رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الثاني
الصراخ بأسمها إخترق آذنه فوخز قلب مراد بألم لم يعلم سببه، أسرع بخطواته ليتبع الصوت، فولج للمطبخ ليجدها تتمدد أرضاً بأهمال، في حالة لا ترثى لها، وجهها شاحب للغاية، يكسوه لون أزرق باهت، وكأنها رحبت بوسام الموت بأستسلام، تركزت نظراته عليها وقدميه ترفض الإنصياع لأوامره بالإقتراب!، قطع المسافة بينهما لينحنى تجاهها، فجذب رأسها الموضوع على قدم أشجان ليحركها بين يديه بصدمة، رأى الفقعات التي تهبط من فمها فعلم بأنها تعرضت لسمٍ قاتل، حرك رأسها بأنفعالٍ ليردد إسمها بعدم إستيعاب:.
حنيـــــــــــن!..
لم تستجيب مشاكسته لندائه كالمعتاد، فشعر بأضطراب قلبه الذي خفق دقاته ببطء وكأن الزمان توقف أمامه، فقد مهاراته وإحترافيته بالتعامل مع هذا الوضع، لكونه مدرب للتعامل مع كافة المصاعب، خرج رحيم من مكتبه بسرعةٍ كبيرة، حينما إستمع لصوتٍ بكاء شجن ليرى بعينيه ما يحدث أمامه، هرع تجاههم ليجد حنين تصارع الموت بمحاربتها هذا السم الفعال، والغريب بالأمر إستسلام مراد الغير متوقع، إنخفض تجاهها ليتفحص نبضها فوجدها مازالت على قيد الحياة، دفع بيديه مراد ليحركه بقوة لعله يسترد عقله فقال وهو يتفحص وجهها الأزرق الشاحب:.
دا سم!، لازم تخليها تطرد الأكل اللي أكلته قبل ما يتمكن منها أكتر من كدا..
وكأنه لم يستمع إليه، فكانت نظراته عليها ويديه منغمسة بين أصابعها، وكأنه فقد الحياة، إهتز جسد حنين بقوةٍ وكانه بدأ بالإستجابة لجرعة السم القاتلة التي إنسابت لإختراق جسدها بأكمله، صعق رحيم من تأخره بأنقاذها، فلكمه بقوة ليصيح بشراسة:
مراد فوووق...
لكمته القوية كان لها الفضل بعودة عقله للعمل، فبدأ بستعيب ما قال وما عليه فعله، حملها سريعاً بين يديه، ليتجه لحوض الإغتسال الخاص بالأطباق المجاور إليه، ضغط بيديه بقوة على صدرها، وبحركاتٍ إعتاد التدرب عليها بمعسكر عمله جعلها تستفرغ ما بجوفها، تراجعت شجن للخلف بخوف من رؤية حنين بتلك الحالة المذرية، تحولت نظراتها ل رحيم لتحدجه بنظرة غريبة، جعلته يتطلع لها بذهول من قراءة ما يجوب بعقلها، أشاح بنظراته عنها لينقذ تلك الفتاة أولاً ثم يراها، سأل الخادم المسؤول عن خدمات المطبخ بحدة:.
الهانم كلت أيه من هنا؟..
أجابه سريعاً والخوف يدب بحدقي عينيه من أن يتهم بما حدث:
مأكلتش حاجة يا باشا هي كانت بجناحها ونازلة...
أمره بوجومٍ شديد:
طيب أخرج الوقتي...
إنصاع لكلماته على الفور، حملها مراد ليضعها بأحد غرف الطابق الأسفل، وضعها على الفراش برفق وعينيه مازالت متعلقة بعينيها لعلها تفتحها لتنير دربه الذي أظلم بأنغلاقها، أشار له رحيم فتركها وخرج من الغرفة ليقف مقابله، فقال:.
لازم نفتش جناحك أكيد الاكل المسمم لسه له أثر...
أومأ برأسه بتأكيد، ليلحق به على الدرج ومن ثم إستدار لحارسه الشخصي الذي يقف أمام الغرفة الموضوع بها حنين ليأمره بحدة وبغلظة لم يعهدها من قبل:
لو حد دخل جوا الأوضة دي حسابك مش هيكون غير معايا...
أحنى رأسه قليلاً ليؤكد له على تنفيذه لكلماته، صعد مراد للأعلى، فولج لجناحه ليبحث جيداً عن الأطعمة التي تناولتها حنين، عاونه رحيم بالبحث ففتح البراد الصغير الموضوع بغرفته، ليخرج زجاجة عصيره المفضل، أزاح غطائها ليقربها من أنفه ثم سكب منها بأحد الاكواب ليتطلع للونها بأهتمامٍ، إنتبه له مراد فترك ما يتفحصه وإتجه إليه فجذب الزجاجة من يديه ليتفحصها هو الاخر، فأبعدها عنه مردداً بصدمة:.
أنا اللي كنت مقصود مش هي!.
تطلع له رحيم بنظرةٍ مطولة، ثم جذب الكأس ليقف قرب الباب، فرفع صوته الصارم:
حازم..
ولج يهرول للداخل فقدم له رحيم الكأس ليشدد على كلماته:
إعرفلي نوع السم دا وعلاجه بأسرع وقت...
جذب الكأس منه وهرع مسرعاً ليتفقده، فالدقائق قد تشكل نهاية بالنسبة لها، بدت قسمات وجه الجوكر قابضة، مخيفة للغاية، لكم درابزين الدرج بيديه ليصرخ بعصبية:.
الكلب عايز يتخلص مني عشان يقدر يوصل للي عايزه...
إقترب منه رحيم ليشدد على كلماته الهادئة:
إهدى يا مراد، هنربيه بس نعرف الأول مين اللي بيساعده..
خيم الحزن بسحابة مظلمة عليه، فمعشوقته تواجه الموت بدلاً عنه، تمنى لو كان محلها، فقلبه يئن بآهاتٍ خافتة، هبط للأسفل ليقف أمام غرفتها، يخطف النظرات السريعة إليها، فأن طالت يطرق قلبه أبواب صدره القاسي ليمزقه بقسوة على امل الخروج لإحتضانها بروحه وكيانه، إنتهى الطبيب من فصحها فخرج ليخبره بحالتها المتأخرة وأنهى حديثه بتحذيره الجلي:
حالتها غير مستقرة، لأزم تتنقل مستشفى حالاً...
ما كان ينقصه سماع تلك الكلمات التي دفعت الخنجر العالق بجرحه العميق، لتزيد من وجعه العميق، بدى لأول مرة عاجز عن إتخاذ قرار أو حتى التحرك، تدخل رحيم بالحديث ليوقف الطبيب عن إستكمال ما يقال:
مستحيل تطلع من القصر، حياتها هتكون في خطر...
قطعه الطبيب بكلماتٍ مختارة فحاله كحال من يتعامل مع شخصٍ بصرامة رحيم زيدان الذي يفرض حضوره على الجميع:
بس يا باشا الهانم محتاجة آ...
بتر كلماته حينما رمقه بنظرة مميتة ليشدد على حديثه:
أظن إنك سمعت كلامي، أعمل اللازم والأجهزة اللي هتحتاجها رجالتي هتوفرهالك...
خضع لحديثه الحازم فتركه وولج للداخل ليبدأ بعملية إنقاذها الغير مقنعة لرحيم فكان يعتمد إعتماداً كلياً على حازم لخبرته بأنواعٍ السموم وترياقها، نقل نظراته الحادة عن الطبيب المغادر ليتطلع لمراد بأستغراب، رأه هزيل، واجم الملامح، رأه ضعيفٍ ولم يعهد عنه الضعف من قبل، وضع يديه على يده الممدودة على دربزاين الدرج ليطمنه:
هتبقى كويسة متقلقش...
منحه نظرة غامضة، ليستقيم بوقفته:
عماد دا سكته أيه؟.
أجابه بثبات:
للأسف مش زي أخواته...
ثم قال وهو يجذب هاتفه:
عامل حساب لكل حاجة، وأولهم هو تغير مكانه من فترة للتانية...
زفر مراد بعصبية، فأرتفع نبرته الساخطة:
الأهم من كل دا هو أنه بيتلاشى الأخطاء اللي إخواته إرتكبوها فبيحاول يتخلص مني الأول قبل ما يوصل ل حنين...
جابت نظرات رحيم فناء الفصر الواسع:
هنعرف اللي عملها متقلقش...
شهقات خافتة أتت من خلفهم، جعلتهم يستدروا تجاه باب الغرفة، فوجدوا شجن تستند برأسها على نافذة الغرفة الخارجية، تتطلع لحنين بدموعٍ مهلكة، ترأها وهي تصارع الموت بأنفاسٍ متقطعة، الصديقة الوحيدة التي إكتسبتها فكانت خيرهن، إبتعدت عن النافذة حينما رأت الطبيب يحقنها ويقيس نبضاتها، فرأتهم من أمامها، إقتربت من مراد لتعاتبه بصوتها الباكي:.
الدكتور قال أن حالتها وحشة ولازم تتنقل المستشفى ليه سايبها هنا تواجه الموت!..
كاد بأن يجيبها ولكن ناب عنه رحيم:
خروجها من القصر مش لصالحها..
نقلت نظراتها الحاقدة إليه لتصرخ به بغضبٍ:
مش في صالحها إزاي دي بتموت!..
قطع المسافة بينهما ليجيبها بهدوء:
المستشفى مش هتعرف تعملها حاجة علاجها دقايق ويوصل..
نظرات الشك الساكنة بعينيها جعلته يتابعها بأستغراب، تغلبت على خوفها وأطالت بالنظر إليه، فربعت يدها أمام صدرها لتجيبه بسخرية:
ويا ترى بقى كان العلاج دا هيكون موجود لو كانت خطتك نجحت و مراد هو اللي شرب السم مش حنين!..
صعق رحيم من تهمتها الصريحة إليه بأنه من حاول التخلص من أخيه، ولكنه بدى ثابتٍ للغاية، عينيه لم تفارق عينيها، صوت إحتكاك أسنانه ببعضها كان قوي للغاية، بدى وكأنه وحشاً يصارع الأغلال التي توقفه للإنقضاض على فريسته، رفض مراد ما تمليه من تهم بشعة تجاهه فقال بأتزان:
أيه اللي بتقوليه دا يا أشجان!.
نقلت نظراتها تجاهه:
الحقيقة، أكيد هو اللي ورا اللي حصل لحنين...
رفض البقاء أكثر من نفسك فتوجه لغرفة مكتبة ليصفق الباب من خلفه، لتجوب خطاه المكان بملامح مفترسة، شرسة للغاية، يود أن يثلج صدره بالنيران التي إستحوذت عليه، إستغل مراد إنصرافه فوقف أمامها ليرسم بسمة هادئة لعلها تستمع لكلماته، فقال بثبات:
رحيم مستحيل يعمل كدا يا أشجان، اللي عمل كدا أنا عارفه كويس وأعرف إزاي أجيبه وأدفعه التمن غالي...
قالت بأعتراض رافضة الإصغاء إليه:.
وأيه اللي يضمنلك إنه ميكونش هو، دا شيطان عايش بس عشان يأذي غيره...
خلع جرفاته وكأنها تعيقه عن التنفس، فعادت كلماتها لتستحوذ عليه من جديد، أطبق على يديه بقوة حتى إبيضت يديه من فرط تصلبه فصمته عن الحديث وعدم الدفاع عن ذاته جعلته يتلوى من الغضب، فخرج من الغرفة ليتجة إليها مجدداً ليدفاع عن ذاته ولكنه وقف محله حينما إستمع لحوارها مع أخيه بصدمة من كلماتها، تطلع لها مراد بأسترابة ليسألها بشكلٍ مباشر:.
معقول تكوني شايفاه بالشكل دا!..
وضعت عينيها أرضاً بتهرب من اجابته، فمنحتها دموعها طاقة غريبة للحديث:
كل ما احاول أنسى اللي عمله معايا وأحاول أديله فرصة جديدة بتحصل حاجة تخليني أغير رأيي فيه وأخاف منه أكتر..
هز رأسه بأيماءة خفيفة، متفهمة لما تمر به من حالتها النفسية العصيبة، فقال بهدوء:
يمكن اللي مريتي بيه كان صعب بس اللي أنا واثق منه أن رحيم مستحيل يعمل كدا...
لم تتأثر ملامحها بما قاله، بدت غير مقروءة ومع ذلك تساءلت بأهتمامٍ:
وأيه اللي يخليك واثق كدا!.
لاحت على وجهه بسمة شاحبة تكاد ترسم بالكد، فأجابها بفتور:
لأن رحيم زيدان لما بيكون له عدو مش بيحاربه بالأسلوب الخسيس دا، بيقتل بس وعيونه متسلطة في عين عدوه..
واستطرد بحدة سيطرت على صوته الخشن:
اللي عمل كدا هو إبن عم حنين مش رحيم يا أشجان...
وتركها مراد وتوجه لغرفة محبوبته ليجلي مقابل لها، جذب يدها الباردة ليدفئها بين لائحة يديه، وعينيه غائرة بالدمع، يود لو تمكن من البكاء أو حتى إسقاط دمعة واحدة تخفف من وجع قلبه، ولكنه إعتاد على القوة والجفاء، قبل يدها بأنفاسه التي ذاقت الألم فأصبحت حارقة كالرماد، راقبتهم شجن من الخارج بدموع، الخوف عليها يحطمها...
الدوا جاهز يا باشا...
كلماتٍ جعلتها تنتبه لوجود أحداً ما بخلفها، فاستدرات لتجد الحارس الشخصي ل رحيم زيدان يقف بزواية بعيدة عن الدرج، يتحدث للفراغ، لا مهلاً بل هناك طيف لشخصٍ يقف بالزواية المعتمة، خرج للضوء ليقف أمامها، فتفاجئت بوجوده!..
نعم إعتصر قلبها من نظراته التي إكدت لها بأنه إستمع لحديثها القاسي عنه، إلتقط منه أنبول الدواء وتوجه للغرفة متعمداً أن يتجاهلها بعدما منحها نظرة جعلتها بأرتباكٍ من أمرها، ولج رحيم للغرفة ليقدم الدواء له قائلاً بثباتٍ عجيب وكأن شيئاً لم يصيبه:
شربها الدوا دا وهتفوق يا مراد..
إلتقط منه الأنبول بلهفة، ليقربها لصدره ومن ثم وضع ما به أسفل لسانها، ليحني رأسها قليلاً للأسفل، إستغرق الأمر أكثر من نصف ساعة حتى إستردت حنين وعيها تدريجياً، فبدأت بفتح عينيها على مهلاً، و شجن بالخارج تراقب ما يحدث من النافذة الزجاجية بأستغرابٍ، فهو بالفعل الذي أنقذها مثلما أخبرها منذ قليل!..
كانت محتجزة بغرفة صغيرة للغاية، معتمة، تحبس أنفاسها فتسيطر عليها، كان تستمع لأصوات من حولها ولكنها لم تتمكن من الحديث، إخترقت رائحة البرفنيوم الخاصة به هذا الحاجز المعنوي ليشعرها بوجوده، شعرت بأحتضانه لها وصراخه بأسمها، شعرت بلمسات يديه وقبلته العاشقة لها، وكأنه فتح الباب لها لتخرج من غرفتها الضيقة لينعشها الهواء ويعيدها للحياة، فتحت حنين عينيها تدريجياً لتجده مقابلها مثلما شعرت من رائحته المميزة، خرج صوتها متقطع للغاية ولكنه مفهوم:.
م ر ا د...
إستقبلها ببسمة كبيرة تشكلت على وجهه الرجولي، فجذبها لأحضانه بعدم تصديق من إستعادتها، كان يظن بأنه سيفقدها مثلما فقد كل عزيز ولج لحياته القاتمة ولكن الله عوضه خيراً، إنسحب رحيم من الغرفة بلطف، حتى يترك لهما مساحتهم الخاصة، تعمد بالا يتطلع تجاه من تقف أمام الغرفة بل أكمل طريقه لمكتبه بخطواتٍ منتظمة، واثقة، تهدجت دقات قلبها وهي تلمحه يتجاهلها، عادت كلماتها لتأنبها فشعرت بالسوء لما قالته بحقه لأول مرة، أرادت أن تتبع قلبها وتتابعه لتعتذر عن طريقتها السخيفة ولكنها أردت الأطمئان على صديقتها أولاً...
تأوهت من الألم ولكنها حبست تعبيراتها خلف بسمة زائفة حتى تظن من تراقبهم من الأعلى بأن هناك ما يحدث بينهما فقالت بدلال:
أنا جيت أفكرك أنك وعدتني إنك هتتقدملي بشكل رسمي بس الظاهر إنك بتنسى..
سحب سليم يديه بغيظ من اسلوبها الرخيص، فقال بحزم:
زي ما قولتي ناسي ومش هفتكر غير بمزاجي، ولو كررتي الزيارة دي تاني هنساكِ شخصياً...
إبتلعت ريقها بأرتباكٍ وظهر على ملامحها الخوف، فقال بلهجة ساخرة:.
حلو أن الواحد يعرف حدوده وحدودك لو إتخطيتها تاني متتوقعيش أني أحقق اي شيء من إتفاقنا...
تملكها الغضب، فقاطعته بوقاحة:
لا يا حبيبي لو فاكر إنك هتخلص مني بالسهولة دي تبقى غلطان..
ثم إقتربت منه لتهمس له بنبرتها الخبيثة التي كشفت عن مخططها الدانيئ منذ البداية:
زي ما معاك نسخة من كاميرا المكتب باللي حصل أنا كمان معايا نسخة بس من تصوري أنا..
وإبتعدت عنه لتحدجه بنظرة ماكرة وبسمتها تتسع على وجهها، صُدم سليم من إعترافها الصريح بأنها من فعلت ذلك، نعم كان يشك بالأمر ولكنها إعترفت به وكأنها تتفاخر بما فعله بها!.
جز على أسنانه بغيظ بطريقة أخافتها، ليخرج صوته المتقطع:
غوري من وشي...
تراجعت هنا للخلف قليلاً لتضمن مساحة أمنة لها:
همشي بس متنساش كلامي...
وغادرت من أمامه، بعد ان منحت من تقف بالطابق العلوي بسمة خبيثة لترتدي نظاراتها السوداء وتغادر لسيارتها بخطواتٍ خليعة ودلال مبالغ به، أما سليم فوقف محله شارداً بكلماتها لتعاد تحذيرات رحيم من أمامه عنها، ترقب الفراغ التي تركته سيارتها بنظراتٍ تقزز، وكأنه يمقت الأرض التي حملتها، فلم يرى تلك التي هبطت لتقف من خلفه، استدار ليدلف للداخل فوجدها تربع يدها أمام صدرها بغضبٍ يتمرد بعينيها، فسألته بشكلٍ مباشر:.
البنت دي بتعمل ايه هنا يا سليم؟.
إزدرد حلقه الجاف بصعوبة ليجيبها بهدوء:
كانت جاية ل فاطمة...
وتوجه للدخول ولكنه توقف حينما تمسكت ريم بذراعيه، رفع عينيه تجاهها تلقائياً، فوجدها تحدجه بنظراتٍ مشككة:
ولما هي جاية لفاطمة واقفة معاك ليه؟، وكنت ماسكها كدليه؟!..
جذب ذراعيه منها بقوة أربكتها، ليغمغم بضيقٍ:
كانت هتقع ومسكتها وبعدين دي أيه الأسئلة دي كلها أنتِ دماغك بتفكر في أيه بالظبط؟!.
هزت رأسها معقبة على حديثه:
هصدق اللي شافته بعيوني ولا اللي أنت بتقوله..
ثم إستقامت بوقفتها المضطربة لتسأله بتوترٍ وكأنها لا تحبذ سماع الإجابة المنطقية الكاذبة:
سليم أنت في حاجة مخبيها عليا؟..
ثم أعادت صيغة السؤال بأرتباكٍ:
في حاجة بينك وبينها!..
للحظة كان سيعترف لها عما يحمله بقلبه، للحظة كان سيبوح لها بعذابه الذي يحمله بمفرده؛ ولكنه يعلم بأنها سترفض تصديقه فهو بالفعل شاركها بجريمة جسدية لا تغتفر، إستعاد ثباته ليقضي على ضعفه الذي سيفضح ما حدث ليسيطر عليه بصوته الذكوري الغليظ:
قصدك أيه؟!، أنتِ واعية للي بتقوليه يا ريم؟!.
كادت بالحديث فأوقفها بأشارة يديه ليصرخ بها بغضب:.
يعني أي واحدة هقف معاها هيكون في بينا حاجة! أنتِ أكيد جرى لعقلك حاجة..
وتركها وولج للداخل فلحقت به على أمل الحديث معه ولكنه رفض السماع إليها وصعد لغرفته ليغلق بابها بقوة بوجهها، ليستند عليه بحسرة وغضب من ذاته على ما إرتكبه بحقها وبحق ذاته...
إنتظرها حتى إنتهت من قص ما يضيق صدرها، تفاجئ ببدء الأمر بأمر ابيها الذي مازال على قيد الحياة؛ ولكنه منذ أن دلف لتلك العائلة الغريبة وأصبح لا يتعجب من أي شيء يحدث فما كان أغرب من رفيق دربه الذي أصبح بقدرة قادر رحيم زيدان الذي يملك سلطة مخيفة، إستاء يوسف للغاية وهو يستمع لما قالته لأبيها، فقال بعدما فرغت من حديثها:
أكيد في سبب يخليه مخبي حقيقته لكن دا ميمنعش إنك غلطتي غلط كبير يا نغم..
ضيقت عينيها بذهول، لتسأله بعدم إستيعاب:
أنا اللي غلطت!.
رد عليها بملامح واجمة:
مهما كان اللي عمله فيكي ميصحش تكلمي باباكِ بالأسلوب دا، الواحد بيتمنى أن أبوه او أمه يرجعوا للدنيا ثانية واحدة بس يبوس أيدهم ويطلب منهم السماح لاي ذنب إرتكبه في حقهم وفي المقابل أنتِ عملتي كدا!..
لم تكن كلماته مرضية بالنسبة لها، توقعت ان ينحاز لصفها، أن يواسيها، فتمردت بالحديث لتصرخ بها بعصبية:.
عملت أيه يا يوسف!، يعني المفروض أتصرف إزاي وأنا شايفة أبويا اللي المفروض ميت خارج من أوضة الست اللي كانت السبب في موت أمي!..
وإلتقطت انفاسها، لتستكمل ببكاءٍ حارق:
المفروض إني إترمى في حضنه وهو السبب في كل اللي بيحصلنا دا، ولا افرح إنه عايش وسايب الست دي وإبنها يتحكموا فينا..
قطع حديثها بغضب:.
إتكلمي عنها باحترام يا نغم هي ملهاش ذنب في حاجة أنتِ بنفسك سمعتي الحقيقة اللي كانت في الوصية واللي بسببها إنتهت العداوة اللي كانت بين أخوكِ ورحيم، الست دي المظلومة مش والدتك...
أجابته بحدة:
صدقت كل دا لم كان هو ميت لكن دلوقتي إتاكدت إنها كدبة عشان نتقبل وجودهم بالقصر...
ثم تطلعت له بنظرة شك، لتقذفه بكلماتٍ كالخناجر:
وبعدين أنت محروق عليهم كدليه هو أنت في صفي ولا صفهم..
وإبتسمت بسخرية لتسترسل حديثها القاتل:
أسفة نسيت إنها أم صاحبك المقرب ويمكن أنت إتقربت مني عشان تدخل العيلة دي كمان واهو ينوبك من الحب جانب...
هوى على وجهها بصفعة قوية اوقفتها عن الحديث بعدما صرخ بصوتٍ قابض:
إخرسي...
ورفع يديه ليشير لها بأصبعيه أمام عينيها:
كل مرة بتثبتيلي أن علاقتنا أكبر غلطة، كل مرة بتاكديلي أني صح ولأزم أنهي العلاقة دي...
أشارت برأسها بالنفي خشية من أن ينهي ما بينهما بتلك الكلمة المقبضة، وخز قلبها رعباً من أن ينطقها، لم تعد تمتلك سواه وبعنادها ستفقده، تطلع لها بنظرة مطولة، غريبة، عرفت مكنونها، وكأنه يتشبع بالنظرة الحلال فيما بينهما، ليكون الوداع بكلمة ستنهي هذا العناء المفروض، إقترب يوسف منها ليقف أمامها وجهاً لوجه، نظراته المتعلقة بعيناها إنسحبت لشفتيها الملطخة بالدماء جراء صفعته، رفع يديه يزيح عنها الدماء بأطراف أصابعه ليغلق عينيه بشدة لعله يتمكن من تخليص ذاته، أرهفت آذنيها السمع لما سيقوله بأنفاسٍ مضطربة، فقال بتثاقل:.
أنتِ دايماً بتوديني لطرق أنا مش حابب أمشيه..
وأبعد يديه عنها قائلاً بألم:
خلي بالك من نفسك...
وتركها وتوجه للمغادرة، فصرخت بقوة أوقفته محله:
متسبنيش يا يوسف أنا لوحدي ماليش حد غيرك...
إبتسم بالم، فقال وعينيه على باب الغرفة دون أن يستدير لها:
وهتفضلي لوحدك طول مأنتِ مكملة في عنادك دا...
وغادر ولكن تلك المرة لم يستدير للخلف أبداً، غادر ليجد نجلاء أمام عينيه، تقف عن مقدمة الدرج، قابلته ببسمة تملأها المحبة والصفاء فقالت بود:
يوسف..
بادلها البسمة الهادئة ولكن تعابيرات وجهه كانت قاتمة، جعلتها تخمن بما حدث وخاصة حينما اخبرها طلعت بما حدث مع إبنته، ربتت على كتفيه بحنان:
أنت كويس يا حبيبي؟.
اجابها ببسمة هادئة وبكلماتٍ غريبة:
هتعود أكون كويس...
ثم أكمل رسالته الغامضة:.
متقلقيش مش هقول لحد حاجة..
وتركها وغادر من القصر أكمله، بعدما ترك لها جواب صريح بأنه لن يخبر أحداً بحقيقة طلعت، شعرت بمعانته التي نقلتها نبرة صوته المنكسر، فأتبعته نظراتها بحزن، خرجت نغم خلفه راكضة، فراته وهو يغادر، إحتضت الدرج بيدها لتسقط أرضاً تراقبه وهو يبتعد بدموعٍ وبكاء يشق القلب، إنحنت نجلاء تجاهها لتربت على ظهرها بحنان وبأعين غائرة بالدموع لأجل بكائها، تناست ما تحمله بقلبها من حقد تجاهها وإختبأت بأحضانها لتبكي بحرقة والاخرى تحتويها كأبنتها التي لم تنجبها!..
وقفت أمامه بخزي، وإرتباكٍ بأختيار الكلمات التعبيرية لما حدث، عينيها الموضوعة أرضاً جعلته يخمن عما تود التحدث به، وخاصة بأبتعدها عنه طوال الفترة الماضية وتحاشيها الإحتكاك به الا قليلاً، بدأ آدم الحديث ليعفو عنها حرجها:
أيدك بقت عاملة أيه؟..
تلقائياً تطلعت سما ليدها الملفوفة بشاشٍ أبيض صغير، فأجابته بتوتر:
الحمد لله أحسن..
أومأ برأسه بهزة بسيطة، فقالت بأحرف متقطعة:.
آ، آآآ، أنا كنت جاية عشان أتكلم معاك...
إقترب منها قليلاً، ليحثها على الحديث:
إتفضلي سمعك..
رفعت عيناها عن الارض لتتطلع له بأرتباكٍ، والدموع عرفت طريقها:
أنا فعلاً مكنتش أعرف إنه ك...
وقطعت كلماتها بمرارة لتستكمل ببكاء:
هي صممت أحضر عيد ميلادها وأنا خرجت معاهم ومهتمتش أعرف المكان، أنا أسفة...
ترقبته يتحدث ولكنه كان يستمع فقط، إلى ان قرر الحديث فقال بندم إتضح بلهجته:.
أنا كمان غلطت، مكنش يصح أتكلم معاكِ بالطريقة دي..
الغيرة على النساء والأعتذار عن الخطأ سمات ليست بأناس الغرب، بدت سما تزيح الافكار الخاطئة التي إتخذتها عن آدم، تلك الفترة كانت كفيلة بجعل تفكيرها يلهمها بأنه مازال يحتفظ بسمات الرجل الشرقي الغيور، تعلقها به من البداية كان إنجذاب لوسامته ولكنها الآن تعترف لذاتها بحبها الشديد له، أخفضت نظراتها عنه بخجل شديد حينما تناسته وظلت تتأمله بطريقة مخجلة، وضع آدم يديه بجيوب جاكيته الجليدي ليقترح عليها ببسمة هادىة:.
أيه رايك نخرج نسهر بره..
أجابته بفرحة:
معنديش مانع..
وتركته وتوجهت للأستعداد بسعادة تداعب وجهها الرقيق...
بمكتب رحيم زيدان...
ربع يديه على مكتبه ليستند برأسه عليها، مازالت تؤلمه كلماتها، مزق صفحات الصمت الذي يسطرها دخول مراد، أسند ظهرها على مقعده بثبات تحلى به بحرافية حينما رأه يدلف للداخل، جلس على المقعد المقابل للمكتب الخشبي فنهض رحيم ليجلس أمامه بعدما طلب من الخادم عبر الهاتف كوبين من القهوة لكليهما، تطلع له بهدوء فسأله بأستفسار:
حنين عاملة ايه الوقتي؟.
هز رأسه بخفة ليجيبه على سؤاله:.
أحسن دلوقتي..
رد مبتسماً:
الحمد لله...
تساءل مراد بأهتمامٍ:
عرفت حاجة عنه..
أجابه بأيماءة بسيطة من رأسه:
حازم قرب يوصل لمكانه متقلقش...
وضع قدمه فوق الاخرى بأسترخاء:
عظيم...
دقات خافتة على الباب جعلت رحيم يسمح للطارق بالولوج وما كان سوى الخادم الذي وضع أمامهم الصينية المستديرة الحاملة للاكواب، نظراتٍ غامضة تشكلت بعينيه فأوقف الخادم الذي كاد بالمغادرة بعدما تذوق فنجانه:.
أنا مش بشربها سادة!..
ضيق مراد عينيه بذهول:
بس انت مش بتشربها غير سادة..
قال وعينيه مازالت متعلقة بالخادم:
مش من حقي أجرب الزيادة ولا ايه؟.
دهش من طريقته الغامضة، فقدم رحيم الفنجان للخادم ليشير له بيديه على الفنجان الاخر، جذب الخادم الفنجان المقابل ل مراد ليقدمه لرحيم بأصابع مرتجفة والأخر يحدجه بنظراتٍ ثابتة، ذهل مراد مما يحدث وقد بدى الشك يعتريه، وضع الكوب عن يد الهادم على الطاولة ومن ثم سأله ببسمة مخيفة:
عملت كدا ليه؟.
لعق الخادم شفتيه بأرتباكٍ، ففجأه رحيم حينما نهض من محله ليرفعه على الحائط بيديه وكرر سؤاله بصوتٍ مرعب:.
جاوبني...
كاد بالأختناق فقال بكلماتٍ متقطعة:
غصب عني يا باشا هددني يقتلني لو معملتش كدا...
أسقطه أرضاً ليجذب الكوب الذي وضع به السم لمراد ثم ضغط على فكه بقوة ليجعله يرتشفه قسراً، ليسقط أرضاً بعد ان سرى السم بأنحاء جسده بأكمله، نقل مراد نظراته تجاه رحيم الغاضب:
الحيوان دا مدام قدر يوصل للقصر يقدر يعمل أي حاجة..
أجابه ببسمة ماكرة:
مش هيلحق متقلقش..
سعدت للغاية حينما علمت بأنه بالاسفل بأنتظارها، سعادتها بأنه بدأ يتعافى واول خروج إليه فضل بالذهاب إليها، هبطت فاطمة مسرعة لتقف أمامه بأبتسامة مشرقة، إحتضنها يامن ليهمس بأشتياق:
وحشتيني...
إبتسمت بخجل وهي تجيبه:
وانت كمان وحشتني اوي..
ثم جذبت يديه لتعاونه على الجلوس على الأريكة، لتسأله بفضول:
طمني عليك، احسن دلوقتي؟.
أومأ برأسه برضا:
بقيت احسن لما شوفتك..
عبثت بطرف حجابها بخجلٍ من كلماته، فقال بتذكر:
هنا كانت عندك ليه شوفتها وهي خارجة من هنا بعربيتها فقولت إنها كانت عندك..
ضيقت عينبها بذهولٍ:
لأ بقالي فترة مشفتهاش...
تملكه الشك فصفن لدقاىق والأخرى تتحدث عن اموراً متعلقة بها وحينما لاحظت شروده سألته بلهفة:
أنت كويس؟.
رسم بسمة صغيرة على وجهه ليجذبها بالحديث:
قولتلك ايوا، المهم طمنيني عنك وعن قعدتك هنا وشريكتك بالاوضة..
قال كلمته الاخيرة بسخرية فشاركته الضحك لتبدأ بالحديث عن ما حدث منذ دخولها لقصر رحيم زيدان..
.
أمام أحد الملاهي الليلة، كانت هناك تجمعات هائلة من السيارات وعدد من الشباب يجلسون على سطحها، وبأيدهم زجاجات من الخمر يلقوها أرضاً حينما ينتهوا من شرب محتواها، تمدد أحد الشباب على سطح السيارة بأسترخاء ولجواره كانت تجلس فتاة خليعة تىتدي ملابس تظهر أكثر مما تخفي، والأخر يتقرب منها بحركاتٍ غير ساوية، إستقام بجلسته حينما رأى مروان يقف امامه ولجواره شابٍ على ما يبدو بنفس عمره، تعالت ضحكات الشاب ليسخر منه بصوته المقزز:.
أيه يا حلوة جبتي بنت أختك وجيتي!.
خرج مروان عن زمام اموره ليلكمه بغضبٍ قاتل، لينتقم مما فعله به بالصباح ولكن تلك المرة حينما حاول فريقه المزعوم من التجمهر حول مروان ليمنعوه من الفتك بزعيمهم تصدى لهم فارس ليترك مروان يقتص لذاته من هذا اللعين دون ان عون أو مساعدة...
صعد رحيم الدرج ليتوجه لغرفته، في نفس وقت هبوط جان منحه نظرة سريعة غاضبة، ليحول تفاديه ليهبط من الجانب الأخر، علق عليه رحيم ساخراً:
شايفك زعلان إني أنقذتك من الموت!.
إنكمشت ملامح جان بغضب ليصعد إليه مجدداً، فوقف مقابله بضيق:
لا شايفك أنت اللي مبتصدق تلاقي فرصة تظهر نفسك بطل قدام الكل...
منحه بسمة ثابتة وثقة لم ينجح أحداً بالفتك به، إغتاظ جان من صمته فكاد بالهبوط ولكنه توقف على كلماته:.
عصفورك حاول يهرب من عشه بس أنا رجعنه تاني لأن من مصلحة الكل إنه ميسبش عشه يمكن يتجددله جناح بدل اللي إنكسر ومعاه ترجع علاقة إنتهت من سنين...
استدار جان تجاهه بصدمة من رسالته التي بدت غامضة ولكنها صريحة بالنسبة إليه، غمز له بطرف عينيه الزيتونية ثم تركه وتوجه لجناحه بخطواته الثابتة، فأخرج جان هاتفه على الفور ليتأكد بذاته من رجاله بمحاولة هرب إياد ومعاونة حراس رحيم زيدان لهم بأستعادته، جن جنونه منه فلم يخفى عليه إبرة صغيرة تدار بمملكته، ولكن ما شغل عقله هي الجزء الأخير من جملة رحيم فماذا يعني أن بجناحه الملتحم تعود علاقة إنتهت منذ أعوام أيقصد ريان!.
إنسابت المياه من الصنبور من جميع الإتجاهات الدش الغريب الاطور، فبدى وكأنه يعذب شخصٍ وليس مجرد مياه للإستحمام، ولج بداخلها رحيم ليغلق عينيه بقوة وكأنه يعاقب ذاته على ما إستمع له من كلماتها القاسية، مرت الدقائق ومازال لا يشعر بقسوة المياه الباردة، وكأن كلماتها اشد عذاب منها، إستند على الزجاج المحاوط للدش بأسترخاء لتعود كلماتها لجلده من جديد...
بالخارج..
طرقت على باب الغرفة مراراً ولكنه لم يستمع لطرقاتها فكانت المياه صوتها اعلى من طرقاتها الرقيقة، راته وهو يدخل غرفته منذ قليل فظنت بأنه لا يريد رؤيتها فسمحت لذاتها بفح الباب ثم ولجت بخطواتٍ مرتبكة، بحثت عنه بكل مكان ولكنها لم تجده فالتقطت انفاسها براحة، وكأنها كانت مجبورة على اللقاء به، استدارت لتغادر الغرفة فتصنمت محلها بصدمة كبيرة حينما إصطدمت به فتراجعت للخلف قليلاً بخوفٍ وتوتر جعل حلقها يجف، وخاصة بما رأته، نظراته الثابتة دون ان يرمش لها جفن تجعل القلوب ترتجف رعباً، تراجعت للخلف قليلاً وهى تبتلع ريقها بصعوبة فقالت:.
آآنا، كنت، آ...
إقترب منها والمياه تتساقط على عينيه بشكلٍ ملفت، كالعادة إحتجزها الحائط بين احضانه فأصبحت محاصرة، خوفها النفسي جعل جسدها يرتجف بقوة، ألقى عليها نظرة متفحصة فجاهدت لإستجماع كلماتها:
أنا كنت جاية أع...
قطع كلماتها بصوته الساخر:
جاية لحد هنا ومش خايفة من الشيطان الشرير يلتهمك!..
لعقت شفتيها بلسانها من فرط الخوف فاقترب منها ليهمس بغموض:.
شايفاني شيطان داخلة جحيمي برجلك ليه يا شجن؟!
حاولت الإنسحاب ولكنه اوقفها حينما جذبها لتقف أمامه من جديد فتمكن منها الخوف تلك المرة فلمعت عينيها بالدموع، إستند بجبهته على جبهتها ليجيب على سؤاله بفتور:
يمكن لإنك عندك ثقة إني مستحيل أذيكِ...
فتحت عينيها لتتطلع له بنظرة جعلته يتعمق بها لعل زيتونية عينيه تدفعها لماضٍ حفره عشق الطفولة فيما بينهما، إقترب كالمهوس وهو يتأمل شفتيها المرتجفة، ظنت بأنه سيخلع القناع ليظهر لها وجه الشيطان الحقيقي ولكنها تفاجأت به يطبع قبلة عميقة على جبينها، ليبتعد عنها بل حررها من حصاره، هرولت لباب الشرفة حتي تعبر لشرفتها المجاورة له فمنحته نظرة أخيرة، حملت رسالة مجهولة قرأها رحيم فأبتسم لتأكده بأنه عبر منتصف الدرج الذي سيوصله بقلبها...
إستعادت وعيها الكامل بتعبٍ شديد، وحلقٍ جاف للغاية فجذبت المياه من جوارها لتبلل حلقها، ولج من الخارج ليجدها تسكب المياه وتكاد تتناول ما به، فصرخ بها بجنون:
حنيـــــن..
تحركت حدقتيها تجاهه بأستغراب لتجده يرتشف المياه قبل ان يقدمها إليها فقالت بأرهاق وقد عادت لمزحها:
يا عم خضتني، مش معقول هيسموني مرتين يعني!.
إبتسم مراد وضمها لصدره بقوة ليهمس من وسط ضحكاته:.
كنت هعيش من غيرك إزاي يا مجنونة!.
دفعته بعيداً عنها بغضب:
طب أبعد بقى لما تحترم لسانك أبقى تعالى إحضن..
حملها عن الفراش لتصرخ مدعية التعب:
هتوديني فين يا ابني أنا لسه مسمومه بتفاحة الكتعة خلي عندك دم..
القاها بمسبح غرفته الخاص ليتطلع لها بسخرية وهي تحاول السباحة:
معنديش للاسف..
ثم خلع قميصه ليهبط للمسبح لتبدأ حربهم المعتادة من جديد حرب القصيرة ذات اللسان السليط والجوكر...
أما بمكانٍ اخر فكانت تبدأ قصة أخرى من نوعاً أخر ترى ما الجديد بها وما الحدث الذي سيجمع الشر بالخير؟!.