قصص و روايات - ورشة الكتابة الابداعية :

خصائص القصة الشعرية

خصائص القصة الشعرية

خصائص القصة الشعرية

إن القصة الشعرية قصة تقدم شعرا أو هو شعر موزون مقفى يقدم قصة قصيرة متكاملة الأجزاء متناسقة العناصر. والشعر العربي القديم يعنى بإبراز عواطف الشعراء الذاتية وتحديد مواقفهم من الحياة وقلما يلتفت إلى غير ذلك وهو ما جعل الشعر القصصي والمسرحي والملحمي قليلا. وما وجد فانه عبارة عن بذور لعناصر قصصية كما هو الشأن بالنسبة لقصيدة من قصص الكرم للحطيئة والتي يقول فيها:

- وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما **** أخي جفوة فيه من الإنس وحشة يرى البؤس فيها –من شراسته – نعمى

إنها قصة ضيافة بدوية عرضها الحطيئة تامة الجوانب مكانها الصحراء وزمانها الليل أشخاصها أسرة فقيرة جائعة يقبل عليها ضيف عقدتها تتمثل في قدوم الضيف وعدم توفر الغذاء وتزداد تعقدا بالتفكير بذبح الابن ويأتي الحل بظهور قطيع من الحمر الوحشية وتنتهي القصة نهاية سعيدة. وقد تنوعت الأساليب فيها.

القصة العرضية: قصة البارودي تضرب بجذورها في هيكلها إلى قصة امرئ القيس مع بعض الخصوصيات، أنه دارت به الأرض، لقد كان شاعرنا رائد الشعر الحديث، يكفيه أنه رد لشعرنا عافيته وأعاد إليه شبابه، ولن نطالبه بالمزيد.

قصة شوقي سردية، ليس فيها مقومات القصص الفني وفي أسلوبها غثاثة في الألفاظ ونطقها، وفي مضمونها تمجيد للفراعنة الذين قالوا لشعوبهم: أنا ربكم الأعلى كقوله:
جل رمسيس فطرة وتعالى
شيعة أن يقوده السفهاء
إيه سيزوستريس ماذا ينال ال
وصف يوماً أو يبلغ الإطراء؟
لك آمون والهلال إذا يك
بر والشمس والضحى آباء
ولك المنشآت في كل بحر
ولك البر أرضه والسماء!

وهذا شعر مرذول؛ شكلاً ومضموناً. فهل كان يعني شوقي بهذا الله ويسميه (سيزوستريس)؟ كان أمير الشعراء في غنىً عن هذا كله.. اضطراب في الشكل، واضطراب في المضمون، وجفاف في الأسلوب، فالفن القصصي ضامر والفن الشعري غير مستساغ في أسطورة القرون، وهذا العنوان انسحب على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فتأمل.

خصائص حافظ القصصية إرهاص لميلاد القصة الشعرية الناضجة التي رأيناها عند الشابي، فالروح القصصية لدى شاعر النيل غنية بخبر القص المنظم، سواء في قصته: غادة اليابان أو في قصته الغواني اللواتي قمن بمظاهرة احتجاج، أو في مطولته العمرية أو في زلزال مسينا.. حافظ إبراهيم رائد الأسلوب القصصي في هذه الفترة، فقد أثرى بقصصه هذا الفن.

أما أبو القاسم الشابي، فهو الذي أحس بروح القصة الشعرية وهو الفنان المريض الذي انتقى موضوعاً من وحي آلامه، وربما آلامه من آلام الآخرين.

ثعبان يلتهم طائراً صغيراً، لقد فلسف الشاعر هذا الحدث ونسج منه قصة جعل فيها من الثعبان الظالم رمزاً لتخليد الطائر الصغير الضعيف، يا لها من فلسفة المغالطات! ظالم متسلط يعيش على جماجم المستضعفين وعلى دمائهم وأعصابهم وعظامهم، وهو فوق ذلك يمن عليهم بهذا الظلم، يجعل من تسلطه عليهم منة في أعناق هؤلاء المظلومين المقهورين وهذه الفكرة قالها الرصافي بأسلوب مباشر:
عجبت لقوم يخضعون لدولة
يسوسهم بالموبقات عميدها
وأعجب من ذا أنهم يرهبونها
وأموالها منهم ومنهم جنودها

وقد زاد الشابي على الرصافي المنة التي يمنها الظالم على المظلوم.

هذا هو الشعر المرآة الذي أراده أرسطو للشعر أن يكون في الشعر الملحمي والمسرحي، وقد نسي الشعر الغنائي أو استبعده من الفن الشعري.

وهذا الشعر المرآة الذي مجده النقاد في الشيخ زبير أو شكسبير.

خصائص القصص السابقة، معناها منشور بين يدي القارئ، بينما قصة الشابي فلسفة تحتاج إلى تأن وعمق في مفهوم الدلالة، فهذا تجديد في طرح مفهوم الظلم، والهدف أيضاً بعيد الغور؛ إن لازم المعنى كما يقول البلاغيون هو التخلص من هذا الوضع الرهيب ومن هذه الفلسفة البلشفية وذلك يوحي بانتفاضة، بل انتفاضات تنزل إلى ساحة الكفاح لدى الشعوب المسحوقة من تسلط الظالمين.

وفي قصة الشابي ارتقاء بالقصة الشعرية فناً قصصياً وفناً شعرياً على حد سواء.

 

خصائص القصة الشعرية عند الشعراء غير الصعاليك

المضمون في قصة غير الصعاليك؛ تعبير عن فن الشاعر لا عن شخصه، القصة الشعرية لدى هؤلاء الشعراء ضرب من الترف الفني وليست ضرورة للشاعر في حياته كأدب الصعاليك، إنها ضرب من إظهار الطاقة البيانية، واللون النفسي متعدد الألوان متدرج بين القاتم إلى الفاقع.

وفي القصة الشعرية لهؤلاء الشعراء الرمز وهو الحيوان كحمار الوحش، وغالباً ما يكون الثور والكلاب ومعهم الصائد؛ فإذا قتل الثور في القصة فهذا دليل الإخفاق؛ فإنها المأساة، أما إذا نجا الثور وقد قتل بعض الكلاب، فإن النهاية النجاح والظفر بالمطلوب.

إذاً؛ فالقصة الجاهلية نوعان؛ نوع يتكلم عن الشاعر نفسه، وذلك ما رأيناه في شعر الصعاليك.

والنوع الآخر، كانت فيه القصة ضرباً من الترف الفني، وظفه لبيان مقدار الرغبة أو الرهبة، ذلك ما رأيناه لدى كل الشعراء أصحاب هذا الاتجاه تقريباً؛ كالنابغة الذبياني في وصف الثور القوي الذي يشبه ناقته التي حملته إلى الممدوح وهو الملك النعمان، وكأبي ذؤيب، ولبيد...

وللقصة الاستطرادية في تصوير الحيوان، الثور يُقتل، والثور ينجو؛ فذلك رمز إلى المأساة أو الملهاة؛ إذا نجا الثور فهذا رمز لنجاح المهمة لدى الشاعر، أما إذا قتل الثور فهذا رمز للفاجعة.

يبقى هناك قاسم مشترك في مضمون القصة الجاهلية، هو نظرة الجاهلي إلى الحياة من خلال فطرته ومعطيات البيئة، ومن خلال العقلية والثقافة؛ فلا فلسفة، ولا تعقيد في البيان، فمعطيات بيئة الشاعر محسوسة، ترفد حواسه بالصور والتشبيهات والمعاني مما يرد على حواسه، مع دقة الملاحظة وسلامة الطبع وروعة الأداء في البيان.


خصائص القصة الشعرية عند الشعراء الصعاليك

أولاً: في الشكل:

لنعد إلى النص الأول للقصة الشعرية الصعلوكية في لامية العرب، في غارته الليلية حيث يقول:

دعست على غطش وبغش وصحبتي سعار وإرزيز ووجر وأفكل

فهل يستطيع الدارس لهذا الشعر أن يفهمه دون قاموس يكون إلى جانبه ليفهم قول الشاعر في شعره؟.

يقول الشاعر: خرجت أخبط في الظلام والمطر، والحمى تغلي في جوفي والبرد والرعدة يقضقضان أسناني وأضراسي..

مثل هذه الألفاظ والتراكيب، قد بالغت في الخشونة، حتى في أدب تلك الفترة، وذلك لصعوبة حياة الصعلوك، فجاء أدبهم مرآة لحياتهم.

ولم تكن هذه سمة الأدب في هذا العصر؛ الإغراق في الخشونة، بل جاء بعضه بل قل: كثير منه، مفهوماً سائغاً حتى في عصرنا هذا، فشعر النابغة قد وصف بأنه البرود اليمانية الموشاة.. وشعر زهير في معلقته في منتهى اللباقة، وكأنه شاعر الأناقة، وذلك في تصويره مشهد الظعائن التي سارت تعلو الآكام بمنظرها الجميل، والنساء في الهوادج: (عليهن دل الناعم المتنعم):
علون بأنماط عتاق وكلة
وراد حواشيها مشاكهة الدم
ووركن في السوبان يعلون متنه
عليهن دل الناعم المتنعم
وفيهن ملهى للصديق ومنظر
أنيق لعين الناظر المتوسم
كأن فُتات العهن في كل منزل
نزلن به حب الفنا لم يحطم
فلما وردن الماء زرقاً جمامه
وضعن عصي الحاضر المتخيم

بعد هذا المشهد المسرحي الطريف الظريف الذي عبر عنه بالصورة والألوان، قطع الشاعر هذا المشهد لينتقل إلى غرضه الرئيسي، وهو مدح هرم بن سنان والحارث ين عوف بطلي الصلح بين عبس وذبيان.

ألفاظها أسهل من ألفاظ الشعراء الصعاليك، وأسلوبها أسلس وألين، حتى إن بعضها يشبه بالوشي، وبالبرود اليمانية، وليست هذه الصفة منطبقة على شيء من أدب الصعاليك.

ثانياً: في المضمون:

أما المضمون في قصة الصعاليك؛ فهو التعبير عن حياة الشاعر، عن شخصه، عن قوته وبطولته وشهامته، والهدف: إثبات الذات. واللون النفسي حزين، لصيق الصلة بنفسه كأنه خلق للألم وشظف العيش والمكابدة. فهو يبدو دائماً؛ إما طالب وإما مطلوب وأدب الصعاليك عموماً مرآة صادقة عن حياة هؤلاء الشعراء.

 

ملخص لخصائص القصة الشعرية

بعد انتقال القصة الشعرية من مرحلة الخضرمة إلى العصر الإسلامي، رأينا قصة شعرية ناضجة المعالم لدى عمر بن أبي ربيعة.

وفي العصر الأموي قصص دون قصة عمر رأينا نموذجاً منها لدى الفرزدق في مغامرته الغرامية، وهي أرقى من قصته مع الذئب وأكمل، ولكنها لم تتجاوز قصيدة ابن ربيعة بل لم تصل إليها.

في العصر العباسي قصص من نوع مختلف؛ إنه القصص الطردية، قصة الصيد فلأبي فراس الحمداني طردية مطولة صاغها أرجوزة وصف فيها الصيد بالبزاة وكلاب الصيد والخمار والخمرة...

وقد رأينا أبا نواس ينسج على المنوال القصصي في وصف وروده على الخمار، ولكنه لم يصف في هذه القصة الخمرة، ولعله تهيب الولوج إلى هذا الجو خوفاً من يزيد الخليفة الأموي الذي غدا وصفه للخمرة إرثاً مباحاً للساطين على هذا التراث غير الحميد، وغدا مصدر إلهام، بل إبداع لغيره من شعراء الخمرة الذين جاؤوا بعده ولاسيما منهم أبو نواس خاصة.

وفي عصور الدول المتتابعة محاولات قصصية أشهرها ما اخترناه لصفي الدين الحلي في مجلسه الأنيق.

هذه القصص كلها تقف وراء قصة عمر بن أبي ربيعة.

أسلوب القصص في هذه الحقبة من الزمن منذ العصر الإسلامي، قد دخلته ألفاظ إسلامية في الشكل، وأسلوب القصة في صدر الإسلام والعصر الأموي جزل رصين، إنه امتداد في الجزالة والرصانة لأسلوب العصر الجاهلي مع شيء من الليونة ويتميز بنمو الحوار.

أما موضوعات القصة فهي الغزل، غزل في العصر الإسلامي، يفطن الشاعر فيه إلى أن الله غافر، وينسى أن الله شديد العقاب، وهو غزل في العصر الإسلامي ولكن لم تظهر الإسلامية في شيء من هذا القصص، ويمكن أن يسمى غزل الفساق في هذا العصر، هو في العصر الإسلامي، ولكنه أدب غير إسلامي.

والعصر العباسي عصر ازدهار وفلسفة وحضارة. وهذا كله انعكس في الأدب عامة ومنه القصص الشعري برونقه الأسلوبي وموضوعاته، وقد ضاق مجال القصة العباسي حتى اقتصر على المقطعات واكتفى بها عن القصص المطول.

لماذا طالت القصة الشعرية في العصرين: صدر الإسلام والأموي، وتقلصت في العصر العباسي؟

في هذين العصرين روت القصة شأن الإنسان في مواجده في عواطفه في انفعالاته، وطبيعي أن من يتكلم عن نفسه لا يمل الحديث، يروي عن محبوبته وصلها وهجرها، وصوله إليها، شأنه معها..

أما من يتكلم عن الآخر، أو عن شيء خارج أقطار نفسه كالخمرة مثلاً أو الخمار فإنه سيضيق ذرعاً بتفتيق المعاني وقد أجهد نفسه في تتبعها، وسيأتي الحديث عنها مقتضباً، وهذا هو سبب اقتضاب القصة وضيق انفساحها في العصر العباسي.

أما في عصر الدول المتتابعة؛ فقد انفسح مجاها لدى صفي الدين الحلي لما عللناه.

مضامين هذه القصص أكثره غرامي وقصص خمري، نحن نفتقد باقي الفنون، فلماذا؟.

الأسلوب القصصي يناسب سرد الحديث عن النفس، يقصه الشاعر أثراً بعد أثر، وهذا مجاله القصة الغرامية أو ما يكون في هالتها كالخمرة مثلاً، أما بقية الموضوعات كالفخر والحماسة والهجاء والوصف... فمجاله الأسلوب غير القصصي لأن الشاعر سرعان ما ينتقل من غرض إلى آخر، لا يتوقف عند الخبر الواحد يتتبع أثره يقصه طوراً بعد طور، وإنما تتعاقب أدوار الأفكار والموضوعات بشكل سريع، على طريقة عمود الشعر عند العرب.