قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية أباطرة العشق للكاتبة نهال مصطفى الفصل الأول

رواية أباطرة العشق للكاتبة نهال مصطفى

رواية أباطرة العشق للكاتبة نهال مصطفى الفصل الأول

شكلها حرب ياسليم ياهواري واتكتبت علينا نخسرها احنا الانتين

ابتعدت عن شرفتها النائيه عن الانظار قليلا للخلف واوشكت علي قفل بابها الخشبي فجاه اعتلت صوت شهقتها بمجرد ارتطام الحجر الصغير المقذوف نحوها .. زفرت بضيق ثم استجمعت شتات قواها متوعده فنظرت من النافذه تبحث عنه بعيون متلهفه كمن يبحث عن النور في عتمة الظلام.

قطبت حاجبيها قليلا باندهاش
- وه راح فين المجنون ده ؟!

استدارت راسها يسارا علي مصدر الصفير الهادي فوجدته امامها ناظرا اليها بعيون لامعه قائلا بثقة
- خابر زين انا عتقدريش تنامي قبل ماعيونك تشوف ضي عيني .

اخفت ابتسامتها وارتسمت ملامح الجديه
- وبعدين فيك ياولد ( الهواري ) .. راسك تخينه ليه ومش ناوي تجيبها لبر ..!

- اصل ولد الهواري واخد عهد علي نفسه مايوصلش البر غير علي يدك يابت (العتامنه) .

اجابته معانده بصوت بدأ منفعلا ثم انخفض فجأه
- قولت لاه ... ولاه يعني لاه ولو اخر راجل في الدنيا ياولد الهواري مش هتجوزك .. وعند بعند ...

زمجرت رياح غضبه محاولا خفض نبرة صوته وهو يلتفت يمينا ويسارا
- ليييه اكده ناقص يد ولا رجل انا !.. قدامك سبع الرجال بنات البلد كلهم يتمنوا نظرة من عيني .. وانا منفضلهم عشانك ياواخده قلب وعقل سليم لحسابك .

ابتسمت معانده كإنها اقسمت ان تُحارب جيوش مشاعرهما
- وانا قولتلك لاه ياسليم .. واللي مابينا بقي دم وماعينضفيش غير بالدم .

اجابها بنبره حب
- وانا دمي كله فداكي ياقلب سليم من جوه .

- لاااه دم عيلتكم كله مش هيكفي اللي عمله عمك وهرب .. دا قتل ابوي ياسليم عارف يعني ايه ؟!

لاح اليها بكف غاضبًا
- وهو عشان غلط ارتكبه عمي عاوزه تقتلني انا يا ( وجد)!

- اللي عندى قولته ياولد ( الهواري) .. ويلا امشي من اهنه بدال مااصوت والم عليك الخلق وياريت تبطل حركات العيال دي هتفضحنا .. واللي بينا كان ماضي وخلاص خُلص .

ارتسمت علي ثغره ماكرة
- لما تبطلي تستنيني كل ليله اهنه .. هابقي ابطل اجي يابت ( العتامنه ) .

دقت طبول قلبها لكلماته التي ارتوت بها روحها واحيت نضفة فؤادها، وبعد برهه عاود ندائه اليها بحزم
- وجد .. اول واخر مرة اجي اهنه وتبُخي السم دا من خشمك فااهمه؟ .. قاطعش انا الطريق دا كله وداخل بيتكم كيفي كيف الحراميه وفالاخر تسمي بدني اكده .. !

تنهدت بوجع وهي تلقي بانظارها بعيدا تستكشف المكان خشية من كشف امرهم .. فقالت بصوت منخفض
- يعني انت عاوز ايه دلوق ؟!

لمعت عينيه بحب قائلا
- عحبك ..
علي الفور تلقي قلبها كلمته الساحره فارتسمت علي ثغرها ابتسامه خلابه وسطع نور عينيها ..

اكمل ( سليم ) حديثه بغمز
- هامشي انا عاد .. خلاص خدت اللي جيت عشانه .. ضحكتك اللي عتشق النور علي قلبي كيف ما الشمس ما عتشق نورها عالارض كله .. تحرمنيش منيها عاد يابومه .. فوتك بعافيه .

اخذت نفسًا عميقًا وهي تترقبه بعيونها وهو مغادرٌ قصرهم من تلك المخبيء الذي اكتشفاه سويا منذ ١٠ سنوات خلف شجرة التوت باب خشبي صغير في حائط السور طوله متر يتسلل منه ( سليم ) كل ليله ليري النور من عيون وجدانه ومنبع العشق بداخله .

بعد ما اطمئن قلبها برحيله سالما قفلت نافذتها تلك الجميله ذات العينين السوادتين اللاتي يحاصرهما الكحل الغزير، والشعر الداكن الطويل والبشرة الخمريه، متوسطه الطول ذات جسد ممشوق كمثري قليلا مما يعطيها جمالا عربيا اصيلا انها الدكتوره
" وجد سالم عتمان " صاحبة الخامسة والعشرون عاما .

جلست في منتصف مخدعها حائره ما بين قلبها والعادات والتقاليد .. كالحائر ما بين الشوك والعلقم كلاهما اذي ولم يوجد لديها خيار ثالث .. قربه حدائق شوك يُنغص عليهما ايامهم وبعدهما علقمًا يمرر سُكر الحياه في قلوبهما

" اعمل ايه انا بس ياربي يعني حب ١٠ سنين يدفن اكده وانسي عشان حاجه ولا انا ولا هو لينا ذنب فيها !"

قطع حبال افكارها صوت رنين هاتفها .. نظرت في شاشته وجدته ( سليم )
اجابته بمضضٍ:" عاوز ايه تاني ياولد الهواري ! "

يقود سيارته ويستمع لصوت فيروز " بعدك علي بالي "
- اصلي اتوحشتك قوي وقولت اسمعك فيروز معاي .

ارتسمت ابتسامه خفيفه علي ثغرها وهي تنظر في المرآه ثم عادت لترتسم الجديه قائلة بنبرة تحذيريه
- عقولك ايه متتصلش بيّ تاني فاهم ولا لا ؟!

فرمل سيارته فجأه بضيق
- اتجننتي انتِ ياك كيف تمنعي عاشق يسمع صوت حبيبته .. اللي بيجري في عروقك دا دم ولا تلج .

ساد الصمت قليلا بينهم لتقول بخفوت وهي تلقي بجسدها فوق وسادتها
" طب واخرتها اي ياسليم .. انا تعبت قوي قوي .. كل مااحاول اعاندك القانى بعاند نفسي "

عاد ليكمل طريقه قائلا بحب
- سلامتك ياقلب سليم .. اخرتها فهد وفارس ياهانم ولادنا .

قطبت حاجبيها بحده
- بس انا عاوزه اسمي (سالم) علي ابوي .

ضحك بصوت
- مااحنا هنجيبوا كتير متنبريش فيها انتِ بس .
- وصلت النجع ولا لسه ؟

اجابها وهو يلف مقود سيارته
- اهو خلاص دخلت بوابه الهواري .. منمتيش ليه ؟!
حضنت وسادتها بحب
- عفكر في حاجه اكده .. اي في مانع ؟

اجابها معارضا
- طبعا في ونص ... مش عندك شغل بكرة ولا ايه .. لازمن تكوني مصحصحه اكده وانت عتشكفي ع الخلق مش عاوز غلطه .. مفهوم !

اومأت راسها ايجابا
" حاضر ياسليم هريح ساعتين قبل ماانزل "

وصل بسيارته لباب قصرهم العملاق ذو الطراز الحديث .. الذي صممه اكبر واشهر مهندسي بريطانيا طبقا لاوامر" راجح الهواري" كبير عائله الهوارية .
دلف ( سليم ) من سيارته
- طب يلا اول ماتصحي رنيلي اطمن عليك .

- حاضر ياسليم .

انهي سليم مكالمته معها علي اعتاب باب قصرهم فوجئ امامه ( بماجده ) ابنة عمه التى ركضت نحوه باندفاع، ركل الباب بقدمه:
" صاحيه ليه لدلوق ياماجده "

اقتربت منه بشغف وحب
- قلبي مطاوعنيش انام وانت غايب عن البيت ياسليم .

رمقها بنظره ساخرة وهو يخطو اول خطوات السلم المتربع وسط ساحة القصر قائلا
- لا روحي نامي وخفي احلام يقظه .. وانا مش عيل صغير عشان تخافي عليّ .

شعرت بالضيق من مرارة كلماته ثم اقتربت منه بعجلٍ محاوله خلق اي حديثٌ معه
-اجيبلك تاكل ! جعان ؟

اجابها بتجاهل
- لا

فركت كفيها بتوتر
- طب جدي راجح كان عاوزكم الساعه ٨ الصبح في اوضة الاجتماعات الكبيره انت واخواتك " عماد ومجدى ومحمد "

استدار اليها باهتمام:" حوصل حاجه اياك !"

هزت كتفيها بعدم فهم
- معرفاش .. هو قال اكده قبل ماينام وانا استنيتك عشان اقولك احسن تكون حاجه مهمه .. وهما اتصلوا بيك علي المحمول مردتش .

اكمل طريقه لاعلي متجاهلا وجودها
- طاب متشكرين .

اوقفه سؤالها الذي اندفع من فمها بتلقائيه
- انت حتنام يا سليم ؟!

غمض عينه لبرهه متنهدا بنفاذ صبرٍ
" اي ! عاوزاني منمش اياك .. خبر اي اومال جري ايه لراسك ياماجده ع المسا اكده "

التوت شفتيها جنبا بضيق
- معاوزاش .. تصبح علي خير .
اكمل طريقه دون اي جواب منه وهي مازالت تراقبه بعيون عاشقة الا ان وصل غرفته وقفل بابها بقوه .. حضنت هاتفها بتنهيده قويه
- اااه لو تعرف عحبك قد اييه ياسليم .

" قصر هوارة "

اسدلت الشمس نورها وشرع اهل القريه في بدء مهامهم بهمةٍ ونشاط .. حركة مريبه كالمعتاد في قصر الهواري الذي يمتلأ باربع صبيان ابناء العم الاكبر
( عادل الهواري ) ..

واربعة بنات في مُقتبل العمر لهم جمال وسحر خاص اباهم (ناصر الهواري) الذي تسبب في مقتل ( سالم عتمان )
ومن هنا نبتت شجرة الثأر والغضب بين العيلتين

واقفه (عفاف) زوجه المحروم (عادل) علي راس الخدم في المطبخ
" شهلي يابت منك ليها يلا .. الساعة جات ٧ وانتوا لسه مخلصتوش الوكل "

- الله ! يعني احنا اسرع من النار ياام عماد .

- بدل حديتك الماسخ دا شهلي اكده ... يلا يابنات يلا في جيش برا مستني الوكل ..

وقفت ( صفوة ) علي اعتاب المطبخ قائلا
- صباح الخير يامراة عمي .

دارت عفاف نحوها بدهشه
- انتِ لابسة اكدة ورايحه فين ياحزينه !

وقفت ( صفوة ) تأكل من طبق الخيار المقطع دوائر
- عندي مؤتمر مهم قوي في الجامعه ولازم انزل .

ضربت ( عفاف ) بكفها فوق صدرها تعبيرا ما يوحى بالدهشه
- نهارك مش فايت .. انتِ مسمعتيش جدك قال ايه .. ممنوع واحده فيكم تزور الشارع لحد ما الامور تهدا .

صفوة بلا اهتمام:
" منا مش هتحبس في البيت يعني وبعدين ريحي دماغك العتامنه مش عياخدوا تارهم من حريم .. يلا فوتك بعافيه "

- يابت خدي اهنه يخرب عقلك .

لكن ندائها كان بدون فائده فاختفت من امامها راكضه نحو سيارتها .. ضربت عفاف كف علي الاخر
- هات العواقب سليمه يارب .

جالسه ( ماجده ) مع اختها الصغري ( يسر ) في غرفتهم يتبادلون الحديث بينهما
- يعني هو منفضلك خالص !

قالت ( يسر ) جملتها وهي تنتهي من ربط شعرها علي هيئة ذيل حصان وتوجه سؤالها لاختها ناظرة اليها في المرآه .

ارتسمت معالم الحزن فوق ملامحها فاجابتها ( ماجده ) بلهجه قهراويه
- حاسه اني تقيله عليه اوي مش طايق لى كلمه .. يابتي دا بيكلمني وهو واقف بضهره مابيبصش في عنينا حتى !

استدارت ( يسر ) نحوها مشفقة علي حال اختها التي تكبرها بثلاث سنوات .
- انتِ بتحبيه قوي كده ياماجده ؟!

لمعت عيون ماجده ودقت طبول قلبها فرحًا
- بحبه ! دانا بموت فيه يايسر .. اه لو يعرف انا بحبه قد ايه كان فرشلي الارض ورد ولا كنش فكر يقسي عليا كده .

نظرت اليها اختها بحزن وشفقة
- ربنا يريح قلبك ياماجده يارب .. بس تفتكري جدي جامعنا كلنا ليه النهارده .

طافت عيني ماجده بحيره ثم مطت شفتيها لاسفل
- مش عارفه ! البيت له سنة مش متظبط من ساعه اللي عمله ابونا وهرب .. خايفه علي سليم قوي احسن ياخدو تارهم منه .

تربعت ( يسر) في منتصف مخدعها بضيق
- العتامنه اسمع عنهم ان لحمهم مُر والراس اللي تطير منهم بيكون قبالها عشرة وربنا يسترها بجد عشان انا كمان خايفة قوي علي( محمد ).

- ربنا يسترها بقي .. سلسال الدم عندهم ملهوش آخر وشكلها هتبقي حرب بين العيلتين .

مسكت ( يسر) كف اختها برفق وسحبتها خلفها
" تعالي نشوف امى ونورا بيقولوا ايه تحت "


(ثريا) سيدة ذات وقار وقوه زوجة (ناصر) وام الاربعة بنات
منذ ان تجوزت (ناصر ) وهي تكره (عفاف) وزوجها واولادها كره الفئران للقطط .. وجودهم في مكان واحد ماهو الا تجمع بنزين مع كبريت .

استيقظ البيت كله الا ( سليم ) مازال خالدا في نومه العميق .. مازالت ماجده تبحث عنه بعيون تائهه ثم ركضت نحو المطبخ بعفويه
- صباح الخير يامراة عمي .

- خير عليكي ياماجده .. خير بابتي ؟!
فركت ( ماجده ) كفيها بحيره مفكرة في سؤال تبدا به حديثها
- تحبي اساعدك في حاجه ؟!

عفاف وهي تضع اللبن في ابريقه
- شالله تعيشي يابتي .. خلاص البنات خلصوا كل حاجه .. يلا عشان تفطري .

تشبثت بلهفه في معصمها والكلمات تتلعثم بحلقها
- هو سليم صحي ؟!

عفاف بلا اهتمام
- مخابراش والله يابتي .. روحي شوفيه صحي ولا لا .
قالت عفاف جملتها علي عجل قبل مغادرتها للمطبخ ..

كلماتها قفزت السعاده بداخل ( ماجده )
- ايه دا اروح اصحيه عادي كده ؟! وفيها اي يعني يلا يلا ياماجده فرصتك وجات لحد عندك.

ركضت ماجده بعجل نحو غرفة سليم بخطوات تكاد ان تخترق الارض .. وصلت الي باب غرفته ثم طرقته بهدوء لم تجد اي جوابٌ ..
عاودت الطرق مجددا بدون فائده .. استجمعت شتات شملها ووضعت كفها علي مقبض الغرفة بتردد وفتحت باب الغرفه بهدوء تام ثم استدارت بجسدها واغلقت الباب ببطء وتقدمت بخطوات سلحفية نحو مخدعه ليعلو صوت شهقتها واتساع حدقة عينيها بمجرد ان راته نائمًا علي مخدعه عاري الصدر مرتدي بنطالًا واسعا خالدا في لذة سُباته .

ارتجف جسدها وتجمدت مكانها وجف حلقها وبعد مرور برهه من الوقت وجدت عيونها تتأمل معالم جسده الرياضي الاقرب للضخامه وقفت لوقتٍ طويل لم تتدرك ما فاتها من الزمن الا انها ظلت تملا قلبها وعينيها منه .. احتفظت بصمتها لدقائق وكإن الصمت ضروريا لعلاج شيء ما بداخلها يسمى الاشتياق .. رآته مستغرقاً في نومه فرأت فيه الهيبة والعظمه في أسمى معانيها .. تنهدت بصوت عال كإن فؤادها ينتشي لرؤياه.. اعتدل سليم في وضعية نومه فوجئ بتسمرها امامه .. اتسعت حدقة عينيه بدهشه فنهض مرتبكًا
- انتِ عتعملي ايه اهنه ؟

ثارت جيوش الخوف والرهبة بداخلها وشرعت ان تتراجع خطوات للخلف وهي تنظر له بعيون اوشكت علي البكاء
- جيت اقولك ان .. ان ال الاكل جهز تحت .

قفز ( سليم ) من مخدعه بتوعد واقترب منها وهو يرسل اليها نظرات ناريه
- ودا يديكي الحق انك تتدخلي اوضتي يابت ناصر ؟!

انسكبت دمعه حاره علي وجنتها وحركة صوابع قدميها المتكوره وضربات قلبها المُتسارعه
" منا خبطت كتير وانت مردتش "

زمجرت رياح صوته بقوه
- عااال ! تقومي تدخلي اكده عليّ انا ونايم .

تبادلا الانظار سويا لبرهه ثم تحركت متأهبه للذهاب ولكنه اوقفها بقبضته المفاجئه علي معصمها حتي غُرزت اصابعه في لحمها قائلا بنبره تحذيريه
- اول واخر مره تعتبي ناحية اهنه .. فاهمه ياماجده ؟!

اندفعت شلالات الدمع من عينيها بحراره وتركته وغادرت غرفته وهي تغلق الباب خلفها بقوة زلزلت جدران القصر

اخذ ( سليم ) نفسا عميقا قبل ان يلقي بجسده ارضا شارعا في تمرين الضغط الذي يؤديه ببراعه .
" سليم عادل الهواري " شاب في اوائل الثلاثينيات خريج كلية زراعه ذو الجسد الرياضي المتناسق والمتناغم معالمه .. لديه لحيه خفيفه تحتل وجهه المضلع ذو البشرة الخمريه والعيون السوداء التي تشبه عيون الصقر في حدتهم .. من صغره لم تقع عيناه علي فتاه سواه ( وجد ) .. صاحب الشخصية القوية يحتل الترتيب الثاني في اخوته بعد اخيه ( عماد ) الذي كان وكيلا للنائب العام قبل تقديم استقالته لظروف عائلته التي تعتبر من اغني اغنياء الصعيد .. عائله ذات نفوذ وسلطة .

تجمعت العائله حول مائده الطعام يتناولون فطارهم .. جلس جدهم الاكبر الذي تخطاه المشيب وهلك بدنه ولكنه مازال يتمتع بالقوه والصرامه علي مقدمه الطاوله محدقا النظر اليهم
- اومال صفوة وسليم وماجده فين ؟!

غصة علقت في حلق الجميع وساد الصمت لبرهه بين جوله العيون المتبادله فيما بينهم .. ضرب الجد الارض بمؤخرة عكازه بقوة
- اتكتمتوا لييه ! ماتنطقوا .

اخترق مجلسهم فجاه فأردف قائلا
- سليم اهو قدامك ياجدي .. صباح الخير ياهواري ياكبير .

اقترب منه وقبل رأس جده بحنو ثم جلس علي مقعده يرتشف كوب اللبن الذي اعطته له امه .

كرر الجد مجددا سؤاله
- وصفوة وماجدة فين ؟!
( ثريا ): ماجده فوق راحت تجيب حاجه واهي نازله .

=وصفوة ؟!
تلعثمت الكلمات لتخرج من بين شفتي عفاف بصعوبة
- راحت الجامعه بتقول عندها شغل مهم والله حذرتها ق

لم تكمل عفاف كلماتها وثب الجد قائما بضجر
- انتوا ازاي تسيبوها تخرج اكده … هو انا مش منبه محدش يخطي عتبة البيت منيهم انتوا ماعتسمعوش الكلام لييييه .

وقفوا جميعهم يتبادلون النظرات
ثم قالت ثريا: كلها ساعتين ياعمي وهترجع بتي وانا خابره راسها زين .. مش هتنفذ غير اللي في دماغها .

رمقها ( راجح ) بنظرة حادة تحمل بين طياتها اللوم والعتاب
- الغلطه بفوره اهنه .. وكلاب العتامنه ماعيرحمووش ياثريا .. - ثم نادي ع الغفير - انت يااااااااولد

- ايوه ايوه جنابك
قال الغفير جملته وهو يركض نحوه متعجلًا
- تروح قصاد الجامعه انت والرجاله .. وتجيب بت ناصر وتيجوا طوالى .. فاهمنى .
- فاهم جنابك

نظر اليه سليم في مضضٍ وهو يرتشف المياه ويستمع لكلمات جده بضيق فاكمل الجد كلامه بصيغه آمره
- ( محمد ومجدى وسليم وعماد ) خلصوا وكل وحصلوني علي جوه

قال الجد كلماته الاخيره وهو علي وشك المغادرة ويلحف عبائته علي كتفه بعدما تركهم في معركه افكارهم وقلقهم .

عفاف مناجيه ربها:" ياتري ناوي علي ايه يا عمي !"

يسر بتلقائيه:" قلبي بيقولي ان جدي مخطط لحاجه كبيره اوي وانا متأكده انها هتكون مفاجئة للكل "

محمد وهو يضع اللقمة بفمه
" مش عارف بس ياتري اي هي ؟! "

اردفت ( ماجده ) في منتصف حديثهم ثم رمقت سليم المنغمس في تناول طعامه بنظرة متحشرجه التي لم يبال لها اي اهميه .. ثم جلست علي المقعد المُقابل له لتشترك في رياح النظرات الطائفة بينهم وكلاهما منتظر القنبله التي سيفجرها الجد الاكبر .

 

" مملكة العتامنه "

قصر فاخر لم يقل عن قصر الهواري بل يفوقه في الفخامة والطراز متجمعة العائله حول مائده الطعام التي تحمل بين طياتها اشهي المأكولات .. تلك العائلة التي توفوا اعمامهم جميعا لم يتبق منهم الا نسلهم وهما احفادها و عمهم ( حيدر عتمان ) الذي يجلس وبداخله براكين من الغضب علي وشك الانفجار .

جالسا وعلي يمينه صفًا من بنات اخوانه وزوجاتهم وعلي المقابل اقصي يساره صفًا من الاولاد والصبيان .

ارتشف كأس الشاي التقيل وهو مستند علي عكازه .
نظرت له ( وجد ) بحنو
- اللي واخدك منينا ياعمى !؟

رفع عينه اليها بنظرة حاده
- عمك عيفكر كيف يرجعلكم حقكم يا وجد .

فهمت (وجد) المغزي من كلمات عمها وسرعان ما اردفت اختها الصغري ( ورد ) قائله
- قصدك الهوارة ياعمى .. صوح ؟!

اومأ حيدر راسه ايجابا .. انخلع قلب ( وجد ) من مكانه فاردف ابن عمها ( فايز ):
" ناوي علي ايه ياعمى .. اظن اننا عطناهم وقتهم وزياده وناصر مرجعش يبقي ايه !"

استجمع العم شتات افكاره قائلا بهدوء
- يبقي جيه الوقت اللي راجح الهواري يدفع فيه التمن .

وقعت السكينه من يد ( وجد ) التي احتل الهلع كيانها
- هتعمل ايه ياعمى ؟! .

اكمل العم كلماته بقوة وهو ينظر الي احفاده
- هنحرق قلب راجح واحده واحده .. ضربتنا الاولي لازمن تكون في مقتل وهي اغلي حفيد علي قلب راجح .

رفع ( ادهم ) نظره الي عمه لبرهه ثم حدق النظر الي وجد قائلا:
- سليم .. ؟

فزع قلب ( وجد ) وتلعثمت الكلمات بحلقها ونزف قلبها قبل عينيها .
ادهم بخبث
- مالك ياوجد .. اتخلعتي كيف اكده .

وثبت ( وجد ) قائمه
- انا نازله المستشفي ياعمى .. سلام .

وعلي الفور غادرت وتركت مجلسهم ليحلق بها ادهم سريعا وهو يركض خلفها
- اضرعتي ليه اكده ياضكتورة ؟!

لاحت بكفها بلا اهميه
- اطلع من دماغي يا ادهم مش ناقصاك .

ابتسم ساخرا
- كل دا عشان حبيب القلب ! هاا احب اطمنك هجيبلك راسه في شوال قريب .

جمدت الدماء في قدمها لدرجه تعوقها من السير والوقوف عليهم وهي تحاول استجماع شتات قواها بصعوبه بالغه .

دفعته من امامه بقوة وصعدت سيارتها بالمقعد الخلفي .. استند ادهم علي باب السيارة قائلا
- علي فكرة طلبت يدك من عمى وهو موافق .. وطلب مهرك راس سليم ولد الهواري ودي حاجه مافيش اسهل منيها ياعروسه.

تجاهلت ( وجد ) قذيفة كلماته ووجهت كلماتها للسائق
- اتاخرنا ياعم (سيد) يلا مش فاضيه للحديت الماسخ دا .

ابتعد ( ادهم ) قليلا
- قولت اخبرك بس عشان تعملي حسابك اصل الموضوع مش هيطول .. كلها ايام ..

تحركت سيارتها وخلفها سيارة حرس اخري وبداخلها مراجل تُقاد .. حاولت الاتصال ( بسليم ) مرارا وتكرارا دون جدوي .. القت هاتفها جنباً وهو تطلق زفيرا قويا
- اووووف ودا وقته ياسليم !

 

" قرار حُسم امره"

اجتمع الاربع اخوه في غرفة الاجتماعات الخاصه بالعائله وبعد مرور قليلا من الوقت كان الصمت سائدا .

عماد وثب قائلا:
" خير ياجدي .. بتفكر في ايه "

وقف الجد مستندا علي عكازه وهو يطوف حولهم بخطوات متباطئة
" كانش ليا نصيب اخلف غير ولدين .. وواحد منهم بين يد رحمن رحيم والتاني ياعالم فين اراضيه .. بس ربنا كرمني باربع رجاله يسدوا عين الشمس .. انتوا سندي وكبار عيله الهواري كلها .. الحمل تقيل عليكم قوي ياولاد عادل "

يستمعون اليه بصمت وانتباه .. ربت الجد علي كتف ( مجدى ) اخاهم الذي يحتل الترتيب الثالث بيهم

" ربيتكم وكنت حريص اني اجعلكم في اعلي المراتب .. عماد كان منصبه عالي في القضاه وسليم دراعي اليمين في الارض والثروه دي كلها .. مجدى السبع بتاعي المهندس اللي شايل هم شركاتي في مصر كلها علي كتافه ووصلها للمستوي اللي هي فيه دلوق .. محمد صغير العيله ودكتورها بس مقامه عالي قوي اللي برغم سنه الصغير قدر يوقف المستشفي علي رجلها هو وصحابه الجدعان "

فرك محمد كفيه بحماس
- خير ياجدي ماتخش في الموضوع طوالي .. ليه المقدمات دي !

- خد نايبك صبر يامحمد بلاش العجله دي .. انا عقولكم اكده عشان اعرفكم اني من غيركم ولا حاجه .. وانتوا من غيري كنتوش هتحققوا حاجه .. انا جمعتكم النهارده عشان قرار كنت مقرره من فترة بس كنت مستني الوقت المناسب ومكنتش حابب اظلم حد فيكم .

اعتدل الجميع في جلستهم باانتباه .. عاد الجد ليجلس علي مكتبه بهيبة ووقار متنحنحا بقوة
- عماد .. سليم .. مجدى .. محمد .
تنهدوا جميعا منتظرين قرار الجد الحازم
تمهل راجح في كلماته قائلا
- اللي عمله عمكم ناصر قوم الحرب بينا وبين العتامنه عارف انكم ملكمش ذنب بس مافيش غير القرار دا اللي هيخليني اطمن عليكم واضمن انكم هتفضلوا معقودين في عقده حبل واحد محدش يقدر يفرقكم .. ومن غير القرار دا ما يتنفذ اي حاجه بعده هتكون زي حته قماش دايبه كل ما نرقع فيها من ناحيه هتتقطع من التانيه

عماد بنفاذ صبر:
" خير ياجدي قلقتنا اكتر "

- سيني اكمل ياعماد ووسع خلقك عاد ..
نظر اليهم جميعا يري حماسهم وقلقهم لمعرفة قراره
- قراري هيبسط ناس فيكم وهيزعل ناس فيكم .. بصوا انا قررت ألم شمل العيله دي .

" كيف يعني ؟!"
اخيرا نطق سليم بسؤال بعد هدوئه التام التي لحقت به عاصفة قرار عاتية

- عماد هيتجوز نورا
ماجده لسليم..
وصفوة لمجدي
يسر لمحمد .
ودا قرار مش هقبل فيه اي جدل .. تقدروا تشوفوا شغلكم ودخلتكم الخميس الجاي .

صاعقة حلت علي قلب عماد وسليم
امطرت فرحا علي قلب مجدى ومحمد

" ينصر دينك ياهواري ياكبير "
نطق محمد كلماته مهللا وهو يريد احتضان العالم بين ذراعيه اخيرا سيتجمع شمله علي معشوقته الصغيره

احتضن محمد اخاه مجدى بفرحه وهو يقفز بين ذراعيه
وعلي المقابل
صاعق كهربي اصاب قلب عماد وسليم تلعثمت الكلمات بحلقهم ونظرا كل منهما الي الاخر بصدمه وذهول .

دايما بيقولوا
" يعملوها الصغار ويقعوا فيها الكبار " ..
بس دايما بشوف العكس
" يعملوها الكبار ويقعوا فيها الصغار "
بقيت معادله صعبه اوي اللي هو نسمع من الاكبر مننا وناخد برأيه وتجربته .. ولا نخبط في الدنيا ونصنع تجاربنا بنفسنا ! .. علي اي حال متحاولش ان اي حد يمشيلك حياتك حتى ولو كان مين .. محدش هيشوف حياتك بعيونك ! ولو فشلت مش هتلوم غير نفسك ودا شعور اهون بكتير من انك تلوم غيرك

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة