نوفيلا انتقام خاطئ للكاتبة سمر شكري
هل يشعرك الانتقام بالراحة ؟ هل يشعرك بالانتصار ؟ هل تنام هانئا أم يؤنبك ضميرك ؟ وماذا إن اكتشفت أن انتقامك ماهو إلا انتقام خاطئ! رواية قصيرة متميزة.
إليكم فصولها.
أنهت شيرين إعداد الحقائب استعدادا لمصاحبة زوجها فى إحدى رحلات عمله التى تختلف بإختلاف الموقع الهندسى المشرف عليه. فهو بالرغم من سنوات عمره التى لم تتعد الثانية والثلاثين قد أصبح المهندس الكفء الذى تكلفه الشركة دائما بالاشراف على مواقع البناء المهمة التي تدر للشركة الربح الوفير، وقد كان الموقع هذه المرة بالاسكندرية.
تعالى صوت رنين هاتفها، توجهت إليه لتجد شاشته تضئ بإسم والدتها، علا ثغرها ابتسامة خفيفة فهى تعلم فحوى المكالمة مسبقا، تناولت الهاتف واجابتها
شيرين بمرح: لسه فيه تعليمات تانية ؟
الام هالة بنبرة يشوبها العتاب: بتتريقى حضرتك!
ضحكت شيرين واجابتها قائلة: يا ماما يا حبيبتى انتى ليه محسساني اني أول مرة أسافر مع كريم، ما انا دايما بسافر معاه
هالة: بس المرة دى فيه فرق، انتى حامل يا حبيبتى وفى شهورك الأولى يعنى لازم ترتاحى
ضحكت شيرين محاولة مشاغبة والدتها: هو حد قالك انى هنزل الموقع معاه
تصنعت والدتها الزعل واجابتها قائلة: خلاص يا شيرين براحتك.
اجابتها شيرين محاولة إرضائها و طمأنتها: يا ماما انتى عارفة إن كريم مش بيعرف يعمل لنفسه اى حاجة
ثم اكملت مبتسمة: وبصراحة دا شئ عاجبنى جدا إن جوزى ميقدرش يستغنى عنى، وبعدين يا ستى اوعدك انى لو لقيت نفسى تعبانة هرجع
تنهدت والدتها فهى تعلم أنه لا فائدة من الجدال مع ابنتها ولن تصل إلى النتيجة التى ترضيها، فأجابتها قائلة: خلاص يا حبيبتى اعملى اللى يريحك وخدى بالك من نفسك.
وقف يتابعها مستندا إلى حافة الباب، فهى زوجته التى تسانده وتتحمل معه دائما ظروف عمله، هى ابنة الجيران التي سرقت لبه وفؤاده، فما إن استلم عمله باحدى الشركات الهندسية حتى توجه لوالديه وطلب منهم التوجه معه لخطبتها، وكم كانت سعادته عندما علم أنها كانت تبادله الحب، تم زواجهم فى غضون عام، زواج هانئ سعيد مستمر منذ ثلاثة أعوام، اكتملت سعادتهم منذ معرفتهم بطفلهما الأول الذي تحمله في أحشائها منذ شهرين، وقتها اقسم على فعل المستحيل لأجل راحتهم واسعادهم.
استشعرت شيرين وجوده بالغرفة فأنهت المكالمة مع والدتها، وما إن انهتها حتى توجه إليها واحاط خصرها بذراعيه طابعا قبلة رقيقة على كتفها الأيسر، وتحسس بطنها موضع طفلهما
كريم بحب: ربنا يخليكو ليا
التفتت إليه شيرين قائلة: ويخليك لينا يا حبيبى
كريم: ماما خايفة عليكى ودا حقها بس صدقينى أنا بخاف عليكى اكتر منها ولو حسيت إنك تعبانة هعتذر عن المشروع ده ونرجع على طول، واوعدك ان دا اخر مشروع بره القاهرة لحد ما تقومى بالسلامة انتى والنونو
امسكت يديه وتحدثت إليه بمرح قائلة: انت شكلك زهقت من الشغل، لا يا باشمهندس استحضر الروح النشطة كده وركز فى شغلك ومستقبلك
رفع يدها إلى فمه وطبع قبلة فى باطن يدها قائلا: طول ما انتى معايا وفى ضهرى أنا مطمن على نفسى.
حمل كريم الحقائب وتوجهوا إلى السيارة استعدادا لرحيلهم إلى الإسكندرية حيث قرر كريم المكوث بشقة ملك لشقيقه نظرا لقربها من موقع عمله، وبعد ساعة من القيادة توقف كريم باستراحة على الطريق لتناول شئ ما قبل استكمال رحلتهم، فطلب لنفسه قدح من القهوة وطلب لشيرين كوب من العصير، حدثها بمرح قائلا: الواد كعبول عامل إيه ؟
اتسعت عينيها باندهاش من اللقب الذى أطلقه للتو على طفلهما واجابته مشيرة إليه بإصبع يدها و بنبرة تحذيرية: متقولش على ابنى كده، وبعدين جايز تطلع بنت
نظر إليها قائلا: وتكون بنت حلوة كده زى مامتها
غيرت شيرين مجرى الحديث لشئ آخر لطالما ارادت سؤاله بشأنه
شيرين بتساؤل: هو شريف أخوك اشترى الشقة دى ليه
كريم: يعنى إيه اشتراها ليه ؟
شيرين: اقصد هو مش عايش فيها وإنت بتقول إنها منطقة معزولة شويه ومافيش فيها سكان كتير، إيه المميز فيها بقى عشان يشتريها؟
كريم: عادى يا شيرين ما انتى عارفة دماغ شريف، بيعمل اى حاجة تيجى فى دماغه من غير ما يفكر
شيرين: فعلا، شريف أخوك دا غريب، بحسه عكسك تماما، ثم شهقت متذكرة شئ ما فبادرت زوجها بالسؤال قائلة: إوعى تكون قلت لماما إن الشقة فى مكان مفيش فيه سكان كتير عشان كده ممكن تقلق اكتر
كريم بضحك: أنا ملاحظ إن هرمونات الحمل خليتك مش مركزة وبتفتحى فى اكتر من موضوع فى نفس الوقت
شيرين: لا بجد يا كريم قلتلها حاجة ؟
كريم: لا متقلقيش هى عارفة إن الشقة بتاع شريف بس مش اكتر
أنهوا تناول مشروباتهم ثم توجهوا إلى السيارة لاستكمال طريقهم.
فور وصولهم استقبلهم حارس البناية بالترحاب فقد كان على علم بوصولهم من شريف الذى أوصاه بالاهتمام بنظافة الشقة وتهيئتها لمكوث أخيه وزوجته بها
تجولت شيرين بغرف الشقة ولم تنكر اعجابها بتصميمها وطريقة تأثيثها وديكوراتها، ولكن هذا لم يمنع شعور بالضيق والانقباض قد داهمها بمجرد أن وطأت قدميها المكان
لاحظ كريم تغير ملامحها فاقترب منها متسائلا: الشقة مش عجباكى ولا إيه ؟
أجابته قائلة: بالعكس، دى جميلة جدا
كريم باهتمام: بس أنا حاسس إن فيه حاجة مضيقاكى
زفرت شيرين بضيق: مش عارفة، أول مادخلت الشقة حسيت انى مخنوقة وقلبى مقبوض
كريم: دا أكيد عشان المكان جديد عليكى بس
هزت شيرين رأسها بالنفي: لا، ودى مش اول مرة اقعد فى مكان جديد
شاغبها كريم بمرح: يبقى أكيد البيه هو اللى مش عاجبه إنه يغير بيته
ابتسمت قائلة: انت شايف كده يعنى
كريم: ايوه، لأن دى أول مرة نسافر وهو معانا
ثم استطرد حديثه قائلا بجدية: حبيبتى لو مش مرتاحة اوديكى تقعدى مع مامتك لحد ما أخلص شغلى هنا واجيلك أنا كل أسبوع اطمن عليكي
شعرت شيرين بأن قلقها سيؤثر على زوجها فقررت التغاضي عنه وطمأنة زوجها قائلة: لا يا حبيبى أكيد يومين كده وهتعود ع الشقة…. ثم أكملت بمرح: وبعدين هتقدر تستغنى عنى ؟
ضحك مجيبا إياها: لا طبعا مقدرش استغنى عنكم
قال جملته مشددا على حرف ال م
طردت شيرين الوساوس من عقلها وقامت بافراغ الحقائب بمساعدة زوجها ثم توجهو سويا إلى أقرب سوبر ماركت لشراء ما يلزمهم من طعام ومؤن.
فى صباح اليوم التالى، بعد أن تناولا الافطار سويا، توجه كريم إلى عمله و تناولت شيرين هاتفها للاتصال بوالدتها حسبما اتفقا، فوالدتها طلبت منها إجراء ثلاث مكالمات هاتفية ع الأقل يوميا للاطمئنان عليها
بعدما انهت المكالمة مع والدتها توجهت إلى المطبخ لإعداد وجبة الغداء، وبينما هي منهمكة فى اعدادها تناهى إلى مسامعها صوت جرس الباب فتوجهت إليه لترى من الطارق.
فتحت شيرين الباب لترى أمامها سيدة فى أواخر الأربعينات بشوشة الوجه يعلو ثغرها ابتسامة ترحيبية، ألقت عليها السيدة السلام قائلة:
السلام عليكم، أنا سعاد جارتك فى الشقة اللى قصادك، عرفت انكم لسه واصلين امبارح
ردت شيرين التحية وترددت فى دعوتها الدخول فهى لا تعرفها جيدا كما أنها جديدة بالبناية ولا تعرف طبيعة الاشخاص بها، لاحظت سعاد ترددها فبادرتها قائلة:
أنا بس حبيت ارحب بيكى واقولك لو احتاجتى اى حاجة انا موجودة
شكرتها شيرين قائلة: الف شكر وسعيدة انى اتعرف على حضرتك.
دلفت شيرين إلى الداخل بعد رحيل سعاد فى نفس الوقت الذى كان هاتفها يرن برقم زوجها، فأجابته وطمأنته عليها وقصت عليه اللقاء الذى دار بينها وبين سعاد فأخبرها أنه سيسأل حارس البناية عنها
مر الوقت سريعا ولم تشعر به شيرين نظرا لانشغالها بأعمال المنزل
واثناء تناولهم وجبة الغداء أخبرها كريم أنه سأل الحارس عن الجارة، فأخبرها: هى سكنت هنا من ٦ شهور وقاعدة لوحدها لأنها ارملة وأولادها مسافرين وفى حالها من يومها ومحدش سمع ولا شاف منها حاجة وحشة
شعرت شيرين بالسعادة مما قيل عن سعاد فالان هي ستكون أنيستها لحين عودة زوجها من عمله.
فى اليوم التالى قامت شيرين بإعداد قالب من الكيك وتوجهت إلى جارتها فهى شعرت بأنها لم تحسن استقبالها فى اليوم السابق
طرقت الباب وما هى إلا ثوانى حتى فتحت سعاد الباب واستقبلتها بابتسامتها و وجهها البشوش
ابتسمت لها شيرين قائلة: أنا آسفة انى ما استقبلتش حضرتك كويس امبارح، ثم ناولتها قالب الكيك قائلة: اتفضلى
تناولته منها سعاد ودعتها لتناول كوب من الشاى معها فوافقت شيرين وقضيا معا ما يقارب النصف ساعة سويا تناولا فيها الشاى و تجاذبا أطراف الحديث في بعض الأمور العامة دون التطرق إلى أي مواضيع شخصية.
استأذنت شيرين فى الرحيل وما إن دلفت إلى شقتها حتى داهمتها رغبة ملحة فى النوم فذهبت إلى غرفتها للتمدد قليلا
بعد وقت قليل شعرت شيرين بالحر الشديد وبسخونة تحيطها، فتحت عينيها لتجد النيران تحيطها من كل صوب، أخذت فى الصراخ وطلب النجاة ولكن الدخان ادى إلى اختناق صوتها، لمحت هاتفها على الكومود بجوار الفراش فتوجهت إليه وطلبت رقم زوجها وماان أجابها حتى صرخت قائلة: الحقنى يا كريم فى حريقة فى الشقة
قالت جملتها وسقطت مغشيا عليها.
صعد درجات السلم قفزا، فهو لا يعلم كيف قطع تلك المسافة بسيارته، وطوال الطريق كان يدعو الله أن ينجيها وألا تكون العواقب وخيمة، كما كان يحمد الله على قرب المسافة بين عمله و المنزل
دلف إلى الشقة وظل يصرخ باسمها ولكنها لاتجيب، توقف لحظة ناظرا حوله فهناك شئ يثير تعجبه، فلا يوجد أى أثر لحريق داخل المنزل كما أنه لا يشتم رائحة دخان
توجه إلى غرفة النوم فوجدها ملقاة ارضا بجوار الفراش، هرول إليها وحملها بين ذراعيه ثم وضعها على الفراش وحاول افاقتها
بعدما أفاقت شيرين ظلت تبكى بشدة و تهذي بكلمات لم يستطع كريم أن يفهم منها شيئا، حاول تهدئتها وقام بإعداد كوب من العصير لأجلها، بعدما هدأت طلب منها أن تقص عليه ماحدث.
قالت شيرين بأنفاس متقطعة من كثرة البكاء: أنا كنت نايمة وصحيت لقيت الاوضة كلها مولعة
حاول كريم تهدئتها: طب اهدى يا حبيبتى، جايز كنتى بتحلمى
صرخت شيرين قائلة: أنا متأكدة من اللى بقوله، الاوضة كانت بتولع
ربت كريم على كتفها: طب اهدى بس وبالعقل كده مافيش اى أثر لحريقة ولا نار ولا ريحة دخان حتى
تعجبت شيرين، فبالفعل لم يكن يوجد أثر لأي شئ، هل من الممكن أن يكون مجرد حلم كما يقول زوجها
اقترح عليها شريف أن يخرجا سويا لتناول الغداء بالخارج وقضاء بعض الوقت معا حتى تهدأ أعصابها
قضيا طوال اليوم بالخارج وعادا بعد أن هدأت أعصابها ونسيت ماحدث فى الصباح، ومر اليوم التالى بهدوء، فتوجه كريم إلى عمله وانشغلت شيرين باعمال المنزل ولم تشعر بمرور الوقت.
وعندما قاربت الساعة الواحدة ظهرا، كانت شيرين قد انهت أعمالها عندما دق جرس الباب فتوجهت إليه لتجدها جارتها سعاد، دعتها للدخول وقامت بإعداد كوبان من العصير لهما واستأذنتها سعاد فى إحضار كوب من الماء، واثناء جلوسهما معا لاحظت سعاد شحوب وجهها
سعاد بنبرة اهتمام: مالك يا شيرين ؟ انتى وشك اصفر كده ليه و حساكى هبطانة ؟
تنهدت شيرين وقصت عليها ماحدث فى اليوم السابق
حاولت سعاد طمأنتها قائلة: أكيد فعلا كان حلم، لأنه لو دا حصل فعلا أكيد كنت هشم ريحة الدخان
ناولتها سعاد كوب العصير قائلة: اشربى العصير ومتفكريش فى اللى حصل.
تناولا العصير وجلسا سويا لمدة نصف ساعة ثم استأذنت سعاد فى الرحيل، وبعد رحيلها وجدت شيرين أنه لازال مايقارب الساعتين على موعد عودة زوجها من عمله فقررت أخذ قسط من الراحة ريثما يعود
استيقظت شاعرة بالراحة بعد أن نالت قسط كاف من النوم ولكن شعورها هذا لم يدم طويلا، فجأة تنبهت إلى أن هناك دماء تغرق ملابسها و الفراش من حولها فأخذت فى الصراخ وسقطت مغشية عليها من هول المنظر وكان هذا هو موعد عودة زوجها من عمله فتناهى إلى مسامعه صوت صراخها فهرول سريعا إلى الغرفة ليجدها مغشيا عليها.
حاول كريم افاقتها ولكن دون جدوى، ثم استمع إلى صوت طرقات على باب المنزل فتوجه إليه ليرى من الطارق، فوجدها جارتهم سعاد والتى كانت أول مرة يتسنى له رؤيتها: أهلا وسهلا، اتفضلى
دخلت سعاد إلى المنزل: أنا سمعت صوت شيرين بتصرخ أجابها سريعا: فعلا، انا لسه راجع من الشغل و سمعتها بتصرخ ودخلت لقيتها مغمى عليها
توجها سويا إلى غرفة النوم وحاولا افاقة شيرين إلى أن أفاقت وظلت تهذى بكلمات لم يتبين منها زوجها سوى كلمتى "أبنى……. دم"
عندما أفاقت تماما ظلت تنظر إلى ملابسها وتتحسس بطنها قائلة: أبنى راح، أنا نزفت
وظلت تبكى بشدة مرددة كلماتها، أخذها زوجها باحضانه وحاول تهدئتها: اهدى، اهدى، مافيش حاجة، انتى والبيبى كويسين
هزت شيرين راسها نفيا: لا، الدم كان مغرق هدومى والسرير.
حاول كريم تهدئتها كثيرا ولكن دون فائدة، وحتى يطمئنها أكثر أخبرها أنه سيأخذها فى المساء إلى الطبيب لكى تطمئن على طفلها، أما سعاد فاستأذنتهم في التوجه إلى المطبخ واعداد كوب من العصير لها حتى تهدأ قليلا، وبعد إن أعدته لها توجهت إلى شقتها
وبعد مرور مايقارب الساعتين، وأثناء جلوسهما سويا، انتفضت شيرين واقفة
تعجب زوجها من فعلتها فسألها: مالك يا شيرين ؟ فيه إيه ؟
نظرت إليه بتوتر: فيه حد معانا فى الشقة
كريم بتعجب: حد مين يا شيرين! جايز صوت من الشارع
شيرين بإصرار: لا، الصوت جاى من المطبخ ومن أوضة النوم
توجه كريم معها إلى المطبخ وغرفة النوم لكى يثبت لها أنه لا يوجد اى أصوات صادرة من اى منهما
ارتمت بين احضانه وشرعت في البكاء: أنا إيه اللى بيحصلى، انا اتجننت يا كريم.
حملها كريم بين ذراعيه وتوجه بها الى الفراش ثم وضعها به ودثرها جيدا وتمدد بجوارها محتضنا إياها: ارتاحى شوية، وكل حاجة هتبقى تمام
ظلا على هذا الوضع حتى غفت بجواره وظل هو يفكر فيما آلت إليه حال زوجته وظل يفكر فى السبب وراء ما يحدث له
قطع تفكيره صوت طرقات الباب، وقد كانت جارته قد أتت مرة أخرى للاطمئنان على زوجته، فقص عليها ادعائها بأنها تستمع إلى أصوات، ظهر عليها التوتر وأخبرته بتردد: جايز يكون فيه حاجة فى الشقة، اسأل شيخ
شرد قليلا مفكرا فى كلام جارته حتى تناهى إلى مسامعه صوت أذان المغرب فاستأذنها أن تظل بجوارها حتى يذهب للصلاة بالمسجد ويعود
وفى الطريق ظل يتردد برأسه كلامها حتى دخل المسجد وأدى فرضه وبعدها توجه إلى إمام المسجد وقص عليه مايحدث مع زوجته وطلب منه الذهاب معه إلى البيت لرقيتها وقراءة بعض آيات الذكر الحكيم عليها.
وبالفعل توجه معه الشيخ إلى منزله حيث استقبلتهم جارته التى كانت تجلس مع زوجته التى استيقظت لتوها،
و بعد فترة من تلاوة القرآن بالمنزل، أخبره الشيخ بأنه لا يوجد شئ بالمنزل، كما أن زوجته سليمة معافاة ولا يوجد بها اى نوع من أنواع المس أو الحسد
وبعد رحيل الشيخ، اقترح عليها الذهاب إلى الطبيب للاطمئنان على الجنين ولكنها فاجأته بقرارها: أنا عايزة أروح لماما بكره وهروح للدكتورة اللى بتابع معاها.
تفاجأ بقرارها ولكن كان هذا اتفاقهما، إن طلبتها سينفذها، فأخبرها مقترحا: طب إيه رأيك نروح دلوقتى للدكتور نطمن عليكى انتى والبيبى وبكره بعد ما ارجع من الشغل اوديكى لماما تريحى اعصابك يومين
لم تجد بد سوى الموافقة على اقتراحه خاصة وأنها تشعر بالقلق على جنينها، ذهبا سويا إلى عيادة طبيب قريب من المنزل دلهما عليه حارس العقار
وبعد الانتظار لمدة ساعة فى العيادة، دخلا إلى غرفة الكشف حيث طمأنها الطبيب على وضع الجنين ولكنه لاحظ ضعفها فطلب منها إجراء بعض الفحوصات للاطمئنان وهذا ما فعلاه فور خروجهما من عيادته حيث لمحا لافتة لمعمل تحاليل فدلفا إليه وأجرت شيرين الفحوصات المطلوبة على أن تتسلم النتيجة فى اليوم التالى
وفى اليوم التالى ذهب كريم إلى عمله وجلست هى بانتظاره لحين عودته، وبعد رحيله بساعتين، دق جرس الباب فتوجهت لفتحه ولكنها لم تجد أحد، ما وجدته هو مجرد صندوق صغير وضع امام الباب، ساورها الشك بشأنه ولكنها أخذته ودلفت إلى الداخل وقامت بفتحه وحينها أصيبت بالصدمة مما وجدته بداخله.
استأذن كريم باكرا من عمله وتوجه إلى معمل التحاليل لمعرفة نتيجة فحوصاتها قبل رحيلهم وهناك تفاجأ مما أخبره به الطبيب، فقد أخبره بوجود أثار عقار هلوسة بدمائها، شغل الموضوع تفكيره طوال الطريق وظل يفكر كيف وصل إليها هذا العقار أو ربما تكون تتناوله بإرادتها ولكن لماذا ستفعل ذلك، ربط بين ما حدث معها في الأيام الماضية وتوصل إلى أنها كانت مجرد هلاوس من تأثير العقار الذى كانت تتناوله.
وصل إلى المنزل وجدها تجلس على الاريكة محدقة ببعض الصور والاوراق بين يديها، وما إن سمعت صوت إغلاق الباب حتى هبت واقفة و ألقتهم بوجهه وصرخت به: انت يطلع منك كل دا، تتجوز عليا عرفى، ومش مرة او اتنين لاااا اكتر من مرة، ليه؟ قصرت معاك فى إيه عشان تعمل كده ؟
تفاجأ بكلماتها فهو لا يعلم عن اى شئ تتحدث، نزل ارضا وتناول إحدى الصور ليشعر بالصدمة مما رأى فقد كانت صورة له برفقة فتاة ما، تناول صورة أخرى ليجدها صورة له برفقة فتاة أخرى، تناول ورقة ليجدها عقد زواج عرفى يحمل اسمه، ما هذا الهراء! هو لم يفعل اى من هذا، هذا ليس توقيعه وهو لم يلتقط اية صور برفقة فتاة بخلاف زوجته.
انتبه على صوتها تخبره بغضب: طلقنى، أنا ماشية، رايحة لماما وابعتلى ورقتى، مش عايزة اشوفك تانى
قالت جملتها وانطلقت راكضة تجاه الباب، هب واقفا وظل يناديها ويقسم لها أنه لم يفعل اى من ذلك ولكنها لم تتوقف ولم تجيبه، ظلت تركض على الدرج والعبرات تغشى عينيها إلى أن تعثرت قدماها وسقطت متدحرجة من أعلى الدرج إلى أسفله مغشيا عليها، صرخ بإسمها مهرولا إليها ولحقته جارته سعاد التى استمعت إلى صوت شجارهما، حاولا افاقتها ولكن دون جدوى، لاحظا دماء تغرق أسفل ملابسها فحملها زوجها مهرولا إلى سيارته مصطحبا إياها إلى أقرب مشفى ورافقتهما الجارة للاطمئنان عليها.
وفى المشفى أخبره الطبيب أنها قد فقدت الجنين إثر سقوطها، جلس على المقعد واضعا رأسه بين كفيه، يشعر بالحزن لما أصابها، ثم تذكر شئ ما، اخرج هاتفه من جيبه، أجرى اتصال بأخيه شريف وطلب منه الحضور إلى المشفى
أتى شريف بعد نصف ساعة حتى إن كريم تعجب من سرعة مجيئه، نظرت إليه سعاد بذهول، فهى ترى نسخة أخرى من كريم ولكن شريف أقصر قليلا كما أنه يرتدى عوينات طبية.
عاجله كريم بلكمة فى فكه تألم لها شريف ثم أمسك بتلابيبه قائلا: انت بتعمل إيه فى إسكندرية ؟
تحسس شريف فكه موضع الألم: كنت جاى أزور واحد صاحبى، وبعدين انت مالك فيك إيه وإيه اللى حصل لشيرين؟
كان الرد لكمة أخرى ثم صوت كريم يصرخ به: هى وصلت بيك الحقارة إنك تتجوز عرفى باسمى! وكمان تبعت العقود والصور لشيرين!
دفعه شريف بعيدا عنه وصرخ به: أنا مبعتش حاجة، الصور و العقود دى اتسرقت من شقتى، بس تعرف اللي سرقهم عمل فيا جميل وعايز اشكره عليه، أنا فعلا كنت ناوى ابعتهم لشيرين عشان ابعدك عنها، عشان ابعدك عن الانسانة الوحيدة اللى حبيتها، عملت العقود باسمك و استغليت الشبه اللى بينا، عندى إستعداد أعمل أى حاجة تفرق بينكم
شعر بالذهول من كلام أخيه بل توأمه الذى يكن له الضغينة ويريد التفريق بينه وبين زوجته، أجابه بصدمة: أنا مش مصدق اللى بسمعه، إنت يطلع منك كل دا!
شريف بتهكم: لا صدق، تعرف انى كنت ناوى أعلم اللى سرقت العقود الادب لو شوفتها، بس دلوقتى بجد ممكن اشكرها لو شيرين سابتك واتجوزتنى.
_ روح اشكرها عند اللى خلقها
كان هذا صوت سعاد التى كانت تتابع الأمر من بدايته واتضح لها كل شئ، ثم أكملت قائلة: أيوه، هالة ماتت، انتحرت، آخر ضحاياك فاكرها ؟ أنا مامتها، هالة انتحرت بعد ما رميتها واتخليت عنها وعن اللى فى بطنها، سرقت العقود والصور عشان تهددك بيهم وإنت طنشت لأنك عارف إنها هتبعتهم على بيت أخوك ودا اللى إنت عايزه، جيت سكنت فى العمارة عشان أعرف أنتقم لبنتى منك بس للاسف انتقمت من اتنين ملهمش ذنب، روح منك لله، ربنا وحده قادر يجيبلى حق بنتى
ثم التفتت الى كريم الذي يغلفه الذهول وأكملت قائلة: سامحنى يا بنى، خلي شيرين تسامحنى وربنا يعوضكم خير عن خسارتكم.
رد مستنكرا: نسامحك! يبقى انتى اللى كنتى بتعطيها حبوب الهلوسة
طأطأت رأسها أرضا فعلم الإجابة وأعاد سؤالها: طب إزاى من غير ما تاخد بالها
سعاد بخزى: كنت بحطها فى اى حاجة بتشربها سواء عندى أو عندكم
كريم بحزن: مش هقدر اقولك غير ربنا يسامحك ع الرعب والخوف اللى عيشتيها فيه الفترة اللى فاتت ولا حزنها اللى هتعيشه لما تعرف إنها خسرت اابنها، امشى ومش عايزين نشوفك تانى
ثم التفت إلى أخيه قائلا: وإنت، أنا أخويا مات من النهاردة، مش عايز أشوفك تانى ولا أعرف عنك اى حاجة.
غادرت سعاد داعية الله أن يسامحها على ما فعلته بشيرين وكريم كما دعته أن ينتقم لها من الشريف الذى غادر مستقلا سيارته وقادها بأقصى سرعته حتى ظهرت أمامه شاحنة
حاول أن يتفاداها ولكنه فقد السيطرة على سيارته وانقلبت به عدة مرات لتوافيه المنية في الحال
بعدما أفاقت شيرين قص عليها كريم ماحدث فطلبت منه ان تعود إلى منزلها بالقاهرة وهذا ما كان، فبعد أن استعادت عافيتها طلب من الشركة أن ترسل مهندس آخر لاستكمال المشروع واصطحب زوجته عائدين إلى القاهرة فى محاولة لنسيان ما حدث معهم.
تمت بحمد الله