رواية ميراث العشق والدموع الجزء الرابع (زاد العمر وزواده) بقلم رضوى جاويش
الاقتباس الرابع
اندفع مهرولا الدرج فى عجالة مرتديا لباس الفروسية واضعا قبعته الرياضية المفضلة لديه و ما ان هم بالخروج حتى عاجلته جدته الحاجة وجيدة هاتفة فى تعجب :- على فين رايح يا غالى !؟..
غير وجهته و عاد القهقرى ليصل لمجلسها بقلب الدار منحنيا يطبع قبلة حانية على هامتها الشامخة هاتفا :- خارج ع الفرسة شوية يا ستى ..
هتفت مؤكدة :- طب متعوجش و خلى بالك على نفسك..
اكد بايماءة من رأسه مبتسما :- عيونى يا ستى ..
و اندفع مهرولا خارج الدار حتى لا تتعقبه بنصائحها التى لا تنتهى و قفز على صهوة فرسه بقفزة واحدة و اندفع يسابق الريح ..
ترنم يونس مدعيا التأثر من فوق فرسه و هو يشاكس اخاه الذى كان يعمل جاهدا فى جمع الحشائش من ارضهم :-
مين اللى جال الدنيا دى وسية ..
فيها عبيد مناكيد و فيها السيد ..
سوانا رب الناس سواسية ..
لا حد فينا يزيد و لا يخس أيد ..
انتفض اخاه صارخا :- اتلم يا يونس .. حل عنى خلينى اشوف شغلى ..
هتف يونس بأخيه مشاكسا و مقلدا لكنة الاتراك فى المسلسلات العربية القديمة :- اشتغلى فلاحة .. ڤاالد خرسيس .. ادب يووك ..
فاض الكيل لينتفض راضى جاذبا اياه ليسقطه جواره من فوق فرسه بعد ان اخرجته افعال اخيه و مشاكساته عن طوره جعلته يهتف فى حنق :- ادب يووك .. طب تعال بجا اوريك الادب على اصوله... عامل لى فيها خولى الوسية و راكب لى فرسة و جاعد تتمسخر على .. و الله ما انى عاتجك النهاردة ..
انفجر يونس مقهقها فى محاولة للفرار من يد اخيه الأصغر راضى هاتفا :- ياواد ده انى أسمى على اسم چدك .. يعنى بحسن عليكم من خيرى ..
اغتاظ راضى هاتفا :- و الله لأجول لابوك .. جال هيبجى مهندس زراعى بعد سنة جال .. و الله ما حصلت عيل صغير فرحان بفرسه ابوه.. ادى اخرتها يا حامد يا حناوى جاعد تخلف انت ف عيال و البكرى اهاااا عاهة لوحديه..
قهقه يونس من جديد هاتفا :- و الله انى اللى هجول لابوك انك مش عاجبك أخواتك .. و بتتريج عليه و على خلفته الكتيرة ..
اطاح راضى بكفه فى لامبالاة هاتفا :- جوله .. ما هو عارف م الاساس .. بس هو احنا بجينا كام دلوجت لحسن بطلت اعد يا چيمى ..!؟..
علت ضحكات يونس هاتفا :- يخرب عجلك يا واد يا راضى .. انت نسيت بچد و لا ايه !؟.. ده ابوك و امك عاملين معسكر أشبال ف الدار .. و ستك كسبانة و سيدك يونس هيجدموا جريب على دار مسنين و يسبهولنا مخضرة ..
قهقه راضى مؤكدا :- و الله حجهم الصراحة .. يكسبوا فيا ثواب ويجدمولى معاهم بدل العيشة ف المرستان اللى ف الدار دى ..
جلجلت ضحكات يونس الرنانة لتعليقات راضى اخيه و اخيرا تنهد متمددا بجواره يتطلعان للسماء و شرد كل منهما فى عالمه .. خلع يونس تلك الطاقية اليدوية الصنع متطلعا اليها و بدأ يشدو فى هيام :-
يابو الطاجية شبيكة يا مين عملهالك ..
عملهالى جاضى الغرام .. يا عمدة يا عجبالك
ليه ياحبايب تبيعوني رخيص وانا الغالي
جطر المحبة انجطع مين يوصلو يوصلو بدالي.
هتف راضى متسائلا :- لساك بتفكر فيها ياواد ابوى !؟..
تنهد يونس مؤكدا :- لسه يا راضى .. أشوفها كل حين و مين و كنها مغبتش .. و هى و لا هى هنا .. كنها مش شيفانى من اساسه .. تجول هوا جصادها ..
هتف راضى مشاكسا :- عندها حج .. دى خلجة تتحب .. و الله بتفهم ..
اندفع يونس ناهضا ليصارع اخاه بعد كلماته تلك الا ان راضى كان الأسرع ليهرول مبتعدا و صوت قهقهاته تجلجل فى سعادة لنجاحه فى إغاظة اخيه البكر ..
هم يونس بالعدو خلف اخيه و هو يقسم الا يترك ثأره منه الا ان صوت سنابك خيل كانت تقترب فى سرعة جعلته يتوقف ليستطلع من القادم ليمر به فارس مندفعا على صهوة جواده يسابق الريح ..
تطلع يونس لموضع اندفاع ذاك الفارس سأل نفسه فى تعجب :- مين دِه اللى واخد ف وشه و طاير كِده !؟..
ساد الصمت للحظات ليمر الشيخ عاصم على الجانب الاخر من الترعة الموازية لأرضهم ملقيا التحية وهو فى طريقه للمسجد ليردها يون محييا بينما لم يسمعها راضى الذى كان ابتعد بالفعل متوغلا فى الارض ..
هتفت سمية التى كانت تختبئ خلف احدى الأشجار الوارفة برفقة سهام تتطلع الى ذاك الواثق الخطوة الذى يندفع مهرولا الى الصلاة :- شايفة يا سهام الهيبة .. شايفة ماشى كيف !؟.. و الله جلبى كنه هيوجف كل ما بطلع له ..
هتفت سهام فى حنق :- خلينا احنا كِده مورناش غير الشيخ عاصم راح .. الشيخ عاصم چه .. بصى .. بجولك ايه !!.. انا مليش ف حكاوى الحب و المسخرة دى .. انا رايحة اشوف حالى يا عم .. بلا هبل حريم ..
همت بالنهوض لتمسك سمية بكفها لائمة :- كِده برضك يا سهام .. طب خليكى بس لحد ما اشوفه و هو راچع ..
هتفت سهام ف حنق :- الرحمة من عندك يا رب .. لاااه.. مش هجعد و لا ثانية تانى .. انا مروحة .. سلاااام
و اندفعت سهام بالفعل تعبر الطريق فى عجالة حتى لا تحاول سمية استبقائها و لم تنتبه لذاك الذى ظهر من العدم مندفعا تجاهها بفرسه لتنطلق صرخاتها و تسقط ارضا ..
تناهى الى مسامع يونس تلك الصرخات فاندفع بدوره ممتطيا فرسه فى أتجاه مصدرها .. كانت هناك ساقطة امام فرس ذاك الاحمق الذى كان يسابق الريح مارا بهم منذ لحظات .. وصل لموضعها فى لمح البصر ليندفع من على فرسه فى اتجاهها ليجد ذاك الفارس يقف متسمرا و سمية بنت ماهر الهوارى بجوارها صارخة باسمها ..
اقترب منها بدوره و هتف فيها محاولا إفاقتها :- آنسة سهام .. آنسة سهام ..
فتحت عينيها فى بطء متطلعة اليه ليضطرب قلبه بين جوانب صدره .. اخيرا دنا منها بهذا القدر حتى يتطلع لعينيها التى لطالما حلم بهما فى غفلة من تعقله .. تاه فى احداقهما الكهرمانية و غاب فى رحلة بعيدة و ما استفاق عائدا من رحلته الا عندما همست فى وهن :- ايه اللى حصل !؟..
اندفع ذاك الفارس منحنيا هاتفا فى نبرة متأسفة :- انا اسف .. انا مخدتش بالى .. حضرتك ظهرتى فچأة من بين الشجر و على كد ما اجدر وجفت و الحمد لله انى وجفت ف الوجت المناسب ..
اندفع يونس صارخا به :- لما انت غشيم و مبتعرفش تركب خيل ..ليه عامل لنا فيها فارس الفوارس و واخد ف وشك كنه نچع اللى چابوك ..
اندفع ذاك الفارس صارخا فى غضب :- لاااه نچع اللى چابوك انت !؟.. لم روحك بدل ما اعرفك مجامك ..
كاد يونس يشتبك معه الا ان صوت سهام الواهن هتف حانقا :- محصلش حاچة خلاص .. انا بخير ..
اندفع ذاك المجهول يسألها فى ادب :- تحبى أوصلك لحد دارك .. واضح انك تعبانة ..
هتف يونس حانقا :- توصلها دِه ايه !؟.. دِه البعيد معندوش دم ..
تجاهل الغريب رد يونس منتظرا رد سهام و التى استندت على ذراع سمية مؤكدة :- لاااه شكرًا .. انا هتصل بسمير اخويا ياچى ياخدنى ..
و اخرجت هاتفها من حقيبتها المتربة جراء سقطتها و ما هى الا دقائق حتى ظهر سمير بعربته التى اثارت زوبعة من الأتربة عندما داس مكابحها ما ان وصل لموضع انتظار اخته و سمية ..
اندفع متسائلا فهى لم تخبره تفاصيل ما حدث بالهاتف فتعجب من رؤية ذاك الغريب الذى كان يخفى معظم ملامح وجهه بتلك القبعة الرياضية التى يرتديها و كذلك يونس الذى كان يستشيط غضبا ينظر شذرا الى ذاك الغريب يود لو يمزقه إربا ..
اسند سمير سهام فى هلع متسائلا :- ايه اللى حصل !؟.. چرى ايه !؟..
هم يونس بالحديث مفسرا الا ان سهام قاطعته مؤكدة:- محصلش حاچة يا سمير .. حاچة بسيطة و ربنا ستر .. رچعنى ع الدار انا تعبانة ..
هرول سمير يفتح باب السيارة و يعود ليساعد اخته بمعاونة سمية على ادخالها العربة .. تنبه لوجود سمية منذ اللحظة الاولى لوصوله.. انه لم يرها منذ فترة طويلة و كان يشتاقها بحق .. حاول ان يركز انتباهه على سهام لكن نظراته كانت تحيد رغما عنه مسلطة عليها فى عشق مفضوح لكل لبيب إلاها ..
ظل كل من يونس و ذاك الغريب موضعهما حتى اندفعت السيارة راحلة لينظر كل منهما للاخر فى حنق و يندفع كل منهما ممتطيا فرسه .. دار كلاهما دورة بجواده حول الاخر فى تحدى و اخيرا صهل الجوادان ليندفع كل منهما فى اتجاه مخالف لصاحبه ..
بينما استمر سمير فى التحديق بمرآة السيارة متعللاً بالاطمئنان على اخته حتى كاد يضل الطريق و نظراته تموت شوقا لتلتقى بنظراتها التى كانت تتجاهله تماما و لا تدرى ما يعتريه ..
انتفض فجأة على سؤال سهام المباغت :- انت تعرف يا سمير مين اللى كان واجف مع يونس الحناوى !؟..
اكد سمير بايماءة من رأسه :- اااه .. دِه واد چعفر ابو منصور ..
هتفت سهام فى صدمة :- واااه .. دِه كويس ان يونس مشدش معاه اكتر من كِده .. شكله كان عارف هو يبجى مين عشان كِده كان عايز يجتله و هو واجف ..
اكد سمير :- هو مبياچيش البلد كَتير من ساعة ما دخل الكلية .. ده بجى ظابط كد الدنيا .. هايچى يعمل هنا ايه !؟... تلاجيه كل شوية ف بلد شكل ..
اكدت سهام ساخرة :- و الله كويس ان ولاد منصور دول طلع منيهم حد عدل ..
ابتسم سمير مؤكدا :- يوووه دول طالعين بيه السما كن ماحد عنديه ظباط غيرهم .. و كل اللى عليهم حضرة الظابط منتصر منصور راح .. حضرة الظابط منتصر منصور چه .. خيلونا البعدة ..
قهقهت سهام و شاركتها سمية ضحكاتها لينشرح صدر سمير اخيرا فقد أشرقت الشمس بضحكاتها بعد ليل طويل من غيوم البعاد ..