قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والعشرون

توقع الألم دائما
لانه ملاصق للسعادة، لا أحد بالنهاية يعيش في العسل طول عمره
توقع الخيانة
تلك هي الحياة، الحياة ليست عادلة يا صديقي للأسف
توقع الخذلان
كل تلك الأشياء مرادفة لما نبتغيه، وما هو الأهم..
الصبر
هو مفتاح سحري للمتابعة قدما.
الصدمة شلت أطرافها عن الحركة، حتى عقلها بدأ يخرف أو يهذي لكن تلك الملامح الصلبة أمامها.

الجدية المرتسمة في عينيه وسحنة وجهه، كل تلك الأشياء انبئتها أن لا مجال للعبث معها، غصة مريرة كادت أن تودي بها والدموع توقفت عند حافة السقوط
تشعر بنفس الطعنة السابقة، نفس الشعور بعدم الثقة بها وأنوثتها، بعدم الأمان
حتى من اختارته بعقلها فشل من الدرجة الأولى، تري العيب بها؟!
ارتعشت شفتيها وهي تعيد كلمته، تعيد ثقل تلك الكلمة في عقلها مرددة اياها عدة مرات حتى لا يتأتى لها الانكار كما يفعل القلب!
- مراتك.

ضم لؤي قبضة يده بعنف، الأمر بدي مثيرا للقلق من رؤية ملامحها التي تنقبض بشحوب مخيف، حتى عينيها الصارختين بالحياة الآن تكاد تختل كورقة خريفية للسقوط
زفر ساخطا من نفسه ومن تلك الأخرى، حينما اعتاد على خبر صاعقة موتها أخذ فترة من الوقت ليعتاد على عدم وجودها في حياته رغم صراخ قلبه بكونها لا زالت على قيد الحياة..

اعتزل الحياة حرفيا لثلاث أشهر، لكن غضب جده وطلبه بالرجوع لمصر جعله يضطر للعودة، مر عام حتى عاد لقالب العمل فقط، دون التفكير بحياة أو الارتباط بأمرأة كي لا يظلمها، لكن وجد شادية هي الخلاص له من وجد
وجد بشكل مخيف يذكره ب اسيا، آسيا المرأة المشاغبة الطفلة المشاغبة الفاتنة تكاد تسقط الرجال صرعي من جمالها الصارخ، جائعة للحب والاحتواء بشكل يجعل قلبه ومشاعره تنقاد لها دون أن حذر.

لسخرية الأمر لا يعلم ماذا يخبرها أنه كان أرمل قبل حتى ظهورهما!
- كانت
قالها بسخرية من نفسه ثم لا يعلم لما تابع معرفا عنها، يئد صورتها البشعة التي ترسخت في ذهنها
- وتبقي بنت عمي
جحظت عينا شادية ولا هي تصدق الأمر برمته، أي ابنة عم تلك التي يتحدث عنها، بنبرة متحشرجة نطقت
- بس.

اومأ رأسه متفهم سؤالها، بالطبع كيف ستصدقه والجميع يعلمون أن هناك فتاة واحدة فقط من عائلة المالكي، سامحه الله جده، لا يعلم كيف جفي قلبه لتلك الدرجة ليتركهما في عالم موحش، قال بجمود شديد
- عارف معنديش غير بنت عم واحدة وهي وجد لكن في اتنين آسيا ومارية عزام.

الصدمات تتلقاها تباعا دون راحة، هزت رأسها نافية وهمت بالضحك من سخرية الأمر، هل زوجة اخيها المهاجر تكون ذاتها من عائلة المالكي، أم الاسم مجرد تشابه اسماء، صرح العقل بحدة أنه لن يصرح بمعلومات عن عائلته الا لم تكن طرف لها، لكن لا تعلم ما الذي تحاول إثباته وهي تنحي كل أفكارها لتسأل
- مارية مرات اخويا!
لا تعلم أهذا سؤال
أم إعادة تأكيد هوية.

هل أخيها يعلم؟!، ووالدها؟!، همت أن تسأله وتطرح أسئلة كثيرة إلا أنها ألجمت اسئلتها المندفعة وهو يقول بنبرة متحرجة
- هي، الموضوع في عيلتنا حساس جدا يا شادية ومش هينفع اقدر اشرحلك في وقت الحفلة
صمتت لثواني وهي تحاول العقل استيعاب ما يحدث، تمتمت بتردد
- بس ازاي، ماهر مجبليش سيرة عن الموضوع ده.

هذا ما توقعه لؤي، لا يريدان أي صلة بالأسم لا من قريب ولا من بعيد، لا يريد تعقيد حياة تلك السمراء الناعمة ومن ناحية يتوجد مصائب حلت على سماءه بسبب عودة المهلكة لساحة أرضه، غمغم اسمها والندم يرتسم على ملامح وجهه
- شادية
طحن ضروس اسنانه بغيظ وهو يري التيه في عينيها لترفع عينيها تسأله وتلومه بل وتجلده بقوة من كونه لم يحافظ على عهده، الألم صعب جدا للغاية.

يشعره الأمر أنه الرجل السئ في تلك الرواية من بين الجميع!
لكن يشعر انه مقيد، قليل الحيلة، أواصر العائلة والالتزامات تقيده ومن ناحية اخري ما يهفو اليه قلبه!
صرح أخيرا متمتما بحرج
- انا اسف اني جرحت مشاعرك بس كان واجب عليا اشرحلك اللي حصل.

توقعتها منه، سيتراجع معتذرا ويخبرها أن تحظى بحياة أفضل مع رجل يستحقها ويقدرها، نفس الجملة حفظتها، سحبت نفسا عميقا وزفرت على مهل لعدة مرات تكررها تغالب على البكاء لتهمس بشحوب
- انت فاجأتني يا لؤي
وليظهر برجل الذي لا يوجد من اثنين في الكون، قال بنبرة لطيفة
- اي كان قرارك، ارجوكي على الاقل بعد خطوبة وسيم وجيهان، العلاقة بين معتصم باشا وغالب للاسف متوترة.

لم تري شخصا قبله يلغي الخطبة ثم يخبرها الأمر بيدك!، انفلتت منها ضحكة ساخرة على شفتيها لترتفع عيناها تحت كلماته
- وقت ما يجي الوقت المناسب اوعدك اني هشرحلهم.

ودت أن تصفق له، تخبره عن روعته في انتقاء كلماته، على الأقل هو افضل من معاذ الذي قتلها بدم بارد وهو يلغي الزفاف قبيل الفرح بأيام متعللا أنه كان متعجلا، بل وأسرع في الارتباط ثم اخبرها كلمتين منمقتين لم تقوم بعدها سوى بصفعة مرتين وألقت الخاتم في وجهه ثم سحبت بأدراجها إلى منزلها، والان هي استقامت من مقعدها لتقول ببرود
- مع السلامة.

وضعت نظارتها القاتمة على عينيها تخرج من المقهى بخطوات متعجلة ورنين هاتف يصدر صوتا مزعجا جعلها تجيب عليه بحنق حينما صعدت سيارتها
- خير يا نجوى
أغلقت جفنيها وهي لا تصدق أن المصائب لا تأتي فرادى، ما حجته تلك المرة!
غمغمت بصلابة
- طب اقفلي انا جاية
وانطلقت بسيارتها متجه الى مقر عملها لترى نهاية أمرها مع ذلك الإيطالي الذي قرر إلغاء شراكته معها دون أسباب توضيحية!

هل يجب عليك يا سيدتي أن تقتلي قلبي شوقا من رؤيتك
وحين اللقاء أموت للمرة الثانية هياما بك ويتجدد أواصر العشق
وأموت للمرة الثالثة حينما يحن وقت الفراق، ولو بيدي حيلة لحبستك داخل ضلوعي
جعلته لك بيتك وملاذك الوحيد الآمن.

عينيه الخضراوين متوهجتين بلمعة خاصة وهو يراقب ملامحها الأنثوية الناعمة، يراها كطفلة صغيرة ضلت عن وجود أمها، وتراه يراها مراهقة مشتتة بين الاستجابة لما يحدث من تغيرات دواخلها وبين ما تربت عليه، ثم امرأة ناضجة ومحاربة شرسة بطريقة ناعمة تقدر على متابعة حياتها.

حاجبين انقين ملائمين لاستدارة وجهها مع أنف معتدل وشفتين، صمت قليلا وهو يزفر بحرارة شبت بداخله، الله يعلم ما يفعله حتى يظهر بصورة رجل هادئ محافظا على أعصابه التي تكاد تنفلت منه، استعاد نظره لعينيها المتهربة منه بلقاء رغبة بإرادتها
ولم تخذله لتقع أكثر عينين متطلبتين له بنداء صارخ لباها منذ ان وقعت بين احضانه
تعيد نفس التوسل
والرجاء
متوسلة التحرر.

ليطمئنها بابتسامة دافئة ليقاطع صمتهم المقفر رغم الضجيج الملف حولهم، ترى هل تشعر مقدار شعر ما أحس به
أم ستجعله يعاني؟!، ابتسم بهدوء وهو يلمح ملابسها المنفردة بين الجميع وكونها الفتاة اممم ماذا نقول
الفتاة الوحيدة بهالة البراءة والانوثة لتكون مسقط رواد المطعم، الأمر يغضبه بل يكاد يقترب من الاحتراق الا انه قال اخيرا مقاطعا صمتهم منذ السيارة
- مالك مستغربة المكان كدا ليه.

لم تذهب لأي احياء شعبية سابقا، ربما فعلتها مع مجموعة من شباب الجامعة لتنفيذ مشروع لكن لم تكررها، لأنها لم تشعر بالحماسة التي أخذتهم، لم تشعر بشئ
مجرد فتور مثل باقي حياتها، عينيها تتحاشى النظر اليه يكفي انها كغبية تشبثت بقميصه طوال رحلتهما نحو المطعم حتى تحرج هو من طلبه لقميصه، ودت أن تنشق الأرض وتبلعها وهي لا تعلم ما يظنه بها، هذا الرجل خطير جدا
لها
ولضعفها.

و حاجتها لتلك العاطفة المظللة في عينيه، لتهمس بارتباك وخجل تخشي أن يفسره خطئا ان ابدي غضبا أو ندما لانه اصطحبها
- ها، لا ابدا، بس عشان اول مرة اكون مع حد معرفهوش
ابتسم بتشجيع شديد وهو يعقد ساعديه مبرزا بنيته الضخمة قائلا
- قلقانة مني؟
تشعر بالضالة وهي جالسة في مواجهته، الأصوات صاخبة، رغم أن أذنيها لم تعتادها إلا أنها لم تزعجها بل ألفه وروح جديدة اضافت سحر للمكان وكل ذلك بسببه لتجيب بدون تردد
- لا.

اقترب منها وهو يسند ساعديه على الطاولة وعينيه قبضت عينيها واسرتها ليقول بهدوء ناعم
- خايفة؟
عينيها تنظر لعينيه دون الجرأة على ان تنتزعها لترتعش شفتيها من الظلمة التي غطت عينيه بشكل حميمي تشعره، لتهمس بنبرة خفيضة تكاد لا تسمع
- لا
تجمدت ملامحه والظلمة انقشعت لتعود حدقتيه لطبيعتهما ليقول بنبرة خادعة
- حاسة اني بفرض عليكي حاجه انتي مش قادرة تتحمليه.

سؤال خادع يحتمل معنيين، وليست هي جيدة ولا ضليعة حتى تتلاعب بكلامها، تمتمت بتردد
- مش فاهمه
ابتسم بهدوء ليغمغم بغموض
- هتفهمي
ثم بكل هدوء انهي أسر عينيها ليعود بجلسته متراخيا على مقعده ليقول
- عايز اسمع صوتك، احكيلي عنك
ضيقت عينيها والتجهم حل ملامحها الناعمة الفائقة الأنوثة لتقول بضيق شديد
- عايز تكشف عليا يا دكتور
أكثر ما تكرهه ان ما يحدث مجرد اختباراته أو تكون مجرد حالة!

شحب وجهها أكثر، ألم تأتي لتتخذه مسار لها؟!، لماذا انزعجت إذا كانت مريضة له؟!، عقلها تمرد بحدة تلك المرة غير مسرور بذلك الوضع
تريد أن تكون على راحتها أكثر معه
لا ورقة ولا قلم
لا جلسات مقيتة
ولا مهدئات
تريده متحررا عن ثوبه الطبي كما ستكون هي الأخرى متحررة عن التي تعلمها.
صمت عاصي لثواني محدقا للصراع القائم وحينما شعر بهدوئها نتيجة استرخاء ملامحها والتقوس في حاجبيها فك اخيرا قال
- ابدا، حابب اتعرف عليكي.

رفعت عينيها تنظر لعينيه تكتشف الصدق أو الكذب منهما وحينما رأت الاهتمام فقط نقرت باصابعها على الطاولة كما لو أنها تضغط على مفاتيح البيانو تابعها عاصي بشغف وعينين لامعتين ليسمع تمتمتها
- صدقني معنديش اي حاجه اقدر احكي عنها، هتلاقيني مجرد صورة باهتة.

عينيه تنتقل لاصابعها الرشيقة التي تنقرها بهدوء وحركات متقنة كما لو انها تعزف مقطوعة، لا تتجامل ولا تتفاخر بما تملكه كل ما يظهر عفوي بل تجدها طريقة ومتنفس لتشتتها، قال بهدوء شديد
- جربي، احكيلي ايه اهتماماتك وشغفك
ابتسمت والحمرة تغزو وجنتيها لعينيه الشغوفتين لاصابعها لتتوقف عن النقر وهي تمتم بحرج
- بحب الموضة زي اي بنت، في فترة اخدت دورة تدريبية للتصميم واخدت فترة بتشغل على مكنة الخياطة.

هذا تضيفه مواهب أخرى اختارتها جميلة كي تكون مثل نظيراتها من الفتيات، رغم أنها لم تجد حبا ولا كره تابعت دروس البيانو والتنس بهدوء وطاعة شديدة، انتبهت على صوت عاصي الدافئ
- جميل
الخصلة الشاردة اعادتها الى صديقاتها وهي حريصة على التحدث بهدوء.

- مكنش حاجه وااو يعني بس كنت مبسوطة وانا بشتغل على المكنة، جدو لما شاف شغفي بدأ يزيد قرر يفتحلي ورشة خياطة واكمل باقي كورسات للتعليم برا والورشة كبرت وبقت مصنع صغير، عاملة خط صغير بأسمي في الموضة وحاليا ماسكة إدارة محل
عقد عاصي حاجبيه وقال
- طب وليه بطلتي
ببساطة اجابته
- الشغف راح
أو كان درب مستحيلا أرادت تحدي عائلتها به، أرادت أن تخترق بعض القواعد ووجدت انها سريعة التعلم؟! ربما.

أو وجدت انها بعد قطع ملابسها الاولية لم تجد حافز حتى جدها مجامل من الدرجة الأولى، وعمتها حانقة للغاية كونها ترى أن هذا يؤذي بشرة اليدين وينزع المرأة من أنوثتها! لا تعلم ما دخل الأنوثة رغم الأمر يتعلق بالثياب؟!
صاح عاصي مستنكرا بشدة
- بكل سهولة دي.

انتبه على الصبي الذي وضع الأطباق والتفتت عائدا الى الداخل ليلحق طلبات البطون الجائعة، نظرت وجد إلى الطبق وهي لثواني تفكر ما حجتها لعمتها حينما تدعوها لطعام الغذاء؟!
رفعت عينيها له لتجده لم يزيح بعينيه عنها، خشت للمرة الثانية أن يفسر نظرها للطعام بطريقة خاطئة، خصوصا انه معتز بتواضع أصله، همست بارتباك وهي لا تجد ملامحه قد من الحجر
- رجعت العب تنس بعد ما بطلت، بس بردو حاسة فيا حاجة ناقصة.

بملامح باردة قال
- عايزة اللي يشجعك
ثم انشرحت ملامحه وهو يراها تضيف الخل على الكشري لترفع معلقتها تأكل بهدوء كما يتسم ملامحها، انشرحت ملامحه نتيجة رؤية ذلك البريق في عينيها لتضيف بعض من الشطة وهي تعيد أخذ معلقة بشغف اخر
ابتسم لثواني وهو يقول بنبرة غامضة
- انا اقدر اشجعك، لأ وكمان اخليكي ترجعي تشتغلي.

الحرارة تغزوها من الشطة لكنها تشعر بالمتعة، وجهها اشتعل حمرة وعينيها اصبحت غائرتين، انتبهت الى نبرته الغامضة
- الشغل الاول هيكون للمؤسسة والتانية هيكون خاص بيا انا
ضيقت عينيها بتوجس وحذر تحت ملامحه الخالية من أي تعبير
من هذا الرجل
من ثواني يكون مرح ومشاكس وافئ ثم بثانية تتبخر تلك الصفات ليصبح جامد الوجه والتعبير، انفرجت ملامحه عن انطلاق ضحكة خشنة اثارت قشعريرة في جسدها وهو يخصها بنظرة خاصة لم تفتها.

- متقلقيش، مش بعض على فكرا
بتعثر لم تجد الرد، لسانها معقود من ذلك الشعور الذي لم تجربه قبلا
وضعت الشطة بكمية أثارت ريبة عاصي ليتوقف عن متابعة طعامه وهو يقول
- خلي بالك دي شطة
ورغم وجهها المضرج بالدماء وعينيها الدامعتين وشفتيها التي التهب أجابت بنبرة مشاكسة
- بحبها
تناولت الكشري بتلذذ شديد رغم كمية الشطة التي ابدا لم يجربها، كيف بالله تحملتها دون تصرخ متوجعة؟!

هز رأسه يائسا وهو يأمر الصبي بجلب طبقين أرز بلبن ثم الذهاب الى صيدلة قبل العودة إلى المؤسسة، رفع عينيه ليرى عينيها تسيل الدموع ووجهها متعرق من الحرارة ومع ذلك لحد اخر معلقة ظلت محاربة
غمغم بهمس خافت وهو لا يصدق المرأة التي أمامه
- مجنونة.

ترجل وسيم من سيارته والحرارة تفلحه بقسوة وتسبب احمرار لبشرته البيضاء، يمرر أنامله على خصلات شعره الشقراء وعينيه تنظر نحو بوابة السويسري المنفتحة على مصرعيها، منذ متى لم يتحدثان؟
بل يجب أن يقول متى تحدثا؟
هي انقطعت عن رسائلها وهو فقد طعم اعتاده في حياته لفترة، الغصة مؤلمة، كموس لا قادر على ابتلاعه ولا إخراجه من جوفه!
قدميه خطت البوابة بتهور، يجب أن يحدثها، أيامه أصبحت كأيام عجاف.

والصخب من حوله والشعلة انطفأت، ترددت الابتسامة على شفتيه وهو يراها جالسة على أرجوحة الحديقة مولية ظهره تحرك الأرجوحة بساقها وعينيها تنظر نحو الفراغ..
تنهد زافرا بحرارة ليمرر يده مرة أخرى بجزع على خصلات شعره
لما لتلك الدرجة ترغبه
رغم أنه أسوأ شخص تراه بطباع سيئة إلا أنها ترغبه
ولما هو تحديدًا، ما به تراه مبهرا لتلك الدرجة لتلصق به؟!

هو لا يجد شيء يفتخر به، ولا عمل قامه بيديه حتى يبهرها تلك الفأرة الصغيرة ذات ألوان قوس قزح، كل ما فعله هو فقط أصبح صديق مقرب وأخ فقط
أخ، أي شخص يستطيع أن يصبح أخ وحامي لطفلة صغيرة، رفع عيناه لينظر نحو الشمس المتوسطة كبد السماء ليعود الضيق يبلغ منتهاه..
سخرية تمكنت من عقله، ولما هو يلتصق بها؟

لما ببساطة لم يقدر على تخطيها؟!، دائما ينتظر رسالتها بشغف شديد حتى كاد يفقد أعصابه أيامه السابقة كي تبعث رسائلها المغيظة المبهجة لروحه، ثم ألا يعتبرها صغيرة؟!
كلمة صغيرة بحد ذاتها لا يصدقها عقله ولا يقتنع بها، يراها أنثي في أبهج صورتها وشفافيتها، أخذ استراحة لجدال لن ينتهي
فبالنهاية هو يعلم ما هو يضمره حتى وإن لم ينطقه، وإن أنكر
إلا أنه يعلم..

اقترب منها وابتسامة مشاغبة تزين شفتيه ليسير بحذر حتى أصبح يخيم عليها بظله، اتسعت عيناه جحوظا من قشر الموز الملقى أرضا ناهيك عن القشر الملقي بجوارها وبالطبع لينفجر ضاحكا وهو يعود عدة خطوات للخلف وحينما هم هو بمفاجئتها فاجأته الفأرة!
- كفاية موز خلصتي الموز اللي في السوق
أغمضت جفنيها وصوته يؤلم فؤادها
تود الصراخ، كيف يضحك وداخلها يقيم مأتم.

الحزن والكآبة تغلف روحها، حاولت أن تتجاهل تلك الطاقة السلبية وتنقشع من تلك الهالة السلبية لكن لم تقدر، تقسم انها حاولت الا انها فشلت تماما
تشعر بروحه يكون حاضرا بقربها، ثم رائحته تداعب أنفها ثم أذنيها حنت له
القاسي
الجلف
صاحب العيون الباردة
و الخصلات الشقراء المستفزة، اشتقات له
برهبة وقلب يدق بطبول الحرب حاولت التحكم في ملامح وجهها صمتت، جعل وسيم يلاحظها ويري ذلك اللقاء المحتوم بينهما.

- ممكن نبطل تجاهل شوية
- كفاية موز خلصتي الموز اللي في السوق
- ممكن نبطل تجاهل شوية
قالها بحنق شديد وقابله عدم الرد منها، ليجعله يستشيط غضبا، أهذا هو الاستقبال الذي سيحظى به بعد أيام من دون لقاء أعين أو شفاه!
تمتمت ببرود شديد بأسمه لترفع عينيها وتقع نظرها على عينيه المتقدتين بحرارة
- وسيم.

آلمها قلبها لما ستقوله لكنها يجب عليها فعلها، ألقت القشرة على الطبق لتقول بهدوء شديد وعينيها لم تتنازل تلك المرة للغرق في عينيه
- انا مش طايقة اشوف وشك حقيقي، ابعد عني لفترة بعد اذنك
ضحكة ساخرة رده، ليهبط بجذعه مقتربا منها والعين بالعين
والنزال قائم.

الوجهان مقتربان، مسافة تفصل بينهما، عيناه تتأمل بشغف ملامح وجهها الشقية و عينينها المنطفئة لن يكذب انه لم يرى تلك اللمعة التي جعلته يقترب منها أكثر، شهقت جيهان وهمت بالهرب منه الا انه مال نحو أذنها هامسا بمكر
- ايه قررتي تهربي من السجن وتسافري
قاطعته بصلابة شديدة لتزيح جسده بكفيها بحدة
- يستحيل اهرب، عمري ما اتعودت اهرب على عكس بعض الناس
هذه هي جيهان
يقترب تبعده
يبتعد تقربه.

رغم جرأتها الا ان التورد الطفيف في خديها لم يمنع من الظهور أمام عينيه، وهو تعب
حينما يستقبل احدى اشارتها تزجره، غمغم بحدة
- عايزة ايه
استقامت من مجلسها لتصيح بغضب لم تقدر على اخماده
- مش عايزة ارتبط بيك يا وسيم، انا استحق راجل يحارب الكون علشاني، مش انت قولتلي قبل كدا اللي يستحقني يحارب العالم كله عشاني
تعثرت شفتيها وهي تحدق في عينيه التي ازدادت قتامة، غمغم بنبرة محذرة
- جيهان.

اقتربت منه وهي تمسكه من ياقة قميصه تهزه بكل قوتها لتصيح صارخة في وجهه
- انا تعبت اني امثل اني قوية ومش فارق معايا حد، بس انا محتاجة احب واتحب يا وسيم، ارجوك سيبني اجرب الاحساس ده.

انفجرت بعدها تركله وتضم قبضتها موجهه ضربات حانقة لصدره، تأوه وسيم تحت هجومها الضاري العنيف له، يميل بجذعه ليلتقط كفيها ليديرهما خلف ظهرها، الا ان الركلات ما زالت مستمرة بساقيها، لم يرغب أن يتهور ويضبطهما معتصم متلبسين ليجذب خصلات شعرها بعنف جعلها تصرخ متوجعة من فعلته الغير متوقعة، اتسعت عيناها حينما قال
- جربيه معايا
نبضة اختلفت عن سابقتها
ونبضة أخرى كانت أعنف من الحالية.

وبعدها كانت أكثر ضجيجا من سابقتها
عيناها تنظران له بعدم تصديق، لتضم شفتيها وقالت بسخرية
- شايفاك اخ كبير للأسف وصديق التهور
حينها أعلنها صراحة وكره ملاوعتها
- انجذبتيلي ليه يا جيهان، لسه شيفاني اخ بيشاركك كل لحظاتك المجنونة، بيدافع عنك قدام الناس كلها حتى والدك
عرق صدغه ينبض بقوة لتشحب ملامحها رويدا رويدا وهي تراه، ثائرا
بعيدا عن حالة المشاكسة واللطيفة، أكثر انزعاجا
أكثر سوادا.

قبض على ذقنها بحدة آلمتها إلا أن عينيها ارتفعت تنظر اليه ببهوت شديد تحت انفجاره
- لسه جواكي صغيرة يا جيهان مهما كبرتي، صدقيني مكانتي كصديق وجار مختلفة جدا عن الحبيب والزوج، عمري ما هسمحلك تمسي من رجولتي كبريائي
متى انقلبت الطاولة؟! أي رجولة يتحدث عنها ذلك الاشقر وكبرياء وهي تتوعد له بأيام أشد سوادا من قرن الخروب!
هل يأخذها بالصوت المرتفع، غمغمت بسخرية ولا مبالاة
- هتمنعني عن حياتي.

اتسعت عيناه وهو لا يصدق أي حياة حالكة تتخذها دربا لها، توقع انها ايام مراهقة ثم حينما تنضج ستتركها، إلا أنها زادت رعونة وتهور، ألا يكفي صورها الفاضحة بسبب ملابسها القصيرة وتعليقات الرجال القذرة، هذا إن كانوا رجالا
كلها تلك تمسه هو شخصيا، تطعنه، تمس من شرفه، ضغط على ذقنها بقوة غاشمة جعلتها تأن بوجع لينفجر بنبرة هادرة
- وهي دي حياة
صاحت هي مقاطعة بحدة والدموع تطفر من عينيها.

- ما هي حلوة، عايش براحتك محدش يقدر يقيدك، ليه تمنع عني الحياة
الألم شديد، بل وصعب، كيف يكون بكل ذلك البرود معها ثم ينقلب لوحش دون أن حتى أن تحاسبه عن ليالي كان الفراش لها جمر متقد تتقلب عليه، ضاقت عينيها بوحشية وكل لحظة عاشاها معا تمنت لو لم تحتفظ في ذاكرتها
خبط على رأسها بخفة قائلا
- مفيش داعي انك تحطي نفسك في قالب مش بتاعك، ورايا اذاعة بليل خليكي هادية ومتتجننيش.

ثم ابتعد راحلا لتدب على قدميها تضم قبضتيها كم تود أن تخنقه، صاحت صارخة بغل
- مش هتجوزك، على جثتي يا وسيم
على جثته لو أصبحت لرجل غيره
وعلى جثتها هي إن سلمت له مقاليدها دون أن يقر ويعترف بما يكنه داخل روحه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة