قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السادس والعشرون

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السادس والعشرون

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السادس والعشرون

قيل قديما: اتقِ شرَّ من أحسنت إليه.
ماإن ولج داخل المنزل الذي كانت تقطنه عليا حتى وضع أحدهم مسدسا على ظهره ليأمره بصوت أجش: ارمِ سلاحك بهدوء.
أرخى يده عن السلاح ليستقرّ أرضا. لم يأبه بنفسه بل كان يفكر في مصير حياة وصغيرتها. فازدرد ريقه بصعوبه ليسأل بنبرة حاول جعلها ثابتة: أين حياة وابنتها،؟ ماذا فعلت بها؟

قهقه الرجال من خلفه ليخمن أن عددهم أكثر من اثنين. خشي أنهم قد ألحقوا بهما الأذى فصرخ من جديد: أين حياة وابن...
لم يكمل سؤاله عندما تلقى ضربة قوية بواسطة المسدس أسفل رأسه طرحته أرضا.
وضع يده مكان الضربة وأغمض عينيه وهو يئن بألم. انحنى أحدهم صوب أذنه ليتمتم له بهمس ساخر: سيدتك حياة أرسلت لك هدية مميزة إكراماً لك لمعروفك معها.

لم يفهم مقصده من تلك الرسالة التي بدت أشبه بالتهديد. ولم يعطوه الفرصة ليفكر فقد انهال عليه الأربعة رجال بالضرب المبرح وتركزت أغلب ضرباتهم له على ظهره ومنطقة حوضه.

بعد نصف ساعه كاملة من الضرب العنيف توقف الأربعة ثم أمرهم قائدهم بأخذه معهم متجهين صوب منزله. سحبوه من قدميه على الأرض الزراعية التي امتلأت بالحصى والعيدان دون أدنى مقاومة منه فقد أنهك الضرب جسده. كان الظلام يلف تلك القرية التي سادها السكون. فالجميع قد أوى الى منازلهم نظرا لبروده الطقس.

وصلوا إلى منزله ليدفع أحدهم الباب، وجدوا المنزل خالياً مما أثار استغرابهم، فأمر أحدهم أن يبحث جيداً، نفذ الأمر حتى وجد براء ووالدته مختبئين في غرفة براء تحت سريره الصغير.
جلبهما الرجل ليرميهما بجوار والده الذي كان جسده مُدمىً بشكلٍ وحشي حتى عجز عن الحراك.
ارتجف جسده الصغير وهو يرى حال أباه، أما هيام والدته فقد اقتربت لتحاوط وجه زوجها بيديها وهي تبكي وترجوه ليستفيق ويفتح عيناه.

ابتسم قائد الرجال الأربعة بخبث، فغمز لرجاله غمزةً فهموا معناها القذر، ثم تحدث بنبرة لئيمة امتزجت باستهزاء واضح: السيدة حياة أرسلت لكم هديةَ عرفانٍ بالجميل.
طالعهم براء بخوف واضح، وارتجفت هيام بتلقائية وهي تقترب من ولدها لتحتضنه بحماية، أما الطبيب محمد عادل فقد فتح عيناه بضعفٍ شديد لكنه لم يستطع تحريك جسده قيد أُنملة.

لاحظت هيام استفاقة زوجها فزحفت باتجاهه ولم تزل مُحتضنةً براء حتى وصلت إليه، لكنها صرخت بهلع عندما...

صمتٌ ثقيل جثى على قلب براء وهو يشعر بعدم قدرته على المتابعة، رمشت سوداوتاه بسرعه، انتصب واقفاً فجأة تحت أنظار جواد المُستغربة ليقول بضعف: فلنتابع غداً.
وقف جواد قبالته قائلاً بتصميم: لا براء، لا يجب أن نتوقف الآن!
همس له بوهنٍ وهو يحاول أن يتحرك من أمامه: لن أستطيع جواد.
أمسكه من ذراعه ليجبره على الوقوف مُتحدثاً بإصرار: بلى تستطيع.

نفض يده عنه صائحاً به وقد بدأ غضبه يتعاظم داخله: جواد اتركني وإلا...
قاطعه الآخر صارخاً به وإلا ماذا؟ ستضربني؟ هذا ما أنت قادرٌ عليه الضرب والهرب، أنت تهربُ من ماضٍ عفا عليه الزمن.
صرّ براء على أسنانه وهو يكوّر قبضته مُحاولاً تجاوزه ليصيح بتحذير: جواااد..
هتف جواد وهو يقطع طريقه مجدداً بإصرارٍ عنيد: لاتحاول لن أسمح لك بالهرب.
صرخ به وقد نفر عرقٌ بارزٌ من جانب رأسه: انا لا أهرب!

صاح جواد باهتياج وقد فقد أعصابه: بل تفعل أيها الجبان.
لم يشعر بنفسه إلا وقد هوت قبضته على صدغِ جواد بكل قوته صارخاً بغضب: جوااااد، ابتعد.
ترنح الأخير من أثر الضربة المؤلمة، امتدت يده ليتفحص ذاك الخيط الرفيع على جانب فكه ليكتشف قوة اللطمة، ثارت دماؤه ليردّها له بأخرى قوية صارخاً: أيها الجبااان.
ردّ براء بأخرى و هو يصيح حتى كادت تتمزق حباله الصوتية: لستُ جباناً.
بادله الآخر ضرباته وصراخه: بل أنت كذلك.

تبادلا الضربات والصرخات حتى أدمى أحدهما الآخر.
صرخ براء باهتياج: لستُ جباناً.
ليصيح به جواد وهو يهوي بقبضته أسفل عين الأول: إذاً أخبرني مالذي حدث بعدها؟
- اغتصبوها!
لفظ براء كلمته الأخيرة صارخاً بها بغضبٍ مُتعاظم وقد استند على الحائط خلفه.

ساد الصمت المُفاجئ على ساحة المعركة لا يقطعه سوى صوت أنفاسهما المُتلاحقة، طالعه جواد بحاجبين مُنعقدين وقد بدى مُتفاجأً، ابتلع ريقه الممزوج بدمائه ليسأله بهمسٍ حَذِرْ: ماذا قلت؟

سقط براء على الأرضية وقد نال التعب منه بعد تلك الحرب الطاحنة بينهما، شعر بطعم دمائه داخل فمه، أسند رأسه على الحائط وأغمض عينيه ليهمسَ بوهنٍ شديد وأنفاس لاهثة متقطعه: سحبها أحدهم من قدميها بعيداً عنا وقاموا باغتصابها جواد، تناوب الأربعة عليها كالوحوش الكاسرة، حدث كلّ هذا نصب أعيننا أنا ووالدي.

انهمرت عبراته المُتألمه وهو يبتلع ريقه الدامي ليتابع بقهر: لم يأبهوا بصراخها ولا توسلاتها، لم يكترثوا بأنهم هتكوا شرفها أمام زوجها وولدها الذي بلغ التسع سنوات لتوّه.
فتح عينيه ليطالع وجه جواد المُشفق الممزوج بجراحه وكدماته ليتابع حديثه المُوجع بنشيج: لم يكن والدي هو العاجز فقط يومها، بل كنا كلانا عاجزين عن إغاثتها ومُساندتها حتى بالصراخ.

اقترب جواد منه بحذر شديد حتى جلس إلى جانبه، نظر إليه براء من بين دموعه ليهمس بضعف: أنا مُتعبٌ للغاية جواد...
فتح له ذراعيه بتلقائية ليرتمي براء في أحضانه ويجهش بالبكاء المرير مما أثار استغراب جواد، تيقن الآن أنّ خلف كلّ ذاك البرود والجمود ألمٌ مكبوت وقد وجد طريقه للخروج الآن.

مسح على خصلاته السوداء بحنان، رغم صراخ جسده من أثر العراك إلا أنه شعر بالقليل من الارتياح، إذ نجح أخيراً في دفع براء ليصرخ بما آلمه وأوجعه طوال تلك السنوات، وهذا بحدّ ذاته خطوةٌ جيدة في طريق العلاج والمضي قدما.

حسب خبرته الطبية استطاع أن يجزم أنّ براء لم يصارح أحداً بما حدث تلك الليلة أبداً، شعر بأنه مايزال عالقاً فيها وفي تلك اللحظة بالذات، شعر بأنه مجرد طفلٍ بعمر التسع سنوات بكى يومها ولم يبكِ بعدها قط.
حمدَ الله في نفسه على أنّ المنزلَ خالٍ من والدته وزوجها اللذان رحلا منذ الصباح ولم يعودا حتى الآن، بقي على جلسته تلك حتى شعر بثقل جسد براء فعلم أنه قد غفى من التعب.

من الجيد أنّ أرضية غرفته ممدودةٌ بالسجاد، حرك جسده بحذر وتناول وسادة من سريره ليضعها أسفل رأس براء، ثم تحرك بتروٍ وتأنٍ ليجلب الغطاء ويدثره بحنان، ثم استقام ببطء وجلس على الأريكة المُقابلة له يتأمله، إنه طفلٌ صغير فعلاً.

جلست أميرة تطالع الأمطار في الخارج من خلال النافذة الزجاجية، وقد تدثرت بغطاءٍ سميك واضعة أمامها دفترها وقلمها.
شعرت بثقلٍ جاثمٍ على صدرها وكأن قلبها أنبأها بأن توأم روحها يتألم فتعاضد معه فحرمها النوم.
ذرفت دمعة لاتعرف ماهيتها، تطلعت إلى دفترها فأخذته وفتحت صفحة فارغة تناولت قلمها لتخط عليها أول ماخطر على ذهنها من كلمات:
(( حبيبي، أكتب إليك رسالة قصيرة لأخبرك بأنني مازلت على قيد حبك.

لأخبرك بأنني لم أعد أميرة بل أنا الأن أسيرة هواك، مازال هذا الخافق في يسار صدري ينبض بك ولأجلك.
ولأخبرك أيضا أن ذكرياتي هي كل ماتبقى لي منك، أغمض عيني لأسترجعها في أقسى لحظاتي، فأشعر أنها تربت على روحي الملتهبة بهدوء. ))
ذرفت دمعة أخرى لم تقاومها فتبعتها دمعة ثانية سقطت على حروفها، ارتجفت يدها فوقع القلم منها وهي تطالع تلك الكلمات التي خطتها.
في تلك اللحظة تزاحمت عليها الالاف من الذكريات الموجعه،.

أمسكت قلمها من جديد لتقلب الصفحة وبدأت تكتب بسرعة وبدون ترتيب.
عنونت الرسالة من الأعلى بعبارة: رسالة الى الألم.
(( أيها ألألم.
ألم تملَّ مني؟ ألم تملَّ من دموعي وأوجاعي؟.
أرجوك اجمع أشلاءك وارحل، أريد أن أقضي ماتبقى من حياتي بقلبٍ خالٍ منك.
أتوسل إليك، جد لنفسك رفيقاً أخر، فأنا اخترت الانعزال عن الجميع، حتى عنك. )).

رمت قلمها مجددا وقد انهمرت عبراتها بغزارة، وتعالت شهقاتها. أغلقت دفترها على تلك الرسالة التي كتبتها له، حالها حال المئات من الرسائل التي كانت تكتبها كلما اشتدت عليها الذكريات فأوجعتها، ثم تعود لتدفنها من جديد، كم تمنت لو أن بها الجرأة لترسلها إليه لكنها أجبن من أن تفعل.

تأمل جواد تلك الفوضى العارمة من حوله، لكنه لن يستطيع التنظيف الآن حتى لايوقظ براء الذي افترش الأرض، ولج إلى حمام غرفته لينظف فوضى العراك عن جسده.
خرج بعد قليل وقد طهّر جروح وجهه وكدماته، سمع صوت فتح الباب خارجاً فتوقع عودة زينب والطبيب محمد عادل.

نظر إلى براء ليجده مازال يغطّ في النوم، فتح باب غرفته بكلّ هدوء ليسمع صوتاً قادماً من غرفة والدته، مشى نحوها ليجدَ زينب وهي تخرج بعض الثياب من خزانتها وترميها على السرير أمامها، لفت انتباهه عدم وجود الطبيب محمد عادل في الغرفة.
كتف يديه واتكأ على الباب ليسألها: ماذا تفعلين أمي؟

استدارت زينب نحوه بابتسامةٍ سرعان ماخبت عندما لاحظت الكدمات التي ملأت وجهه، شهقت بخفة واتسعت عيناها بذهول وهي تمشي نحوه بسرعة لتسأله بلهفه: مالأمر جواد؟ مالذي حصل لوجهك؟
مدت يدها إلى وجهه فآلمته فابتعد بوجهه عنها ليجيبها بابتسامة بلاستيكية: لاشئ أمي لاتقلقي.
- هتفت والدته باستنكار وقد علا صوتها: لا أقلق؟! أنظر إلى وجهك إنه خريطة!
ثم أردفت بحزم: أخبرني جواد مع من تعاركت؟

سرعان ماتبدلت نبرتها للقلق وهي تسأل بعيون مُتسعة: أين براء؟ تكلم جواد أرجوك مالذي حدث؟
تنهد بتعب وهو يبتسم ابتسامة فاترة مُجيباً باقتضاب: لقد تعاركتُ قليلاً مع براء.
ثم أردف بمرح طفيف وهو يتلمس وجهه: لكن يده ثقيلةٌ جداً فجعل من وجهي خريطة.
زوت مابين حاجبيها بعدم فهم فتسائلت بنبرة قَلِقة: تعاركت مع براء؟ لماذا جواد؟ لم تفعلاها عندما كنتما صغاراً فلمَ الآن؟

ثم تابعت بنبرة غاضبة: ومن ثمّ أين براء؟ أتركته يذهب دون أن تعتذر إليه؟
وضع يده على كتفها ليديرها وهو يمشي معها إلى داخل الغرفة مُتحدثاً بتأنٍ: اهدأي أمي أرجوكِ، من ثم أخفضِ صوتكِ قليلاً ستوقظين براء.
جلست على السرير وهي لاتكاد تعي شيئاً فأتاه سؤالها المصدوم: براء نائمٌ هنا؟ أين؟ ولمَ تعاركتما أساساً؟
جلس بقربها وهو يتنهد بخفة ليربت على يدها هامساً: لاتقلقي أمي براء بخير، هو نائم الآن في غرفتي.

رمشت عيناها بعدم استيعاب ليضيف جواد بخفوت: لقد كان يروي لي قصته، عندما وصل إلى نقطةٍ حسّاسة أراد الهرب، فاضطررتُ أن أُغضبه ليتكلم.
شهقت بخفة وقد فهمت معنى حديثه، فسألته بدهشة: هل، هل أخبرك؟
أومأ برأسه دون حديث، تهدّل كتفاها وهي تنظر أمامها، عادت لتنظر إليه بفخرٍ واضح مُرددةً: أحسنتَ جواد، فعلت مالم يستطع أحدهم فعله!
ابتسم باقتضاب ليسألها: أخبريني أمي، كيف تعرفتِ إلى الطبيب محمد عادل وبراء؟

تنهدت بوجل وهي تطالع ابنها بتردد، ليضيف: لقد أخبرتني قبلاً أنكِ عرفتهما عندما حضرا إلى المستشفى الذي كنتِ تعملين فيه، بعد أن توفيت والدة براء بحادث سير وهو سبب عجز والده.
اشاحت بوجهها عنه تتمتم بتقطع: لقد، لقد كذبتُ عليكَ جواد، لم أستطع أن أخبرك الحقيقة حينها.

أشار بتفهم متحدثاً: أنا لاألومك أمي، بل وأتفهم سبب عدم إخباركِ لي بالحقيقة، لكن الآن فعلا أنا بحاجةٍ لأن أعرفها لأتابع علاج براء بطريقة صحيحة.

تنهدت بعمق وهي تسترجع في ذهنها اول لقاءٍ لها مع براء وعائلته: اسمع جواد، حدث الأمر منذ عشرون عاما تقريبا، في إحدى الليالي أنهيت مناوبتي فجراً في المستشفى الذي كنت أعمل فيه وانتويتُ العودة إلى المنزل، لكنني لاحظتُ حالةً من الهرج والمرج بين الأطباء والممرضين، اقتربتُ من إحدى الممرضات لأسألها عن الأمر فأخبرتني بنبأ هزّ كياني.

ازدردت ريقها بصعوبة وهي تضيف: امراةٌ تمّ اغتصابها أمام زوجها وابنها ذو التسع سنوات، ذهبتُ إلى الطوارئ وهناك رأيته.

Flash Back.
كان براء واقفاً أمام الغرفة التي أُودعت فيها والدته يصرخ بالأطباء الرجال وكلما حاول أحدهم الاقتراب منه كان يقاومه بعدائية شرسة لاتتناسب مع سنواته التسع، حتى أنهم قاموا بتهديده بالضرب لكن تهديداتهم تلك لم تُحرك فيه رمشاً.

كانت زينب تشاهد هذا المنظر الذي تراه للمرة الأولى في حياتها بوجل، علمت من حركاته أنه لا يريد لرجلٍ أن يدخل إلى والدته ليعالجها، فقامت بمهاتفة الطبيبة النسائية التي كانت في إجازة يومها لتحضر، ثم دخلت معها إلى غرفة هيام بعد أن سمح لهما براء.

ذُهلت زينب من منظرها، فلقد كانت في حالٍ يُرثى لها، كانت ترتجف بشكلٍ كلي فلم تستطع مساعدة الطبيبة في عملها، خرجتا بعد قليل وقد قامت الطبيبة بإعطاء هيام إبرة مُهدأ لتنام.
حاولت مع براء كثيراً علّه يذهب معها فيتناول شيئاً لكنه كان رافضاً لأن يترك مكانه.
غادرت زينب المستشفى مُضطرةً فوالدتها رحلت وسيبقى جواد وحيداً عندما يعود من المدرسة.

عادت مساء ذلك اليوم إلى المشفى بعد أن أمنت جواد عند والدتها، وعرجت بدايةً إلى غرفةِ هيام لتطمئن عليها فلم تجد براء أمام الغرفة، لكنها وجدت الباب مفتوحاً اقتربت قليلاً وياليتها لم تفعل!
وجدت براء جالساً على الأرض يُطالع والدته، وياله من منظرٍ ليراه طفلٌ بعمر التسع سنوات!
كانت هيام مُعلقةً على شباك غرفتها بواسطة سلك المُغذي الذي كان موصولاً بيدها، لقد شنقت نفسها!

وكان براء ينظر إليها بعيونٍ خاوية لا أثر للحياة فيهما، لم يبكِ يومها ولم يذرف دمعةً واحدةً حتى.
لاتذكر بالضبط كيف أخرجوه من الغرفة فهو لم يُبدِ أي ردة فعل، تولت زينب فيما بعد مهمة علاجه النفسي، ربما تحسن قليلاً لكنه أبداً لم يعد كما كان.
رفض أن يحدثها بما جرى تلك الليلة، وأيضاً رفض أن يترك والده الذي دخل في غيبوبة لمدة شهر كامل، استفاق بعدها ليعلم أنه قد فقد قدرته على المشي.

لم يُعرف من الذي ارتكب تلك الجريمة الشنيعة بحق عائلةٍ كاملة، ولم يجدوا أيضاً أي أثر لحياة ولا ابنتها.
بعد عام واحد تزوج الطبيب محمد عادل وزينب، الطبيبة الأرملة وقد كان عمر جواد حينها ثماني سنوات بينما كان عمر براء عشراً، باع والد براء منزله ذاك وأرضه كذلك، ليستقرّ برفقة عائلته الجديدة في المنزل الذي يقطنون به الآن.

التفتت زينب نحو جواد قائلةً: أرجوك بني، لاتتخلى عنه فما زالت قصته طويلة.
أشار بتفهم ثم أردف مُحاولاً تغيير دفة الحديث: إذاً أين والدي؟ ألم يعد معكِ؟
أجابت بابتسامة مقتضبة: لا لقد سنبيتُ لدى صديقه هذه الليلة، وقد حضرت لأخذ لنا بعض الثياب وسنعود غداً مساءً.

أشار إيجاباً ثم تركها وخرج إلى البهوّ الصغير ليجلس هناك وهو يفكر فيما سمع اليوم، كلّ تلك الحقائق كثيرةً ليكتشفها في يومٍ واحد، مشاعر مختلطة شعر بها في تلك الأثناء، مزجتْ بين الشفقة والحزن والسعادة.
همس لنفسه بإعجاب: كم كنتَ مُحقاً أيها المُحارب النبيل، فأنت تشبه البحر فعلاً.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة