قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الرابع

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الرابع

رواية أشلاء للكاتب علي اليوسفي الفصل الرابع

- حسناً حسناً، دعينا نتوقف هنا لنجري مناقشةً سريعة.
هتفت بها شادية التي حضرت منذ الصباح يملؤها الفضول لمعرفة بقية الحكاية وهي تشير بيديها، ثم تابعت: أخبرتني أن أميرة أمضت الحفل بطوله إلى جانب والدها، لماذا؟

ابتسمت ليلى بتحفظ مجيبةً: لإنه لا أصحاب لها، لم تكن تعرف أحدا هناك، وجميع المتواجدين حينذاك كانوا إما رجال أعمال أو ذوو مناصب قيادية عليا، والجميع كانوا مُقاربين لوالدها في السن، لهذا لم تجد من تقضي سهرتها معه.
هزت شادية رأسها بتفهم لتضيف: حسناً، إذاً ماذا حدث عندما أحرجها الضابط؟

ازدردت ريقها بوجل وهي تتمتم: تركت والدها ليذهب معه، بينما بقيت هي تنظر إلى الضابط باستفهام، لم تعرف لماذا ولكنها شعرت بأن هذا الوجه ليس غريباً عنها أبداً.
- زمّت شادية فمها بتفكير، ثم ابتسمت بلطافة واردفت: حسناً إذاً، تابعي مالذي حدث بعدها؟

تنهدت ليلى بتعب، ثم انكبّت على الأوراق تتابع قراءتها: مضى الحفل بسلام، ومرّت بعده ثلاثة أشهر أخرى، تعودت على وطني الجديد، و قد نقلتُ دراستي أيضا ً إلى أرقى الجامعات هناك، ورغم ذهابي المنتظم إلى جامعة الإقتصاد، لكنني لم أنجح بتأسيس صداقات متينة، ولم أكن أعرف أهذا لعلةٍ فيّا أنا؟ أم أنهم لم يستطيعوا تقبلي؟

لم أفكر في هذا الأمر كثيرا، فقد قرر والدي أن يصحبني معه في أوقات فراغي لأرى على أرض الواقع كيف تسير الأمور هنا، وبدأ في تعليمي أهم شروط العمل ومقومات نجاحه، كانت حياتي تسير بشكل اعتيادي روتيني مملّ، حتى أتى يوم عيد ميلادي الواحد والعشرون.

Flash Back.
دخلت أميرة إلى القصر بعد إنهاء محاضراتها لليوم، هاتفت والدها لأكثر من مرة لكنه لم يُجبها، فشعرت بقليل من الأسى كونها اعتادت على الذهاب يومياً إلى الشركة برفقته.
نفخت بضيق وهي تصّعدُ الدرج ملاحظةً خلوّ المنزل تقريباً، لكنها ماإن أصبحت في الطابق الثاني، حتى اشتعلت الأضواء فجأة ليصدح صوت قوي: مفاجأة!

شهقت بخفة من هول المفاجأة، كان البهوّ الصغير مزيناً بشرائط ملونه وبالونات تحمل أحرف اسمها، كان والدها يقف أمام الطاولة الخشبية الكبيرة، والتي اصطفّ عليها أشهى أنواع الطعام والعصائر، وقد احتلت كعكة كبيرة تحمل صورةً لها وسط الطاولة، وتم وضعُ واحدٌ وعشرون شمعةً بشكل مرتب على الكعكة، ضربت جبينها بخفة وقد أغفلت أمر عيد ميلادها أساسا.

تقدم عمار ناحيتها، ليضمّها إليه بحنوٍّ واضح وهي يهمس لها: ميلادا سعيداً حبيبتي.
ابتسمت له بهدوء، فتابع وهو يكتم عبراته بصعوبة: اليوم اصبحَ عُمركِ واحدٌ وعشرون عاماً! آه يا صغيرتي لقد كبرتي لتصبحي أميرةً حقيقية.

احتضنت والدها وغرست رأسها في أحضانه، وهو كان متشبثاً بها كأنه يودعها، في تلك اللحظة تعالت صرخات فتيات غير مفهومةٍ من خلفها، التفتت لتجدَ صديقتيها العزيزتين، جينفير و أنجلينا تقفان خلفها، ابتعدت عن أحضان والدها لِتُلقي نفسها في أحضانهن، لقد كانت سعيدة برؤية صديقتيها الوحيدتين، حيث عَلِمت منهما أن والدها ارسل طائرته الخاصة ليجلبهن من أمريكا حتى يحتفلوا بعيد ميلادها معها.

قطّعت أميرة كعكة عيد ميلادها، لتقترح عليها أنجلينا بأن يذهبن للاحتفال وحدهن في إحدى الملاهي.
عارض عمار الفكرة في البداية، لكنه عاد ووافق بعد إلحاحٍ عظيم من الفتيات، ليسمح لهن بالذهاب على مضض، شرط أن يصحبهن سائقه الخاص.

- صعدت إلى غرفتها لتبدّل ملابسها، تبعتها عليا لتخبرها أنها ستبات الليلة عند مدبرة القصر السيدة آمال في منزلها الخاصّ كونها تعيش وحدها، استغربت أميرة الأمر بدايةً لكنها لم تهتمّ للغاية، نزلت بعد أن بدلت ملابسها ودلفت المكتب لتودّع والدها، عانقها بقوة وكأنه يخشى فراقها، ثمّ اوصاها ألأ تتأخر في العودة، انطلقت الفتياتُ الثلاث من القصر، حيث كانت السّاعه تشير إلى الثامنة مساءً.

تأخر الوقت دون أن تشعر الفتيات به، ليعُدنَ إلى القصر بعد منتصف الليل حيث كانت الساعة تشير إلى الثانية فجراً، دخلنَ إلى القصر الذي كان هادئاً للغاية، توجهت مع صديقاتها إلى غرفتها، لكنها تسّمرت فجأة وهي ترى باب غرفة والدها مفتوحاً، ظنت أنّ والدها مازال مستيقظاً وسيوبخها لتأخرها هكذا.
، اعتزمت أن تعتذر منه، اقتربت من الباب لتدفعه بيدها بخفه، قبل أن تُطلقَ صرخةً شقّت السّكون المحيط.

- عقد جواد حاجبيه متسائلاً بدهشة: أو قُتِلَ عمار؟ كيف و من الذي فعلها؟
تنفس براء بعمق مجيباً: لاتستعجل الأمور جواد، دعني أحكي لك قصتي وستفهم رويداً رويداً.

ضغط جواد على شفتيه متفهماً، بينما تابع براء: في اليوم التالي للحفل، استفقتُ صباحاً ليتنامى إلى مسامعي خبر مقتل فهمي جابر بحادث سيارة، بعدما شرب جرعة زائدة من المخدرات، لم اقتنع أن الأمر انتحار، بل هي جريمة موصوفة، إلا أنني لم أملك الدليل الكافي، كلّفت من يراقب عمار ليقيني أنه سيخطئ يوما، حتى نمت في أحد الأيام، لأستفيق الساعة الثانية ونصف فجرا، ليخبرني أحدهم بمقتل عمار.

تنهد بقوة وهو يفتح عيناه متأملاً السقف مردفاً: وهنا، بدأت حكايتي.

Flash Back.
انقلب البيت فجأة رأسا على عقب، دخل براء القصر مع عددٍ من رجال الشرطة، وجد أميرة في صالة القصر وهي تبكي بحرقة من هول المنظر، تابع صعوده إلى الطابق الثاني حيث غرفة عمار، وجده جالساً على كرسي من خشب الزان المتين، كان أشبه ما يكون كرسيّاً لملكٍ من العصور الوسطى لفخامته.

صمتٌ رهيب عمّ الغرفة الفخمة، قطرات من الدماء انتشرت على الحائط خلفه، مشى براء بخفة وقد أشار لجميع المتواجدين خلفه بالانتظار، ضيٍقَ عينيه وهو يتفحّص كلّ إنشٍ في الغرفة، لا آثار مقاومة.
اخرجَ من جيبه قفازاً طبياً، ليفتح أدراج الطاولة الصغيرة المتواجدة بالقرب من سريره الضخم، وجد عدة رزمٍ من المال، إذاً احتمال القتل بهدف السرقة غير موجود.

توقف أمام الجثة على الكرسي، لفت نظره مسدساً بكاتم صوت في يده اليمنى، عقد جبينه بتفكير، الاحتمال الأقرب الآن أن تكون جريمة انتحار.
أعطى أوامره للفريق المتواجد معه بالدخول للكشف عن أي بصماتٍ تحت إشراف صديقه في القسم الجنائي( عادل )، ثم خرج هو لأخذ بعض الإجابات على أسئلته.

بدأ مع الشاهد الأول على الجريمة، أميرة، وقف أمام مقعدها وهو بتكلم بحزم موجهاً حديثه إلى صديقاتها اللاتي يحاولن تهدأتها: هلّا سمحتم لي بطرح بعض الأسئلة عليها؟
نظرت كلا من جينفر وانجلينا إلى بعضهما باستغراب، فلم بفهما لغته العربيه، نفخ بسأمٍ وهو يعيد تكرار سؤاله باللغة الانكليزية، ابتعدتا كلتاهما عنها على مضض، جلس براء قبالتها ليسألها بجمود: هل تستطيعين إخباري بما حدث بالضبط؟

كانت أميرة ترتجف بشدّة وهي تطوّق جسدها بيديها، خرج صوتها متقطعاً مرتجفاً، ممزوجاً ببكائها دون أن تنظر إليه: لا أعلم، لقد كنتُ خارجاً، وعندما عُدتُ وجدته...
ثم أجهشت بالبكاء وهي تغطي وجهها بيديها، تأفف في نفسه لم يكن في مزاجٍ رائق لسماع نواح أحدهم، فسألها ثانيةً بجمود: أين كنتي بالضبط ياآنسة؟ ومتى عُدتي ورأيتي والدك في هذه الحال؟

تقطعت أنفاسها وهي تحاول أن تجيبه بنهنهة بكائها: كنتُ، احتفل مع، صديقاتي، بعيد، ميلادي.
استطاع أن يميز كلماتها هذه، فتسائل مجددا: متى عدتي إلى هنا؟
- اجابته باللغة الانجليزية: لا اعرف بالضبط، تقريبا في الساعة الثانية.
نظر إليها شزراً وهو يكزّ على أسنانه غيظاً: كلّميني باللغة العربية ياآنسة.
مسحت عبراتها وهي تقول بغباء بالإنكليزية مجددا: أنا آسفة.

طالعها بنظراتٍ حانقة، لكنه ضغط على شفتيه وأغمض عينيه ثم وفي بثقل، فتح عيناه مجددا يسألها: من كان في القصر في هذا الوقت؟
اجابته بصدرٍ مُتهدّج من آثر البكاء: الخدم والأمن.

هزّ برأسه موافقا، ليقف متجهاً نحو بقية الخدم، اخذ إفادتهم وهو يراقب أدنى حركة تصدر عنهم، لم يكن هناك مجالٌ لتبرأة أحد، الكلُّ مشكوكٌ به حتى يثبت له العكس، أمر أحد رجاله بأن يُفرِغَ اشرطة كاميرات المراقبة والتحّفّظ عليها حتى يتمكن من مشاهدتها.

اتّجه من جديد نحو ساحة الجريمة، حيث كان الطبيب الشرعي يضع جثمان الراحل في كيسٍ مخصص للجثث، فسأله بعملية: دكتور جميل هلّا أخبرتني عن انطباعك الأول لمشاهدتك الجثة؟
وقف جميل بعد إنهاء ماكان يفعل، ليتلفت إلى براء قائلا باحترام: من ينظر إلى حالة الجُثة للوهلة الأولى سيعتقد أنها جريمة أنتحار، لكنني أكاد أجزم أنها جريمة واضحة.
عقد براء حاجبيه متسائلا: ماذا تقصد دكتور جميل؟ هلّا أوضحت لي أكثر؟

هلا جميل قفازيه الطبيين، ثم أمر الشابين بقربه بحمل الجثة على الحامل الطبي المخصص، ليلتفت نحو براء متجدّثاً بإسهاب: سيدي، من الواضح لي أنه تمّ وضع المسدس في كف المتوفى بعد قتله وليس قبل أن يُقتل، ولكتني لن أستطيع الجزم بهذا قبل أن أقوم بتشريح الجثة.
رفع براء رأسه وضيق عينيه بتفكير، ثم هز رأسه متفهما قبل أن يسأله: ماهي حالة الجثة وتوقيت الوفاة؟

- بمهنية وجدية عالية أجاب جميل: طلقة واحدة في منتصف الجبين، لا جروح دفاعيّة وكما أرى حالة الغرفة فلا آثار مقاومة.
تعتدل في وقفته ليتابع: أما عن وقت الوفاة، فأنا أُرجّح أن تكون قد حصلت بين الساعة الثانية عشَر ليلاً والثانية صباحاً.
اشار له موافقا ثم أردف: أشكرك دكتور جميل تستطيع الذهاب، وسأعرج عليكَ صباحاً لأخذ تقريرٍ مفصّل عن الجثة.

أماء جميل بالإيجاب، ثمّ تحرّك براء من أمامه وقدْ قرّر وضع الجميع في خانة الاتّهام.
وصل الى البهوّ السفلي حيث كانت أميرة تجلس مع صديقاتها، وقف قريباً منها ثمّ صدَح صوته أمراً: فليسمعني الجميع، لن يتحرّك أحدكم من هنا، لن تستطيعوا السفر أو تغيير محلِّ إقامتكم دون إبلاغي بهذا شخصيّاً.
ساد جوٌّ من الهرج والمرج في الصالة الكبيرة بين المتواجدين، أردف بصوتٍ عالٍ لمنعهم من الثرثرة: الجميع الآن محطّ اتهامي.

ثمّ وجّه نظره إليها، وهي ماتزال منكسةً رأسها وغاباتها الزيتونيٍة ماتزال تمطر عبراتٍ متألمة: الجميع مشكوكٌ فيه، حتى ابنته.
رفعت رأسها فجأةً كمن لدغه عقرب سامّ، وجهت نظراتها إليه لتلتقي خضراوتيها الباكيتين بسوداوتيه الباردتين و.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة