تعافيت بك يوم الجمعة (حلقات خاصة) للكاتبة شمس محمد الفصل التاسع والعشرون
أنا هنا حيثُ أنتِ أود أن أكون أينما كُنتِ.
حكمت الظروف بجمعهم سويًا، كلٌ منهم يرى الموضوع غريبًا من وجهة نظره لكنه يراه في نفس الآن به الكثير من اللطف، رحلة جديدة تجمع العائلة مع بعضها، كان ياسين يفكر في إلحاح صغاره ونظرات خديجة وهي تتوسله بالموافقة ودلالها عليه حتى يقبل بهذا، أبتسم بسخريةٍ وهو يرى ابنائه وزوجته أيضًا ينامون في السيارة وهو يتولى مهمة القيادة المملة وسط السباقات السخيفة من وليد بين سيارته وسيارة العائلة وسيارة حسن.
شعر ياسين بالملل من الصمت ونوم الصغار فتنهد مُطولًا وظهر الشر في نظراته وهو يتابع نومهم لذا قام بفتح الصوت في السيارة مما جعلهم ينتفضون بلهفةٍ وقد سألته خديجة بنبرةٍ عالية: أنتَ ياعم! فيه حد يعمل كدا؟
حرك رأسه موافقًا وهتف مؤكدًا: آه فيه حد يعمل كدا عارفة ليه؟ علشان أنا بسوق ببهايم، نايمين وسايبني لوحدي لما خلاص جضيت منكم، واللي هلمح عينه بتقفل هنزله وازنقه في أي عربية تانية.
هتفت جاسمين بضجرٍ: ماهو دا ظلم كدا، فيه أب يعمل كدا يعني يرضيك؟
آه يرضيني وبعدين اشمعنا أنتِ اللي بتتكلمي؟ ماهو أخواتك ساكتين أهو محدش فيهم فتح بوقه حتى، بتردي ليه
كان هذا رده عليها فوجدها تعود للخلف وهي تقول ببرودٍ تثير استفزازه به:
خالو وليد قالي إني محبوسة من لساني.
لوى فمه بتهكمٍ ونطق بسخريةٍ:
كل دا ومحبوسة من لسانك؟ ماسمهاش كدا ياختي.
عقدت ما بين حاجبيها وسألته باهتمامٍ:.
اومال هي إيه؟ أنا كنت فكراها، قول معايا كدا طيب.
رفع كفيه يمسح وجهه وهتف بضجرٍ:
مسحوبة من لسانك الطويل اللي نفسي اقصه.
حركت كتفيها بلامبالاةٍ وهتفت بنفس البرود:
أنا مجيبتش حاجة من عندي، أنتَ اللي بتقول.
قرر تجاهل تلك الدُمية المثرثرة ثم نظر للأخريْن فوجدهما يخلدا للنوم من جديد ابتسم لهما وقال بأسفٍ:
ناموا لو عاوزين تناموا أنا كنت بهزر، كدا كدا قربنا أهو.
نام الصغيران فيما ظلت جاسمين مستيقظةً تطالع والدها حتى سألها بسخريةٍ:
حضرتك بومة مش هتنامي يعني؟ نامي يابت.
أشارت له نفيًا ثم سحبت الحقيبة المجاورة لشقيقتها تأخذ منها الجهاز اللوحي التابلت ثم فتحته تشاهد به أحد أفلامها المفضلة فيما ضحكت خديجة عليها وحركت كتفيها تبريء نفسها من إتهام نظراته بقولها:
اقسم بالله بنتنا سوى، أنا ماليش دعوة بأخلاقها.
ضحك رغمًا عنه على طريقتها ثم قال بنبرةٍ أعربت عن يأسه:.
ماهي الكارثة إنها بنتنا.
بعد مرور ساعتين توقفت السيارات أمام بيت آل رشيد بمحافظة الاسكندرية في صفٍ طويلٍ خلف بعضهم وأولهم كانت سيارة وليد الذي أوقفها وخرج منها يقول بثباتٍ ومرحبًا بهم:
اسكندرية وأرض إسكندرية نورت بيكم، وخصوصًا بيك يا عمار.
هتف عمار يرد عليه بوجهٍ مبتسمٍ:
اسكندرية منورة بأهلها دايمًا، ومنورة بيكم فيها.
نظر له وليد بسخريةٍ وهو يقول:.
ايه الإجابة المتربية دي؟ أنا يوم ما قولت لأخوك كدا قالي دا غصب عنك، متأكد إنك أخو عامر؟
انتشرت الضحكات الخافتة على قول وليد فاقترب منه ياسين يقول بنبرةٍ جامدة:
ولا! احنا جايين نروق على نفسنا هتتعبني هروقك.
هتف وليد مستهترًا بقوله:
طز، أنا يوم ما اخاف هخاف من مهلبية؟
رماه بغمزة عابثة جعلت ياسين يحاول كظم غيظه حتى اقتربت خديجة منه تقول بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسمت له:.
دا ليدو بيحب يهزر متزعلش نفسك بس، يلا يا وليد اتحرك وافتح البيت يلا.
اقترب وئام منهم وفي يده المفاتيح وقال بنبرةٍ هادئة:
أنا هفتحه المفاتيح معايا، جهزوا الشنط علشان نتحرك بيها.
بعد مرور بعض الوقت صعدوا جميعهم للبيت المكون من عدة طوابق وكل طابق ينقسم إلى شقتين، تم تقسيم الشقق عليهم جميعًا وكان القرار الأخير شقتين للرجال وشقتين للنساء وشقتين للفتيات وشقتين للشباب.
دلف مرتضى الشقة الخاصة بالرجال فوجد بها حسان و محمود ومعهما محمد فتحدث بتهكمٍ: هو أنا هفضل معاكم هنا؟ إيه دا؟
تحدث محمود بسخريةٍ منه: المفروض نعملك إيه يعني؟ روح الشقة التانية.
نظر خلفه فوجد محمد يأخذ حقيبته حينها أوقفه بقوله: أنتَ رايح فين؟
جاوبه الأخر بلامبالاةٍ: رايح الشقة التانية علشان مش هقعد هنا.
تحدث مرتضى بضجرٍ منه: لأ خليك هنا، أنا هروح أقعد مع طه وأجيب العيال معايا، هي ناقصة كبت، دلوقتي محمود يشغلك قناة الأخبار و حسان يقعد معاه يحلل مساحة الوطن العربي، وياكلوا على أبونا المساحة اللي هنفك بيها على نفسنا.
نظر له محمد بنفاذ صبرٍ وقال بانفعالٍ طفيفٍ:
هو أنتَ مفيش حاجة بتعجبك؟ عاوز الدنيا كلها مراجيح؟ روح ياخويا ألعب مع العيال وشغل أغاني وافضحنا.
أكد مرتضى اقتراحه بقوله:.
هو إحنا جايين معرض الكتاب؟ طب دا أنا محضرلكم أكلة رنجة وفسيخ أقسم بالله هتضرب في نفوخكم.
تقززت ملامحهم فيما سحب هو حقيبته ثم خرج من الشقة وتوجه للشقة الأخرى التي بقى بها طه ينتظر قدوم أحدهم، حتى دلف له مرتضى يقول بمرحٍ:
واد يا طه؟ أنتَ فين يالا؟
خرج له يرتدي سترة قطنية تي شيرت وأسفله بنطال رياضي فتحدث مرتضى بسخريةٍ من هيئته:
أنتَ لابس هدوم البحر من دلوقتي ليه؟ عندك معاد مع الحوت الأزرق؟
نظر له طه بملامح ترتسم عليها الضحكة وقال بنفس السخرية:
لأ يا خفيف خارج مع سمكة قرش، أجيبلك صاحبتها؟
وضع مرتضى حقيبته ثم تحدث بنبرةٍ خافتة:
بقولك إيه أنا عاوزك تطول بالك معايا كدا ونضحك ونهزر وتحسسني أني جاي مصيف، الشقة اللي جنبنا دي لو شوفتك معتبها، أنا هقطع رجلك، فاهم؟
في الشقة الخاصة بالشباب جلس عمار بمفرده بعدما تحسن كثيرًا واقتصر الأمر على جروح طفيفة أثرها أوشك على الرحيل، كان يجلس بخجلٍ طفيفٍ بعدما اصروار على المجيء معهم وقد وجد خلود تأتي له هربًا من الجميع وفي يدها كوب عصير، أبتسم لها بتعجبٍ فوجدها تقترب أكثر وهي تقول بحماسٍ:
دا عصير لحد ما الأكل يحضر، عاوز حاجة؟
حرك رأسه نفيًا وسألها باهتمامٍ:
أنتِ عاوزة حاجة؟ يعني أنا لسه باخد على الجو.
ضحكت له وقالت بتفسيرٍ:
هي في الأول بتبقى فيه رهبة بعد كدا هتلاقي جري ورا بعض و العيال كلهم يطلعوا فوق السطح و طارق هيجيب لنا حاجات حلوة، اتمنى يعني تنبسط.
اومأ لها بإيماءةٍ خافتة وهتف بنبرةٍ هادئة:
مش أنتَ موجود يا سُكر؟ يبقى كله تمام.
اقتربت منه تخطف قبلةً على وجنته ثم رحلت وهي ترفع صوتها قائلةً:
البركة فيك يا لوز.
اتسعت ضحكته شيئًا فشيءٍ وهو يتابع رحيلها بشقاوةٍ كعادة شخصيتها المتمسة بالمرح، فوجد مازن يقترب منه يقول بخبثٍ:
ابعد عينك الله يعينك.
انتبه له عمار فتنحنح بجديةٍ ليجد مازن يغمز له بمشاكسىةٍ حينها قال عمار بصوتٍ خافتٍ يسخر من الوضع:
لأ متيسرة إن شاء الله، واضح إنها رحلة سعيدة.
وضع حسن اشياءه وأشياء صغيره علي معه في نفس الخزانة ثم تحرك من الغرفة ليجد ياسين في الخارج يضع حاجته هو الأخر حينها ابتسم له وهو يسأله:
أنتَ قبل ما تقعد معانا في الشقة دي سألت عن أخلاقنا؟
ضحك له ياسين وهو يقول بقلة حيلة:
أكيد الشقة اللي فيها حسن و وليد و أحمد طبيعي تكون كباريه على الضيق، إنما اللي فيها عمار و وئام و طارق أظنها فصل مدرسي.
تحرك حسن من أمامه بعدما تحدث معه عدة أحاديثٍ قليلة ثم توجه إلى رواق الشقة الموجودة بها زوجته، وقف لبرهةٍ يتابع الاطفال وهم يتحركون بالأشياء والرجال خلفهم يرتبون الأوضاع والشباب يقومون بالتجهيزات، فوجد نفسه يبتسم بفرحةٍ غريبة وقلبه ينبض بحماسٍ.
الأجواء العائلية وضجيج البيت والأصوات المنتشرة والنداءات المتكررة الصاعدة من الشقق جعلت يشعر بأمانٍ قد يكون فقده لكنه يجده هنا بجوار عائلته، مرتضى يصدر الأمر وهو يوافق متصنعًا الضيق لكن في حقيقة الأمر هو ينتظر هذه المناسبة بفارغ الصبر كل عامٍ، يرى نفسه كما أبناء العائلة تمامًا، الدفء المتواجد بجوارهم يجعله يشعر بالحنين لكل شيءٍ هنا حتى وإن لم ينتمي لهم.
أتت هدير تحمل صغيرتها على يديها وما إن رأته ألقتها له وهي تقول بنفاذ صبرٍ وضجرٍ:
أمسك البت دي علشان كلت دماغي، عاوزة تروح عند جاسمين و جاسمين لازقة في وليد.
نزلت فاطيما على الأرض وهي تقول بمعاندةٍ:
طب والله لأروح عند وليد أنا كمان.
ركضت من مكانها حتى ضحك حسن عليها فسألته زوجته بتأهبٍ:
شوفت؟ أقسم بالله هضربها.
رد عليها بنبرةٍ هادئة وطيبةٍ معهودة منه:
سيبيها إحنا في مصيف متنكديش عليها، جايين نفرح.
ابتسمت له رغمًا عنها ونظرت له بإمعانٍ حتى وجدت نفسها تقرأ ملامحه بسهولةٍ ويسرٍ وقد فهمت ملامحه على الفور لذا ابتسمت هي الأخرى وقالت بحماسٍ اقتبسته من فرحته:
شكلك فرحان إننا جينا صح؟ الحمد لله إننا مروحناش الساحل، وشك منور الله أكبر.
اقترب منها بخبثٍ يهمس في أذنها بقوله:
شوفتي بقى لما بتسمعي كلام جوزك وشك بينور إزاي يا حلوة الملامح؟ ربنا يكرمك بقى وتثبتي على كدا.
رفعت أحد حاجبيها بشرٍ أخمده حينما قبل وجنتها ثم ثم غمز لها وهو يقول بعبثٍ تحبه هي في شخصه:
عن إذنك بقى يا ونس العمر هنروح نشوف الكلام على إيه
تحرك بعدما قال جملته فيما وقفت هي تنظر في أثره ثم ابتسمت بحماسٍ وهي تقول لنفسها:
اسكندرية شكلها سرها باتع عليه الواد دا.
تحرك ياسين مع ابنه للخارج فقابلته خديجة ومعها عبلة التي قالت بمرحٍ:
منورنا يا ياسين إن شاء الله تبقى رحلة سعيدة.
رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة:
هحاول بقدر الإمكان أني مارملكيش، ادعيلي ربنا يثبتني
ضحكت له ثم تحركت من أمامهم بعدما استاذنت بالرحيل، فيما سألته خديجة باهتمامٍ:
إيه الأخبار؟ لسه مش راضي؟
رفع رأسه وهو يقول بشموخٍ يعاندها:
لو مش راضي ماكنتش جيت هنا بإرادتي، بس أنا جاي بمزاجي يا كتكوتة.
ضيقت جفونها وأشارت بسبابتها قائلةً بتحدٍ:
طيب، خليك فاكر بقى إنك النهاردة هتبوس راسي.
سألها بسخريةٍ بحديثٍ يشبه حديث الماضي في أول لقائهم:
وابوس راسك ليه هو أنتِ أمي؟
جاهدت لكتم ضحكتها ثم أمسكت كف صغيرها وهي تقول بقلة حيلة:
يلا علشان منتأخرش على البحر.
هتف من خلفها ساخرًا:
إيه خايفة مدير البحر يخصملك ولا إيه؟
اختفت من أمامه تجاهد لكتم ضحكتها وقد قابلها وليد في الطابق الأسفل وهو يسألها باهتمامٍ:.
طبق المهلبية بتاعك فرحان ولا احطله شوية كريم كراميل
حركت رأسها بقلة حيلة وهي تقول:
أهو بس شوية وهيفك إن شاء الله، المهم ننزل إمتى؟
رد عليها بخنوعٍ بعدما نظر في ساعة يده:
كمان شوية هننزل نقعد على البحر، أنا قولتلهم يجهزوا.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا توجهت العائلة بأكملها على شاطيء البحر وقد جلس وليد وسط الصغار يلعب معهم في الرمال وكذلك حسن و عمار.
كانت الجلسة على شاطيء البحر في مرحٍ وسعادةٍ اندمجوا فيها بسرعةٍ كبرى و سلمى التي جلست أمام البحر تبتسم بسعادةٍ وراحةٍ جعلت مشيرة تقول بنبرةٍ ضاحكة:
بت يا سلمى أوعي تعمليها دلوقتي!
ردت عليها بسخريةٍ وهي تحاوط بطنها:
لأ متخافيش يا عمتو، ممكن بكرة.
تحدث زياد بلهفةٍ:.
أهم حاجة مش النهاردة بليل، بابا عازمنا كلنا.
تحدثت مروة بتعجبٍ من الحديث:
النهاردة؟ هنروح فين سيبونا نرتاح النهاردة.
ردت عليها خديجة بلهفةٍ:
لأ وليد عازمنا النهاردة على أكلة سمك ياسين بيحبها وكلم المطعم حجزه.
انتبه لها ياسين فعقد مابين حاجبيه وسأل وليد بتعجبٍ:
مطعم؟ ودا ليه يعني هو أنا عيل هتراضيني؟ والله ياعم فرحان أني جيت هنا، عامل قلق ليه بقى، ولا لازم تمشينا على مزاجك؟
تحدث وليد بطريقته المعتادة:.
أنتَ متقدرش تمشي الناس على مزاجك بس تقدر تمشي الناس بمزاجك، أفهمها زي ما تفهما يا مهلبية.
بعد مرور عدة ساعات ومع حلول المساء دلفت العائلة للمطعم ومعهم الصغار بعد عودتهم من البحر، كانوا مع بعضهم والمكان شبه فارغٍ، لاحظ ياسين هذا فسألهم متعجبًا:
هو المكان فاضي ليه؟ سمعته وحشة؟
تحدث وليد يشاكسه بقوله:
ليه هو اسمه ياسين ولا إيه؟
انتشرت الضحكات العالية على مزاحهما سويًا، فيما ركض ياسين حتى اقترب منه وأمسك رقبته بين يديه يتحدث بنفاذ صبرٍ وانفعالٍ قاتمٍ:
ياض سيبني في حالي، ياض هو أنتَ ذنوب وبخلصها؟
وصلهما صوتٌ من خلفهما يقول بسخريةٍ:
أنا ربيتك على كدا يا مهلبية؟ إخس؟
التفت ياسين ينظر خلفه فوجد عائلته بالكامل يقفون في انتظاره اتسعت عيناه حينها بدهشةٍ ورفرف بأهدابه عدة مراتٍ يتأكد من تواجدهم، فوجد وليد ينطق بحبٍ:.
أبوك جاي علشان عيد ميلادك وصمم إننا نتجمع كلنا و خديجة اللي رتبت كل حاجة، كل سنة وأنتَ طيب.
لمعت العبرات في عيني ياسين من فرط الدهشة فوجدها تقترب منه وهي تقول بمرحٍ تشاكسه:
قولتلك هتبوس راسي قدامهم، هو أنا أي حد؟
وقف حائرًا لم يقو على إبداء الرد في فعلهم، عائلته وكل أحبته هنا، هذا الحلم الذي تمناه ذات يومٍ أن يجمعهم سويًا، وسرده عليها أن يريد جمعهم مع بعضهم هي نفذته له وحققت مبتغاه، تلك التي وافق لأجلها أن يكون هنا، تواجد لأجلها ولأنها هي هُنا.