قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وريث آل نصران الجزء الثاني للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي عشر

رواية وريث آل نصران الجزء الثاني للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي عشر

رواية وريث آل نصران الجزء الثاني للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي عشر

الخوف شعور طبيعي ولكنه مقيت، مقبض، خاطف للأنفاس ومهدد بالخسارة وخاصة إن كانت خسارته هو، فمعها الخوف سيزداد أضعافا.
جلستهم تنثر بوادر تنذر أنها إن لم تنته سريعا لن تمر على خير أبدا، فبعد أن أعلنت ملك أنها تريد التنازل لزوجها رد عليها المحامي بقوله: كده يبقى هستنى حضرتك وأستاذ عيسى في المكتب، والعقود موجودة لو حابين تاخدوها.

أثناء حديث المحامي واعتراض كوثر التي تحث ابنها على فعل أي شيء لوقف هذه المهزلة، جذب شاكر العقود وتقدم ناحية عيسى قائلا بضحك: لا متتعبش نفسك وتروح لحد مكتب المحامي، ملك مش هتاخد مليم.
ترك عيسى مقعده ووقف أمامه يواجهه بنفس البرود والضحكة: ده عند أمك.
هز شاكر رأسه وقال ل عيسى: العقود اهي.

قال كلمته الأخيرة ثم بدأ في تمزيقها قطعا أمام نظرات الجميع وخاصة نظرات الوقف أمامه، يمزقها وهو يطالعه بتحدي يبحث عن النصر.
نظر عيسى إلى الأوراق التي وقعت على الأرضية بعد أن مزقها شاكر ثم رفع عينيه له سائلا: وأنت لما تقطع الورق بقى، هي كده مش هتاخد حقها؟

ضحك شاكر وهو يحدث عيسى بتحدي: لا أنا بعرفك اللي هيحصل، الورق كده كده انتوا قلتوا إنه متسجل، أنا بعرفك بس إن مفيش ورقة واحده هتخليها تاخد حاجه وأنا مش عايز، حتى لو معاها ورق الدنيا كله مش هتاخد حاجه.
هنا تحدث عيسى وربت على كتفه أثناء قوله: لا استنى بقى علشان أنا اللي هعرفك اللي هيحصل،.

أبوك كاتبلها الربع في حياته، يعني الربع ملكها من وهو حي، لكن علشان هو عارف انها لا تعرف حاجه عن عقود ولا غيره، كتب في الوصية انها تاخد الربع وميعرفش انها كده هتاخد ربع غير الربع بتاع الهبه.
صاحت كوثر باعتراض موجهة حديثها للمحامي: ايه الكلام ده يا أستاذ.

أخبرها المحامي بتوضيح: ما انا قولت لحضرتك يا حاجه، إن المرحوم مرجعليش قبل ما يوصي ليها بأي حاجه، لو كان رجعلي كنت هقوله إن العقود دي تثبت حقها، لكن كلام أستاذ عيسى صح، طالما وصالها في الوصية بالربع يبقى هي هتورث ربع تاني، غير الربع اللي المرحوم وهبه ليها في حياته، يعني كده مدام ملك ليها النص، ربع منه بتاعها أصلا بعقود رسمية، والربع التاني متوصي ليها بيه ولازم تاخذه.

ولما انتِ تاخدي النص، احنا هناخد ايه يا ملك؟
قالت ذلك علا باستنكار ثم تابعت مسرعة: أنتِ عارفة إن أكيد أبويا كتب اسمك في الوصية علشان يأكد إنك تاخدي الحق اللي هو كتبهولك في حياته، ومكانش يعرف إن بكتابته اسمك هتاخدي ربع تاني، بلاش تغدري بيه وهو كان بيحاول يأمنك.

تخطى عيسى الواقف أمامه ليوجه حديثه هذه المرة لشقيقته: لا الغدر ده طبعكم انتوا، مولودين بيه، صحيح هي اتربت في بيتكم بس مخدتش من الطبع الوسخ ده.
شاكر لا يجيب، صدمته الآن كبيرة وزادت أكثر حين أكد عيسى على الحديث حين قال منبها المحامي: سمع كده يا متر اللي قاعدين الخلاصة.

كرر المحامي ما قاله ولكن بطريقة مبسطة أكثر حين أردف: احنا منعرفش الحاج الله يرحمه لما كتب اسمها في الوصية كان يقصد انها تاخد الربع اللي كتبه ليها في حياته واللي المفروض انه ملكها من وهو حي بس هي مخدتهوش لحد دلوقتي، ولا كان يقصد ربع تاني غيره، وسواء كان يقصد أو لا الربع اللي كتبه في حياته ده ملهوش دعوه بالتركة اللي سابها، الربع ده بتاع مدام ملك، اللي فاضل من غير الربع ده هو التركة وحسب الوصية اللي سايبها التركة دي مدام ملك ليها فيها الربع وده لازم تاخده، والباقي هيتقسم بالشرع بين الأبناء والزوجة، أو يتقسم حسب المكتوب في الوصية إن علا النص، و شاكر والحاجه الربع ده لو انتوا راضيين بيها.

اقترب عيسى من شاكر يهمس له بشماتة: لا اجمد كده، احنا لسه في بداية الماتش، بس أنا مقدر خبطتين في الراس توجع.
لم يلتفت له شاكر بل تحركت عيناه ناحية ملك، فعل الخوف الأفاعيل بدقات قلبها وهي تسمعه يقول: أنتِ لو عايزه كل اللي عمك سايبه هديهولك، عارفة ليه علشان مش ههنيكي لحظة بيه، يا معايا يا ملك، يإما مش هتشوفي يوم عدل.
طالعت عيسى تطلب منه النجدة فأخذ عيسى بكفها لتقف جواره وهو يسأله بضحكة صفراء: خلصت؟

ما انت قولتها، احنا لسه في بداية الماتش.
كانت هذه إجابة شاكر والتي أتى بعدها على حين غرة ركلة من عيسى فاجأه بها فأسقطته أرضا.
طالعه بشر، وقبل أن يقوم منعته والدته صارخة وكذلك شقيقته التي ساندت أمها وهي تسمع عيسى يقول موجها حديثه لزوجته: ده لما يكلمك، يتضرب باللي في رجلك، علشان ده حتى اللي في رجلك أغلى منه.
ثم مال عليه يخبره بنظرات متوعدة: ويوم ما هتطول منها حاجه هيبقى اللي في رجلها وهي بتضربك بيه.

شعرت بالظفر، لا تخاف الآن، حتى و شاكر يحاول تخطي شقيقته ووالدته بعنف وهما يمنعانه عن فعل ذلك حتى لا تنتهي الليلة بمقتل أحدهم.
هتف عيسى وعيناه لا تفارقهم: كده كل واحد عرف اللي ليه واللي عليه، يلا يا ملك.
تحركت معه يغادرا المنزل ولكنه عند البوابة استدار يقول بتشفي: اه صحيح، أنا هبقى ابعت حد ينضف البيت، بما إن ليها نصيب فيه، وأنا مبحبش المكان بتاع مراتي يبقى وسخ.

لما ادفنك في قبرك زي أخوك، هبقى ابعت لك حد ينضفلك حوالين القبر يا عيسى.
قال هذا حتى يتشابكا، هو يريد ذلك ولكنه حطم أمله بقوله: لا متقلقش قبر أخويا أنا مخلي حواليه جنة، وقبري أنا بقى مش هتلحق تدفني فيه، علشان هتكون موتت بحسرتك يا شاكر.

أنهى عيسى حديثه وخرجا من المنزل كليا، حقا لقد تلفت أعصابها ركبت السيارة وحاولت استعادة اتزانها الذاهب بعيدا، ولكنه قطع محاولتها بقوله: أنتِ ليه مجبتيليش سيرة إن عمك كان كاتبلك حاجه في حياته؟

طالعته تخبره بصدق: مجاش في بالي أصلا، الكلام ده كان من كذا سنة، وبعد ما قولت لا على جوازي من شاكر هو مجابش سيرة تاني، والورق كله كان معاه، ودي كانت هبة وفي الهبة هو ينفع ياخد مني اللي اداهولي تاني في حياته، فأنا افتكرته خدهم و متكلمناش.
وهي الست هادية عارفة انك هتتنازليلي؟

شعرت في حديثه بنبرة ملتوية، فاستجمعت قوتها وهي ترد: هي ايه الأسئلة دي؟، هو أنت ليه مصمم إني بجري ورا الفلوس؟، جيت وقولتلي في المحل اتنازلي وموضحتش أي حاجه ولو كنت قولت لا كنت ابقى واحده وحشه باصه للفلوس، لكن أنا معملتش كده وقولتلك قدامهم هتنازلك رغم إن أمي مش عارفه بقراري ده، ورغم إني لازم أرجعلها، وبرضو لسه بتسأل كأننا في تحقيق.
زفر بانفعال وهو يسألها: هو ايه الغلط في السؤال، يخليكي تتعصبي كده؟

كان ينظر للطريق أمامه ولكن حديثها هذا جعله يلتفت لها حيث قالت: أنا لو عايزه فلوس كنت اتجوزت شاكر، سواء دلوقتي أو زمان.
أنا مش هرد على اللي بتقوليه ده علشان لو رديت هزعلك، خلي الرد لوقته.
قال هذا وتأففت هي بانزعاج ثم استدارت ووجهت عينيها إلى الطريق تتابعه من النافذة لتجنب أي محادثة معه في الوقت الحالي.

هذه الأجواء الصيفية تحتاج إلى نسمات باردة تشفي الصدور، وهذا ما فعلته سهام حين جلست جوار ابنتها على الأرجوحة الخارجية تستمع منها ما حدث، وختمت رفيدة: بعد كده عيسى و طاهر جم، طاهر خدني وروح، و عيسى هو اللي راح لسعد، ومن يومها أنا و عيسى مش بنتكلم.

كانت سهام تربط الخيوط في رأسها، تستنتج أن لو طاهر ذهب مع عيسى لمقابلة خاطف ابنتها بالتأكيد كان سيصرح أمامه أنه ابن شقيقها الذي لم يعترف به كما قال لها عيسى.
فاقت من شرودها على تيسير التي أتت بكوبين من العصير المثلج وأعطته لهما قائلة: اتفضلي يا ست سهام.

ما إن رحلت بدأت سهام تقول بعتاب: أنا مش هزعقلك ولا هخاصمك، بس هسألك سؤال كام مره طلبت منك إن چيهان تخرج برا حياتك؟، كام مره نبهتك إنها انسانة مش كويسه وبتستغلك؟
أنا أسفه، بس أنتِ يا ماما أهملتيني، شوفي أنتِ كام مره بقى أقولك محتاجين نتكلم وتزعقيلي أو تقوليلي مش فاضية.

نزلت دموعها وهي تصارح والدتها بهذا فاحتضنتها سهام مسرعة هاتفة بحب وحزن على ما وصلت له: يا عبيطة، أنا عايشة علشانكم أنتم، أنا مبحبش في حياتي قدكم يا رفيدة، حتى لو أهملت أو قصرت ده ميديكيش حق تعملي الغلط وتستمري فيه وأنتِ عارفه إنه غلط، وبعدين ده أنتِ سرك كله مع نصران.

هتفت بما لديها ببكاء: بابا عمره ما قالي إن چيهان وحشه، وابعد عنها، أنا أكتر حد زعلانة من نفسي علشانه هو بابا، لأنه دايما كان بينبهني منها لكن مفرضش عليا ابعد عنها، وسابلي مساحة اتصرف، وأنا خذلته واتصرفت غلط.
مسحت سهام على خصلات ابنتها هاتفة برفق: بابا هيفضل طول الوقت واثق فيكي، خلاص اللي حصل حصل المهم تتعلمي الدرس ده كويس وتنقي صح الناس اللي المفروض تكون موجودة في حياتك.

صمتت عن الحديث حين نزل حسن وخرج لهم قائلا بمزاح: يعني راميين التعبان فوق، و قاعدين تحبوا في بعض هنا، اه يا ولاد الغدارة.
ضربته والدته على كتفه أثناء جلوسه جوارها وهي تعنفه: ما تحترم نفسك، وبعدين انت نزلت ليه، أنا مش قولتلك خليك في سريرك طالما لسه تعبان.
هتف بغيظ: يا ستي أنا زهقت من قعدة السرير خلاص، سيبيني بقى انطلق.

أثناء حديثهما نزل طاهر من منزله في الدور العلوي، وتوجه ناحية والدته سائلا: حضرتك هتلبسي وتيجي معايا ولا لا؟
تيجي معاك فين؟
كان هذا سؤال حسن الذي تم تجاهله و سهام تطلب من طاهر: ممكن نتكلم شويه.

لم يرفض طلبها واتجها بالفعل إلى الداخل حيث مكتب والده في حين قالت رفيدة لشقيقها بعد أن رحلا: هو اللي أنا استنبطته كده، إن طاهر رايح يتقدم لشهد بس مش هياخد حد غير ماما وبابا و عيسى، وتقريبا كده والله أعلم ماما مش موافقة.
رفع حاجبيه يقول باستنكار: كل ده من ورايا؟، وبعدين اشمعنا احنا اللي مش هنروح؟
لسه بيتقدم بقى وأول مره وكده، أكيد هنروح بعد كده.

لم يرض عن تبريرها هذا فقال باعتراض: ولا بعد كده ولا قبل كده، قومي البسي يلا.
سألته باستغراب: ايه ده ألبس ليه؟
حمسها بقوله الذي ظهر فيه إصراره: علشان هنروح معاهم.
في نفس التوقيت، دخلا إلى المكتب وبدأ طاهر الحديث: أنا معنديش أي وقت تاني يا ماما اضيعه، واتأخرت، حضرتك هتيجي ولا لا؟، ومن غير أي نقاش أنا قراري واحد، واديت كلمه خلاص، وشايف ان راحتي معاها وهتجوزها
أنا مش موافقة على الجنان اللي بتقوله ده.

هتفت بها والدته بحزم مما جعل طاهر يقول بانفعال: بس الحاج نصران موافق، وأنا لآخر مرة يا أمي بقولك متخلنيش أخد خطوة زي دي وأنتِ مش راضية عنها.
حاولت الهدوء لعله يفلح معه وهي تقول: طاهر يا حبيبي شهد دي مش شبهك، ولا مناسبة ليك، مش دي اللي هتقدر تحافظ على اسمك وابنك، أنت لو اتجوزتها هتبقى عايز اللي ياخد باله منها ومن ابنك مش تحملها مسؤلية طفل.

ومين قال إني هتجوزها علشان يزيد بس؟، أنا مبقعش في غلطة مرتين، أنا بحب شهد.
صاحت بغضب: يوه، ايه بتحبها دي هو كل واحد هيسحبلي في ايده واحدة عرفها شوية ويقولي انه اكتشف انه بيحبها وهيتجوزها.
نطق وعيناه تواجهها: أنتِ الظاهر مش مدركة إن ابنك بقى أب ومسئول وإنه مش لسه مستني حد يحلل قراراته، أنا بحب شهد وهتجوزها علشان بحبها مش علشان أي حاجة تانية.

لجأت إلى دموعها، الحل الأخير لتؤثر عليه خاصة وهي تردف: ولو قولتلك لا؟، مش هتسمع كلامي يا طاهر؟
قطع خلوتهما دخول عيسى الغرفة بعد أن دق على بابها، طالعهما ثم أشار على ساعته قائلا بابتسامة: مدام سهام معاكِ نص ساعة تلبسي فيها، مش معقول هنتأخر على الناس كل ده...
قبل أن تنطق بأي كلمة تابع عيسى: امشي يا طاهر الحاج عمال يتصل وقال اتأخرنا، استناني تحت وسيب ماما أنا هقنعها.

تحرك طاهر ناحية الخارج مغادرا إلى والده بينما ضحك عيسى وهو يطالع زوجة والده بنظرة أصابتها بالقلق ثم نفث دخان لفافة تبغه ناطقا: تعالي بقى اقنعك.
سألته بغضب: هتضربني تاني ولا ايه؟
هز رأسه نافيا وهو يخبرها: سيبك من الضرب والهبل ده، خلينا في المهم، المهم اللي الحاج نصران لحد دلوقتي ميعرفهوش وهو إن بنته اتخطفت وفي واحد كان هيدمر مستقبلها علشان ينتقم من أمها.

طالعته برفض لما يقول فتابع هو: أنا مش هفضح القديم اهو، بس اقول بقى على الجديد اللي بيحصل من ورا ضهره واللي بيطول عياله.
بهتت وحل الصمت عليها فحثها بقوله: تلبسي وتنزلي وتروحي تقعدي وتتكلمي كويس عند الناس، وإلا أقسم بالله هقوله على الواد ابن أخوكي وده مش تهديد، أنا جبت أخري منك خلاص، وبطلي نكد على طاهر بقى علشان مقلبهاش انا نكد على اللي في البيت كله.
قال وهو يغلق الباب خلفه بقوه: عشر دقايق وتنزلي.

خرج وأثناء نزوله قابل الصغير على الدرج، فحاول الهدوء ثم ضحك وهو يعبث بخصلات يزيد مازحا: مالك زعلان ليه؟
أبدى الصغير حزنه واعتراضه وهو يطلب: عيسى ينفع تاخدني أنت معاك، علشان بابا قال لا المره الجايه، وأنا عايز أروح المره دي.
حمله عيسى وأخبره وهو ينزل به: بس كده، ده انا اوديك المره دي والمره الجاية وكل المرات.
ابتسم الصغير بسعادة، ومال على وجنته يقبلها هاتفا بحب: أنا بحبك أوي.

بادله الابتسامة وهو يقول له بصدق: وأنا كمان يا يزيد، إنما قولي بقى ايه الشياكه دي كلها، والله الواد طاهر ده ظالم احنا نطرده من البيت.
هو أنا زعلان منه، بس احنا مش هنطرده علشان أنا بحبه، وهو بيحبني بس بقاله يومين نرفوز.
ضحك على جملته الأخيرة ووعده: لا متقلقش أنا هفرفشهولك.
وصل به إلى سيارته، وكانت ملك تنتظر بها، حيث لم يتوقف أمام منزلها، بل تابع الطريق إلى هنا وأخبرها أنه سيحضر شيء ويذهبا معا.

مازال تأثير ما حدث منذ قليل يبدو على وجهها، ولكنها حينما رأت يزيد الذي أتى مع عيسى حتى اتسعت ضحكتها وخاصة والصغير يهرول نحوها هاتفا بفرح: وحشتيني.
أعطته ابتسامة وهي تخبره: أنت كمان وحشتني
ثم أثنت على مظهره قائلة: ايه القمر ده؟
فتح له عيسى الباب الخلفي وساعده في ركوب السيارة وهو يسمعه يقول لها: أنتِ اللي حلوه أوي النهارده.

ابتسمت على جملة الصغير، ثم ركب عيسى على مقعده، وبدأ في قيادة السيارة حتى قطع الصمت قول يزيد: هو احنا هنبات عندهم؟
ضحكت ملك على تفكيره ثم صحح له عيسى: لا تبات ايه يا باشا، أنت هتروح تقعد شوية وناخدك ونروح.
طب مينفعش أبات؟
ظهر الحزن في نبرته، خاصة وهو يكرر بإصرار: أنا عايز أبات، وهقول لرفيدة تبات معايا.
هز عيسى رأسه قائلا بغيظ: أنا عرفت أنت أبوك مش بياخدك هناك ليه.

في نفس التوقيت، كان طاهر ينتظر والدته في غرفة المكتب الخاصة بوالده، لم يطل انتظاره حيث وجدها تدق الباب قائلة: يلا يا طاهر أنا لبست.
خرج من الغرفة ليجد والدته ترتدي ثوب أنيق من اللون الأزرق، به بعض الكرات البيضاء اللامعة، كانت جميلة كعادتها فمال يقبل كفها قائلا: أشيك ست في الدنيا، مع إني زعلان منك.

مسحت على وجهه تطلب برجاء: متزعلش إني ضربتك، والله أنا كنت عايزه مصلحتك، وبكرا الأيام تثبتلك إني كنت صح.
أنهى هذا الحديث الذي سيفتح الشجار مجددا بقوله: طب يلا بينا.
تحركا معا إلى سيارته التي بمجرد أن دخلها صدمه وجود حسن و رفيدة على المقاعد الخلفية و رفيدة تقول بسعادة: Good EVENING.

استدار طاهر يطالعهما باستنكار فرفع حسن كفيه يقول ببراءة: قعدت أقولها بلاش يا رفيدة، أخوكي قال إنها لسه قعده ودية ومش عايز زحمه بس هي أصرت، وأنا مع الإصرار مبقدرش الصراحة وخصوصا لو أختي.
احتضنته رفيدة تقبل وجنته قائلة: حبيب اختك
ثم سريعا ما انتبهت إلى ما قاله فهتفت بغضب: اه يا كداب بقى أنا اللي أصريت.
أشار طاهر لوالدته عليهما وهو يسألها: عاجبك العمايل؟

قالت رفيدة برجاء: علشان خاطري يا ماما، مش هنعمل دوشة.
وهنقعد ساكتين، ونسمع الكلام.
بعد قول حسن لم تستطع سهام كتم ضحكاتها وكذلك ابنها الذي قاد سيارته مغادرا بعد أن صدمه تواجدهما معه.
في منزل هادية يجلس الجميع كل منهم على مقعده، وقد حل صمت تام، منعت فتياتها من الخروج وأدخلت معهم شقيقتهم الثالثة التي أتت قبل قليل، وكذلك طلب نصران من رفيدة الانضمام لهن ولم يتبق سوى طاهر و والده ووالدته و عيسى و حسن.

بدأ نصران الحديث حيث قال ما جعل الجميع ينتبه له: طيب يا ست هادية، طاهر كان قالي إنه لمحلك بخصوص اللي جايين علشانه.
هزت رأسها تؤكد على حديثه بقولها: فعلا حصل.
طب و شهد رأيها ايه؟
كان هذا سؤال نصران فأخبرته هادية: شهد موافقة، بس أنا عندي شروط قبل ما أي كلمه تتقال في الموضوع ده.
زفر عيسى بانزعاج، في حين رفعت سهام حاجبها باستنكار وهي تسأل باستهزاء: ودي شروط ايه بقى؟

رد على سؤالها بقولها: بنتي يبقى ليها بيت لوحدها.
هتفت سهام باعتراض: وهو بيت الحاج نصران قصر ولا ايه؟، بنتك هتقعد في بيت كبير البلد.
حاول طاهر إخماد النيران قبل أن يزداد اشتعالها بحديثه الذي وجهه إلى هادية: هو انا مش اتكلمت مع حضرتك في الموضوع ده؟، أنا هجيب لشهد شقة في الحتة اللي تحبها، لكن هنقعد في شقتي اللي في بيت أبويا، ولو هي جت اشتكتلك ولا قالت انها متضايقة بيتها هيكون موجود.

تحدثت مستنكرة عبارته الأخيرة: وليه نستنى لما المشاكل تحصل، ما من أولها.
طلب نصران من طاهر الصمت وتحدث بدلا عن ابنه: بنتك في عينيا يا هادية، وهتبقى زيها زي رفيدة بالظبط، و طاهر قال حل يرضي الكل. بلاش تحطي العقدة في المنشار، قومي اندهي بنتك.
قامت على مضض، وما إن فتحت باب الغرفة حتى اندفعن الفتيات نحو الخارج، فطالعتهم بغضب حتى بررت مريم: والله يا ماما أنا مكنتش بتصنط معاهم، أنا كنت قايمة أشرب.

ألقت عليهن نظرة غاضبة وهي تقول: تعالي يا شهد.
وقفت شهد أمام المرآة تطالع ردائها الزهري وخصلاتها المموجة وقد تركتها منسدلة، وشعرت بعدم الرضا وهي تقول: الروج قليل أوي يا ملك ومش باين، قولتلك أنا اللي عايزه أحط مبحبش حد يحطلي.
هتفت مريم بصدق: والله أنتِ قمر، من غير أي حاجه، بس أنا من رأى ملك السيمبل كده أحلى.

حمستها فضحكت وهي تنظر لنفسها في المرآة حتى سمعت قول والدتها الغاضب: يلا يا حبيبتي، يلا يا أم روج.
ضحكت ملك وهي تقول بتشفي: أحسن تستاهلي والله.
خرجت مسرعة خلف والدتها، كانت ضحكتها موجهة له أولا، ووالدته تتفحصها من أعلى لأسفل بانزعاج، كانت ملفتة للأنظار، وبالفعل نفذت طلب والدتها، وانضمت للجلسة قائلة: ماما قالتلي يا عمو انك عايزني.

ابتسم نصران وهو يخبرها برفق: اه يا حبيبتي، طاهر يا شهد هيجيبلك بيت زي ما والدتك طلبت، بس أنا عايزكم تفضلوا عايشين معايا، أنتِ وبنتي واحد، واللي هيغلط في حقك أنا كفيل أجيبهولك تالت ومتلت، ومحدش هيزعلك طول ما أنا موجود، لما أبقى أموت بقى لو عايزة تبقي تروحي تقعدي في الشقة اللي اشترهالك ابقى روحي.
كان عيسى أول المتحدثين بعد كلمات والده حيث قال: ايه اللي بتقوله ده يا حاج، ربنا يديك الصحة.

دعا له الجميع بالعمر الطويل وتبع ذلك قول شهد: أنا معنديش اعتراض يا عمو أقعد معاكم، بس ماما لازم تكون موافقة.
قولتي ايه يا هادية؟
سألها نصران وكانت إجابتها هي: هو في حد بيعرف يقول حاجه بعد كلامك يا حاج، خلاص أنا موافقة، وهعتبر الكلام اللي اتقال في القعدة دي وعد منك أن محدش هيدوسلها على طرف.
تحدث طاهر هذه المره يسألها ويطلب إجابة أخيرة: يعني نقرأ الفاتحة؟

هزت رأسها بالموافقة فحث طاهر ابنتها مسرعا: يلا يا بنتي اقرأي بسرعة، قبل ما ترجع في كلامها.
ضحكوا على كلماته، وأنطلقت الزعاريد من الداخل، علم أن مصدرها رفيدة حين خرجت وبيدها الصغير قائلة: كده أنتوا خلاص اتفقتوا نخرج بقى ونزغرط.
لاحظت نظرات والدتها لها، فمال حسن على عيسى يهمس له: ماما عايزه تولع في رفيدة.
والله هي عايزه تولع في الجوازة كلها.

قال له عيسى ذلك ولم يجد منه رد فاستدار يرى ما ينظر إليه فوجده يطالع مريم مما جعله يقول: سبل كمان، أقولك على فكره أحلى، أنت خرج عينيك الاتنين دول من مكانهم علشان التسبيل من بعيد ده مش نافع.
قدمت هادية طبق الحلوى من نصران الذي لم يمسسه وهي تقول: اتفضل يا حاج، أنت مش محتاج عزومه.
أبعدت سهام الطبق قبل أن يمسسه وهي تقول باستعلاء: مبياكلش سكريات علشان السكر.

خرجت ملك من الغرفة ورأت ما حدث، فجذبت الطبق تقدمه ل نصران قائلة: حته صغيرة مش هتفرق يا طنط، ولا هو اللي بيجيله سكر بيحرموه باقي عمره منه خالص؟
ابتسم نصران وتناوله منها قائلا: عندك حق، ولو مكنتيش جبتيه كنت هاخده أنا علشان الحلو ميتقالهوش لا.
ضحكت على كلماته، ثم ترك طاهر لها المكان وكذلك فعلت شهد، فأخرج عيسى هاتفه وأرسل لزوجة والده: أنا بقول تخفي شوية، علشان مش ده الأداء اللي اتفقنا عليه في البيت.

قرأت رسالته وطالعته بانزعاج وقال عيسى لشقيقه الجالس جواره: بقولك ايه يا حسن، ما تعمل أي جو كده تفك الخنقة دي.
أقوم أرقص يعني ولا أعمل ايه؟، وبعدين برستيجي قدام الكراش، مينفعش.
كرر خلفه باستنكار: برستيج ايه، ده احنا برستيجك ده هنقوم نلمه من على الأرض، من ساعة ما شوفتها وأنت متنح، أمها لو شافتك هتفرجنا...

قاطعه حسن طالبا منه الصمت: خلاص كفاية، ثم اقترح بحماس: بقولك ايه أنا هقوم أصور، واهو حتى يضحكوا بدل ما كأننا قاعدين بنعزي كده.
حثه على ذلك، بينما في نفس التوقيت كانت شهد تقف مع طاهر في الشرفة الخارجية، تمتنع عن الحديث فهتف بغيظ: لا ما هو احنا مش جايين نسكت هنا.
هتفت بانفعال: أنت كنت مبتردش عليا ليه؟ ها، أنا عايزه أعرف دلوقتي.
أنتِ زي القمر النهارده.

ابتسمت على حديثه وهي تسأله: اه ما انا عارفة إني زي القمر، بس القمر ساعات معتم على فكرة وهيخليها عتمه عليك لو عملت كده تاني.
رفع كفيه ببراءة واعدا: لا خلاص مش هتتكرر.
أبدت إعجابها الواضح بما أحضره قائلة بضحكة واسعة: الورد حلو أوي، واللي جوا الورد كمان حلو أوي أوي، رفعت كفها تريه الخاتم قائلة بوعد: مش هقلعه أبدا.
أهم حاجه إنها عجبتك.

أخبرته بانبهار حقيقي: أنت جايب كل الحاجات اللي بحبها وحاططها في حاجه واحده، أكيد لازم تعجبني، أنا لو وردة حتى منك تعجبني يا كابتن.
ضحك على كلماتها وهو يسألها متصنعا الاستغراب: هو مش المفروض تبقي مكسوفة والجو بتاع البنات يعني في يوم زي ده؟
صححت له بقولها المازح: الكلام ده لو لسه هنتعرف على بعض النهارده، ده احنا عشرة يا جدع، أكملت بسعادة حقيقية: أنا أكتر واحده فرحانه النهارده، وبحبك أوي.

ابتسم بحب وهو يخبرها: أنا عارف انك مجنونة من يوم ما رميتي نفسك عليا في بيت عمك، عرفت بقى إني وقعت فيكي لما جيت خدتك ساعة البرتقان.
ضحكت على حديثه، حتى وجدا الصغير يدخل الشرفة مع حسن الذي قال وهو يرفع هاتفه: يلا يا يزيد يا حبيبي علشان أصورك مع بابا.
طالعه طاهر بانزعاج وهو يخبره: ولما اكسر التليفون اللي في ايدك ده على دماغك دلوقتي.
طلبت منه شهد برجاء: خليه يصورنا.

طلب منها يزيد: شيليني علشان أبان في الصورة، وعلشان أنا مخاصم بابا ومش عايزه يشيلني.
حملته وهي تقول بمرح: أشيلك طبعا يا حبيبي، وادي بوسة كبيرة كمان اهو.
ثم قبلته على وجنته ووقفت به جوار والده تضحك، وكذلك ضحك طاهر فالتقط شقيقه الصورة قائلا بفخر وهو يتأملها: الله عليا، والله أنا خسارة وقتي اللي مضيعه معاكم، بص يا بني الصورة شايف جمال تصويري.

لمح مريم في الممر فترك لهم الشرفة، وخرج يستأذنها: مريم اقفي هصورك.
اعترضت بقولها: لا شكرا مبحبش أتصور.
ايه الوش ده، ما تقفي أنا هصورك مش هخطفك.
رفعت حاجبيها على قوله ثم قالت بما أثار غيظه: خلاص تعالى صورني مع ماما.
ذهب بالفعل خلفها جلست جوار والدتها، وطلبت منها الابتسام فالتقط لهم صورة سويا، وهتفت رفيدة بعد أن ابتلعت ما في فمها: تعالى يا حسن صورني مع عيسى.

قال لها بغيظ: أنا بصور بني آدمين بس، خليكي أنتِ في الطبق اللي بتاكليه.
طالعت عيسى تطلب منه الرد عليه، ولكنه تجاهلها، فزفرت بحزن.
في حين اتجه شقيقها إلى والده قائلا بضحكة واسعة: صورة للحاج والحاجه بقى.
حثته والدته على الجلوس بتعنيف: هو انت عمال تلف كأنه بيتك كده ليه، ما تتلم بقى.
جلس جوار والده هاتفا بغيظ: أنا هتصور مع أبويا حبيبي بس.

تبادلوا الأحاديث، وجلست ملك على مقعدها في المنتصف بين والدتها و عيسى، مالت عليه تهمس له: أنت كسفت رفيدة على فكره، هي كانت مستنياك ترد على حسن وتقوله لا صورنا.
طالعها بهدوء فوقفت هي تقول: تعالي يا رفيدة، عيسى قالي أصوركم.
ضحكت رفيدة بغير تصديق واقتربت تطوق عنق شقيقها هامسه بحب: علشان خاطري صالحني بقى، اضحك يلا اضحك.
بالفعل ضحك وضحكت هي فالتقطت لهم ملك الصورة ثم هتفت بإعجاب: حلوه أوي.

أخذت رفيدة منها الهاتف وعادت ملك للجلوس مره ثانية بجواره فنبهها: كده تاني مره.
سألته باستغراب: تاني مره ايه؟
وضح لها وهو يطالعها: أول مره قولتي كلام لميرت على لساني علشان تراضيها، ودلوقتي برضو مع رفيدة، بتحبي تداوي الجراح أنتِ أوي.
ضحكت ولم تجب عليه، فنده عليها مما جعلها تنظر له: أنا مقصدتش اللي أنتِ فهمتيه، وأنا مش بخاف من حد وأنتِ عارفه لو أقصد هقولك.

هربت من حديثه حين قربت له أكواب العصير قائلة بارتباك: خد انت مكلتش ولا شربت حاجه.
أخذه منها ناطقا بابتسامة: شكرا يا ملك.
ضحكت بهدوء ولم يلحظا، الواقفة والتي استغلت هذه اللقطة، هو يطالعها مبتسما وهي تضحك وتحاول إبعاد نظراتها عنه فالتقطت لهم رفيدة صورة ونشرتها على حسابها الشخصي على تطبيق التواصل الاجتماعي وأشارت لشقيقها فيها وقد كتبت فوقها: The Best couple I have ever seen.

أغلقت الهاتف وابتسمت بحنان وهي تطالعهما بحب، ترى أن كل منهما يليق بالآخر كثيرا ويسعدها أنها أول من تلاحظ هذا.
في صباح يوم جديد جلس باسم في مكانه المفضل ذلك المقهى الشبابي المطل على النيل، كان ينتظر اتصال من أحدهم وأخيرا أتاه فأجاب مسرعا: لقيتها؟
هتف محدثه بخيبة أمل: فص ملح وداب.

تحدث باسم بانفعال: يعني ايه الكلام ده، يعني رزان تغفلني، وتهرب وفي الاخر ملقيهاش، دور عدل ملهاش حته تروحها، أنا عايزها في أسرع وقت.

وافق محدثه على هذا، وأغلق هو الهاتف بانفعال، لا يريد تذكر ما فعلته، ذلك اليوم حين أتت وطلب منها تحضير الطعام وبعدها لم يشعر بأي شيء من حوله، خدرته لتسرقه، سرقت أوراق هامة وجميع أمواله الموجودة بالمنزل، بالتأكيد ستعود لتساومه على أوراق عمله ولكنه يريد أن يجدها أولا، قطع هذا التفكير عن رأسه حين لاحظ وجودها، نعم إنها ندى بل وتجلس بمفردها تمسح دموعها خلسة وهي تطالع هاتفها، فتحت صفحته الشخصية فوجدت أول صورة أمامها هي صورته مع تلك التي تُدعى زوجته وقد أشارت له شقيقته في الصورة، كاتبة عبارة أثارت استفزازها، أخذت تطالع كل تفصيلة بهما، يبتسم بهيام وعيناه تحتضن الجالسة جواره، نظراته دائما مربكة لذلك تهرب هي منها بخجل، أرادت ندى لو قذفت الهاتف أرضا وهي تحدث نفسها بانزعاج: ايه القرف اللي هي لابساه ده، طبعا ما المناظر دي هتعرف ايه عن اللبس.

هتف الواقف جوارها وهو يطالع الصورة معها: لا ملكيش حق يا ندى، دي كيوت أوي وفستانها simple، وبسكويته كده في نفسها لو اتعاملتي معاها، بس طبعا مش أشيك ولا أرق منك.
صوت باسم هي تعرفه جيدا، استدارت تطالعه بغضب وهي تهتف: أنت عايز ايه يا بني آدم أنت، وجاي تقتحم خصوصيتي كده بكل بجاحه ازاي.

صمتا الاثنان عن الحديث، وقد لفت انتباههم الداخلة من بوابة المكان وأحدهم يدفع مقعدها المتحرك للأمام، تعلقت أنظارهما بها وهمس أمير بغير تصديق: كيمي؟
في نفس اللحظة التي سألت فيها ندى: هي مش دي قسمت الصاوي.
كل منهما لا يصدق أنها هي ولكن الإجابة الحاسمة لا توجد إلا عندها.
استيقظ عيسى على صوت هاتفه المزعج، هتف بانزعاج وهو يجذبه ليغلقه: هو الواحد مبيعرفش ينام ساعتين على بعض.

وجد المتصل خالته، انكمش حاجبيه باستغراب، ليس من عاداتها أن تتصل به باكرا هكذا، فتح الهاتف فسمع نبرتها التي شعر بالحزن فيها: صباح الخير يا عيسى.
أنتِ كويسه؟
كان هذا رده على قولها فهتفت وهي تنزح دموعها وتشعر بالحرج الشديد: اه يا حبيبي بخير، هو ممكن يا عيسى
صمتت فشعر بها لذا حثها بقوله: في ايه يا ميرت اتكلمي.
طلبت بدموع: ممكن تبعتلي فلوس.

كرر خلفها باستغراب: فلوس!، هو أنتِ كل التردد ده علشان تقولي كده، اه يا ستي عادي ابعتلك، هو بشير مبعتلكيش فلوس الشهر ولا ايه، أنا باعتهم معاه، قايله يجيلك بيهم من أول امبارح.
هتفت وهي تتحدث باضطراب: لا لا، بشير جابهم، بس خلصوا.
خلصوا ولا كارم خدهم؟

لم تجب فعرف هو الإجابة لذا شد خصلاته بانزعاج وهو يقول لها: هبعتلك يا ميرت حاضر، وقولي لبشير اللي أنتِ عايزاه وهو هيجيبه، والفلوس دي أنا ببعتها ليكِ، مش علشان كارم ياخدها ويسيبك كده.
تحدثت ببكاء شديد وقد شعرت بالألم: أنا بقالي يومين مش معايا مليم، و مكسوفه اكلمك وأنت لسه باعت الفلوس أول امبارح.

كور قبضته بغضب وأخذ يدق بها على الطاولة المجاورة للفراش: بشير هيجيلك دلوقتي، وفلوسك بتاعتك محدش ياخد منها مليم، ومفيش حاجه اسمها مكسوفه أكلمك علشان أنتِ عارفه إن فلوسي هي فلوسك، وأنا نازل القاهرة بعد بكرا، هوصل رفيدة الكلية واعدي عليكي.
مسحت دموعها وابتسمت وهي تقول بامتنان: ربنا بخليك ليا، هستناك يا حبيبي.

لا يعلم ماذا يفعل، سئم من كل شيء، سئم من هذه التصرفات، ومن تمسكها المرضي بهذا اللعين، حتى أبعد الأشياء عن تفكيره صار يفكر فيها وهو يقول لنفسه بعد أن أغلق معها: ده لو ساحرلك مش هيبقى الوضع كده.
قال هذا وهاتف صديقه طالبا منه الذهاب لها ثم تمدد على الفراش مجددا واضعا الوسادة على رأسه بانزعاج وهو يحاول عدم التفكير بأي شيء الآن حتى يستطيع إكمال نومه ولكنه لم ينجح.

جلس منصور في حديقة منزله، يستنشق نسمات الهواء في هذا الصباح وهو يفكر جديا في كل المستجدات الأخيرة التي طرأت عليه، أتاه اتصال هاتفي فتنهد بضيق ثم أجاب: ألو يا باشا.
ايه يا منصور كل ده تفكير؟، قولتلك عايز رقبته وقولتلي هفكر ومن ساعتها مسمعتش ليك حس.
أجابه منصور بما لديه: يا باشا اللي أنت طالبه ده مش سهل، ومحتاج ترتيبات كتير.

أخبره محدثه بهدوء: لا خلاص شيل من دماغك اللي طلبته منك، مش وقته، بس عايز منك حاجه كده هتبقى تذكار مني ليه لحد ما اقابله.
رضا تماما عن هذا وهو يقول له بضحكة واسعه: كده بقى الكلام يظبط ونتفق.

يحتاج إلى جلسة مع نفسه، جلسة ينفرد فيها بنفسه وبمياه البحر الصافية، ذهب في هذه الأمسية وقد اقتربت الساعة من الثانية عشر منتصف الليل إلى مكانه المفضل، حيث لا بشر، سكون تام فقط هو والمياه، فتح هاتفه يتأمل الصورة التي أشارت له شقيقتها فيها، ابتسم وهو يراها مؤكدا أنه تم التقاطها في الوقت المناسب تماما.

قطع صفوه جلسته، هذه السيارات التي توقفت تحيط بالمكان، الليل يحجب الرؤية ولكنه هو لا يتوهم بالفعل هناك سيارات كثيرة تتوقف، شعر أن هناك شيء خطأ يحدث، ليس من الحكمة أبدا أن يواجه، عددهم كبير جدا وهو وحده، لذا اتجه ناحية سيارته وقبل أن يركبها اقترب أحد النازلين من السيارة منه يلكمه بعنف، ردها له عيسى بغل ورفع ساقه يضرب الآخر، ولكن اقترب أحدهم بصاعق كهربائي ليشل حركته تماما وهو يقول: أنا مكنتش هستخدمه بس طالما هتتعبنا يبقى مش خسارة فيك، صاوي باشا بيسلم عليك.

قال جملته هذه وتدافعوا يوجه كل منهما له الضربات في وجهه وجسده، ضرب مبرح لم ينته حتى تأكدوا من أنه انتهى تماما من فرط ما فعلوه، حمله بعضهم ليضعوه في أحد السيارات وقائدهم يقول: يلا بينا، وزي ما اتفقنا، تدخل بيه القرية بتاعته ولو حد وقفك ولا سألك، قول إنك داخل ب عيسى ابن الحاج نصران وإنه صاحبك وتعبان، هيدخلوك علطول.
استمع الرجل للحديث ثم قاد السيارة مغادرا، وهو يعلم أين سيتركه جيدا.

كانت ملك تقف في محل والدتها، وضعت كل شيء مكانه واستعدت للصعود وإغلاق المحل بعد أن طلبت منها والدتها ذلك، خرجت منه لتغلق البوابة الخارجية ولكن انكمش حاجبيها وهي ترى سيارة غريبة تتوقف. وسريعا ما جحظت عيناها بصدمة وهي ترى عيسى يُلقى منها ليصبح على الأرضية، وتفر السيارة هاربة، هرولت مسرعة ناحيته، إنه لشعور مقيت أن تختبر نفس الشعور مرتين، تقترب بخوف شديد، خوف ودموع هل هو ميت أم حي؟

ونزلت دموعها أكثر وهي تراه يتنفس ولكن بلا أي حركة، شبه مستيقظ فرفعت رأسه عن الأرضية مسرعة وشعرت بالعجز ولكنها وجدت نفسها تنادي على والدتها، أخذت تنادي بذعر ثم وجهت حديثها له: أنت سامعني؟
هذه الحالة بسبب الكهرباء التي صُعِق بها، عيناه تخبرها أنه بالفعل يسمعها، ولكنه تدريجيا استطاع أن يتحدث ولكن بكلمات متقطعة: متودينيش البيت، ولا. المستشفى.

قال هذا فنزلت دموعها أكثر وهي تضرب على قدمها تسأله: مين اللي عمل فيك كده بس؟
حاول الحديث مجددا ولكن خرجت كلماته متقطعة: أنا، كويس، خليكي، أنتِ معايا، متكلميش حد.
مسحت على خصلاته وهي تطمأنه من وسط دموعها: متخافش أنا معاك.

نادت على والدتها بنبرة أعلى، فهرعت إليها من المنزل بفزع، وما إن رأت حالته هكذا حتى شهقت بصدمة واقتربت مسرعة منه فوجدته يحاول جاهدا أن يتشبث بابنتها، ولا يفلتها وابنتها تكرر بلا توقف: أنا معاك.
اقتربت والدتها تحاول إبعادها وتحثها بفزع: قومي بسرعه خليني أوديه أي مستشفى.
كرر بصعوبة: لا، مستشفى لا.

هو يدرك أن السبب الرئيسي في حالته هو الكهرباء وليس ضرباتهم، بالتأكيد لها تأثير ولكنه الأضعف، تابع: نص ساعه وهبقى كويس.
قال هذه الكلمات وصمت تماما، نبضات قلبه تقل سرعتها شيء فشيء، هو على يقين أن كل هذا سيزول بمجرد أن تذهب هذه الشحنات الكهربية
طالع عيونها الباكية ووالدتها تحثها على مساعدتها ليأخذاه إلى أعلى ولم يقل هذه المره سوى: متخافيش.

أحاطت بكفه ورغبت في الصراخ، صرخة عالية يسمعها الكون بأكمله ليعلم أنها حتى الآن تتألم، حتى الآن تخاف ولكن هذه المرة تخاف عليه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة