نوفيلا حطام فريدة بقلم زينب محمد و آية عبد العليم الفصل الرابع
جلس بالمنتصف بينهما بحنق وحول نظرة بينهما وهما ينظران للباب بترقب شديد، زفر بقوة وقال: لا كدة كتير بجد، بقالنا ساعتين قاعدين وهو مجاش، قومو يا بنات أروحكوا أنا زهقت.
نظرت له فريدة برجاء وقالت برقة كعادتها عندما تريد أن تصل لمرادها: بقى كدة يا دومي، مش عاوز تساعدني.
وقبل أن يتحدث كانت تلك المصيبة رئيسة العصابة تتحدث بنفي قاطع: لا يا شيخة أدهم عاوز يساعدك بس هو زهق من القعدة مش صح يا دومي.
ضغطت على حروف جملتها الأخيرة، مع لكزة خفيفة في يده، رفع أحد حاجبيه مستنكرًا لفعلتها تلك، متى انقلبت الأدوار، فقال: لا ياشيخة...
جذبته من مرفقه ناحيتها فمال قليلًا وهمست بأذنه: خلينا قاعدين شوية علشان نثبتلها إنه مبيحبش حد إلا هي.
ثم نظرت في ساعتها وهي تكمل بنفس همسها: أهو فات عن المعاد اللي أنت قولته نص ساعة أكيد مش جايين، نقعد نص ساعة كمان وبعدين نمشي.
وافق على مضض قائلًا: ماشي يا نهال نص ساعة كمان مانشوف أخرتها، وعالله ما يعرف هايوديني في داهية.
غمزت له بطرف عينيها وقالت بشقاوة: محدش يقدر يعمل فيك حاجة أنت مع نونو.
وفي أثناء حديثهما كانت الأخرى تنظر بشرود اتجاه الباب وتتذكر ما حدث بالأمس...
( فلاش بااااك )
وقفت خلف صديقتها وهي تحاول أن تسترق السمع لأي شىء، فنهرتها نهال بعينيها الصغيرتين وأبعدت الهاتف عنها قليلًا وقالت بهمس غاضب: مش لازم تسمعي وأنا بدلعه ياختي عشان آخد منه معلومات.
امتعض وجه فريدة وقالت باستنكار: يعني هو أنتي لازم تدلعيه، إيه العلاقة الرخمة دي.
جذبتها نهال من مرفقها وقالت بتحذير طفولي: بت أنتي، متتريقيش علينا عشان وربنا ما أساعدك، ويالا روحي هناك اقعدى على السرير.
أطاعتها فريدة وذهبت صوب السرير بتذمر، أما الأخرى عادت وتتحدث بغنج حتى تصل لمبتغاها، وعندما انتهت من وصلة الغنج الزائدة مع حبيبها، قالت بمكر: يعني يا دومي مش هتقولي خالد بيكلم مين!..
_ وأنا أقولك ليه هتستفادي إيه، مالكيش دعوة بخالد عشان ده لسانه زفر وعيل قليل الأدب.
اتسعت ابتسامتها وقالت بدلال: أنت خايف عليا منه.
إلى هذا الحد وكفى، لم تعد تستطيع الصبر لتستمع لهذا الحديث السخيف من وجهه نظرها، فقامت تندفع نحو صديقتها وقامت بجذب الهاتف منها بقوة وهي تقول بحزم: بص يا أدهم لو مقولتليش حالًا خالد بيكلم مين بالظبط وكل معلومات عنها، وربنا اتقمص منك..، لا اتقمص إيه أنا هاروح لعمو عزت بابا نهال وأقوله إنك صايع وبتاع بنات وأخليه يفركش قراية الفاتحة دي وهو هايصدقني.
شهقت صديقتها بصدمة من تهديدها الصريخ، فقالت بعتاب: بقى كده يا ديدي بساعدك بتهدديني.
تجمعت الدموع بعينيها سريعًا وقالت بنبرة أشبه للبكاء: ماهو مفيش حد راضي يساعدني، حتى أدهم بيتهرب مني، مع إنه المفروض بيحبني، يبقى يساعدني أطرد أي حد من حياة خالد.
ردد أدهم على الطرف الآخر قائلًا بحنو ': يابنتي والله أبدًا، أنا بس خايف عليكي من خالد لو عرف إنك بتدوري وراه .
قالت هي: لا متخافش وساعدني بقى بالله عليك.
_ طيب يا ديدي، هو بكرة هيقابلها الساعة خمسة في كافيه على النيل، هابقى آخدك أوريهالك من بعيد، شوفتي يا ستي عملت الواجب معاكي أهو.
كانت صديقتها تستمع لحديثه فقالت بحماس: لا، بعيد إيه، احنا لازم نقعد ونراقبهم، اقفل أنت وأنا هاحط الخطة..
انتبهت على لكزات صديقتها وهي تقول: وصلوا يا فريدة، استخبي...
نزلوا ثلاثتهم خلف المنيو الخاص بالكافيه، وبدءوا فى رفع رؤوسهم ببطء، وهم يتفحصون غريمتهم بتركيز واضح.
دلف للمطعم وتتعلق في يده فتاة شقراء جميلة كأميرات الفترات والعصور السابقة تخطف الأنظار من شدة جمالها وجمال شعرها المموج سحب لها الكرسي وجلست وجلس هو أمامها مبتسمًا
لسوء الحظ وقعت الملعقة من يد نهال فصرخت فريدة صراخ مكتوم قائلة: الله يخربيتك هتفصحينا
على الجانب الآخر رنين عالي جعله ينتبه لثلاثي لا يرى منهم سوى ظهرهم دب الشك فى قلبه لرؤيته قصيرة قامة بمواصفاتها، قام نحوهم يتأكد ثوانٍ وتأكد من صوتها وصوت صديقه يوبخون ثالثتهم قائلين: أنتي غبية يا نهال
اقترب منهم أكثر قائلاً بلهجة حادة: أنتوا بتعملوا إيه هنا
دلو من الماء البارد سقط فوق رأسها ورعب تملكها وهى تراه وشرارت الغضب تتطاير من عينيه فتقول بتوتر: ها، مبنعملش حاجة.
ضيق عينيه بتركيز ثم قال وهو يشير على ثلاثتهم والغضب يزحف بهدوء إلى ملامح وجهه وعضلات جسده: يعني إيه مبتعملوش حاجة، مستخبين ورا المنيو يا أغبية وبتراقبوني.
نظر أدهم إلى نهال بعتاب قائلًا: مش قولتلك بلاش ده، لسانه عاوز قطعه.
انحنى خالد بجسده صوبه وقام بجذبه من تلابيب ثيابه قائلًا بشر واضح في نبرته: أنت حسابك معايا بعدين.
أزاحت نهال يده بقوة عن حبيبها وقالت بعصبية: بقولك إيه الناس بتتفرج علينا، وبعدين مين قالك احنا مهتمين بيك احنا جايين نتفسح نغير جو، مش صح يا فريدة.
رددت بتوتر ووجع: صح يا نهال
جذبها من مرفقها وأوقفها أمامه لينظر في عينيها مباشرة قائلًا بضيق: أنتي إزاي تخرجي من غير ما تقوليلي.
احتل الضيق صدرها منه ومن طريقته لتقول بسخرية ممزوجة بقهر: معلش أصلك مش فاضي فمحبتش أعطلك
كاد أن يوبخها على طريقتها الساخرة لولا صوت صديقته تسأله برقة: خالد في حاجة.
همس أدهم قائلًا بغير وعي: لا طلعت مزة.
نهرته نهال بنظراتها الغاضبة، ثم التفتت إلى تلك الغريمة قائلة بترحاب مزيف: أهلًا يا قمر، لا مفيش حاجة، احنا قرايبه وكنا بنتكلم، ده أنا لسه كنت بقول لخالد هاتها تقعد معانا.
نظر لها خالد بدهشة من جرائتها، فتجاهلته وأشارت لهم بالجلوس ...
جلسوا جميعًا،وبدأت فريدة في مراقبة غريمتها بكره واضح، وخاصة بعد تعمدها الالتصاق بخالد بوقاحة، زفرت بضيق، فقابلت نظرات صديقتها وكأنها تقول لها تريسي قليلًا لنعرف مدى علاقتهم عزيزتي، أومأت برأسها بخفة بمضض، نظرت في المنيو مجددًا، تحاول اختيار أي مشروب يروي جفاف قلبها قبل حلقها، ولكنها تسمرت فجأة عندما وجدته يهتف للنادل الذي يقف أمامهم: واحد قهوة واحد عصير مانجا مش كدة يا حبيبي.
رفعت بصرها نحوهما وجدته ينظر لغريمتها بحب، أما هى فأومأت له وهي تقوم بقضم شفتها دليلًا على خجلها المزيف، تدارك أدهم نظراتها المصوبة تجاه خالد وتلك الشقراء، فقام بالتحدث سريعًا للنادل طالبًا له و لحبيته عصيرًا، أما هى فلم يعير أحد انتباه لها، حقًا ماذا تريد أكثر من ذلك، يعاملها كحبيبته والأخرى تجلس بأريحية بجانبه أما هو فكان ينظر لها بشغف وعيناه تلمع بوميض غريب لم تراه من قبل، الآن عرفت مكانتها بداخله هى ليست إلا أخت، دائمًا كان يحاول إيصال تلك الفكرة لذهنها ولكنها لم تستوعبها وغاصت في أحلامها الوردية، مقتنعة بحبه لها ولكنه يرفض الإفصاح عنه لأسباب غير معلنة مجهولة، لا أحد مجهول غيرها في هذه اللحظة، بلعت تلك الغصة بحلقها واستفاقت من شرودها على صوت صديقتها وهي تحثها على مخاطبة النادل، نظرت لهم جميعًا بوهن وحاولت جمع شتات نفسها، رفعت رأسها بكبرياء ثم وقفت متحدثة: أنا اتخنقت من المكان ده، لو عاوزه تكملي يا نهال براحتك، أنا هامشي.
رمقها أدهم باستفهام ولكنها حولت بصرها بعيدًا عنه حتى لا تنهار وتبكي أمامهم، حسنًا من اليوم لن يرى ذلك الخالد دموعها بعد الآن، يجب أن تعزز نفسها وكرامتها قبل كل شئ، فليذهب ذلك الحب إلى الجحيم، لن تموت من بعده أو جفائه..
جذب أدهم يد نهال وهو يقول: طيب عن إذنكوا هانمشي احنا، الغي لو سمحت اللى طلبناه .
وقبل أن يتحرك أدهم ونهال كانت هي تسرع بخاطها نحو الخارج ودموعها تسيل بغزارة على صفحة وجهها هاربة من نظراته المتصفحة لها، وفور الوقوف أمام سيارة أدهم، فأطلقت العنان لنفسها وهي تجهش بقوة، وصدرها يعلو ويهبط بغرابة نتيجة لنحيبها القوي، مطت نهال شفتيها بحزن قائلة وعيناها تلتمع بالدموع: فريدة خلاص بقى،عشان خاطري، محدش في الدنيا يستاهل تعملي كدة عشانه.
أما أدهم فزم شفتيه بضيق وغيظ في آن واحد من صديقه الأحمق، الذي فقد حبًا طاهرًا نقيًا مثل هذا، وسأل نفسه بتعجب ماذا يريد ذالك المعتوه أكثر من قلب نقي وجميل لم يعرف رجلًا إلا هو، ولم يدق إلا له، لعن صديقه بسره، وسبه بجميع أنواع السباب اللاذع، فانتبه إلى حديثها الطفولي وهي تزيل دموعها بظهر كفها كالأطفال تمامًا: أنا عاوزة آكل كتير أوي، وعاوزة أروح ملاهي...
لم يتعجبا من طالبها فتلك هى فريدة عندما تغضب أو تحزن،تلجأ إلى الطعام تلتهمه بنهم، والملاهي لتفرغ طاقتها بالصراخ في الألعاب الخطيرة...
جلبا لها كل ما تشتهيه نفسها من الطعام أخذت تأكل بشراهة ودموعها تتساقط تأخذ ملعقة من الطبق أمامها الذى أصبح ممتلئ بدموعها، ذهبا بها للملاهي تلعب وتصرخ كما تشاء ومع أول لعبة صرخت وسط مئات الصارخين يصرخ قلبها ويئن، ضعف، ألم، خذلان،خذلان،خذلان، قهر
وبعد وقت طويل رجعت لمنزلها تجر أذيال الخيبة وراءها رأته يقف بشموخ عاقدًا ذراعيه أمام صدره
قائلًا بحده وهو ينظر في ساعته: كنتي فين يا هانم لغاية دلوقتي
ردت بحدة: ميخصكش يا خالد، أو مبقاش يخصك خلاص
جذبها من مرفقها بغضب قائلًا: أنتي اتهبلتي كلك أصلًا يخصني، أنا لسه معاقبتكيش على الخروج مع أدهم لوحدك من غير إذني ياهانم
ضحكت بصوتٍ عالٍ قائلة بغضب: لا مبقتش أخصك ومخصش غير نفسي أخرج مع أدهم أخرج مع الجن الأزرق مبقاش يخصك يا خالد أنت فاهم فوضت أمري فيك لله وخلاص مبقتش لا عايزة أشوفك ولا عايزة منك حاجة
وقبل أن يتحدث بكلامه اللاذع، كانت جدتها تخرج من شقتها قائلة بحزم: فريدة يالا علشان ننام تصبح على خير يا خالد.
نظر في اتجاه جدته وجد نظراتها حادة غاضبة لأنه بالتأكيد أغضب صغيرتها وأحزنها، لاحظ عينيها وهي تنظر على يده التى تتركز بقوة على مرفقها، نفض يده بعيدًا عنها وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة لهما، صاعدًا الدرج بغضب، أما هي فاندفعت صوب جدتها تعانقها وتبكي بصمت، فجذبتها جدتها إلى الداخل وأجلستها بجانبها، ثم قامت بإزالة دموعها قائلة بحنو: احكيلي حصل إيه النهاردة.
اندفعت لحضن جدتها تبكي بقوة: شوفته معاها يا تيتة، كان بيبصلها بصة عمره مابصلي كدة عمره، ليه محبنيش ناقصني إيه
ربتت جدتها على ظهرها بحنان قائلة بعتاب ممزوج بحزن على حفيدتها وكسرة قلبها: مش قولتلك يا فريدة، خالد مبيحبكيش يابنتي، لو حبك كان جرى وراكي زي أدهم لما حب نهال وخطبها، أما خالد بيعاملك كأخته، هو بطبعه متملك، فطبيعي يبقى معاكي كدة، فسرتي حبه بطريقة غلط يا حبيبتي، وآن الأوان تشوفي حقيقته وحبه ليكى مجرد أخ وبس.
شهقت بوجع وهى تقول: عندك حق يا تيتة عندك حق
انتهى الحديث بينها وبين جدتها وذهبت لغرفتها وقفت بمنتصفها تنظر لكل صورة معلقة له على الحائط تبكي على قلبها الضعيف، داهمها ألم قوي فى معدتها وقبل أن تصرخ وقعت مغشيًا عليها.