قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني عشر

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني عشر

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني عشر

صباح يوم جديد، فتح كريم عينيه ببطئ، لم يغمض له جفنا طوال الليل وظل هكذا حتى آذان الفجر ومن ثم قام بالصلاه، ثم غفي ساعتان فقط من الزمن..

نظر لها وهي نائمة في ملكوت آخر، ملامح وجهها الساكنة، براءة وجهها الحبيب، كل ما فيها يعشقه، ولكنه مازال عند قسمه في معاقبتها، مد يده يتلمس وجنتها التي إستبغت باللون الأزرق، ليضغط على أسنانه بغيظ من أفعالها المتهورة تلك، زفر بقوة ثم نهض متجها إلى الحمام ليغتسل بينما إستيقظت فاطمة على صوت حركته فنهضت جالسة على الفراش وهي تفرك عينيها بتكاسل، ومن ثم إنتصبت واقفة وذهبت إلى غرفة صغارها وقامت بإيفاقتهما..

خرج كريم من الحمام وهو يجفف شعره بالمنشفه، فإقتربت منه تقول بحذر، وإبتسامتها المعتادة كل صباح:
- صباح الخير..
لم يرد عليها وتجاهلها عمدا، فتنحنحت بحرج وهي تقول بخفوت:
إيه اللي صحاك بدري النهاردة؟
زفر أنفاسه بقوة، ثم قال بإيجاز: يلا جهزي نفسك..
سألته وهي تصطنع عدم الفهم:
- أجهز نفسي لإيه؟، آٱ أنا تعبانة أوي النهاردة مش هقدر أروح الشغل، ه هنام..
إلتفت مقتربًا منها وهو يمسكها من رسغها قائلًا بحزم هادئ:.

ومين قالك إني بقولك على الشغل؟ أنتي عارفة بقولك على إيه إخلصي وعدي يومك بقي، ومتختبريش صبري أكتر من كده.
ثم تركها ووقف يرتدي ثيابه بملامح وجهه الجامده، فزفرت فاطمة وحاولت إقناعه بعدم الذهاب إلى ذاك السائق إلا إنه لم يسمعها، حتى مرت نصف ساعة قد ذهب الصغار إلى مدارسهم وأصبح كريم على وشك الإنفجار بها بسبب عنادها معه..
إقترب منها قابضا على ذراعيها بقوة وهو يهزها قائلًا بغضب:.

إلبسي يا فاطمة وإتقي شري، يلا عشان مترجعيش تندمي.
قالت في توسل وقد دمعت عيناها: أرجوك خلاص أنا...
قاطعها بنفاذ صبر: إلبسي، وخلصيني، يلااااااا.
أغلقت عينيها بقوة، ثم لم تجد حلا سوي أنها تنصاع له..
إرتدت ملابسها وهي تبكي في محاولة منها لإستعطافه، إلا إنه كان ينظر لها بجمود وهو يكتف ذراعيه أمام صدره، وما إن إنتهت خرجا سويا من الشقة وهبطا الدرج ومن ثم إلى السيارة..

إستقل السيارة وجلست هي إلى جواره، قاد السيارة بصمت تام وإنطلق بها وسط توسلاتها له المتتالية..

وحيدة في فراشها، منذ بداية زواجهما وهو لم يتركها ليلة واحدة، لكنه تركها هذه الليلة ولم يأتي لها، لم يأخذها داخل أحضانه ولم يربت على ظهرها بحنانه..
شعرت ببرودة تسري في جسدها فإحتضنت نفسها بكلا ذراعيها علها تشعر بالدفئ، لكنها لم تشعر فهو من كان يشعرها بذاك، هو أمانها الذي ربما يضيع ويرحل بلا عودة إن لم تتدرك سارة خطورة أفعالها!

إنحدرت دمعة حارقة فوق وجنتها، وهي تفكر فيه، هل إلى هذا الحد لا يريد رؤيتها، هل أغضبته لهذه الدرجة، هل ما زال يحبها..؟ وهل سيظل يغفر لها!
نهضت جالسة على الفراش وهي تمسح دمعتها بكف يدها، ثم حدثت نفسها بحزن:
ماشي يا حسام، ثم صمتت قليلا ثم إتسعت عينيها في صدمة وهي تقول:
- معقولة يكون عندها؟!

صف كريم سيارته ثم إلتفتت لها قائلًا بحزم:
يلا وريني الزفت ده!
أصابها إرتجافة قوية وهي تنظر من نافذة السيارة وتبحث بعينيها بين السائقين، فلم تجده، إلتفتت له تقول بخفوت: مش موجود.
أظلمت عينيه وهو يقبض على ذراعها بشدة هاتفا بغضب: لا موجود، إنطقي مين فيهم؟
دمعت عيناها وتألمت بشدة من قبضته على ذراعها، ثم قالت من بين بكاؤها: والله مش موجود أقسملك بالله.

ترك ذراعها ونظر من النافذة وهو يزفر أنفاسه بقوة، بينما دفنت هي وجهها بين كفيها وبكت بخفوت، فعاد ينظر لها وقد أشفق عليها، يبدو أنها تألمت، كان على وشك جذبها إلى أحضانه، فليذهب الجميع إلى الجحيم وتبقي هي بخير، ولكنه تراجع عن فعل ذلك وتنهد بقوة قبل أن يقول بصوته الأجش:
- خلاص إسكتي متعيطيش، دراعك وجعك؟
رفعت رأسها لتنظر له من بين دموعها ثم أومأت برأسها في صمت..

جذب هو منديلا ورقيا ومد يده لها قائلًا بجمود: إمسحي دموعك، ومش هتصعبي عليا على فكرة، أنا أصلا هربيكي من أول وجديد.
أخذت منه المنديل ومسحت دموعها ثم قالت بحزن: شكرًا..
ثم إستكملت بإيجاز: يلا نروح بقي!
قال بنفي تام: لا مش هنروح قبل ما يجي الحيوان ده وتشاوريلي عليه!
زفرت مجددًا وقالت في ضجر:
ما ممكن ميجيش أصلا..
رد عليها بعصبية: هايجي وإسكتي بقي، إسكتي خالص..

قضي ليلته داخل حجرة مكتبه، ولقد نام على الأريكة بعد إن تزاحمت الأفكار داخل عقله، ونام حزين مهموم..

فتح عينيه ونهض جالسا وهو يتألم قليلًا من نومته على الأريكة، ثم فرك وجهه بكف يده وهو يتذكرها، يتذكر عنادها وردها عليه بجراءة، يريد صفعها مرة ثانية وثالثة أيضًا، كلما تذكر كلماتها المستفزة كلما إحتدت ملامحه وبالأخص هذه الجملة مش هطاطيلك يا حسام، هل عملها أهم منه، هل تحب عملها أكثر منه، هكذا راح يفكر حسام بضيق، هو متحمل كل شئ لأجلها في حين هي لم تتحمل لأجله أي شئ، فهل سيظل يتحمل؟.

أمسك هاتفه ونظر إلى الشاشة ليجد عدة مكالمات فائتة، منها فجر، وكريم، وأيضا إبراهيم..
نهض وهو يتنهد بعمق، ثم دلف إلى الحمام الملحق بغرفة المكتب حتى يغسل وجهه ورأسه بالمياه الباردة علها تهدأ من غضبه ذاك..
وما إن إنتهي أخذ متعلقاته وخرج من مكتبه عازما على الذهاب إلى تلك الصغيرة التي تعشقه في صمت!
...

ساعة كاملة وهما يجلسان بالسيارة ينتظران وصول السائق، أخيرًا لمحته فاطمة يترجل من السيارة بعد أن صفها بأحد الأركان، نظرت إلى زوجها لتقول بقلب وجل: أ أهو، هو، ده، إلى هناك..
وأشارت إليه بسبابتها، فلألأت عينيه بوحشيه وهو يضغط على أسنانه قائلا بصيغة آمرة:
إياكي تنزلي من العربية سامعة!
وما لبث أن ترجل من السيارة، صافقا الباب خلفه، فإرتعدت فاطمة وهي تتابعه بعينيها بخوف شديد..

سار في إتجاه السيارات المتراصة بجانب بعضهم، وعينيه لم يطرف لهما جفنا مصوبة على ذلك الذي أشارت عليه زوجته، ذلك الذي صفعها على وجهها بلا شفقة مستغلا ضعفها كإمرأة، وقد تركت أصابعه بصمة عليه..
أخذ كريم نفسا قويا قبل أن يقف أمام بعض الرجال الذين يعملون كسائقين لسيارات الأجري..
إقترب من هذا الشخص وهو يصر على أسنانه بشدة جاذبا إياه من تلابيبه، فُزع الرجل من هذه الحركة المفاجئة وكذلك البقية..

صاح الرجل بغضب يمتزج بالخوف أيضًا:
في إيه يا عم أنت، أنت مين؟
رفع كريم يده عاليًا ثم هوي بها بكل ما يمتلك من قوة على وجهه، ثم هتف بغضب عارم: أنا إلى هطلع روحك في إيدي يا روح أمك.
إرتعدت أوصاله وهو يقاومه إلا أن كريم صاح به بعنف: بتمد إيدك على مراتي يا ------!
تجمعت الناس في محاولة منهم لفض الشجار إلا إنه لم يتركه بل كان يحاول ضربه مرة ثانية، وهو يسبه بغضب جلي، فكيف يتجرأ ويضرب زوجته الوقح هذا!.

ترجلت فاطمة من السيارة وقلبها يخفق خوفا على زوجها، تلعن ذاتها التي دائمًا تجلب له المشاكل من حيث لا يعلم..
وقفت على بعد خطوات منه وهي ترتعش من الخوف وتدعي الله سرًا بأن لا يصيبه أي مكروه..

بينما علمت الناس أنه زوج المرأة التي ضربها ذاك أمس، لم يتعرضله أحد فإنهم عنفوه بالأمس على فعلته تلك، إلا إنهم توسلوا إليه بالعفو عنه، فتمكن من الوصول إليه مرة ثانية وصفعه مجددًا بقوة أشد وما لبث أن لوي كف يده بحركة عنيفة فأصبحت على وشك الكسر وهذا ما أراده، كسر اليد التي رُفعت على زوجته!

بالفعل شعر الرجل بأن يده قد تكون كُسرت ولم يعد حتى قادرا على الدفاع عن نفسه، فدفعه كريم بيده، ثم بصق في وجهه وتراجع خطوتين للخلف وهو يلهث مُشيرا له بسبابته وقال بنبرة تحمل التهديد: وبرضو مش هسيبك لسه حسابك معايا مخلصش يا عرة الرجالة.
إلتفت ليجد زوجته تبكي خوفا، جذبها من يدها وسار نحو سيارته وهو يصيح بها: إنتي إيه مبتفهميش؟ أقولك متنزليش بتنزلي برضو؟ أعمل فييييكي إيييييه!

تلفتت حولها وهي تمسح دموعها بإحراج فصوته عالي بشدة وبدأت الناس تنظر إليهما، فتح لها باب السيارة وقال بغضب: إدخلي..
دخلت ومن ثم أغلق الباب، وإستقل جوارها ثم قاد السيارة وإنطلق بها..
كان الصمت هو سيد الموقف فقط صوت شهقاتها وصوت أنفاسه اللاهثة الغاضبة..

كانت تراقب ملامحه وهي تعرف أنه وصل إلى أشد غضبه، تعلم أنه سيعاقبها لا مفر هذه المرة فلقد سامحها بما يكفي ولكن هذه المرة تحديدًا لن تمر بسلام هكذا أخبرها قلبها هي تعرفه جيدا.
خرج صوتها محاولة أن تهدئه من بين شهقاتها الخافتة: ك كريم، آآ أنا أسفة إني حطيتك في الموقف ده أنا...

قاطعها وهو ينظر لها متابعا بعصبية تامة: مش عاوز أسمع صوتك، يا ريت تخرسي خالص لحد ما نروح وحسابك معايا تقل أوي، أقسم بالله تقل أوي يا فاطمة...
صمت قليلًا، ثم أردف مكملا بحدة: ما هو العيب مش عليكي، العيب عليا، أنا اللي دلعتك بزيادة لو كنت لطشتك كده كام قلم كنتي إتعدلتي، بس ملحوقة، حاضر لما نروح، ما هو إنتي مش هتعقلي إلا لما تضربي صح؟

لألأت بعينيها بخوف، ثم تابعت من بين شهقاتها: يعني، هتضربني؟، لا أنت متعملش كده ولا هتضربني...
نظر لها نظرة أخافتها قبل أن يردف في توعد: لما نروح هتعرفي!
إزداد بكاؤها وهي تقول ببراءتها تلك البراءة التي لا تظهر إلا معه هو فقط: طيب، أنا أسفة، أسفة، أعمل إيه تاني يعني؟
رمقها بغيظ وتمتم بحنق: إسكتي، تعرفي تسكتي؟

توقفت سيارة حسام أمام المستشفى ليترجل منها ويتجه صاعدا إلى الأعلي، ما إن صعد حتى توجه إلى الغرفة التي تقطن بها فجر، طرق الباب وإنتظر فلم تفتح، طرق ثانية، أيضًا لم تفتح ولكن آتاه صوتها المرهق: إدخل..
فتح الباب ودخل قائلًا بإبتسامة: صباح الخير، أخبارك إيه دلوقتي؟
خفق قلبها بقوة مجرد أن رأت إبتسامته الجذابة، قبل أن تردف بهدوء: الحمدلله أحسن..
سألها وهو يتلفت حوله: إنتي لوحدك هنا؟

أومأت برأسها ثم تابعت: نور راحت الجامعة لأن في محاضرات مهمة..
هز رأسه ثم قال متسائلا مرة ثانية: كنتي متصلة عليا، خير يا فجر؟ سوري ماسمعتش الموبايل.
تلون وجهها بحمرة الخجل وإرتبكت بشدة فهي لم تريد شيئًا منه، فقط أرادت الإطمئنان عليه أو بالأحري سماع صوته المحبب إليها...
تعجب حسام من حالتها، بينما قالت فجر بتلعثم: آآ أنا، أنا، مش فاكرة، بصراحة نسيت لما أفتكر هبقي أقول لحضرتك..
ضحك بخفوت، ثم قال:.

إنتي محتاجة فلوس يا فجر؟ متتكسفيش وإطلبي اللي إنتي عاوزاه..
حركت رأسها بنفي قبل أن تردف بتجهم: لا مش عايزة فلوس، مستورة الحمدلله.
ضحك مرة ثانية متابعا بمزاح: طب ومالك زعلانه ليه يعني؟
ردت بجدية: عشان أنا مش بحب أطلب حاجة من حد أنا نفسي أشتغل بس مش لاقيه شغل، حتى حضرتك مش راضي تشغلني عندك..
مسح على رأسه بهدوء وقال بإيجاز فليس لديه طاقة للحديث الآن ؛:
بس تخفي ويحلها ربنا يا فجر، ووعد أشغلك معايا...

أغلق الباب بعد أن دلف بصحبتها، ركضت كعادتها لتختبئ منه، لكنه لحق بها قبل أن تغلق باب الغرفة عليها، فدفعها برفق للداخل ودخل خلفها مغلقا الباب خلفه ثم نظر لها بوحشية تعمد هو في إخافتها، تراجعت للخلف وهي تبتلع ريقها بصعوبة، بينما فك هو حزام بنطاله عن خصره ولفه على يده عدة مرات، فإتسعت عينيها بصدمة وقد إلتصق ظهرها بخزانة الملابس، إقترب منها بخطوات متمهلة، فإنهمرت دموعها بغزارة وهي تتوسله من بين بكاؤها: لا، ضرب، لا يا كريم ضرب لا أنت عمرك ما ضربتني، بلاش ضرب ع..

كادت أن تفلت منه ضحكة عاليه فلأول مرة تخشاه بهذه الطريقة، ولكن هذا أرضاه رغم رغبته في إحتضانها الآن..
ضيق عينيه وتابع بصوت جهوري: قدامك تلات إختيارات من العقاب، شوفي أنا كويس معاكي لحد فين؟ عشان كده هيكون عداني العيب، هتختاري العقاب اللي يريحك وبسرعة عشان معنديش صبر، تمام؟
أومأت برأسها موافقة، فتابع كريم بحزم هادئ:.

يا إما هتضربي بالحزام ده، يا إما لسانك ميخاطبش لساني نهائيا، يا إما هتقعدي من الشغل ومش هتخرجي برا باب الشقة ده، إختاري؟!
إعترضت قائلة بخفوت: طيب التلات إختيارات دول ظلم وأنا مش هقدر أختار منهم
قال بنفاذ صبر: إختاري بدل ما أنفذ التلاته مع بعض..
أغلقت عينيها في ضيق وساد الصمت بينهما لعدة دقائق إلى أن قالت بحنق: هقعد من الشغل، إرتاحت كده؟

ترك الحزام من يده، ثم قال بتنهيدة: تمام، إيدك بقي على الموبايل بتاعك ومفاتيح الشقة اللي معاكي..
كشرت عن جبينها وهي تسأله: ليه بقي إن شاء الله؟
قال بهدوء تام: مزاجي كده..!
تأففت وهي تضرب الأرض بقدمها: بس ده ظلم، ظلم.
أومأ لها غامزًا بإستفزاز: ما هو أنا راجل ظالم أصلا ومفتري كمان، هاتي الموبايل والمفاتيح بقي.

صرت على أسنانها بغيظ، ثم فتحت حقيبتها ونفذت ما قاله، فأخذهما منها قائلًا بجدية: تمام، لو شوفتك بقي خارج برة باب الشقة هتزعلي مني جدا جدا، أوك؟
هزت رأسها قائلة بغضب: إن شاء الله..
ثم تحركت من أمامه وهي تمسح دموعها بظهر يدها فإبتسم وهو يرتدي حزام بنطاله مرة أخرى قائلًا في مرح: حضريلي الفطار بقي عشان جعاااان..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة