاها المعطرة بالمسك و ترفع أكفها للسماء مكبرة ليسل دمعها دون وعى منها على حاله، و حالها..

حاولت النوم بعد صلاة الفجر لكن بعد ما رأته ما عاد لديها القدرة على ان تغفو و رأسها مشتعل بأفكار و خواطر عديدة جعلت النوم يولى هاربا بعيد عن أجفانها
و تنبهت لصوت حركة بالخارج و باب الغرفة المجاورة لها يُغلق فتأكدت انه استيقظ و نهض من موضعه امام التلفاز ليعاود النوم من جديد بغرفته قبل ان يستيقظ احد من قاطنى المنزل و يراه بهذا الشكل، بالتأكيد هو لا يعلم ان ذلك حدث فعلا و انها رأته..

و تذكرت حاله عندما لمحته بالحفل و هو يحمل الطفلة الصغيرة ذهبية الشعر التى جعلته يحملها حتى تضع ذنب الحمار موضعه و كيف كانت ملامح وجهه رغم الأصباغ صورة حية من الوجع و تعجبت لحظتها، الان لم يعد هناك حاجة للعجب فقد عرفت سبب وجعه و تيهه، فيبدو ان ذاك الحفل و رؤيته الاطفال قد أهاج ذكرى ابنته و جعلته يتذكرها ليعاود نفس الالم و الاحساس بفقدها من جديد، هى لا تعلم ما الذى جعله ينفصل و يبتعد عن ابنته لكن كل ما تدركه انه أب يتألم قهرا لفراقه إياها، ألما قضى على إيمانه و ثباته و جعله يفقد بوصلة صوابه للأسف..

تنهدت فى إشفاق و حاولت ان تنام من جديد لكن لا فائدة فقررت ان تهزم تلك الخواطر التى تضج مضجعها بالعمل فنهضت و أرتدت ثيابها و اندفعت للأسفل حيث المطبخ الذى تنسى فيه همومها..

لكن ما ان بدأت فى عجن فطائرها الصباحية حتى هلت هناء امامها و يبدو انها لم تهنأ بنوم مستقر الليلة السابقة و الدليل هو تلك الجفون المنتفخة و التى لا تدل على إرهاق واضح من مجافاة النوم و لكن ايضا تدل على بكاء مضن..
هتفت غفران متعجبة: - ما هذا الوجه!؟، هل كنتِ تبكين هناء!؟.
لم تكن غفران بحاجة للسؤال فقد طفقت الدموع من عيني هناء قبل ان تنه غفران سؤالها..

تركت غفران ما كان بيدها و اندفعت تحتضن هناء فى حنو هامسة: - ما الذى يجرى!؟، ما هذه الليلة العجيبة!؟.
هتف منير مجيبا بدلا من هناء التى لم تكف عن البكاء بعد: - نعم ليلة عجيبة بحق، و رؤية الاطفال البارحة جعلت منها ليلة كئيبة ايضا..
هتفت غفران متعجبة: - رؤية الاطفال!؟

ثم تنبهت ان هناء لديها بعض المشاكل فى الإنجاب و سمعت من قبل بعض المناقشات بينها و بين منير عن ذلك، شعرت غفران بمزيد من الذنب فيبدو ان ذاك الحفل الذى كانت فكرة إقامته من اقتراحها قد احزن الجميع و ليس هناء فقط فها هو يوسف قد ظهر على اعلى الدرج ألقى التحية فى عجالة و اندفع من باب المطبخ الخلفى للذقاق هاتفا: - انا اليوم اجازة، استميحكم عذرا..
و اختفى مع صوت محرك دراجته البخارية الذى ابتعد بدوره..

هتفت هناء اخيرا فى وجه منير: - لما تصر على عدم تحقيق رغبتى!؟، ما لدينا من مال كاف..
هتفت غفران بتعجل: - كاف لماذا بالضبط!؟.
تنهد منير مجيبا: - كاف لإجراء عملية طفل انابيب اخرى بعد تلك المرة التى حاولنا فيها و فشلت..

و صمت الجميع الا من صوت نحيب هناء الدامى ليستطرد منير و هو يقترب منها جاذبا إياها فى هدوء لتقترب منه مستندة برأسها على كتفه: - انا خائف، بل خائف جدا، عندما فشلت العملية المرة السابقة اخذ الامر منك فترة طويلة حتى استوعبته و عدت هناء التى اعرفها، لقد اثر عليك الحزن لفشلها كثيرا، و انا لا ارغب فى تكرار الامر، لا اريد ان افقد جزء من روحك مع كل تجربة، انا أريدكِ انتِ..

ارتفعت شهقات هناء و هى تحتمى بصدره هاتفة بأحرف متقطعة: - و لكنى اريد طفلا، اريد ان امنحك طفلا يسعدك و يزيح احساس الذنب تجاهك عن كاهلى، أريده منير، أريده بشدة..

بكت غفران فى ألم و هى ترى ما يحدث أمامها و لم تستطع ان تفوه بكلمة حتى هتف منير بنبرة عمل جاهدا على ان يكسوها ببعض المرح المصطنع محاولا تهدئة هناء: - حسنا، سنحاول مرة اخرى، لكن عدينى ان نعتبر الامر مجرد تجربة قابلة للنجاح او الفشل و ليست نهاية العالم..
هتفت هناء فى حماسة غير مصدقة انه وافق اخيرا: - أعدك، أعدك من كل قلبى.

هتفت غفران و هى تمسح دموعها من على خديها مؤكدة: - و انا هنا للمساعدة دوما، لا تحملا هما للمقهى و ادارته و ايضا لا تحملا هم النقود..
هتف منيرا ممتنا: - لقد ساعدتنا بالفعل، فلولا مشاركتك لنا فى المقهى ما كان لدينا المال الكافى الان لنقرر اجراء العملية، فلقد خسرنا مدخراتنا فى المرة الاولى و هذا كان سببا لعرض المقهى للبيع و عندما عدلنا عن الفكرة، ظهرت انتِ و ظهر موضوع الشراكة..

هتفت غفران فى محبة و هى تربت على كتف هناء: - حتى لو احتاج الامر للمزيد، كل ما املك فداء لهناء..
احتضنتها هناء فى امتنان لتبادلها غفران الأحضان فى سعادة لسعادة صديقتها..
.

دخل المقهى زوج من الأجانب و جلسا فى انتظار ان يأتيهما احدا لأخذ مطلبهما، تقدم منير محييا بانجليزية متقنة و بادلاه التحية و لكن كان يبدو ان الانجليزية ليست لغتهما الاساسية و لا يعلمان منها الكثير و ظهر ذلك فى لكنتهما و تشاورهما فى شأن اختيار الطعام و كان منير على حق فى حدسه فعندما هما بطلب الطعام لم يفهم منير ما المطلوب حتى بعد ان أشارا على بعض الأصناف تحدثا كثيرا دون ان يفهم ما عليه جلبه بالضبط، هنا اقترب يوسف متدخلا و ابتسم فى لباقة للضيوف و اجاب بلغتهم بشكل متقن جعل منير يفغر فاه فى صدمة، اخذ يوسف طلبهما مع كل التوصيات التى أكدا عليها و جذب منير فى هدوء خلفه لداخل المطبخ و هنا هتف منير فى تعجب: - منذ متى تعرف تلك اللغة الغريبة چو!؟، انا لم افهم حرفا مما قالا، اين تعلمتها!؟، اعترف..

هتف يوسف فى هدوء: - انها الروسية، تعلمتها من تنقلاتى فأنا احب السفر كثيرا، و قد عشت فى روسيا لبعض الوقت..
غامت عيناه و استبد به وجع ذكرى ما أطاحت بثبات ملامح وجهه الذى بدا عليه الحزن بشكل جلى لا يخفى على طفل ساذج لكنه تدارك الامر سريعا و هتف مؤكدا: - هل ستستطيع تقديم ما امرا به
ام..!؟.
قاطعه منير مؤكدا: - سنحاول ان نبذل ما فى وسعنا، لكن ما طلبهما بالضبط!؟، انت لم تخبرنى بعد..

هتف يوسف: - الاسترجانوف، هذه اكلة روسية مشهورة..
هتف منير فى اضطراب: - اعرفها بالتأكيد لكن لم اجرب صنعها من قبل او تقديمها هنا بالمقهى، لم لم يختارا من قائمة الطعام الموضوعة امامهما!؟.
هتف يوسف معتذرا: - انها غلطتى، فلقد طلبا و انا وافقت ببساطة معتقدا انه..
شعر منير باضطراب يوسف فهتف
مؤكدا: - لا عليك، سنفعل اللازم..

كان ذاك الحوار دائرا بالقرب من غفران التى لايزل يتجنب محادثتها او التواجد معها وحيدا، هى ايضا شعرت برغبته فى الابتعاد فأحترمتها فى صمت و قررت ان تحذو حذوه و تتجنبه ايضا، خرج يوسف ليقف موضعه بقاعة المقهى بينما نظر منير الى غفران فى توتر هاتفا: - ماذا سنفعل الان!؟، لم يتسن لها الإجابة حتى وجداه قد عاد مجددا للمطبخ و بدون مقدمات تناول تلك المريلة البيضاء المعلقة فى احد الأركان و احكم ربطها على خصره والتى بالكاد ناسبته و توجه فى سرعة للمبرد يخرج منه مكونات محددة فى سرعة و احترافية جعلت كل من منير و غفران يتبادلا النظرات فى تعجب لفعلته..

هتف منير قاطعا الصمت و الدهشة: - ماذا تظن نفسك فاعلا چو!؟.
هتف يوسف دون ان يلتفت لمنير مستغرقا فيما يفعل: - انا من ورطكم فى هذا الطلب و انا من سأف به..

هتف منير معترضا لكن يوسف لم يستمع لاعتراضاته فقد كان مأخوذا كليا بما يفعل و الذى كان يقوم به فى سرعة و احترافية ادهشت منير نفسه مما جعله يبتلع اعتراضاته و يلتزم الصمت و هو يشاهد ما يفعله يوسف بدهشة لم تكن من نصيبه وحده بل كانت غفران تشاركه إياها و هى تقف فى ذهول تتابع ما يقوم به يوسف بدورها و لم تجرؤ على التفوه بكلمة..

مرت الدقائق فى صمت تام لا يقطعه سوى أصوات المقلاة على الموقد و أشياء توضع هنا او يتم تناولها من هناك حتى انتهى يوسف و بدأ فى وضع الطعام فى أطباق مجملا إياها فى سرعة و بشكل متقن حد الكمال اخذ بلبهما حتى ان غفران صفقت فى سعادة و انبهار بما يفعل..

ناول يوسف منير الاطباق ليذهب لتقديمها فى عجالة و ما ان اختفى منير حتى هتفت غفران رغما عنها و قد نسيت تماما انه يرغب فى الابتعاد قدر الإمكان عنها وهى لا تعرف لما بالضبط: - احسنت فعلا، كان ذلك رائعا، اين تعلمت ذلك!؟، فأنت تبدو محترفا و قادرًا بشكل مذهل..
هتف يوسف محاولا التهرب من الإجابة قدر استطاعته بالسخرية: - أخبرت منير منذ قليل بالسبب و اظن أذنيك كانت تشاركنا الحوار..

قهقهت فى أريحية و هو الذى كان يظن انها ستغضب او حتى تشعر ببعض الضيق من صفاقته فتتجنب الحديث معه لكن ظنه لم يكن بمحله مطلقا فقد هتفت فى سلاسة و تهور: - نعم قلت انك عشت فترة بروسيا، هل فى تلك الفترة تزوجت و انجبت ابنتك الجميلة، ملاكك..

انتفضت كل خلية بجسد يوسف لسماعه كل تلك التفاصيل فاندفع ممسكا بمرفقها هازا إياها فى غضب مكتوم يحدثها جازا على اسنانه: - من اخبرك بهذا!؟، انطقى!؟، كيف عرفتِ ذلك!؟، هيا اخبرينى..
كان يهزها فى عنف ارعبها و كادت ان تبكى من فرط ألم ذراعها الممسك بها بهذا الشكل القاصى، ماذا فعلت او قالت حتى تثور براكين غضبه و تلقى حممها بهذا الشكل!؟.

تركها فى نفس اللحظة التى دخل فيها منير المطبخ هاتفا فى سعادة: - احسنت يا چو، لقد نال طبقك استحسانهما كثيرا، سندرج ذاك الطبق فى قائمة الطعام و سيكون مسؤليتك منذ الليلة..

لتوه شعر منير بتلك الذبذبات العدائية المنتشرة بجو المطبخ و تبادل النظر الى كلاهما فى تساؤل عما يجرى لكن لا احد منهما تفوه بكلمة فقد ابتعد يوسف فى عجالة خارج المطبخ حيث الذقاق و دراجته البخارية التى تكون ملاذه وقت ضيقه ليندفع بها محاولا اخماد ذاك الثوران الرهيب لبركان وجعه و الذى اثارته هى بتساؤلاتها و تلك المعلومات التى يحتفظ بها فى كهف بأعماق روحه و التى أدلت بها بكل بساطة..

زفر منير فى اضطراب هامسا: - ماذا حدث هذه المرة!؟، و لما خرج بهذا الشكل العاصف!؟.
لم ترد غفران بحرف واحد فلازالت صدمة ما فعله و غضبه الذى جعلها لا تزل ترتجف داخليا من جراءه يلجم لسانها عن النطق، لكنها بكت فى صمت بدموع حارقة و تشاغلت بما كانت تصنع محاولة مداراة دموعها عن اعين منير و هناء التى وصلت لتوها من الخارج و ادركت بحدسها ان ثمة امرا ما كان يجرى هنا و ستعرفه بالتأكيد..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة