نوفيلا كابوس عشق للكاتبة شاهندة كاملة الفصل السابع والأخير
قد تصل إلى مرحلة فى حياتك تجعلك تستغنى عن كل مايوجع قلبك حتى إن كان العشق..
فقلة الإهتمام تضعف الحب، وكثرة العتاب تجلب الألم والتجاهل يميت القلب ويصيبه بالقسوة..
تدرك أنك قد عشت دورا لا يليق بك، ترتدى ثوب الخضوع، تصم أذناك عن كل تلك الإنذارات فى عقلك حتى تبقى فقط فى قلب من تحب ويبقى هو فى قلبك، ترضى أن يغتال مشاعرك حتى لا تواجه ذلك الفراغ الموحش عند فراقه..
لتشعر فى النهاية بالسأم، وبالرغبة فى الرحيل.
كان هذا بالضبط مايشعر به (عاصى)الآن وهو جالسا فى حجرة مكتبه المظلمة، بعد أن عاد من الضيعة وقد رفضت (عشق )مقابلته ربما للمرة العاشرة..
تراجع يستند برأسه على كرسيه، يغمض عيناه، فمنذ هذا اليوم البغيض وهو هائم على وجه فى طرقات مدينته يكره ذاته لفعلته، يبغى الموت حقا، بل إنه أراده بكل قوته ليلقى بنفسه أمام سيارة مسرعة ولكن صاحبها إستطاع كبحها قبل أن تمسه ثم إنهال عليه بالسباب، فإبتعد غير آبها لشيئ غير أنه أذى حبيبته ويستحق كل مايحدث له...
ذهب ليلقى بنفسه فى النهر، فأوقفه فى اللحظة الأخيرة صوت آذان الفجر، زلزل كيانه وجعله يخر راكعا فى مكانه، يمرغ جبهته فى الأرض مستغفرا، شعر براحة فى قلبه، ليعود إلى منزله على الفور وكله رغبة فى أخذ حماما والصلاة حتى الغفران، ثم طلب السماح من حبييته، وبالفعل صلى كثيرا وتساقطت دموعه وهو يدعو الله مبتهلا لغفران من كل إثم، ثم ذهب إلى حجرة طفله، تلك الغرفة التى دنسها بأفعاله، ينوى أن لا يغادرها إلا وقد غفرت له (عشق)بدورها.
ولكنه لم يجدها، بحث عنها كالمجنون فى كل حجرات المنزل حتى إستيقظت الخادمة وأخبرته أن سيدتها قد سافرت إلى الضيعة، لحقها على الفور، يقود بسرعة جنونية، حتى وصل الضيعة، فرفضت (عشق)مقابلته، وأخبرته حماته أن يبتعد قليلا فحالتها النفسية لن تسمح لها الآن بمقابلته، عاد خائبا إلى المدينة، يشعر بالألم والحسرة، يحادثها كل يوم فلا تجيب إتصالاته، حتى أنه شعر بالشفقة فى صوت السيدة (منال)وهي تجيبه، ترجوه أن يصبر عليها قليلا حتى تقبل بأن تحادثه مجددا، يذهب لزيارتها عندما يستبد به الشوق إليها، فترفض مقابلته وتعيده لمدينته خائبا متحسرا.
لقد أخطأ فى حقها، يعلم أنه فعل، ولكن ألم يكن فى قلبها ذرة حب تشفع له عندها؟لطالما سامحها فهل قد قلبها من صخر؟!
حسنا، قد يستطيع بدوره التجاهل، قد يجعل هذا القلب يقسو، قد يعيد كل شيئ إلى العدم، فلا مزيد من إهدار المشاعر، ولا مزيد من الضعف والعشق.
تأملت (عشق)تلك اللوحة التى رسمتها بصدمة، تبا، لقد رسمت وجهه مجددا فى لوحاتها..
هل إشتاقت إليه حقا؟!
هل سامحته؟!
هل مازال يسكن روحها فيطل عليها رغما عنها؟!
بعد كل ماحدث منه؟!
وبعد كل ماصار بينهما؟!
كلا، لن تضعف مجددا، أمسكت اللوحة ومزقتها إلى نصفين، لتنتفض على صوت والدتها قائلة من خلفها:
-تفتكرى كدة هترتاحى؟وتقدرى تخرجيه من قلبك وعقلك؟!
أطرقت (عشق) برأسها قائلة بألم:
-هخرجه ياماما، مع الأيام هخرجه.
جلست (منال)إلى جوارها قائلة:
-مش هتقدرى يابنت بطنى، عاصى بيجرى فى شرايينك، زي دمك بالظبط، تقدرى تعيشى من غير دم؟
رفعت (عشق)ناظريها تواجه والدتها بعيون زائغة تائهة ممزقة من الألم، لتدرك (منال)أن طفلتها تدرك عشقها ل(عاصى)، يجتاحها الشوق إليه، ولكنها تقاومه، لتطرق الحديد وهو ساخن قائلة:
-بتهيألى إنتى دلوقتى هديتى وأقدر أكلمك بالعقل.
كادت( عشق )أن تتحدث ولكن والدتها قاطعتها قائلة:
-جاوبينى الأول على أسئلتى.
طالعتها (عشق)متسائلة، فإستطردت (منال)قائلة:
-إنتى بتتهمى جوزك بإيه؟
قالت(عشق) بمرارة:
-ماإنتى عارفة ياماما، مش عاصى قالك؟
قالت (منال) بإبتسامة:
-يعنى كنتى بتتصنتى علينا.
قالت(عشق)بإرتباك:
-انا، لأ، انا كنت بس رايحة الحمام وسمعتكم بالصدفة.
قالت (منال):
-تمام، بس انا برده حابة أسمع كلامك.
أطرقت (عشق)برأسها قائلة:.
-عاصى إغتصبنى ياأمى، فاهمة يعنى إيه راجل يعاشر مراته بالغصب؟
قالت (منال):.
-غلطة كبيرة مبنكرهاش، بس كمان لازم نعرف أسبابها، واحد مراته مانعاه عنها تقريبا من سنة، هو ده مش حرام يا(عشق)؟ربنا ميحاسبكيش عليه؟طب والله واحد غيره كان إتجوز عليكى ودوقك الذل، بس عاصى بيحبك، معملهاش وفضل صابر عليكى، رغم إنه عاشق والعاشق صعب يصبر على بعد حبيبته عنه، شاف منك برود وتجاهل وإستحمل، إستحمل لإنه بيحبك وباقى عليكى، وفى يوم فاض بيه وشرب، غلط ايوة بس حس بغلطته وطلب السماح بدل المرة مية، يبقى ليه متسامحيش يابنتى، ده المسامح كريم وهو ياما سامحك، قمة الحب إن حبيبك لو غلط تسامحيه ياعشق.
رفعت (عشق)إليها عينان مغروقتان بالدموع وهي تقول:
-وإبنى ياماما، منير، أنسى إزاي إن هو اللى قتله.
قالت (منال)على الفور:
-إستغفرى ربك ياعشق، ده قدره، قدره يموت فى اللحظة دى ولو كان جوة حضنك، ربنا كتب قدرنا كلنا قبل خلق الخليقة كلهم، كتب إزاي هنموت وامتى، وبعدين لو هنتكلم بمنطقك هتكونى انتى كمان مذنبة لإنك كنت السبب فى سفره علطول بخناقتك معاه.
قالت (عشق)بعناد:
-بس تغريد قالتلى...
قاطعتها والدتها قائلة:
-اهى تغريد دى بالذات أصل الشرور، حرباية بتتلون عشان مصلحتها، بتنفخ فى ودانك بسمومها عشان تاخد جوزك منك ياعبيطة.
عقدت (عشق)حاجبيها قائلة:
-انتى هتتكلمى زي نهى ياماما؟
قالت(منال):
-الكل شايف كدة إلا إنتى يابنت بطنى، غيرتها منك وحبها لجوزك باين زي الشمس، لكن انتى مغمضة عنيكى وماشية وراها زي الهابلة.
شردت (عشق ) فى كلمات والدتها لتستطرد (منال)قائلة بحنان:
-إرجعى لجوزك ياحبيبتى وإبعدى الشيطان عن حياتكم، الرضا بالقدر هو الإيمان نفسه، والحب نعمة مش كل الناس بتلاقيها، وعاصى بيحبك، بيحبك من قلبه ياعشق، متخسريهوش ياحبيبتى، عشان لو خسرتيه هتخسريه المرة دى للأبد وهتخسرى حياتك نفسها معاه.
تخسره إلى الأبد؟هل تستطيع تخيل تلك الفكرة حتى؟!ربما، وربما يكون هذا هو الحل لعذابهما معا، الفراق.
قرأت (منال)فى عينيها قرارها البغيض لتقول بألم:
-الظاهر إن مفيش فايدة معاكى، عموما روحى بيتك وشوفى عاصى يمكن لآخر مرة، قبل ماتقررى مصير حياتك، عشان متندميش ياعشق.
فكرت عشق للحظات، والدتها محقة يجب أن تسافر، ستعود إلى منزلها وهناك ستلملم شتات حياتها، وتتخذ قرارها المصيري ذاك...
لتنهض قائلة بحزم:
-أنا مسافرة حالا ياماما.
نهضت (منال)بدورها وهي تربت على كتفها قائلة:.
-خير مافعلتى يابنتى، إرجعى بيتك وهناك هتعرفى إنتى عايزة إيه، بس متنسيش تفوتى على بيت حماتك الأول وتراضيها، أكيد مصدقتش إنك نايمة لما جت عشان تشوفك، وأكيد دلوقتى زعلانة، ودى ست مشوفتيش منها غير كل خير ومتستهلش منك كدة، خرجيها برة علاقتك بعاصى ياعشق.
أومأت(عشق) برأسها وأسرعت إلى حجرتها تلملم أشيائها، لتمسك شيئا تنظر إليه بدهشة، فهي لم تستعمل هذا الشيئ منذ فترة، وهذا قد يعنى شيئ واحد، لتضع يدها على بطنها تشعر بالصدمة.
دلفت (عشق)إلى المنزل فوجدته هادئ تماما، أدركت أن (عاصى)لم يعد بعد من العمل، كادت أن تتجه إلى غرفة صغيرها، ولكن ذكرياتها الأخيرة فيها جعلتها تعدل عن ذلك، وتقرر النوم فى تلك الغرفة التى تقبع فى الدور الأرضي، مرت بحجرة المكتب لتسمع بعض الهمهمات.
هل عاد(عاصى)؟!
ربما وجب عليها الإسراع إلى حجرتها وعدم مواجهته اليوم، لفت إنتباهها صوت أنثوي تعرفه جيدا تناهى إلى مسامعها، فاقتربت من الباب تصغى جيدا لما يدور بالداخل، إستمعت إلى صوت (عاصى)يقول فى برود:
-وأنا قلتلك تنسى اللى فى دماغك ده خالص، أنا مش ممكن هبقى ليكى ياتغريد، عارفة ليه؟
رفعت (عشق)يدها تضعها على شفتيها، تكتم شهقة كادت أن تنطلق من شفتيها وهو يستطرد:
-مش عشان أنا راجل متجوز أو لسة بيحب مراته، لأ، أنا حكايتى مع عشق خلاص خلصت، لكن عاصى المنزلاوى مش ممكن يحب واحدة زيك، حقيرة بوشين، معندهاش أخلاق ولا ضمير، شاطرة اوى فى الشر ومبيهماش اي حاجة حتى لو فرقت بين اتنين بيحبوا بعض.
سمعت (تغريد) تطلق ضحكة ساخرة قبل أن تقول:
-فين الاتنين اللى بيحبوا بعض دول؟انت بس اللى كنت بتحبها ياعاصى ومعمى بصورتها البريئة، هي لو كانت بتحبك بجد كانت سابتك تضيع من ايديها، عشق دى غبية، مقدرتش تشوف الحب اللى فى عنيك ولا الألم اللى كان بيطل منهم مع جرحها ليك، بس أنا مش كدة ياعاصى، أنا حبيتك بجد وحاسة بيك، صدقنى انا اكتر واحدة ممكن تسعدك ومستحيل أتنازل عنك أبدا.
رفعت(عشق) يدها عن شفتيها، ترتسم فى عينيها قسوة إمتزجت بغضب، بينما يقول (عاصى):
-ياما حذرتها منك ومسمعتش كلامى، لو بس شافتك على حقيقتك، مكنش ده بقى حالنا، بتحبينى مش كدة؟اللى بيحب حد مبتسببش فى تعاسته، بيتمناله الخير حتى مع غيره، انتى مبتعرفيش تحبى غير نفسك ياتغريد.
قالت (تغريد )بسرعة:
-عاصى أنا...
قاطعها دخول (عشق)فى تلك اللحظة ترمقها بغضب، إحتلت ملامح (عاصى)الدهشة والتى إمتزجت بلهفة للحظات قبل أن تعود ملامحه لبرودتها، يطالعها بصمت، بينما احتلت الصدمة ملامح(تغريد)وهي تقول بإضطراب:
-عشق، انتى جيتى، أنا...
قاطعتها (عشق)قائلة بغضب:
-إطلعى برة بيتى.
اقتربت منها(تغريد)قائلة:
-ياعشق اسمعينى...
هدرت (عشق)قائلة:
-بررررررة.
أسرعت (تغريد )تغادر المنزل تتابعها(عشق)بعينيها، ثم عادت بناظريها إلى (عاصى)الذى أشاح بوجهه عنها وهو ياخذ هاتفه ومفاتيحه ويغادر متجاهلا إياها تماما، إستوقفه صوتها المتوسل وهي تنادى بإسمه للحظة تجمد فيها كلية، قبل أن يعاود السير مغادرا وتاركا إياها تقف وحيدة تطالع طيفه المغادر بحسرة، شعرت بالألم فى صدرها وهي تذوق من نفس الكأس الذى أذاقته إياه مرارا وتكرارا، جرجرت خطواتها إلى تلك الحجرة التى انتوت النوم فيها سابقا، فهي تشعر بمرارة الصدمة التى أرهقت جسدها بالكامل، وماإن دلفت الحجرة حتى أدركت أن زوجها يتخذها حجرة نومه، فرائحته مازالت عابقة بها، ربما هو بدوره لا يستسيغ النوم فى حجرتهما لما تحمله من ذكريات عشقهما، ولا يرغب بالنوم فى حجرة طفله وذكريات مريرة تقبع بها، تنهدت وهي تبدل ملابسها، ثم تتمدد على السرير، تضم وسادته إليها تستنشق عطره بها، وتتركها تتغلغل فى ثناياها، لا تريد أن تفكر الآن فى أي شيئ، يكفيها ماتشعر به من ألم وحسرة، لتستغرق فى النوم وتصحو على هذا الخبر المفجع...
لقد طلقها حقا...
خرج من حياتها للأبد...
تركها تعض الأنامل من الندم...
، وقت لا ينفع الندم.
ما أسوأ الندم حين يمر شريط ذكرياتنا بحبيب فارقنا..
نتذكر عنادنا الذى فرق بيننا وبينه..
نتذكر قسوتنا وإنكارنا العشق فى قلوبنا..
نتذكر كم ضحى من أجلنا وكيف قابلنا تضحيته بالنكران..
نتذكر كم أثمنا فى حقه ومنحنا الغفران..
ولكن حين أخطأ، نسينا وأصبحنا له القاضى والجلاد..
فخسرناه للأبد، ليصبح الندم رفيقا موحشا لنفس خاوية لا حياة فيها..
نتمنى الموت فقط، حتى لا نشعر بكل هذا الألم.
تبا، كم يؤلمها الفراق، يسحب الحياة من روحها، لقد تركها حبيبها وذهب، رحل بعيدا بلا رجعة، اذا لماذا تعيش؟ فقد مات الابن ورحل الزوج والباقى خواء لا معنى له، لتنهض بجمود وتدلف إلى شرفة الحجرة تميل على حافتها ملقية نفسها من ذلك الارتفاع الشاهق لتقع جثة هامدة...
انتفضت (عشق )تفتح عيناها بقوة، تتأمل محيطها بدهشة...
مازالت حية...
مازالت تتنفس...
ممددة على سريرها...
ومازال( عاصى) بجوارها يتأملها بتلك النظرة الباردة، التى جعلت عيناه أكثر سوادا تغلفهما برودة الجليد، أدركت هى أن طلاقها منه وموتها لم يكن سوى كابوس مزعج، كابوس تشعر به يتكرر من جديد ولكن تلك المرة هو حقيقة على وشك الحدوث، لتقرر وبكل حزم الحول دون ذلك، رسمت بسمة رقيقة على وجهها وهى تقول:.
-صباح الخير ياحبيبى.
علت الدهشة وجه عاصى لثوان ليتمالك نفسه بسرعة وتعود ملامحه باردة وهو يقول بحزم:
-إحنا لازم نتكلم ياعشق..
قاطعته قائلة فى لهفة:
-حبيبى أنا حامل.
نظر اليها بصدمة، لتنهض هى من السرير بسرعة وتجلس على ركبتيها قبالته، تمسك بيديه فى حنان، يتابعها بدهشة، تأملت ملامحه التى اشتاقت اليها، ونظرت الى عينيه بعشق قائلة:
-أنا عارفة إنى غلط فى حقك كتير، كنت أنانية بشكل انا نفسى مكسوفة منه، شيلتك ذنب انت برئ منه، وحملتك فوق طاقتك، عارفة ان اللى راح هو ابنك زى ما هو ابنى، وانك موجوع زيى ويمكن اكتر، أذيتك، جرحتك، عارفة وندمانة، و خلاص أنا فقت.
تأملها (عاصى)بقلب امتزج به العشق بالخوف، الحنان بالقسوة، تتصارع مشاعره التى تهفو إليها مع مشاعره التى تتذكر جراحها ليقول بصوت متهدج:
-فقتى متأخر ياعشق...
وضعت يدها على فمه قائلة:
-الوقت مبيتحسبش فى الحب ياعاصى، مش انت اللى قلتلى الكلام ده.
تأملها بعيون دامعة فرفعت يدها تحيط بوجهه تمسح بإصبعها دمعة تسللت من عينيه لتقول فى حزن حان:
-آسفة، والله العظيم ندمانة، الحمد لله انه فوقنى قبل ماتضيع منى، عشان خاطرى ياعاصى ادينى فرصة تانية. وبوعدك، هعوضك عن كل لحظة وجعتك فيها، هرجع عشق اللى انت حبيتها، هحاول أسعدك أد ما انت بتسعدنى وأعشقك أكتر ما بتعشقنى، بس عشان خاطرى ادينى فرصة تانية عشان أصلح غلطتى وأحقق كل وعودى ليك.
لتمسك يده بإحدى يديها وتضعها على بطنها قائلة:
-عشان خاطر الطفل ده ياعاصى، إبننا اللى هيعوضنا عن كل اللى فات.
أغمض عيناه قائلا بألم:
-الطفل ده جه...
قاطعته قائلة:
-إنسى ياعاصى، إنسى.
فتح عيناه يتطلع إلى عسليتيها وهي تضع يدها على وجنته تستطرد بحنان:
-الطفل ده رسالة من ربنا، قالنا فيها كلام كتير، قالنا ان مفيش حاجة ممكن تفرقنا، وإن اللى جمعنا ده هو القدر اللى هيفضل يربط بينا للأبد، قالنا ولا تقنطوا من رحمة الله لإنه قادر يعوضكم بأحسن ماكنتوا تتمنوا، قالنا إن إحنا منقدرش نعيش بعاد عن بعض وإن فراقنا معناه موتنا ياعاصى.
مال يقبل يدها المستكينة على وجهه بحنان، لينهض وينهضها معه آخذا اياها فى حضنه قائلا بعشق:
-يااااه، مكنتش متخيل انى ييجى يوم وأسمع الكلام ده منك، ولا كنت متخيل انى هضمك تانى لحضنى، انتى متعرفيش عملتى إيه فية دلوقتى، انتى رديتى روحى لية ياعشقي، رجعتينى حي من تانى.
قالت فى همس عاشق:
-انتى اللى رجعتلى روحى برجوعك لية ياعاصى. روحى اللى لو فارقتنى أموووت.
زاد من ضمه اياها وكأنه يرفض سيرة الموت التى تبعدها عنه، لتربت على ظهره وهى تزيد من ضمها اياه، تغمض عيناها ودموعها تنزل فى صمت تحمد الله على إلهامها بفكرة الحمل كى تنقذ بها زواجها الذى كاد أن يتحطم، هى لم تكذب عندما أخبرته بحملها فهى بالفعل تشك بذلك ولكنها لم تتأكد بعد، والحمد لله على ذلك الكابوس الذى أفاقها مما كانت فيه، فقد كانت حياتها وسعادتها وقلبها على وشك غبائها أن يدمرهم جميعا، لينقذها كابوس واحد، كابوس عشق.
.
تمت