قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل العاشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل العاشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل العاشر

دلفت شمس بخطوات واثقة ملهوفة الى مكتب زوجها في مجموعة شمس الدين الاستثمارية الضخمة، فوقفت سكرتيرة زوجها الشخصية وقالت وهي تبتسم فيما شمس تتجه الى مكتب زوجها الخاص:
- أهلا وسهلا مدام شمس. اتفضلي حضرتك على ما أبلغ إسلام بيه بوجودك.
نظرت اليها شمس من فوق كتفها وقالت بابتسامة لم تصل الى عينيها وهي تقف على مقربة من باب المكتب الداخلي:
- لا معلهش، ارتاحي أنتِ. أنا عاوزاها مفاجأة!

في أقل من لمح البصر كانت السكرتيرة تبتعد عن مكتبها لتصل الى شمس وهي تهتف بابتسامة لزجة:
- لا حضرتك مينفعش، إسلام بيه عنده اجتماع ومنبّه عليّا.

إلى هنا وطفح الكيل من تلك اللزجة التي تبدو وكأنها ذاهبة الى سهرة في ملهى ليلي بثيابها الفاضحة التي تصل تنورتها الى فوق الركبتين، تكاد تلتصق بها وكأنها جلد ثانٍ لها، بلونها البني المزركش بالاسود وكأنها جلد النمر، ومن الأعلى بلوزة حريرية كريمية اللون. محكمة على جذعها العلوي تبرز منحنياتها الأنثوية بسخاء وبدون أكمام، لتتجول بعينيها بعدها على شعرها الأشقر المصبوغ الذي يصل الى كتفيها، وزينتها الصارخة بحمرة شفتيها الملفتة للانتباه قسراً، فهي تظهر شكل ثغرها الممتلئ بوضوح ولكن. غامض! فلونها يماثل لون ثمرة الخوخ تماما، لتهبط بعده بنظراتها الى الأسفل لتشاهد حذائها الأسود المرتفع الكعبين، رفيعهما، وأخيرا عطرها الثقيل الذي يفوح على بعد ثلاث كيلوات خلفها، يكاد يصيبها بالاختناق، وكأنها قد تحممت به!..

قالت شمس بحزم وهي تطالعها بنظرات صارمة، مهددة. أن تمنعها مبن الدخول لتعيد تشكيل زينتها حسب ذوقها الخاص هي هذه المرة:
- إسلام بيه منعك أنتِ من ازعاجه. لكن المنع دا أكيد ما يخصنيش!

وأتبعت جملتها الحادة بنظرة شاملة لها اوقفت تلك اللزجة عند حدها، لتقطع الخطوة الفاصلة بينها وبين باب المكتب الجرّار، وتسحبه ليفتح على مصراعيه فتهادت بخطوات واثقة وهي ترسم ابتسامة عريضة على وجهها، قابلتها أخرى اوسع على وجه زوجها الوسيم، الذي نهض يستقبلها، بترحاب، ثم التفت الى موظفيه منهيا الاجتماع، وقبيل إغلاق الباب خلف آخر موظف لمحت مرام السكرتيرة رئيسها وهو يطوق زوجته الجميلة بذراعيه في عناق ساحق!

ابتعدت شمس عن ذراعي إسلام وقالت وهي تلهث بينما شفتيها منتفختين يحملان دليل اكتساحه لها:
- إسلام. أحنا في الشغل!
إسلام وهو يحاول إعادتها إلى ذراعيه مرة أخرى: - محدش له عندي حاجة، مراتي وبحبها ووحشاني جدا كمان، فرصة بنتك مش موجودة، أنا مش عارف ماله بيّا اليومين دول، مش بيحلى لها النوم إلاّ وسطنا!

شمس ضاحكة: - ما هي قالت لك. اكتشفت أننا ضحكنا عليها وادِّيناها السرير الصغير، وسريرنا احنا الكبير، فقررت انها تنام معنا فيه!

غمز إسلام وهو يقول بخبث: - وأنا لاقيت الحل اللي هيريحها ويريحني، مبروك عليها السرير الواسع، خلينا أحنا ننام في الضيق دا حتى ملموم والنوم فيه هيبقى تحفة!

قطبت شمس وضربته عى كتفه هاتفة بحزم مفتعل: - أنت وقح!
إسلام ضاحكا بمكر: - ما أنا عارف، بس بتموتي أنت في الوقاحة دي، ولّا هتنكري؟!
وأتع سؤاله بغمزة من عنه اليسرى، فشهقت شمس وقالت وهي تتراجع الى الخلف خطوتين: - مش هرد عليك، عموما أنا جاية لك عشان موضوع مهم، كنت هنساه بفضلك!
إسلام بابتسامة واسعة وهو يشير اليها الى جلسة جانبية ويده تدفع ظهرها بخفة لتسير تجاهها:
- يا سلام، وأنا كلِّي آذان صاغية.

جلسا وبدأت شمس بإخباره الأمر الذي حضرت بشأنه لتغيب إبتسامته رويدا رويدا حتى أظلمت ملامح وجهه تماما، واعتلت عيناه نظرة شيطانية، وقال بعدها لشمس التي لم تلحظ تبدل حاله:
- وهمس قالت لك تيجي تحكي لي صح؟
أشارت شمس برأسها بالايجاب، فأردف بتساؤل وهو يتمالك نفسه بصعوبة من الانفجار فيها:
- ولو همس ما قالتش أنك تقوليلي، كنتي هتروحي من ورايا؟ .

قطبت شمس ثم أجابت ببراءة استفزته: - ما أنا يا حبيبي ما كنتش عاوزة أقول عشان ما نحطش أمل أنه بابا يطلع قريب وبعدين الموضوع يقف لأي سبب!
إسلام بدون تعبير: - امممم. أمل ماتت الله يرحمها!
عقدت شمس جبينها مستفهمة: - مين أمل دي؟..
نظر اليها إسلام بزاوية عينه وأجابها بغيظ مكتوم: - اللي ماتت!

وما لبث أن نهض مخرجا هاتفه المحمول من جيب سترته الداخلي وضغط على بعض الأزرار ليصله صوت مراد فقال له من بين أسنانه المطبقة:
- لو مش عاوزني أرتكب جريمة حالا في أختك. تعالى!
مراد بتوجس وهو يقود سيارته منطلقا حيث تواعد هو وهمس على اللقاء: - حصل إيه يا بني؟ أنا رايح لمراتي دلوقتي، ما أنت كنت كويس!

زفر إسلام بحنق وهو يرمق شمس التي تطالعه ببراءة حائرة جعلته بين اختيارين. إما أنا يصفعها حتى يظهر لها من يدافع عنها أو أن يزهق أنفاسها بعناق جارف. ولكنه اختار لا هذا ولا ذلك، اتصل بشقيقها حتى يكون هناك شاهد من أهلها على سذاجتها التي ستصيبه بجلطة ولا ريب وقريبا!

هتف إسلام بسخط: - لما تقول لهمس اني كلمتك وعاوزك تيجي عشان أختك هي هتعرف ليه، انجز بس بسرعة...
مراد بحيرة: - تمام، دقايق وهكون عندك، أنا أساسا ما بعدتش كتير عن الشركة...
وبالفعل ما هي إلا عشر دقائق أو أقل وكان مراد يدلف إلى مكتب إسلام، لتنهض شمس من دورها وتتقدم اليها تصافحه وتقبل وجنتيه وهي تهتف بحبور:
- أخيرا جيت! ولو أني ما كنتش عاوزة حد يعرف إلا بعد ما يحصل، لكن إسلام هو اللي صمم أنك تعرف!

قطب مراد يطالع إسلام الذي أطبق فكيه بغيظ وقال بتساؤل: - هو إيه دا اللي يحصل؟ وأعرف إيه؟
أشار اليها إسلام بابتسامة صفراء قائلا: - اتفضلي، قولي. وفرّحي أخوكي. بيكي!
انتهت شمس من سرد ما سبق وحكته لاسلام، ونظرت الى مراد الذي سكن تماما يطالعها بنظرات غامضة، ثم قال:
- اممم، طيب ولو هو كدا، عاوزك تروحي له لوحدك ليه؟ وبعد انصراف الموظفين كمان!

حركت شمس كتفيها علامة الجهل وقالت ببراءة: - معرفش، لكن تقريبا عشان يكون فاضي، لأنه معظم الوقت مشغول، المهم أنا هروح وأبلغكم بالأخبار.

وأرفقت قولها بقيامها حينما قفز إسلام هادرا: - استني هنا!
قطبت شمس وطالعته باستغراب متسائلة: - مالك يا إسلام؟ فيه إيه؟ أنا قلت لك كل حاجة...
همّ إسلام بالصراخ بها عندما قاطعه مراد وهو ينهض واقفا بدوره وهو يقول: - خلاص يا إسلام.
ثم نظر الى أخته مردفا: - أنا جاي معاكي يا شمس!
شمس بتساؤل عاقدة جبينها الأبيض: - جاي معايا؟ ليه؟!

مراد ببساطة: - عشان أفهم منه كويس، خصوصا أنه احنا كمان معارفنا كتير، وبعدين ممكن يكون فيه حاجة تفوت عليكي أفهمها أنا منه!

حركت شمس كتفيها وأجابت ببساطة: - أوك، ياللا بينا عشان منتأخرش!
وتقدمتهما، وما أن همّ مراد باللحاق بها حتى أعاقه إسلام قابضا على مرفقه وهو يهمس بقهر شديد:
- أختك هتموّتني ناقص عمر، وعن قريب!
ضحك مراد ضحكة خفيفة وقال وهو يجذبه ليشرعا بالسير: - يعني هي غريبة عليك؟ كان لازم أسايرها عشان ما تعاندش، وأنت أكتر واحد عارفها عنيدة إزاي، هي وافقت عليك بسهولة!

إسلام وهو يسير بجواره ليلحقا بشمس التي وقفت تنتظر وصول المصعد: - انت هتقولي على عنادها؟!، يعني لما تيجي تورث من حماتي تورث كله مرة واحدة، عناد وفراسة وذكاء، لا، دي سابت كل حاجة وقفشت في العناد ومسكت بايديها الاتنين!

ضحك مراد، ودفعه أمامه، حتى وصلا الى المصعد، فقالت شمس وهي تنظر الى إسلام بتساؤل:
- وأنت كمان جاي؟
اكتفى إسلام بهز رأسه بالايجاب وكان المصعد قد وصل فقالت شمس وهي تدلف وقد فتح أبوابه:
- احنا طالعين رحلة؟!
همس إسلام بصوت منخفض وقد دلف هو ومراد وأغلقت أبواب المصعد الذي اتخذ طريقه الى الاسفل:
- رحلة، وأي رحلة! أنا هخلِّيها آخر رحلة يطلعها ناجي زفت دا، والمرة الجاية هيطلعوا هما عليه. بإذن الله!

رمقه مراد الذي وصله همس اسلام الساخر بحزم، كي يسكت، ليدلفوا خارج المصعد بعدها، حيث أشار إسلام على مراد باللحاق بهما بسيارته بينما سيستقل هو وشمس سيارته هو، وحينما اعترضت شمس على تركها سيارتها أخبرها شقيقها لينهي الجدال العقيم الذي سينشأ أنه سيأمر أحد السائقين باحضارها لمنزلها وذلك بعد أن طلب منها المفتاح...

وصلوا الى شركة الناجي للسياحة. حيّت شمس بهزة بسيطة من رأسها فهم يعرفونها منذ أن كانت تعمل هنا، وخلفها مراد وإسلام اللذان دلفا بخطوات واثقة قوية ونظرات حازمة أجبرت من يراهما على الوقوف احتراما لهذين السيّدين التي تبدو عليهما علامات الهيبة والوقار...

كانوا قد وصلوا إلى مكتب صاحب الشركة السياحية حيث طلب مراد من إسلام انتظارهما خارجا، وبالطبع لا يوجد أي موظف سوى الأمن فقط في ذلك الوقت حيث انصرف سائر العاملين بما فيهم سكرتيرته الخاصة...

قبض إسلام على يد مراد قبل أن يدلف الى مكتب ناجي وهمس له بشر: - مراد. خلّص معاه وشوف آخره إيهن وسيبهولي!، الطلعة دي بتاعتي أنا!
هز مراد رأسه بالايجاب، ليشير لشمس الغافلة عن حديثهما الجانبي كي تطرق الباب لتعلمه بوصولها، وما أن طرقته حتى سمعت صوته الرخيم يأمر بالدخول، فتوارى إسلام خلف الباب، بينما ما أن أبصر ناجي شمس حتى هتف مرحبا وهو يتقدم منها مشيرا إليها بالدخول:.

- أهلا. أهلا. نوّرتِ يا شمس، أنا كمان بقول المكان نوّر كأن الشمس طلعت!
كاد إسلام أن يهجم عليه لولا بقية من تماسك لأعصابه، لاحظ بعدها تغير نبرة صوت ذلك اللعين وهو يقول بتساؤل مريب:
- مش حضرتك أخو شمس بردو؟
مراد ببرود وهو يدلف مع شمس الى الداخل تاركا الباب مواربا خلفهما: - فعلا...

مد ناجي يده لمصافحته وهو يقول بابتسامة صفراء ونبرة لوم تلون صوته: - مش قلت لك يا شمس بلاش حد يعرف لغاية ما أدهم بيه يخرج بالسلامة!
نظر مراد ليده الممدودة للحظات رفع بعدها يده لياصفحه ضاغطا على أصابعه بقوة وهو يقول:
- معلهش، أصل شمس متعرفش أوي في الحاجات دي، فعشان كدا قالت لي عشان أكون معها. كفاية أني أشكرك على تعبك.

أشار لهم ناجي بالجلوس وهو يحاول اخفاء معالم الضيق التي لاحت على وجهه، فهو كان يريدها بمفردها، تلك الشمس التي ما أن عملت معه وهي قد شغلت تفكيره كله، وحاول مرارا وتكرارا التقرب منها ولكنها لم تكن تلتفت اليه، لترتبط بعدها بقريبها الذي كان يلازمها كظلها قبل الزواج، وما أن تزوجت وأنجبت حتى تركت العمل لديه، ليعلم مصادفة من صديقة لها تعمل لديه أنها تفكر ف العودة الى العمل ثانية، ليتعمد أن يصلها أنه يرحب بعودتها للعمل في شركته ثانية، ليفاجأ بعدها بقضية والدها التي شغلت الرأي العام كثيرا، فوجدها فرصة ذهبية للتقرب منها، واليوم ضرب لها موعدا حتى يستطيع الانفراد بها، فهو لن يتركها، فلقد أصبحت هاجسه الشخصي، ولا بد له من الحصول عليها وبأي شكل!

بعد جلوسهم سأل ناجي أن كانوا يرغبون باحتساء مشروب ما من البراد الصغير الملحق بغرفته ولكن مراد رفض وطلب منه الدخول بالموضوع فورا، ليعيد على أسماعه ما سبق وأخبر به شمس، فقال مراد وهو يتكأ في جلسته ساندا ظهره الى الخلف يطالعه بنظرات ساخرة:
- احنا طبعا شاكرين محاولتك أنك تساعدنا في خروج والدي، لكن أنا أحب أطمنك أنه قريب أوي هيطلع، ومش افراج صحي. لأ، أفراج نهائي!

قفزت شمس هاتفة بفرح وهي تنظر الى مراد: - صحيح يا مراد؟ طيب مش تفرحني بالأخبار الحلوة دي؟
كان مراد يسلط نظراته على ذلك اللزج الذي ما أن هتفت أخته الحمقاء فرحة كالأطفال حتى لمعت عيناه ببريق مفتون، جعله يود لو يلكمه بقوة حتى يسقط صف أسنانه، فأجاب وعيناه لا تحيدان عن ناجي:
- قلت نخليها مفاجأة للكل. لكن أعمل إيه بقه. ناجي بيه – وشدد على اسمه مردفا – خلّاني أحرق المفاجأة...

التفتت شمس الى ناجي قائلة بابتسامة رقيقة جعلت الجالس أمامها يتيه بين ملامحها الفتية:
- سوري يا مستر ناجي، تعبت حضرتك، وبجد ميرسي ليك أنك حاولت تساعدنا...
ناجي بابتسامة ثعلبية: - عفوا يا شمس، أنت مش عارفة غلاوتك عندنا أد إيه، عموما طالما أدهم بيه خارج قريب، يبقى هسنتناك ترجعي تنوري الشركة من تاني، مكانك محفوظ. محدش يقدر يملاه غيرك!

أشرق وجه شمس بالغبطة قبل أن تنهض مستأذنة بالانصراف، تبعها مراد الذي همس لها بأن تسبقه، وما أن اختفت خلف الباب وهمّ ناجي باللحاق بها حتى انطلقت يد مراد تمسك بمقدمة قميصه وهو يهمس بشرّ من بين أسنانه المطبقة:.

- لو عرفت أنك حاولت تتواصل معها بأي طريقة، حسابك معايا هيبقى عسير جدا، شمس أدهم شمس الدين. خارج حساباتك نهائيا. ماذا وإلا هتلاقيني أنا اللي في وشّك. وصدقني أنا خصم شرس جدا، ما أنصحكش أنك تكسب عداوتي، لأني من الآخر ما برحمش لا الخاين ولا الغدار ولا الكدّاب. وأنت التلاتة متجمعين فيك، ف. Take care (خلِّي بالك)!..

ودفعه بقوة جعلته يترنح، وما أن سار خطوتين حتى فوجأ بإسلام يدلف وعلامات الاجرام على وجهه فهو قد سمع الحديث الذي دار بينهم كاملا، تقدم منه مراد يسأله عن سبب دخوله وأين هي شمس، ليجيبه إسلام وعيناه تقدحان شررا مسلطتان على ناجي الذي احمرّ وجهه بقوة وكان يجاهد لالتقاط أنفاسه الهاربة:
- قلت لها تسبقني على العربية. جيت عشان أقول كلمتين لل. كابتن!

ودنا من ناجي الذي طالعه بريبة وقبل أن يتثنى له التفوه بحرف واحد كان اسلام يعاجله بلكمة قوية أطاحته فوق الأريكة لينقلب من فوقها إلى الناحية الأخرى منها على الأرض، وهو يهدر بشراسة فيما نفرت عروق رقبته من شدة الغضب الذي تملكه:
- قسما بجلال الله لو ما بعدت عن شمس ما هرحمك، مش هيبقى فيك حتة سليمة بعد ما أخلص منك، وأنت حر. قد أعذر من أنذر...

وانصرف بخطوات تكاد تحفر الأرض تحتها من قوة الغضب الكامن بصاحبها،
كان ناجي قد استطاع الوقوف في هذه الأثناء وأن كانت ساقيه تترنحان أسفله، ليجاهد للوقوف، وهو يلهث بقوة بينما يده تمسكه أنفه وقد نزفت بشدة، ليهتف بصوت متقطع يحمل نبرة وعيد لمراد الذي وقف يطالعه بنظرات غامضة:
- شوفت قريبك عمل إيه؟ أنا لولا خاطرك وخاطر أدهم بيه وخاطر شم.

لم يتثنى له تكلمة عبارته إذ انطلقت يديّ مراد تقبضان على تلابيبه وهو يهدر فيه بشراسة مخيفة:
- اوعى تجيب اسمها على لسانك تاني، انت فاهم؟ اوعى تكون فاكر انه الفيلم الرخيص اللي انت عملته عليها دخل علينا؟ هي صدقتك لأنها انسانة طاهرة وبريئة، صدقت شيطان زيّك، لكن أحنا فاهمينك كويس أوي، وأنا بحذّرك. شيل شمس من دماغك نهائيّا. ماذا وإلا هشيلها أنا بدماغك ذات نفسها بطريقتي، والعربون أهو!

لم يكد ناجي يقطب متوجسا من معنى عبارته الأخيرة حتى فوجأ بمراد وهو يدفعه بعيدا عنه وهو لا يزال قابضا على مقدمة ثيابه بقوة، ثم جذبه ناحيته بعدها بقوة أشد لترتطم رأسه بجبهة مراد بعنف شعر معه وكأن قنبلة قوية قد انفجرت في رأسه، وما لبث أن تراخى جسده ليقذفه مراد بعيدا عنه، فتهاوى إلى الأرض، وهو يخور تماما كالثور من شدة الألم، بينما طالعه مراد باشمئزاز قبل أن يتعمد المرور من فوقه والانصراف صافقا الباب خلفه بقوة شديدة كادت تكسر زجاج النوافذ!

صعدت لبنى مع ابنها الى سيارة ريتاج التي نظرت اليها بتساؤل فهزت لبنى رأسها بالايجاب، لتنطلق ريتاج، بينما تنهدت لبنى بعمق وهي تتذكر آخر دقائق في هذا اللقاء المصيري الذي جمع بينها وبين طليقها ووالدته، والمفاجأة التي فجرتها في وجهه، لتفاجأ بدورها بأنه كان مخدوعا من قِبل والديه، وأنه لم يترك ابنه دون علاج عن عمد منه، ولكن. يظل أنه أولا وأخيرا من تركها وتنازل عنها وعن ابنه في مقابل الثراء والحياة المرفهة، خوفا من حرمانه من الميراث كما هدده والده وقتها...

تذكرت نظرة شريف لأحمد ابنهما، والذي رفض السلام عليه، وأشاح بوجهه بعيدا، وما أن همّت أمه بالحديث بعنجهيتها المعهودة حتى أسكتها شريف، لتنسحب هي برفقة ابنها، ولكنها لن تنسى كلماته الأخيرة حيث قال:.

- لو على ديني لأدهم شمس الدين. فأنا هردّه. لكن أنتِ كمان في رقبتك دين ليّا. ابني، مش ذنبي اني اتخدعت من أقرب الناس ليّا. عشان كدا، خروج أدهم شمس الدين من اللي هو فيه مش معناه أني هفرّط في ابني. أحمد شريف المسيري!

لاحظت ريتاج شرود لبنى فسألتها بينما تنتبه الى الطريق بين كل فينة وأخرى، لتقص عليها لبنى ما حدث وتنقل لها مخاوفها من تهديد شريف المبطن، فابتسمت ريتاج وقالت بثقة وهي ترمقها بنظرة سريعة:.

- ولا يهمك، هو مش هيقدر يعمل حاجة، وبعدين هو والده احنا مش أنكرنا دا، عاوز يشوفه ويكون له دور في تربيته، يبقى بالاصول، والاصول دي مش هتبقى معاكي ولا مع مهدي، لا، دي مع كبير عيلة شمس الدين شخصيا، هو اللي هيحدد ويقول، بس يطلع لنا بالسلامة ان شاء الله.

لبنى مؤمنة على كلام ريتاج: - ان شاء الله يا طنط، بس بصراحة أنا قلقانة من رد فعل مهدي لما يعرف، تفتكري هيزعل؟

رمقتها ريتاج بنظرة سريعة قبل أن تقول ببساطة: - لا، – كادت لبنى أن تتنفس الصعداء حين أردفت ريتاج ما جعل الابتسامة تختفي قبل أن تظهر – هو هيتجنن بس!

شحبت لبنى بقوة ما جعل ريتاج تطلق ضحكة عالية، قالت بعدها تطمئنها: - ولا يهمك يا لبنى، كل شيء معمول حسابه.
قطبت لبنى هامسة بتساؤل: - يعني إيه؟
نظرت اليها ريتاج بابتسامة قبل أن تعير انتباهها الى الطريق أمامها ثانية وهي تقول:
- هما مش بيقولوا. خير وسيلة للدفاع. الهجوم؟..
أومأت لبنى بالايجاب فأردفت ريتاج ببساطة: - خلاص. يبقى هنهاجم، وبقوة!..

قطبت لبنى تفكر في معنى كلماتها حين ارتفع رنين محمول ريتاج، لتضع سماعة الهاتف في أذنها وتستقبل المكالمة، والتي استرعت انتباه لبنى، فقد وجدت ريتاج وقد ابتسمت بظفر وهي تقول بنشوة نصر واضحة:
- تمام، نفّذ!
وأنهت المكالمة، لتلتفت بعدها الى لبنى التي تراقبها في حيرة وتساؤل فتجيب استفهامها الصامت بابتسامة عريضة وزمردتيها تلمعان ببريق غامض:.

- هدية صغيرة هيستلمها شريف بيه، هي دي اللي هتخلِّيه يحط بإيده المجرم الحقيقي في السجن!

- سماااااااااااااااااااااااااااح!
أفزعها صراخ شريف العالي باسمها، لتلتفت إلى باب الغرفة مقطبة بينما تجلس على المقعد في غرفتها حيث كانت خادمتها تقوم بالعناية بأظافرها، صوت جلبة واضحة تبعها اندفاع شريف الى الغرفة وهو يفتح الباب بهجوم شديد، وصرخ في الخادمة آمرا إياها بالانصراف، لتهب الخادمة الأجنبية مذعورة وتركض من أمامه، فهيئته مفزعة، وكأن الشيطان قد تلبسّه!..

لم يتثنى لسماح الاستفهام عن سبب صراخه باسمها، إذ اندفع اليها يقبض على كتفيها يرفعها من مكانها وهو يهدر بوحشية بينما يهز كتفيها بقوة تكاد تخلع رأسها من فوق كتفيها:.

- فاكرة نفسك ذكية يا بنت الحلمية؟ أنا تتفقي عليّا مع سعيد الكلب من ورايا؟ بقه عملتك هانم وبيت ما كنتيش تحلمي بيه، وخدم وحشم، وفي الآخر. تبيعيني! لكن هقول إيه. الواطي هيفضل طول عمره واطي! وما بئاش أنا شريف المسيري أمّا كنت أحطكم بإيدي في السجن، دا المكان المناسب لأمثالكم...

حاولت سماح تحرير نفسها من قبضته وهي تهتف بحدة: - أنت ايه التخاريف اللي بتقولها دي؟ سعيد مين واتفاق إيه؟ انت اتجننت يا شريف، ولا سكران وجاي تخطرف بالكلام؟!

دفعها شريف بقوة كادت تسقط معها لولا أن استندت إلى ظهر المقعد، ثم أخرج هاتفه الشخصي وضغط على بعض الأزرار لتفاجأ بصوتها وصوت سعيد وهو يظهر بوضوح، ومع كل كلمة تسمعها يتعالى وجيب قلبها خوفا، وتزداد دقاته رعبا، بينما تتوحش نظرات شريف، وهو يسمعها وهي تتغنج بالكلام مع سعيد والذي يذكّرها بأيامهما سوية وقت أن كانا على علاقة زواج عرفي، ويسألها بكل وقاحة أن كان شريف يرضيها كامرأة كما كان هو، متحسّرا على علاقتهما السابقة، فهو قد تركها بعد أن علمت زوجته بأمر زواجه بأخرى عرفيًّا، لتهدده إما بفضحه علنا أو تطليقه للأخرى، ليطلقها، ولكنه يعدها أنه ما أن تنتهي قضية أدهم شمس الدين، فهو لن يتنازل عن مكافأته منها هي، وليس من شريف فقط، وعندما سألته بدلال عمّا هيّة تلك المكافأة كانت إجابته الوقحة. أنتِ!، لتتعالى ضحكاتها المغناجة، بينما يشحب وجهها بشدة وهي تطالع شريف وكيف غدا وجهه شديد الاحمرار من قوة الغضب الذي يكاد يفتك بها!

هرعت إليه قائلة بتضرع: - شريف أنا هفهمك، دي كلها لعبة على سعيد عشان يعمل اللي احنا عاوزينه، مش ممكن أسيبك، أنت عارف أني بحبك و...

اخرسي! ...
لتبتلع باقي كلماتها فجأة، فيما هدر مردفا وهو يسير حولها تماما كالنمر الذي يتربص بفريسته:
- لعبة على سعيد؟ فاكراني غبي؟ اللعبة دي خطتك أنت من الأول للآخر، انت والحيوان دا، لكن طلعتوا أغبيا. وأغبيا جدا كمان، مش شريف المسيري اللي يسلم دقنه لواحدة باعت له جسمها بورقة واتنين شهود، مش أنا اللي آآمن لخاينة يا، مدام!

ليرفع هاتفه ويعيد تشغيل مقطع صوتي آخر يظهر فيه صوتها بوضوح وهي ترسم الخطة كاملة مع سعيد للايقاع بأدهم شمس الدين، وكيف أنها تنوي مكالمة شريف بمبلغ مالي كبير نظير نجاحها في تخليصه من منافسه الشرس، وبعدها سترمي به هو شخصيا، فهو لم يعد بمستساغ لديها، وأنها تحتمله فقط حتى تفوز بالنقود، فهي. خبطة العمر. على حد زعمها. لتتزوج بعدها بحبيب طفولتها. فهو الوحيد الذي يستحق قلبها!

تسمّرت سماح في مكانها وقد تجمدت تعبيرات وجهها، ولم تفق إلا على صفعة قوية طرحتها أرضا، وما أن حاولت الوقوف حتى فوجئت به وهو يميل عليها يقبض على خصلاتها السوداء يرفعها لتقف وهو يهتف بشراسة من بين أسنانه المطبقة:
- كنتِ فاكراني ساذج أوي كدا؟ مش هعرف أنتِ بتخططي لإيه من ورايا؟ ويا ترى حبيب القلب يعرف أنه الهانم مدام لييجي عشرة قبله؟!

صرخت سماح من الألم وهي تقول بغلّ وقد رمت قناعها الزائف جانبا: - مالكش دعوة بفواز، دا أرجل منك ومن عشرة من عيّنتك!
وكأنها صبت الزيت الساخن الى النار، لتقذفها عيناه بشرارات نارية، وتنفث أنفه لهيبا من نار، فيما يزمجر بشراسة وحش مخيف هادرا بوعد ووعيد:
- أنا بقه هعرّفك يعني إيه رجولة؟!

وقد كان!، إعصار هاجمها، اكتسحها، لم تعي بنفسها إلا وهي ملقاة فوق الفراش كخرقة بالية، تحاول لم أشلاء ثيابها الممزقة، بينما شفتيها ووجهها كله يحمل كدمات ظاهرة، تشي بما حدث لها قبل قليل، وكأن قطار سريع داهمها، ليتركها جثة هامدة لا روح فيها!

نظر اليها شريف وهو ينتهي من ارتداء ملابسه بقرف شديد، ليقترب منها وكانت تحاول النهوض من الفراش، فشهقت بخوف وتراجعت حتى ارتطمت بمسنده خلفها، بينما نظر اليها باشمئزاز تام، وكأنه يعرّيها بنظراته تلك، قبل أن يقول:
- أنتِ طالق!
ليخرج ورقتي الزواج العرفي فيمزقهما لقطع صغيرة أمامها، ألقى بهم في وجهها، قبل أن يردف بشماتة:.

- قومي حضري نفسك، لأنه جاي لك ناس مهمين أوي، وابقي عرفي حبيب القلب انه هيستناكي مش أقل من عشرين سنة. مؤبد!

شهقت بغير صوت، لتنتبه إلى صوت سرينة سيارة الشرطة، فهتفت برعب وهي تنظر الى شريف بهلع:
- إيه دا؟
شريف ببراءة مزيفة: - دا؟ البوليس يا موحة، قومي وضبي نفسك كدا، ولو عرفت تشوفي لك محامي كويس، ولو أنه أي محامي عاوز أتعاب كبيرة لأنه قضيتك مش بسيطة، أصلي نسيت أقولك.

أضاف عبارته الأخيرة عندما طالعته بتساؤل وتوجس، ليميل عليها مردفا بتشفٍّ واضح: - الكريديت كارد، والعربية، ومجوهراتك اللي جبتهالك، واللي حطيتيها في البنك عند السافل سعيد كل دا رجعوا لصاحبهم تاني. اللي هو أنا!

صاحت سماح بصدمة: - إيه؟!
اعتدل شريف واقفا وأجاب وهو يهز رأسه في تعاطف مصطنع: - للأسف. آه...
ثم أردف بشماتة كبيرة: - يعني رجعتِ لأصلك تاني، شحااااااااتة!
وغادر وتركها وهي تصرخ باسمه وقد جنّت تتوعده بالانتقام منه، ولكن، انتقام الله سبحانه وتعالى منها كان أسرع وأقسى، إذ سرعان ما بوغتت باندفاع رجال الشرطة الى غرفتها يحيطون بها، ووقف ضابط الأمن يقول ببرود مهني:.

- مدام سماح، أنت مطلوب القبض عليكِ، اتفضلي معنا...
زحفت لتنهض من مكانها، فأمر الضابط العسكر بالمغادرة وهو يقول وقد أشاح بوجهه جانبا:
- معاكي خمس دقايق تجهزي فيهم، بدل ما ناخدك بالملاية!..

وخرج آمرا العسكري بالوقوف أمام الباب الذي تركه مشقوقا خلفه، بينما سارت هي كالمغيبة ترتدي ما وقع تحت يدها، لتفتح الباب فيلتفت أليها العسكري، ليقبض على مرفقها، وتبعه باقي العسكر، يتقدمهم ضابط الأمن، لتخرج من منزلها وسط ذهول الخدم والجيران، ويدفع بها العسكري لتصعد إلى سيارة الشرطة، لتجلس في الصندوق الخلفي، وسط حراسة مشددة، ويغلق عليها الباب الحديدي، فترفع بعينيها لترى أن وسيلة اتصالها بالعالم الخارجي ما هي إلا نافذة ذات شباك مربعة حديدية صغيرة. وتحركت سيارة الشرطة، لتنفيذ العدالة والتي حتى وإن تأخرّت فهي، قادمة لا محالة!

كانت منال تترجل من سيارة أسامة والذي صادفها أثناء وقوفها لانتظار أية وسيلة مواصلات لتقلها إلى منزلها، خاصة وأن شبكة الاتصالات ضعيفة فلم تستطع الاستعانة بإحدى سيارات الأجرة عن طريق استخدام الانترنت، حين فوجئت بصوت يهتف بذهول غاضب:
- إيه دا؟ مين دا يا هاتم؟!

التفتت منال لصاحب الصوت خلفها والذي لم يكن سوى هشام، بينما كان أسامة يترجل بدوره، ليتقدم من ذلك الضخم الواقف يرغي ويزبد، وقال بابتسامة صغيرة:
- حصل خير يا أستاذ، أنا أسامة جار مدام منال.
ومد يده لمصافحته لينقل هشام نظراته بينه وبين يده باستهجان، فما كان من منال إلا أن اعتذرت من أسامة بصوت رقيق وابتسامة خفيفة:.

- معلهش يا أستاذ أسامة، أتفضل حضرتك أكيد يارا مستنياك، بس الأول. أحب أعرفك على الأستاذ هشام، أخو فريد جوزي الله يرحمه.

تمتم أسامة بالدعاء بالرحمة لزوجها الفقيد، ثم استأذن منها ببضع كلمات قبل أن يستدير داخلا البناية السكنية، وقد تجاهل هشام تماما كما تجاهل الأخير يده الممدودة، وهو يتمتم في سره بأنه انسان صفيق لا يعلم للجيرة أي معنى!

صفع الباب خلفهما بشدة وفي خطوتين كان قد وصل اليها ليقبض على مرفقها بقوة جعلتها تشهق في ذهول ليديرها اليه وهو يصرخ بعنف ارتج له الجدران:.

- لما اكلمك تقفي تكلميني، اوعي تمشي وتديني ضهرك تاني، سؤال وهسألك وحساب وهحاسبك، واوعي تختبري صبري عليكي، وآخر مرة بقولها. خروج من البيت لوحدك بالليل تاني ولو الدنيا هتطربق لا، ماذا وإلا تقعدي في بيتك تربي ابنك و بلاش سرمحة وترجعي لي بالليل في عربية مع واحد غريب، يا هانم!

أقبلت على صوت صراخه أمه سريعا من الداخل هي تهتف بقلق: - مالك يا هشام يا بني فيه ايه؟..
ثم نظرت الى منال مردفة: - ايه اللي حصل يا منال يا بنتي؟
ترك هشام ذراع منال التي اعتدلت لتقف أمامه واضعة عينيها في عينيه دون أن يطرف لها جفن وقالت بصلابة، باعتزار بالنفس. بثقة وشموخ وأنف مرفوع لم يسبق وأن انحنت صاحبته أبدا وبالتأكيد لن تبدأ الآن:.

- وأنا لأول وآخر مرة بقولك. اوعى. شوف اوعي تكلمني بالأسلوب دا تاني! طريقتك مع المجرمين في الكلام ما تمشيش معايا. أنا مرات أخوك دا أولا، أم أبن أخوك ثانيا، الكل يشهد لي وأولهم والدتك ثالثا، رابعا والاهم أني بخاف ربي، وبعمل حسابه في كل خطواتي، العربية اللي انت بتقول عليها دي صاحبها يبقى الأستاذ أسامة جارنا مش ذنب يأنك متعرفهوش، شافني واقفة مش لاقية مواصلات في الوقت دا وصمم ما يسيبنيش، ركبت معاه ورا. وهو كان في منتهى الزوق والاخلاق، طريقتك انت وانت بتشدني من دراعي قودامه زي ما تكون قابض على متهم اللي مافيهاش أي نوع من أنواع الاحترام، وعشان كدا...

نظرت الى حماتها متابعة: - اعذريني يا أمي في اللي هقوله، دا بيتك وانت على راسي من فوق، لكن لغاية كدا وأظن الضيافة طال!

هشام بريبة: - يعني إيه؟
منال بثقة تامة: - يعني أظن أنك قلت أنك هتفتح بيت العيلة وتعيش فيه. وفعلا. زي ما انت قلت أنا أرملة وخطواتي محسوبة عليا عشان كدا قعادك هنا مش نافع، أنت مهما كان مش محرم ليا، حتى لو أمي موجودة.

نظرت الى حماتها التي وقفت تنقل نظراتها بينهما في صدمة وقالت: - ما تزعليش مني يا أمي، لكن لما هشام بيه يشكك في اخلاقي ساب ايه للأغراب؟ لولا انه اسامة انسان محترم االله اعلم كان ممكن يقول ايه عليا؟

هشام بغيظ: - وانت يهمك اوي كدا يقول ايه ولا مايقولش. ليه؟
منال ببرود صقيعي: - انت قلتها بنفسك. احنا عايشين وسط ناس مش لوحدنا.
ثم استدارت تنوي النصراف حينما وقفت وقالت وهي تطالعه من فوق كتفها: - ويا ريت تاخد بالك اني مش عسكري عندك هخاف من شخطك فيا!، وآه حاجة كمان. أسامة يبقى زوج صاحبتي يارا وعلى فكرة بيموت في حاجة اسمها يارا، عن إذنك يا، حضرة المفتش العظيم!

وانصرفت وتركته خلفها يرغي ويزبد لتحاول أمه تهدئته وهي تقول وقد ألمت بما حدث: - اخص عليكي يا هشام يا بني، بقه منال مش بتاخد بالها من سمعتها؟ وبعدين أسامة جارنا راجل جدع وطيب و.

رفع هشام يده هاتفا يقاطعها بينما عيناه لا تزالان مسلطتان على النقطة التي اختفت فيها منال:
- خلاص يا أمي.
ليتابع في نفسه بصوت يقطر عزما شديدا: - طيب يا منال. بتطرديني من بيت أخويا؟ ما بقاش أنا هشام أما كنت أكسر لك دماغك وكلمتي هي اللي هتمشي، وقعاد لوحدك هنا، انسي. وهنشوف!

بينما كانت منال في غرفتها تدور في أنحائها وقد أفلتت دموعها رغما عنها وهي تهمس بصوت منخفض حتى لا يصحو صغيرها:
- هي حصلت؟ أنا! أنا بتسرمح؟ يكسفني بالطريقة دي ويشدني من دراعي ولا اللي عامل عملة؟ هو فاكر إيه؟ طيب يكون يعملها تاني وأنا اللي هقف له، من هنا ورايح!

صوت طرقات على الغرفة أنبهتها فأجابت تأذن للطارق بالدخول وهي تعرف أنها ولا بد حماتها، ليصدق حدسها وتدلف الأخيرة وهي تغلق الباب خلفها، وتسير حتى تقف بجانبها قائلة بحنان وهي تمسح على وجهها وشعرها:
- مقدرتش أسيبك تنامي وأنت زعلانة، معلهش يا حبيبتي، امسحيها فيّا أنا.
نظرت اليها منال وحاولة رسم ابتسامة صغيرة وهي تقول: - لا العفو يا ماما، انا اللي مش عاوزاكي تزعلي من كلامي لكن.

قاطعتها حماتها قائلة بطيبة: - أنت صح يا بنتي، فعلا الضيافة طالت، وأنا والله لولا أني مش عاوزة أسيبك أنتي وفريد لوحدكم، غير أنه فريد الصغير معوضني عن فريد الكبير، ما كنتش قعدت المدة الطويلة دي كلها هنا!

شهقت منال قائلة بدهشة: - بقه كدا يا ماما!، حضرتك عارفة كويس أوي أني مش عاوزاكي تسيبينا ولا تبعدي عننا ثانية واحدة، دا أنتي أهلي وعزوتي أنا وفريد بعد فريد الله يرحمه، أنا ماليش أهل وأنتي أهلي.

واحتضنت حماتها التي احتوتها بين ذراعيها بدورها وقالت وهي تربت على ظهرها: - وأنتِ بنتي اللي ربنا ما كتبليش أخلّفها لكن رزقني بيها على كبر، وانت عارفة غلاوتك عندي من غلاوة ولادي بالظبط، عشان خاطري. ما تزعليش من هشام، هو عصبي بس قلبه أبيض زي العيّل الصغير تمام!

ما أن سمعت اسمه حتى انتفضت رافعة رأسها وقالت بتقطيبة عميقة وغير رضا: - لو سمحتِ يا ماما، أنا شم عاوزة أزعّل حضرتك، لكن الطريقة اللي هو كلمني بيها دي مش ممكن أقبلها، دا ربنا بيحبني أنه محدش شافه وهو بيتهجم عليا ويشدني من دراعي ولّا لما كسف الاستاذ أسامة وما رضاش يسلم عليه، لو كان حد شافنا كان قال إيه؟

ثم ابتعدت عن ذراعي حماتها مواصلة بزفرة عميقة تنم عن تعبها: - لو سمحتِ ياماما، أنا مش عاوزاكِ تزعلي من كلامي، لكن بجد مش هينفع أنا
وهو نفضل في مكان واحد بعد كدا، ولو عاوزة رأيي، حضرتك تفضلي معنا، هو شغله زي ما أنت شايفة كتير بيبات برّة، يبقى تقعدي لوحدك ليه؟ فرض رأي وخلاص ولا عشان كلمته هي اللي تمشي؟!

لا مش عشان كلمته هي اللي تمشي عشان دي الأصول يا مدام، مينفعش اتنين ستات يقعدوا لوحدهم وفيه راجل مسئولين منه!..

التفتت منال محدقة بعينين مشدوهتين فيما سارعت حماتها الى ذلك الضخم الذي دلف فجأة الى الغرفة فمن الواضح أنها لم تحكم إغلاق الباب ليسمع ما جعله يدخل اليهم وكأنه يقوم بضبط مجرما متلبسا بجريمته! هتفت برجاء وهي تشده من ذراعه تحثّه على الخروج:
- معلهش يا هشام يا بني، مش وقته الكلام دا دلوقتي، الولد يصحى، الباح رباح.

في إشارة منها الى فريد الراقد فوق فراشه الصغير بجوار فراش والدته، فقال هشام بهمس خشن والغضب يحتل سائر جوارحه مشيرا الى منال التي وقفت تطالعه ببرود زاد من حمم غضبه البركانية:
- مش سامعه بتقول إيه؟ وبردو العناد ركبها ومصرة أنها مش غلطانة!

منال بتحد شديد وثقة أشد: - أيوة مش غلطانة، لو كنت رجعت بتاكسي كان هيبقى السواق راجلى بردو، يبقى أرجع مع واحد أأمن على نفسي معه ولا واحد معرفوش ممكن يعمل أي حاجة لا قدر الله ويبقى ركوبي معاه مجازفة خصوصا في ساعة متأخرة زي دي؟ وبعدين قلت لك بدل المرة ألف أسامة مش غريب. دا جارنا، والراجل اتكلم معاك بمنتهى الذوق، أنت اللي اتعاملت معه بمنتهى.

وسكتت، ليتقدم ناحيتها خطوتين وهو يتساءل بصرامة راميا لها بقفاز التحدي في وجهها:
- منتهى إيه. ها؟!
لتلقتط قفاز التحدي بدورها وترميه ناحيته وهي تقول ببرود صقيعي: - منتهىت قلة الذوق!، ارتحت!
وقفت أنعام بينهما بينما كان هشام على وشك الفتك بها وهو يهدر بهمس غاضب مشتعل: - أنت بتقولي إيه؟

حركت منال كتفيها بلا مبالاة استفزته أكثر فأكثر مكررة كلامها: - بقول أنك قليل الذوق عشان جارك يمد إيده عليك بالسلام وأنت ما ترضاش تسلم، دا حتى السلام لله يا أخي!

هشام بسخرية: - وحضرتك يا مؤمنة يا تقية كنت فين لغاية دلوقتي، ممكن أعرف؟ يعني من باب العلم بالشيء ومن باب ال، ذوق أنك تقولي للناس اللي انت عايشة معهم كنت فين وراجعه منين؟!

زفرت منال بحنق وأجابت بضيق وضح في صوتها: - أنا قلت فعلا لماما أنعام قبل ما أنزل، ومش مطلوب مني أقدم لحضرة جنابك كشف بتحركاتي، أنا مش مسجون عليه مراقبة!..

نظرت أنعام الى هشام قائلة باستعطاف: - فعلا يا بني، كلموها من الدار واحدة ست مسنة تعبانة ولحقتها عشان ييجبوا لها الدكتور، مديرة الدار مش موجودة، فكان لازم هي اللي تروح المشرفة معرفتش تتصرف...

همّ هشام بالكلام حينما صدر صوت ضعيفا لفت انتباههم، فأسرعت منال لفريد الذي اعتدل جالسا وسط فراشه يفرك في عينيه، لتجلس بجواره تحيط كتفيه بذراعها وهي تقول بحنان أمومي أسبغ عليها نعومة واضحة:
- إيه يا حبيبي، عطشان ولا عاوز تدخل الحمام.
فريد بصوت يغلبه النعاس: - مايّة.

رفعت منال كوب الماء وساعدته لاحتسائه، وما أن همّت لتساعده على الرقاد ثانية، حتى لاحت منه التفاتة فرأى عمه واقفا يطالعه بنظرات حانية، ليفاجأ الجميع وأولهم والدته بمد يده الى هشام الذي طالعه بدهشة، فيما قال بصوته الطفولي وكأنه لم يزل نائما:
- بابا. نام!

شهقت منال بقوة، فلأول مرة يدعو ابنها عمّه ب : بابا!، لتنهض من مكانها بينما تقدم هشام من فريد ليجلس بجواره، ليفاجأ بدفء الفراش حيث كانت تجلس، فاستند بظهره الى الخلف بينما دس فريد رأسه في أحضانه وقد ارتسمت ابتسامة راضية على وجهه، جعلت الدموع تترقرق في عيني منال، وتفر من عيني حماتها وهي ترى ابنها المحروم من نعمة الانجاب، وهو يحتوي ابن شقيقه الذي حُرم من وجود الأب، في حنان غامر، وبينما لم تستطع منال رؤية ابنها وهو يستجدي حنان الأب من عمه، كانت حماتها قد قررت أنه لا يزال هناك أمل لتعويض كلًّا من ابنها وحفيدها عمّا حُرما منه!

ارتمت بين ذراعي أمها التي احتوتها بحنان بينما حمل عصام ابنة شقيقته شهد بين ذراعيه وهو يلاعبها، قال محمود باعتراض ضاحك:
- ما خلاص يا مها، انت بتسلمي عليها وهي جاية تزورنا، مش مسافرة لجوزها!
لتبتعد هَنا عن ذراعي أمها وتلقي بنفسها بين ذراعي الأمن والحنان والدفء والاحتواء، ذراعي والدها، الذي مازحها قائلا:
- طارق لو شاف الحضن دا هيخليك ترجعي له حالا!

ابتعدت هنا عن حضن والدها وقالت بعينين تغشاهما طبقة رقيقة من الدموع: - ولا أي حد ولا أي حاجة تقدر تبعدني عن حضنكم أنت وماما تاني!
تبادل محمود ومها النظرات المتسائلة، لتقول مها خارقة الصمت: - طيب تعالي اطلعي خدي شاور وغيري هدومك أنت وشهد، لغاية ما نحضر الغدا، عاملا لك الأكل اللي بتحبيه وبإيديا.

هنا ملتفة لعصام: - أومال فين إسلام وشمس؟
عصام بهزة
- معرفش، كلمته عشان يطلع معايا المطار بس كان بيقفل عليّا شكله كان مشغول، عموما أنا شوفت عربيته في الجراج، شوية وهكلمه، اكيد لسّه جاي من الشغل.

تناولت هنا ابنتها من أخيها، وصعدت الى الأعلى وسط نظرات القلق والحيرة من أبيها وأمها ليقول عصام وهو يتابع سير نظراتهما:
- سيبوها براحتها، وقت ما هتكون عاوزة تتكلم، أكيد هتتكلم...

وضعت ابنتها فوق الفراش الصغير الذي جهزته أمها لها وألحقته بغرفتها، كانت الصغيرة قد نامت ما أن أنهت اغتسالها، لتقبلها بخفة تمسح على رأسها بحنان وهي تطالع وجهها الذي يشبه والدها إلى حد كبير، صوت رنة معروفة صدرت عن هاتفها المحمول، لتتناوله فطالعتها صورة من يشغل بالها في هذه اللحظة وهو يبتسم ابتسامته الرجولية المهلكة، ضغطت على زر استقبال المكالمة، ليأتيها صوته الملهوف قائلا:.

- هَنا حبيبتي، انت فين؟ مش بتردي على موبايلك ليه؟ كلمتك كتير أوي، وفي الآخر اتكلمت على موبايل طنط مها قالت لي أنك أكيد بتاخدي شاور، حمد لله على سلامتكم، الرحلة كانت كويسة؟

هنا بصوت مقتضب: - الله يسلمك...
زفر طارق وهو يتغاضى عن برودها في الرد عليه، تماما كما كانت وهو يعانقها مودعا ليشعر بها وكأنها استحالت لوح ثلجي بين يديه، وعندما أبدى استغرابه أجابته بأنها تشعر بالخجل من الناس حولهم، ليشعر هو بالغرابة أكثر!، أي خجل في بلد أوروبي يعانق الناس بعضهم بعضا في كل مكان وكل وقت!..

قال طارق وهو يريد إطالة المكالمة بأية طريقة: - هعد (سأعد) الشهر بالتمام والكمال، لغاية ما ترجعوا لي بالسلامة، أنتي عارفة لولا شغلي اليومين دول كتير، كنت نزلت بنفسي، خصوصا عشان عمي أدهم.

هنا بجمود: - مالوش لزوم يا طارق، ما تتعبش نفسك!
طارق ببساطة: - تعب إيه بس، أنت عارفة عمك أدهم مكانته كبيرة عندي أوي إزاي و...
تنهدت هنا بتعبت وقاطعته هامسة: - مالوش لزوم تتعب نفسك في العد، لأننا مش هنرجع!
سكوت تام أعقب كلمتها قال بعدها طارق بتلعثم طفيف بينما دقات قلبه بدأت تتعالى بقوة:
- مش. مش هترجعوا!..
ليبتسم بغير تصديق مردفا: - يعني إيه يا هنا؟ بلاش هزار.

قاطعته بقوة حاولت التمسك بها: - أنا مش بهزر يا طارق، أنا وبنتي خلاص. رحلتنا انتهت لغاية كدا، ومش هنرجع تاني.

هتف طارق بذهول: - يعني إيه الكلام دا يا هنا؟ أنتِ في وعيك؟
هنا بابتسامة ساخرة لم يرها ولكنه استشعر المرارة في كلماتها: - إيه زعلان؟ غريبة، مع أني كنت فاكرة أنك هتفرح وترتاح!
هدر طارق بغضب: - إيه؟ أفرح؟ أرتاح؟! هفرح في إيه وهرتاح من إيه؟ أنت جرالك حاجة يا هنا؟

هنا وقد قررت كشف الأوراق كلها ورمي الكرة في ملعبه فقد ضاقت ذرعا من حملها الثقيل:
- هتفرح أني أخدت القرار بدالك، وهترتاح أني شيلت الحرج من عليك!
قطب يكاد يجن من الألغاز التي تتفوه بها بينما بداخله صوتا يهمس أنها ليست بألغاز، بل يعلم تماما إلى ماذا تشير بكلماتها!، أردفت هنا بهدوء حزين:.

- عموما أنا ما قلتش حاجة لأي حد، ومش وقته أننا نتكلم في أي شيء دلوقتي، أهم حاجة ربنا يطمنا على أونكل أدهم، وبعد كدا، أنا هقولهم أنه قرارنا إحنا الاتنين، وأننا متفقين عليه!

صاح طارق بغضب ناري: - قرار إيه ومتفقين على إيه؟
هنا بجمود وصوت خاوٍ ولكنه حازم. باتر. لا يقبل الجدال: - الطلاق!
هتف طارق بذهول مصعوقا مما سمعه: - طلاق!
طوط. طوط. طوط، ليفاجأ بأنها، أنهت المكالمة، لتسقط يده الممسكة بالهاتف بجواره وهو يردد بذهول وعدم تصديق:
- طلاق!

دلف إسلام وهي أمامه، لتتجه الى غرفتهما، عندما أوقفها صوته، ليتقدم منها حيث وقف أمامها قائلا:
- الهانم زعلانة من إيه أقدر أعرف؟
رفعت شمس زمردتيها اللتين ورثتهما عن والدتها تطالعه بهما وترشقه بسهامهما الغاضبة وهي تهتف بحدة:
- يعني مش عارف؟ طول الطريق نازل فيّا بهدلة وسخرية، زي ما أكون عيّلة صغيرة! وكل دا ليه؟ مش مشكلتي أنه طلع كداب، دي مشكلته هو!

كاد إسلام أن يقتلع شعر رأسه وهو يهتف عاليا: - بردو بتجادل ومش عاوزة تعترف أنها غلطانة!
ثم مال عليها متابعا حيث لفحت أنفاسه الساخنة بشرتها العاجية: - يا مدام الموضوع كان باين جدا، بدليل أن مرات أخوكي طلبت منك تقوليلي، عشان ما تروحيش لوحدك، ولولا أنه مراد أخوكي جه معنا، ما كانش هيصدق مهما قلت له أنك بالعبط والهبل دا!

هتفت في دهشة مشيرة الى نفسها: - أنا! أنا هبلة وعبيطة أنا؟!
إسلام باستفزاز وتأكيد: - وأم بدوي كمان!
طالعته بنصف عين واضعة يديها في منتصف خصرها وقالت بتحد: - امممم. والله محدش ضربك على إيدك أنك تستحمل الهبلة العبيطة أم بدوي!
قطب إسلام وأبعد رأسه يقول متشككا رافعا حاجبه الأيمن بريبة: - يعني إيه؟
أسدلت شمس يديها جانبا وهتفت فيه بغيظ وقهر: - يعني سيبها ل أبو بدوي أحسن!

واستدارت متجهة الى غرفتهما بينما تسمر إسلام في وقفته وهو يردد بذهول وغير فهم: - أسيببها لأبو بدوي!
وما لبث أن وعى معنى كلماتها ليهدر مناديا لها بغضب وهو يسرع لاحقا بها: - شمس!
دلف وراءها صافقا الباب خلفه بقوة، ليدنو منها بينما تتراجع هي وهي ترفع سبابتها اليمنى تحذره من الاقتراب:.

- بقولك إيه، عمي ومرات عمي تحت، يعني هقول الحقوني بس هتلاقيهم في ثانية عندك، وبعدين إيه اللي مزعلك؟ كفاية عليك يا عيني الفترة اللي فاتت دي كلها مستحمل الهبلة العبيطة، عاوزة أريحك منها، غلطت؟

لينقض عليها فصرخت صرخة صغيرة لتفاجأ بالجدار خلفها بينما وقف إسلام أمامها تماما ومال عليها هاتفا بشراسة بصوت منخفض صارم:
- عارفة لو نطقتي بالجنان دا تاني هعمل فيكي إيه؟
لم تتكلم بل أشارت بالنفي برأسها بمعنى أنها لا تعلم، ليردف مجيبا وهو يرفع يديه يسندهما على الحائط من حولها:
- عقابك عندي هيكون عسييييير!، مفهوم؟!

ومرة ثانية اكتفت بالاشارة برأسها إلى الأسفل بمعنى الإذعان لأمره، وكأن صوتها قد هرب منها، لينزل بيديه يحيط براحتيه وجهها، وهو يقول زارعا دخاني عينيه بين زمردتيها:
- وبعدين مين قال أن الهبل والعبط وحش؟ دول حتى أسلوب حياة!

كشرت في وجهه وفتحت فمها تنوي الصراخ عليه حينما فوجئت بانحباس صوتها فعلا، كلا، ليس صوتها فحسب، بل الهواء أيضا! فقد امتصه ذلك المجنون كما امتص رحيق شفتيها، ليهبط بيديه يحيط بخصرها، يدفعها بقوة بين أحضانه، فيما تحاول هي دفعه بعيدا، ليرفع ذراعيه يشبك يديها حول عنقه قسرا، وهو مستمرا في رشف رحيقها الشهدي، لتجرفها عاطفته العميقة، فتسقط معه في دوامة عواطفه الملتهبة، والتي لم ينقذها من الغرق فيها أكثر فأكثر. سوى احتياجهما الشديد للهواء!

رفع رأسه يمنحها الفسحة للتنفس بينما ينهل هو من عذب زفيرها الذي تخرجه من فمها، فكأن زفيرها هي، هو هواؤه المنعش!

رفعت عينين عاتبتين له ولكن تكسوهما لمعة عشق واضحة، ليحتويها بحنان بين أحضانه ويميل عليها هامسا لها وعيناه مسلطتان على عينيها:
- عارفة. أنا بخاف عليكي تمام زي نادرين بنتنا، أنتي مش مراتي وبس يا شمس، أنتي مراتي وبنتي وحبيبتي وصاحبتي، وحياتي كلها، انهرده كان هيجرالي حاجة بجد، حبيبتي عشان خاطري ما تأمنيش للناس بالصورة دي، أنتي ملاك بريء، لكن الأرض مليانة بشياطين الإنس، لازم تاخدي بالك منهم!

شمس وهي تلوي شفتيها بزعل: - اممم. يا سلام، ما أنت لسه قايل أني هبلة وعبيطة وأم بدوي.
قاطعها إسلام قائلا ببساطة: - وماله!
شمس بدهشة حانقة: - وماله؟!
إسلام بتلقائية شديدة مبتسما: - طبعا، هو فيه أحلى من الهبلة العبيطة...
ومال ليرتفع ثانية وهو يرفعها بين ذراعيه متابعا بمكر: - وأم بدوي، دا أنا بموت في حاجة اسمها أم بدوي، طب إيه رأيك بقه؟
قطبت شمس متسائلة في ريبة وحيرة: - إيه؟

إسلام وهو يتوجه بها نحو فراشهما: - أنا ناويت بإذن الله نجيب ولد هنسميه بدوي، وهنبدأ حالا!
ليلقي بها فوق الفراش، ولم يتثنى لها الاعتدال إذ انبطح فوقها، يرويها من فيض عشقه، ويرتوي بالمقابل من نبعها العذب، حينما ارتفع رنين هاتفه فجأة، فحاولت شمس الهمس له بالاجابة عليه، ولكنه أصر على تجاهله، ليصر المتصل على الرنين، فدفعته شمس بقوة وهي تقول برجاء:
- يا إسلام أكيد حاجة مهمة.

زفر إسلام بغيظ، واعتدل يرفع بنطاله من الأرض يفتش في جيبه حتى وجد
هاتفه، ليستقبل المكالمة دون أن يرى اسم المتصل وما أن سمع الصوت حتى هدر فيه حانقا:
- أبو شكلك. دا أنت فصيل!
ضحكة رجولية وصلت أسماع شمس التي رفعت غطاء الفراش لتستر نفسها، سمعت بعدها إسلام وهو يهتف ضاربا جبهته بقوة:
- أوووف. تصدق نسيت! معلهش، رُبعاية (ربع ساعة) وهنكون عندكم على طول. سلام!

وأنهى المكالمة، واضعا الهاتف بجانبه، ليلتفت الى شمس ويميل عليها هامسا بعبث: - احنا كنا بنقول إيه بقه؟
شمس بتساؤل مندهش: - هو إيه اللي بنقول إيه؟ أنت يا بني مش لسّه قايل لأخوك أننا هننزلهم؟ عصام اللي كان ع التليفون مش كدا؟

إسلام بزفرة حانقة: - أيوة هو، وقبل ما تسألي أكتر، هنا جات وأنا نسيت أني كنت المفروض أطلع أقابلها في المطار.

شمس وهي تدفعه بعيدا تنوي النهوض هاتفة بفرح: - إيه؟ هنا! طيب ياللا عشان ننزلهم، دي وحشتني أوي خصوصا شهد!
ليقبض إسلام على يديها ويطرحها على الفراش قائلا بصرامة: - مين دا؟ طب إيه رأيك بقه مش هتقومي من هنا قبل ما ييجي!
شمس ياستفهام حائر: - هو مين دا؟
غمز إسلام بعبث مجيبا وهو يميل عليها: - بدوي. يا أم بدوي!
وأسكت أبو بدوي أم بدوي عن الكلام المباح!

كان مهدي يدور في مكانه كالليث الحبيس، وهو يطالع زوجته وزوجة خاله و، والدته وقد جلسن أمامه على الاريكة في غرفة المعيشة بمنزله، تطالعنه بهدوء تام!

وقف مهدي يقول بهدوء يشبه السكون ما قبل العاصفة: - يعني أنتو عاوزين تقنعوني أنه عادي مراتي أنا – مشيرا الى نفسه بسبابته – تروح لطليقها في بيته – مركزا على كلمة بيته – ومن ورايا، ويبقى ما فيش أي مشكلة؟!

هزت ريتاج كتفيها قائلة: - آه. هي ما فيهاش أي مشكلة، أولا أنا كنت معها، ثانيا ابنها كان معها وهي جوة عندهم، ثالثا طليقها دا عايش في بيت عيلة، يعني كان معه أمه ومراته، رابعا ودا الأهم، هي مش رايحة غير لحاجة محددة، كون أنك مش مقتنع دي حاجة تانية.

هتف مهدي بذهول غاضب وهو يميل على زوجته: - وما قالتليش ليه قبل ما تروح؟ مش دي الأصول بردو يا مدام؟
ناظرا الى لبنى بخيبة أمل واضحة، فلم تحتمل حزنه وغضبه لتنهض هاتفة فيبتعد عنها لتقف أمامه:.

- صدقني يا مهدي الموضوع مش كدا خالص، كل ما في الأمر أني كنت عارفة أنك هتضايق من حاجة زي كدا، بس كمان مش ممكن أحس أني أقدر أعمل حاجة لعمي أدهم وأتأخر، مهدي، الفضل في شفاء ابني بعد ربنا سبحانه وتعالى ليه هو، وأنا مش ناكرة للجميل!

هتف مهدي بغضب: - ولما أنت عارفة أنها حاجة هرفضها مش بس هتضايقني ما كلمتنيش فيها ليه؟ ما حاولتيش تقنعيني ليه يمكن وقتها.

جرى إيه يا بني؟ ما كفاية بقه! إيه، نازل بهدلة في مراتك كدا ليه؟! ...

نظر مهدي بدهشة لراندا التي وقفت بدورها تهتف فيه معنفة بقوة، ليقول: - أنا ببهدل مراتي؟! والهانم لما تروح لطليقها من ورايا تبقى إيه؟ مش بتصغّر بيّا؟!

لتنهض ريتاج بدورها قائلة بحزم: - جرى إيه يا مهدي؟ أحنا ولا كأننا قاعدين! يعني أنا من الصبح عمّالة أقولك وأوضح لك وأنت اللي في دماغك في دماغك. مراتك وبصراحة طلعت جدعة، وقفت قودام شريف، وكلنا عارفين أنه الخيط اللي هيوصلنا للحقيقة في إيده هو، بالعكس بقه، مشوارنا دا طلع بفايدة تانية، أحمد عرف أنه باباه ما رمهوش زي ما كلنا كنا متصورين، وشريف عرف الحقيقة، وأنا قلت لك كدا من شوية، إيه لازمته العناد بقه؟!

مهدي بغضب مكتوم: - وطبعا البيه بعد ما عرف الحقيقة هيصمم يشوف ابنه مش كدا؟
راندا بحزم: - حقه!
هتف مهدي باستنكار: - حق مين؟ يعني إيه؟ لا طبعا...
ريتاج بقوة: - يعني إيه يا مهدي؟ هتحرم أب من ابنه؟ مش كفاية السنين اللي فاتت دي كلها ومهما كان هو غلطان لكن كفاية أنه أهله حرموه من ابنه وظلموهم هما الاتنين؟ عاوز تبقى ظالم انت كمان؟!

مهدي بهمس مندهش: - ظالم!
لينظر الى لبنى مردفا بمرارة وابتسامة ساخرة ترتسم على وجهه الرجولي الجذاب: - وانت يا مدام لبنى، رأيك إيه؟ ظالم زي ما مرات خالي ما بتقول؟
صمتت لبنى لثوان قبل أن تقول بكل ما تملك من رباطة جأش: - أنا اللي هكون ظالمة لو صممت أني أحرم أب من ابنه، أو ابني من أبوه!
قطب مهدي مستائلا في ريبة: - يعني أيه؟

رطبت لبنى شفتيها الجافتين بلسانها قبل أن تقول وهي تشد من نفسها: - يعني أحمد ابن شريف، سواء قبلت أنا بكدا أو رفضت! ومش هستحمل عتاب ابني ليّا لما يكبر ويسألني ليه منعته عن أبوه...

مهدي بغرابة مشيرا الى نفسه: - أحمد دا ابني أنا قبل ما يكون ابنه هو!
لبنى بحزم: - لكن يفضل ان اسمه. أحمد شريف المسيري. ودي حاجة ما أقدرش لا أنا ولا أنت اننا ننكرها!

سكت مهدي يطالعها بغضب ممزوج بحزن غريب ليقول بعدها: - وأنا مش هنكر ولا هرفض، لكن أنا برفض يكون ليكي أي علاقة من أي نوع مع الراجل دا، وبرفض أنك تتصرفي معايا بسياسة الأمر الواقع، أنا جوزك يا مدام، والمفروض قبل ما تخطي أي خطوة تعرفيني، ما بالك بقه لما يكون حاجة انتي عارفة ومتأكدة أني رفضها وبشدة كمان، وعشان كدا. موضوع أحمد دا بقه معايا أنا، وأنا اللي هقول يشوفه امتى وفين، دا إذا كنت هوافق من الأساس!

والتفت ينوي الانصراف حينما هتفت لبنى قائلة: - وإذا رفضت؟!
التفت مهدي اليها نصف التفاتة قائلا بابتسامة ساخرة خفيفة: - وأنا مش مستني قرارك، أنا قلت لك على قراري أنا، وانت عليكي التنفيذ!
هتفت رندا بغضب: - مهدي!
تدخلت ريتاج قائلة: - واضح أنه أعصابك تعبانه، ولغاية أنت ما تعرف أنها مراتك مش جاريتك اللي اشترتها بفلوسك، لبنى وولادها هتيجي معنا...

مهدي ببرود قبل أن ينصرف: - براحتها!
وغادر وتركها وهي تهتف بذهول: - شوفتي يا طنط؟ للدرجة دي مفرّط فيا؟
راندا بحنق: - يا عبيطة مفرّط إيه بس؟ ابني وأنا عارفاه، عشر دقايق بالظبط وهتلاقيه جاي جري يشوفك هنا ولا مشيتي معنا؟

لبنى بأمل وهي تطالع راندا: - بجد يا ماما راندا؟
ريتاج بحزم: - بس مش هيلاقيكي!
لبنى بدهشة: - إيه؟..
راندا غامزة: - ما تتخضيش كدا. هتيجي معنا نسلم على هنا بنت محمود أخويا وبنتها شهد لسّه واصلين انهرده من السفر، وأهي تبقى قرصة ودن لابني!

وقفت تضم يديها معا تطالع بلهفة الوجوه الخارجة من مبنى النيابة العامة أمامها، ترفع غرتها بنظارتها الشمسية، بينما وقف حولها جميع أفراد عائلة شمس الدين، لتشهق واضعة يدها على فمها، وهم غافلين عنها، وتفاجئهم بعدها بهتافها العالي:
- أدهم!

وانطلقت تقطع المسافة الفاصلة بينهما، وبينما هي تنوي صعود الدرجات حيث وقف لملاقاته كان هو يهرول نازلا للقائها، لتلقي بنفسها بين ذراعيه فيحبسها بين أحضانه وهو يهمس بقوة:
- تاجي!
ريتاج بهمس ناعم بينما دموعها تغرق وجهيهما: - أدهم، حبيبي!

وأمام الملأ. ودون أن يلقي بالا لأيٍّ كان. كان أدهم يعانقها بقوة. وكأن روحه متعلقة بها، وكانت هي وكأنها غريبة، تاهت عن موطنها، لتعود الى مكانها وملاذها الآمن، هنا، بين ذراعيه هو، أدهمها!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة