قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السادس عشر

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السادس عشر

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل السادس عشر

لليلة الثانية لم يعد إلى منزله، أرسل أحد رجاله ليجلب له بعض الملابس النظيفة، بينما قضى هو أغلب ليلته يحاول إقناع سمير بجعله يتابع التحقيق مع عليا دون أن يخبره بالسبب الحقيقي وراء إصراره، وقد وافق أخيرا وبعد طول معاناة.
دلف مكتبه وهو يخلع سترته ليرميها على الأريكة بإهمال، ثم توسّد الأريكة الثانية وهو يشعر بالتعب يحتلّ أضلاعه.

تذكر الآن أنه لم يتناول شيئا منذ يومين كاملين، تطلع إلى ساعة يده ذات الماركة العالمية، إنها الرابعة والنصف صباحاً، اين يمكنه إيجاد مطعمٍ ما ليستقبله في هذا الوقت؟

زفر بضيق وهو يغمض عينيه، وصداع قاتل يفتك برأسه، انتبه فجأةً على رائحةٍ زكية اخترقت أنفه لتحفز كلّ حواسه، اعتدل في جلسته تزامناً مع طرقات خفيفه على الباب، اتبعها دخول ( مؤيد) أحد رجاله وهو يحمل في يده كيسين كبيرين، أدى مؤيد التحية العسكرية، ثم أردف قائلاً باحترام وهو يشير إلى أحد الاكياس: سيدي، هذه الملابس النظيفة.

ثم تابع مشيراً إلى الكيس الآخر الذي تنبعث منه روائح مختلطة لكنها زكية للغاية: وفي هذا الكيس أرسلت لك السيدة زينب بعض الطعام، وتخبرك بأن تتناوله كله.
اشار له بان يضع الاكياس على الطاولة أمامه ثم الانصراف، ماان سمع صوت إغلاق الباب حتى فتح كيس الطعام بلهفة، وجده طبقه المفضل بالإضافة لبعض الحلوى، وعبوة كبيرة مليئة بالعصير، ابتسم بصدق على اهتمام زينب به، كما لو أنه ولدها حقيقةً.

بعد أن تناول طعامه، وبالفعل أنهاه كله، استقام من مكانه متجهاً نحو الحمام الملحق بمكتبه، اخذ حماما سريعاً ثم ارتدى ملابسه النظيفة ليرمي بثقله فوق الأريكة، تناول الملف الخاص بماضي عليا، والذي جلبته سلاف سابقاً.

لا شئ مريب البتة، كانت عليا تعيش حياة عادية مع والدين ثريين نسبياً، ولها شقيق واحد من والدتها لم يُذكر عنه الكثير، توفي والديها بشكل طبيعي، وبعد فترة قصيرة اختفى اخاها دون أي آثر، وبعد فترةٍ وجيزة باعت كل ماورثته عن والديها وسافرت وحيدة عندما كانت تبلغ من العمر ثماني عشرة عاماً، واختفت نهائيا بعدها.

وقف براء على شاطئ البحر يراقب غروب الشمس، وقد شكل لون الأزرق البحري مع شفق الغروب منظرا بديعا، بينما هو هكذا شعر بحركة خفيفة خلفه، ابتسم برقة عندما حاوطت أميرة خصره بيديها، أسندت خدها بظهره وهو تتمتم: أحبك.
استدار نحوها ليبادلها العناق، ولكنها اختفت فجأة.
انتفض بخفه بعد هذا الحلم الغريب، أو ربما لم يكن حلما، فقط عقله الباطني يظهر له حقيقة ما يفكر به!

مسح على شعره ثم نظر للساعة ليجدها تجاوزت السابعة والنصف بقليل، تنهد بخفه مالبث أن عاد الابتسام بعدما تذكر هذا الحلم العجيب.

دلف عادل إلى قسم التشريح ليحادث الطبيب، ليجد جميلاً وقد توسد أحد الأسرّة الخاصة بالتشريح ويغطّ في نوم عميق وهو يفتح فمه بطريقه مضحكة، وصوت شخيره العالي قد وصل إلى آخر الرواق.
طالعه عادل بعدم رضا، تقدّم نحوه عدّة خطوات حتى تسمر مكانه وقد اتسعت عينيه بذهول، عندما وجد جثة سيمون على السرير المجاور، بدأ بضرب وجه جميل بخفة محاولا إيقاظه، وهو يهتف باشمئزاز: جميل هيا استيقظ، جميل.

لكن جميلاً لم يستفق، بل همهم بكلمات غير مفهومة وهو يبعد وجهه عن عادل، نفخ بضيق ثم مالبث أن التمعت عينيه بوميض خبيث، اقترب منه بخفة ثم صرخ في أذنه: جميل، لقد جاء براء!
انتفض جميل واقفاً على الأرض خلال ثانية واحدة، وهو يؤدي التحية العسكرية صارخاً بصوته الناعس بلهفة وسرعة: نعم نعم سيدي، انا مستيقظ انا...

بتر جملته عندما لاحظ عادل الذي دخل في وصلة من الضحك على منظر جميل المُشعث، ليستوعب لتوّه أن الأمر برمته مقلب من عادل.
التقط أنفاسه الهاربة ليتحدث بلوم: أتوقظني بهذه الطريقة عادل؟ ألم تخف من أن يتوقف قلبي لأموت؟
سكت عادل فجأة فردّ عليه بدهشة جليّة وعيون متسعة: أخبرني من يملك قلباً بشرياً وينام بهذه الأريحية بجانب...
قطع كلماته لثانية قبل أن يضيف باشمئزاز: بجانب جثةٍ مفتوحة؟!

عدّل جميل من هندامه ثم توجه نحو الحمام الملحق ليغسل وجهه وهو يتمتم: وهل أخبرك أحدهم انني مصاص دماء ام آكل لحوم البشر؟
ثم وقف أمام عادل وهو يمسح يديه بمحارم ورقية مضيفاً: أنا إنسان عزيزي، أي أنني بشر، أي أنني احتاج للراحة والنوم اللذان حُرِمنا منهما مُذ أصبحنا في فريق السيد براء.
ثم تابع بسخط ممزوج ببعض التهكم: آكل لحوم البشر!

اتّسعت عينا عادل حتى كادتا تخرجان من محجريهما وهو ينظر إلى نقطة ما خلف جميل، فاستبقه الأخير قائلاً باستهزاء: لا لن تخدعني هذه المرة عادل، لن أصدق أن براء يقف خلفي الآن.
ليأتيه صوت براء الجهوري الذي جعل الدماء تهرب من جسده كأنها تبخرت: كأنني سمعتُ اسمي في معرض حديثك حضرة الطبيب؟

تجمد جميل وقد عَلِمَ أن براء قد سمعه وهو يقف خلفه الآن، ازدرد ريقه بارتباك وهو يستدير نحوه ببطء شديد ليغمغم مُعتذراً: سسسيدي ااانا آسف لم اقصد الإساءة...
قاطعه براء برفع يده في وجهه متحدثاً بجمود: لا أريد سماع أعذارٍ، ولا يهمني رأيك فيّ أيها الطبيب، أريد فقط أن أعلم كيف تمّ قتلُ سيمون؟
أومأ الطبيب برأسه، ثم ضبط نبرة صوته ليتحدث برسمية: حقيقة سيدي سيمون لم يُقتلْ حرفيّاً، بل مات تحت التعذيب.

دُهش عادل مما سمع، بينما براء وجهه جامد الملامح لا يُقرأ، أضاف جميل وهو يتجه نحو جثة سيمون الملقية على سرير خاص: لقد تمّ تعذيبه بالحرق والغرق وأيضا بالكهرباء، والتي تسببت في توقف قلبه، ولكنني وجدتُ أمراً ما أعتقد أنك يجب أن تراه.
توجه براء نحو جميل الذي رفع ذراع سيمون، ليظهر على عضده وشما غريباً، افعى كوبرا ترفع ثلث جسدها تقريباً وتتخذ وضعية الهجوم، بينما عقفت ذيلها على شكل دائرة.

تفحصه براء باهتمام بالغ، ثم أخرج هاتفه ليلتقط بعض الصور للوشم الغريب، ثم استدار نحو عادل ليسأله بغتةً: أخبرني عادل، هل وجدت شيئا مفيدا في رسالة التهديد امس؟
أجابه عادل بعملية جادة: لا ابدا براء، البصمات الوحيدة التي وجدناها كانت لوالدتك فقط.
هز رأسه متفهما، ثم خرج من المكان بأكمله دون أن يضيف حرفاً آخر.
تنفس جميل الصعداء بعد مغادرة براء، دون أن يفتك به هذه المرة.

لم تكن في مزاج رائق للخروج، لكنها الآن تتجول بين محلات الثياب بمللٍ شديد، بعد أن اجبرها يوسف على الخروج معه للتسوق فلم ترد أن تحزنه، لكنها كانت شاردة وتكاد لاترى أمامها.
كان يوسف يتجول بين المحلات وهو ينظر إلى البضائع المعروضة على واجهات المحالّ، ويقبض على يدها بحماية وملكية، كأنه يُخبر الجميع بأن أميرة تخصه لوحده.

وقف يوسف فجأةً أمام محلّ ما، تأمله قليلا قبل أن يلتفت نحو أميرة يسألها: ما رأيك في هذا الفستان اميرة؟
التفتت إلى حيث اشار، فكان الفستان قصيراً وذو اكتافٍ ساقطة، رفعت كتفيها بلا مبالاة، ثم ولجا إلى المحل ليطلب يوسف فستانا مشابها باللون الأحمر، وأيضا طلب حقيبة وحذاء باللون ذاته.
استغربت أميرة لتسأله: لمَ تطلب أن تكون الأشياء باللون الأحمر؟

تطلع إليها بغموض ثم ارتسمت ابتسامة باردة على شفتيه قائلاً بغموض: أحب اللون الأحمر.

توقفت أميرة عند هذا الحد، ساد الصمت للحظات لم تحبذ شادية قطعه، حتى فعلت أميرة وهي تستقيم من مكانها قائلة بتعب: لقد تعبتُ اليوم.
ابتسمت لها شادية وهي تنهض بتثاقل حتى غدت أمامها لتخبرها بصدق: لاتضغطي على نفسك كثيراً أميرة.

هز رأسهابالإيجاب ثم اتجهت نحو الخزانة الموجودة خلف باب المنزل، لتتناول معطفها، ثم اتاها صوت شادية متحدثةً: اسمعي أميرة، في الغد سأذهب الى عيادة الطبيبة للمراجعه، مارأيك لو تأتي معي؟
استدارت أميرة نحوها ثم أومأت برأسها إيجابا بتردد.
خرجت تحت أنظار شادية وهي تجزم أن القصة باتت أصعب على أميرة، وأنها كلّما اقتربت من النهاية ستتعب أميرة اكثر، ولكن لا مناص من متابعة القصة وإلا، فإن أميرة لن تُشفى.

عاد جواد مساء من عند براء، وفي داخله ألف سؤال عما حصل له، فكر في آن يسأل والدته لكنه علم أنها ان تخبره بشئ.
نفخ بتعب وهو يصعد الدرج قبل أن يسمع صوت فتح بابٍ ما وإغلاقه، علم أنها ليليا فانتظر لثوان قبل أن تنزل ليليا وشعرها الليلي الطويل يتمايل خلفها بخفة، لم تره هي، بل كانت تتمتم مع اغنية ما وقد وضعت سماعات في أذنيها وتتمايل بسلاسة مع نغمات الاغنية التي تستمع إليها.

مرت لحظات وهي تتمايل وترقص بخفه، وهو فقط يراقبها، تنحنج بحرج ثم اقترب ليضع يده على كتفها، انتبهت له فأحنت رأسها بحرج كبير، ثم مالبثت أن هربت تجرب على الدرج وسط دهشته.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة