قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السادس

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السادس

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السادس

وصل براء بسيارته الحديثة ذات الدفع الرباعي أمام قصر عمار، يصطحب معه والدته زينب، عالمة النفس الجنائي ولغة الجسدِ المتقاعدة، لكنه بقي منتظراً حتى قَدِمَ عادل خلفه بسيارته الخاصة، وقد جلب معه خطيبته سلاف، والتي تعمل في المختبر.
ترجلَ كلاً من سلاف وعادل، وقد أحضرا معهما الأدوات اللازمة، متجهان نحو براء وزينب ليترجل الأخيران من سيارتهما ويتحدّث عادل موجهاً حديثه نحو زينب: سيدة زينب! كيف حالُك؟

اجابته زينب بابتسامتها اللطيفة: أنا بخير عادل، شكرا لكْ.
ثم توجهت نحوها سلاف، بينما اتجه عادل نحو براء متسائلاً باستغراب: ماذا تفعل والدتك هنا براء؟
أجاب بلا مبالاة: لأنني بحاجة لعالم نفس جنائي.
عقد عادل حاجبيه بعدم فهم مُردفاً: ولماذا والدتك المُتقاعدة تحديداً؟ لمَ لمْ تُحضر أحداً من القسم لدينا؟
اخذ براء نفساً عميقاً وهو يشيح بوجهه ناحية القصر وهو مُضيقٌ عينيه مُتحدّثاً بغموض: لحاجةٍ في نفس يعقوب.

لم يفهم عادل عمّا تحدّث صديقه، وقبل أن يسأله تحرّك براء من أمامه آمراً الجميع بأن يتبعوه.
دلف الأربعة إلى القصر، جلسوا في البهوّ الكبير، فأمر إحدى الخادمات بأن تستدعي الجميع إلى هنا، وبعد عدة دقائق كان الجميع قد حضر باستثناء أميرة وعليا، أشار إلى عادل وسلاف بأن يبدآا عملهما.

أما هو فقد استدعى آمال و أجلسها على الأريكة قبالة والدته، ثمّ سألها: سيدة آمال، هل تستطيعين أن تخبريني بما فعلتِ ليلة أمس مع السيدة عليا؟
نظرت إليه آمال وهي تهتف بارتجافةٍ خفيفة في جسدها: ولكن سيدي لقد أخبرتك بكلّ ماأعرفه صباحاً!
هز رأسه متفهماً وهو يقول: نعم أعلم هذا، لكنني أودّ أن أسمعه مجدداً.

بلعت آمال ريقها بتوتر، ثمّ بدأت حديثها: حسناً سيدي، لقدْ حضّرنا لحفلة ميلاد الآنسة الصغيرة أميرة، ثمّ غادرت بعد فترة قصيرة مع صديقاتها ليحتفلْن خارجاً، رتّبنا القصر بعد مُغادرتهنّ، ثمّ استأذنتُ من السيد عمار بعد أن انتهينا من أعمالنا، بعدها خَرَجْتُ مع السيدة عليا واتجهت إلى منزلي...
قاطعها براء وهو يرفع يده أمام وجهها ليسألها: حسنا، متى خرجتي مع السيدة عليا من القصر؟

ضيّقت عينيها وهي تتمتم: أعتقد حوالَ السّاعة التاسعة والنصف.
هز رأسه متفهما فسأل من جديد: ومتى وصلتما إلى منزلكِ؟
- زمت فمها وهي تتذكر لتهمس: الطريق من هنا إلى منزلي يستغرق وقتاً معدّله عشرون دقيقة، إذا كانت الطريق خالية من الازدحام.
ضيّق عينيه وهو يسألها بتفحّص: وهل من المُعتاد أن تذهب معكِ السيدة عليا لتنام في منزلك؟

هزت رأسها بالنفي وهي تعقب: لاسيدي، كانت تلك هذه المرّةُ الأولى، فقد توطدت صداقتي معها حتى دعوتها لأستضيفها في منزلي منذ يومين، لكنها عرَضت عليّ الانتظار حتى ننتهي من إعدادات حفلة الأنسة الصغيرة.
انتابه الشكّ في تلكَ الجُزئية، لكنه ضمرها في نفسه، فسألها: حسنا، سؤالي الأخير متى خلدْتما إلى النوم ليلة أمس؟
- قُرابةَ الساعة الواحدة والنصف سيدي.

أشار لها بالانصراف، ثم استدار نحو والدته والتي كانت تراقب حركات وسَكنات آمال ليسألها: مارأيكُ والدتي؟
نظرت إليه وهي تقول: هي صادقة عزيزي، ولكن هناكَ أمرٌ هام.
عقد حاجبيه بعدم فهم فأردفت: لديها ارتجافة خفيفة في يديها، بالإضافة إلى اهتزاز حدقة العين.
- ماذا تقصدين أمي؟
- أجابت وهي تعقد يديها ببعضهما: من وجهة نظري كطبيبة نفسية، فهذه من أعراض انسحاب المُهدّآت من الجسد.

رفع حاجباه متفاجأً، ثم أشاح وجهه ناحية آمال ليراقب مشيتها، ليكتشف فعلاً أنها غير متوازنة، فناداها مرة أخرى ثم أسرع ليقف قبالتها وهو يتفحّصها: سيدة آمال، هل تعانين من اضطراب في النوم أو الأرق؟ أو تتناولين المهدئات؟
تفاجأت آمال بسؤاله، فهزت رأسها نافيةً لتقول: لا سيدي ابداً، أنا لا أعاني أي نوع من أنواع الاضطراب في النوم، ولاأتعاطى أية مهدّئات!

رمقها بنظرة أخيرة قبل أن يحرك رأسه إيجابا، ثم تركها ليمشي خطوتين قبل أن يستدير ليسألها مجددا: هلّا أخبرتني من جديد في أي وقتٍ نمتما تحديداً؟
- ورغم استغرابها من إعادة سؤاله هذا اكثر من مرة، إلا أنها أجابت: في الساعة الوحدة والنصف سيدي.
- وهل من المعتاد أن تسهري حتى هذا الوقتِ المتأخر؟
- ابتسمت باقتضاب لتجيب: لا سيدي، لكن في ليلة أمس كان الحديث مع عليا مشوِّقاً لدرجة أننا لم نشعر بتأخر الوقت.

مسح بسبابته على طرف شاربه الخفيف، وكأنه يفكرُ في أمرٍ ما، ثمّ تحرك من أمامها وسط استغرابها من أسئلته الغريبة.

منذ جاءتها الخادمة لتبلغها بأمر قدومه مع أشخاص آخرين داهمها الارتباك والقلق، إنه كما عهدته ذكيّاً إذاً يجب أن تسيطر على انفعالاتها أمامه، تذرّعت بحجة أن أميرة نائمة لتهرب منه ولو لفترة مؤقتة، لكنها تعلم بأن هذا سيثير شكوكه اكثر خاصّة حولها، بعثت برسالة نصيّة إلى يوسف لتحثّه على الإسراع، ثم أيقظت أميرة لتبدّلَ ملابسها.

وقفت أمام المرآة وهي تتلمس تلك العلامة المميزة أعلى عظم الترقوة لديها، شدّت أطراف سترتها الصيّفيّة لتخفيها، ثم لبست شالاً خفيفاً حول رقبتها لتضمن عدم ظهور تلك العلامة خاصّة أمامه، خرجت إلى غرفة أميرة لتجدها تقف أمام المرأة تنظر إلى ملابسها السّوداء بشرود، وخطٌّ رفيعٌ من الدموع ينسابُ على خديها، آلمها قلبها بقوة على منظرها، تقدّمت نحوها حتى أصبحت خلفها، ثم رفعت يديها لتضعهما على كتفي أميرة لتقبلها من كتفها الأيسر وهي تتمتم: هيا عزيزتي، يجب أن ننزل الآن فالضابط بانتظارنا.

مسحت أميرة دموعها وهي تحرك رأسها إيجابا، تأملت هيئة عليا الغريبة عليها لكنها لم تُعلّق،
أخذت نفسا عميقا أخرجته ببطء، ثم خرجت من الغرفة تتبعها عليا وهي تشعرُ بدقات قلبها العنيفة التي تكادُ تُسمع.

جلست كلْتاهما أمام زينب، بينما كان براء يقف خلف والدته وهو يرمقهما بتفحّص، . فسأل براء موجها كلامه إلى أميرة: ما علاقتك بالسيدة عليا؟
، فأجابت باقتضاب خافت: إنها مربيتي.
اكتفى بهزّ رأسه متفهما، ثم ساد الصمت في المكان قبل أن يقطعه براء بغتةً: أخبريني سيدة عليا، أين كنتي ساعة وقوع الجريمة؟
بلعت ريقها بارتباك أخفته بنجاح لتتحدث بثبات مصطنع: أخبرتك سيادة الضابط، لقد كنتُ نائمةً في منزلِ آمال.

- إعتدل في وقفته يسألها: وهل اعتدتي على الذهاب إلى هناك؟ أم أنها المرّة الأولى؟
رفعت رأسها لتجيبه بهدوء: لا سيدي إنها المرة الأولى، لقد دعتني آمال منذ يومين لزيارتها لكننا كنا مشغولون بترتيب الحفلة لأميرة، لذا أرجأتُ هذه الزيارة إلى يوم أمس.
حرك رأسه بتفهم وهو يزم فمه بتفكير، ثم سألها: كم كانت الساعة عندما خلدتما إلى النوم؟
- تظاهرت بالتذكر لتجيب وهي تفرك يديها ببعضهما: قرابة الساعة الواحدة والنصف.

كلامهما كان متطابقا بشكلٍ مريب وكأنها تؤكدُ له أنّ لديها حُجّة غيابٍ دامغه، ضيق عينيه وهو ينظر إليها فلاحظ أنها أخفضت رأسها ماإن التقت عيناهما، وهذا ما جعل الشكُّ يتعاظم داخله ناحيتها.
استدار نحو أميرة التي كانت جالسة تتابع الحديث بشرود ليسألها بجمود: آنسة أميرة عندما عدتي إلى المنزل ألم تلاحظي أي شئٍ مريب؟
رفعت أميرة كتفيها وحركت رأسها بالنفي وهي تهمس: لا، لم يكن هناك أي شئٍ غير معتاد.

ضيّق عينيه ليردف: وهل كنتي واعيةً عندما عدتي؟
رفعت انظارها لتقابل عيناه السوداء بصدمة، عقدت حاجبيها وهي تسأله بجدية: ماذا تقصد سيادة الضابط؟
- اجاب بلا مبالاة وبنبرة جامدة وهو يتفحص كلتيهما: أقصد هل شربتي أي مشروبٍ كُحولي قبل أن تعودي إلى هنا؟

شعرت باتهمامه المتواري خلف تلك الكلمات، رمشت عدة مرات وهي تحاول أن تجيبه بثبات لكنها فشلت، فخرج صوتها مهزوزا خافتا: لا حضرة الضابط، فأنا لا اشرب الكحول أبداً، ولم أقتل أبي ايضاً.
لفظت تلك الكلمات ثم انخرطت في وصلة بكاء مرير، فحاوطتها عليا بيديها بحماية، لتنظر إلى براء وهي تهتف به بعدائية: ماذا تفعل سيادة الضابط؟ ألا ترى حالُ الفتاة المتعب؟ لمَ تستمرّ بالضغط عليها؟

رفع رأسه بكبرياء ليجيبها ببرود: إنني أقوم بعملي هنا يا سيدة.
تأففت بضيق واشاحت بوجهها بعيدا عنه، وهي تربت على ظهر أميرة بحنان و دعمٍ صادق، بينما بقيت أميرة تنتفض داخل أحضانها بقهر.
أشار إلى والدته التي كانت تجلس قبالتهما، لحقت به ليقفا بعيدا عنهما بعدة أمتار ليسألها: أخبريني أمي مالديكِ؟

نظرت زينب إلى عليا واميرة المختبأة في حضنها، ثم أعادت نظرها إليه وهي تهمس: الفتاة صادقة في ما قالت، فحركات جسدها تدلُّ على ذلك، أما السيدة هناك..
سكتت لثانية كأنها تحاول إيجاد الكلمات المناسبة، لتتابع حديثها: تلك السيدة تُخفي أمرا ما، وأيضاً عاطفتها المثالية مع أميرة وعدائيتها الزائدة نحوك تبعث على الارتياب.
عقد حاجبيه متسائلاً: هلّا أوضحتي لي أكثر أمي؟

تطلعت زينب إليهما وهي تهتف بشرود: لا استطيع الجزم براء، ولكنّ علاقتهما برأيي أكثر من مُجردِ فتاةٍ ومُربيتها.
لم يفهم براء ماذا تقصدُ والدته، وقبل أن يسأل سمع صوتاً رجولياً يهتف من خلفه: أميرة!؟

نظر إلى مصدر الصوت ليلاحظ شاباً يقف في مدخل البهوِّ، ذو طول فارع وشعر أشقر طويل مربوط، وعينان زرقاوان ضيقتان، وملامحٌ دمجت مابين الشرق والغرب في تمازجٌ عجيب، لاحظ أيضاً وشماً في منتصف حاجبه الأيسر، ووشماً آخرَ على شكل رقم سبعة بالإنجليزية ذو ذيلٍ معقوف ليشكل دائرة في نهاية الرقم على ظهر كفه الأيمن، إضافةً إلى خاتمٍ غريب الشكل على هيئة أفعى كوبرا في بنصره الأيمن.

ضيّق براء عينيه وهو يتفحصه من أعلى لأسفل، استدار نحوه بجسده عندما سمع صوت أميرة تصرخ من خلفه: جو!
ثم ركضت لترتمي في أحضانه وتبكي بحرقة، حاوطها يوسف بين ذراعيه القويتين، مسح على شعرها وهو يطالعُ براء بنظراتٍ متفحصه.

لم يشعر الأخير بالراحة نحوه ولم تَرْقهُ تلك النظرات، بقي كلاً منهما يتفحص الآخر وكأنه يحفره في رأسه، ولسببٍ مجهول شعر براء بالضيق من احتضانه لأميرة بهذا الشكل المُزعجِ، رفع رأسه بأنفة متسائلا ببرود: ومن حضرتك أيضاً؟
أخرج يوسف أميرة من أحضانه، وابتسم لها باطمئنان وهو يمسح عبراتها بأصبعه، ثمّ قبض على يدها ليمشي معها ناحية براء، رفع يده الأخرى مصافحاً إياه وهو يتحدّث بابتسامةٍ ماكرة: يوسف ناصر.

ظلّ براء ينظر إليه دون أن يبادله، شعر بالريبة نحو هذا الشابّ الغريب، ولم تخبو ابتسامة يوسف الماكرة، رفع براء يده ليصافحه وقبل أن يصل ليده سحبها الآخر، تاركاً يدَ براء مُعلقةً في الهواء.
كوّر براء قبضته بانزعاج وأسبلها إلى جانبه، وقد شعر بأن المُسمّى يوسف أو جوزيف فعلَ ذلك عمداً، كأنه يوجه إليه إهانةً مُبطنة، سحب نفساً مطولا قبل أن يسأله ساخرا: وهل من المفترض أن يذكرني اسمك هذا بشئ سيّد، جو!؟

تعمّد ظهور نبرته الساخرة في آخر كلامه، كنوعٍ من ردِّ الاعتبار لنفسه، وقفَ جوزيف رافعاً اكتافه بزهوٍّ، وتلك الابتسامة الماكرة تتراقص على شفتيه ليجيبه بثقة مبالغٌ بها: طبعا سيادة الضابط، من المفترض أنّك تعرفني أيضاً، فأنا رجلُ أعمال معروف ومشهور.
سكت لثانية قبل أن يضيف بحاجب مرفوعٍ بغرور: خاصةً هنا في لبنان.

وقفت عليا تراقب مايحدث بين الشابان بترقبٍ وتوتر، وكذلك فعلت أميرة التي استغربت الجوَّ المشحون بالإهانات بينهما، بلعت ريقها بصعوبة وهي تنقل أنظارها بينهما، لتقول بصوت خفيض: يوسف هذا سيادة الضابط براء عبد الساتر، ضابطٌ في القسم الجنائي والمسؤول عن قضية وفاة والدي.
- قاطعها براء وهو يحدّق بجوزيف: مقتل والدك آنسة أميرة!

تنحنحت بحرج عندما شعرت أنه تقصّد إهانتها لتعتذر متمتمةً: آسفة، المسؤول عن قضية مقتل والدي.
ثم استدارت نحو براء من جديد لتتابع: سيادة الضابط، هذا يوسف ناصر، صديق طفولتي ورجل أعمال معروف، يملكُ عدة شركات لتصنيع الأدوات الإلكترونية والإتصالات.
- ابتسم جوزيف بتهكم وهو يضيف: وخطيب الأنسة أميرة.
اهتزت ملامح براء وارتجفت عينه اليمنى لثانية، لكنها كانت كافية ليراها جوزيف.

ولم تكن حالُ أميرة بأفضل منه، فسدّدت نحو يوسف. نظرة حارقة جمعت مابين المفاجأة والاستنكار.

صدح رنين هاتف شادية مقاطعاً لحديث ليلى، تأففت الأولى وهي تخرجُ الهاتف من جيبها لترى رقم زوجها هاني، أجابت على الاتصال بعدة كلمات مقتضبة، ثم أغلقته مجدداً وهي تنظر إلى ليلى معتذرةً: أنا آسفة، هذا زوجي هاني قلقٌ لتأخري.
ثم نظرت إلى الظلام خارجاً من خلال النافذة بقربها متابعةً بابتسامة لطيفة: انظري! لقد داهمنا الوقت دون أن نشعر!

بادلتها ليلى ابتسامةً جَذْلى دون أن تُعقبْ، الحقيقة هي أيضاً سعيدة لوجود من تستطيع التحدّث معه دون الإفصاح عن هويتها الحقيقية.

نهضت شادية بتثاقل وهي تستند على مسند الأريكة، تحرّكت نحو الباب تتبعها ليلى التي ناولتها معْطَفها، ودّعتها وبقيت تُراقبها حتى دلفت إلى منزلها، أغلقت الباب وهي تستند برأسها عليه، أغمضت عينيها بقوة وضغطت على شفتيها كأنها تمنع نفسها عن البكاء، لكنها لم تُفلح فهربت دمعة حزن من خضراوتيها، ورغماً عنها تسابقت دموعها في الهطول بغزارة وهي تنزلق بظهرها على الباب حتى سقطت على الأرضية الباردة، لم تعرف أهي تبكي من مرارة الذكريات، أم أنها اشتاقت لمن مَلَكَ قلبها؟

فتحَ براء عينيه ثم أخذ نفساً عميقا زفره ببطء، نظر إليه جواد بتساؤل، فأحنى رأسه وهو يدلّك عنقه قائلا بزفير حار: لقد تعبتُ اليوم، أنستطيع المتابعة غداً؟

أومأ له جواد بابتسامته المَرِحة، ثم تابعه حتى خرج من المنزل، مدّ يده بخفة ليُخرِج جهاز التسجيل المخفي تحت الطاولة والذي لم يلاحظه براء، أوقف التسجيل وهو يفكر في أمر شقيقه غير الشقيق، كيف تحوّل من ضابط رزين مشهودٌ له بالذكاء و النباهة والصلابة إلى رجلٍ هشّ من الداخل، يعلمُ أنّ في داخل براء الكثير من الحكايا والخبايا، وقف لينظر إليه من نافذة المنزل، وهو يسيرُ كالمُغيّب نحو سيارته وقد حلّ الليل، لكن أوقفه صوتٌ أنثوي منادياً باسمه.

عقد جواد حاجبيه وهو يتأمل تلك الفتاة بارعة الجمال، ذات الوجه الأبيض الطُّفولي والشعر الأسود الطويل، رغم كل الفتيات الجميلات اللاتي رآهن في فرنسا إلا أنه في تلك الفتاة شئ فريد، فغر فاهه وهو يراقبها من النافذة بشرود، حتى دلفت تلك الفتاة إلى سيارة براء و انطلقا سويّاً بعدما سلبت عقل ذلك المغترب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة