رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الحادي عشر
قدامك أسبوع تكون رجعت فيه مصر وحكيت لماما وللكل على اللي أنتَ عملته لو عدى يوم زيادة هحكي أنا لماما بنفسي على كل حاجة.
بصقت ريتال جملتها القاسية بنبرة جامدة، خاوية من المشاعر نبرة لم يعرفها والدها حتى أنه ظن لوهلة أنه اخطأ وأن المتحدثو ليست ابنته لكنه سرعان ما أدرك أن تلك هي ابنته، ابنته التي أهملها وتجنب لقاءها حتى باتت غريبة عنه لا يعلم صوتها، نبرتها، حديثها...
ريتال، نطق والدها اسمها بضعف لكنها لم تسمح له بالتحدث أكثر من ذلك حيث أنهت المكالمة سريعًا دون أن تسمع تبريره دون أن تتيح له الوقت الكافي للإستفسار عن أي شيء.
في تلك اللحظة كانت تشعر وكأنها قد أحرقت آخر ما تبقى لها من أمل في هذه الدنيا، فلقد كانت دائمًا ما تقوم بإلقاء الصبر داخل قلبها وعقلها قائلة بأن والدها سيعود ليغدقها بالحنان والأمان الذي افتقدته...
سيعود والدها، سيعود وهو مُحمل بالهدايا والثياب والكثير من الحب والإعتناء، سيعود والدها وسيرحلوا عن هذا البيت البارد الموحش الكئيب، سيعود والدها وسينتهي حزنها ومعاناتها للأبد...
لكن الآن، سيعود والدها وهو يحمل بين يديه تلك الشعلة، الشعلة التي ستحرق ذلك البيت الهش ليحوله إلى رماد وبقايا أسرة كانت في يوم سعيدة...
بعد مرور خمسة عشر دقيقة تقريبًا من انتهاء مكالمة والد ريتال أقتحمت والدتها حجرتها لتنتفض ريتال من موضعها في رعب وقبل أن تسأل والدتها عن سر الدخول المفاجئ سبقتها والدتها وهي تُردف بحماس: ريتال، ريتال، ريتال،.
أيه يا ماما؟ في أيه يا خضتيني؟
عبدالرحمن، باباكي هيرجع من السفر! قالي إنه كان عايز يخليها مفاجأة بس في الآخر قرر يعرفني علشان نضبط البيت ونعرفهم وكده ونروح نستقبله في المطار.
كانت والدتها تتحدث بحماس طفلة قد حصلت على حلواها المُفضلة بعد وقت طويل، كانت عيناها تلمع والسعادة تشع من كامل كيانها وعلى الرغم من شعور ريتال بالفرح لرؤية حال والدتها إلا أنها شعرت بوخزة في قلبها حينما أدركت أن تلك السعادة والفراشات الملونة المتتطايرة حول والدتها سرعان ما ستتحول إلى ديدان تنهش في بدن السعادة الميت...
مالك مش مبسوطة ولا أيه؟ أكيد مصدومة من كتر الفرحة صح؟
اه، طبعًا.
بصي أنا بفكر أغير لون شعري أو لا استني بفكر أعمل فيه خصل تبقى فاتحة شوية، تحدثت والدتها بحماس شديد وأخذت تسترسل في حديثها عن الخطط والأشياء التي تنوي تنفيذها خلال هذا الأسبوع لحين عودة زوجها من الخارج.
كانت تستمع إلى والدتها بذهن شارد بينما تحاول قدر الإمكان أن ترسم ابتسامة مزيفة على ثغرها مع الحرص على الإيماء من وقتٍ لآخر.
شوفتي غلاوتك عند باباكي كبيرة ازاي؟ بعد ما عرف موضوع تعبك سرع موضوع الأجازة المفاجأة دي، يلا يا ستي محدش قدك.
غلاوتي؟ همست ريتال مستنكرة وهي تشعر بتلك الطبقة الشفافة تتجمع في عيناها لكنها قامت بمسح عيناها سريعًا لكي لا تلاحظ والدتها.
أنا بجد مش متخيلة إنه أخيرًا هيرجع بعد الغياب الطويل ده، تصدقي من الظاهر كده إن أبوكي ده مبيجيش إلا بالعين الحمراء كان لازم أتخانق معاه يعني وأقوله هسيب البيت وهمشي علشان يعرف ياخد أجازة؟
أردفت زينة بسخرية ولقد كانت جملتها كما لو كانت موجهة لنفسها وليست للجالسة أمامها، رمقت ريتال والدتها بنظرة لا تخلو من الشفقة والحزن فما قالته والدتها وسط جملتها الأخيرة الساخرة هو في الأغلب ما سيحدث بالفعل فمؤكد أنها سترحل عن هذا البيت بل ستطلب الإنفصال أيضًا عن زوجها بمجرد أن تعرف حقيقته...
مرت ساعة آخرى من الهدوء حيث كانت ريتال تقوم بمذاكرة مادة الكيمياء وبدون مقدمات أقتحمت زينة الحجرة مجددًا ولكن بطريقة أكثر هدوءًا من المرة السابقة وهي تُردف:
ريتال بقولك أيه، معلش هعطلك عن المذاكرة ثواني عايزاكي في حاجة.
تعالي يا مامتي اتفضلي أنا لسه مبدأتش. تمتمت ريتال وهي ترسم ابتسامة صغيرة على ثغرها منتظرة سماع ما تود والدتها قوله.
طيب بصي أنا بصراحة كنت بفكر انزل الكوافير بس في نفس الوقت قلقانة إني أسيبك هنا لوحدك بعد اللي حصل.
طب بصي علشان متقلقيش أنا هنزل اذاكر تحت في الشقة عند تيته لحد لما تيجي ماشي؟
يعني مش هتضايقي أو كده؟
لا عادي أكيد، وبعدين أصلًا تيته وحشتني بقالي يومين مشوفتهاش وهي رجلها تعباها مش هقدر تطلع عندنا هنا.
طيب يا حبيبتي ربنا يبارك فيكي بجد، هروح أغير هدومي ووأنا نازلة انزلي معايا عند جدتك تحت.
ماشي يا حبيبتي. قالت ريتال وهي تشعر بألم في قلبها فهي تُخفي أمر شنيع عن والدتها وعلى الجانب الآخر فإن والدتها غاية في الحماس والسعادة لرجوع زوجها من الخارج أخيرًا...
بالفعل نفذت ريتال اتفاقها مع والدتها وجلست برفقة جدتها لتُكمل المذاكرة وفي أثناء ذلك ظهر صالح من اللامكان لتُعدل ريتال من وشاح رأسها سريعًا.
عاملة أيه دلوقتي؟ سألها صالح وهو يجلس على الأريكة المقابلة لها وهو يحمل طبق بداخله شطيرة مجهولة الهوية قبل أن يأخذ منها قضمة كبيرة.
الحمدلله بقيت أحسن شوية ولا يا صالح مفيش مرواح لدكاترة.
ليه لا؟ خايفة يعني ولا أيه سبب الرفض؟
مبحبش الدكاترة وبعدين أنا بقيت كويسة.
مش قولتي كده امبارح برضوا وفي الآخر تعبتي النهاردة في المدرسة؟
دي حاجة ودي حاجة تانية،.
جميل جدًا الكلام ده، قوليلي بقى أيه اللي حصل في المدرسة خلاكي تتعبي وتنهاري بالشكل ده؟
أنهار؟ أنا مكنتش منهارة ولا حاجة، هو بس، يعني، أنا لما بطني وجعتني وكده أتوترت شوية وعيطت. كان تلعثم ريتال وعدم قدرتها على تكوين جملة مفيدة مؤشر سيء بالنسبة لصالح فلقد تأكد أنها لا تقول الصدق.
مش عارف ليه يا ريتال أنتِ مش صريحة معايا؟ هل عمرك في مرة حكيتيلي حاجة وروحت حكيتها لحد تاني؟ عمرك طلبتي مني مساعدة ورفضت؟
صالح أنتَ مش عارف حاجة! وأنا معنديش طاقة أشرح أو أتكلم ولو سمحت أطلع بقى من إطار أصل أنا زي أخوكي وشاركيني وهساعدك، صالح أنتَ مش أخويا!
كانت نبرة ريتال حادة بالإضافة إلى كون كلماتها لاذعة لدرجة كبيرة ولكنها لم تهتم، فلقد بصقت تلك العبارة التي لطالما كانت تريد أن تقولها لصالح فهو ليس شقيقها وعليه أن يتوقف عن قول تلك الجملة أو التصرف على هذا الأساس.
خلاص يا ريتال حقك عليا، أنا أسف علشان كنت بحاول أساعدك. أردف صالح بحنق وهو يستقيم من مقعده تاركًا إياها بمفردها، خالجها الشعور بالذنب لبرهة قبل أن تنفض تلك المشاعر بعيدًا فهي لا تملك ذرة من الطاقة...
بمجرد أن رحل صالح عن ناظريها عدلت من جلستها لتضم ركبتيها إلى صدرها وتُخفي وجهها بين ذراعيها
ساد الصمت لبعض الوقت فيما عدا الأصوات داخل عقل ريتال بالطبع.
أيه يا ريتال اتخانقتي أنتِ وصالح تاني ولا أيه؟ مش معقول كده، كده هيتطفش منك. صدرت تلك الجملة بصوت تبغضه ريتال بشدة، نانسي تلك الحية التي قامت بالتنمر عليها اليوم بمساعدة چودي في المدرسة والتي جعلتها تصل إلى تلك الحالة المثيرة للشفقة.
أنتِ يا ماما، لما أكلمك تبصيلي! صاحت نانسي وهي تجذب ريتال من ذراعها بقوة حتى كادت أن تسقط من على الأريكة.
ابعدي عني عايزة مني أيه؟ صرخت ريتال في المقابل وهي تبعد ذراعها عن يد نانسي ثم تحاول أن تغادر المكان لكن نانسي تدفعها بقوة لتُجبرها على الجلوس مرة أخرى قبل أن تُردف:
بقولك أيه اقعدي بقى وأسمعيني كويس، إبعدي عن تليد يا ريتال كفاية أنا سيبتلك صالح بمزاجي مع العلم إنك غبية وضيعتيه من إيدك.
سيبتيلي أيه وضيعت أيه؟ أنا مش فاهمة حاجة!
أنا قولت اللي عندي. أردفت نانسي وهي تُطالع ريتال بإشمئزاز قبل أن تسير مبتعدة عنها.
أطلقت ريتال سبة أسفل أنفاسها، لقد جعلت صالح يغضب منها ويرحل من هنا ونتيجة لذلك لم تجد من يدافع عنها أمام نانسي وأضطرت لمجابهتها وحدها وتحمل كلماتها اللاذعة دون أن تفهم سبب كل ذلك من الأساس!
ريتال خدي يا حبيبتي أشربي الأعشاب دي. قالت جدتها وهي تمنحها كوب صغير ساخن لتأخذه منها ريتال وهي تسألها مع ابتسامة صغيرة:
ده أيه يا تيته؟
نعناع على كمون هيريح معدتك خالص.
تسلم ايديك يا حبيبتي. تمتمت ريتال بلطف حتى وإن كانت لا تشعر برغبة في تناول ما حضرته جدتها.
أنا كنت عايزة أقولك على حاجة يا ريتال علشان بحس إنك ممكن تبقي فاهمة غلط.
أتفضلي طبعًا يا تيته.
عايزة أقولك يا حبيبتي إني بحبك زي ما بحب كل أحفادي، ويمكن كمان بحبك شوية زيادة شويتين صغيرين علشان أنتِ بنت الغالي اللي مسافر بعيد عن حضني،.
قالت جدتها وهي تتناول يد ريتال بين كفيها بينما كانت تستمع إليها ريتال بتركيز شديد، أطلقت جدتها تنهيدة طويلة قبل أن تتابع حديثها قائلة:
الحكاية كلها بس إني قلب جامد طبع فيا غصب عني مبعرفش أقول كلام حلو ومتذوق بس ده مش معناه إني مش بحبك، أنتِ متعرفيش أنا قلقت ازاي لما عرفت من زينة إنك تعبتي،.
لم تدع ريتال جدتها تُكمل جملتها حيث أقتربت منها لترتمي بين أحضانها فتغمرها رائحة جدتها اللطيفة وللمرة الأولى شعرت بالدفء داخل أحضان جدتها.
ربنا يخليكي ليا يا تيته. همست وهي تحاول أن تحافظ على نبرة صوتها كي لا تلاحظ جدتها أنها على حافة البكاء.
استيقظت ريتال في صباح يوم الجمعة وهي لا تدري ريتال كيف مر سائر الأسبوع سريعًا ولكن بالنظر إلى الأيام الماضية لقد كانت هي منشغلة بالإختبارات الشهرية مع محاولة تجنب مجموعة چودي وتليد في المدرسة وكذلك تجنب صالح ونانسي في المنزل، أما على الجانب الآخر شعرت هي ببعض التحسن بالنسبة لعلاقتها بجدتها منذ محادثتهم الأخيرة.
لم تجد ريتال الكثير من الوقت للتحدث إلى والدتها حيث كانت منشغلة بتنظيم كل شيء إستعدادًا لإستقبال زوجها الحبيب وكانت ريتال تقوم بتقديم المساعدة إليها بقدر المستطاع.
ريتال يلا قومي ألبسي الطرحة صالح خلاص جهز ومستني تحت علشان يوصلنا.
حاضر يا ماما. نبست ريتال بتوتر شديد وهي تستقيم من موضعها ببطء، تشعر بنبضات قلبها تزداد بشدة، اليوم هو يوم الحسم ستقابل والدها وستجبره على إخبار والدتها بكل شيء، اليوم سيتم تدمير هذه الأسرة للأبد...
ساد الصمت طوال الطريق فيما عدا صوت القرآن الصادر من سيارة صالح، كانت تراقب ريتال الشوارع في شرود تام بينما كانت تصرخ بداخلها تود العودة إلى المنزل والإختباء أسفل الأغطية والبكاء حتى يغلبها النعاس لتستيقظ في اليوم التالي لتجد أن كل ما حدث كان مجرد كابوسًا سخيف وأنها تعيش حياة سعيدة مستقرة دافئة.
ريتال، ريتال أنتِ سمعاني؟
هاه؟ بتكلمني يا صالح؟
بقولك يلا ننزل أحنا وصلنا. زفرت ريتال بضيق قبل أن تؤمي له ب حسنًا.
غادرت ريتال السيارة وأخذت تسير بخطوات بطيئة، قدمها ترتجف غير قادرة على حملها ورئتيها تصرخ طلبًا للهواء حيث كتمت أنفاسها لثوانٍ، أقترب منها صالح قليلًا وهو يُردف الآتي:
متقلقيش كل حاجة هتبقى كويسة إن شاء الله. انتفضت ريتال من موضعها لثوانٍ وهي ترمش لعدة مرات بتوتر قبل أن تقول:
بسم الله، خضتني يا صالح! تحدثت وهي تحاول تنظيم أنفاسها قبل أن تُضيف:.
مفيش حاجة هتبقى كويسة يا صالح بطل تكدب عليا وعلى نفسك، كلها كام ساعة وكل هتنتهي.
محدش عارف أيه اللي هيحصل، أدينا هنشوف.
لم تُجيبه ريتال وانتهت المحادثة عند هذه الجملة، لحسن الحظ أن والدتها لم تكن تعير محادثتهم أي اهتمام ولم تستمع لحرفٍ واحد مما قيل حيث كان تركيزها منصبًا على البحث عن زوجها.
بمجرد أن لمحته زينة بطوله المتوسط وطلعته البهية
ركضت نحوه بشوق كبير لم تستطع أن تخفيه، حيث جذبته في عناق كبير وهي تشعر بالدموع تتجمع في عيناها، غمرتها رائحته التي كادت أن تنساها بينما داعب أذنها صوته الرجولي الحنون وهو يُرحب بها.
وحشتيني يا زوزو، وحشتيني أوي،.
كانت تراقب ريتال الوضع من مسافة كافية، ترمق والدها بحنق وإزدراء شديد دون أن تجرؤ على أن تخطو خطوة واحدة نحوه، تلاقت عيناهم وكانت تظن ريتال أنها ستصاب بالتوتر وتشيح بنظرها بعيدًا عنه لكن ذلك لم يحدث بل أخذت تنظر إلى عيناه بنظرات قاسية باردة وكأنها تنظر إلى داخل روحه.
اضطربت معالم والدها قليلًا وهو يفصل العناق عن زوجته لكنه أمسك بيدها وهو يسير بخطوات صغيرة مقتربًا نحو ابنته والتي كانت تقف إلى جوار صالح ابن أخيه.
مش هتحضني بابا ولا أيه؟ سأل عبدالرحمن وهو يمد ذراعيه نحو ريتال والتي أخذت تنظر إليه بتردد لثوانٍ قبل أن تجبر نفسها على أن تُلقي نفسها بين أحضان والدها كي لا تشك والدتها بأمرها.
كانت تشعر ريتال بالإختناق وكأن أحدهم قام بسحب الهواء من المكان، هذا العناق بالنسبة إليها كان أشبه بإلقاء نفسها في بركانٍ ثائر، كانت تدعو بداخلها أن يتدخل صالح وينقذها من هذا الوضع وبالفعل قام صالح بمساعدتها حيث كام بجذب ذراع عمه ليجبره على فصل العناق مع ريتال ويعانقه هو في المقابل بينما يُردف:
حمدلله عالسلامة يا عمو.
ياااه صالح ده أنت كبرت خالص وبقيت راجل.
أيه الأو?ر ده يا عمو؟ محسسني إنك مسافر من التسعينات يعني. سخر صالح منه حيث كان أكثر ما يكرهه صالح هو أن يحدثه أحد على أنه طفلًا صغير في حين أنه أصبح شابًا جامعيًا على أعتاب إنهاء مسيرته الدراسية.
وهو أنتَ كنت أتولدت في التسعينات أصلًا يا ظريف؟
خلاص خلاص بلاش فضايح، صحيح تيته وماما وعمو مستنين في البيت وأنا هجيب الشنط معاك ممكن بقى ريتال وطنط يستنوا في العربية.
هات المفاتيح طيب. تمتمت ريتال بنفاذ صبر فهي تريد تجنب رؤية والدها قدر الإمكان على الأقل حتى تستطيع تنظيم مشاعرها.
هتعرفي تفتحيها؟ سألها صالح ممازحًا إياها وهو يضحك لترمقه بنظرة حارقة ليعتذر منها على الفور وهو يمنحها المفاتيح قائلًا:
خلاص أسف والله بهزر. سحبت المفاتيح من يده ببعض العنف وهي تسحب ذراع والدتها وتتجه نحو الخارج بخطوات سريعة.
مالك يا ريتال أيه التصرفات دي؟
مالي يا ماما في أيه؟
بتتعاملي كده ليه مع باباكي؟ ومكشرة ووشك مقلوب من ساعة لما شوفتي عبدالرحمن.
أنا بس منمتش كويس يا ماما وبعدين أنا بقالي كتير مشوفتوش وحاسة إنه غريب عني!
أيه الكلام الغريب ده؟ سألت والدتها وهي تعقد حاجبيها مستنكرة ما تقوله ريتال لتتنهد الأخيرة قبل أن تُجيب والدتها قائلة:
ماما أنا بكبر، شخصيتي بتتطور وبتتغير بسرعة وهو بقاله سنتين أو سنتين ونص تقريبًا مش بينزل اجازة يعني آخر مرة شوفته كان عندي 15 سنة ودلوقتي أنا داخلة على ال 18 أنا كبرت وهو مكنش جنبي وأنا بكبر وبتغير.
كان حديث ريتال صادمًا بالنسبة لوالدتها حيث كان يراود زينة التفكير ذاته حول ابنتها لكنها لم تتوقع أن تُفصح ريتال عن مثل هذه الأفكار، وفي الواقع لم تكن هذه الأسباب فقط هي ما تغضب ريتال لكن هذا ما كانت تستطيع الإفصاح عنه مؤقتًا.
خلاص طيب، عبدالرحمن جاي هو وصالح قفلي على الكلام ده ونبقى نكمل نقاش بعدين.
اه طبعًا حاضر. همست ريتال وهي تقعد ذراعيها بحنق لأنها تعرف جيدًا أن والدتها لن تصدقها القول ولن تسمح لها بالنقاش في مثل هذا الأمر هذا بالطبع بجانب إنشغالها بزوجها الذي عاد من الغربة.
طوال الطريق لم يكف والديها عن الحديث بينما لم تنبس ريتال ببنت شفة وكانت بالكاد تتبادل النظرات مع صالح أثناء قيادته، كان يشعر هو أيضًا بعدم راحة لأنه على علم بما على وشك أن يحدث ولكنه لم يقدر على الإعتراض على ما تنوي ريتال فعله.
وفي الواقع هو لم يتحدث إليها منذ ما حدث في محادثتهم الأخيرة وهذا الأمر زاد من شعوره بالضيق
هو يشعر بالقلق تجاهها لأنه يعلم أن قلبها الرقيق لن يتحمل ما على وشك أن يحدث وهي لم ولن تسمح له بالتدخل في هذا الأمر.
وصلنا يا عمو، حمدلله عالسلامة.
يااه أخيرًا الواحد رجع لبيته وهيعرف يرتاح.
ليه يا بابا هو أنتَ مكنتش مرتاح في بيتك اللي هناك ولا أيه؟ سألته ريتال بمراوغة وبنبرة لا تخلو من الإستهزاء لتضربها والدتها بخفة في كتفها.
لا طبعًا مكنتش مرتاح، أنا راحتي هنا وسطكوا. بمجرد أن سمعت ريتال رده انفجرت ضاحكة بطريقة هستيرية ليطالعها والديها بعدم فهم، أمتعضت تعابير وجه والدتها وكانت على وشك توبيخها لكن صالح تدارك الموقف سريعًا وهو يقول:
معلش يا جماعة واضح إن ريتال من كتر ما هي عايزة تنام بدأت تخرف وتعمل حاجات غريبة، عمو حضرتك خد طنط وأدخلوا وأنا وريتال هنجيب الحاجة من العربية ونحصلكوا.
ماشي يا حبيبي، على مهلكوا بقى.
متقلقش. أردف صالح من بين أسنانه بإبتسامة زائفة قبل أن يلتفت نحو ريتال والتي كانت تراقب والدها أثناء سيره بنظرات حارقة.
أنتِ يا بنتي أيه اللي بتعمليه ده؟
أظن يا صالح أنتَ آخر واحد من حقه يعلق على علاقتي بأبويا بص لنفسك الأول. بصقت ريتال كلماتها الحادة الجارحة دون وعي منها، أرتخت معالم وجه صالح قبل أن تظهر ابتسامة ممزوجة بالآلم على ثغره وهو يُردف:
كده يا ريتال؟ طب ياستي ربنا يسامحك، عمومًا يعني أنا مش بقول علشانه لأنه ميفرقش معايا لكن أنتِ تفرقي معايا، ريتال أنا خايف عليكي ومش عايزك تتصرفي تصرف تندمي عليه بعدين.
لا تدري كيف لكنه استطاع أن يجعلها أكثر هدوءًا بنبرته الهادئة وكلماته الحنونة تلك، هل هو حقًا يهتم لأمرها؟ هل هي حقًا شخصية هامة بالنسبة إليه أم أنه يتفوه بمثل هذه الكلمات لكي يشغل بالها عن ما يحدث حولها؟
بتفكري في أيه يا ريتال؟ أنا مقولتش أي حاجة تستدعي التفكير الطويل ده كله، فاكرة إني بقولك أي كلام علشان تهدي مش كده؟ الظاهر كده إنك معرفتنيش خالص طول السنين اللي فاتت دي.
صالح أنا، لحظة تهور توقف عندها الزمن، كادت أن ترتكب خطاءًا فادح وفي لحظة ضعف كادت أن تفصح عن مشاعرها، كانت على بعض خطوة من الغرق في بحر من الندم لكن لحسن الحظ أن عقلها قام بتحذيرها على الفور وأجبرها على التوقف في التوقيت الصحيح.
أنتِ أيه؟
أنا بردت أوي يلا نطلع الشنط وندخل جوا بسرعة من فضلك. ابتلعت ريتال الغصة التي في حلقها وهي تحاول جاهدة أن تتحدث بصوتٍ مسموع.
لم يتفوه صالح بحرفٍ واحد بل أكتفى بالإيماء فهو واثق تمامًا أنها كانت تود أن تقول شيئًا آخر ولكنها ترددت في اللحظة الأخيرة لكنه لم يحبذ سؤالها عن ما كانت تود قوله فهي لن تقدر على تحمل المزيد من الضغط النفسي.
بعد انتهاء فقرة الترحيب بوالدها والتي بالطبع كانت مصحوبة بالأحضان والدموع والقبلات توجهت ريتال برفقة والديها إلى الأعلى وبعد مرور ثلاثون دقيقة تقريبًا توجهت والدتها إلى الطابق السفلي لكي تقوم بمساعدة جدة ريتال في تحضير وجبة الغداء والتي أشتركت جدة ريتال ووالدتها وعمتها في تحضيرها إحتفالًا بعودة والدها من الخارج.
لم يطلب أحدٍ من ريتال المساعدة وهي لم تعرضها عليهم كذلك بل فضلت البقاء في الأعلى لكن بالطبع لم تجلس بصحبة والدها بل كانت تتوقع على نفسها داخل مخبأها الصغير حينما سمعت طرقات هادئة على باب الحجرة.
أتفضل.
أنا لاقيت مش طالعلك صوت قولت اطمن أدخل أشوفك وأتطمن عليكي.
جاءها صوت والدها الهادئ وهو يقوم بفتح الباب، أعتدلت في جلستها على الفور وهي تطالعه بنظرات باردة تنتظر سماع ما يريده.
أنتِ ليه بتبصيلي كده يا حبيبتي؟ لم تُجيب على سؤاله بل قامت بسؤاله الآتي بنبرة قاسية:
هتقولها أمتى؟
طب يا حبيبتي أديني فرصة ارتاح بس، سيبيها فرحانة شوية متكسريش فرحتها حرام عليكي!
أولًا أنا مش حبيبتك متقوليش الكلمة دي، وبعدين أنا؟ أنا برضوا اللي هكسر فرحتها؟ حرام عليا أنا؟
سألته ريتال بنبرة أشبه بالصراخ وهي تطالعه بأعين متسعة، لقد كان يراوغ يُلقي اللوم عليها كي يجعلها تشعر بالذنب في حين أنه هو المذنب الوحيد في هذا الأمر، هكذا كانت تفكر ريتال.
طيب بصي، أحنا نعدي النهاردة بس وأوعدك يا ستي بكرة من النجمة هحكيلها كل حاجة.
النهاردة، كل حاجة هتتقال النهاردة يا إما هقف في نص البيت وبعلو صوتي هقول كل حاجة!
حرام عليكي يا بنتي أنا عملت أيه لكل ده؟ أنا سيبت كل حاجة في إيدي وجيت جري على مصر أنتِ متعرفيش أنا عملت أيه علشان أعرف أجي.
مش مهتمة أعرف عملت أيه بصراحة، وطالما أنتَ شجاع أوي كده وشايف إنك معملتش حاجة خايف من المواجهة ليه؟ ما ترد عليا!
كانت ريتال تتحدث بإنفعال شديد غير مدركة أنه لا يصح أن تتحدث إلا والدها بتلك النبرة حتى وإن كان قد اخطأ فهي لا يحق لها محاسبته أجل من حقها أن تعاتبه لكن ليست بتلك الطريقة بالطبع.
أنتِ عيلة قليلة الأدب ومحدش عرف يربيكي! صاح والدها بإستياء شديد ممتزج ببعض الدهشة فهو لا يستطيع استيعاب أن ابنته تتحدث إليه بتلك اللهجة الحادة والصوت المرتفع.
أنتَ صح أنا قليلة الأدب، أنتَ كنت فين؟ مكنتش هنا علشان تربيني ليه؟ رد عليا! ولا أقولك لا ثواني أنا بقى اللي هقولك ليه يا، يا بابا!
صرخت ريتال في المقابل وكادت أن تُكمل حديثها لولا أن قاطعها صوت والدتها والتي لم تسمع ريتال صوت خطواتها أو صوت إغلاق باب المنزل بسبب صياحها هي ووالدها.
مالكوا في أيه؟ صوتكوا واصل لحد السلم وأنتِ يا هانم ازاي تتكلمي مع باباكي كده؟ حد فيكوا يرد فهموني حصل أيه؟
كان الغضب باديًا على زينة ولم تكن غاضبة من ابنتها فحسب بل كانت مستاءة من عبدالرحمن أيضًا فما الذي حدث يستدعي أن يصرخ عليها بهذه الطريقة؟ لقد عاد للتو من الغربة بعد أكثر من سنتين والآن يصرخ على ابنتها الوحيدة ويوبخها، هذا غير مقبول!
رد عليها يا بابا قولها في أيه، أردفت ريتال وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها بعلامة X دلالة على الإعترض والغضب، أبتلع والدها الغصة التي في حلقه بتوتر واضح قبل أن يقول بصوت مهزوز:
مفيش حاجة يا زينة، أنا وريتال كنا بنتناقش في موضوع وأتعصبت شوية.
لا أحنا مكناش بنتناقش، قولها أحنا كنا بنتكلم في أيه يلا. قالت ريتال وهي تنظر نحو والدها بتحدي لأنها واثقة تمامًا من أنه لا يملك الجرأة الدافئة لفعل ذلك وتحديدًا أمامها.
قولتلك ده مش وقته أنتِ مبتفهميش!
عبدالرحمن! متكلمش البنت كده في أيه؟ للمرة الأولى شعرت ريتال بالإنتصار، شعرت بدعم والدتها وحبها الحقيقي فوالدتها وقفت في صفها هذه المرة.
زينة أنا، أنا محتاج أتكلم معاكي في موضوع،.
قول يا عبدالرحمن أنا سمعاك.
مش هينفع هنا، تعالي نتكلم في أوضتنا. عقدت زينة حاجبيه بقلق قبل أن تومئ ب حسنًا ليضع زوجها يده على كتفها وهو يقودها نحو الخارج تحت نظرات ريتال الحادة.
انتظرت ريتال سماع صوت إغلاق باب حجرة والديها قبل أن تتسلل ريتال نحو الخارج لتقف بالقرب من الباب في محاولة منها لسماع أعترافات والدها وفي تلك اللحظة بدأت تشعر بتلك الأعراض المزعجة مرة آخرى والتي كانت كالآتي: زيادة في معدل خفقان قلبها، قطرات العرق بدأت تتجمع على جبينها، غصة في حلقها تمنعها من التنفس بإنتظام مع رجفة في قدميها جعلتها غير قادرة على الوقوف بإعتدال.
خير يا حبيبي قلقتني؟ هو في مشكلة ليها علاقة بالشغل ولا حاجة؟ لو محتاج فلوس أنا معايا مبلغ كويس وفي الدهب بتاعي خده كله لو محتاجه.
كانت زينة تتكلم بجدية تامة فهي لا تهتم بالماديات بل كل ما يهمها هو أن زوجها عاد إلى منزله وأصبح بين أحضانها مرة آخرى لذا هي على أتم الإستعداد بالتضحية بكل ما تملكه حتى يبقى إلى جانبها هي وابنتهم الوحيدة.
كانت كلمات زينة تحرق قلب عبدالرحمن، شعر بغصة في حلقه تزداد كلما تفوهت بحرفٍ آخر، كلما أمسكت بيده، كلما ضمته بحنان وكلما نظرت داخل عيناه.
زينة أنا أتجوزت من خمس سنين وخلفت منها،
أدرف بصوتٍ مهزوز وهو يشعر بالدموع تتجمع داخل عيناه، يراقب تعبيرات وجهها بخوفٍ حقيقي، لا يدري ماذا عليه أن يفعل في مثل هذا الموقف فهو لم يضع مثل هذا اليوم في الحسبان.
بطل يا عبدالرحمن الهزار البايخ ده، قول في أيه بقى بجد مش وقته رخامتك دي.
زينة أنا مش بهزر، أنا، أنا بجد أتجوزت عليكي وخلفت ولد عنده 3 سنين وكام شهر، أردف ببطء شديد مؤكدًا على معلوماته مرة آخرى لتضحك زينة بطريقة هستيرية وهي تضربه في كتفه بخفة قبل أن تتحول ضحكتها إلى نحيب، أخذت دموعها تنهمر بغزارة كما ينهمر الوابل في الشتاء.
أنا أسف، همس بضعف وهو يحاول الإقتراب منها كي يعانقها لكنها ابتعدت عنه وهي تشير إليه بيديها ألا يقترب ساد الصمت لبرهة قبل أن يضيف:
طيب اسمعيني بس، لم تدعه زينة يُكمل جملته حيث اقتربت منه وهي ترفع يدها لأقصي درجة ممكنة قبل أن تصفعه كفًا قويًا جعله يشعر بطنين في أذنه لثوانٍ.
أنا كمان أسفة. بصقت زينة كلمتها وهي تضربه في صدره ليبتعد عنها ومن ثم جذبت حقيبة السفر والتي كانت موضوعة بجانب سريرها لتقوم بإلقائها أعلى السرير، تقوم بفتحها ومن ثم تتجه نحو خزانة الملابس حتى تجذب كل ما تطوله يديها من ثيابها.
يا زينة اسمعيني، أنا كنت لوحدي في الغربة، أنا برضوا شاب وخوفت أغلط فقررت أتجوز، افهمي يا زينة أنا معملتش حاجة غلط ولا حرام!
واللي بيتجوز تاني ده مش المفروض يعدل؟ فين العدل يا بيه وأنتَ سايبني أنا وريتال هنا داخلين على 3 سنين من غيرك وأنتَ قاعد هناك في حضن الهانم هي وابنها؟ فين العدل وأنتَ بتبعت فلوس على الأد ومفهمني إن الدنيا عندك مش تمام وتطلع في الآخر بتوفر الفلوس علشانها هي وابنها؟ فين العدل لما بنتك تتحرم من وجودك وحضنك علشان أنتَ بتديهم لأبنك هناك؟
كانت تسأله زينة بنبرة أقرب إلى الصراخ وهي تضربه في صدره عدة ضربات متتالية لكنه لم يكن يمنعها أو يقاومها لأنه يعلم أنها محقة تمامًا حتى أنه لم يجد ما يتفوه به دفاعًا عن نفسه لذا قرر أن يصمت تاركًا المجال لها لإفراغ طاقة الحزن والغضب خاصتها.
فين العدل لما تفهمني أنك مش عايز تخلف تاني وتمنعني من الخلفة السنين دي كلها علشان شايف إنك مكتفي بطفلة واحدة، وقال أيه تقولي علشان نعرف نربيها ونوفرلها عيشة كويسة يا زينة، أوعدك هسافر وهنزل اجازة كل سنة يا زينة، وضع مؤقت وبعدين هاخدك أنتِ وريتال تعيشوا معايا يا زينة، جاي دلوقتي بعد كل ده تقولي أنا شاب وصغير؟
كانت تتحدث زينة دون توقف ودون أن تقوم بالتقاط أنفاسها، أعادت خصلات شعرها نحو الخلف بقوة قبل أن تأخذ نفس عميق ثم تتابع من وسط دموعها:
طب وأنا، أنا يا عبدالرحمن؟ أنا كمان صغيرة، ليه أنتَ تعيش حياتك وشبابك وأنا لا؟ ليه أنتَ تبقى مبسوط وأنا أترمي هنا بالشهور وأنا مستنية إنك ترجع وأشوفك شهر كل سنة أو سنتين؟
طيب قوليلي أيه اللي يرضيك وأنا أعمله؟ سألها وهو يقترب منها في محاولة للإمساك بيديها لكنها لم تحاول منعه هذه المرة بل أخذت نظرت إلى عيناه بقسوة تامة وهي تُردف بثبات:
طلقني يا عبدالرحمن. بالرغم من أنه توقع سماع تلك الجملة إلى أن وقعها على أذنه كان مؤلم للغاية، تجمعت الدموع في عيناه مجددًا وهو يُردف بضعف:
يا زينة أنا بحبك ومقدرش أعيش من غيرك.
طلقني يا عبدالرحمن وأنا هعفيك من كل حاجة، مش عايزة أي حاجة منك أو تخصك أنا هاخد اللي يخصني وبس، بنتي وهدومي.
يا زينة أبوس إيديك إديني فرصة طيب،.
في تلك اللحظة سمع كلاهما صوت شيء ما ثقيل يرتطم بالأرضية بالقرب من الباب، هرول كلاهما نحو الخارج لتصرخ زينة بمجرد رؤية جسد ريتال الملقى على الأرض بإهمال ولسوء الحظ لقد صدمت رأسها في طاولة خشبية صغيرة موضوعة في الممر الذي يؤدي إلى حجرة والديها.
ريتال، ريتال مالك في أيه؟ أيه الدم دم؟ اطلب الإسعاف بسرعة! كانت زينة تصرخ بهلع في زوجها والذي هرول نحو الداخل ليحضر مفاتيح سيارته قبل أن يحمل جسد ابنته ويتجه نحو الأسفل بهلع ومن خلفه زينة التي ارتدت إسدال الصلاة سريعًا ولحقت به نحو الخارج.
صالح! صرخ عبدالرحمن ليأتيه صالح مهرولًا من داخل شقة جدته وبمجرد رؤيته لريتال الفاقدة للوعي تملك منه الهلع مثلهم.
في أيه؟ أيه اللي حصل؟
مش وقته خد المفاتيح بسرعة وأفتح العربية وأطلع بينا على أقرب مستشفى أو عيادة.
نفذ صالح ما طُلب منه وإن كان يقود بطريقة متهورة بسبب خوفه إلا أنه استطاع إيصالهم إلى المستشفى بسلام بغض النظر عن المخالفات المرورية بالطبع.
لم يستمر فحص الطريق لوقتٍ طويل ولحسن الحظ لقد طمأنهم الطبيب بأن الجرح لم يكن غائر لذا لم يحتاج إلى خياطة، فتحت ريتال عيناها ببطء وهي تتمنى بداخلها لو أنها لم تستيقظ، لو أنها تبقى فاقدة للوعي للأبد، لو أنها تختفي عن هذه الدنيا تمامًا.
حمدلله عالسلامة يا حبيبتي، حاسة بأيه دلوقتي طمنيني عليكي؟ سألتها والدتها وكادت ريتال أن تُجيب ولكنها شعرت بجفاف شديد في حلقها منعها من التحدث، أشارت نحو زجاجة المياه في يد صالح ليقترب منها سريعًا وهو يمنحها إياها.
هي على طول بيحصلها كده ولا أول مرة؟ سأل والد ريتال ليرمقه ثلاثتهم بإحتقار وقبل أن تُجيب والدتها قاطعهم الطبيب والذي لم ينتبه أحدً لوجوده وهو يسأله:
لحظة واحدة هو مش حضرتك والدها؟ أنا كنت لسه هسأل حضرتك السؤال ده.
أردف الطبيب بقليل من التعجب ليحمحم والد ريتال بحرج وهو يُجيبه قائلًا:
أنا والدها اه بس لسه راجع من السفر يعني،.
هي يا دكتور بقالها حوالي أسبوع كده بيجيلها وجع فجاءة في بطنها ودوخة وشبه إغماء.
طيب بالنسبة للأكل بتاكل كويس؟ سأل الطبيب لتقلب ريتال عيناها لأنها تعرف أن والدتها ستوبخها بشأن مسألة تناول الطعام مجددًا.
لا، بتاكل كمية قليلة ومعظم الأكل المفيد مش بتحبه.
يبقى غالبًا ده السبب، خلاص أحنا عمومًا هنطلب تعملوا تحليل CBC صورة دم كاملة وكمان تروح تكشف عند دكتورة باطنة احتياطي. أومئت زينة ومن ثم رافق صالح الطبيب نحو الخارج ليتأكد منه مجددًا بأن ريتال بخير، تبعه والد ريتال متجهًا نحو الخزينة كي يقوم بدفع التكاليف المطلوبة.
أيه اللي حصلك يا ريتال؟ زي ما حصل في البيت قبل كده؟
أنا كويسة يا ماما متقلقيش.
ريتال أنتِ سمعتيني وأنا بتكلم مع باباكي صح؟ كنتِ واقفة بتتصنتي علينا وسمعتي كل حاجة ودي كانت النتيجة مش كده؟
إلا قوليلي يا ماما مين اختار الطرحة اللي على رأسي دي؟ وحشة أوي بس أكيد قولتي تحطي أي حاجة بقى من الخضة. تمتمت ريتال وهي تعبث في قماش وشاح الرأس الموضوع عليها وهي تتجنب الرد على سؤال والدتها.
ريتال متتهربيش من السؤال أنتِ سمعتي اللي إتقال بينا ردي اه أو لا!
ريتال مكنتش محتاجة تسمع يا زينة ريتال عارفة كل حاجة، صدرت هذه الجملة من والد ريتال الذي وقف مستندًا على باب الحجرة...