قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث

وقفت تراقبه في صمت وابتسامة شاردة تزين فمها المكتنز، لا تمل من التحديق فيه، وأن قضت عمرها كله واقفة هكذا تملي عينيها الهائمتين به دوما لن تشتكي.

تحبه! لا. بل كلمة الحب تبخس حجم مشاعرها ناحيته! فما بداخلها له يكفي ويفيض بل ويغرق الكون من حولهما!، وتعلم أنه يبادلها حبّها بآخر يماثله، وأن كان يحكمه بلجام اتزانه المعروف عنه، ولكن بينهما. وفيما هما بمفردهما، فهو لا يتوانى ابدا عن اظهار مشاعره و بجمووووح فلا تستطيع إلا ترك نفسها له، ليبحر بها في بحر لجيّ عميق، ذو مياه باردة، تطفئ حرارة شوقهما الملتهب، لتفاجئ أنه ما أن ينطفئ لهب فإن آخر يشتعل، ليحترقا بنيران عشق لا تنطفئ حتى يسكنا الى ذراعي بعضهما البعض بعد عودة من محيط حبهما العاصف.

انتبه لوقفتها أمام الباب ترتكز بظهرها اليه فيما تعقد ساعديها امامها تطالعه بابتسامة ناعمة على وجهها الملائكي، ليضع الكتاب الذي كان يقرؤه جانبا ويخلع منظاره الطبي المخصص للقراءة قبل أن يشير ليها بسبابته لتقترب منه وابتسامة عابثة تزين فمه الرجولي الحازم.
سارت حتى وصلت اليه ليدور على سيقان مقعد مكتبه الجلدي ويمد يديه يقبض على خصرها وفي لمح البصر كانت تجلس فوق ركبتيه!

همس لها وهو يدفن وجهه في خصلات شعرها الأسود: - وحشتيني...
أجابته بهمس مشابه وهي تطوق عنقه بذراعيها: - يا بكّاش، دا أنا معاك في الشغل وفي البيت، معقوله ما زهقتش مني؟!
أبعدها قليلا عنه وأجاب وهو يرفع يده اليمنى يحيط لها وجهها الصغير قائلا بصدق: - تصدقي أني انهرده طول اليوم وأنا حاسس بحاجة غلط عشان ما جيتيش الشغل معايا؟! الاستوديو كان رخم اووووي بصراحة...

ضحكت يارا بخفة وأجابت وهي تضع راحتها الصغيرة على وجهه لتخدش لحيته الخشنة نعومة كفّها: - مش بقولك بكاّش (نصّاب)! شكلك كدا هتسيب الاخراج وتروح التمثيل!
أسامة بزهو: - بصراحة المغريات كتير أوي، أصلي مكسب للفن السابع، بس انتي عارفة أنا حياتي ورا الكاميرا، مش قودمها (أمامها)!..
يارا وهي تميل لتقبل وجنته: - طيب لما نرجع نتناقش في السينما والاخراج، ألحق أنزل أنا عشان مش أتأخر على التصوير...

أسامة بتقطيبة خفيفة: - هتخلصي امتى؟
يارا ببساطة: - بصراحة معرفش، ضيف البرنامج انهرده سمعت انه نمكي (روتيني ويدقق على توافه الأمور) أوي، رفض الحلقة تكون على الهوا، عشان يسجل معنا براحته، والسؤال اللي يمعجبوش يحذفه مع انه معه الاسكريبت وعارف الاسئلة انما تقول ايه بقه. هيثم ثابت لازم يدقق على الصغيرة قبل الكبيرة.

لتنهض من مجلسها وتبتعد وهي تشير اليه بقبلة في الهواء فيما راقبها أسامة بتقطيبة أعمق وقد شرد للحظات انتبه بعدها لمغدرتها فأسره بمناداتها لتقف بانتظاره فيما أسرع هو اليها ليقف أمامها مستفهما: - هيثم ثابت؟ الممثل المعروف؟!

يارا بتلقائية: - هو بشحمه ولحمه، سوزان هتموت من الفرح من ساعة ما وافق اننا نستضيفه في البرنامج، عمالة تحضر في الاسئلة من وقتها، فرحانه بتقول لي عشان يعرفوا انه برنامج اخراج وتقديم بنات ولسه بيبدأ قدر يقنع هيثم ثابت انه يطلع فيه في الوقت اللي برامج كبيرة حاولت ما كانش موافق!
أسامة باستيضاح: - ما قولتيش يعني انه هيثم ثابت هو اللي هيكون ضيف الحلقة؟

يارا بترفع: - يا سلام. حضرتك ناسي انك مخرج لبرنامج منافس؟ والاعداد عندك ياما حاول معه وكان بيرفض؟ عشان بس تعرف انه كان عندك مساعدة مخرج مش ممكن تلاقي زيّها!
أسامة ويده تحيط بخصرها ويميل عليها لتلفحها انفاسه الساخنة: - وأدوّر عليها ليه وهي معايا في كل لحظة؟
لتقع عيناه على الزر الاول البلوزة الحريرية فمد يده يغلقه وهو يقول بحزم: - دا يتقفل كدا، وشعرك يتلم!، والروج تخفيفيه!

يارا بضحكة ناعمة: - يا حبيب قلبي انا مش هتحاور معه، انت ناسي؟ انا المخرجة، سوزان هي المذيعة، انا كل علاقتي بيه هتبقى من ورا الكاميرا. تمام زيّك!
قبض على فمها بيده ليهبط بوجهه عليها زارعا عينيه بين بندقي عينيها وهو يهمس بتهديد مفتعل: - اوعي أسمعك تقولي كلمة علاقة دي تاني. ها؟ ما تخليهاش تطلع في دماغي وأقولك يا ترجعي مساعدة مخرج يا تقعدي في البيت!

غابت ابتسامة يارا وهي تهمس بشجن: - كان نفسي أقعد في البيت، كان نفسي يكون عندنا اللي يخليني ما أقدرش (لا استطيع) ألتفت بعيد عنه، لكن ربنا ما أرادش!
ليزفر أسامة في تعب ويحتويها بين ذراعيه بحنان دافق وهو يهمس في أذنها قائلا: - حبيبة قلبي ربنا كريم أوي وكبير، وأنا متأكد أنه شايل لنا الأحسن.

يارا وهي تطوقه بقوة مماثلة بينما دموعها تهدد بالانسياب من خلف أهدابها المطبقة: - ونعم بالله. كان نفسي أوي بطفل شبهك، لكن.
أبعدها أسامة ليحيط وجهها براحتيه مجيبا بعزيمة محاولا بثّها فيها: - لكن قدّر الله وما شاء فعل، انتى عندي ب 100 ولد وبنت، انتى بنتي ومراتي وحبيبتي وكل دنيتي.

رفعت يارا عينين مغرورقتان بغلالة من الدموع وهمست بحزن: - وانت ذنبك إيه تتحرم من الأطفال؟ احنا جربنا بدل المرة اتنين وتلاتة والحمل كل مرة ينزل ما يستقرش في الرحم، دفعت مبالغ كبيرة اوي عشان عمليات التلقيح المجهري لكن...
ليعود ويقاطعها بجدية مرة أخرى: - لكن ربنا لسّه ما أرادش، دا كله رزق من عند ربنا، الاولاد رزق، الفلوس رزق، الصحة رزق، العمر رزق، الزوجة الصالحة...

وسكت يطالعها بعينين حانيتين ليردف بعشق صاف: - أكبر رزق. وأنتي رزق كبير أوي من عند ربنا، سبحانه وتعالى اختصني بيه، تفتكري أنى أفرّط في الكنز اللي ربنا اختارني أنا من بين كل البشر عشان يمنحه ليه؟ ما فيش أي شيء يعوّض ضفرك الصغير حتى، أنا بحبك يا يارا. بحبك...

نظرت اليه بعينين تقطران عشقا ولهفة وهمست بحب جارف: - وأنا بموت فيك يا أسامة، وخايفة ييجي اليوم اللي تلاقي نفسك فيه مشتاق لطفل منك، وقتها أنا هموت بجد، لأني ما أقدرش أستحمل واحدة تانية تشاركني فيك، أنانية عارفة لكن من امتى الحب ما كانش فيه ولو نسبة أنانية بسيطة؟ وكل ما الحب دا يكبر كل ما أنانية الحبيب تجاه حبيبه ما بتكبر أكتر وأكتر، وحبي ليك مش بس كبير لا، وأكتر بكتير مما تتخيل.

أسامة هامسا فوق شفتيها: - لو انتي بتحبيني فأنا، بعشقك.
ليختم اعترافهما الساخن بقبلة عشق ملتهبة، كادت تفضي بهما كما كل مرة إلى عالمهما الخاص لولا أن كانت يارا أول من انتبه من غيبوبة عشقهما الملتهب، لتبتعد عن شفتيه اللحوحتين وتهمس بصوت متحشرج: - هتأخر كدا.
زمجرة اعتراض خفيفة ندت عنه، قبل أن ينظر اليها هامسا بتوعّد: - تخلصي البرنامج وتيجي على طول، ولو أني كنت أفضل أني على الأقل أنا اللي أرجّعك.

يارا بابتسامة: - مالوش لزوم والله يا حبيبي، سوزان هتفوت عليا نروح سوا وهنرجع سوا، ما انت عارف هي ساكنة جنبنا...
لتلثمه بقبلة خفيفة فوق شفتيه قبل أن تتجه الى غرفتهما لتعيد ترتيب زينتها وتنطلق بعدها الى عملها وهي تتمنى أن يجري الوقت لتعود الى أحضان حبيبها سريعا.

كانت تغلق الباب خلفها حينما ألقى عليها السلام صوتا ناعما، فالتفتت الى مصدره لترسم ابتسامة رقيقة وتقول وهي ترد التحية: - وعليكم السلام يا منال، ازيك عاملة إيه؟
أجابت منال الشابة العشرينية العمر، وتحديدا بأواخر العشرينات بابتسامة حلوة أظهرت نغزة خدها الأيمن العميقة: - الحمد لله بخير...
ليقاطعهما صوتا صغيرا يقول صاحبه: - أزي أونكل أثامة (أسامة)؟

أخفضت يارا عينيها لتنظر الى طفل منال البالغ من العمر ثلاث سنوات وهو يمسك بيد أمه وقالت بابتسامة: - كويس الحمد لله. ازيك انت يا كابتن؟
هتف الطفل بحماس: - حاوز (عاوز) أثوفه (أشوفه)!
نهرته منال برقتها: - فريد، عيب كدا!
قلب فريد شفته السفلى في اشارة منه لحزنه فيما قالت منال بابتسامة اعتذار: - معلهش يا يارا، اتفضلي انتي، مش عاوزين نعطّلك...

هزت يارا رأسها واستأنفت هبوط الدرج حيث تقطن بالطابق الثاني بتلك البناية السكنية القريبة من حماتها، كانت منال تغلق الباب بهدوء خلفها عندما توقفت يارا على السلّم تطالع الباب حيث اختفت منال وطفلها خلفه وهي تفكّر في نفسها بتعب: ها هي جارتها الشابة. أرملة في الثامنة والعشرين من عمرها، ترعى وحيدها بمفردها، وتعيش معها حماتها والدة زوجها الراحل، والذي توفي في ريعان شبابه إثر حادث أليم أودى بحياته ولم يمهله القدر رؤية ابنه حيث رحل وكانت منال لا تزال حبلى في الشهر الثامن. لن تنكر أنها مرعوبة من أن ينتبه اليها أسامة في يوم ما، فهي أرملة صغيرة في السن ولديها طفل يهيم هذا الأخير عشقا بحبيبها والذي يبادله العاطفة، فهي تشعر انه يشبع عاطفة الابوة بفريد والذي أسمته أمه على اسم والده الراحل، تخشى أن يسمع لنصائح الآخرين والتي تخبره بضرورة الزواج بأخرى لتنجب له الولد الذي يتمنى. ومنال حلوة. أرملة. لديها طفل. وجارتهما منذ أن سكنا بعد زواجهما بالبناية، أي منذ ثلاث سنوات، والأهم. أنا باب شقتها مقابل لباب منزلهما، أي أن. الباب بالباب. كما يقولون!..

لتهمس بدعاء قبل أن تستأنف نزولها: - يا رب احفظهولي يارب...
سكتت لتكمل بحرقة: - واعمي عينيه عنها يااااااااااارب!..

- انتي بتقولي إيه يا همس؟ يعني أيه شافته؟!
هتف مراد بصدمة لتجيب همس بقنوط: - والله ما أعرف يا مراد، من وقتها يا حبيبتي وهي زي ما انت شايف كدا، ساكتة ومش بتتكلم. أنا بحمد ربنا أنه خالي أدهم كان عاوزكم انهرده عشان كدا مش طوّلنا في المطعم، الباقيين كانوا هياخدوا بالهم أكيد، وكويس أنك اعتذرت لخالي. عاوزين نشوف هنعمل ايه؟

مراد بجدية: - هي دي عاوزة سؤال؟ روحي ناديها يا همس عاوز أعرف بالظبط شافته إزاي، وقالها إيه؟
دقائق وكانت ريما تعود بصحبة همس حيث كانت قد لجئت الى غرفة ريتال ابنة شقيقتها الصغيرة ما ان رجعوا من الخارج، تاركة همس تفجر قنبلة عودة ذلك اللعين أمام مراد، وحمدت الله ان الصغيرة برفقة نادرين ابنة اسلام لدى ريتاج، حيث تركوا الاطفال قبيل ذهابهم لدعوة عصام...

وقفت ريما فيما طالعها مراد بصمت للحظات قبل أن يقول وهو يشير لها بالجلوس: - اقعدي يا ريما.
ولكنها رفضت وقالت بجمود: - ممدوح رجع إزاي يا آبيه؟!
زفر مراد بضيق في حين أردفت ريما وهي تطالعه بعينين خاويتين: - فيه ميّت بيرجع تاني؟
استنشق مراد بعمق قبل أن يخرج زفيره بيأس ويقول بتلكؤ بسيط: - اقعدي يا ريما وأنا هشرح لك.

ولكنها رفضت، لتبدأ قشرة جمودها بالانكسار وهي تهتف بقوة: - مش قاعدة يا آبيه، أرجوك تجاوبني. ممدوح رجع إزاي؟ فيه ميّت بيرجع؟ أنا من وقت ما شوفته وانا هتجنن!
سلط مراد عينيه عليها قبل أن يجيبها بجمود: - فعلا يا ريما. الأموات مش ممكن ترجع تاني!

شحب وجه ريما فيما شعرت أنها على وشك الاغماء لتتقدم منها شقيقتها تقف بجانبها تطالع زوجها بعدم فهم بينما همست ريما برعب وشريط الماضي يجري أمام عقلها: - تقصد تقول أنه ممدوح عا. عايش؟!
مراد بهزة بسيطة من رأسه الى الاسفل وصوت تتخلله نبرة أسف واضحة: - للأسف. آه!
همس بهتاف مذهول: - ايه؟! انت بتقول إيه يا مراد؟ ازاي عايش؟ أنتو مش قلتوا لنا انه مات في ضرب النار وقتها؟..

مراد بصبر: - لو تفتكري ريما أيامها كانت بتمر بحالة نفسية وحشة جدا، والدكتور اللي كان بيعالجها من الانهيار العصبي اللي جالها هو اللي نصح بكدا!
همس بحدة: - ازاي تقولوا انه مات وهو عايش؟ ازاي؟

هتف مراد بيأس: - كنتي عاوزانا نعمل إيه وأختك كانت في حالة نفسية زي الزفت، لا نوم ولا أكل عايشة ع الادوية والمهدئات، انتي ناسية انها قعدت أكتر من شهرين في مصحة نفسية بتتعالج من اللي جرالها؟ كان لازم نعمل حاجة تطمنها على الاقل عشان تبتدي ترجع واحدة واحدة لحالتها الطبيعية تاني، دا غير انه كان من سابع المستحيلات أنها تشوفه تاني!

ريما بصوت ميّت: - وأديني شوفته يا آبيه، وجاني (أتى) لغاية عندي. ومن طريقتك أفهم أنه الكل عارف انه عايش؟
زفر مراد بتعب وأجاب: - انتي وهمس وشمس وأكيد لبنى اللي متعرفوش، لكن الكبار عارفين، لأنه كل حاجة كانت على ايديهم!
تقدمت منه همس متسائلة: - هي إيه دي اللي كانت على ايديهم؟
أشار اليهم مراد بالجلوس وهو يقول: - طيب ممكن نقعد وأنا هشرح لكم كل حاجة؟!

انصاعت ريما وهمس لطلب مراد بالجلوس على الاريكة فيما شغل هو المقعد المواجه لهم، تحدث بعد زفرة عميقة قائلا: - انا مش عاوز أفكرك بفترة صعبة مرِّيت بيكي، لكن مضطر أرجع لسنة فاتت، وبالتحديد اليوم اللي خطفك فيه بعد ما فسختي خطوبتك ليه قبل كتب كتابكم بأيام.

ذكرى أيام سوداء أعادتها كلمات مراد لذهنها، وهي تستعيد مشهد الغرفة التي كانت سجنها في منزل ممدوح، معيدها بالجامعة، والذي خطبت اليه في آخر سنة دراسية لها، حيث استطاع نيل اعجاب والدها برزانته وثقله، وحده خالها أدهم من كان متحفظا معه، وكان دائما ما يخبرها بألا تتسرع بموافقتها، ولكنها كانت قد وجدت في ممدوح فرصة لها لتقطع على نفسها التفكير في عصام، والذي سافر دون أن يلقي نظرة اليها، لن تنسى ليلة سفره ومكالمتها اليتيمة اليه وهي ترجوه ألا يسافر، وقتها ظنّ أن ريما الشقية تتدلل عليه كما هو معتاد منها، لتفاجئه بهمسة من ريما الأنثى، وهي تقول بصدق واخلاص ردًّا على قوله لها من أنها سترتاح من مضايقاته لها بأنها ترضى بأن يزعجها كما يشاء ولكن، لا يتركها! وعندما نهرها عصام قائلا بجدية أنها لا تزال صغيرة وسرعان ما ستندمج مع عائلتها ورفيقاتها وتنساه، رافضا الفكرة التي تحاول زرعها بداخله، لتباغته بتصريحها الذي عقد لسانه بأنها، تحبه! ...

ألجم لسان عصام وقتها ومكث صامتا لعدة ثوان نادته فيها بحرارة كي يجيبها، وأجاب. ويا ليته لم يجب!، فقد انهال عليها تقريعا وتوبيخا قائلا أنها لا تزال في التاسعة عشر من عمرها، أي أنها مراهقة ولا تدري عما تتحدث، ولكنها أبت الانصياع لصراخه بها لتكرر على مسامعه اعترافها الأبله بعشقها الأبدي له، ليعمد عصام وقتها الى تهديدها أنها أن لم تتوقف عن تلك السخافات فسيخبر أمها، فمن الواضح أن عمته راندا قد سهت عن ابنتها الصغيرة ولابد من اعادة تربية لها!..

لتكون تلك آخر كلمات تبادلتها معه قبيل سفره، وتتبدل شخصية ريما تماما وكأنها أضحت أخرى غيرها، فرفضت الذهاب لتوديعه، وعندما حادثها على هاتفها أغلقت الهاتف دون أن تكلف نفسها عناء الرد عليه، وقد قررت أن عصام ابن خالها صفحة، وقد مزقتها من كتاب حياتها فلم يعد لها وجود!..

وبالسنة النهائية لها في الجامعة تقدم لخطبتها ممدوح حفني، ذلك المعيد الشاب الذي كان يحيطها بنظراته أينما ذهبت، فكانت مثار تندر نجوان، التي كانت تمزح قائلة أن معجبها الولهان لا يكل ولا يمل من النظر اليها وكأنه يحرسها بنظراته هذه!، ولكنها ترفض القبول بصحة كلمات صديقتها حتى كان يوم.

كانت يومها بمفردها فقد غابت نجوان التي أصابتها نزلة برد شديدة، لتشعر بالسأم فتقرر الذهاب الى مكتبة الجامعة، حيث انخرطت في إحدى كتب الشعر لشاعرها الانجليزي المفضل اوسكار وايلد حينما هبط عليها ظلّا من السماء، فرفعت عينيها لتراه وهو يقف أمامه مبتسما بخجل وتردد!

ألقى عليها التحية ليسألها ان كان وقتها يسمح فهو يريد الحديث معها حول أمر هام، وبطبيعة الأمر رفضت عرضه باللقاء بعد انتهاء الدوام في أحد المقاهي، وبدلا من ذلك أشارت اليه للجلوس أمامها قائلة بهدوء أنه أولا وأخيرا معيدها ولا يوجد خطأ في جلوسها معه أمام الجميع بين جدران الجامعة، ولكن الخطأ كل الخطأ إذا ما رآها أحدهم بصحبته خارج هذه الأسوار، وقتها ستبدأ الأقاويل وما أكثر مروجيها!

لتلمع عينيه اعجابا بها، ويجلس كما طلبت، ويبدأ بالحديث الذي تركها غير قادرة على التعليق عليه وقد فقدت قدرتها على الكلام، فهو يجلس أمامها يخبرها بكل هدوء أنه يعرفها منذ أن كانت بالمرحلة الثانوية، وتحديدا في الصف الثاني منها، ليذكر لها حادثة معينة كانت قد نسيتها تماما، وهي ذلك الشاب عامل التوصيل والذي سقطت من فوق دراجته البخارية بعد أن صدمه أحد الشباب الطائش بسيارته وهو يقودها بسرعة جنونية، وكانت وقتها تسير بصحبة زميلاتها متجهة الى سائقها، وما أن شاهدته وهي يسقط من فوق الدراجة على الأرض وقد حمت رأسه خوذته التي يرتديها من أن يصاب بجرح خطير به إثر وقوعه على الاسفلت، لتسرع اليه تعينه على النهوض، وتصمم على اصطحابه برفقة سائقها الى أقرب مشفى، حيث قام الطبيب بعمل الاسعافات اللازمة مطهرا لجراحه والتي كانت عبارة عن جروح سطحية وكدمات...

ولم تتوقف عند هذا الحد، فما أن ذكر أمامها السائق أن هذا الشاب سيضطر لدفع ثمن الطعام الذي لم يصل لطالبيه الى صاحب المطعم، ليكون كما قالوا موت وخراب ديار. حتى تسارع هي باعطائه النقود، وحينما رفض قالت له بابتسامتها التي أسرته أنه يستطيع اعتباره دينا عليه، وعندما سألها كيف سيراها ليعيد اليها نقودها أخبرته أن يساعد بها آخر، فهكذا يكون قد سدد دينه لها!

وتصبح هذه الفتاة شاغله الشاغل، ليجمع ما أمكن من معلومات عنها من حارس مدرستها، ويقوم بتتبعها حتى يعلم مكان سكنها، ومن يومها وهي تحت نظراته، وعندما سألته بذهول كيف يكون عامل التوصيل هو ذاته معيدها بالجامعة؟ أخبرها ببساطة أنه كان يعمل ويدرس في ذات الوقت فعائلته تعيش في الريف، أسرة بسيطة عائلها الوحيد هو أبوه، فيما قد تكفّل هو بالصرف على نفسه منذ أن اختار ان يكمل تعليمه الجامعي بكلية الفنون الجميلة بالعاصمة تاركا البلد وأهلها، وان كان يزورهم في الأجازات والمناسبات.

سكتت أمامه لا تعلم ماذا تقول ليستدرك هو بحرارة قائلا: - ما تتصوريش فرحتي كانت ازاي لما شوفتك في الجامعة، ما صدقتش عينيا، قلت معقولة ربنا استجاب لي وهتبقي قريبة مني وأقدر أشوفك!
ريما باعتراض: - أستاذ ممدوح لو سمحت.

قاطعها ممدوح بلهفة: - لو سمحتِ أنتي! أنت ما تتصوريش وجودك قودامي عمل فيا ايه؟، من وقت ما سيبتيني بعد ما خرجنا من المستشفى وأنا قررت أنى أذاكر وأكد وأنجح عشان أبقى (أصبح) حاجة تليق بيكي، ما انكرش انه كان حلم من احلامي اني اكون معيد في الجامعة، لكن لما شوفتك قودامي فعلا، في أول يوم ليكي في الكلية وانتي بتتلفتي حواليكي لغاية ما قابلتي صاحبتك وحلمي أني أكون معيد بقه هدف لازم أوصل له، عشان أقدر، أوصل لك!

شهقت بنعومة وتلفتت حولها لتلاحظ أن الطاولات المتناثرة حولهما لا يجلس اليها الا قليل من الطلاب، في حين أردف ممدوح وقد انفك لسانه من عقاله وغُلِّف صوته نبرة صدق دافئة: - عشان انتي نجمة عالية اوي بالنسبة لي يا. ريما!، تسمحي لي أقولك ريما من غير ألقاب؟..
اكتفت بهزة لا تكاد تُلاحظ من رأسها ايجابا ليتابع بحماس: - أنا مش مصدق نفسي بجد، ريما أنا، أنا بحبك وعاوز أتجوزك!

لترفع رأسها دفعة واحدة تطالعه بذهول تام، فيما انبرى هو يحاول اقناعها بأنه لديه المقومات الاساسية لبدء حياتهما الزوجية وأنه سيعمل على ألا تشعر بأي فرق في حياتها معه عن عيشتها بمنزل والدها العامر!

لا تعلم ماذا حدث بعد ذلك، فما بين مصارحته لها بحقيقة مشاعره، وتوجهه في اليوم التالي لوالدها في عمله ومقابلته معرفا عن نفسه طالبا يدها، ثم تحديد موعد للقدوم مع أسرته البسيطة المكونة من والديه وأخ آخر بالمرحلة الاعدادية وشقيقة متزوجة بالبلد لم تأت وقت قراءة الفاتحة ولكنها حضرت يوم الاحتفال بخطوبتهما...

أشياء صغيرة بدأت تلاحظها عليه بعد أن ارتدت خاتمه، تملكه الشديد لها، غيرته الجنونية عليها، حتى أنه كان يتشاجر معها ان صادف ووجدها تقبّل أخيها مهدي لدى رؤيته! الأمر الذي كان يسبب لها الضيق الشديد، ولكنها أبت أن تحكي إلا لهمس، فأمها التزمت جانب الحياد، فهي لم تجد فيه أمرا ينقصه كزوج محتمل لابنتها، ولكن هناك شيء يحول بينها وبين أن تشعر به ابنا ثان لها تماما كمراد!، ليتندر نزار ضاحكا أن محبتها لمراد من حبها لادهم والده، ولكن ذلك المسكين الآخر حظه التعس أنه ليس ابن أخيها الحبيب!

كانت همس تحاول اقناعها أنها لا تزال على البر كما يقولون، وكلما همّت بمفاتحة ممدوح بشأنهما كانت تتراجع ففرحته بها وكأنه طفل نال حلوى العيد...
حتى ذاك اليوم والذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون! كانت تقف مع أحد زملائها مع رفيقاتها وكان يحكي نادرة حدثت له وضحكت كالباقيين، لتنتبه لعينين تطالعانها بغضب ناري عنيف كادت دقات قلبها أن تقف من خوفها وقتها!

ليفاجئها بالاقتراب منها ومن دون كلمة كان يسحبها من ذراعها بقوة وعندما اعترضت صاح فيها هادرا، ليتدخل زميلها ذلك فما كان من ممدوح إلا أن سبه بشتيمة نابية، وهو يدفعه بعيدا عنه، ولكن الآخر لم يستسلم لينهره عمّا يفعل، ليطير صواب ممدوح كلية ويصفعه صفعة مدوية أمام الجميع ردّها له الآخر صفعات متتالية!

وكانت معركة وليست مشاجرة عادية، تم على إثرها توجيه انذار بالرفد من الوظيفة كمعيد لممدوح، فقد شهد الجميع بصف الطالب بما فيهم ريما، والتي اندفعت بعد التحقيق الذي أمر به عميد الجامعة دون أن تلتفت الى ممدوح الذي كان يناديها وهو يركض خلفها كالمجنون، ولكن رحمها الله بوصول همس لحظتها وكانت قد هاتفتها في وقت سابق ساردة عليها على عجالة ما حدث!

أسبوع كامل التزمت غرفتها ترفض الرد على اتصالاته المتكررة، تفكر جيدا في علاقتهما، لتكتشف أنها لم تبادل ممدوح الحب، بل أنها أحبت حبه لها. ليس إلا!

ما ان وصلت لقرارها ذاك حتى شعرت براحة نفسية عميقة، فهي في سنتها الدراسية الأخيرة وكان والدها قد أرجأ الزفاف لما بعد الانتهاء من الامتحانات النهائية، ووجدت أنها قد أضاعت الكثير من وقتها في ذلك الارتباط الفاشل، فهو قائم على حب من طرف واحد، وهو لا يستحق منها أن تخدعه وتوهمه بأنها تحمل له ولو نذر يسير من الحب، قد يكون الاعجاب لكنه أبدا ليس بحب...

وقام والدها بالاتصال به وطلب مقابلته ليذهب اليه وهو متوجسّا متسائلا عن سبب طلبه لزيارته بصوت شبه رسمي، ولم تكن ريما قد حكت لأحد عن حادثة الجامعة سوى همس ومراد، ولكنها أخبرت والدها أنها لا تشعر بالراحة لذلك الارتباط ولا تريد أن تستمر فيه أكثر من هذا، وبعد محاولات منه لاقناعها باءت كلها بالفشل انصاع لرغبتها ليخبر ممدوح في بضع كلمات مشفقة أن كل شيء قسمة ونصيب!

عبارة من أربع كلمات ولكنها أصابت الأخير في مقتل!، وحاول وبشدة مقابلتها والحديث معها ولكنها كانت قد أكدت على والدها أنها لا تريد الانفراد به، وأنه لن يفيد في شيء الكلام معه سوى أنه سيزيد الوضع سوءا، فقرارها نهائي لا رجعة فيه!

وحدها همس من تخوفت مما قامت به، وعنجما نقلت اليها مخاوفها تلك فهو لا يزال معيدا بنفس الجامعة التي تدرس بها أخبرتها بأنه أذكى من أن يقوم بأي شيء يعرّض مستقبله الجامعي للانهيار، ولكن ريما نست أنها بالنسبة الى ممدوح، مستقبله وماضيه وحاضره!

التزم ممدوح الهدوء التام، وتقبل قرارها بروح رياضية، وكانت تراه بين الحين والآخر في الكلية ليلقي عليها السلام متابعا طريقه دون الوقوف معها، وانتهت السنة الدراسية، واتفقت ريما على الخروج مع صديقاتها بعد الجامعة في آخر يوم من أيام الامتحانات، وأخبرت والدتها كي لا ترسل اليها السائق، يومها اعتذرت نجوان فعمها الكبير سيتناول طعام الغذاء لديهم ولا بد لها من الذهاب لمساعدة أمها وشقيقتها سلمى، لتستقل سيارة أجرة بمفردها، وكان آخر شيء تتذكره هو الطريق الغريب الذي سارت به لتفاجئ بممدوح وهو يطالعها بابتسامة شريرة قائلا: - مش ممكن طبعا تكوني فاكرة أني سلّمت بسهولة كدا؟ انتي حياتي. عارفة يعني ايه حياتي؟ وأنا مش ممكن أفرّط في حياتي أبدا!

لتسقط مغشيا عليها من شدة خوفها، وتستيقظ لتجد نفسها بمنزل غريب، وممدوح جالس أمامها يخبرها بأن هذا المنزل هو عش الزوجية الذي كان يحضره لها طوال تلك الاعوام، وأنها لن تفارقه، فهي منذ اللحظة زوجته. شاءت أم أبت!

وبالطبع قلق أهلها لغيابها خاصة وأن رفيقاتها قالوا أنها لم تقضي اليوم معهن، فيجن جنون نزار ومهدي وتنهار راندا في البكاء، فيما يخبر مراد والده بأمر خطيب ابنة عمته السابق، فيتصرف أدهم سريعا وفي خلال ساعات كانت قوة من الشرطة تداهم منزل ممدوح والذي علموا بمكانه من صديقه الوحيد الذي أخبرهم بطباعه الغريبة مؤخرا وبأنه كثيرا ما يردد أمامه أنه لن يفرط في حقه أبدا!

حاول ممدوح الهروب بها ولكن رصاصة رجل الامن التي أصابته في صدره جعلته يفك أسر ريما التي كان يحتضنها بقوة، ليمسح بأصابعه المخضبة بالدماء على وجهها وهو يسقط ببطء هامسا بابتسامة شاحبة: - عرفتي بقه أنى. ما. ما كذبتش لما. قلت. لك. أن. أنك أغل، أغلى من عمري!

وسقط مغشيا عليه فيما انتابتها نوبة صراخ متواصل لتنتزعها يدين قويتين تضمانها لصدر بعثت رائحته فيها الشعور بالحماية والامان، صدر خالها أدهم الذي هاتفه صديقه لواء الشرطة ما ان علموا بمكانه فلحق بهم الى هناك!

عادت من ذكرياتها السوداء على صوت مراد وهو يقول: - ما ماتتش، ممدوح الرصاصة كانت قريبة من القلب فعلا لكن ما ممتش، وطبعا كان فيه قضية خطف أنثى، دا غير مقاومة رجال الأمن وهدد بقتلك لما حاولوا ياخدوكي منه ودا اللي خلّا لظابط يضرب عليه النار عشان المسدس اللي كان معه كان بيهدد انه هيضربك بيه.

نعم، فقد وقف يضع فوهة المسدس فوق رأسها تماما كما تشاهد في الافلام، مهددا بأنه لو تقدم أحد منه فسيفرغ رصاصات المسدس في رأسها!..
همس بتساؤل: - ولما هو مش مات، وفيه قضية، ما اسمعناش عنها ليه؟
مراد بصبر: - بابا وقتها اتكلم مع مساعد وزير الداخلية أنه يوقف النشر في القضية عشان دي تعتبر سمعة بنت وعيلة وكدا، وبصراحة هو استجاب وأدّى (أعطى) أوامره بوقف النشر في الموضوع نهائيا.

همس: - وممدوح، اتحكم عليه بإيه؟..
مراد وهو ينقل نظراته بينهما: - القاضي حكم بإيداعه مستشفى الامراض العقلية، وطلب تقرير بحالته العقلية...
ريما بوجوم: - والتقرير قال ايه؟

تنهد مراد قائلا: - قال أنه المريض بيعاني من اضطرابات نفسية خطيرة، وأنه خطر على نفسه وعلى اللي حواليه، أنا روحت بنفسي للدكتور واتكلمت معه عشان أفهم بالظبط، قاللي باللفظ المريض عنده نوع خطير من أنواع الهوس، ممكن يخليه يأذي نفسه أو غيره!
همس بصدمة: - مجنون!
لتردف ريما بذهول: - هوس!

قال مراد بحزم: - المهم دلوقتي أنتي مش هتروحي في أي مكان لوحدك، والشغل مش لازم خالص اليومين دول، لغاية ما نعرف هو ازاي طلع، تقرير المستشفى انه جنونه من النوع الخطير جدا، يعني مش ممكن يطلعوه بعد سنة بس!
همس بإشفاق على شقيقتها الساهمة أمامها: - لازم بابا يعرف يا مراد.
مراد بتأكيد: - أكيد طبعا، عمي نزار وبابا كمان، وانتي يا ريما خليكي معنا هنا كم يوم لغاية ما نشوف هنعمل ايه!

برقت عينا ريما ونهضت واقفة وهي تقول باعتداد كبير بالنفس: - معلهش يا آبيه، لكن أنا مش هخاف وأستخبى، أنا هنزل شغلي وأعيش حياتي عادي، هو اللي المفروض يخاف أنه حد يشوفه، وأنا مش هسمح له أنه يرجعني لحالة التوهان اللي كنت فيها. انا عمري ما هنسى الساعات الصعبة اللي عدّت عليا وهو خاطفني، وأنا في كل لحظة تمر مرعوبة أنه ينفذ تهديده ليا لو ما وافقتش أني أمضي الورقة العرفي أنه هيتجوزني سواء بورقة أو من غير!، مش ممكن أنسى رعبي بعد ما أنقذتوني منه أنه هيرجع في أي لحظة وينفذ تهديده ليا، عمري ما هنسى اللي عمله فيا أبدا!

مراد بقلق: - وافرضي جالك، هتعملي إيه؟..
ريما بإباء: - ما تخافش عليا يا آبيه، أنا أقدر آخد بالي من نفسي كويس أوي، الرعب اللي حاسيت بيه انهرده لما شوفته سببه الاساسي أني كنت مفكّراه مات زي ما قلتوا لي. أنه ميت يرجع للحياة تاني بيتهيألي يخلي الواحد عقله يشت منه!

مراد بتفهم: - ماشي يا ريما، ومن جهتي أنا هكلم بابا وأشوف هنعمل إيه، لكن مبدئيا خليكي معنا انهرده، كلمي ماما يا همس وقولي لها انه ريما هتقضي الليلة معاكي وأنا هكلم بابا...
وانصرف مراد تاركا همس تحيط شقيقتها بيديها بينما لمعت عينا ريما ببريق العزم والاصرار، فإلى هنا وكفى. ممدوح حفني!

يرغي ويزبد، يسير رواحا ومجيئا بخطوات قوية كادت تحفر الأرض أسفلها، فهو يكاد يجن منذ عودته، ترى ماذا حدث جعلها طوال الوقت شاردة ولم تشترك في الحديث الا ببعض كلمات بسيطة لا أكثر؟!

نفخ بقهر وهو يمرر أصابعه في خصلات شعره القصير بنزق، فهو لن يهنأ له بال حتى يعلم سبب هذه الحالة الغريبة التي كانت عليها، ولم يسعفه الحظ فقد كان لزاما عليه أن يوافي أخيه وابن عمته عند خالهم أدهم في حين اعتذر مراد عن الحضور الأمر الذي زاده شكّا وريبة و. قلقا!، منذ متى ومراد يتخلّف عن حضور إحدى اجتماعات العائلة؟..

وقف يستند بيديه على ظهر الكرسي الخشبي عندما سمع صوت طرقات عالية، لينادي سامحا للطارق بالدخول، ناسيا أنه يقف لا يرتدي سوى بنطاله وقد نزع قميصه ما أن دلف الى غرفته، وما أن انتبه لجذعه المكشوف حتى كان الطارق قد دلف ولم يكن هناك مناص من أن يرى ما أخفاه عن عائلته منذ عودته!
تقدم إسلام مقطبا جبينه يتساءل بابتسامة متشككة وهو يشير الى ظهر عصام قائلا: - إيه دا يا عصام؟..

عصام ببرود: - اللي هو إيه يا إسلام؟..
إسلام بجدية: - جرى إيه يا عصام، أنت هتشتغلني؟!..
ومد يده بغتة يقبض على ذراعه يديره ليقابله ظهره ويشير ليه هاتفا: - إيه اللي في ضهرك دا؟..
استدار عصام وسحب ذراعه منه قبل أن يتجه ناحية خزانة الثياب يخرج بلوزة قطنية يرتديها وهو يقول ببساطة: - اللي أنت شوفته!
إسلام بدهشة: - اللي أنا شوفته دا زي ما تكون علامات، كرباج!

عصام بابتسامة ساخرة: - لا وأنت الصادق، جنزير حديد مش كرباج!
ليردف شارحا بطبيعية وكأنه يتحدث عن حالة الطقس: - لو كرباج مش هيسيب أثر واضح أوي كدا، لكن الجنزير هو اللي بيعمل علامات جامدة بالشكل دا، أصله بيشق اللحم بضمير!
هدر إسلام بصرامة: - بس!
ودنا منه حتى وقف أمامه يردف بصدمة: - انت بتتكلم كأنه الموضوع مش مهم؟! إيه اللي حصل يا عصام؟

طالعه عصام بغموض بادئ الامر قبل أن يجيبه وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة ظاهرة: - أبدا، أنت عارف عصابات الشوارع اللي في نابولي...
وهمّ بالسير حينما وضع إسلام يده فوق كتفه ليوقفه متسائلا بتقطيبة: - وأنت مالك ومال عصابات الشوارع؟

زفر عصام بعمق ثم أجاب بجمود: - حظي السيء خلّاني أكون موجود في حي من الأحياء المشهورة بالبلطجة هناك، واحد منهم وقفني عاوز يسرقني، وبعد ثواني الواحد بقه اتنين وتلاتة وأربعة، لكني رفضت، وطبعا حاولت أدافع عن نفسي، ومن حسن حظي أنه كان فيه دورية شرطة بتمر، طلعوا يجروا طبعا بس مش قبل ما يسيبوا لي التذكار اللي أنت شوفته على ضهري دا!

سكت إسلام قليلا قبل أن يجيب بريبة: - مش عارف ليه حاسس أنها مش دي الحقيقة!، لكن عموما حمد لله على سلامتك، وكويّس أن رجعت سليم، أمك مش حِمل أي مفاجأة من مفاجآتك.
ابتسم عصام وربت على ذراعه قائلا: - عمر الشقي بقي يا توأمي العزيز...
إسلام بابتسامة: - بقولك إيه، ما اشتاقتش لسهرة في البلكونة مع ماج (كوب) نسكافيه؟
عصام مرحّبا: - يا سلام يا سُلُم، عز الطلب. وعشرتين طاولة بقه ونرجع يوم من أيامنا اللي راحوا!

ليوافق إسلام بابتسامة وهو يقول فيما يتجه مغادرا: - هعمل النسكافيه على ما تجهز أنت القاعدة. ما تنساش. أرضي وفي البلكونة!
ما ان غاب إسلام عن عينيه حتى زفر بقوة مغمضا عينيه، ليفتحهما بعدها وهو يهمس بصوت منخفض: - يا ريت تصدق اللي قلته يا إسلام، بلاش تفتح باب مش هتقدر تستحمل اللي وراه!

هاتفت ريما نجوان صديقتها فأجابته بصوت بالكاد يظهر لتخبر أمها أنها ستتوجه لزيارتها بعد انتهاء العمل، وكان مراد قد أخبر نزار وأدهم بما حدث من ممدوح، وبعلاقات أدهم علموا أنه قد هرب من مستشفى الأمراض العقلية والشرطة تبحث عنه بكل مكان، وأقنع الضابط المسئول عن قضية هروبه ريما بأن تمارس حياتها بشكل طبيعي، فهي وسيلتهم الوحيدة للقبض عليه، فمن المؤكد أنه سيحاول التواصل معها بشكل أو بآخر، وأنه سيكون هناك من يراقبها ويحرسها من رجال الشرطة، ولم يعلم بهذا الأمر سوى مراد ونزار وأدهم فقط، حتى مهدي لم يعلم فيكفيه الكارثة المسماة شريف والذي يهدد حياته الهادئة مع زوجته الحبيبة...

طرقت ريما الباب ففتحت لها والدة صديقتها لتتجه الى غرفة الاخيرة، وبعد دقات صغيرة دلفت ليهالها منظر صديقة عمرها والتي ما أن رأتها حتى هرعت تلقي بنفسها بين أحضانها تبثها شكواها بكلمات مضطربة!

سكتت تنفخ بغيظ من تلك العنيدة التي لا ترى أبعد من أنفها، تدعو الله أن تعي كلماتها لها، لتتقدم منها بعدها محيطة كتفيها النحيفتين بذراعها وهي تقودها أمامها لتجلسا على الأريكة الصغيرة التي بالكاد تسع لشخصين في غرفة الأخيرة، استنشقت ريما نفسا عميقا وقالت بصبر: - نوجة حبيبتي حاولي تفهميني، حمزة مش وحش أوي كدا عشان ترفضي بالصورة دي، انا مش فاهمه سبب الهوجة اللي انتي عاملاها دي كلها؟ مش دا حمزة اللي انتى متربية معه عمرك كله؟ دا احنا يا بنتي واحنا صغيرين كنا بنسميه البودي جارد بتاعك، ايه اللي حصل؟

نظرت اليها نجوان وهي تحاول حبس دموعها التي بللت أهدابها البنية اللون الكثيفة وقالت بصوت مجروح فيما تهدلت خصلات شعرها العسلية اللون حول وجهها الأحمر: - انتي قلتيها بنفسك. اتربيت معه عمري كله، يعني أخويا، وأنا مقدرش أتجوز أخويا يا ريما. مقدرش!..
قطبت ريما وقالت بغير فهم: - ومن امتى عمي عبد الحميد بيجبرك على حاجة؟ ولا طنط فردوس حتى؟!، وبيتهيالي انه حمزة مش هيرضى انك توافقي عليه وانتي مغصوبة!

ابتسمت نجوان بمرارة وشخرت تجيبها بسخرية: - وإذا كان حمزة نفسه كمان رافض الارتباط دا؟! وبيقول أني. أخته الصغيرة!
حدقت ريما بذهول هاتفة بصدمة: - نعم!، أومال فين المشكلة؟
نجوان بمرارة: - المشكلة أنه عمرو أخوه هيسافر بره يكمل دراسات عليا وكلنا عارفين من زمان انه وسلمى اختي فيه بينهم استلطاف، وبما أن السفر خلال شهر، فعمّي شوكت فاتح بابا فعلا في موضوعهم.

ريما وهي لا تزال لم تفهم أين الخطأ: - طيب انتي وحمزة مالكم وخطوبة عمرو وسلمى؟ عشان انتي الكبيرة يعني فباباكي رافض؟ بس حمزة كمان الكبير وعمك فاتح باباكي في موضوع عمرو! نجوان انتي بتتكلمي بالألغاز ليه؟
نجوان بيأس: - لأنه عمي ما فاتحش بابا في موضوع عمرو وسلمى بس. لا، واتكلم عني أنا كمان وحمزة!
قطبت ريما مكررة: - انتي وحمزة! اتكلم عليكم في ايه؟

نجوان بسخرية حزينة: - عاوز ياخد البنتين للولدين، يعني.
قاطعتها ريما بذهول: - يعني عمرو وسلمى وانتي و...
أومأت نجوان بالايجاب مكملة بمرح ساخر: - وأنا وحمزة!، إيه رأيك؟
ريما باهتمام: - وعمي عبد الحميد رأيه ايه؟

نجوان وهي تكاد تبكي لتفلت دمعة وحيدة جرت تجرح حرير بشرتها الذهبية: - عمك عبد الحميد وكالعادة كلمة أخوه سيف على رقبته، وعلى أد ما هو طيب وحنين معنا لكن طول عمره مشغول باله باننا بنتين ومالناش أخ ولد ياخد باله مننا بعد عمر طويل، عشان كدا فرح لما عمي شوكت كلمه، وبدل على الاقل ما يعزز بنته ويقول له هقولهم وأرد عليك. تخيلي عمل إيه؟
ريما بقلق: - عمل إيه؟

نجوان وهي على شفا الانهيار: - مد إيده وقال له. إيدك يا حاج نقرا الفاتحة!
هتفت ريما بغير تصديق: - ايه!
نجوان بأسى: - هو بنفسه اللي حكى لنا بعد ما عمّي مشي وهو بيهني سلمى واستغربت وقتها انه بيبارك لي انا كمان! لكن لما بابا قال لنا على اللي حصل عرفت انه مش كان بيبارك لي زي ما اعتقدت عشان خطوبة اختي لا. كان بيبارك لخطوبتي انا كمان!
ريما بلهفة: - طيب ما اتكلمتيش ليه مع باباكي ولا.

قاطعتها نجوان باختناق: - للأسف يا ريما، بابا قال كلمة، ولما بيقول كلمة مش ممكن يرجع فيها أبدا، دا غير أنه عمرو عاوز ياخد سلمى معه وهو مسافر، يعني لازم يكونوا متجوزين وقتها!
قطبت ريما متسائلة في ريبة: - يعني...
نجوان بحزن تام: - يعني الفرح، بعد شهر، هيسافروا بعد الفرح على طول، بس مش هيكون فرح واحد، لا، هيبقى فرحين!
شهقت ريما بذهول: - تقصدي أنتي و...

نجوان وهي تهز رأسها الى اعلى واسفل قائلة بتعب: - أيوة يا ريما، عمرو وسلمى وأنا حمزة. فرحنا بعد شهر، وكتب لكتاب بعد أسبوع، إيه رأيك يا صاحبة عمري؟ يحق لي أنهار ولا لأ؟
ريما باهتمام: - وحمزة؟ رأيه ايه؟
نجوان بتعب: - ما شوفتوش ولا تكلمت معاه، بس اللي عرفته من فدوى أخته أنه اتخانق مع باباه خناقة جامدة جدا. ومن ساعتها وهو طول الوقت ساكت!
ريما بتعاطف: - ما يمكن حمزة بعد فكر لاقى أنه ميال ليكي و.

نجوان هاتفة بأسى: - ميال ايه يا ريما؟ حمزة بيحب واحدة زميلته من ايام الجامعه وحكايته معها أعرفها يوم بيوم وساعه بساعه، دا غير أنه. عرفني بيها!
ريما بذهول: - انتي تقصدي تقولي أنه.
نجوان وقد انهمر سد مقاومتها لتجري دموعها بقوة كالشلال المنساب: - حمزة بيحب يا ريما بيحب، فاهمه يعني ايه؟ يعني هيتجوزني على ضُرّة، هيكون لي ضرّة يا ريما وأنا أساسا ماليش ذنب. والله مالي ذنب!

ورمت بنفسها بين أحضان صديقتها الوحيدة تبث هموما ولواعج قلبها وتسكب دموعها بين يديها ترثي أحلاما وئدها والد مبرره الوحيد أنها، فتاة!

بعد أن هدأت نوبة بكائها نظرت بعينين منتفختين الى ريما قائلة بصوت مكتوم من أثر البكاء: - معلهش يا ريما نكدت عليكي، أنتي أخبارك ايه يا حبيبتي؟
ريما بعتاب: - كدا بردو؟ يعني أنا لما بحكي لك مشاكلي أبقى بنكد عليكي؟ عموما يا ستي أنا أخباري ولا أفلام كرومبو!
نجوان مقطبة بغير فهم: - نعم! كرومبو؟! يعني إيه مش فاهمه؟
ريما بشبح ابتسامة ساخرة: - يعني ممدوح حفني رجع تاني!

هتفت نجوان بذهول تام: - إيه؟!، إزاي وامتى وفين؟
ريما بعينين ثابتتين: - هحكي لك!

كاد مهدي يفتك بذلك المتغطرس الجالس أمامه يتحدث عن زوجته هو بكل صفاقة ووقاحة!..
نظر أدهم الذي أشار لمهدي كي يهدأ الى شريف المبتسم بثقة وغرور وقال: - إيه اللي يخلينا نقبل باللي أنت بتقوله دا؟ يعني أي قاضي مش ممكن هيحكم لك بالحضانة، خصوصا وأننا معنا الاثباتات اللي بتقول أنك ما كانش ليك أي علاقة من قريب أو من بعيد بأحمد، حتى العملية بتاعته أتعملت على حساب الشركة اللي مامته بتشتغل فيها!

شريف ببرود تام: - موضوع مرض أحمد. – سكت قليلا مردفا وهو يضغط على الأحرف – ابني. محدش له الحق أنه يتكلم معايا فيه أو يسألني أو حتى يحاسبني غير انسان واحد بس...
وسكت للحظات قبل أن يتابع باستفزاز لذلك المتحفز القابع أمامه على وشك الهجوم عليه لولا أقربائه الذين يقفون حوله يحيطون به كحائط عازل: - الانسان دا هو، لبنى، أم ابني. و، مرا...

لم يكد يكمل الكلمة حتى كان مهدي قد قفز من مقعده أمامه ليطبق على عنقه بقوة هادرا بعنف فيما عيناه تلمعان بوحشية: - أقسم بالله لو جبت أسمها تاني على لسانك ما هيحصلّ لك كويّس!
نهض أدهم واقفا في حين أسرع مراد يبعد يدي مهدي عن عنق شريف بينما قال عصام بقوة: - مافيش راجل محترم يتكلم عن واحدة متجوزة وقودام جوزها. يا، محترم!
سعل شريف كثيرا وهو يعب من الهواء فقد كاد ذلك المجنون أن يقتله!

تقدم أدهم منه ليقف على بعد خطوات وهو يقول بحزم: - أعتقد أنك طلبت تقابلنا انهرده عشان نتكلم ونتفاهم، لكن اللي أنا شايفه أنك جاي تستفزنا، فلو انت عندك وقت عشان تضيّعه للأسف أحنا مش فاضيين لمهاتراتك دي، المحامي بتاعك يقدر يتواصل مع المحامي عندنا، ولو فعلا أبوتك صحيت بعد أكتر من 8 سنين يبقى هتسيب أحمد لوالدته، ومش ممكن هتحرمها منه، لكن لو لأ. يبقى الموضوع مش ابن افتكرته بعد السنين دي كلها، والموضوع أكبر من كدا، وأعتقد أنه فضل الرازي مش هيعجبه اللي بيحصل منك!

هتف شريف بذهول غاضب: - انت بتهددني؟!
أدهم ببرود تام: - زي ما أنت بتهددنا!، أحمد له عِيلة كبيرة تقدر تدافع عنه وتحميه، فمن مصلحتك يا تقول بالظبط انت عاوز إيه، يا تنسى أحمد زي ما نسيته السنين اللي فاتت دي كلها!
شريف بعد صمت طال لثوان: - تمام، أنا هقولك أنا عاوز إيه!
نظر في الوجوه من حوله قبل أن يتحدث بابتسامة حاقدة: - أنا عايز، مراتي. وابني!
مرات مين يا ابن ال ...

ليقبض مراد وأسلام على ذراعي مهدي في حين وقف عصام بجانبه بينما هدر أدهم بصرامة: - أظن اني قلت لك استفزاز لأ، بس واضح كدا أنك مش مهتم بالكلام. تمام. نروح للفعل!
وفي ثوان أخرج هاتفه الشخصي ليضغط على أسم من قائمة الأشخاص لديه بالهاتف وينصت قليل قبل أن يقول بصوت جهوري واثق: - معاك أدهم شمس الدين، عيد التقرير اللي قدمته ليا من شوية.

ليفتح مكبر الصوت ومعه بدأ رجل أدهم بالادلاء بالمعلومات التي جمعها عن شريف والذي كان مع كل كلمة يسمعها تجحظ عيناه وتحمر أذناه وتنتفخ أوداجه غيظا وقهرا، ليصرخ عاليا: - كدب. كدب!
ابتسم أدهم بسخرية قبل أن يشكر رجله ببضع كلمات وينهي المحادثة ثم يلتفت الى شريف قائلا ببساطة: - تفتكر لو فضل الرازي عرف انك متجوز على بنته، ومين، واحدة من مستوى وضيع، هيعمل إيه؟..

شريف بحقد: - هتندم على اللي عملته دا، مش شريف المسيري اللي يتفتش وراه!
أدهم بقوة: - ومش أدهم شمس الدين اللي يسيب حشرة زيك تضايق حد من عيلته، هي كلمة واحدة، شيل أحمد من دماغك خالص، يا كدا، يا مش بس خبر مراتك التانية اللي هيتعرف. لا، وأرصدة البنوك المتهربة كلها وبالمليم هتكون على مكتب النائب العام. وابقى جاوب على السؤال. من أين لك هذا؟ .

شريف بسخط: - أنا شريف المسيري، عيلة المسيري معروفه كويس جدا، ومعروف عندنا إيه وإيه الاملاك اللي نملكها.
أدهم ببساطة: - تمام. ويا ترى حجم تعاملاتكم يوازي ثروتكم اللي في مصر واللي. متهربة في بنوك سويسرا؟!
سكت شريف ليردف أدهم بحزم: - هي كلمة واحدة، تنسى أحمد، هنساك أنا شخصيا...

ليبتعد شريف مغادرا دون كلام حتى إذا ما وقف أمام الباب استعداد للمغادرة التفت لمن يقفون يطالعونه بشر يتقافز من أعينهم ليقول بجمود: - وأنا مش بتهدد، وقضيّة ضم أحمد لحضانتي هرفعها، وهكسبها، إلا في حالة واحدة بس. هي دي اللي هخسر فيها الحضانة.
صمت يطالع أدهم الذي وقف يبادله النظر بغموض ليردف بعدها رافعا طرف فمه بسخرية: - وأظن أنت عارف إيه هي؟!

لينصرف مغلقا الباب خلفه بهدوء، فالتفت مهدي لخاله يسأله عمّ عناه ذلك الوغد ليجيبه أدهم بجمود: - الحالة الوحيدة اللي يخسر فيها حضانة أحمد لما ينتفي السبب اللي عشان رفع قضية الضمّ!
مهدي مقطبا: - يعني إيه؟
تقدم مراد مربتا على كتفه يجيبه بصوت قاس: - يعني، تطلق لبنى يا مهدي!
ليجزع مهدي صائحا بغضب وصدمة: - إيه؟!

والتف رجال عائلة شمس الدين حوله، يطالعون الباب حيث انصرف ذاك اللعين، وقد برقت أعينهم بنيران غضب أن أطلقت من سراحها فستأكل الأخضر واليابس، ليتقدم كبيرهم واقفا أمامهم وقد عقد ساعديه فيما أمرا واحدا يتردد في أذهانهم في نفس الوقت. أنه آن الآوان ليعلم أن نساء عائلة شمس الدين خطّا أحمر ممنوع منعا باتا المساس به أو الاقتراب منه ولو بالتفكير! ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة