قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل مئة وعشرة

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل مئة وعشرة

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل مئة وعشرة

الألم شعور بشع بالألم الخالص اجتاحها لساعات طويلة ظنت أنها علي مشارف الموت ما هي الا لحظات وتلفظ أنفاسها الأخيرة، الألم كان أبشع مما يمكن احتمال وكأن عظامك تنكسر واحدا تلو الأخر ببطئ مؤلم قاسي، ولكنه كما بدأ انتهي اخيرا آخر ما سمعته قبل أن تفقد وعيها صوت بكاء طفل رضيع، طفلها هي، فتحت عينيها بتمهل، لاتزال أثر ذلك الألم تسيطر عليها، ترهق جسدها ولكن دافع قوي حثها علي الاستيقاظ وهو طفلها الصغير تريد أن تراه تشبع روحها من عبيره البرئ، تأوهت بصوت خفيض، حين حاولت أن تنتصف جالسة، ليهرع جاسر إليها حاوطها بذراعيه يسند جسدها برفق يضع وسادة خلف رأسها ابتسم لها يغمغم مترفقا:.

- حمد لله علي السلامة.

ارتسمت ابتسامة شاحبة علي شفتيها تجول بعينيها في أرجاء الغرفة لينا هناك تنام علي الأريكة القريبة من الفراش، نظرت ناحية النافذة، أنهم في صباح اليوم التالي، هل نامت ليلة كاملة دون أن تشعر، حركت ملقتيها تبحث عن ذلك الفراش الصغير الذي تراه دائما في المسلسلات والافلام يجاور فراش الأم، ولكن غرفتها بلا فراش، أين طفلها أو طفلتها، حركت انظارها سريعا ناحية جاسر، علي الرغم من ألم جسدها العنيف إلا أن الخوف الذي استبد بقلبها جعلها تصيح حتى لو خرج صوتها ضعيفا ولكن ملتاع خائف مذعور:.

- البيبي فين يا جاسر، حصله حاجة، مات صح، مات مش كدة
توسعت عينيه ذعرا ماذا تقول تلك البلهاء حرك رأسه بالنفي بعنف ينفي تلك الفكرة السيئة ليردف سريعا:
- بعد الشر عليه يا سهيلة، حبيبتي ابننا عايش، هو بس في الحضانة لأنه اتولد في السابع محتاج يفضل في الحضانة مدة بس إنما هو كويس.

حركت رأسها نفيا تغمر الدموع وجهها كل ما يجول في رأسها الآن، إن طفلها أصابه مكروه وهو يكذب، لف ذراعه حول كتفيها يقربها لصدره يمسح علي شعرها يحاول جعلها تهدئ قليلا:
- والله يا سهيلة ابننا كويس وبخير، واسالي حتى حسام لما يجي...

في تلك الانثاء تملمت لينا علي الأريكة نومة غير مريحة إطلاقا ولكنها لم تكن لتترك صديقتها وتغادر، بمعجزة اقنع حسام والدهم أن يسمح لها بالمبيت في المشفي، نظرت لسهيلة مذعورة حين رأت صديقتها تبكي بذلك الانهيار هرولت من مكانها بخطي سريعة توجهت ناحية فراشها تسألها ملتاعة:
- مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه، في اي يا جاسر مالها سهيلة
حرك رأسه يآسا لما تلك الدراما صباحا، الطفل بخير، نظر لشقيقته تنهد يتمتم يآسا:.

- ابدا يا ستي من ساعة ما عرفت أن البيبي دخل الحضانة وهي فتحاها منحة ولا كأنها بقالها سنين في كلية الطب، خليكي جنبها علي ما اشوف حسام فين
ربت علي رأسها ليقبل جبينها قام من مكانه متجها لباب الغرفة فتحه وخرج، لتقترب لينا من سهيلة جلست جوارها لترتمي سهيلة بين أحضانها حاوطتها لينا بذراعيها، في حين انهارت سهيلة باكية تتمسك باحضان صديقتها تتمتم من بين دموعها بحرقة:.

- أنا خايفة، خايفة عليه اوي يا لينا، أنا ما شوفتوش ما خدتوش في حضني حتى...
كلماتها الباكية تعيدها لذكري بائسة تكرهها، ذلك ليس وقت الذكريات ابداا، نفضت تلك الافكار السوداء من رأسها نظرت لصديقتها ابعدتها عنها برفق، امسكت ذراعيها بين كفيها ابتسم في عجب تتمتم بمرح زائف باهت:.

- ايه يا سوسو، أنا صحيح كنت بكره طب بس انتي كنتي بتحبيها، وانا لسه فاكرة كويس أوي، اننا خدنا أن الأطفال اللي بتتولد في السابع في الاغلب بتحتاج تروح حضانات، بيبقي لسه الجنين حجمه صغير يا سهيلة ومناعته ضعيفة والجهاز التنفسي بتاعه بيكمل، صدقيني البيبي هيبقي كويس.

كلماتها اقنعتها ولكنها لم تسكن ألم قلبها، هي لا تريد سوي أن تحتضن طفلها، والآن لن يسمح لها حتى بلمسه، نظرت خلفها حين سمعت صوت الباب يليه صوت حسام يتحدث ساخرا:
- جاسر قالي أنك فتحاها مناحة علي الصبح، مش كفاية خرمتي ودن اهلي إمبارح.

فقط ابتسامة ضعيفة هي من ارتسمت علي شفتيها لتسقط دموع لم تستطع إخفائها من مقلتيها، نظر حسام لجاسر الواقف خلفه يقلب عينيه ساخرا، تحرك يقف أمام الفراش عقد ذراعيه أمام صدره يتمتم مترفقا:
- في ايه يا سهيلة، مالك، يا ماما والله، الطفل كويس وبخير، بس لازم يفضل فئ الحضانة، عشان مصلحته، هخلي جاسر ياخدك تشوفيه، ما تقلبيهاش مناحة بقي.

ابتسم ابتسامته المرحة يحاول تغيير دفة الحوار لشئ آخر نظر لجاسر يضيق عينيه كطفل صغير يتمتم حانقا:
- جوزك الحيوان مش عاوز يسمي الواد حسام علي اسمي، هيلاقي احسن من اسمي فين أنا مش عارف، ويكون في علمك أنا بكرة هخلف بنت ومش هجوزها لابنك..

ضحك جاسر ينظر لحسام ممتنا في الفترة القصيرة التي تعرف فيها علي حسام بات علي علم بما يفعله ذلك الرجل هو فقط يحاول إدخال البهجة والسعادة علي قلوب الجميع بمرحه المعتاد متناسيا نصيبه هو من السرور، تحرك جاسر ناحية فراش سهيلة جلس جوارها من الناحية الأخري ينظر لحسام يبتسم في استفزاز يتمتم باصفرار:
- بردوا مش هسميه حسام، سهيلة هي اللي هتختار اسمه، ومش هيبقي حسام.

ضيق حسام حدقتيه يرمي جاسر بنظرات حانقة كتف ذراعيه أمام صدره يشيح برأسه بعيدا يغمغم في ألم زائف مضحك للغاية:
- أهل دول وصحاب ولمة ولا دول تعابين وسامة شوفت قسوة وجرح منهم وأنا بلعب كورة السلة
ضحكت سهيلة بخفة، تعقد جبينها ظنت أن الوقت امامها لا يزال مبكرا لتختار اسم جنينها، ولكنه فجاءها بالقدوم باكرا، تعجبها حقا الكثير من الأسماء، في حيرة ايهم تختار.

بينما جوارها مباشرة هناك ذهبت عيني البندق تشرد في ذكري بعيدة عن العين تسكن القلب، تتسطح علي الفراش في غرفتهم في الفندق تنظر لسطح الغرفة ترسم بيديها اشكال وهمية في الهواء، حين خرج هو من مرحاض الغرفة يجفف شعره بمنشفة صغيرة ابتسم حين رآها تفعل ما تفعل اقترب منها يجلس جوارها علي الفراش يسألها مبتسما في عشق دائم:
- بتعملي ايه يا لينا.

ضحكت كطفلة صغيرة بلهاء تكمل ما تفعل بيديها نظرت ناحيته نظرة خاطفة تتمتم مبتسمة:
- برسم في الهواء، زهقانة، بقالك ساعة ونص بتستحمي
ضحك ياسا من أفعالها صدمها علي رأسها برفق ليحرك يده في الهواء هو الآخر كأنه يرسم بأصابعه نظرت لسه خلسة تضيق عينيها الفضول يقتلها لتعرف ما يرسم، ثبتت عينيها مع حركة يديه لتسمع صوت يهمس بنبرته الدافئة:
- طفل صغير هيكبر يوم بعد يوم همسك ايده عشان اعمله المشي، ابننا يا لينا.

ابتسمت سعيدة لينزل يده من الهواء يمدها إليها جذبها لتضع رأسها علي صدره يداعب خصلات شعرها بكف يده ابتسمت تسأله برقة خافتة:
- هيكون عندنا احلي بيبي في الدنيا، كفاية عينيك الزرقاء دي وشعرك اللي مدي علي أصفر، أنت اجنبي يا إبني، أنت جاسوس وعامل فيها ظابط.

ضحك رغما عنه يحرك رأسه ياسا من كان يصدق، إن في يوم من الأيام سيحط طيره الشارد رأسه علي صدره يسكن جناحه علي صدره تعلو ضحكاتهم، حرك رأسه بالإيجاب يتمتم ساخرا:
- ايوة ايوة أنا اسمي الحقيقي دنيال، الأفلام دي هتاكل مخك
ضحكت بخفة تغرق رأسها في صدره تستمع للحن دقات قلبه المتسارع عشقا، رفعت مقلتيها إليه تسأله بابتسامة ناعسة:
- طب قولي بقي لو جبنا بنت هنسميها ايه ولو ولد هنسميه ايه.

تحرك بمقلتيه بعيدا عنها شردت عينيه في الفراغ ليس فراغ الغرفة بل في فراغ ذلك الجزء المُعذب في روحه، كان يتمني أن يعطي ابنته الأولي اسم والدته ولكنه أن فعل ستكرر حلقة أسماء لينا، أما والدته الحقيقة، لا مكان لها في حياته لن يذكرها حتى بالاسم، تنهد يعود بانظاره إليها ابتسم يتمتم:
- لو بنت هنسميها وتين، عشان تبقي وتين قلبي هي وامها.

ابتسمت خجلة تنظر لمقلتيه مباشرة تبتسم كعاشقة عرفت للتو معني الحب، همست له بصوت خفيض ناعم:
- حلو اسم وتين، طب لو ولد...
لمعت عينيه لمعة صافية توسعت ابتسامته الحانية يتمتم مبتهجا:
- ياسين أنا بحب الاسم دا أوي، بحسه اسم نقي بيور، ياسين خالد زيدان الحديدي
ياسين، ياسين، ياسين...
لم تكن تدري أنها خرجت من شرودها وتتمتم بذلك الاسم بلا توقف الا حين سمعت صوت صديقتها تحادثها:.

- حلو اسم ياسين يا لينا بس قديم، ايه رأيك في اسم أحمد، اسم جديد
ابتسمت لينا في سخرية ترفع حاجبها الأيسر في تهكم واضح كأنها تقول حقا!

نصف البلد اسمهم أحمد من الأساس، وافق جاسر اختيار زوجته ليكن أحمد إذا، صوت دقات علي باب الغرفة قاطع تلك الجلسة، سمح جاسر للطارق بالدخول ليدخل هو، رأته بعد أيام غياب ابتعد فيها عن المنزل منذ عودة والدته، ها هو يقف أمامها لما تبدو ملامحه مجهدة تعبة، رغما عنها لم تستطع إزاحة عينيها عن قسمات وجهه، اشتاقت لبحار عينيه لتطفئ لوعة قلبها المشتعل، ها هو امامها يقف بطوله الفارع، قميص أبيض اللون سروال من الحينز الأسود يحمل باقة ورد كبيرة وعلبة بها هدية، اقترب منهم، ليقف حسام سريعا يعانقه يختطف باقة الورود منه يحتضنها بقوة أخرج طرف لسانه لسهيلة يغظيها:.

- الورد دا عشاني
ضحك زيدان من أفعال صديقه الطفولية أخذ باقة الورود من بين يديه اقترب من فراش سهيلة يضعهم أمامها يحادثها مبتسما:
- حمد لله علي سلامتك يا سهيلة وألف مبروك، وأنا جاي شوفت باباكي واقف. عند الحضانة بيبص علي البيبي، ربنا يباركلكوا فيه وتفرحوا بيه.

خرج حسام حين استعدته احدي الممرضات للمرور علي المرضي، جلس زيدان علي أحد المقاعد صامتا يتحدث مع جاسر بكلمات قليلة بين الحين والآخر، نظرت سهيلة لجاسر في ذلك الوقت تتوسله قائلة:
- عشان خاطري يا جاسر هشوفه حتى وهو فئ الحضانة.

تنهد حائرا يعرف أنها ستبكي وتنهار بشكل مبالغ فيه ما أن تري الصغير، ولكن ماذا يفعل هي لا تتوقف عن الإلحاح لرؤية وهو حقا لا يلومها، كيف يلوم أم علي لوعتها لرؤية صغيرها، ابتسم مترددا يحرك رأسه بالإيجاب
ليقوم زيدان في تلك الاثناء نظر لساعة يده نظرة خاطفة ابتسم يتمتم معتذرا:
- طب هستأذن أنا عشان الشغل، وبإذن الله اجلكوا في السبوع.

صافح جاسر زيدان يودعه، اختطف نظرة سريعة لها، رأتها جيدا وكيف تغفل عنها وهي لا تفعل شيئا سوي اختلاس النظرات إليه طوال الوقت، اجفلت علي وغزة من يد سهيلة فئ ذراعه قطبت ما بين حاجبيها تنظر له مستنكرة ما فعلت بينما مالت سهيلة ناحيتها تهمس بصوت خفيض متعب:
- حاولي تتكلمي معاه يا لينا التجاهل اللي انتوا فيه دا مش هينفع، طبقي نصايحك اللي عماله تقوليهالي.

تتحدث معه عن ماذا وما ستقول، هي حقا لا تعرف اي نوع من الحديث من الممكن أن يجمعهما بعد ما حدث، كرامتهم تأبي وبشدة أن تخبره أنها لا تزال تحبه، ماذا أن كان لم يعد هو يحبها، حركت رأسها تنفي الفكرة استأذنت منهم، أنهم ستتوجه إلى المطعم تحضر بعض المأكولات، خرجت من الغرفة تغلق الباب خلفها لتتوسع عينيها مندهشة حين رأته يقف خارجا يتحدث في الهاتف، مع من يتحدث، ظهره مواجها لها يدس كفه الأيسر في جيب سرواله والايمن يمسك به الهاتف، هل هذا والدها الذي يحادثه أم أنه يُحادث تلك الشقراء اللزجة، ترددت كلمات سهيلة في رأسها توا، هي وهو يحتاجان لجلسة مصارحة طويلة للغاية، جلسة يكشف كل منهم عما يدور داخل قلبه المغلق الملتاع ألما، ولكن كيف تخبره بذلك، اخذت نفسا قويا تزفره بعمق، بشكل مباشر ستخبره بشكل مباشر، أيسر الطرق هو الطريق المستقيم، تقدمت ناحيته فقط خطوتين، قبل أن تجد باب أحدي الغرف يُفتح بعنف ويخرج رجل يُسند زوجته يصرخ فزعا، توسعت عينيها هي هلعا من الدماء التي تغرق ملابس الزوجة الحامل، اندفع الاطباء والممرضات ناحيتهم ليصيبها هي دوار شديد، في تلك اللحظة تحديدا شعرت أن الأرض تلتف بعنف رأته وهو يهرع إليها أمسك بذراعيها قبل أن تسقط يصيح فيها قلقا:.

- مالك يا لينا
- دايخة اوي وحاسة اني عايزة ارجع.

همست بها بصوت ضعيف قبل أن تزوع عينيها كادت أن تسقط أرضا ليحاوطها بذراعيه يحملها، تلك الكلمات التي نطقتها توا اشعلت في جسده نيران لن تنطفئ ابداا، أيعقل أنها تحمل بطفل من ذلك الرجل ولما لا ألم تكن زوجة له، نعم زوجته، تم زواجهم والآن تحمل طفلهم، مجرد الفكرة جعلت خلاياه تصرخ تتعذب، لم يعرف حتى كيف وصل بها إلى أحدي غرف الكشف حتى، أخبر الممرضة أن تستدعي حسام لأن شقيقه متعبة، وقف هو جوار الفراش ينظر لجسدها المسطح عليه تركزت مقلتيه عند بطنها، يشعر بخنجر حاد النصل يشطر قلبه، أتحمل طفل من غيره، ولما يتألم، هل لأنه لا زال يعشقها بكل ذرة تنبض فيه، كم رغب في تلك اللحظة في أن ينزع قلبه الأحمق يلقيه أرضا يدهسه بحذائه، فقط دقيقتين وجاء حسام يهرول إلى الغرفة نظر لزيدان يسأله فزعا:.

- مالها لينا حصلها ايه
انتقل بمقلتيه بينها وبين صديقه، ابتسم شقت شفتيه ابتسامة ألم بشعة، خرج صوته خاوي من الحياة:
- لينا ممكن تكون حامل من نائل.

لا يعرف أيقولها في صيغة سؤال يتمني نفيه أم حقيقة يتمني أن تكن هي الكذب الذي خدع الحقيقة وارتدي ثيابها ليخدعه هو، شخصت عيني حسام مذهولا، خرج زيدان من الغرفة وقف خارجا استند بجسده إلى الحائط عينيه تشرد بعيدا، إلى متي سيتسمر ذلك الحال، استدعي حسام أحدي الممرضات دخلت للغرفة لدقيقة فقط، ليراها تخرج من الغرفة تمسك زجاجة صغيرة بها القليل من الدماء، ابتسم ساخرا، حسام يريد التأكد من صحة ظنه، لن يبقي ليستمع إلى الحقيقة المؤلمة لن يتحمل ذلك الألم من جديد، توجه إلى باب الغرفة فتحه فقط جزء ضئيل للغاية جزء استطاع منه سماع ذلك الحوار الذي يجري بالداخل ابتداءً من صوت حسام وهو يسأل لينا:.

- يا لينا متأكدة أنك مش حامل أنا بعت عينة دم ليكي تتحلل عشان نتأكد
وصل إليه صوتها الشاحب المتعب وهي تردف منفعلة:
- مش حامل والله مش حامل، أنا ومعاذ ولا نائل جوازنا ما كنش اكتر من حبر علي ورق
شخصت عينيه في دهشة لا يصدق ما تسمعه أذنيه، أحقا ما تقول، ليسمع حسام يسألها حذرًا:
- يعني ايه.

سمع زفرتها القوية يبدو أنها تعبت من الحديث مع حسام الفضولي الذي يرضي فضول ذلك الواقف خارجا دون أن يعلم أي منهم لتتمتم بنزق:
- يعني من يوم فرحنا وأنا في اوضة وهو في أوضة، حتى لما خطفني، قالي علي ميولة الغريبة الشاذة معاذ ولا نائل دا ما كنش طبيعي
كان شاذ يا حسام من الآخر
سمع صوت شهقة مدهوشة تأتي من صديقه ليتمتم بعدها مذهولا:.

- نهاره أسود، ايه البني آدم دا، دا ناقص يكون بيؤد بنات ويبقي ليفل الوحش في الجحود.

لم يقل ذهول حسام عن ذهوله ترك مقبض الباب يبتعد عن الغرفة قليلا، جلس علي أحد المقاعد ينظر للأرض يبتسم ساخرا، لما يشعر بالسعادة حين علم أن ذلك الفتي لم يمسها، ذلك لم يشفي سوي جزء من جرح قلبه، ليس من الساهل إن يتجاوز بسهولة أنها فضلت ذلك الشيطان عنه، إهانت كرامته ورجولته لأجل وغد دنئ، لو فقط يعلم أنه وغد لعب علي وتر مشاعرها الحائرة أظهر الجميع هم أشرار الحكاية ليكن هو البطل الطيب الذي جاء لينقذ الاميرة، تحرك يخرج من المستشفي، صادف في طريقه سهيلة تقف في المنتصف بين جاسر وابيها تبسط يدها علي زجاج غرفة « الحضانة » تنظر لطفلها تبكي، لا يعرف أتبكي فرحا أم خوفا.

بأمر من كبير العائلة من هو كبير العائلة الآن، صاحب قاعة الزفاف الذي يقيم جميع الحفلات في منزله تقرر قيام زفاف أدهم ومايا يوم السبت زفر حسام أنفاسه حانقا والده لم يجد سوي أول أيام العام الدراسي ليقرر فيه أن الزفاف اليوم، زفر أنفاسه متعبا منذ أيام وهو في دوامة لا تنتهي، والآن ها هو يقف هنا نظر لساعة يده ليزفر أنفاسه متوترا وقف أمام باب غرفة المحاضرة المغلقة يتأنق بحلة رمادية اللون وقميص ابيض يحمل حقيبة جهاز « اللاب توب » علي كتفه، رفع يده يعدل من وضع نظارة عينيه الطبية الشفافة وقف للحظات يلتقط أنفاسه، لقد حاضر من قبل حين كان في السعودية تلك ليست مرته الأولي، ادار مقبض الباب ليدخل في لحظة دخوله توقفت الاصوات الصاخبة المنعبثة من داخل القاعة ليسود الصمت المكان تحرك بخطوات رشيقة ناحية المكتب يضع حقيبته عليه، التفت ينظر للطلاب الجالسين أمامه تحرك من مكانه يقترب من مدرجات الطلاب قليلا رسم ابتسامة هادئة علي شفتيه يتحدث برزانة غير معتادة:.

- صباح الخير يا شباب، أنا دكتور حسام السويسي هكون محاضركم لمدة شهر بإذن الله لحين عودة دكتور صادق من سفره...

للحظات توقفت باقي الكلمات داخل حلقه حين وقعت عينيه عليها لا يعرف كيف لم يرها من البداية ها هي تجلس هناك بعيدا تنظر له في ذهول فكها يكاد يلامس الأرض من الدهشة، ليرتفع جانب فمه بابتسامة صغيرة، كم رغب في تلك اللحظة أن يذهب ويعانق صادق، علي ذهابه للبعثة الآن من قال أنه سيمكث شهر واحد فقط، عذرا يا صادق ولكن علي الارجح سآخذ مكانك لباقي السنوات القادمة، حمحم يستعيد ثباته المسلوب، نظر لمقلتيها مباشرة للحظة قبل أن يحمحم يردف بجدية:.

- الأساتذة اللي قاعدين ورا، يجيوا يقعدوا قدام المدرجات فاضية قدام
تحرك بعض الطلاب ينقلون أماكنهم عداها هي، ظلت جالسة مكانها دقات قلبها تكاد تصم اذنيها، لا تصدق أنه هو الواقف أمامها، اجفلت من شرودها علي صوته وهو يحادثها:
- الاستاذة اللي ورا يا دكتورة
اشارت إلى نفسها ليحرك هو رأسه إيجابا كتف ذراعيه أمام صدره يتمتم فئ هدوء:
- سمعتي أنا قولت ايه.

تحرك يدق بقلم السبورة الأسود علي سطح مقعد فارغ في المدرج الأول عاد ينظر لها يبتسم في هدوء تااااام:
- تعالي هنا!
حركت رأسها إيجابا سريعا تنظر له، الصدمة تكاد تُفجر عقلها، كيف يعقل أن يظهر في كل مكان هي فيه بذلك الشكل، والأهم كيف يريدون منها أن تنجح في تلك المادة تحديدا وهو من يدرسها لها، ابتلعت لعابها متوترة تتحرك بخطي شبه مرتعشة، كان يجب عليها أن تسمع نصيحة والدها التي قالها لها صباحا.

« يا بنتي طنشي كدة كدة ما حدش بيروح أول أسبوع خوديني قدوة ليكي كنت بروح علي الامتحانات بس وبعدين فرح مايا بنت عمك بليل عشان ما تبقيش تعبانة ».

ولكنها أصرت أن تكون الطالبة المجتهدة وتذهب اليوم، في غياب سارين تشعر بأنها منعزلة لا يمكنها الاختلاط مع الطلاب بسهولة سارين هي من كانت تدفعها تشجعها والآن سارين ليس هنا، جلست علي المقعد الذي اشار إليه تنظر له قلبها يرتجف، لازالت تحمل ذلك المنديل الذي اعطاه لها ليلا تقرأ كلماته التي خطها لها كل ليلة...

«بضحكاتك احيا، بآنفاسك أعيش، بشذي عطرك ينبض قلبي بين خلجاتي، فأنتِ الروح والنبض، أنتِ اكسير حياتي »
كلمات تسلب لبها، تسحر عقلها، كلمات تعترف بعشق صاحبها، اجفلت تنتفض من مكانها حين دق بسطح قلمه علي سطح الطاولة امامها، اشار إلى شاشة العرض لتنتبه لما يقول لتحرك رأسها بالإيجاب سريعا، ليعاود هو الشرح من البداية لأن حبيبته البلهاء كانت شاردة.

وقف أدهم في غرفته الصغيرة في منزل جدته وقف أمام مرآته ينظر لحلته السوداء ابتسامة تكاد تلتهم وجهه من شدة اتساعها، اليوم، اليوم ستُكتب زوجة له، اليوم ستحقق أسعد أحلامه، تسارعت دقات قلبه يرغب في الرقص القفز عاليا الصياح من شدة ما يختلج بقلبه من سعادة، امسك زجاجة عطره يضع منها القليل، في لحظة دخول جدته إلى الغرفة رأي عينيها الممتلئة بالدموع ترك الزجاجة من يده ليقترب منها قبل رأسها يتمتم مبتسما:.

- بتعطي ليه بس يا جدتي
انهمرت دموع منيرة رفعت يديها تجذب أدهم لها تعانقه بقوة تمسح علي رأسه تغمغم بحرقة:
- دي دموع الفرحة يا إبني، ما تنساش جدتك يا أدهم، دا أنا ما صدقت أن ربنا ردك ليا تاني..
رفع رأسه عن أحضانها دمعت عينيه ليقبل رأسها ويدها ضمها لصدره يغمغم مبتسما:
- انساكي ازاي بس، حد ينسي أمه، دا أنا انسي نفسي وما انساكيش، ربنا يخليكي ليا وما يحرمني منك ابدا
- اوووبا ليالي الحلمية شغالة اهي...

غمغم بها مراد ضاحكا في لحظة دخوله للغرفة يحمل حذاء أدهم الأسود اللامع اقترب منه يضع الحذاء جوار الفراش يغمغم متفاخرا بإنجازه الهائل:
- الجزمة مراية خليت الواد رزق يمسحها مسحة حكاية، يلا يا عم البس عشان ما نتأخرش، العروسة بتجهز في البيت اللي هيتعمل فيه الفرح.

حرك رأسه إيجابا سريعا هرول يرتدي حذائه ليمسك مراد بسترة حلته السوداء يلبسه إياها، التف يقف أمامه يعدل رابطة عنقه، نظر أدهم لأخيه يبتسم، ربت مراد علي ذراعه في اللحظة التالية كانا يتعانقان ربت مراد علي ظهر أدهم يغمغم بانفعال صادق:
- ألف مبروك يا أدهم، ربنا يسعدك ويهنيك دايما
لحظات سعيدة لم تقطعها سوي صوت منيرة حين صدحت من بين شفتيها زغرودة عالية تتمتم سريعا:
- يلا يا واد أنت وهو اتأخرنا علي الناس.

تقدمت منيرة خلفها ادهم يلحق بهم مراد، حين خرج الأخير إلى صالة البيت، رآها منذ ساعات وهو منشغل مع أخيه، لم يرها اليوم تقريبا، لم يكن يعرف وهو يبتاع ذلك الفستان الاقحواني بلونه الفاتح الهادئ أنه ستخطف أنفاسه لتلك الدرجة وحجابها الرقيق الذي يلف رأسها بشكل أنيق يكاد يطيح المتبقي من ثباته، حتى الصغيرة ملك ترتدي فستان أبيض اشتراه منذ عدة أيام هو وفستان روحية لأجل زفاف شقيقه لم يفق من دوامة شروده علي صوت جدته تنهره:.

- يلا يا مراد هتفضل متنح فيها كتير، هي زي القمر آه بس احنا متأخرين
نظر لجدته حانقا فضحت أمره وكأنه مراهق ضُبط بالجرم المشهود، التقط أنفاسه يقترب منها يشير لها بيده لتتقدمه، حركت رأسها بالإيجاب جسدها يرتجف متوترا، تحركت إلى السيارة تجلس علي الأريكة الخلفية جوار منيرة، وفئ الإمام يجلس مراد خلف مقعد السائق وادهم جواره تنطلق السيارة إلى منزل خالد السويسي.

في منزل خالد السويسي زُينت الحديقة بشكل مبهر فمن كثرة ما اُقيم فيها من مناسب بات خبيرا فيما يتعلق بالحفلات، كوشة العروسين، الإضاءة، الموسيقي، طاولات الطعام، طاولات الضيوف، حمزة يتحرك هنا وهناك بصحبة خالد يشرفان علي الجميع، السيدات جميعا في الأعلي في غرفة مايا، التي وقفت أمام مرآه زينتها تلتف حول نفسها تكاد تصرخ من السعادة ولما تكاد فقد صرخت بالفعل:
- أنا وادهم هنتجوز اخيرا.

ضحكت لينا السويسي ساخرة من افعالها توجهت ناحيتها تقرص ذراعها بخفة تأوهت الأخيرة تنظر له حانقة لتتمتم لينا ساخرة:
- يا مدلوقة شوية وقار مش كدة...

قلبت مايا عينيها دون أن تهتم بكلمات لينا هو حقا لن يشغلها كل ما يشغلها الآن أن أدهم عاي وشك الوصول سيعقدون قرانهم، ومن ثم حفل زفافهم الرائع، اقتربت لينا زوجة خالد منها تساعدها في إنهاء آخر اللمسات، نظرت مايا لها تبتسم، في تلك الليلة تحديدا كانت علي وشك أن تنهار باكية، لولا وجودها جوارها كأنها والدتها، منذ البداية إلى هذه اللحظة زوجة عمها لم تتركها لحظة...

صوت سيارة وقفت في حديقة المنزل، هرعت إلى الشرفة أدهم هنا ومعه المأذون وشقيقه وجدته وزوجة شقيقه وابنتهم...

في غرفة الصالون قبل أن يزدحم القصر بالحضور قرروا عقد القران اولا، جلس المأذون في المنتصف بين أدهم وحمزة، تجمع فقط أهل البيت من ضمنهم مايا تقف بين السيدات يشاهدن عقد القران في مشهد مألوف تم عدة مرات امامهم، ولكنه تلك المرة مختلف بفرحة أدهم ومايا العارمة، وضع أدهم يده في يد حمزة، ادمعت عيني حمزة رغما عنه، يزوج إبنه وابنته في ليلة واحدة، لحظات مر شريط طويل من المشاهد المتتالية أمام عينيه، مشاهد طفولة شباب كبر، الآن يزوج شطري قلبه، ردد خلف المأذون إلى أن انتهي دوره ليجئ دور أدهم الذي كان يسابق الكلمات وهو ينطقها، وقع خالد واحد حراسه كشاهدين، خط أدهم توقيعه متلهفا حتى أنه كاد يمزق الورقة من شدة لهفته، جاء دور مايا اقتربت منهم تخط توقيعه ما أن وضعت بصمتها علي الورقة، شهقت بعنف خرجت بعض الشهقات من السيدات من المفاجأة التي قام بها أدهم حين حملها يلتف بها حول نفسه يصرخ من شدة سعادته:.

اتجووووووووززززتهاااااا!
تعالت ضحكات الجميع وضرب خالد كفا فوق آخر، عند باب المنزل وقف ينظر لها وهي تقف هناك تنظر لادهم ومايا تبتسم لسعادتهم، تلاقت ملقتيها بمقلتيه، لتندثر ابتسامتها شيئا فشئ، كلاهما ينظر للآخر يبحث عن السعادة في عينيه والسعادة تلتف أمام أعينهم!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة