قصة أحببت مسيحية للكاتب هشام عفيفي الفصل السابع (النهاية)
مرت ايام هادئه.. اخذت فريده لتقرا رواياتها علي البحر كما كانت دائما تتمنى.. لتهدأ قليلا قبل موجه العاصفه التي ستواجهها من اهلها ومن والدتي..
واهدا انا قليلا.. حتى افكر كيف سأكون درع حول فريده لحمايتها من تلك الهجمات الشرسه
فريده كانت تعشق القراءه على البحر..
قالت لي ان اسعد شيء في دنياها ان تقرا روايا علي البحر.. ولكنها ستكون في جنه ان كانت تقرا تلك الروايه في حضني على البحر
حققت لفريده جنتها.. رغم سعادتها في حضني.. الا اني دائما ما كنت احضنها وانا اسرح في البحر مرسوم علي وجهي ملامح القلق من غدا..
ما لبثنا ان عدنا من اجازتنا
الا وقابلنا الاهالي عائله فريده ووالدتي واخوتي
تهاني وسلامات .. ويبدوا علي ملامح والدا فريده نوع من انواع الرضا الغير مطمأن ..
افتتح نقاش تسميه الولد.. قرروا جميعا انه ولد ليس ببنت
تعالت الاصوات…اختلف الطرفان.. وانا وفريده لا نتحدث
هم فقط يتكلمون..
لم استطع تمالك نفسي
بس !
محدش فيكوا هيسمي حاجه !
ومحدش هسمحله يتدخل في حياتي انا ومراتي !
محدش هيسمي ابننا غير فريده !
هي الي شيلاه.. وهي الي تعبانه فيه.. وهي الي متحمله آلامه.. لا انتي ولا انت ولا حد فيكوا.. محدش له حق التدخل.. ولا حتى انا !
ومش عايز اسمع نقاشات كتير في الموضوع ده
ثم نظرت الي فريده..
ها.. نفسك تسميه ايه
جاء يوم ولادة فريده..
لم اقلق من قبل مثلما قلقت في هذا اليوم.. فريده دائما ما كانت ضعيفه صحيا.. كنت احاول حمايتها طوال فتره زواجنا من اي شيء تتعرض له حتى وان كانت نظره حزن.. صحيح انني لم انجح في الكثير.. ولكني كنت احارب حتى النهايه..
حضر الجميع الي المستشفى.. وكان الدكتور الذي يعالج فريده مشرفا علي ولادتها…كانت المستشفى قد تعلقت بفريده من كثره تناقل الاحاديث والاقاول والقصص حولها منذ مجيئها الاول في المستشفى
كنت في غرفه العمليات..
تمسك فريده بيدي وتشد عليها.. وتصرخ.. مع كل صرخه كنت اتألم انا كما لو اني جزء من اجزاء جسدها يتداعى لوجعها كان ينتظر مني الجميع ان اراقب ولدي وهو يخرج الي النور في حياته الاولى.. ولكني كنت اراقب فريده وآلامها.. اقف عاجزا لا يسعني سوى مسك يديها
ولد ابني…وامسكته…وسارعت بمناولته لفريده.. عساها تهدأ وتشعر ان آلامها قد انتهت وان مولودنا قد جاء الى الحياة..
عادت لي انا الحياة.. حينما رأيتها تبتسم وهي تحمل ابننا.. آدم.. فأدركت حينها.. أني رزقت بمولود.واني الآن اب.. لم اكن ادرك كل تلك المعاني قبل ابتسامه فريده
لطالما احببت فريده اسم آدم.. ولم اكن احبه انا لا اعلم لماذا.. ولكني احببته حبا في فريده.. وكانت تسميه المولود امرا مقدسا عندي.. تقديسا لآلام فريده التي تحملتها طوال فتره حملها وولادتها
لم افارق آدم وفريده طوال فتره تواجدهما في المستشفى..
كنت افكر حقا في السفر خارج هذا المجتمع.. خوفا علي فريده و آدم.. سيطمع المسلمون الا تربيه ام مسيحية.. ويطمع المسيحيون الا يربيه اب مسلم..
وكأننا انا وفريده ليس لنا حياة خاصه نحياها لنربي ابننا علي طريقتنا..
مر عام علي ولادة آدم.. كانت مختصره فيه محاولات كثير فاشله لاقتحام حياتنا اكثر من مره من قبل الطرفان المسلم والمسيحي.. لدرجه اني اشتريت سلاحا آليا وضعته في بيتي تحسبا لاي خطر..
لم تذهب فريده الى الكنيسه بعد ذلك.. كنت حزينا علي عدم احساسها بالحريه في ممارسه شعائر دينها
افرغت غرفه من غرف منزلنا.. لصلاتها فقط.. لتضع فيه صليبها وكتبها المسيحية لتعيش جوها الديني الخاص.. دون ان يزعجها احد..
كانت فريده سعيدة جدا بهذا القرار.. رغم اني كنت اقول لها ان هذا لا يغنيها عن الكنيسه.. بامكانها الذهاب الي اي واحدة..
لكنها اصرت ان الرب سيرضى عنها ان جعلت زوجها وابنها اولى اهتمامها.. حتي وان ضحت بكل شيء من اجلهما
لم اكن سعيدا بهذا الاعتقاد.. لا اريد فريده ان تضحي..
لا اريد استغلال حبها لي.. بان تعيش حياتها معي وكأنها تتحمل آلام
لم نتحمل كثير من الآلام في حياتنا حتى نعيش فيها بعد زواجنا
ولكن خوفي علي فريدة جعلني اوافق علي هذا الاعتقاد..
كنت قلقا علي ابني…
اخشى ان يأتيه الانفصام الديني وعلي ماذا سيتربي..
من حسن حظي ان فريده عندها اعتقاد منذ البدايه ان يتربى الاولاد علي عقيده ابوهم..
شعرت بقليل من الحزن لفريده.. ان ترى اولادها علي غير عقيدتها.. كيف لأم ان ترى اولادها اعتقاد غير اعتقادها..
لكن ادهشتني فريده في تربيتها..
عايزين نحفظ آدم القرآن.
اشمعنى
هو في حد يقول اشمعنى بردو
اقصد ايه الي جاب الموضوع في دماغك
كنت شوفت حاجه في الهيستوري بتاعك علي اليوتيوب….عندكوا الي بيحفظ القرآن بيجي يوم القيامه ابوه وامه لابسين حاجه زي الملوك كده وبتبقي مكانتهم عاليه
ابتسمت.. شعرت بكم جياش من الحب ناحية فريده.. اكاد اتذكر حبي لها في الامس واشتياقي اليها كما لو لم تكن معي
انتي مش مضطره لكده يا فريده.. سيبيهولي وانا ابقي اعلمه واحده واحده
ومين قالك اني مضطره.. انا امه يا هشام.. انا الي اعلمه واخد بالي منه.. لازم ابننا نحاول نطلعه احسن واحد
كانت فريده بالفعل تعلم آدم.. تعاليم الصلاة.. الصلاة الاسلاميه وليست المسيحية.. كانت تعلمه القرآن وتحفظه اياه بعد ان اكمل الاربعه سنوات الاولى له…حرصت فريده ان تعلمه في صغر سنه ليتكون في عقله ويعيش به ابدا..
تمر الايام مع فريده كما لو كان ضوء برق يخطف الانظار وينتهي..
اخيرا جاء اليوم الذي ستتزوج فيه ريهام.. كنت قد افسدت كثيرا من زواجات ريهام من قبل
ربما ريهام لا تسمع لابوها وامها ان لم يوافقا على عريس لريهام…ولكنها تاتي الي ويكن لي الكلمه الاولى والاخيره.. كما لو كانت ابنتي انا..
كانت تظن ريهام اني ساكون احد اسباب عنوستها من كثره عدم موافقتي للرجال المتقدمين اليها
كنت ادرس الرجال جيدا.. اعلم طباعهم وخفاياهم.. دائما ما كنت اقلق ان هذا يستطيع معايشه ريهام والحفاظ عليها الى ان يرحلا من الدنيا..
انانية الرجل.. دائما تجعل الرجل يختزل المرأه في جسد…في أم…في غاسله صحون.. في كواء للملابس
ولا يرى معظم الرجال.. ان المرأه كيان شامل عظيم ومعقد.. له قوانينه وله احترامه.. بل شأنه اعظم بكثير من شأن الرجال
ان كانت المرأه مخلوق عادي.. لما اراد الله ان يحمله كثير من المسؤوليه.. خاصه في اكمال البشريه
مهمات كثيره وضعها الله في المراه.. الرجل ليس اهلا لمسؤوليتها..
يكفى قدرتها علي تحمل آلام زوجها واولادها.. الذي طالما ما يقابل الجحود.. وانكار عظيم شأن المرأه..
الزوج الذي يدعي انه يحمل البيت على اكتافه مجرد انه يصرف علي هذا البيت ويكدح في العمل
والاولاد الذين ينكرون فضل امهم.. ويظن ان هذا فرض عليها
ومع ذلك لا تشتكى الام.. بل تسعد لسعاده ابنائها وزوجها.. تنكر ذاتها من اجلهم.
ليس فقط المراه تختزل كأم.. ولكنه ابسط مثال عن ابسط طرق معاناتها..
.ان لم يخلق هذا المخلوق بهذه القوة.. لانقسمت الارض من كثرة القسوه عليها
فمن من الرجال قد يقدر هذا ؟
هذا هو سبب تأريقي لريهام في اختياري لزوجها..
واخيرا.. قد وافقت علي يحيى….انه عاشق لريهام.. ربما يجعله عشقه لها الي رجل افضل.. يقدر كيانها وشانها
مرت الايام سريعا..
جائت ريهام بماهر…كان آدم يحب ماهر جدا منذ ولادته…كما ان ولد آدم يعشق ريهام.. معتبرا اياها خالته منذ البدايه الا ان ادرك انها ليست خالته بالدم.. ولكنها اكثر من خالته..
كان يحيي زوج ريهام ايضا يحبني حبا لريهام.. فقد تقرب لي منذ البدايه ليصادقني وكان معجب بقصتي انا وفريده.. لذلك كنت ارى فيه الكثير ان يحققه لريهام
لذا كنا عائلتان مقربه.. عائله ريهام وعائلتي
تمر الايام اكثر.. وتأتي فريده بياسين.
ايضا لم اكن احبب هذا الاسم.. ولكني ما زلت محافظا علي قدسيه ان تسمي الأم ابنها .. وليس هناك حق لأي كائن من كان علي وجه الارض ان يتدخل في هذا الامر
لم نشا انا وفريده تعليم ابنائنا هذا التعليم المصري.. كنا نبحث عن مدرسه يابانيه في مصر..
كان الجميع يصدعنا بأقاويل:
اييييييه وفين الانتماء بتاع العياال.. وعايزين تدخلوهم ياباني فين الاعتزاز بالعروبه
لكننا اصرينا انا وفريده علي منهجنا في الحياة..
الجميل في تربيتنا لأولادنا..
اننا منذ طفولتهم.. لم نعاملهم بتاتا كالاطفال:
سواء آدم او ياسين..
كان ادم ذو الست سنوات يسأل اسئله معقده في السياسه.. معظم الآباء والامهات يفضلون اجابه: بس يا حبيبي انت لسه صغير.. بكره لما تكبر هتعرف كل حاجه..
صحيح اننا كنا نعاني انا وفريده في شرح الكثير من تعقيدات وتبسيطها لاطفالنا الصغار.. ولكننا لم ننهرهم ابدا عن سؤال مثل هذا
للاسف كانت تتخذ ريهام هذا الاسلوب
لذلك كان يحبني ماهر جدا حينما كنت ازورهم انا وفريده.. وكان يسألني كثير من الاسئله…كنت كمثله الاعلى في الحياة
تمر الايام..
تزداد البركه في عملي.. يرزقني الله من حيث لا احتسب ولا ادري..
فاشتري شقه بجانبنا ليسكن فيها ريهام ويحيي.. وابنهم ماهر بجانبنا.. رفض يحيي رفض قاطع.. ولكني دائما ما كنت اتعامل معه كأخي الصغير
جري ايه ياض.. انت ازاي تكسرلي كلمه
مش لدرجه شقه يا هشام
هو انا بعطف عليكوا يابني..
امال بتعمل ايه
اوعى ياض تفتكر لما تتجوز ريهام انك خدتها مني ياض انت يلا.. ده انا احبسك.. هيا والواد الماهر دول مسؤولين مني غصب عنك.. ولا جوزها ولا ابوها والا امها حد يقدر يبعدها عني
يا عمي مقولناش حاجه بس تجيبلنا شقه بتاع ايه
عايزكوا جمبي يا اخي ريهام دي بنتي وعايز اطمن عليها.. مش جايز بتضايقها ولا حاجه من ورايا اقوم معلقك في باب زويله
لا بردو مينفعش
ياض متخلنيش احبسك والله.. بكره هتيجي عربيات النقل تنقل من بيتكوا تيجي تقعد هنا.. ومتخافش الشقه باسمكوا من بأسمي بتاعتكوا يعني.. مش هأجرهالكوا
انت بتتكلم في ايه يا هشام
في الكوره.. تصدق اني غلطان اني بتناقش امشي يلا عشان تجهز مع مراتك حاجاتكوا تنقلوا فيها
ماشي ياعم اتش
ياض انا اخوك ياض.. مفيش ما بينا الكلام ده.. وشغل مينفعش والشغل الضيق ده.. لولا اني عارف انك بتحب ريهام قد ايه مكنتش نولتهالك.. ولو كنت اتفقت مع الجن الازرق ما كنت خليتك تعرف توصلها.. ريهام دي بنتي قبل ما تبقي صديقتي كنت انت عيل صغير
خلاص بقي راعي كرامتي شويه دي مراتي بردو
هاهاهاها.. ماشي يا عم روح مع مراتك يا سيدي عشان بكره تنقلوا وانا احتمال اخد الواد ماهر مع ادم وياسين عشان عايزهم في مشوار كده
ليه كده عايزهم في ايه
انت هتصاحبني يابني
انا اسف
حبيبي ياض يا يحيي.. يلا عشان حبه كمان وهقطع علاقتي بيك مش فاضيلك ورايا حاجات
حبيبي
بالطبع لم ينجح بحثنا انا وفريده عن المدرسه اليابانيه في مصر واضطررنا اسفين ادخالهم مدارس مصريه بالتعليم المصري.. وكانوا بفضل الله.. افشل الطلاب في المدارس
كنت اطمأن دائما انهم ينجحون بدرجات النجاح فقط.. كنت احييهم واشجعهم في البيت.. ان تعليمنا المصري يتعارض مع كل ما هو ادمي وانساني
كنت آخذ ادم وياسين وماهر الي كورسات من صغرهم لتعليمهم البرمجه ولغات اجنبيه وكثير من علوم الحياة والعلوم الرياضيه
كنا نتفق نحن كعائلتين ان
مفيش حاجه اسمها اقعد ذاكر…لو عايز تذاكر ذاكر.مش عايز متذاكرش
مادمت ليس شغوفا بما تفعله.. فلا تفعله
فلم نكن نعاني معاناة
اصلي هقعد ازاكر للعيال.. اصلهم مطلعين عيني.. مصاريفنا بتروح علي الدروس الخصوصيه
كانت حياتنا التعليمية سلسه.. لا يوجد بها تعاقيد كل اسره مصريه..
كنت حريصا ان آتي بلاب توب لكل طفل في العائلتين.. ليكون منفذه للانترنت لتعلم اي شيء خارج المدرسه
ايضا
علمنا اولادنا.. ان من يأكل في طبق يغسله…وهناك يوم من الايام يتعلم فيه الاولاد.. كيفيه غسيل ملابسهم
عارضتني فريده كثيرا في هذا الامر.. ولكني دائما ما كنت اقول لها: لن يعيش في جلباب الاسره المصريه
ارتحنا كثيرا انا وفريده في هذه التربيه..
معظم البيوت المصريه.. يتركون اولادهم ان يفعلوا اي شيء في الدنيا.. ولكنهم يقدسون الدراسه.. الدراسه فقط.. ليتها كانت دراسه مفيده.. لا
اعمل الي انت عايزه.. بس الا المدرسه.. ودرجاتك في المدرسه
حرمان من الكمبيوتر او اللابتوب في عصرنا الحالي.. حرمان من كل شيء في سبيل الدراسه.. القائمه علي التلقين فقط
يأتي للدنيا كائن مصري.. كاره للحياة وكاره للدنيا.. محروم من اي شيء ممتع فيها طوال اعوام حياته الي ان يتخلص من الجامعه ليبدأ في متنفس حياته ليبدأ في اكتشافها.. وقد مره علي عمره اكثر من عقدين من الزمن.
تربيتنا لاولادنا.. اراحتني انا وفريده.. في اكبر نقطه كنت اريد الاهتمام بها.. لم اكن اريد ان نتحول لحياة الزوجين..
كنت دائما ما انظر الى فريده كعشيقتي.. ليست كزوجتي.. كنت دائما ما ناعيش اجواء كاننا احببنا بعضنا البعض بالامس
لدرجه ان هناك اياما.. عشنا كأننا مخطوبين.كانت تبيت عند اهلها.. وكان اطفالي رغم صغر سنهم كانوا يحبون هذا الشيء ويقدرونه جدا.. لم يرونا قط متخاصمين..
كما اتفقت انا وفريده.. ان تخاصمنا لا يخرج خصامنا داخل غرفتنا..
نعيش كما من الحب لا يصدقه اخر.. لدرجه ان في عز خصامنا.. امام اولادنا.. كنت احملها ونحن داخلان غرفتنا.. كما لو كنت احملها يوم زفافنا.
لم اشعر ان فريده في يوم اختزلت في ست بيت دائما ما كانت تحافظ على رشاقتها وجمالها .. ودائما ما كنت احافظ انا علي الورود والعشاء الرومانسي كما لو كنا في سن المراهقه رغم ان اولادنا قد قاربوا الدخول فيها..
كنا نمسح بيتنا جميعا سويا.. انا وفريده وادم وياسين لا توجد فكره ان الام هي المسؤوله عن ترتيب البيت .. بل كل جمعه بعد ان تيقظني فريده انا والاولاد لنذهب الي صلاة الجمعه ليستحم كل واحدا سنه غسل الجمعه.. نذهب للصلاة.. ونعود.. ليتعاون الجميع في ترتيب البيت ونأكل سويا.. يكاد يكون اسعد ايامنا هو يوم الجمعه .. هو يوم العائله نهتم فيه فعائلتنا وترابطها.. ننظف فيه بيتنا.
ودائما ما ارسل الاولاد وزوجتي الي جدهم وجدتهم.. وابعث معهم الهدايا.. وانتظرهم في السياره..
لحسن الحظ ان اولادنا مكتسبين ذكائنا وتقديرا للامور انا وفريده.. لذلك كانوا يقدروا اني دائما ما كنت اريد ان اتحاشى استفزاز عائله فريده.. واني كنت افضل البقاء بعيدا.. ولكني دائما ما كنت احثهم علي السؤال علي جدهم وجدتهم.. والجلوس معهم وحبهم مخصوص
ثم نذهب جميعا الي جدتهم.. والدتي الحبيبه.. التي احببت فريده كثيرا بعد الزواج.. رغم تدين امي كثيرا وغيرتها الملحوظه تجاه المسيحيين لما تربت عليه من معتقد.. الا انها كانت تحب فريده وترتاح اليها…ولكنها ما زالت من داخلها ليست مرتاحه لفكره اني متزوج من مسيحية..
معلش..
فريده حامل..
بعد الكشف علي الجنين.. بعد كثير من الشهور.. تبين اخيرا انها بنت.. كانت دائما فريده تقول لي نفسي في بنت
لم اكن اريد التدخل ابدا في مشيئه الله في تحديد نوع الجنين من قبل في حمل آدم وياسين.. ولكني كان قلبي يتقطع داخليا حينما كانت تقول لي هذه الجمله..
دعوت الله كثيرا قبل ان تحمل فريده ان ترزق ببنت.. وها قد استجاب الله بفضله
كبر اولادنا.. لم تكن امهم تشعر باي نوع من انواع المعاناة في بيتها.. بس كان الاولاد يأخذون بالهم مني انا وفريده كما لو كانوا هم مديري البيت منذ قدومهم.
كنت منهمكا في عملي..
وكانت فريده سعيدة جدا بابنتها.. وتشتاق لليوم الذي ستولدها فيه..
الي ان جاء ذلك اليوم…
الكل حاضرا خارج الغرفه…بما فيهم والد ووالدة فريده.. لاول مره يحضروا ولاده.
تمسك فريده بيدي بقوة.. تضغط عليها بألم شديد تعانيه
تتعرق بشده..
صراخات ألم شديد تدوي ارجاء المستشفى
علامات الدهشه تأتي علي الدكتور الذي يولدها..
مرت دقائق وفريده تصرخ وابنتنا لا تريد الخروج..
يتزايد صوت جهاز بجانب فريده في السرعه..
انتابني القلق..
فريده تنظر لعينايا وهي تتألم..
لم استطع تمالك نفسي فدمعت عيناي لا اراديا وانا ممسك يديها وازدادت سرعه انفاسي
صرخات اعلى من صرخاتها..
ذهب ممرض الي جهاز اشبه بالنداء الالي
حاله طوارئ هنا.. محتاجين مساعده
قال لي احدهم لو سمحت مضطرين نستأذنك تخرج
شل لساني عن النطق..
أأخرج واترك فريده حفاظا علي سلامتها.. ربما وجودي خطر عليها.. ام اظل متمسكا بها..
دائما ما كنت اخاف علي فريده اكثر من انانيتي بتعلقي بيها والتمسك بها.. خفت تمسكي بها قد يودي بحياتها.
خرجت وانا انظر لفريده.. كما لو كنت انا المريض ولا اقدر علي الحراك.. سحبوني الممرضين رويدا رويدا خارج الغرفه
خدروا فريده..
رأيت نزيفا وانا اخرج من داخل الغرفه..
مبروك..
فرح الجميع وهنئوا بعضهم البعض.. وانا لم انطق.. واستغرب الجميع عدم سعادتي..
كنت جالسا في قلق.. جاء الدكتور الذي كان يعالج فريده متأخرا..
قد تقاعد منذ سنوات.. ولكنه جاء ليطمأن علي فريده.. اخذته جانبا
واتجهنا الي فريده.. سأل الدكتور علي حالة فريده..
فنظر لي الدكتور وقال لي: المدام عايزه تشوف حضرتك..
دخلت الي فريده مسرعا .. وظل الدكتور الذي يولد فريده يتحدث مع الدكتور الذي كان يعالجها من ذي قبل
دخلت لارى فريده منهمكه نائمه علي السرير وابنتي بجانبها
جلست علي جانب سرير فريده.. قبلت يدها ثم رأسها
امسكت يدي ..
كان نفسي اشوفك..
انا جنبك يا فريده..
عايزه ورقه وقلم..
حاضر
خرجت سريعا لاحضر ورقه وقلم لدرجه اني اخذت قلما من ممرضه وانا لا ادري..
لاول مره في حياتي.. هطلب منك انك تسيبني مع نفسي شويه..
في ايه يا فريده..
عشان خاطري..
—…
انا اسفه..
حاضر..
خرجت لأسأل الدكتور عن نتيجه حديثه
نظر لي في قلق وقال لي..
خير ان شاء الله…خير
في ايه يا دكتور
خير يا ابني.. مفيش غير الخير
كم اكره تلك الاحاديث الغامضه..
دخلت الي فريده مره اخرى.. رئيتها تكتب اخر كلمتان في الورقه.. وطبقتها
واعطتها اياني..
خليها معاك.. لو بتحبني.. متفتحهاش.. الا لما يجي وقتها
وامتى وقتها
هتعرف لوحدك
انتي ناويه تسيبيني…
مين قال اني هسيبك…انا قاعده علي قلبك..
مخبيه عليا ايه يا فريده..
عايزه اشيل بنتي..
احضرت ابنتنا.. من السرير الخاص بجانب فريده.. لم اكن استطيع اخفاء قلقي علي ابنتي.. وددت لو شعرت بالسعاده وانا احملها
ناولتها اياها
فابتسمت فريده ابتسامه الاطفال…ودمعت عيناها وهي تحتضنها وتلاعب شفتاها
ثم نظرت لي
هتسميها ايه..
انتي الي هتسميها..
المره دي انت الي هتسميها يا هشام…
في ايه يا فريده..
امسكت يدي وقالت لي..
انت عارف.. بس مش قادر تصدق.. بس صدقني مش بإيدي..
دمعت عيناي وانا انظر اليها في دهشه وحيره.. لا اصدق بالفعل..
انا عارفه ان محدش هيقدر يسندك غير ربنا يا هشام…
لو مشيتي.. غصب عني هتلاقيني مشيت وراكي.. ومحدش هيربي بنتنا..
هتربيها انت.. وهتاخد بالك منها.. اطمن عليها…انا كان نفسي اطمن عليها وياك.. ولكن مش مشكله.. انا مطمنه وهي معاك زي ما اطمن علي نفسي وانا معاك.
فريده…
ديما افتكر.. والذين اذا اصابتهم مصيبه.. قالوا انا لله وانا اليه راجعون يا هشام..
احتضنتها وبكيت.
.ظللت ابكي..
الي ان فارقت فريده الحياة وانا ابكي محتضنها..
قرأ هشام الورقه التي كانت تكتبها فريده..
ثم ترك الجميع يبكون علي فريده في المستشفى فجرا.. واتجه مقابر عائلته
ليفتح القبر..
ويحفر حفره لحديه شرعيه داخل حوش القبر.. في وسط الظلام والرائحه.. يساعده معه حارس القبور
كان يحفره والدموع تروى التراب الذي يحفرها
اوصته فريده في تلك الورقه.. ان تدفن في المكان الذي سيدفن فيه هشام بالطريقه التي سيدفن بها هشام وان يتعامل معها كما لو كانت متوفيه مسلمه….دون مراسم صلاة مسيحية مراعاة لعقيده المدفونين هناك واهاليهم
لم يفكر هشام في الحكم الشرعي مع التعامل بهذه الامور.. ولكنه اصر علي تنفيذه وتحاشى الجميع ان ينقده او يتكلم معه.
دفن هشام فريده بيديه.. واخرج الجميع من حوش القبر.. وظل هو جالسا داخله لمدة نصف ساعه والجميع ينتظر خروج هشام من القبر حتى يغلقوه..
تأخر هشام كثيرا في حوش القبر.. لدرجه ان قلق عليه من حوله ونزلوا ليروه جالسا امام قبر فريده داخل حوش القبر.. الذي قد سبق وحفره..
لا ينطق.. لا يتكلم..
دموع تتساقط.. ولا يتكلم
سأله صديقه بعد ان نزل الي القبر.. انت كويس
فسمع صوت محاوله تلاحق انفاس هشام من دموعه.. ليطمأن انه لم يمت بعد
تجاوزت الساعه الا ربع وهشام ما زال جالسا في حوش القبر
تجاوزت الساعه الي ان مشي كثير من الناس الواقفون خارجا
فدخل كريم مباحث صديق هشام ويحيي زوج ريهام الي هشام ليسندوه ليخرج من القبر.. فخرج معهم مستسلما
بعد خمس اعوام.
فريده تجري وتلعب مع آدم وياسين.. اخوتها
يشاهدهم ابوهم في حنان.. ثم تجري فريده لتخبئ في حضن والدها.. فيقبل رأسها ويشعر بدفئ كبير حينما يحتضنها فيحتضنها لكثير من الوقت
ثم قال لها: يلا.. قولي للاخواتك البسو عشان نروح لستو وجدو
دخلت الي المنزل عائله فريده.. فاستقبلني والدها باحتضان كأبنه..
بعد ان انتقلت فريده الي رحمه الله.. بايام.. كنت قد ذهبت الي والديها.. لاقرا عليهم وصيه فريده
بابا وماما..
في لحظات حياتي الاخيره بطلب منكم انكم تسامحوني علي كل ألم سببتهولكوا..
مكانش بإيدي.. زي مانا مش بإيدي دلوقتي اسيبكم وامشي…
سامحوني..
محدش قرب ولا فهم هشام قدي.. هشام بيحبكم…ومش هيستحمل يبعد عنكوا بعد ما اسيبه انا وامشي
لو بتحبوني.. سامحوه واستقبلوه وسطيكوا
مرت اعوام اخرى.. لا ارى في حياتي تفاصيل دون فريده..
حتى ابنتى.. كان يعتصر قلبي من الالم.. وانا لا اخذها كل يوم في حضني وانا نائم.. كانت اكثر من يعوضني عن غياب امها.. ولكني لم اشأ ان تعتاد فريده ابنتي علي رجل…فيسقط من نظرها كل الرجال الاخرين ظنا انه ليس هناك رجل مثل والدها..
كبرت فريده.. ومر عشرون عاما منذ وفاة والدتها..
كنت دائما ما اقص علي فريده حبي لوالدتها.. وكان دائما ما يستمع ماهر ابن ريهام الي هذه القصه.. لطالما كنت مثله الاعلى منذ صغره
علمت ابنتي فريده..
ان الرجال في الحياة قليل.. هناك من يأخذون الصفه فقط..
ربما كان هناك الكثير من النساء التي حاولت ان تكون فريده ولكن لرجال لم يكونوا هشام
لم اظن اني سألقي احدا مثل فريده قط في حياتي
ولكني كنت انصح ابنتي دائما .. ان كان لك هشاما.. فكوني له فريده
كبرت ابنتي في تمام نضجها وعقلها.. تجاوزت الثلاثه والعشرون.. بعد ان تعلمت قصتي انا ووالدتها..
اوصيتها.. ان تنشر قصتي انا وفريده باي طريقه ما.. لتبقى علي مسامع العالم.. ليعلم الجميع انه
ان الكمال.. ليس في زوجين كاملين.. انما في زوجين رفضا التخلي عن بعضمها البعض.
وان الحب يحيى بقتال محبيه..
وان من يستسلم اليوم لا يستحق ان يعشق غدا.
اطمأنيت علي فريده.. كما وصتني امها ان اربيها واطمأن عليها..
كنت دائما ما ادعوا الله ان اموت مريضا حتى يهيئ الامر لاولادي..
فاشتد عليا المرض.. فعلمت انه الرحيل
جلست في سريري حول اولادي..
وطلبت كل من عائله فريده وريهام وزوجها وابنها ان يكونوا حولي في هذا اليوم..
اسلم عليهم كأني راحلا غدا..
كان يسخر الجميع كنوع من انواع تخفيف الالام علي
يا جدع ده انت لسه شباب.. بكره تقوم تلف التراك
يا واد بطل دلع
سلمت عليهم واحدا واحدا
ثم طلبت منهم العوده الي بيتهم.. وظل حولي اولادي..
ادم وياسين ظلوا بزوجاتهم في بيت العائله..
في لحظاتي الاخيره انظر الي اولادي.. ثابتين مقدرين قضاء الله وقدره.. في اعينهم الحزن ويخفوه
دائما ما اتذكر جمله والدتهم.. انا لله وانا اليه راجعون
تلك الام المسيحية.. التي علمت اولادي الثبات الديني بمعتقدهم
هي التي ربتهم ليقفوا بهذا الثبات.. دائما ما كنت فخور بها.
خدوا بالكوا من فريده..
كانت اخر جمله اقولها لهم.. وهم في اللحظات الاخيره يخرجون من غرفتي ليتركوني وحدي كما اوصيتهم.
اتجهت الي ربي وانا نائما في سريري
ربي..
انت ارحم من ان تعذب فريده.. وانت تعلم انها كانت تعبدك.. وفقا لمعتقدها وادراكها..
ان ادخلتني الجنه.. فالحقها بي..
وان ادخلتني النار.. فلا تجعلها معي.. فذلك الكائن لا يستحق منك ان تعذبه
وانت الغني عن عذابنا وعن عذاب اي من عبادك..
ربي انت القائل: يابن آدم انك ما دعوتني ورجوعتني .. غفرت لك علي ما كان منك ولا ابالي.. يابن ادم.. لو بلغت ذنوبك عنان السماء.. ثم استغفرتني غفرت لك..
يابن ادم انك لو اتيتني بقراب الارض خطايا.. ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا.. لاتيتك بقرابها مغفره
ها انا ادعوك يا ربي.. ان تغفر لي ولفريده.. ولكل عبدا عبدك وبحث عنك مخلصا
اعلم ان الجنه بها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت.. ولا خطر على قلب بشر.
ولكن فيها ما نتمنى..
رزقتني بها في الدنيا
فارزقني بها في الجنه..
دفن هشام في القبر الذي حفره بنفسه قبل ان يموت بجوار فريده.
تمت