رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل العاشر
"عالم همس"
دلفت إلى جنتها الخاصة، حاملة صينية الطعام والسعادة تملأ قلبها، لتجعل دقاته أعنف وأقوى، فتتدفق الدماء بشريانها بإندفاع غامض،و يتلألأ بريق عجيب بحدقتيها، شعور غامض يجتاح خلاياها بلذة .
وضعت الصينية أعلى تلك الطاولة الخشبية، لتفرك يداها بفرحة:
تمام كده... أدخل أنادي تيتة "فريدة" ونفطر هنا في الهواء الطلق ده.
لتستدير بكامل جسدها، فيتسلل ذلك الشذي الخاطف لأنفاسها، مداعبًا أوتار قلبها بمشاكسة مرحة، فتخطو نحو غرفتها، وتقترب من الباب ليستوقفها ذلك الصوت.
داخل الغرفة
جلست "فريدة" على طرف فراشها، لتفرك يديها سويا بألم، وترمقه بنظرات عاتبة وقلب يئن من قسوته التي مكنته من كسرها بلا شفقة، فتهمس بصوت يكاد مسموع، ونظراتها رافضة مواجهته:
جيت ليه؟!
جاي تتشفي فيا تاني؟!
جاي تكسرني وتذلني تاني؟!
وقف بكبريائه المعهود، واضعًا يداه بجيبي بنطاله، علامات غامضة نعجز عن تحديدها تحتل ملامح وجهه أهي قسوة ممزوجة ببعض اللين؟!، أم غفران يغلفه الكثير من الكبرياء؟!، ليزفر زفرة قوية، هاتفًا بثبات:
جربتي الكسرة اللي إتكسرناها؟!، جربتي التشفي والشماتة يوم ما "حاتم" خرج من القصر؟!
سبقتها عبراتها إليه، لتنهض من مجلسها، مقتربةً منه، فتعتصر ذراعيه بيديها المرتجفة، وتبدأ بمواجهة نظراته الغامضة، مطلقةً لصوتها العنان في التعبير عن غضبها:
شماتة؟!... أشمت في حفيدي!... إنت أكيد إتجننت... لو كنت ركنت كرهك ليا على جنب، وركزت في عيوني وهي بتتوسل له إنه مايسبش القصر... نظرات الرجاء والتوسل بإنه يعاندني ويقولي هتجوزها ومش هسيب القصر ولا هسيب إخواتي
لتبتعد عنه وتدور خلفه بوجع إخترق صمامات قلبه، مردفة بإسهاب:
كنت بشوف كرهك ليا اللي نقلته لإخواتك عشان غلطة كانت غصب عني... ماهو مفيش أم في الدنيا هتحب ولادها يموتوا قبلها... كنت بقسي وبتحكم عشان أحس إن ليا وجود وسطكوا... كنت بصر على قراراتي عشان تتخانقوا معايا وإحس إني مهمة في حياتكم... أيوة كنت طايشة وبحب الحفلات والسفر، بس ده بحكم البيت اللي عشت فيه... بيت كان فيه كل يوم حفلة... وكل شهرين أسافر مكان جديد ... لحد ما بقى روتين حياتي.
لكن موت عيالي كسرني... وملقيتش حد فيكم وقف جنبي ولا سندني... كلكم حسستوني بالذنب، ونظرات الإتهام كانت بتقتلني...
قويت وإستقويت... عشان أقدر أكون جبل شامخ... وكل يوم قبل مانام كنت بدعي ربنا تحسوا بيا... وتعوضوا غياب ولادي.
ترنحت في وقفتها، كادت أن تفقد وعيها وتهوي أرضًا، لتجد يد قوية تُحيل بينها وبين ذلك.
لتتكأ عليه بلهفة خشية فقدان وعيها كغريق يتعلق بقشة.
ويتشبث هو بها بيديه القوية، ليُجلسها بفراشها، ويلتفت حوله باحثًا عن مياه أو عصير.
حتى وجد من تقتحم الغرفة بعيون مشتعلة، صافعة الباب بقوتها المحدودة، لتدفعه عن "فريدة" بيدها الرقيقة، فلم تؤثر في ذلك الثائر ولم يتحرك إنشًا واحدًا من مكانه، لترمقه بنظراتها المستنكرة، وتتعالي صيحاتها:
إبعد عنها لوسمحت... إيه القسوة دي كلها؟!
إنت معندكش قلب عشان تحس بيها وبضعفها، مستني تشوفها واقعة قدامك...
وإزدادت نظراتها تحدي وكبرياء، وشرارات الحنق قدحت بمقلتاها، لتصرخ بوجهٍ يشتعل إحمرارًا وتوهجًا:
غلطة وغلطتها... وندمت عليها... ربنا بيسامح.
لتضرب بسبابتها نحو مضخته، وتثبت نظراتها بعيناه المُهلكة، مكملةً بحدة:
إنت تكون مين؟!، عشان تحاسبها... ربنا اللي بيحاسب، مش إنت.!
كلنا بشر وبنغلط، ولو راجعت نفسك هتلاقيها كلها عيوب وأخطاء... إنت مش نبي يعني.
إلتقط يدها التي تلتمس موضع فؤاده، ويدها الأخرى التي تحتضن جانبها، ليدفعها بعنف نحو ذلك الحائط البارد، مقيدًا يديها لأعلى بقبضته القوية، ويثبت نظراته الثاقبة بحدقتيها، هاتفًا بثبات ولين، ومكر:
و إنتي مالك؟!... كنتي المحامية بتاعتها يا...
إلا أنه لاحظ بطرف عينه إرتفاع وهبوط صدرها، وإرتباكها القوي بين يده، نظراتها الزائغة، إشتعال وجنتيها نيرانًا، فقرر اللهو بأعصابها أكثر، ليقترب من أذنها، فتلفح أنفاسه الدافئة وجنتاها، فيهمس بغموض:
يا... "همسي"...
تلاطمت دقاتها بشراسة، وعلى صداها ليُصم أذنها. إزداد تدفق الدماء الملتهبة بشُريانها، ليجف حلقها كصحراء قاحلة في يوم شديد الحرارة، فبرودة الحائط خلفها ذابت وإنصهرت، حتى مادت بها الأرض، ودارت بها بقوة ليختل توازنها بين يديه...
فترك يداها مبتعدًا عنها بإبتسامته الجانبية الماكرة، وولاها ظهره، ليتنهد بهدوء عاشق ...
رفعت يدها لتحركها أمام وجنتيها بسرعة، متوسلة لقليل من البرودة، كي تهدأ من إشتعالها، واليد الأخرى تضغط بها موضع قلبها علّها تخمد ثورته العارمة، لتستند بكامل جسدها على الحائط، تمنت أن تفك حجابها، ليلفح النسيم عنقها بقوة.
بينما إلتقط هو كأس من العصير وإتجه به نحو "فريدة"، ليجد من تركض نحوه وتجذبه منه بعنف، صارخة:
إنت إتجننت! تيتة عندها السكر، لازم تاخد الأنسولين وتفطر على طول.
رمقها بتعجب وإندهاش، أتعلم عنها كل هذا خلال يومين فقط قضتهم معها؟!
وهو حفيدها ويسكن معها بنفس المكان، ولم يعلم قط بكونها تعاني من مرض السكري !
وضعت "همس" كأس العصير أعلى الطاولة، وإتجهت نحو "فريدة"، ملتقطةً يدها بحنان ودفء، فتسندها إلى "عالم همس" لتناول الفطور.
جذبت المقعد و أجلستها عليه برفق، وإبتسامتها الحانية تعتلي ملامح وجهها، لتهمس، مربتةً على كتفها:
هجيب الأنسولين وآجي، ناخده وبعدين نفطر...
ربتت "فريدة" على يد "همس" بحنان الأم الذي أزهرته "همس" بقلبها من جديد، وأومأت لها بضعف:
ماشي ياحبيبتي.
توجهت "همس" إلى الغرفة لجلب قلم الأنسولين، وحقنت به "فريدة" بخفة لم تشعر بها.
هناك من يراقبهما بصمت قاتل، وملامح ساكنة رافضة الإفصاح عما يدور بخلده، ليجذب مقعد هو الآخر ويحتله بثباته المعهود، مردفًا بمكر:
مش تعزمي على ضيوفك بالأكل يا أنسة!
... قولتيلي حضرتك إسمك إيه؟!
تمكنت تلك الرعشة اللعينة من خلاياها، فإنتفض جسدها بقوة من ذلك المقتحم لعالمها دون أدني إستأذان، ونظراته المهلكة التي تدمر ثباتها وتماسكها، ليسقط قلم الأنسولين من يدها، فتشهق بقوة:
ها... أسفة... وقع غصب عني.
وتنحني لإلتقاطه، ولكن هناك من سبقها إليه ولمسه بأنامله، لتلامس أناملها يده من دون عمد، فتسري رجفة غامضة غمرها الكثير من الدفء.
رفعت عيناها في مواجهته، لتذوب بسحر عالمه الخاص الذي يحكم على كل من يقتحمه بالهلاك، فتغرق ببئر غموضه، إلا أنها لمحت ركن بعيد يزداد توجهًا وبريقًا، لم يصل إليه أحد قط، أو ربما لم يكن موجود بالأصل، ليجذب هو القلم ويستقيم في جلسته محمحمًا:
طيب... يلا نفطر.
ويهم جاذبًا أحد أقراص الطعمية الساخنة بأطراف أنامله، ليتأملها بإعجاب، مردفًا:
يااااااه... بقالي سنين ما أكلتش طعمية.
فيرفع عيناه نحوها هامسًا بمكر مُربك:
وحشتني ...
إتسعت مُقلتاها صدمة، لتسعل بقوة وتتقطع أنفاسها، فينهض من مقعده مهرولًا، ويتجه إلى الغرفة لإحضار كأس من الماء ويناولها إياه، مردفًا بإستنكار:
فيه حد بيجيب أكل من غير مايه؟!...
بني آدمة غريبة جدًا، إتفضلي إشربي.
إلتقطته بلهفة المحارب للحياة لترتشف منه القليل وتهدأ سعلتها، فيهتف "ثائر" بخبث:
بس إنتي لسه ما أكلتيش حاجة!
أومال شرقتي ليه؟!
ليتركها ويتجه إلى مقعده مستكملًا تناول فطوره بتلذذ... أهذا لروعة الطعام أم لروعة حالة "همس"؟!
رفعت "فريدة" عيناها نحوها بعرفان، مردفةً:
تعبتك معايا يا "همس" ماكنش له لزوم الفطار ده، الأكل جوه كتير يكفي أسبوع وأكتر.
إقتربت منها "همس" لتربت على كتفها، وتلك الإبتسامة المتوهجة بإشتعال وجنتاها فتزيدها حسنًا وبهاءًا، فتردف بتذمر طفولي:
بقا كده يا تيتة مش عايزة تفطري معايا، وأنا اللي سبت بابا وماما و "موري" وقولت أبدًا لازم أفطر مع "فيري".
تعالت ضحكات "فريدة" المرحة، فهي هاتفتها بإسمها الذي لطالما تفنن زوجها وعشقها في نطق أحرفه بعشق، لتتنهد بإشتياق:
"فيري"... وحشني الإسم ده قوي
لكن هناك من يراقب علاقتهما المختلفة والصادقة بعيون ثابتة، بينما يتناول فطوره، ليردف وهو مازال ينظر بطبقه ولم يرفع نظره عنه:
يلا يا تيتة عشان نفطر ونرجع القصر.
تأمله بصدمة عقدت لسانها، لتغرورق عيناها بعبرات السعادة، ويتراقص قلبها طربًا لأنغام صوته المحمل بدفء تمنته لأعوام وأعوام، فرفعت عيناه نحو "همس" بدهشة وتوسل إن تؤكد لها ما تسلل إلى مسامعها.
حركت "همس" رأسها بتأكيد ما سمعته، لتتمرد من عيناها دمعة فرحة لأجل "فريدة ".
شقة "حاتم"
ألقي النظرة النهائية بالمرآة ليتأكد من كامل أناقته ووسامته، ليتلقط عطره الهادئ وينثر قطراته فينتشر عبقه بالمكان، ويكون نداءًا خاص لتلك العاشقة الولهة، لتنضم إليه بالغرفة، فتستنشقه مغمضةً عيناها بهيام وتحتبسه بصدرها علّه يذوب بشريانها النابض فيكون له إكسير للحياة، وتهمس:
عارف البرفيوم ده حاسة إن مصنوع ليك مخصوص بيحسسني بدفا حضنك... عمري ماحبيته على حد غيرك بالعكس بحس إنه بيعصبني ومش لايق عليهم.
ليستدير لها بإبتسامته العاشقة ونظراته المتيمة، ويجذبها نحو أحضانه، فتستقر بوطنٍ هي ملكته وشعبه، ليشدد من إحتضانها باثًا لقلبها الأمان، مرتويًا من ينبوع عشقها المتدفق، متنهدًا بقوة:
وحضني وطنك... ودفا روحك... وإنتي حبيبتي، وبنتي، وصاحبتي، إنتي الحاجة الحلوة اللي في أيامي، إنتي منة من الله هداني بيها وأتمنى إن أقدر أحافظ عليها وأحميها بعمري.
ليدمغ قبلته المطمئنة أعلى جبينها:
ربنا يخليكي ليّا "موني".
فرت دمعاتها من ذلك الأسر الذي لطالما جاهدت لبقائهما به، لتستقر أعلى قميصه مخترقة خيوطه وأنسجته لتلامس ذلك القلب فتشعله.
ليزيلها بأطراف أنامله الحنونة، ويرمقها بعتاب ولوم عاشق:
إحنا إتفقنا على إيه؟!
مش قولتلك دموعك دي أغلى حاجة عندي وأكتر حاجة بتوجعني، وكمان قولتلك إني طول ما أنا عايش مش عايز ألمح دمعة واحدة بعيونك، لأنها دايما هتحسسني بالتقصير وإني مش قادر أسعدك.
رفعت سبابتها لتضعها أعلى شفتاه لقطع حديثه العابث، وهمست بوله:
مُقصر؟!... مش قادر تسعدني!
أنا ربنا جمعلي رزقي كله وحطه فيك وف حضنك، أنا معرفتش السعادة غير معاك، ومحستش بالأمان غير في بيتك، إنت كل حاجة في حياتي... إنت الحياة نفسها.
رمقها "حاتم" بإبتسامة ماكرة، ليهمس:
مش النهاردة عطلة رسمية على ما أظن؟!
ويبدأ في نزع سترته، ليجد من تتشبث بها وصدي ضحكاتها يدوي بالغرفة:
عطلة إيه يا حبيبي؟!
إستهدي بالله ويلا عشان تفطر وتنزل شغلك، شوية وهتلاقي التليفون مش فاصل رن.
ليعلو رنين جرس الباب، فيرفع" حاتم" عيناه نحوه بحنق وتوعد:
قريتي فيها... أهو جرس الباب اللي بيرن...
مين السخيف اللي جاي على الصبح كده؟!
لو البواب هتبقى وقعته بيضا.
و توجه نحو باب الشقة لإستكشاف هوية هذا الزائر المتطفل، والهادم لسعادته، ولازال يتمتم ببعض الكلمات المتذمرة.
بينما إبتسمت "منة" بهيام، وتوجهت نحو خزانة ملابسها لتبدل تلك الثياب الخفيفة وترتدي ثياب ملائمة لإستقبال هذا الزائر.
حينها حرك "حاتم" مقبض الباب متمتمًا بحنق وسخط:
مين الرخم اللي جاي ع الصبح كده...
لتتسع مُقلتاه بإندهاش وإستنكار، هاتفًا:
تيتة!
فيجد من يظهر من العدم ويضمها إلى صدره بحنان، قائلًا:
مش لوحدها... ها... هنفضل واقفين على الباب كده كتير؟!
وبعدين كنت بتبرطم وتقول إيه؟!
تعالت إبتسامة "حاتم" تدريجياً، لتتحول إلى ضحكات فرحةً، فيركض نحوها ويحتضنها بقوة، مردفًا:
وحشتيني يا تيتة...
وتشدد هي الأخرى من إحتضان حفيدها لتكتمل سعادتها وتتسلل الراحة إلى قلبها.
لكن هناك من دفعه بعيدًا بقوة، ليجذب جدته نحوه بحنق ظاهري:
يلا يا فر... قصدي يلا يا تيتة نمشي شكله مش مرحب بوجودنا في بيته وهيسيبنا واقفين على السلم كده كتير..
إزدادت ضحكاته، ليجذب يد "ثائر" و"فريدة" ويدلفا ثلاثتهم إلى المنزل بسعادة، لتتعالي صيحاته المرحة:
"منة"... تعالي شوفي مين عندنا!
إنضمت "منة" إليهم بعدما أبدلت ثيابها وصففت خصلات شعرها وجمعتها بشكل عشوائي، لتنفرج إبتسامتها المرحبة:
أهلا بيكم... إزيك يا "ثائر"... إزي حضرتك يا هانم.
سحبت "فريدة" يدها من يد" حاتم" بهدوء مربتةً على يده بيدها الأخرى بحنان، لتخطو نحو "منة" بإبتسامة ود وحنان الأم فتصبح بمواجهتها فاتحةً ذراعيها كدعوة صريحة للترحيب بها ومعانقتها، هامسةً:
تيتة "فريدة"... قوليلي تيتة "فريدة" يا "منة"...
لترتمي بأحضانها مردفًا:
أهلا بحضرتك يا تيتة..
شددت "فريدة" من عناقها هامسةً:
أهلا بيكي في عيلة "السيوفي" يا بنتي...
نادي الفروسية
إرتدي "خالد " زيه المخصص للسباق، ليتوجه نحو جواده بسعادة، مقتربًا منه بهدوء، وثبات، ليدلك له رأسه بحنان ويطعمه بعض من مكعبات السكر مردفًا:
صباح الفل يا "عنتر"...
صهل" عنتر" محركًا رأسه بهدوء كمن يرد عليه التحية.
ليبتسم "خالد" بود، ويطعمه باقي مكعبات السكر:
أخبارك إيه النهاردة؟!
إن شاء الله الفوز والمرتبة الأولى تكون من نصيبنا زي كل سنة.
يزداد صهيله ويدوي بالأنحاء، محركًا رأسه بتأكيد الفوز والإنتصار.
دوي مذياع النادي الداخلي بالنداء لجميع المشاركين في السباق للحضور إلى ساحة السباق.
إستقر "خالد" نظراته بعيني "عنتر" هاتفًا بحماس:
يلا يا بطل... بينادوا علينا.
يمتطي "خالد" جواده بجدية، ليتجه نحو
الساحة بشموخ فارس دائم لحصد الألقاب.
ساحة السباق
إصطف جميع المتسابقين على خط البداية، جميعهم متأهب للسباق والإنتصار، ليرتب "خالد" على رقبة" عنتر" بحنو:
همتك ياوحش عايزين المركز الأول.
لكن هناك زوج من الأعين الشيطانية تراقبه بإصرار، وتبتسم بإستنكار:
مركز أول؟!
إنسى يا حلو... ماهو مش كل سنة!
السنة دي من حقي أنا... وأنا اللي هفوز وأرفع كأس البطولة.
فلاش باك
شاب ملثم بالكامل يتسلل إلى إسطبل الخيل بهدوء، يخطو خطوات خفيفة ملتفتًا حوله بترقب، ليتأكد من خلو المكان من البشر... فيكفيه وجود الخيول فقط، بالأخري يكفيه وجود "عنتر" فقط.
حتى لمح "عنتر" بالكبينة المجاورة لجواده، فإنطلق نحوه بهدوء، متسللًا من خلفه بحرص، ليخرج نصل لامع ويقلبه أمامه ممعنًا النظر به.
ويلتقط شريط السرج المزين "لعنتر" إستعدادًا للبطولة، ويبدأ بقطعه من الأسفل، من تلك القطعة المختفية عن الأنظار فمن الصعب ملاحظته بسهولة، ليتركه معلق بقطعة صغيرة سهلة التمزق مع إستمرار ركض "عنتر" بالسباق.
جذبه هتاف "خالد" مُناديًا عم "عبده" حارس الإسطبل، للتأكد من إستعداد "عنتر":
عم "عبد"... ياعم "عبده".
يركض نحوه مهرولًا:
أيوه يا "خالد" بيه... أوامر حضرتك.
رمقه "خالد" بصرامة هاتفًا بإستنكار:
كنت فين؟ مش قولتلك عينك ماتنزلش من على "عنتر"، يدوب أغيب خمس دقايق تختفي فيهم.
تلعثم" عبده" في كلماته:
حض... حضرتك. أنا هنا كنت بكلم" شهاب" بيه مكملتش دقيقة... وكل حاجة تمام زي ما حضرتك جهزت "عنتر" بالظبط... محدش قرب منه.
خلاص ماشي روح إنت شوف شغلك أنا عنده خلاص.
بينما تسلل هذا الملثم بهدوء ليغادر الإسطبل كاملًا.
عودة للسباق.
بدأت جميع الخيول بالعدو بعد إطلاق إشارة الإنطلاق وبدأ السباق.
تزداد سرعة الخيول تدريجياً ليتقدم أحدهم ويليه الآخر والآخر...
فتزداد سرعة "عنتر" تدريجياً، ويزداد تمايل "خالد " معه... حتى إقترب عنتر من الصدارة...
إختل توازن "خالد" تدريجيًا، حاول بقوة السيطرة على اللجام، لكن إزدادت سرعة "عنتر"... وإزداد معها الموقف تعقيدًا... وإختل توازن "خالد" تمامًا...
قصر السيوفي
التجهيزات على قدم وساق، ويتابع "حمزة" إستعدادات الحفل بالحديقة الخارجية للقصر، يُملي تعليماته على منظم الحفل، ويبدي إقتراحاته وتخيلاته للتنظيم، كما إعترض على بعض الديكورات المبالغ بها، ليهتف بحزم:
الحاجات دي تتشال... دي حفلة لعيلة "السيوفي" مش فرح شعبي هو! .
المنظم بإرتباك:
ده حضرتك أحدث ديكورات موجودة.
قاطعه "حمزة" بحدة:
مش كل حاجة موجودة لازم أعملها، ممكن جدًا ماتكونش مناسبة لذوقي... أرجوك بلاش تقليد أعمى.
ونصيحة: إدرس شخصية العميل اللي هتقدم له الخدمة الأول، عشان تعرف إيه يناسبه وإيه لأ.
علامات التوتر والإرتباك بدأت تقتحم معالم وجه ذلك المنظم، وحبيبات العرق الخفيف تخفي جبينه، ليرمقه "حمزة" بغضب حانق، هاتفًا بإستنكار:
مش قد الشغل ما تعملوش... من مناقشة بسيطة زي دي وبقيت قدامي زي الكتكوت المبلول، أومال لو في إجتماع مهم والأجواء كلها عليك هتعمل إيه؟!
ليشير بيده كإذن للإنصراف مردفًا بنبرة تهكمية:
إمشي من قدامي، وحساب السكرتيرة معايا بعدين...
مطبخ القصر
دلفت "نجلاء" إلى المطبخ بجدية وصرامة، لترفع الغطاء عن هذا الإناء لمتابعة الطعام به، كما إلتقطت شوكة بها قطعة من اللحم من يد إحدى العاملات بالمطبخ لتتأكد من مدى نضجه، لتهتف بإمتعاض:
لسه محتاج يستوي أكتر... وبعدين الملح كتير... إظبطي إيدك.
لتأتي لها الأخرى بطبق صغير به أحد أنواع الحلوى، فتتذوقها بإستمتاع، مردفةً:
تسلم إيدك... مظبوط جدًا.
وتأتي لها آخرى بأنواع شتى من الفواكه لتتأكد من جودتها، فتلتقط حبة من كل نوع وتتأكد منها، لتهتف:
ماتنسيش الفراولة "فريدة" هانم بتحبها.
أطرقت الفتاة رأسها أرضًا لتجاوبها بخنوع:
حضرتك أنا غسلاها ومجهزاها في الثلاجة مجرد ما "فريدة" هانم تطلبها أخرجها فورًا.
أومأت لها "نجلاء" برأسها... لتركض صارخةً نحو الموقد وتقلل من النيران المشتعلةتحت الإناء:
إيه اللي إنتي عاملاه ده؟! السوتية محتاج نار هادية عشان يستوي كويس، كده يتحرق.
لتتجه نحو أحد الأفران وتخرج صينية المخبوزات، وتضعها أعلى طاولة المطبخ الرخامية، لتهتف:
هاتي طبق وسكينة.
ناولتها العاملة الطبق والسكين، لتخرج "نجلاء" أحد الفطائر المحشوة باللحم المفروم، وتقطعها أجزاء، وتلتقط جزءًا لتتذوقه مستمتعةً بطعمه الشهي:
تمام جدًا... ده إستوي.
و حد يطلع صينية اللازانيا من الفرن قبل ما تتحرق.
لتخرجها إحدى العاملات وتتوجه بها نحو "نجلاء"، مردفةَ:
تمام كده يا هانم.
تفحصتها "نجلاء" بإهتمام، مردفة:
تمام جدًا... كده كل حاجة جهزت للغدا... ماعدا الملوخية طبعًا دي تجهز لما الكل يكون موجود على السفرة.
إحدى العاملات، أردفت:
والديك الرومي حضرتك نص ساعة ويكون خلص...
أومأت "نجلاء" برأسها وغادرت المطبخ للذهاب إلى غرفتها والإستعداد لإستقبال "فريدة"
غرفة "هيا"
غادرت "هيا" حمامها الخاص بغرفتها، مرتدية ثوب الإستحمام الخاص بها، لتتجه نحو غرفة ملابسها، وتقف مترددة في إختيار ثوب مناسب لها كعادة جميع الفتيات.
صدح هاتفها برنين معلن عن إستلام رسالة، فتغاضت عنه، وأكملت رحلة إنتقائها لما ترتديه.
لكن هاتفها عاود الرنين مرة أخرى معلنًا إستلام رسالة أخرى.
لتلتفت "هيا" نحوه رامقة إياه بتهكم، مردفةً:
لا ده أنت مصمم بقا.
وتترك فستانها محله، وتخطو متوجهة نحو تلك الطاولة، جاذبةً هاتفها، وتبدأ بالضغط على أزراره لإستكشاف تلك الرسالة.
إتسعت مُقلتاها فزعًا، وتدلي فكها صدمةً، تسارعت دقات قلبها رافضةً ماتراه عيناها، لتسيل دمعاتها شلالات بلا توقف.
ليصدح الهاتف برنين بين يداها برقم مجهول لها، فبدأت تحرك رأسها برفض لذلك الواقع، ولكن المتصل لديه إصرار فعاود الإتصال مرة أخرى، فتضغط "هيا" على زر الإجابة وتضع الهاتف بالقرب من أذنها...
لحظات صمت قاتلة، سوي من دقات قلبها المتلاطمة التي كادت أن تصل إلى حد الصراخ.
لتقذف ذلك الهاتف أرضًا، وتبدأ بالأنين والصراخ الصامت...