عناصر الرواية: كيف تكتب رواية ؟
ما هي الرواية:
هي فن سردي نثري يجمع بين الحقيقة والخيال يتصف بالطول عادة، وهي قصة مطولة تعالج مواقف اجتماعية , وغرامية , وفكرية , وسياسية , وغيرها , فهي متسعة الزمان والمكان , تتعدد فيها الأحداث , وتكثر فيها الشخصيات , وتحدث فيها مفارقات ومفاجئات عديدة.
عناصر الرواية:
الشخوص, الزمان, المكان, الأحداث, الصراع , النظم, الفكرة, النهاية والحل, اللغة, الكاتب.
شخصيات الرواية:
هي التي تتشكل بتفاعلها ملامحُ الرواية, وتتكوَّن بها الأحداثُ, لذا فعلى الروائيّ أن ينتقيَ شخوصَ روايته بحكمة بحيث يجعل الشخصية المناسبة في المكان المناسب.
تنقسم الشخوص إلى قسمين: إما أن تكون صادقة يمثلها البشر أو كاذبة تتجسد في الحيوانات أو الجمادات, وقد يجمع الروائي بين البشر والحيوانات أو الجمادات في خياله الروائي, وسبق أن قرأت قصة قصيرة دارت أحداثها بين قلم وممحاة.
• يمكن أن تقسيم الشخصيات من حيث الدور الذى تقوم به إلى:
شخصيات رئيسة وشخصيات ثانوية, فالشخصية الرئيسة هي التي تتواجد في المتن الروائي بنسبة تفوق الخمسين بالمائة, وتبرز من مجموع الشخصيات الرئيسة شخصية مركزية تقود بطولة الرواية.
أما الشخصية الثانوية فهي كالعامل المساعد في التفاعل الكيميائي يأتي بها الروائي لربط الأحداث أو إكمالها, وهذا لا يعنى أنها غير مؤثرة, فإن كانت كذلك فما الحاجة إلى الاستعانة بها إذًا, بل تكون مؤثرة لكنها غير مصيرية, تحرف مسار الرواية أو تضيف حدثا شائقا.
فلو نظرنا إلى رواية المهلة الأخيرة للكاتب الروسي فالنتين سبوراتين لوجدنا أن روايته بِطُولِها تدور أحداثُها بين شخصيات قليلة - بين الأم وأولادها والجارة - ونجدُ نسبة حضور الأولاد مع الأم متقاربة مما يجعل اعتماد نسبة الحضور لإعطاء صفة الرئاسة لشخصية ما صعبا, أي أن الشخصية الرئيسة قد تكون واضحة يمكن معرفتها بسرعة وقد تكون صعبة التمييز, وفي هذه الحالة يحظى بالمركزية الشخصية المؤثرة على باقي الشخصيات.
• يمكن تصنيف الشخصيات من حيث الظهور إلى:
شخصيات كروية وشخصيات ثابتة, فالكروية التي تأخذ أكثر من شكل للظهور في الأحداث, أي أنها ذات مظهر متغير فقد يظن القارئ أو يظن شخوص الرواية أنفسهم أن هذه الشخصية شريرة ويتضح في النهاية عكسُ ذلك, أما الثابتة فتأخذ مظهرا واحدا من البداية إلى النهاية في الرواية.
لكل شخصية في الرواية أبعاد ثلاثة, هي:
- البعد التكويني: ويشمل الجانب الخَلْقيّ كالطول والجَمَال والنحافة, والجانب الخُلقيّ كالصدق والأمانة وحسن المعاملة.
- البعد الاجتماعي: وهو كل ما يرتبط بالشخصية من محيطها الخارجي, ويشمل الجوانب الثقافية والمكانة الاجتماعية والعلاقات المختلفة.
- البعد الوجداني أو النفسي: وهو كل ما يؤثر على الشخصية من مكنون نفسها, كالرغبة والمزاج والمشاعر المختلفة.
ولا شك أن الأبعاد الثلاثة تؤثر في بعضها البعض, فقد تتكوَّن لدى الشخصية حالةٌ نفسية معينة بسبب عيب خَلْقيٍّ مثلا, وقد تُسبِّبُ هذه الحالة اعتزال الشخصية للمجتمع أو فقدانه لعلاقاته مع الآخرين.
وليس بالضرورة أن تظهر هذه الأبعاد في متن الرواية لكل شخصية, لكن لا يوجد شخصية دون الأبعاد السابقة.
وإن أجاد الروائيُّ اصطفاء الشخصيات الملائمة بالصفات المناسبة للأحداث فستكون بدايته موفقة بوضعه الأساسَ الأولَ الذي ستجري به الأسس الأخرى.
زمن الرواية:
وهو الموجود المعنوي الذي يدرك بالموجودات الحسية, فتغير المحسوسات يوحي بتقدم الزمن , ولولا التغير لما أدركنا الزمن.
وعند الحديث عن الزمن علينا أن نتناول عدة أبعاد, فللزمن أبعاد ثلاثة:
1 - زمن وقوع الأحداث, وزمن كتابة الأحداث, وزمن قراءة الأحداث. والذي يخضع للتحليل عادة زمن الوقوع, أي وقت وقوع الحدث ومدته.
2 - زمن توقيت الحدث: قد يكون فلكيا: (صباحا, مساء, الساعة الثامنة..), أو مداريا (شتاء, صيفا), أو حدثيا (زمن الاحتلال, عام النكبة, يوم النكسة, عام الفيل...).
3 - زمن مدة الحدث: أي المدة التي استغرقها الحدث في وقوعه.
وعند دراسة زمن مدة الحدث فمن الجيد أن أورد ما حواه تصنيف جيرار جينيت للزمن في الرواية, حيث ذكر محاور ثلاثة وهي: الترتيب والديمومة والتواتر...
أما الترتيب فيقتضي مراعاة ارتباط الحدث بما قبله وما بعده وما زامنه, ويتم ذلك ضمن إطار الاسترجاع والاستباق, فيجمع الروائي مع وقت الحضور حاضرًا آخر أو الماضي أو المستقبل محاولا إعطاء الحدث بُعدَه الكامل ووصفه الملائم.
والاسترجاع هو ذكر أحداث وقعت سابقا, وقد يكون داخليا يتمثل في الرجوع إلى أحداث ذكرت في الرواية, أو خارجيا يكون بالرجوع إلى أحداث وقعت خارج المتن الروائي.
أما الاستباق فهو ذكر ما لم يحدث بعد, ويكون داخليا وذا بذكر أحداث لها نصيب من التواجد في المتن الروائي بشكل لاحق للحاضر, أو خارجيا كذكر أحداث مستقبلية خارج إطار المتن الروائي.
وعادة يلجأ الروائيون إلى استخدام الاسترجاع أكثر من الاستباق, لأنهم بالاسترجاع يربطون الأحداث أو يكملون الوقائع, أما الاستباق فمن شأنه أن يفقد السرد عنصر الإثارة والتشويق, فذكر ما سيكون يُكَوِّنُ صورة عامة في ذهن القارئ عن الأحداث اللاحقة الأمر الذي يجعل القارئ يعزف عن إكمال القراءة , فطبيعة الإنسان أن يترك قراءة ما يعلمه سابقا أو يعرض عما يتوقعه لاحقا.
أما الديمومة فهي زمن دوام الحدث, وتتفاوت في الرواية بين لحظات تستغرق عدة صفحات وبين أيام أو شهور لا تأخذ إلا عدة أسطر, وتأخذ الديمومة تقانات أربعة هى: الحذف, والمشهد, والوقفة, والخلاصة, والتداول بينها يكون حسب ما تقتضيه الغاية.
فعندما يترك الروائي أحداثا دون ذكر فهذا هوا الحذف, كما نري في رواية (عذراء جاكرتا) للروائي نجيب الكيلاني, حيث نجده في الفصل السابق للأخير يذكر حدثا حيويا يركز فيه على شخصية المحرر الفني ولا يذكر ما حصل مع باقي الشخصيات وكيف تمكنوا من الهرب بل اكتفى بذكر نهاية الجميع لأن التفصيل لا يؤثر في الغاية, بالإضافة إلى قدرة السامع على تصور الأحداث, وإذا كان الأمر كذلك فإن التفصيل يبعث الملل ولا يجعل للقارئ فرصة التفكير وإمكانية لربط الأحداث بالواقع الذي يعيشه ويدركه كل إنسان في عالم الحضر.
وعندما يعرض الكاتب الحدث مفصلا فإننا نسمي ذلك (بتقانة المشهد), وكأن القارئ يشاهد الحدث أمامه بكل تفاصيله, ويلجأ الروائيون إلى هذه التقانة عند سرد الأحداث المثيرة للقارئ أو ذات النهايات المؤثرة, إذ يحاول الروائي أن يزيد من وصف الحدث لاعتقاده بأن القارئ سيبقى مشدودا له أثناء القراءة, ويحاول كذلك ألا يجعله أطول من حده اللازم كي لا يتحول المشهد من جذاب إلى عذاب يتمني القارئ الانتقال عنه, فالمشهد المضحك مثلا لو بقي على وتيرة واحدة فإنه يفقدُ حيويته, إذ لا بد من الصعود والهبوط لسحق التأقلم النفسي الناتج عن طول فترة المثير التي تخمد فتيل الانفعال المتصف بقصر مدته غالبا.
ويمكن أن نلمس هذه التقانة عند القصصي الروسي أنطون تشيكوف في غالب إصداراته, منها قصة (زيت البرافين), إذ نراه يذكر أحداث قصته بالتفصيل وكأنك عندما تقرأ ذلك تراه أمام عينك .
وعندما يسرد الروائي الأحداث بشكل دقيق يكاد الزمن فيه لا يتقدم فإننا نسمي ذلك بالوقفة, وقد يعتقد البعض أن الوقفة من شأنها أن تجمع متناثر المَلَل, وليس الأمر كذلك, لأن الروائيَّ يلجأ إلى مثل هذا النوع من السرد في المواقف المصيرية ذات التأثير النفسي الكبير, مثل: لحظات الاحتضار, أو لحظات الوداع, أو في المشاهد ذات الطابع الرومانسي بين عاشقين, فإن القارئ مع مثل هذه المشاهد يكون في قمة الانسجام والتفاعل لأنها تداعب عمق المشاعر.
من ذلك مثلا ما نجده عند فالنتين راسبوتين الروائي الروسي في نظيمته (المهلة الأخيرة) فقد وقعت روايته في أكثر من مائتين وسبعين صفحة ولم تتناول إلا أحداث ثلاثة أيام أو أربعة.
وعندما يسرد الروائي أياما أو شهورا في أسطر معدودة فليس هذا إلا التلخيص أو الخلاصة, ويبدو لنا أن الفارق بين الحذف والتلخيص يتجسد في أن الحذف لا يذكر شيئا من الأحداث التي يمر عنها إذ تفهم ضمنا, وأما التلخيص فيفضل الروائي توثيق أحداث طويلة بشكل موجَزٍ موجِزٍ, ومنجَزٍ منجِزٍ لقلة مردودها التأثيري.
وأما التواتر فيتعلق بقضية تكرار بعض الأحداث, والأصل في معنى التواتر التتابع بشرط وجود مهلة بين المتتابعات كما في اللسان, وإذا أسقطنا المعنى السابق على مفهوم التواتر عند الروائيين نجد أنه عبارة عن اتْبَاع حدثٍ لحدث لفظا ومعنى كالاتصال التكاملي بين الحدثين, أو لفظا دون المعنى كأن يأخذَ الحدث نفس المنحنى اللفظي دون ارتباط تواصلي بين الحدثين.
ويأخذ التكرار في الرواية أضرب ثلاثة, فالضرب الأول يتبلور بسرد حدث وقع مرة واحدة عدة مرات, ويلجأ الروائي إليه في الأحداث الجوهرية التي من شأنها أن تثير جدلا وتفاعلا بين شخصيات الرواية أو تعيد الحيوية للحدث عند ذكرها.
أما الضرب الثاني فيمكن تصوره ببساطة فهو ضد الأول إذ يسرد الروائي حدثا وقع عدة مرات مرة واحدة, وذاك لأجل التخفيف عن روح القارئ المندفعة صوب متابعة الأحداث, ويبدو ذلك في الأحداث التي لا تعني الشخصيات كثيرا والتي لا تستدعي اهتمام الكاتب لاعتقاده بانعدام أثرها الرجعي على القارئ أو أبطال روايته أو أحداث منظومته.
ويبقى الضرب الأخير لثلاثية التواتر, وهو ثالث الأضرب في مجال التذاكر, تتبَيَّنُ هيئته بسرد متكرر لوقائع متكررة, إذ يقوم الكاتب بذكر ما وقع أكثر من مرة عدة مرات, ويستخدم الروائي هذا الضرب إذا رأى أن الحدث لازمُ الذكر ليتم به ترابطُ الأحداث.
هذا بالنسبة للزمان في الرواية وما يتعلق به...
مكان حدوث الرواية:
هو المحيط الذي تجري عليه الأحداث أو تدور فيه, ويرتبط جدًا بالزمان إذ لا فصل معقول بينهما, فإذا ذكرتَ الصباح فلا بد أن تذكر أين طلع, وعلى أي مِصرٍ سطع, وفي أي أفق لمع؟ وإذا أوردت الشتاء فليس لك أن تجعله مُعَلَّقَ البرد والماء, لا يقرس حضرا ولا يصيب صحراء, إذ يتوجب عليك التحديد بمسقِط البَرَدِ ومَوضِعِ الجليد, والمكان يتفرع, وليست الفروع تقيم إنما تخضع للتقليم والتقييم, ليوضع منها المناسب للأحداث التي تناسب, وها هي للمُطالِعِ واضحة المَطالعِ:
فالمكان إما أن يكون مفتوحا, وهو المكان المحدود بغير البنيان, والمكشوف للعيان, كالشارع والسوق الواسع وموقف السيارات والحدائق.
أو مغلقا وهو المحدود ببنيان والمستور عن العرفان, بما تحضنه الجدران, كالحجرة والغرفة والفندق والسجن والسيارة والقطار.
أو لا متناهيا وهو مجهول الحدِّ باللحظِ أو بالعدِّ, فلا يسعُنَا أن نرسمَ ملامحَه, أو نجمعَ جوانبَه, أو ندركَ سرائرَه, مثل البحر والغابة والصحراء.
وقد يكون المكان عاما يشترك فيه الجميع كصالة الانتظار والمستشفى والسوق, وقد يكون خاصا بشخص أو بمكانة, فالخاص بشخص هو الذي يخضع لملكية هذا الشخص كالمنزل والمحل التجاري, والخاص بالمكانة هو الذي يخضع لسلطة الشخص كمكتب المدير أو غرفة السكرتير, فهذا لا يتملكُ المكان إلا لمكانته فإذا حلَّ شخص آخر مكانه فإنه سيحظى بالمكان.
وقد يكون المكان مرئيا يمكن إدراكه بالرؤية العينية كالمدرسة والشاطئ والصين وسوريا, أو يكون تصوريا وهو الذي لا يمكن رؤيته, فيُضْطَرّ الإنسانُ إلى تصوُّرِه, مثل الجنة والنار والسماوات.
بذلك أكون قد قسمت المكان إلى أسباع, كل سُبْعٍ غصن, لتكون ثلاثة أسباع من فرع الحد, وسُبْعان من فرع العموم والخصوص, وسُبْعان من فرع الملاحظة ليتم بذا ما قُلْتُهُ: (والمكان يتفرع).
والروائي يختار الأمكنة التي تناسب الأحداث, وكثرة الأماكن ليس دليلا على روعة المكتوب بل أحيانا قد تكون سببا في فقدان القارئ لعنصر الترابط الذهني لأحداث الرواية, وللمكان دلالات فالمقبرة تدل عل الأحزان, والمقهى على اللقاءات والسوق على التجارة والسيارة على الارتحال والتجوال والقطار على السفر.
ويمتلك المكان صفة من محيطه أو من الحدث الواقع فيه, فالتي من محيطه مثل: (مظلم, مشرق, بعيد, غريب), والتي من الحدث الواقع فيه مثل: (مضحك, مبكي, مضطرب), وقد تجمع الصفة بين المحيط والحدث مثل (مميت, آمن).
ويؤثر المكان على النفوس, فقد تشعر الشخصية مثلا بضيق الصدر أو انشراحه لمجرد وجودها في مكان ما.
وليس لانغلاق المكان أو انفتاحه دلالة حقيقية على نفوس الشخوص, فقد تكون الحالة النفسية في مكان مغلق جيدة وقد تكون سيئة وكذلك المكان المفتوح, إنما الحالة النفسية هي التي تجبر الشخصية على اللجوء إلى مكان معين, فالشاعر مثلا يأوي إلى الطبيعة والأماكن اللامتناهية عادة لتساعده عل رسم خياله وانطلاق أفكاره, والداعي إلى فكر معين يميل إلى الأماكن المفتوحة ليتمكن من نشر فكره بمردود إيجابي يعود على شغله, والحزين الكئيب يُؤْثِر الأماكنَ المغلقة التي تحضن همه وتخفي شجونه ودموعه, فالمكان لا يصنع الشاعر ولا الداعي ولا الحزين بل المكان لديه قابلية احتواء الجميع بمختلف مشاعرها, إنما الشخص هو الذي يجعل للمكان طبيعة خاصة.
وللمكان قدرة على تحقيق الانسجام بين الحدث والشخصيات والقارئ إذ لا يمكن للروائي أن يذكر شخصا ملتزما بالدين الإسلامي يريد أن يتنزه فيذهب إلى مَرقَص, فهذا لا يستقيم في ذهن القارئ ويؤدي إلى اغبرار الرواية بغبرة الخلط في الأمور.
هذا بالنسبة للمكان...
أحداث الرواية:
الحدث يتشكل من العناصر الثلاثة السابقة, فكل ما تقوم به الشخصيات في حدود الزمان والمكان يسمى حدثا.
ولا تستمر الأحداث على وتيرة واحدة من الحدة إذ لا بد من التراوح بين الهبوط والصعود للانتقال بالقارئ من حالة التأقلم التي تفرضها تلك الاستمرارية.
والأحداث إما أن تكون سابقة للصراع (مسببة له), أو لاحقة له (ناتجة عنه), أما المزامنة للصراع فهي الصراع نفسه.
ويعتمد الروائي الانتقائية عند إيراد الأحداث, فيختار ما يناسب غايته, ويجب الابتعاد عن كل حدث لا يخدم الغاية لأنه يؤدي إلى انفصام رتق الأحداث.
الصراع في الرواية:
هو تصادم بين قوتين, وهو حدث مؤثر في غيره, وتلك القوة قد تكون مادية كالصراع بين شخصين أو جيشين, أو معنوية كالصراع بين الإنسان وشهوته أو القدر.
وقد يختلج صدر القارئ بمسألة: (ما المكوِّن للآخر؛ الصراع للحدث, أو الحدث للصراع؟)..
ولننظر نظرة واسعة إلى واقع العنصرين حتى ندرك الإجابة, إذ يتعين أن نقف في صف الكاتب مرة, وأخرى في صف القارئ لننصف الاثنين, فبالنسبة للروائي فإن الغاية تشكل لديه صراعات عديدة فيندفع إلى رسم الأحداث التي تناسب الصراعات, فيخط أحداثا سابقة للصراع وأخرى لاحقة بناء على ما يقتضيه ذاك الصراع.
أما إذا وقفنا موقف القارئ فإن الصراع عندنا يأتي نتيجة لتفاعل الشخصيات, وتفاعل الشخصيات يبدو لدينا بمظهرين: الأول تفاعل أدى إلى صراع, والآخر تفاعل نتج عن الصراع.
ويرجع هذا التصور إلى أمر معقول يتجسد في نظرة الروائي العلوية لروايته, فهو يعلم البدايات والنهايات والسوابق واللواحق لذلك كان الصراع أساس رسم الأحداث بالنسبة له, كذلك فإن غياب مشاهد الرواية عن القارئ يجعله يسير بتسلسل مع صفحات الرواية ليتفاجأ بما تنتجه الأحداث, وينسجم بما تولده الصراعات, فتكون نظرته داخلية لا تتجاوز الصفحة التي يقرؤها, فيُحدد بذلك أحداثا تُكَوِّن الصراع وأحداثا يُكَوِّنها الصراع.
ويزدوج الصراع فيكون داخليا ويكون خارجيا, فالداخلي كالشخص مع نفسه إذ تتجاذبه قوتين, كقوة الحق وقوة الباطل, أو قوة الإرادة وقوة الإعراض, وغالبا ما يكون قصير المدة ومصيريا.
أما الخارجي فيقع بين شخصيات الرواية, ويكون طويل المدة أحيانا ومركزيا مصيريا.
ويلجأ الروائي إلى الصراع الخارجي أكثر من الداخلي كي يزيد من انفعال القارئ حيث إن الصراع هو النقطة الأكثر تأثيرا في نفس القارئ, وهو اللحظة التي تصل بالقارئ إلى أعلى درجات الانفعال والتي لا تهدأ إلا بإدراك نتائج الصراع, والنجاح في اصطفاء لحظة الصراع يجعل المكتوب أكثر حيوية, ونجاح الصراع يكون بالقدرة على شدَّ القارئ لمواصلة القراءة بإيصاله إلى أعلى درجات الانسجام, ويزيد الانفعال عند المرحلة التي يحتدم فيها الصراع والمسماة بالعقدة, والتي يتبعها انحدار متواصل لحدة الصراع, فالعقدة هي ذروة الصراع, والصراع هو ذروة الحدث, والحدث هو نتاج تفاعل الشخصيات ضمن إطار الزمان والمكان.
الحبكة (النظم):
تُنتِجُ الفكرة لدى الروائي صراعات متعددة وأحداث متفرقة تخدم غاية الكاتب, هذه الصراعات تحتاج إلى هندسة وترتيب وحسن نظم, ولا يمكن أن يقوم الروائي بعرض جملة صراعات مبعثرة إذ لابد من تنسيق الصراعات مع الأحداث الملائمة بصورة متسلسلة بانسياب نحو الغاية حتى يمكن للقارئ أن يستوعبها ويربطها بسلاسة في ذهنه, وتنسيق الأحداث يسمى الحبكة أو النظم.
وأفضل النظم الانحدار المنساب الذي من شأنه أن يحقق الانسجام والتركيز, وهو أفضل بكثير من الانحدار الانكساري الذي يهبط بالقارئ من موقف إلى آخر بشكل فجائي يسبب الإزعاج للقارئ.
فكرة الرواية:
هي أساس العمل الروائي, فلا زرع دون وضع, والفكرة هي الوضع الذي سينبت زرعا يحصده القارئ وينتفع به الروائي, فالفكرة هي الدافع والمحرك لرغبة الروائي في إعمال القلم استجابة لعنفوانها, وكل عناصر الرواية مسخرة لتحقيق الفكرة, فهي تولد الصراع في ذهن الروائي والصراع ينتج الأحداث, والأحداث تخضع للنظم المحكم, والنظم المحكم يعطينا رواية كاملة الأبعاد.
وللرواية فكرة رئيسة واحدة وهذا لا يعدم وجود أفكار أخرى ثانوية لكنها كلها تخدم الرئيسة, فلكل صراع موجود في الرواية فكرته المرتبطة بالفكرة الرئيسة, وقد يورد الروائي فكرة ثانوية غير مرتبطة بالرئيسة لغرض معين, فقد يقصد تضمين عدة أهداف في روايته أو إيصال مجموعة رسائل في جعبته إلى الجمهور, وهذا جيد إذا لم يكن بصورة متكررة, والجودة تُحدد بإراحة القارئ من الجَهد الذي يصنعه تواصل الأحداث المرتبطة بالفكرة الرئيسة, وفي النهاية فإن للرواية فكرة واحدة طاغية تتصف بوضوح يهدي القارئ إليها بشكل تلقائي دون عناء التفكير في: (ما الهدف مما أقرأ؟ أو ما ملامح ما أقرأ؟).
نهاية الرواية:
هي اللحظة التي ينتظرها القارئ بكل شوق ويحبكها الروائي بكل إحكام وذوق, وهي اللحظة التي تكتمل عندها غاية الكاتب, فلا حاجة بعد بلوغ الهدف إلى الإطالة, وغالبا ما ينتهي انفعال القارئ عندها.
والنهاية نهايتان: نهاية الرواية, ونهاية عناصر الرواية, فنهاية الرواية لا تعني بالضرورة نهاية الحدث, فقد تنتهي الرواية في وسط حدث ما, إنما تعني الوصول إلى الهدف واكتمال الفكرة, بحيث يغدو لا حاجة لمزيد من الأحداث, أو حتى لا حاجة لإكمال الحدث الذي انتهت الفكرة في منتصفه.
وبعد ذلك يمكن تصنيف النهايات إلى مفتوحة ومغلقة, فالمفتوحة يترك فيها الروائي للقارئ فرصة التفكير في كيفيتها, كأن يذكر حدثا يحوي استشهاد الشخصية المركزية ثم لا يكمل الحدث بل يدعه للقارئ, أما المغلقة فيذكر فيها الروائي نهايات العناصر للقارئ فيريحه من عناء التخمين.
وكثيرا ما تجمع الرواية بين النهاية المفتوحة والمغلقة كأن يختم الكاتب روايته بحدث لا يكمله لكن هذا الحدث يشمل نهاية شخصية رئيسة.
وفي الغالب لا يرغب الروائي أن يترك جمهوره يتدخل في عمله الأدبي بتخمين نهاياته, لذا فإن النهاية المغلقة هي التي تسيطر على الروائيين نسبيا, وإن لجأ الروائي إلى النهاية المفتوحة فإنه لا يتركها مفتوحة على الإطلاق, بل تكون متوقعة على الأقل.
لغة الرواية:
وهي الوسيلة التي يتبعها الروائي للتعبير عن الحدث, وتأخذ شكلين: السرد والحوار, فالسرد هو الكلام الذي يوصله الروائي للقارئ على لسانه, ويستخدم فيه الكاتب ما يجده مناسبا للمقام, فقد يستعين بأسلوب الرسالة أو التقرير أو الإعلان التجاري, أو الخبر الإذاعي, أو المقالة, ويعتمد الأسلوب السردي على الوصف, وينشق السرد العام إلى طبائع مختلفة, فسردا ذا طابع عاطفي تزينه المشاعر المرهفة, وسردا ذا طابع انتفاضي تهيجه المشاعر الثورية المقهورة, ومرجع التحديد طبيعة الحدث والشخصيات والكاتب.
أما الحوار فهو كل كلام يجري على لسان شخصيات الرواية, ويأخذ أشكالا عديدة: فيكون بين الشخص ونفسه سواء كان مسموعا أو غير مسموع ويسمى حوارا داخليا, من ذلك المناجاة والغمغمة والهمهمة, ويكون بين شخصية وطرف آخر, ويسمى حوارا خارجيا, مثل: محادثة بين شخصين, أو حديث شخصية مع الطبيعة أو مع الحيوانات استئناسا بها.
ويحسم السردُ السلطةَ في الرواية, وإن غلبه الحوارُ في عدد السطور فإنه يظلّ أكثرَ حشوا من الحوار, لذا فعلى السرد أن يراعي المكانة التي هو فيها فلا يقسو ولا يغلو على القُرَّاء, وإن كان مراعيا فلْيُرَاعِ فصاحة اللفظ والوضوح المعنوي والدلالي والتسلسل المنطقي للأحداث والمستوى العقلي للشخصيات, ويلجأ بعض الروائيين إلى التخفيف من حدة الفصحى على الجمهور القارئ بسبب الفجوة بين عهد الميلاد وعهد الإيراد, فيستخدمون المزاوجة بين الفصحى والعامية, يحاولون بهذا ملء تلك الفجوة.
كاتب الرواية:
هو واضع العناصر ومنتج الفن, ومن العيب أن نذكر العنصرَ ونهمل المعنصِرَ, والروائي هو المتحكم في طبيعة المكتوب, يختار ما يشاء لما يشاء في حدود المندوب, وعليه أن يراعي الطالب والمطلوب.
وكثيرا ما ينثر الكاتب أبعاد شخصيته على إنتاجه الأدبي وعمله الروائي, وهذا ليس غريبا, فإن الفكرة لا تتولد من الفراغ, بل هي عبارة عن حدث وقع في حياة الروائي وأَثَّر فيه, وليس بالضرورة أن يكون قد حَدَثَ له شخصيا, إنما حدث في حياته, فشارك في بناء فكرته, لأن المحيط يؤثر في النفس, والنفس تؤثر في الإنتاج, فالوقائع دوافع, والصنائع نوابع.
وكي يتمكن الكاتب من نسج الصراعات والأحداث المكونة لمتن روايته لا بد أن يملك فكرة تدفعه للأمام, وخيالا واسعا يمكنه من بناء الرواية في باحاته, وأن يتخلى عن مختلف الهموم, ويطلع على ما كتب السابقون ثم يلزم المكتب ليكتب, فيكتب ما عنده مرة واحدة ولا يرتب, وإذا ملَّ من جريان القلم فليوقف نزفه كي لا يتلوث باحتمال الزلل, فيأخذ جِلسة علاج من الملل, ووقتا كافيا لزوال العلل, ومتى وجد النفس قد صفت واستقر حالها رجع ليواصل العمل, وإذا انتهى كتابة عاد للترتيب والتنقيح, والتنسيق والتصحيح, فإذا أتمَّ عَرَضَ على نصيح, ذي رأي رشيد وعقل رجيح.
خلاصة ما سبق:
كتابة الرواية تستوجب سعة الدراية بعناصرها من البداية حتى النهاية, وها هي العناصر مطبوعة لكل ناظر, تُجْمِل المهمَّ وتدفع المُلِمَّ, وقد خرجتُ عن المألوف دون إنكار المعروف, فلم أنقل إلا لِماما لكني استفدت دواما ممن سبق في الكتابة, وأجاد في صنع الإجابة, وذا لأن نقل الحروف ملأ الرفوف, فأَمَلَّ القارئ الشغوف, فكتبتُ في العناصر ما يكشف الستائر, بأَمَلِ الإبداع قدر المستطاع, فجاءت على عشرةٍ من نتاج الخبرة, وهي بالإيجاز وإجمال الإحراز:
الشخوص, الزمان, المكان, الأحداث, الصراع, اللغة, النظم, النهاية, الكاتب, الفكرة.
فالشخوص ترسم الملامح, والزمان يظهره المكان, والمكان يحدد أبعاد الأحداث, والأحداث تشكل المتن, والصراع يثير المَشَاهد, والعقدة لحظة اشتداد الصراع, واللغة وسيلة لإعراب المنقول, والنظم إدخال المكتوب ضمن المقبول المعقول, والنهاية اللحظة المنتظرة بعد الجَهْد الموصول, والكاتب واضع ما سبق فروعا بعد أصول, والفكرة الدافع لكتابة الكاتب فنَّهُ المأمول.
أرجوا أن يكون هذا المقال مفيدا لكم وأتمنى لكم كاتبة رواية ممتعة.