قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والعشرون

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والعشرون

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والعشرون

منذ أن غادرا بحجة واهية يخبروا والدة جاسر أن مهمة ما طارئة قد حدثت ولابد من مغادرته على الفور، ولكن لم يخفي الأمر عن والده الحبيب الذي يشعره أن بالفعل سبحان من وفق لا يجعل الزوجات متنافران، بل متناسقان كلاً منهم يكمل الاخر...
لم يسمع صوت أسيل منذ أن استقلا السيارة، وكأن السعادة التي تتلبسه كتمت نغمات صوتها المثرثرة!
إلتفت لها بهدوء يسألها:
-مالك يا أسيل؟

كزت على أسنانه تحاول تمالك نفسها من الإنفجار في وجهه:
-مفيش منا كويسة!
هز رأسه نافيًا بأصرار:
-لأ، في حاجة مش طبيعية، إنتِ تتحسدي من ساعة ما ركبنا مابتتكلميش
إختناق، إختناق قاتل ذاك ما يحيطها بهالة صلبة تُحجر حركة الدقات حتى!
رفرفة العشق تحولت لكومة رماد يُزيحه هواء الغضب الحارق رويدًا رويدًا...
لم تنظر له وهي تتشدق ببرود لا ينتمي لأعاصير بركانية داخلها بصلة:
-لأ عادي، مليش مزاج أتكلم في أي حاجة.

أمسك بيدها التي تضعها على فخذيها يتحسسها بحنان لم يفتقده يومًا في تعامله معها:
-فيكِ حاجة مش طبيعية، بجد في إيه؟
صرخت فيه بنفاذ صبر:
-يووووه، ملكش دعوة بيا سيبني حتى اولع بقا!
كاد يصرخ فيها بحنق ولكنه كان كالأرض التي إنشقت وإبتلعت سوادها بين بواطنها قبل أن يعود ويهتف من جديد:
-طب ممكن تهدي يا أسيل ونشوف المشكلة فين ونحلها؟

عضت على شفاهها بقوة، المشكلة تكمن بين جوانب حياتهم، حياتهم تلك التي كادت تستعجبها عندما تصبح دون شوائب!
تشعر أن هناك نقطة سوداء تتمحور حولها الأحداث الهادئة او حتى المتقلبة ولكنهم في النهاية يعودون لها...
نظرت له هذه المرة بلمعة الدموع التي شكلت طبقة عازلة في عينيها، ثم أجابت بصوت مبحوح:
-المشكلة فينا إحنا يا جاسر، أحنا اللي بنعمل حياتنا، وللأسف احنا مش عارفين نعيشها كويس!

ازداد قلقه من بحة صوتها التي أيقظت حواسه للنكسة التي كادت تصيب علاقتهم، فسارع يسألها:
-طب ممكن أعرف إيه هي المشكلة، يمكن نعرف نعيشها كويس
تنهدت بصوت عال قبل أن تخرج هاتفها ببطئ لتفتحه على تلك الصورة التي حرقت جوانحها ما إن سقطت عليها عيناها، ومدت يدها له...
ولكنه لم يُصدم مثلها، لم يكفهر وجهه مثلها، لم يتطبع بطابع الصدمة المأخوذة بل كان ثابت تمامًا، ليسمعها تهمس بسخرية مريرة:
-إيه عادي؟

رمى الهاتف لها ببساطة لينظر أمامه مطولاً قبل أن يصدح صوته مؤنبًا:
-عشان دي كنتي بتزعقي كدة؟ طب انا معايا فيديو تحبي تتفرجي عليه!؟
كادت تحترق داخليًا من ذاك البرود الذي ينعكس تأثيره عليها، فزمجرت فيه بعصبية خفيفة:
-جاسر بطل البرود ده بكرهه، مين البت دي؟
رفع حاجبه الأيسر يتلاعب بأوتارها الحساسه:
-دي؟ دي فتاة ليل، دي شغلانتها يعني
شهقت مصدومة من إعترافه الصريح، لم ينكر كباقي الرجال في موقفه هذا!؟

ولكن لمَ، هو جعلها تعتاد منه على المختلف دومًا!
سألته مرة اخرى بصوت بدأ يميل للأختناق الصامت:
-جاسر لأخر مرة هسألك مين البت دي؟
هنا تخلى عن رداء بروده الرقيق ليصرخ بوجهها بعصبية أبرزت عروقه:.

-فيها إيه لو سألتيني كدة من بدري، بس لأ ازاي إنتِ لازم تنكدي علينا مهو طبعك ولا هتشتريه، على العموم هو ده نفس السبب اللي كان مفروض نتطلق عشانه يا أسيل، إنتِ عارفه إني ظابط وظابط اداب، يعني طبيعي اتعرض ل مهمات زي كدة، البنت دي كانت هتوصلني ل حاجة مهمة جدا عشان كدة دخلت لها على اساس اني زبون عادي، العصابة دي مش سهلة دي بتتاجر بالبنات، عرفت انهم بيراقبوني تقريبا عايزين يخلصوا مني، فمكانش مني الا ان روحت البلد، اتهوهم شوية عقبال ما اهدى واشوف هعمل اية، لكن اتفاجأت إنهم قرروا التنفيذ في البلد وكانوا عاوزين يأذوني فيكِ، وأنا مش هستحمل إنك تتأذي بسببي يا أسيل!

كانت تحدق به مبهوتة، هو قوي، هذا هو، هو جدار متين دائمًا يعكس شكها بالخزي عليها!
إلى أن قالت بصوت واهن:
-وأنا مش هقدر ابعد عنك، أنت لسة مش مقتنع إني بحبك؟ وهموت من غيرك فعلًا!
حاول الإبتسام بحنان يهمس لها وهو يطبع قبلة عميقة على باطن يدها:
-عارف يا حبيبتي، عارف ومقتنع، عشان كدة مش هبعد عنك، ومش هسمح لحد يأذيكِ لو على موتي!
أغمضت عيناها وهي تتشبث بيده بقوة قبل أن تهمس:
-بعيد الشر.

ومن دون مقدمات كانت سيارة اخرى تلاحقهم، وصوت إطلاق النيران يدوي خلفهم، وبالطبع معروف من يلاحقوه!

بدأت شهد تستيقظ على شيئ لزج يُعيق نومتها بهناء، شيئ يحيط وجهها كله، فتأففت عدة مرات قبل أن يتفارق جفنيها ببطئ لترى ابتسامة عمر الواسعة وهو مقترب منها...
عقدت حاجبيها تسأله بهمس:
-في إيه يا عمر!؟
حاول منع ضحكاته بصعوبة من الظهور ليرد بجدية زائفة:
-ولا حاجة يا شهدي
نهضت لتمد يدها تتحسس وجهها فكانت لها الصدمة أن شعرت ب شيكولاته تحيط فمها قليلاً وتكثر جدًا على شفتاها الوردية!

فشهقت متأثرة بمظهر شفتاها اللزجة:
-ايييية ده! اية اللي عمل فيا كدة؟
رفع كتفيه يرد ببراءة مصطنعة:
-معرفش يا حبيبتي، انا جيت اصحيكي لقيت شفايفك كدة وحولها طراتيش، الظاهر العفريت ولا حاجة
كزت على أسنانه كاملة بغيظ حتى اصدرت صوتًا واضحًا، ثم صرخت فيه بغل:
-حراااام عليك انت مش هترحمني من مقالبك دي بقا!؟

هنا إنفجر كتمان ضحكاته فأصبح يضحك بصوت عالي، برغم سحر ضحكاته التي كانت دومًا تأسرها بين غلال العشق، إلا أنها غمغمت متذمرة وهي تتجه نحو المرحاض:
-اووف اوف انا حاسه إني عايشة مع ابن اختي مش واحد عنده 32 سنة
سحبها من يدها فجأة لتسقط على الفراش وهو فوقها تمامًا يحاصرها بما يجعل قلبها في حالة ثوران اضطراري، فهمس وهو يقترب منها ببطئ:
-تؤ تؤ، مهو انا عملت كدة عشان هدف أكيد
ضيقت عيناها تسأله بشك:.

-هدف إيه ده يعني حضرررتك من بهدلتي بالمنظر ده؟
وكانت شفتاه التي إلتهمت شفتاها بنهم وكأنه يتذوق الشيكولاته بل يستلذ بها من بين شفتاها خير جواب أشعل فيها نيران العشق والهوى...
أغمضت هي عيناها مستمتعة بلهيب مشاعره الذي يجبرها على التجانس بخليط مشاعره الكاسحة، بينما هو لم يترك شفتاها او الشيكولاته إلا ليتنفس قليلاً ويعود تقبيلها ببطئ بعد أن همس:
-عرفتي لية!؟
سألته بحروف متقطعة وهي مغمضة العينين:
-لية!؟

رد دون تردد برومانسية:
-عشان ادوقها من شفايفك، استطعمها اكتر
إبتلعت ريقها مستجيبة لعمق لمساته التي اغرقتها في لذة لا تنتهي ولا تنقص، بل يزداد عمقها حد الغرق فيها!
واخيرًا ابتعد عنها ببطئ يلهث، ليسألها بخبث غامزًا لها:
-إيه رأيك طعمها ازاي؟
فلم تشعر بنفسها وهي تبادله بهمس ذاك الجنون:
-دوقها أنت!

منذ أن غادر كلاً من عبدالرحمن ورضوى وطفلتهم من المستشفى التي اخبرت عبدالرحمن بوضوح المدام عندها هبوط عام بس، لانها مش بتاكل كويس ولا بتتغذى وتقريبا مش بتنام كويس وفي ضغط نفسي، انا كتبت لها على ڤيتامينات ياريت تلتزم بيها لحد ما تسترد صحتها، وشفاها الله وعفاها ...
كلمات الطبيب ترن بأذنيه حتى الان، وكأنها تتعلق بذهنه اكثر فتجعله حانق بل وكاره والدته اكثر واكثر!

لم يتخيل أن يكون كل ذلك خيال منسوج من كره متعمق، بل ومخططته من ظن أنها اقرب له من حبل الوريد!
تأتيك الضربة من حيث لا تدري ولا تحتسب...
وتزداد اضرارها وتعمقها حين تُزال الأقنعة فتنال أنت الطنعة التالية...!
وهو ليس قوي ليتحمل فراغات مميتة بحياته، هو شخصًا هُدمت منتصف حياته واصبحت وكأنها تقف على قدم واحدة!
إنتبه لرضوى التي انتهت لتوها من سرد كل ما حدث معها بقولها:.

-مكنتش عارفة انا لية ضعيفة قصادها كدة! او حتى ازاي استسلمت لها، بس كأنها مجربة الشعور فأختارت نقطة الضعف الصحيحة بنتي كانت الحاجة الوحيدة اللي خايفة منها فعلا، وخصوصا انها جابتها لحد عندي يعني مش صعب تجيبها لحد الموت، او حتى ترميها في الشارع!
اومأ موافقًا بهمس:
-صح، معاكِ حق.

كانت تدري جيدًا وقع كلماتها على نفس عبدالرحمن المُهشمة، ولكنها تحتاج وبشدة لإفراغ ما بداخلها، وبالطبع ازالة قناع الطيبة عن والدته الخبيثة...
تنهدت بقوة قبل أن تقول له:
-عبدالرحمن أنت معايا؟
اومأ بسرعة مؤكدًا:
-ايوة معاكِ معاكِ
سألته مترددة:
-هتعمل إيه معاها يا عبدالرحمن؟
نظر حوله بصمت، وقرار لامع يحوم بين ثنايا روحه، قبل أن يخبرها بجمود مستنكرًا:
-هعمل معاها إيه يعني! مش هعمل حاجة طبعا!

بعد مرور الوقت...
هبطت شهد برفق من الأعلى تتبختر في سيرتها، لازالت لا تصدق أن رضوى حادثتها على الهاتف...
بغض النظر عن كم الصدمات التي تلقتها من حديثه ولكن بقعة موتها التي اختفت فجأة قلبت كل الموازين!
باتت تشعر أن كل ما حولها ما هو إلا مجرد حُلم سيمر كما غيره ونستيقظ نحن على العالم الواقعي بأزهاره الوردية بالتاكيد، ولكنها لن تخلو من بعض الاشواك بالطبع؟!

إنتبهت لصوت عمر الذي بدأ يعلو وهو يتحدث في الهاتف، فأسرعت نحوه لتجده يغلق الهاتف!
وقفت امامه تسأله مستفسرة:
-في إيه يا عمر كنت منفعل لية؟ وبتكلم مين وقفلت لية اول ما شوفتني؟
نظر لها بحدة مغمغمًا:
-هو تحقيق ولا إيه يا شهد؟
عقدت حاجبيها تعجبًا من ذاك التغيير المفاجئ، فرفعت كتفيها مرددة بلامبالاة ظاهرية:
-خلاص انت حر دي حياتك
ثم استدارت وكادت تغادر، ولكنها سمعت صوته الجامد الذي اخترق اذنيها بوضوح:.

-انا عرفت مين الراس الكبيرة يا شهد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة