قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي والثلاثون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي والثلاثون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي والثلاثون

جلست تنتحب في صمت بينما صوت صديقتها القابعة بجانبها فوق الفراش في منزل الأخيرة يخرج متسائلا بلهفة وقلق:
- يا نجوان يا حبيبتي مينفعش كدا، ساعتين دلوقتي من ساعة ما جيتي وانتي ما بطلتيش عياط. لو تقوليلي بس ايه السبب؟ فيه حد زعلك؟ احنا قافلين مع بعض وانت بتضحكي، ايه اللي حصل؟ حمزة زعلك؟ حاجة واجعاكي؟

هتفت نجوان وهي تضرب بقبضتها اليمنى فوق صدرها من الناحية اليسرى فوق خافقها تماما وصوتها مغلف بألم قوي فيما تعبيرات وجهها متغضنة:
- دا اللي وجعني، الوجع هنا يا ريما. هنا!
مشيرة الى قلبها، لتحيط ريما كتفيها بذراعها وتقول وهي تمسد ظهرها بحنو: - طيب اهدي حبيبتي، احكي لي اللي حصل، وصدقيني كل مشكلة ولها حل، وكل وجع وله اللي يداويه.

نجوان بأسى شديد: - لكن وجعي مينفعش له أي دوا ولا طبيب، لأنه الخيانة مالهاش علاج يخففها، الخيانة زي السكينة تمام، بتدبح القلب، وبتسيبه ينزف، ومهما ضمدنا جراحنا بيكون فيه علامة، تفكرنا أنه اللي كان في يوم أماننا، هو اللي خاننا ودبحنا!

زفرت ريما بأسى وقلة حيلة وقالت برجاء: - انتي بس لو تبطلي تتكلمي بالألغاز، خيانة ايه أنا مش فاهمه؟! اوعي تكوني شاكة في حمزة؟

نطقت سؤالها الأخير بتقطيبة متشككة، بينما ابتسمت نجوان بمرارة وسخرية لتهتف ريما بذهول تنهرها:.

- لا تبقي اتجننت رسمي يا نجوان، حمزة مش ممكن يخونك، أنا اللي هقولك على حمزة يا نجوان؟ حمزة مش بس جوزك لأ. دا ابن عمك وعايشين عمركم سوا، مترببين مع بعض، مش معقول تصدقي أي حد أكيد نيته مش صافية وعاوز يوقع بينكم!، بس اللي هيجنني ال حد دا شوفتيه امتى وفين، دا انا يدوب قفلت منك من هنا بعد شوية لاقيتك عندي، ايه، طلعك في السكة ولّا كلمك في التليفون؟

نجوان بخواء وهي تمسح دموعها: - هو طلع لي في السكة فعلا! – قطبت ريما بتوجس في حين تابعت نجوان بشبح ابتسامة ساخرة – بس محدش قاللي. حمزة بنفسه هو اللي قالي أو بمعنى أصح. ورّاني (جعلني أرى)!

ازدادت عقدة جبين ريما عمقا وهي تقول بشكّ: - ورّاكي؟ انتي شوفتي حمزة؟ ما تفهميني يا بنتي!
نجوان بحرقة قوية: - شوفته معها يا ريما، كانت في حضنه، شالها بين دراعاته، شوفته لهفته وخوفه عليها، عرفتي شوفت ايه؟!

وانخرطت في وصلة بكاء قوية، لتحتويها ريما بين ذراعيها تهدهدها وتربت عليها، وبعد فترة بعد أن انحسرت نوبة البكاء التي ألمت بها، قالت ريما بهدوء وهي تبعدها عنها تمسح على خصلاتها المتطايرة حول وجهها المنفلتة من تسريحتها كذيل الفرس:
- اهدي يا حبيبتي. أنا متأكدة أنه فيه حاجة غلط، مش ممكن حمزة يخونك، انت مش عارفة هو بيحبك ازاي؟ وباعترافه هو نفسه.

نجوان بجمود: - جايز يكون اعترف لي بحبه فعلا، لكن السؤال اللي لسّه مجاوبش عليه. ايه حكايته معها؟، حب الجامعة، قصتهم اللي انتهت فجأة واصرار عمي (باباه) أننا نتجوز، يا ترى حبها نسّاه حبه ليا، وبعد ما افترقوا رجع افتكرني من تاني خصوصا مع قرار والده اننا لازم نتجوز؟! كل ما أسأله يبتسم لي ويقولي لما تجاوبي على سؤالي أنا الأول. ساعتها هتعرفي الاجابة لوحدك، لأنك مش هتبقي محتاجة تسألي، ولما أسأله سؤال ايه اللي عاوزني أجاوبه يضحك ويقول لي بغموض السؤال أنا هجاوب عليه من غير ما يسأله! يبقى بيتهرب من الكلام في موضوعه معها ولّا لأ؟ ألغاز وفوازير ومش قادرة أوصل لجواب يريحني، لغاية ما شوفتهم انهرده.

وسكتت. تسترجع ذكرى صورتهما وهو ينحني عليها يحملها بين ذراعيه بحنان تخيلته في وجهه، حتى لقد خُيّل لها أنه يطالعها بلهفة وقلق محموم، أخرجها صوت ريما من تأملاتها وهي تقول بهدوء:.

- طيب لو سلّمنا جدلا أنه ظنّك في محله، أعتقد مش ممكن حمزة يحضن واحدة في الشارع وفين؟ قودام مدرسته كمان! يعني فضيحة رسمي ليه دا غير أنه ممكن جدا يتحول فيها للتحقيق وتوصل أنه يتوقف عن العمل لأنه مدرّس في مدرسة بنات، ولو أخلاقه بالسوء دا يبقى لا يؤتمن على تلامذته، يعني تجيبيها كدا تودّيها كدا. حمزة مش ممكن يعمل كدا!

نجوان باختناق: - بقولك شوفته يا ريما. شوفته! شوفته حاضن واحدة غيري، نَفَسْها في نَفَسُه، ايديه شايلاها ضاممها لصدره، أنا. هموت يا ريما همووووت!

وعادت لتنخرط في موجة بكاء أقوى لتحتضنها صاحبتها بقوة، تواسيها وتشد من أزرها، وتهمس في أذنها قائلة بثقة تامة:
- انتي بتحبيه يا نجوان، واللي بيحب لازم يدّي فرصة للي بيحبه أنه يشرح ويسمع له، حقه عليكي انك تسمعي منه، وحقك عليه أنه يفسّر لك، ما تخاليش الغيرة تعمي عينيكي يا حبيبتي.

ابتعدت نجوان عنها ورددت باستنكار: - غيرة!، – ثم أردفت تهتف باستهجان تام – لا أنا مش بغيِر ولا.

ريما بهدوء: - ولا بتحبيه؟!، نجوان أحما مش بس أصحاب احنا أخوات كمان، أنا مرايتك حبيبتي. يعني لازم تشوفي فيا الحقيقة اللي بتهربي منها، أنت بتحبي حمزة، ومش حب عادي لا. حب بجنون كمان، والغيرة دليل على الحب ولما يكون الحب بجنون يبقى الغيرة لازم تكون مجنونة، ما تدّيش العقل فرصة انه يفكّر، وأنا بطلب منك دقايق بس. اهدي وفكري كويس، هل لو حمزة فعلا خاين زي ما بتقولي هيحضنها وسط الشارع قودام اللي رايح واللي جاي وقودام زمايله كمان؟ حدّث العاقل بما يُعقل يا حبيبتي!

صمتت نجوان لدقائق وهي تعقد جبينها في ريبة لتقول بعدها بتردد: - يعني ايه؟ قصدك انه في سبب أنه شالها في الشارع؟
لتعود بعدها وتنفي بهزة من رأسها قائلة باصرار وعناد شديد: - لا، مهما كان السبب، ما فيش حاجة ممكن تقنعني بالي أنا حصل واللي شوفته بعينيا، وبعدين هي عرفت مكان شغله ازاي؟ وراحت له ليه؟ ومن امتى وهما بيتقابلوا من ورايا؟

ريما وهي تهز كتفيها بعدم معرفة: - الأسئلة دي حقك تسأليها له، وتسمعي اجابته عليها.
نجوان بتصميم: - أنا لا هسأل ولا هستنى أسمع جوابه، أنا مش راجعة له تاني!
ليأتي دور ريما التي صاحت في صدمة قائلة: - نعم؟! انتي بتقولي ايه يا نجوان؟ انت هتسيبي بيتك وجوزك عشان ظنون أنا متأكدة انك لما تعرفي الحقيقة هتتأكدي أنك اتسرعتي.

نجوان بإصرار: - وأنا قلت لك يا ريما، ما فيش أي سبب مهما كان يقدر يبرر لي بيه اللي عمله، وبعدين. هو مش انتي المفروض صاحبتي أنا؟ واخدة ليه صفّه بالشكل دا، لآ وواثقة ومتأكدة كمان أنه مظلوم!

ريما بعتاب: - عشان صاحبتك مش معناه أني أوافقك على أي حاجة حتى لو كانت غلط، وأنتي عارفاني كويس، أنا مش بطبطب ولما ألاقيكي غلطانة بواجهك بغلطك، وحمزة أنا أعرفه من كلامك انتي عليه، ولأني شايقه الصورة من برّه مش طرف فيها، لكن انتي طرف مهم اوي، لأنك بتحبيه، فحكمك لعواطفك وغيرتك، وأكيد ساعتها حكمك هيكون مش صح، فياريت تهدي كدا وتقومي تروّحي، وتقعدوا مع بعض وتسأليه وتسمعي منه!

نجوان ببرود: - أنا هروّح على بيت بابا، معنديش استعداد أني أشوفه أساسا دلوقتي، أو أقولك...
ونظرت اليها مردفة بنظرات تلمع بالتحدّ: - أنا هبات معاكي هنا انهرده، وخلّيه يقعد مع الست مايا براحته، من غير عزول!

ريما رافضة: - لا غلط يا نجوان، حتى لو كان هو غلطان، ما تصلحيش الغلط بغلط أكبر منه، لو كان الحق في صفك دلوقتي لو عملتي اللي عملتيه دا هتقلبي الموضوع عليكي، ما تخليش عصبيتك وساعة غضب تخسّرك حقك وتطلعي انتي الغلطانة، لأنه مهما كان هو جوزك، مينفعش تخرجي من غير ما تقولي له، انتي من ساعة ما جيتي وانتي قافلة الموبايل، تخيلي شكله عامل ازاي دلوقتي وهو اكيد روّح اتفاجئ انك م شفي البيت ومش عند مامتك، استهدي بالله كدا، انتي عارفة انه بيتي هو بيتك، لكن أنا مش عاوزاكي تصلحي غلط بغلط أكبر، قومي روحي بيتك، واعملي فيه ما بدالك لكن وبابكم مقفول عليكم، من غير لا بابا ولا ماما ما يحسوا بحاجة، لأنكم في الآخر أنا متأكدة أنكم هتتصالحوا وهيقدر يقنعك بسبب اللي حصل، لكن لو حد من عندك عِرف، عمره ما هينسى له أنه زعّل بنته، وهتخلي النفوس تشيل من بعض، فكري بعقلك يا نجوان، خدي حقك منه وانتي في بيتك، فاهماني يا نونتي؟

سكتت نجوان لثوان أومأت بعدها بالايجاب بخفة، لتزفر ريما براحة قبل أن تقفز واقفة وهي تهتف بحبور:
- هعمل لك حتة دي كوباية لمون تروّق دمك تمام، وهقولهم يحضروا الغدا. – لتغمز بعينها اليمنى بعبث قائلة بمكر – عشان لما تروّحي تقولي له أنك اتغديت برّه. ومعلهش بقه مش هتقدري تاكلي معه أصل الناس اللي اتغديتي معهم حلفوا انك لازم تاكلي معهم، ميقدروش (لا يستطيعوا) يبلعوا الأكل من غيرك!

وانطلقت ضحكة عابثة من ريما بعد أن انهت حديثها لتنظر بعدها الى نجوان بتواطئ فرفعت الأخيرة ابهامها علامة النصر!..

مم ممكن أقعد مع معاكي؟! ...

رفعت ريما عينيها وكانت تحتسي قدح قهوتها، لتطالعها عينان تلمعان كحجر كريم أسود، بينما شقت وجه محدثها ابتسامة مترددة، واحتل وجهه تعبير ينم عن الطيبة التي تملأ قلب هذا الشاب، يجعله يلج الى قلبك دون تردد، قالت ريما وهي تضع قدحها أمامها وهي تبتلع رشفتها مشيرة الى المقعد الفارغ أمامها على تلك الطاولة في المقهى التابع للشركة حيث يتجمع الموظفون جميعهم من أصغرهم الى أكبرهم في استراحة الغذاء:.

- أكيد طبعا، اتفضل يا معتز.
جلس معتز وهو يضع صينية الطعام أمامه، ليقول بابتسامته الخجول وصوته مغلف بنبرته المترددة كعادته كلما شعر بالخجل أو الحرج أو. الغضب:
- انتي مش، مش بتاكلي ل ليه؟ أنا ش شايف أنك بتش شربي قهوة كت تير أوي، ودا غلط عش شان صح حّتك!

ضحكت ريما بنعومة وقالت: - هقولك ايه، كيف بعيد عنّك!
ثم مالت على الطاولة التي تفصل بينهما باتجاهه وأردفت وهي تتصنع النظر حولها وكأنها ستهمس له بسرّ خطير:
- بصراحة. أنا ليا غدا مخصوص، مش موجود هنا، دقايق وهتلاقيه جه!
وبالفعل لم تكد تنهي جملتها فلم تمر الدقائق التي قالت عنها حتى وجدت زميلها زكي يتقدم منها ويضع أمامها لفافة تفوح منها رائحة شهية وهو يقول بزفرة عميقة:.

- اتفضلي يا ستي طلبك، يا ما أنا خايف أتقفش في مرة وأتنفخ بسببك!
نقل معتز نظراته بينهما بتساؤل حائر فيما شبح ابتسامة ترتسم على وجهه وهو يسمع صوت ضحكتها الناعمة وهي تقول بمناغشة لزميلها:
- يا عمي جمّد قلبك، اللي يسمعك يقول بتهرب لي ممنوعاتّ!
زكي بصدق: - أكتر من الممنوعات، عارفة يعني ايه ساندوتشات كبدة ومخ من على العربية؟ يعني مستقبلي الوظيفي هيضيع لو اتعرف أني الديلر بتاعك!

لتنطلق ضحكة رقرقاة من بين شفتيها النديتين، تقول بعدها وهي تتناول لفافة الشطائر الساخنة:
- اطمّن. طول ما انت بتاخد بالك وأنت مش هتقع، لكن ما أوعدكش أني مش هقول عليك، أنت عارفني مع أول قلم هقول على طول!

زكي بنبرة بائسة: - ربنا يستر، هروح أنا بقه عشان ألحق أتغدى، أنا مش فاهم حد يسيب أكل الشركة اللي عامل زي أكل الفنادق ويروح ياكل كبدة ومخ من على العربية؟!

وانصرف زكي بينما تناولت ريما إحدى الشطائر وناولتها لمعتز وهي تقول بابتسامة متواطئة:
- أهو غدايا يا أستاذ، شوفت أني مش مقضياها قهوة وبس، ها. تحب كبدة ولا مخ؟
معتز رافضا بأدب: - لا ش شكرا، أنا هاكل غ غدايا.
ريما هاتفة بنفي: - يا بني ودا اكل دا؟ انت ما شبعتش من الحاجات دي؟ صدقني هتخسر كتير لو ما دوقتش السندوتشات دي، كول وادعيلي.

ليتناول معتز الشطيرة التي بيدها على استحياء وهو يقول: - خ خلاص. ها هاخد اللي اخترتيه.
وقضم قضمة صغيرة لتطالعه ريما بترقب هتفت بعدها بحماس: - تحفة صح؟

اكتفى معتز بأن أومأ ايجابا رافضا الاعتراف أن الشطيرة التي بيده يبدو وكأنها شطيرة من الشطة الحاااااارقة، والتي هي من ألد أعدائه، فهو يعاني منها بشدة حيث أنه يشكو من قرحة بجدار معدته، فكان أن منعه الطبيب من تناول الأطعمة الحارقة، ولكنه لم يكن ليفسد الجو الرائق بينهما فيكفيه صوت ضحكتها الرنان الذي يجعل قلبه يتراقص على نغماتها حتى يضحي بمعدته وأمعائه بل وبجهازه الهضمي أجمع! فتلك الفتاة البسيطة في تعاملها مع الجميع، الجميلة داخليا وخارجيا، كانت السبب في جعل أيامه ذات مذاق خاص، بعد أن كانت خاوية باردة، ليفاجأ أنه في غضون أيام قد أحب عمله، بل وأظهر براعة أشاد بها رئيسه المباشر، مما أثلج صدر والدته وهو ينقل اليها اشادة رئيسه، وأخفى السبب الحقيقي في ذلك، ألا وهو رؤية السعادة في عينيها وهي ترى التقرير اليومي الخاص بالمتدربين الجدد، وكأنه يريدها أن تفخر به، فمنذ اليوم الأول استطاعت وبمنتهى السهولة اختراق جداره العازل والذي أحاط به نفسه، بابتسامتها الواسعة ونظرة الثقة بعينيها، كما وأنها لم تتطفل وتسأله عن حالة التلعثم التي غالبا ما تصيبه عند تعرضه لطارئ ما، بل عمدت على التعامل معه وكأنه ليس به ما يريب أو يلفت النظر، فشعر أنه معها انسان سويّ لا ينقصه شيء، وبالرغم من علمه منذ اليوم الأول له أنها مخطوبة لآخر فقد رأى خاتمه وهو يزين بنصرها، ولكنه لم يستطع منع نفسه عن الاعجاب بها، فهو لا يضر أحدا بذلك، بل العكس هو الصحيح، ذاته هي من تتلقى أكبر الضرر بعد اكتشافه أنه قد انزلق من مرحلة الاعجاب ألى الافتتان ف. الحب!

هكذا وبكل سهولة، قد يكون السبب لافتقاده ثقته بنفسه والتي ضختها بداخله بكلماتها وابتسامتها الواثقة منه، أو لتعاملها معه وكأنه انسان سليم، متجاهلة التعليق على طريقة كلامه أو توتره اللا ارادي. ليعترف أنه يحسد خطيبها، فهي جوهرة نادرة قلّ أن يوجد مثلها، وتجربته السابقة خير دليل على ذلك، تلك التي أوهتمه بالحب فقط حتى يساعدها في مذاكرتها، وعندما فاجئها برغبته بالارتباط فاجئته هي بحقيقته في نظرها، ورمت بحبه عرض الحائط!

هز رأسه ينفض تلك الذكريات عن رأسه، وانتبه لريما وهي تقول بينما تدفع بلفافة الشطائر ناحيته:
- اممم. خد لك واحد تاني يا معتز، الحق قبل ما أخلصهم كلهم!
لينتفض معتز في مكانه هاتفا وقد حلّت عقدة لسانه: - لا لا لا...
قطبت ريما تطالعه بتساؤل وريبة ليفسّر قائلا وهو ينظم أنفاسه: - قص قصدي ش شبعت، شبعت الحمد لله.

ورفع كوب الماء البارد يقذف محتوياته في جوفه علّها تبرّد من الحريق الذي اندلع في بلعومه إثر تناوله لشطيرة الشطّة!..

انتهت استراحة تناول الغذاء ونهضا كي يعودا الى العمل، وتبادلت ريما معه بعض الاحاديث الخفيفة حيث سألته عن والدته فأخبرها أنها بخير وتهديها السلام بل أنها قد طلبت منه أن يدعوها لزيارتها، فهي قد أحبتها ما أن رأتها، لتوافق ريما مسرورة بهزة بسيطة، بينما كاد هو يقفز فرحا، فليس مهما عنده أنها تنتمي لآخر، المهم ألّا يخسر قربها حتى وأن كان ما يربطها به مجرد صداقة لابن زميلة والدها، فما يربطه هو بها أقوى من ذلك وأعمق!

دلفت الى غرفة مكتبها ومعتز في أعقابها ولم تنتبه الى سكرتيرتها التي كانت تشير اليها تنوي اخبارها أمر هاما، لتفاجأ ما أن خطت الى الداخل بجلوس عصام الى المقعد المواجه للمكتب، حيث نقل نظراته بينهما بغموض، فتنحنح معتز قائلا وهو يهم ناحية عصام يصافحه:
- أه. أهلا استاذ عصام.
قبض عصام على يده بقوة يرد تحيته بكلمات لم يستطع سماعها جيدا، مما جعله يقول معتذرا وهو ينسحب:.

- أوكي يا ريما، أش شوفك بع دين، وهبل لّغ ماما موافقتك.
ريما بابتسامة صادقة: - تماما معتز، سلم لي على طنط سهام وأنا سعيدة جدا بدعوتها وان شاء الله أشوفها في أقرب فرصة.

ليدلف معتز خارجا بعدها وقد تعمد ترك الباب. مفتوحا!
في بضعة خطوات صغيرة كان عصام يصل الى الباب فيحكم غلقه، قبل أن يلتفت الى ريما التي وقفت تطالعه بنظرات هادئة عاقدة ساعديها، بينما تقدم هو منها يقول بابتسامة ساخرة:
- ايه، مافيش أهلا وسهلا؟ مش المفروض ترحبي بيا؟
ريما ببساطة: - أرحّب بيك لو ضيف، لكن بما أنك بتيجي هنا تقريبا أكتر مني فأنت صاحب مكان، هرحب بيك في مكانك ازاي بقه؟

توقف عصام على بعد مسافة قصيرة منها وقال بهدوء يخفي غضبا مكبوتا: - أمه عاوزة منك ايه؟..
قطبت ريما وقالت باستنكار: - ايه؟ أمه! أيه أمه دي؟ ما تتكلم كويس يا عصام!
زفر عصام بضيق وقال من بين أسنانه المطبقة غيظا وكمدا: - تمام يا ريما هانم، ، ممكن أعرف ال مامَّا بتاعته عاوزة منك ايه؟
ريما ببساطة كادت تصيبه بجلطة وهي تهز كتفيها: - عازماني عندها، عاوزة تشوفني، وأنا وافقت!

عصام هاتفا بسخرية: - يا سلااااام!، وأنتي وافقتي! وأنا ايه؟ كيس جوافة؟!
قطبت ريما وقالت مؤنبة: - اللاه، جرى ايه يا عصام، انت ألفاظك بئيت بيئة كدا ليه؟ شكلك بتقعد مع سواقين تكاتك كتير!

صاح عصام بذهول: - ايه؟! تكاااتك!
صوت طرقات متسارعة قاطعهما لتدلف السكرتيرة تقول بصوت ملهوف: - سوري يا آنسة ريما، بس فيه واحد من المتدربين الجدد تعبان أوي.
اقتربت منها ريما تقول بعقدة جبين عميقة: - مين دا؟
السكرتيرة: - الاستاذ معتز، كان لسّه خارج من عند حضرتك من شوية!
لتشهق ريما بمفاجئة وتهتف وهي تسرع في خطواتها الى الخارج: - ايه؟ معتز!

دلفت ريما داخل غرفة المكتب بقسم الحسابات، لتجد معتز وقد استلقى فوق الاريكة يده فوق معدته فيما يصدر تأوها يعبر عن ألمه الشديد، اقتربت منه ومالت فوقه ومدت بدها بتردد وهي تقول:
- معتز. حاسس بإيه؟
ليلتفت اليها معتز محاولا رسم ابتسامة على وجهه يجيبها بصوت ضعيف متقطع: - ما تقلقيش، ش شوية تعب وهيروحوا لحالهم.

بينما أنطلقت من داخله إجابة أخرى على سؤالها عمّا يشعر به، تخبرها في صمت أنه لا يشعر إلا بها، وكم تبهجه لهفتها وقلقها عليه، حتى وأن كان محض صداقة عادية، فيكفيه أن تنظر اليه بعينيها النجلاوين هاتين حتى يطير أي أحساس بالألم ولا يبق سوى احساسه هو بها!

لم تكد أناملها تلمس صدره حتى قبضت عليها يدا سمراء قوية، ضغطت عليها بشدة كادت تفتتها، لتطالعه باستنكار ودهشة بادلها هو بتحد صامت، قال بعدها وبكل برود:
- أظن أنه فيه حاجة اسمها دكتور الشركة، المفروض تكلموه أول ما حاجة زي كدا تحصل، الأنسة ريما مش هتعرف تتصرف في الحالات دي!

السكرتيرة مبررة سبب استدعائها لرئيستها: - آنسة ريما هي اللي ادتني أوردر أي حاجة تحصل لأي حد من المتدربين الجدد لازم أبلغها على طول. وعموما أحنا كلمنا الدكتور فعلا، وهو جاي حالا.

وبالفعل لم تكن سوى دقائق حتى دلف الطبيب وبعد المعاينة سأل معتز أن كان قد تناول شيئا معينا فهو يشكو من معدته، ليخبره بأنه قد تناول شطيرة من الكبدة وهو يسترق النظر الى ريما بتردد بينما لم يفت عصام النظرات المتبادلة بينهما مما جعله يكتم غضبه بصعوبة فهو على وشك الانفجار فيها وقريبا جدا، تساءل الطبيب أن كانت من مطعم موثوق وأن كانت تحوي أي بهارات أو شطة، فاضطر معتز للاعتراف ايجابا بينما شهقت ريما بصوت مكتوم استرعت انتباه عصام، أنهى الطبيب الفحص وأخبر معتز أن السبب فيما أصابه أنه قد تناول طعاما حارا، وبما أنه يشكو من قرحة مزمنة بمعدته كما أخبره فذلك هو سبب ما حدث له، ووصف له بعض الادوية مشددا على ألا يأكل أي نوع من أنواع الأطعمة الحارة، ويجب عليه أن يتأكد من نظافة المأكولات فمعدته من النوع الحساس جدا.

ما أن انصرف الطبيب ومعه باقي الموظفون بينما توجهت السكرتيرة للاهتمام بأمر جلب الدواء كما أصوتها ريما، اقتربت ريما من معتز تقول واحساس بالذنب يكاد يقتلها:
- أنا آسفة أوي يا معتز، أنا السبب، بس أنت أكلته ليه وأنت المفروض ما تاكلش حاجة فيها شطّة؟ لكن أرجع وأقول أنا السبب، أنا اللي ضغطت عليك انك تاكل!

سؤال بارد انطلق بنبرة هادئة تشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة: - وانتي دخلك ايه يا ريما؟
ريما بزفرة تعب: - أنا اتغديت ساندوتشات كبدة ومخ انهرده، والأكل تقريبا الراجل كان متوصِّي بيّا زيادة فكان مغرّقه شطة، وعزمت على معتز وصممت أنه ياكل.

معتز بلهفة لا يريدها أن تشعر بالذنب ولو بقدر ضئيل منه: - لا لا ما تقوليش كدا، ما أنا لو مش عاوزه ما كنتش هاكله، ما تضايقيش نفسك يا ريما!

ريما! لا تنزعجي! ضغطت عليه ليأكل! من يكون هذا الغرّ الساذج الذي تلح عليه خطيبته هو كي يأكل من طعامها؟، كتم زفرة قوية وهو يتمتم بداخله أنه لو سمع منه حرفا اضافيا واحدا موجها لتلك العنيدة أو سمعه وهو يناديها باسمه مجردا فسيعمل على انهاء تعبه تماما. وذلك بانهاء حياته هو شخصيا، فيُريح ويستريح!

همّت ريما بالحديث عندما قاطعها عصام وهو يقبض على يدها يشدها ناحيته قائلا لمعتز دون أي التفاتة منه اليه:
- عموما أديك عرفت أنك لما تاكل حاجة المفروض متقربلهاش هتأذيك ازاي، ف خد بالك وما تكررهاش تاني!

وانصرف ساحبا ريما من يدها فاضطرت الانصياع له بينما بداخلها ترغب بالانقضاض عليه واشباعه ركلا وضربا و. عضًّا!

دلف عصام الى غرفة مكتبها لتسحب يدها من قبضته بقوة وتقف أمامه تفرك معصمها وهي تهتف بحنق وغضب:
- أقدر أعرف انت فاكر نفسك بتعمل ايه؟ ازاي تشدني من ايدي كدا وسط الناس؟
دنا منها عصام حتى وقف أمامها تماما ليرفع سبابته اليمنى يشهرها في وجهها حتى كادت تفقع عينها وهو يجيبها بهسيس غضب وحشي:.

- أحمدي ربنا أني ما طحنتوش من الضرب! هي كلمة ومش هعيدها الواد دا مالكيش علاقة بيه نهائي، وحكاية التدريب دي وانتي المسؤولة عنه أنا بقه هخلي عمي نزار يعفيكي من الموضوع دا، ماذا وإلا مافيش نزول للشغل، قلتي ايه؟

ريما بصدمة: - انت بتهددني؟! وبعدين شغل ايه اللي مش هنزله؟ انا هنا بشتغل مع بابا يعني في مالي، وانت مالكش دعوة، لما يبقى مالك انت ابقى احكم واتحكم فيه!

عصام بتهديد: - ريما. ما تستفزنيش!
ريما ببرود: - انتي اللي بتجيبه لنفسك!
عصام بتحذير ووعيد: - لا وانتي الصادقة انتي اللي هتجيبيه لنفسك بلسانك دا وعقلك اللي زي الحجر!
يعني ايه يا عصام؟ بتهددني! ...

مال عليها متحدثا بحزم بينما لمعت مقلتيه بعزم أشاع الاضطراب للحظة بداخلها: - مش تهديد يا بنت عمتي، انا بحط النقط على الحروف، انا مش هقف ساكت وانا شايف البيه بيبص لك ازاي، أنتي مراتي أنا، ولما أرفض أنك تتعاملي معه أو مع اي واحد ألاحظ بس أنه نظرته ليكي مش مجرد انك زميلة. ف دا من حقي!

هتفت ريما بغضب بينما احمرت وجنتيها بقوة فأضحت أشهى في عينيه: - وأنا قلت لك بدل المرة ألف لو كان معتز زي ما انت بتقول كدا بابا أول واحد كان نبهني، معتز وبكرر لك انه صديق وزميل، وما صدرش منه أي شيء يقلل من احترامي بالعكس، قمة في الذوق والاحترام معايا، لا عمره اتجاوز لا بكلمة ولا بنظرة ولا حتى تلميح!

زمجر عصام وقد شعر بالغضب الوحشي وهو يسمع مدحها في ذلك المغرم صبابا من تشي به عيناه بينما هي الحمقاء الغافلة عن ذلك، ليجيبها من بين هسيس أنفاسه الغاضبة:
- وما يقدرش انه يتجاوز معاكي لأنه لو عمل كدا ساعتها هيواجهني أنا، أنتي مراتي يا هانم، ولو مش مقتنعه اني أنا ليا الحق قبل عمي نزار أني أقبل أو أرفض أي حاجة مش عجباني، بسيطة، حلها سهل وموجود.

قطبت ريما وقالت بريبة: - يعني ايه؟
أحنى رأسه نظر اليها مسلطا عينيه على بؤبؤتيها اللتان تطالعانه في توجس وحيرة وأجاب ببساطة بينما تزين ثغره ابتسامة هادئة:
- فرحنا بعد شهر من دلوقتي، ايه رأيك؟ مفاجأة مش كدا؟!
لتطالعه ريما بذهول وصدمة وهي تفغر فاها في بلاهة واضحة متسائلة بغباء: - مين؟!
عصام بصبر وهو يشير اليهما: - انا وانتي حبيبتي، هيكون فرح مين يعني؟
ريما بغباء: - دا اللي هو ازاي يعني؟

عصام بابتسامة واسعة: - دا اللي هو فرح وزفة وزغاريد والعروسة للعريس والجري للمتاعيس، ايه رأيك يا عروسة؟

ريما بصدمة بالغة: - عروسة؟!، لا مش عروسة، متعوووووسة وأنت الصادق!

دلفت الى شقتهما، لتجد الصمت يلف المكان، فاتجهت الى غرفتهما، تضع حقيبتها جانبا، وتخلع حذائها، فها هي قد عادت الى منزلها بعد أن ترجتها ريما كثيرا، لتوافق في الأخير متوعدة له أن تذيقه أقسى صنوف العذاب ثمنا لوجعها العميق منه، والذي مهما قال أو برر لن يستطيع تبرئته!

لم تكد تقف بعد ان خلعت نعلها حتى تذكرت انها قد أغلقت هاتفها فاتجهت الى حقيبتها تخرجه وتعيد تشغيله لتفاجأ بعدد المكالمات والرسائل الفائتة، منه هو. لتضعه فوق منضدة الزينة وهي تبتسم بسخرية، قبل أن تلتف بغرض تناول ثيابها والذهاب الى الحمام للاغتسال عندما فوجئت به وهو يندفع الى الداخل متسائلا بلهفة محمومة والقلق مرسوم بوضوح على وجهه:
- نجوان!

لم تكد تفتح فمها للحديث حتى سارع باعتصارها بين ذراعيه بقوة كادت تُذهب أنفاسها وهو يردد بلهفة:
- الحمد لله، الحمد لله...
وبعد أن هدأ وجيب قلبه، انتبه الى جمودها بين يديه، ليقطب بخفة، وقد ابتعد قليلا عنها ولكنها لا تزال بين دائرة ذراعيه ليقول متسائلا بقلق حقيقي:.

- كنتي فين كل دا يا نجوان؟ موتيني من القلق عليكي، أنا ما رضيتش أقول لعمي حاجة، الاول افتكرتك روحتي عندهم، اتصلت هناك، اتفاجئت بعمي بيرحب بيا وبيعاتبني اننا ما روحناش زروناهم من اسبوع وأكتر، عرفت انك مش هناك، وموبايلك مقفول، ومش عارف أوصلك، لدرجة اني جريت زي المجنون أدوّر في المستشفيات والاقسام، كنتي فين يا حبيبتي؟

نجوان بجمود: - أنا كويسة الحمد لله، كنت مع ريما.
حمزة باستفهام: - وما قلتليش ليه؟
نجوان وهي تدفعه بعيدا عنها: - عادي، ايه اللي حصل يعني؟
قطب حمزة متشككا وقال بريبة: - يعني ايه. ايه اللي حصل؟ اللي حصل اني معرفش مراتي فين؟ ما قلتش ما تزوريش صاحبتك لكن أعتقد أنه من حقي أني أعرف أنتي رايحة فين، دا غير أنه نمرتها أنا معرفهاش.

نجوان بنظرة جامدة: - وأعتقد أنا كمان من حقي أني أعرف جوزي بيروح فين؟!
حمزة بشبح ابتسامة: - جرى ايه يا نجوان، هكون فين يعني؟ في المدرسة أكيد!
نجوان بابتسامة ساخرة: - يعني عاوز تفهمني انك مزوغتش انهرده مثلا يعني وخرجت؟

حمزة مقطبا وقد بدأ يشعر بالانفعال لتلميحاتها المبطنة والتي لا يفهمها: - اللاه. جرى ايه يا نجوان؟ انت بتلمحي لأيه بالظبط؟ عموما هريّحك. لا يا ستي. ما زوغتش لا انهرده ولا في أي يوم تاني، ارتحتي؟

نجوان بتهكم: - اممممم. على كدا بقه يبقى هي اللي جات لك!
حمزة بتوجس وريبة: - هي مين؟!
نجوان بقوة وقد نزعت قناع برودها الزائف: - الست مايا حبيبة القلب!
ارتسمت علامات الصدمة على وجه حمزة وهو يهتف قائلا بذهول وصدمة: - ايه؟ انتي بتقولي ايه؟

نجوان وقد انفلت غضبها من عقاله: - بقول أنك خاين وكداب يا حمزة، أنا شوفتكم انهرده بعينيا، شوفتك وانت شايل الست هانم وقبلها كانت واقفة في حضنك، ها، عندك تفسير لكدا يا بيه؟ ولا أظن هتقولي أنه دا تهيؤات ومش انت ولا هي دول اتنين شبهكم!

تصلّب حمزة ليقف أمامها يطالعها بغموض للحظات قبل أن يجيبها ببرود: - وبتسألي ليه يا نجوان وانتي أدنتِ وحكمتِ فعلا؟ انتي مش قلتي عليا كداب وخاين؟ يعني مهما بررت وقلت مش هتصدقيني.

نجوان بدهشة وقد ارتفع حاجبيها الى الاعلى: - يعني ايه؟ مافيش عندك سبب للي انا شوفته؟
حمزة بتهكم: - لا طبعا عندي بدل السبب أسباب، بس للأسف أنت خسرتي حقك انك تعرفيهم لما أدنتيني من قبل ما تسأليني وتسمعي مني، وعشان كدا. أنا آسف. مالكيش حقوق عندي، ولا ليكي انك تعرفي ليه وعشان ايه!

واتجه مغادرا الغرفة عندما صاحت بدون وعي منها: - يبقى انت خاين فعلا يا حمزة، طالما مش عاوز تواجهني يبقى خنتني فعلا. صح؟ رد عليا يا حمزة، مش عاوز تقولي ليه؟

وقف أمام الباب المفتوح واستدار نصف التفاتة ناظرا اليها بابتسامة سخرية باردة قبل ان يقول ببرود:
- عشان خاين يا، مراتي!
وغادر لتسمع بعدها باب المنزل وهو يصفق بقوة فارتمت خلفها على الفراش وقد انهارت في موجة طويلة من البكاء فيما تشعر بصدرها وهو يضيق عليها لتصدّق الآن فقط أنها، عاااااااااااشقة لزوجها، ولكن. ترى هل فات الأوان لانقاذ هذا الحب؟!

ارتفع رنين جرس الهاتف ليستقبل الاتصال الهاتفي بعد أن رأى اسم المتصل، وما هي الا لحظات وبعد بضع كلمات بسيطة كان فواز ينتفض واقفا وهو يقول بلهفة وقلق:
- بتقول ايه يا متر؟

كرر المحامي عبارته في حين تسمّر فواز مكانه: - بقول لحضرتك إدارة السجن بلغتني بأنه مدام سماح اتوفت انهرده الصبح، طبعا فيها وقت لغاية ما يتأكدوا أنه مافيش شبهة جنائية، يعني للأسف. لازم تشريح الجثّة، عموما ما تشغلش بالك بحاجة، أنا ههتم بالاجراءات اللازمة. البقاء لله.

وأنهى المحامي الاتصال لتقع يد فواز القابضة على هاتفه بينما غشيت عيناه نظرة ذهول وصدمة وعبارة واحدة تتكرر في عقله. سماح. ماتت، والشبهة. جنائية!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة