قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس والعشرون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس والعشرون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس والعشرون

أنتَ بني آدم مُغفل وغبي يا صالح يا حبيبي، كل الناس واخدين بالهم من مشاعر ريتال ناحيتك إلا أنتَ، كل الناس عارفين إنها بتحبك ومن زمان إلا أنتَ، الناس كلها عارفين إنك حلم حياتها وطوق النجاة بالنسبة ليها إلا أنتَ، وفي الآخر بعد كل ده بتروح زي العبيط تقولها أصل أنتِ أختي الصغيرة وبس! بصقت نانسي كل ما كتمته داخل قلبها منذ مدة طويلة دون تفكير في عواقب ما فعلته تاركة صالح في صدمة شديدة كادت أن تجعله يفقد وعيه!

مالك أنتَ هتفطس ولا أيه؟

أنا مش فاهم حاجة، ريتال بتحبني؟ غادرت الكلمات فم صالح بصعوبة فلم يكن من السهل عليه أن يقترن اسم ريتال بكلمة حب، لن يكذب صالح على نفسه أكثر من ذلك لقد شعر في العديد من المرات أن ريتال تكن له مشاعر تفوق الحب الأخوي والعائلي لكن عقله كان يأبى الإقتناع بذلك في حين أن قلبه كان يصرخ مؤكدًا له حقيقة شعوره، ولأنه كان لا يستطيع تخيل علاقتهم في شكل أكثر تطورًا فلقد كان يضع كلمة أخٍ وأخت وعائلة في جميع حديثهم لعله يرسل إليها رسائل غير مباشرة.

يا ابني هو أنتَ أيه التناحة والسماجة اللي فيك دي؟ ردود فعلك بطيئة ولا كأنك طالع من فيلم أبيض وأسود!
أنا بس مش مصدق، كل تصرفات ريتال كانت حب أخوي مش أكتر،.

لا يا حبيبي أنتَ عارف إن اللي أنتَ بتقوله ده أي كلام، بطل تكدب نفسك يا صالح وتعمل فيها عبيط، عادي هي بتحبك وأنتَ شايفها أختك خليك مُدرك ده كويس لأن إنكاره ملوش لازمة ومخلي علاقتك بيها غريبة. وبخته نانسي بنبرة حادة وهي تحاول أن تجعله يستفيق من تلك الأوهام التي أغرق نفسه فيها عن عمد لتجنب العديد من المشاكل والإضطرابات التي قد تطوله هو قبل أن تطولها هي.
أنا، أنا مش،.

أنا مش عارفني أنا توهت مني أنا مش أنا، تمتمت نانسي ساخرة من صالح وقد أقتبست جملة من أحدى الأغنيات الشعبية القديمة ليطالعها صالح بحنق قبل أن يقول: هو أنتِ شايفة إن ده وقت هزار يعني بعد اللي أنتِ قولتيه؟

اه ينفع عادي، ليه محسسني إنها كارثة؟ وبعدين ما مرات عمك قالتلك كلام فيما معناه كده برضوا أيه اللي حصل يعني؟ ولا أي حاجة.
إن سالي دي تقول أي كلام وأي هرتلة كوم واللي أنتِ بتقوليه ده بالنسبة ليا كوم تاني.

بص يا صالح أنتَ كنت عارف من الأول كل حاجة بس اختارت إنك متشوفش الكلام ده وتعمل فيها من بنها فخلاص كمل على نفس الوضع وولا كأنك عرفت مني حاجة، أصل أنتَ كده كده كنت عارف وعادي روحت خطبت سارة وكملت في اللي أنتَ فيه فمش فارقة.

أصابت نانسي بحديثها قلب وعقل صالح، لقد صفعت في وجهه جميع الحقائق التي كان يتجاهلها هو عن عمد وأخذ يدعي الصدمة في كلتا المرتين، اضطربت معالم صالح كثيرًا وأخذ يُمسد على شعره بقليل من العنف وهو يزفر بضيق، لا يعلم ماذا عليه أن يقول وكيف يتصرف الآن، لكن لحسن الحظ أنه علم بكل شيء بعد رحيل ريتال عن هنا حيث أن المر كان ليكون غاية في الصعوبة لو كان كلاهما مازال يقطن في المنزل ذاته.

بقولك أيه، أنا هسيبك غرقان في أفكارك كده وهقوم بقى أشوف الرقاق باللبن اللي تيته عملاه. تمتمت نانسي قبل أن تغادر صالح وحيدًا ليحاول جاهدًا أن يُكمل ما كان يفعله في محاولة بائسة منه للتخلص من أفكاره حول ما سمع قبل قليل.
في مساء اليوم التالي جلست ريتال لتتناول طعام العشاء برفقة والدتها وفريدة بينما ذهب جدها للقاء أصدقائه في المقهى القريب من المنزل.

صحيح يا ماما هو أحنا هنلبس أيه في خطوبة صالح؟ سألت ريتال وهي تسحب بضعة أصابع من البطاطا المقلية وتتناولهم دفعة واحدة، ساد الصمت بينما رمق فريدة وزينة بعضهم البعض قبل أن تُعلق فريدة ساخرة: لا ما أنتِ لبستي يا حبيبتي خلاص. انفجرت كلتاهما ضحكًا بينما ضربتها ريتال بخفة في كتفها بواسطة يدها النظيفة.

أنا بتكلم بجد على فكرة هنلبس أيه؟
مش عارفة هشوف لسه، ممكن تاخدي فستان من عند فريدة لو معندكيش مشكلة وأنا ممكن أشوف فستان من عند مريم، أينعم هي أرفع مني بكتير بس يعني هنجرب. أجابت زينة بلا مبالاة فهي لم تكن من النوع المهوس بالثياب والمظهر بشكل عام فا بالنسبة إليها يكفي أن يكون شكلها مهندمًا، أتسعت أعين ريتال إعتراضًا قبل أن تُردف بنبرة درامية:.

لا يا ماما أنا عايزة ألبس حاجة جديدة عارفة جو الأفلام الأجنبي لما يقولك Revenge dress أو Revenge look وأول لما أدخل القاعة الضوء كله يجي ناحيني بقى وصالح وكل اللي في القاعة ينبهروا بجمالي وهو لما يشوف الناس منبهرة بيا يتأثر بقى إنه مخطبنيش.

يا حبيبتي أنتِ كنتي مطبقة على فيلم مراهقين في ثانوي قبل ما تصحي ولا أيه؟ سألتها زينة ساخرة لتقلب ريتال عيناها ويسود الصمت لثوانٍ قبل أن تتابع زينة قائلة الآتي وهي تقوم بقرص ذراع ريتال:
وبعدين هو أنتِ خيالك المريض صورلك إن حتى لو صالح كان أتقدملك كنت هوافق؟ في المشمش يا حبيبتي إن شاء الله.

وده ليه بقى يا ماما؟ سألت ريتال بحنق طفولي لتطالعها زينة بطرف عيناها دون أن تُجيب حيث أجابت فريدة بدلًا عنها قائلة:.

علشان مصيرك ميبقاش زي مصير طنط زينة كده ويحصلك زي ما حصلها، أنتِ مش شايفة يا عيني بقت عاملة ازاي. قالت فريدة بجدية لتتسع أعين زينة وهي ترمقها بصدمة قبل أن تسألها مستنكرة: أيه يحصلها زي ما حصلي دي يختي؟ هو أنا بعرج ولا كنت أسيرة؟ ما أنا قدامك زي الفل أهو أينعم يعني خارجة بتروما وشوية عقد نفسية وكام نوبة هلع كده وأهي ماشية.

هو ده بالضبط يا خالتو اللي أنا بتكلم عليه.
يا جماعة سيبكوا من الكلام ده كله وقولولي أنا هلبس أيه برضوا؟ سألت ريتال بنفاذ صبر لتزفر زينة بضيق قبل أن تقول:
استغفر الله العظيم يارب، أنا عارفة إن أنا مش هخلص من الزن بتاعك النهاردة، هشوف معايا فلوس كام وهنزل أنا وأنتِ وفريدة بكرة ولا بعده نشوف حاجة نشتريها.

تسلميلي يا أجمل ماما في الدنيا.

بالفعل بعد يومان ذهبت ريتال للتسوق برفقة والدتها وابنة خالتها وبعد عناء شديد وجدت ثوب مناسب، في ذلك الوقت حاولت نانسي أن تهاتفها عدة مرات لكن ريتال لم تُجيب عن مكالمتها لإنشغالها الشديد ولقد توقعت أن نانسي ستقوم بالتحدث حول أشياء عشوائية لا تهم، وبالطبع لم يكن ليخطر عن بالها قط أن نانسي قد فعلت كارثة كالتي فعلتها عن غير عمد أو لنقول بحسن نية، والآن ودت أن تعترف لها لكي تتخلص من الشعور بالذنب الذي أصابها.

في صباح اليوم التالي توجهت زينة إلى عملها في الروضة كالعادة وفي ذلك اليوم لم يأتي الطبيب فؤاد لكي يصطحب فريدة، تعجب زينة كثيرًا وأخذت تراقب الباب بحثًا عنه بفضول، سرعان ما نهرت نفسها على حماقتها تلك فما شأنها هي بحضوره أو غيابه؟ كان كل ذلك قبل أن يأتيها صوت مريم التي جاءت لإصطحاب فريدة.

زوزو ليكي وحشتيني أوي، ولا بتسألي عني ولا بتعبريني ولا كأن ليكي صاحبة.

أردفت مريم بحزن مصطنع ممازحة إياها لتقترب منها زينة وتعانقها قبل أن تقول الآتي بينما تبحث بعينيها عن فريدة:
لا يا شيخة؟ يعني مش أنتِ اللي مش بتردي على التليفون وبعدين تقفليه ومختفية؟ لا تصدقي مليش حق بصراحة.

كان عندي قضايا كتير أوي وكان في مشاكل مع زوجي العزيز علشان كان المفروض نازل اجازة وحصل لغبطة ومعرفش ينزل.

بمجرد أن شرحت مريم الوضع شعرت زينة بغصة في حلقها، لقد كانت تعاني من الوضع ذاته منذ بضعة أشهر ولقد كانت تذرف بدل الدموع دم على فراق زوجها السابق، غادرت تنهيدة طويلة شفتيها عن دون عمد وهي تدعو بداخلها ألا يكون مصير مريم كمصيرها وأن يكون زوجها مخلصًا لها.

سرحتي فين؟ بقولك أيه مش وقته الكلام هنا أنا جايه أخد فريدة وهنتغدى برا تعالى أتغدي معايا.

مش هينفع علشان ريتال وبابا لوحدهم في البيت ومعرفش بابا مجهز غداء ولا أنا اللي هطبخ.

ياستي أنا هبعتلهم غداء على البيت، بطلي رخامة بقى وتعالي أنتِ وحشاني أوي. ابتسمت زينة على أسلوب مريم الطفولي في الترجي وعلى الرغم من أن مريم كانت تفعل أشياء مماثلة في العادة إلا أنا زينة شعرت بأن هناك شيء ما بشأن ذلك الإصرار.

بالفعل رافقت زينة مريم إلى أحد المطاعم الفاخرة والتي أعتادت الأخيرة الجلوس فيها برفقة زوجها وشقيقها الأكبر، صُعقت زينة بشدة حينما قرأت ثمن الوجبات في هذا المطعم فلقد كانت مبالغة بشكلٍ كبير ولن تُبالغ إن قالت أن تناول الطعام هنا برفقة والدها وابنتها وابنة شقيقتها سيكلفها راتبها بالكامل.

مش شايفة إن المكان ده غالي شوية ولا أيه؟

مفيش حاجة تغلى عليكي يا زوزو يا قمر أنتِ وبعدين أنا اللي عازمة أساسًا متبصيش على أرقام وأطلبي اللي نفسك فيه.

بصي هو أنتِ بتدلعيني في العموم من ساعة ما عرفتك بس أنا دلوقتي مش مرتاحة للكلام ده.

هو في حاجة بصراحة بس ده لا يمنع يعني إنك صديقتي الصدوقة.

خير بقى إن شاء الله، اطربيني يا ستي.

هو أنتِ العدة بتاعتك خلصت مش كده؟ سألت مريم بقليل من التحفز لتعقد زينة حاجبيها بقوة قبل أن تقهقه ساخرةً وقد فهمت مريم مقصد صديقتها.

جايبالي عريس ولا أيه؟ ومشيها جيبالي عريس.

يمكن ليه لا؟ انتفضت زينة من مقعدها وكادت أن تنقد على مريم لولا أن لعبت الطاولة في المنتصف دور الفاصل والمنقز، عقدت زينة حاجبيها بإعتراض واضح قبل أن تصيح:
نعم ياختي؟ عريس ده أيه إن شاء الله؟ أما أنا يا مؤمنة بقولك عايزة أروح أتعالج من اللي حصل فيا وأروح لدكتور تقومي تقوليلي عريس؟

ما هو العريس دكتور، قصدي يعني العريس ده هو العلاج والعوض بقى والكلام الجميل ده. رفعت زينة أحدى حاجبيها وهي تحاول أن تضغط على مريم لكي تُخبرها بكل شيء دفعة واحدة فلا طاقة لها لتلك الألاعيب.

على بلاطة كده وقولي يا مريم مين العريس.

بصي من الآخر كده، لا خلاص هو لما يبقى يجي يقعد مع مستر رضوان تبقي تعرفي هو مين.

أنتِ بتستعبطي هو أنا مراهقة ولا أحنا في سنة كام علشان متقوليش مين العريس وأكتشفه يوم كتب الكتاب والجو ده.

أنا مقولتش كده أنا بقول هو أصلًا هيروح يقابل باباكي وقتها بقى أبقي أعرفي هو مين وشوفي هتوافقي ولا لا. زفرت زينة بغيظ شديد لتقهقه مريم على ردة فعلها، بالطبع لم تستسلم زينة وقامت بمحاولات عديدة لإقناعها بالبوح بكل شيء لكنها ثبتت على موقفها ولم تُخبرها.

جاء يوم الخطبة أخيرًا، كان الجميع متحمسون فيما عدا ريتال والتي كان التوتر والضيق يسيطران عليها، هي لا تكاد تصدق أنها سترى صالح الذي تمنته منذ أن فتحت عيناها على الدنيا سيجلس في الكوشة إلى جانب فتاة آخرى غيرها، لقد حلمت ريتال بالكثير وحققت سارة كل ما أرادته هي يومًا...

أخرجها من شرودها صوت فريدة التي تُخبرها بأن عليهم الإستعداد كي لا يتأخروا على موعد الخطبة فمازال أمامهم وقتٍ طويل وكان كل ذلك لأن زينة رفضت مكوثهم بالقاهرة قبل الخطبة مُدعية أنها منشغلة بالعمل لكن في الحقيقة السبب لم يكن يتعلق بالعمل بل بريتال أو بمعنى أدق حرصها على مشاعر ريتال فيكفيها أنها سترى صالح اليوم فلم يكن هناك داعي لأن تراه يوميًا لمدة أسبوع كامل.

ارتدت ريتال ثوبها الجديد، لقد كان أسود اللون من خامة الستان ولقد جمع بين الرُقي والحشمة في الآن ذاته فلقد كان الثوب فضفاضًا إلى حدٍ كبير وقد زاد من جماله الفيونكة التي قامت بتشكيلها بواسطة الحزام خاصة فستانها، ودت ريتال لو ترتدي وشاح رأس باللون ذاته لكن والدتها لم توافق لذا أرتدت وشاح رأس ذهبي اللون من قماشة التل.

أما بالنسبة لوجهها فلم تضع الكثير من مساحيق التجميل بل وضعت أحمر شفاه باللون الأحمر القاني والقليل من كحل العينين وقد استخدمت أحمر الشفاه ذاته كمورد لوجنتيها وكان كل ذلك بعد العديد من الشجار بينها وبين فريدة كون ريتال كانت ترفض وضع مساحيق التجميل حتى ولو بكمية قليله، في النهاية أضافت اللمسات الأخيرة من خلال الحُلي الرقيق والقليل من العطر والذي وضعته قبل مغادرتها للمنزل بوقتٍ كافي كي لا تكون رائحتها نفاذة.

جدو أنا جهزت. أردفت ريتال بحماس شديد وهي تغادر الحجرة كي ترى ردة فعل جدها حينما يراها على هذه الحال.

بسم الله ما شاء الله، الله أكبر عليكي يا حبيبتي شكلك زي القمر، تصدقي بالله يا بت يا ريتال إنك النهاردة هتبقى أحلى من العروسة وأحلى من كل البنات اللي هيبقوا في الخطوبة.

ربنا يخليك يا جدو ده عيونك هي اللي حلوة، بس أنا يعني هاجي فين من جمال العروسة ده النهاردة خطوبتها وأكيد هيبقى شكلها أحلى مليون مرة.

أوعي تكوني فاكرة الحلاوة بفستان منفوش ولا مكشوف ولا شوية الأحمر والأخضر اللي بيتحطوا دول لا يا حبيبتي لما الروح بتكون حلوة والقلب صافي الجمال بيطغى على الوش ويغطي على الكل وبعدين ده أنتِ زي القمر كفاية إنك مش مبهدلة وشك أينعم أنا مكنتش عايز فريدة تحطلك مكياچ بس هي أصرت علشان فرح النهاردة.

حبيبي يا جدو والله، وبعدين متقلقش أنا كده كده مش بحب المكياچ وعقبال ما نوصل هيكون أتمسح نصه أصلًا.

بينما كانت ريتال تتحدث غادرت والدتها الحجرة ولقد كانت ترتدي ثوب فضفاض باللون الأزرق الداكن، كان الثوب بسيط التصميم فيما عدا حزام توسط الثوب ولقد كان لامع ذو شكلٍ رقيق، وضعت القليل من مساحيق التجميل كذلك لكنها قامت برسم عيناها بواسطة كحل العيون ليجعل عيناها بارزة أكثر.

بسم الله ما شاء الله كده بقى عندي عروستين مش عروسة واحدة. ابتسم زينة وأقتربت من أبيها تُقبل يده بلطف قبل أن تقول:
لا خلاص بقى يا بابا أنا جربت حظي مرة ربنا يبارك في فريدة وريتال ويديك الصحة وتشوفهم عرايس وتجوزهم بنفسك إن شاء الله.

وأشوفك عروسة أنتِ كمان قبلهم هما الإتنين.

ربنا يسهل يا بابا، يلا يا ريتال لو جهزتِ أنزلي أسبقيني على تحت هتلاقي مريم مستنية في العربية هي رنت عليا دلوقتي.

ماشي حاضر، يلا باي يا جدو، باي يا فريدة.

ودعتهم ريتال وحملت حقيبتها وتوجهت نحو الأسفل لكن قبل أن تفعل قامت بإلتقاط بضع صور لكي تضعها على تطبيقات التواصل الإجتماعي لكي يرى أصدقائها هيئتها الجذابة فاللمرة الأولى تقريبًا كانت ريتال واثقة من مظهرها بشكلٍ عام سواء وجهها أو ثيابها كذلك، وقفت ريتال بالأسفل تبحث عن سيارة مريم لكنها لم تجدها بل وجدت سيارة فاخرة ضخمة تقف بالقرب من مدخل العمارة وبالطبع لم يخطر على بالها أن تلك هي السيارة التي ستقوم بإيصالهم إلى القاهرة لولا أن سمعت صوت مريم يناديها من داخل السيارة قبل أن تغادرها ليظهر ثوبها المكشوف نسبيًا.

تعالي يا ريتال، أنا عربيتي بتتصلح فا أخويا فؤاد أنتِ شوفتيه قبل كده أظن، جيه علشان يوصلنا.

أمم، طيب، وهي دي عربيته؟ أصل ما شاء الله يعني العربية شكلها غالي أوي.

اه عربيته وعنده واحدة كمان خدي بالك، دي مش بتطلع غير للغالين بس. تمتمت مريم ممازحة إياها قبل أن تظهر زينة من خلفهم.

صُعقت زينة حينما رأت السيارة والتي كان فؤاد يستند عليها من الخارج في انتظارها، توترت معالمها كثيرًا وشعرت بوجنتها تشتعل حمرة وفي ذلك الوقت تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها في باطنها، كادت أن تعود نحو مدخل المنزل مرة آخرى لولا أن جذبتها مريم في عناقٍ حار بينما تهمس في أذنها قائلة:
بَس بَس، تعالي هنا رايحة فين يا حلوة.

أنتِ بتستهبلي يا مريم؟ سألت زينة من بين أسنانها قبل أن تضرب مريم بخفة حيث كانت تقهقه ساخرةً من موضع صديقتها.

في تلك اللحظة غادر فؤاد السيارة لتراه بوضوح، كان يرتدي بذلة رسمية تامة السواد فيما عدا القميص الأبيض الذي كان بالكاد ظاهرًا، أعاد ترتيب خصلات شعره بطريقه جعلته يبدو أصغر سنًا بالإضافة إلى ذقنه التي قام بحلقها تمامًا لقد كان مظهره جذابًا بلا شك وذلك كان سببًا آخر لجعلها تشعر بالخجل والتوتر أكثر.

مساء الخير يا ميس زينة.

لا ميس زينة أيه بقى يا فؤاد؟ أحنا بقينا أهل، قولها يا زوزو حاف كده على طول. علقت مريم ممازحة ليرمقها كلًا من زينة وفؤاد بحدة قبل أن يحمحم ثم يقول:.

الألقاب محفوظة حتى ولو الود موجود لحد ما يجي الوقت المناسب لحذف الألقاب، أنا بقول إننا نتحرك علشان منتأخرش على ميعادنا. في كل مرة يتحدث فيها فؤاد تنبهر زينة من ذوقه ونُبله، ذلك الرجل جاء من عالمٍ آخر أو ربما من زمنٍ بعيد وكأنه كما يقولون آخر الرجال المُحترمين.

ابتسمت زينة ابتسامة صغيرة مؤيدة لحديثه قبل أن تدلف إلى داخل السيارة، جلست بالخلف إلى جانب ريتال بينما جلست مريم في المقعد الأمامي، لم تكن زينة مرتاحة كثيرًا لفعلة مريم تلك، أن تُصر على أن يقوم أخيها بإيصالهم إلى القاهرة وحفل الخطبة إصرارًا غير عادي وبالطبع حاولت زينة أن ترفض ذلك العرض عدة مرات لكنها لم تستطع إقناع مريم ذات الرأس الحجري وحينما يأست الأخيرة من إقناع زينة تحججت بأمر إصلاح السيارة، كانت تجلس داخل السيارة بعدم راحة وهي تحاول أن تُبقي نظرها على النافذة التي بجوارها وتتحاشى النظر إلى ذلك الذي كان يُطالعها من خلال المرآة من الحين إلى الآخر.

في ذلك الوقت لم يكن كل ذلك يشغل بال ريتال بل كان ما يشغل بالها هو لحظة اللقاء بينها وبين صالح، تلك اللحظة حينما تراه ممسكًا بيد سارة مُعلنًا عن حبه لها أمام الجميع وهو يُبرهن عليه بخاتم الخطبة ووعدٍ أكيد بالزواج منها في ظرف سنة أو اثنتين، تعلم أنها ستنهار بلا شك حينما تراه والآن هي تحاول أن تُسيطر على نفسها وعلى ضربات قلبها الأحمق الذي يتسارع من الآن قبل حتى أن تصل السيارة إلى بوابات القاهرة!

بالإنتقال إلى القاهرة كان صالح يستعد لذلك اليوم المميز، وقد كانت الخطبة بعد أربعة ساعات من الآن ولكن كان عليه الإستعداد باكرًا للذهاب لإلتقاط بعض الصور أو ما يُسمى حديثًا ب photosession أي جلسة التصوير، وقف صالح أمام المرآة يراقب إنعكاسه، لقد بدى وسيمًا للغاية في بذلته الرسمية وقصة الشعر الجديدة تلك.

كم تمنى لو تراه والدته على هذه الحال، تُرى ما كانت لتكون ردة فعلها؟ بل السؤال الأهم هل كان والده ليكون أكثر سعادة وودًا في تلك الحالة؟ لقد كان يعرف الإجابة لكنه حاول تكذيب نفسه وإقناع ذاته أن والده في قمة السعادة...

أخرجه من شروده صوت الباب وهو يُفتح بحماس شديد ليظهر من خلفه عطر والتي كانت ترتدي فستان باللون الوردي مُزركش بالفراشات اللامعة وقد سدلت خصلات شعرها الناعمة الزاهية على كتفيها وبعد عدة محاولات وبكاء استطاعت إقناع عمتها أن تضع لها القليل من أحمر الشفاه والذي كان بالكاد ظاهر على شفتيها الصغيرتين.

أيه القمر ده يا توتو؟

أيه القمر ده يا صالح؟ قهقه على لُطفها وهو يحملها بين يديه ويطبع قبلة على وجنتها لتحاول الإفلات من بين يديه بينما تقول:
نزلني يا صالح أنا مش بيبي علشان تشيلني كده. تمتمت ليرمقها صالح بقليل من الدهشة قبل أن يُردف:
لا يا شيخة؟ ده من أمتى الكلام ده؟

من دلوقتي. تمتمت عطر ليطبع صالح قبلة آخرى على وجنتها قبل أن يضعها على الأرض وبمجرد أن فعل هرولت نحو الخارج بحثًا عن والدها لتأخذ رأيه في ثوبها الجديد وقصة الشعر خاصتها.

أيه يا عريس خلاص جهزت ولا أيه؟

اه يا بابا، أيه رأيك؟

ما شاء الله راجل ملو هدومك، متنساش تعدي على جدتك قبل ما تروح لعروستك. أردف والده مع ابتسامة صغيرة، لم يكن أحمد جيدًا في إظهار المشاعر لكن صالح كان مُقدرًا لذلك وكان سعيدًا للغاية بتلك الكلمات القليلة.

أكيد طبعًا يا بابا من غير ما تقول، متتأخروش بقى لازم نكون هناك من بدري وأنتَ برضوا اجهز على مهلك كده.

ساعة كده وهنجهز أنا وجدتك، عطر لابسة من بدري علشان شبطانة في الفستان، عيلة بقى. تمتم والده بتملل شديد ليتنهد صالح قبل أن يقول:
أنا ممكن أخدها معايا من دلوقتي لو هي عايزة.

لا لا دي عيلة صغيرة وهتلخمك معاها، أحنا شوية وهنيجي يلا أنتَ علشان متتأخرش. أومئ صالح قبل أن يتجه نحو الأسفل حيث تقطن جدته، طرق الباب لتفتح جدته والتي بمجرد أن رأته دمعت عيناها على الفور قبل أن تسحبه في عناقٍ قوي.

بسم الله ما شاء الله عليك يا حبيبي، بقيت عريس زي القمر، كان نفسي أمك الله يرحمها ويغفر لها تشوفك النهاردة،.

ربنا يخليكي يا تيته يا حبيبتي، أنا كمان أكيد كان نفسي تكون جنبي النهاردة بس البركة فيكي وفي طنط زينة وعمتو.

وأبوك وعمك برضوا. أردفت وهي تدفعه في كتفه بخفة ليبتسم هو مجاملًا إياها قبل أن يقول:
أكيد طبعًا بس أنا بتكلم على الستات اللي ينفع يكونوا في مقام ماما يعني، المهم أنا هسبق على هناك أبوس إيدك يا تيته خلي بالك على عطر وأوعي بابا أو عمتوا أو أي حد يزعلها.

متقلقش يا حبيبي هي في عنيا، يلا أنتَ بس يا ابني علشان متتأخرش على عروستك. أومئ صالح وقبل يد جدته قبل أن يرحل عن عيناها.

كان تليد قد علم حديثًا بأن حفل خطبة صالح اليوم، أراد وبشدة أن يذهب إلى هناك ليستطيع رؤية ريتال عن بعد فهو واثق من حضورها بكل تأكيد وكذلك كان واثق من أنها ستكون غاية في الجمال والجاذبية فهي بلا شك تريد أن تجعله يندم، حتى وإن كانت مشاعرها نحوه قد انتهت فهذه خصلة في معظم الفتيات، إنها تريد إحراق قلب الشاب حتى وإن لم تعد تحبه لكنه في النهاية قرر عدم الذهاب على الرغم من أنه كان من السهل عليه الحصول على موقع المكان من تلك المغفلة التي تُسمى نانسي لكنه قد عاهد والدة ريتال أن يبتعد عنها بناءًا على رغبتها وألا يتحدث إليها دون علمها لذا قرر ألا ينكث عهده.

مالك قاعد ضارب بوظ كده ليه؟ أوعى تقولي علشان ريتال تاني.

لا هو أنا Lifeless بلا حياة ومعنديش محتوى غيرها أصلًا.

من غير ما تحلف باين عليك، على فكرة أنا عايز أقولك إن أنا مبسوط جدًا بكلامك مع مامتها وإنك اتفقت معاها إنك متتكلمش مع ريتال من غير علمها وصدقني هو ده الصح وأنا أصلًا كنت قايلك نفس الكلام من قبلها.

يا سيدي عارف إن ده الصح عارف! خلاص بقى صدعتوني بنفس الكلام! صاح تليد بغيظ شديد ليس من ياسين نفسه ولا من والدة ريتال بل من الموقف ككل فلم يعتد تليد أن يضع أحدهم أي قيود أمامه والأسوء بالنسبة إليه بأنه لن يستطيع كسر تلك القيود ليس لأنه لا يقدر بل لأنه لا يريد إحترامًا لكلمة منحها وكما أخبره والده من قبل أن الرجل كلمة.

أنا عارف إن الصح ساعات بيوجع وبيحسسك بضغط وخنقة بس كل ده بقى علشان أنتَ مقفل دماغك ودايمًا محسس نفسك إن طالما الحاجة دي صح وأصول تبقى أكيد وحشة وسخيفة.

كل مرة بتكلم معاك يا ياسين بنبهر، هو أنا ليه محدش رباني زيك كده؟ كان سؤال تليد في ظاهره سخرية وفي باطنه تساؤول حقيقي، فلو كان أعتاد على الإلتزام والإحترام منذ الصغر لما كان الأمر بهذه الصعوبة الآن.

لا يا حبيبي متقولش كده أنت متربي بس محتاج زقة بسيطة يعني في كام حاجة كده محتاجين نشتغل عليها سوا غير كده زي الفل.

وماله نجرب واللي الحج والحجة معملهوش تعمله أنتَ البركة فيك يا أونكل ياسين. كان تعليق تليد يبدو ساخرًا إلا أنه في الحقيقة كان يتحدث بكل جدية لكن لم يستطع نزع السخرية من حديثه.

بالإنتقال إلى المكان المُخصص للإحتفال، كانت مساحة القاعة كبيرة نسبيًا وقد زُينت بالعديد من الأنور الساطعة وبالطبع لم يخلو المكان من عبارة Just engaged الكبيرة التي كانت مُنارة، في تلك الأثناء كان معظم المدعوين قد حضروا فيما عدا ريتال ووالدتها فلم يكونوا قد حضروا بعد.

كان عبدالرحمن يقف إلى جانب زوجته ويُطالعها بمزيج من الغيظ والحنق فهي لم تستمع إليه ونفذت ما أرادت بإرتدائها ذلك الثوب الكاشف الفاضح بالنسبة إليه، لقد وبخها وأخذ كلاهما يصرخ في وجه الآخر وكاد أن يُقسم عليها أنها إن نفذت ما تريد فإنه سيُطلقها لكنها منعته من إتمام تهديده مُذكرة إياه أن أغلب ممتلكاته في حوزتها هي الآن وأنه إن فعل سيكون الخاسر الوحيد.

مالك يا عبدالرحمن قالب وشك ليه؟ ابتسم شوية ده أنت حتى عم العريس.

خليكي في حالك يا سالي وعدي يومك على خير لو سمحتِ.

أممم، ماشي، بس ياريت بقى تبقى تفرد وشك وتمثل إنك مبسوط لما السنيورة تيجي. ها قد وصلت سالي إلى مربط الفرس، لم يكن ضيقه يتعلق فقط بالشجار الذي حدث بينهم أو بسبب هيئتها المبتذلة بل لأنه يعرف أنه سيقابل زينة بلا شك وعلى الرغم من أنه كان يدعي القوة والقسوة في كل مرة يراها فيها إلا أنه شعر بشيء مختلف اليوم.

بطريقة درامية كان ينقصها صوت عزف موسيقى في الخلفية خطت زينة خطوتها الأولى نحو الداخل، كان جمالها أخاذ كالمعتاد، لقد كانت تجمع بين الأنوثة والرقة في الوقت ذاته دون أي إبتذال ودون أن تلجأ إلى كشف جسدها كما فعلت الحرباء التي تسمى سالي، في الواقع لم يكن دخول زينة المؤثرة يتعلق بمظهرها فقط لا بل بالهالة التي أحاطتها لوجود فؤاد إلى جانبها فلقد منحها شعور بالثقة والقوة أكثر من المعتاد ولم تعرف إن كان من المفترض أن يُسعدها أمرٍ كهذا أم يُضايقها.

مين فيهم بقى طليقها؟ سأل فؤاد هامسًا في أذن شقيقته لتبتسم بقليل من الخبث قبل أن تُشير له بعيناها نحو عبدالرحمن والذي وقف إلى جانب سالي يتأمل هيئة زينة.

كانت أنفاس عبدالرحمن قد حُبست حينما رأها، لقد أشتاق إليها كثيرًا وأكثر ما أشتاق إليه هو هدوئها والذي كان طاغيًا على جميع تفاصيلها حتى مساحيق التجميل التي وضعتها، ابتسم لها ابتسامة صغيرة لم تبادله إياها بل العكس أشاحت بنظرها بعيدًا عنه تمامًا ووجهت نظرها إلى فؤاد قبل أن تسأله سؤالاً عشوائيًا تمامًا لا تدرِ لم سألته.

هو أنت عملت حفلة خطوبة؟ كان السؤال مُباغتًا لكلاهما حتى أنها وضعت يدها على فمها بعد أن أدركت مدى حماقة ما فعلته، طالعها بتعجب لثوانٍ قبل أن يقهقه ثم يُجيبها قائلًا:
لا، وقتها كان حمايا الله يرحمه تعبان أوي فمكنش ينفع نعمل حفلة كبيرة وكده لبسنا الدبل يوم ما أشترينا الشبكة من عند الصايغ، وأنتِ؟

أنا، أنا عملت خطوبة صغيرة في البيت. أجابت بإختصار شديد وهي تُطالع مريم الذي أخذت تنظر إليها بنظرة تعني هو أنتِ بتقولي أيه؟

في تلك اللحظة كان عبدالرحمن يكاد ينفجر من فرط الغيظ، لقد ظن في البداية أن ذلك الرجل إلى جانب المحامية خاصة زينة وزينة نفسها هو زوج الأولي أي مريم وقد اطمئن قلبه لبرهة لكن سرعان ما أختفت تلك الطمأنينة حينما رأه يتحدث إلى زينة بل وينظر إليها بنظرة حالمة وهو يبتسم لها، أراد أن يذهب ليحطم فك ذلك الذي يقف إلى جانب زوجته أو مهلًا هو يقصد طليقته، ذلك الرجل الذي يقف إلى جانب تلك المرأة التي كانت حبيبته وزوجته في يومٍ ما.

كانت تلك الأحداث تدور دون أن تنتبه ريتال والتي بمجرد أن دلفت إلى داخل المكان لمحتها نانسي لتهرول نحوها وتمنحها عناقٍ قوي كادت أن تتحطم عظام ريتال بسببه وبعد أن تمكنت من فصل العناق جاءت عطر لتعانقها هي أيضًا.

أيه الشياكة والحلاوة دي يا بت يا ريتال؟ لا ثانية كده هو اللي أنا شايفاه صح؟ أنتِ حاطة ميك أب بجد ولا دي تهيؤات؟

خلاص خلصنا استظراف؟ شكرًا يا نانسي واه زي ما أنتِ شايفة حطيت حاجة بسيطة كده.

ريتال أيه رأيك في فستاني؟

تحفة يا توتو زي القمر كأنك أميرة من ديزني.

شكرًا، صالح كمان قالي كده لما شافني. أبتلعت ريتال الغصة التي في حلقها حينما نطقت عطر اسمه، ابتسمت ابتسامة مزيفة قبل أن تسألها:
هو فين صحيح؟ لسه مجاش؟

بابا كلمه وقال قدامهم عشر دقائق، أنا هروح بقى ألعب شوية. أردفت عطر قبل أن تختفي عن أعين ريتال وهي تركض بمرح شديد.

طبعًا يا ريتال هنلاقي صورة ليكي بكرة عالفيس بوك وأنتِ عينك مدمعة وأنتِ بتتفرجي على صالح وسارة وهما بيرقصوا ومكتوب عليها Caption أنا اللي حلمت وهي اللي حققت. صدر هذا التعليق الساخر من نانسي وهي تضحك لتطالعها ريتال بازدراء شديد قبل أن تقول:.

أنتِ مطبقة على جروب الشقاوة فينا بس ربنا هدينا ولا مالك في أيه؟ ناقص تقولي ننزل بوست تعارف بإحترام البنت تكتب بح والولاد يكتبوا بك ويتعرفوا بكل أدب براي?ت. عقبت ريتال مستهزأة من قول نانسي لتقهقه الأخيرة قبل أن تسألها بجدية:
هو في حد كان بيعمل كده بجد؟

الجروبات الروشة بتاعت 2009 وقبل ما تسأليني عرفت منين ماما وريتني الحاجات الروشة دي.

عسل طنط زينة، بقولك أيه مش هتروحي تسلمي على تيته وماما؟ سألت نانسي لتبتسم ريتال قبل أن تومئ لها بحسنًا.

رحبت والدة نانسي بريتال بطريقة مبالغ فيها شعرت ريتال أنها مبتذلة ولم تُصدقها كثيرًا، هي تعلم أن عمتها لا تكرهها تقريبًا لكنها لا تُحبها كل هذا الحب كذلك لكن من ناحية آخرى يمكن القول بأن علاقتها بإبنة أخيها قد تحسنت حينما تقربت من نانسي في الآونة الأخيرة، أما عند جدتها فهرولت ريتال نحوها لتعانقها قبل أن تنحني وتُقبل يدها ولقد كانت هذه من المرات النادرة التي تفعل فيها ريتال شيء كهذا عن طيب خاطر فلقد كانت مُجبرة على الدوام على تقبيل يد العجوز لكن اليوم هي أرادت أن تفعل ذلك تعبيرًا عن الحب والتقدير.

حبيبة قلب تيته، وحشتيني أوي، مالك وشك خاسس ليه كده؟ أنتِ تعبانة؟

خاسة أيه بس يا ماما دي الدموية ردت في وشها أهي ما شاء الله وملت كده. عقبت غادة وهي تضحك لتبتسم لها ريتال بمجاملة قبل أن تؤكد على حديثها لتطمئن قلب العجوز مردفة:
عمتو عندها حق يا تيته، أنا فعلًا وزني زاد شوية وبقيت باكل أحسن من الأول الحمدلله متقلقيش عليا ماما وجدو واخدين بالهم كويس عليا.

ريحتي قلبي يا حبيبتي، صحيح جدك صحته بقت عاملة أيه؟ مجاش معاكوا ليه النهاردة؟

الحمدلله كويس، هو مش بيحب السفر وكمان يا تيته حضرتك عارفة الوضع بينه وبين العائلة مش أحسن حاجة.

ربنا يصلح الحال يا بنتي، قوليلي صحيح سلمتِ على باباكي ولا لسه؟ شعرت ريتال بغصة في حلقها حينما سمعت سؤال جدتها، لقد لمحت والدها منذ قليل بالفعل لكنها أدعت أنها لم تراه وعلى الرغم من أنها كانت تعرف أن عليها إلقاء التحية عليه إلا أنها كانت تود تأخير تلك الخطوة قدر الإمكان.

لقد كانت ريتال تخشى المواجهة كثيرًا، فهي لم تراه تقريبًا منذ يوم رحيلها من المنزل وآخر ذكرى قد خلفها هي تعنيفها بقسوة إنتقامًا من والدتها، أخرجها من تفكيرها صوت عمتها وهي تحمحم بصوتٍ عالي لتُلفت انتباهها.

لسه، لسه يا تيته هروح أسلم عليه دلوقتي. تمتمت ريتال وقبل أن تتحرك خطوة واحدة وجدت والدها وزوجته وابنه الصغير ثلاثتهم يشيرون نحوها لتُجبر نفسها على رسم ابتسامة صغيرة على ثغرها.

ازيك يا بابا.

الحمدلله كويس، أيه مش هتحضنيني؟ هتقوليلي ازيك من بعيد؟

كان سؤاله يدل على مدى سذاجته، فلقد أجبرت نفسها على إلقاء التحية فهل حقًا كان يتوقع منها أن تعانقه؟ حاولت إيجاد مخرج لهذا الموقف السخيف لذا أجابته مع ابتسامة صفراء قائلة:
معلش أصل أنا عندي برد مش عايزة أعديك.

طب مش هتقولي لسالي ويوسف ازيكوا؟ مرة آخرى حاول أن يضغط عليها، أشاحت بنظرها بعيدًا عنه وعن زوجته ووجهت نظرها نحو الأسفل تحديدًا في مستوي شقيقها الأصغر لتُلقي عليه التحية بلطف دون أن تُلقي بالًا بوالدته ولحسن الحظ أن صالح جاء أخيرًا ليصدح صوت ما يُطلق عليه الزفة في المكان لتتذخذها ريتال حجة للهرب.

توجهت نحو الخارج برفقة نانسي، لفح الهواء وجهها بطريقة مُبتذلة، كان باسم الثغر يُطالع سارة بأعين حالمة لتتشبث هي بذارعه أكثر، كان ثوبها باللون الأزرق الزاهي مكشوف الصدر نسبيًا لتندهش ريتال كثيرًا فلقد كان صالح غيورًا في المعتاد فما باله يترك سارة ترتدي ثوبٍ كهذا؟ لم يشغلها الأمر كثيرًا فلقد كان هناك أشياء آخرى لتشغل بالها مثل كونه مُقدمًا على الزواج من فتاة غيرها، يُحبها وتحبه...

شعرت بعيناها تدمع رغمًا عنها وفي تلك اللحظة تقابلت عيناها مع خاصة صالح، شعرت بقلبها ينتفض يكاد يغادر ضلوعها، كفكفت دموعها على الفور وهي تلوح له ليشير لها بيده الحرة وهو يبتسم قبل أن يُمسك بيد سارة ووالده ليبدأ الجميع في الرقص أما عن عمته ووالدة العروس فقاموا بإطلاق الزغاريد بينما كانت ريتال تُصفق بأيدي ترتجف ومن داخلها ودت لو تركض بعيدًا عن هذا المكان...

بالفعل ابتعدت بضع خطوات عنهم بحيث تراهم من مسافة كافية وفي الوقت ذاته كي تُريح أذنها من الضجيج، أقتربت منها نانسي لتقف إلى جانبها بينما تُعلق بسخرية مُردفة:
مش قولتلك صورتك هتنزل عالفيس بوك وعليها أغنية أعذريني يوم زفافك.

اسكتي يا نانسي لو سمحتِ مش ناقصة بجد.

بقولك أيه، راح قرد يجي غزال، ده تليد اللي أنتِ كرفاله ده لو عليه يجي يتقدملك من بكرة. تمتمت نانسي بجدية تامة وهي تدفع ريتال في كتفها بخفة لتتنهد ريتال قبل أن تقول:
بس صالح مش قرد يا نانسي وأنتِ عارفة كده.

بصراحة هما جوز غزلان بس صالح ده عيل إتم بجد وبعدين خلاص أهي سارة خطفته ركزي بقى في اللي متاح.

مش معنى يا نانسي إن مواضيع الإرتباط دي هي أكتر حاجة شاغلة دماغك إن يكون نفس الكلام معايا، أنا في حاجات كتير أهم عندي. كان حديث ريتال صادقًا، أجل هي تكن مشاعر الإعجاب نحو صالح وربما أكثر من الإعجاب قليلًا لكن ذلك لا يعني أن هذا فقط ما يشغل بالها.

خلاص يا ست الدكتورة عرفنا، بقولك أيه هو مين الراجل القمر اللي مع طنط زينة ومريم ده؟

يالهوي عليا! هو أنتِ مش عاتقة كبار ولا صغيرين في أيه يا بنتي؟ صاحت ريتال في وجه نانسي لتنتفض الأخيرة قبل أن تقول:
أنا بسأل علشان طنط زينة مش علشاني كفاية ظلم بقى.

ده أخو مريم وملوش أي علاقة بماما وأهدي شوية بقى ها؟ أهدي. أردف ريتال وهي تضرب نانسي في كتفها لكن بقوة هذه المرة.

في تلك الأثناء كان فؤاد يقف إلى جانب شقيقته وهو يتأمل عائلة زوج زينة السابق بإستنكار شديد فهو لا يكاد يُصدق أن شخصًا عاقل قد يُفرط في امرأة مثل زينة! لقد انبهر بها كثيرًا من مجرد معرفة سطحية فترى إلى أي مدى سيصل به الإنبهار حينما يتقرب منها أكثر؟ كيف سمحوا لأنفسهم ولذلك الحقير زوجها السابق في إيذاءها وعدم إظهار القدر الكافي من الإحترام والمودة لها.

مالك يا فؤاد أنتَ هترجع ولا أيه؟ باصص للناس بقرف كده ليه؟

مش قادر أقتنع بصراحة إن بني آدم زي ده كان جوز زينة، مش كده وبس لا أنتِ بتقولي إنه اتجوز عليها وطلع عينها علشان يرضى يطلقها.

رجالة مش بتفهم بعيد عنك، وعلى فكرة التس تس اللي واقفة جنبه دي مراته وكانت متفقة مع واحد نصاب كده علشان يعملوا حوار وزينة تاخد رقم قليل أوي في النفقة.

يعني مش بس واطي لا ونصاب كمان، اختيار رائع بصراحة، بقولك أيه أنا هستنى برا في العربية علشان دماغي صدعت من الأغاني. أردف فؤاد لتومئ مريم ويتجه هو نحو الخارج.

كانت ريتال تقف بعيدًا عن الجميع تراقب ما يحدث من بعيد وكأنها مشاهدة لا أكثر، فهي لم تُحبذ كثيرًا الإندماج في ذلك الجو العائلي المُزيف فوالدها الذي يراقص صالح كان قد تعرض للضرب منه منذ شهرين تقريبًا، ووالد صالح الذي يعانقه ويبتسم الآن لطالما كان يعنفه لسنواتٍ طويلة، وعمتها التي تُصفق بينهما تهمس بشيء ما في أذن سالي كانت تسبها طيلة الوقت لم يكن هناك شخصًا صادق فيهم سوى عطر.

تلك الصغيرة النقية التي كانت تركض هنا وهناك بسعادة شديدة فرحة بثوبها الجديد كان ذلك قبل أن تصطدم بسارة والتي كانت ترتشف من كوب المياه لتتساقط بعض القطرات على ثوبها لتنهر عطر بقوة وقد استغلت إنشغال صالح مع العائلة وعدم انتباه الجميع مُردفة:.

أنتِ حمارة يا بنتي؟ بصي الفستان أتبهدل ازاي؟ أعمل فيكي أيه أنا دلوقتي؟ وبعدين أنا مش قولت إمبارح متفضليش لازقة فيا أنا وصالح؟ هو أيه مفيش سمعان كلام؟ أقتربت منهم ريتال على الفور قبل أن تعانق عطر التي أخذت تبكي بإنهيار شديد بينما تصرخ في وجه سارة بحنق قائلة:
أنتِ في حاجة في دماغك ولا أيه؟ أنتِ ازاي تتكلمي معاها كده؟

هو أنتِ بتزعقيلي أنا؟ بقى أنتِ يا عيلة ياللي مش مفهوملك ملامح بتزعقي فيا أنا علشان حتة طفلة لا راحت ولا جت؟ سألت بإستنكار وغيظ شديد وهي تُشير بإصبعها نحو ريتال بإحتقار ظنًا منها أن الأخيرة ستبكي أو تشعر بالحرج لكن على العكس تمامًا فقد ابتسمت ريتال ابتسامة صغيرة سمجة قبل أن تُردف الآتي بثقة شديدة:.

لا بصي بقى يا آنسة سارة أنا هقولك كلمتين كده تحطيمهم حلقة في ودنك علشان شكلك كده أيه مش فاهمة أو مش واخدة بالك، الدنيا دي كلها عند صالح كوم وعطر كوم تاني خالص وصدقيني لو عرف إن في حد فكر مجرد فكر بس إنه يزعلها هيبقى رد فعله مش لطيف خالص.

هو أنتِ كده بتهدديني ولا أيه مش فاهمة؟

بهددك؟ أيه الأو?ر ده؟ أنا بس بفهمك الدنيا بس يا عروسة، صالح ده أنا أعرفه أكتر منك وصدقيني قلبته مش هتعجبك خالص، صحيح، ألف مبروك يا قمر وربنا يتمم بخير. كانت نبرة ريتال قوية، واثقة جعلت سارة تشعر بالهجوم حتى أنها توترت من أن تُخبر ريتال صالح بما حدث لأنها على ثقة تامة أنه سيصدق أي شيء ستقوله شقيقته الصغيرة، أمسكت ريتال بيد عطر وكانت على وشك الرحيل لولا أن أوقفها صوت سارة وهي تسألها:.

هو أنتِ هتحكي لصالح على اللي حصل؟

خليها الرد على السؤال ده مفاجأة. أجابت ريتال وهي تغمز بإحدي عينيها قبل أن تسير هي وعطر مبتعدة عنها لتُطلق سارة سبة صغيرة قبل أن تعاود الذهاب إلى ساحة الرقص لتُكمل الإحتفال وكأن شيء لم يكن.

ذهبت ريتال لتجلس إلى جانب والدتها والتي كانت تعبث في هاتفها بملل بينما كانت تشعر بأعين زوجها السابق تراقبها، لاحظت مريم ذلك فبدلًا من أن تشيح بنظرها بعيدًا عنه أخذت تنظر إلى عين عبدالرحمن بتحدٍ شديد لتضطرب معالمه على الفور وينظر في الإتجاه الآخر.

هو فؤاد راح فين؟ سألت زينة بفضول وهي تتجول بعيناها في المكان لتتسع ابتسامة مريم قبل أن تُجيبها وهي تغمز بإحدى عينيها:
بتسألي ليه؟ ها؟ ها؟ مهتمة بقى وكده؟

هو مش جاي معانا يا بنتِ ولا أنتِ بجد معتبراه السواق ولا أيه؟ ده أخوكي على فكرة.

قاعد برا في العربية علشان دماغه صدعت. أجابت مريم لتُعقب ريتال على حديثها قائلة:
أنا كمان دماغي صدعت أوي يا ماما هروح أقف برا شوية أشم هواء.

طيب بس متبعديش. أومئت ريتال واستقامت من مقعدها متجهة نحو الخارج.

كانت القاعة داخل أحدى النوادي الرياضية والتي تطل على نهر النيل، وقفت ريتال بالقرب من السور المعدني تتأمل المنظر المُبهج، المياه حالكة السواد اللامعة بفعل إنعاكس ضوء القمر ونسمات الهواء الباردة التي أصابتها بالقشعريرة لتقوم بتحريك يدها على ذراعها تلقائيًا.

واقفة هنا بتعملي أيه لوحدك؟ سأل صالح بغتة لتشهق بصدمة وقد انتفض جسدها فهي لم تنتبه لوجوده ولم تسمع صوت خطواته، ألتفتت نحوه ببطء، طالعته لترى ضوء القمر مُنعكسًا داخل عيناه أو ربما كان إنعكاسها هي، لم تكن متيقنة لكنها تمنت في تلك اللحظة ودت لو تختفي من الوجود، لو تهرب بعيدًا عن عيناه الشاخصة ونظرته الغير معهودة وابتسامته التي جعلتها تذوب رغمًا عنها.

أنا لازم أمشي، الوقت اتأخر. تحججت بحجة سخيفة فلم يكن هناك مشكلة في مسألة الوقت فهي لم تكن وحدها وحتى في أسوء الأحوال كان يمكنهم المبيت في أي فندق قريب حتى شروق الشمس.

على فكرة يا ريتال أنتِ بتجري بفردتين الجزمة بس سندريلا نسيت واحدة فيهم وهي بتجري.

توقف لبرهة بعد أن سارت بضعة خطوات مبتعدة عنه، ألتفت لتقابل وجهه وتنظر إلى عيناه فتشعر بأن قلبها على وشك مغادرة موضعه وقبل أن تنغمس داخل ذلك الشعور أكثر من ذلك بدأ عقلها يُنبهها أن ما يحدث الآن خاطئ، خاطئ تمامًا وأن عليها السير إلى الأمام دون النظر خلفها مهما قال أو مهما حدث.

هتفضلي لحد أمتى بتهربي يا ريتال؟ مش يمكن لو كنتِ شجاعة كفاية إنك تواجهي كانت الأمور تختلف؟ مش كان يمكن كل حاجة كانت تحصل زي ما أنتِ بتتمني؟

توقفت ريتال عند سؤاله الأخير، تُرى كيف كانت الأمور ستسير لو حدث ما تمنت هي؟ ثم ما سر تلك الأسئلة الغريبة؟ تلك الأسئلة المُبهمة لا تعني سوى شيء واحد، صالح يعرف حقيقة مشاعرها تجاهه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة