رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل السابع والثلاثون
همست بالقرب من مسامعه بصوت رقيق النبرات:- الصلاة خير من النوووم..
ابتسم رغما عنه و فتح عينيه متطلعا اليها هامسا بدوره:- عارفة انتِ لو مؤذن.. و الله اللى يسمعك يروح فيها...
قهقهت لغزله الذى اشجاها ليهمس بدوره:- صباحية مباركة يا اچمل عروسة..
همست تغض الطرف فى حياء:- الله يبارك فيك
و استطردت :- إقامة الفچر خلاص.. مش هتجوم!؟..
همس ماهر معترضا و هو يدنو منها مشاكسا:- لاااه مش جايم الا لما اخد حجى ناشف..
عاودت قهقهاتها هاتفة:- بجولك ايه.. هو احنا بندوا الچايزة بعد العمل و لا جبله.. صل و تعال..
همس بشوق:- طب حتى علاوة تشچيعية.. اصلك انى اجوم من چارك دى حاچة عايزة همة كَبيرة سعادتك..
امسكت ضحكاتها هامسة:- لو ع العلاوة التشچيعية و ماله.. مش عيب..
و اقتربت تقبل جبينه فى سرعة مندفعة خارج الفراش لينهض هو الى الحمام هاتفا بنبرة مشاغبة:- احنا متفجناش على كِده.. بس و ماله مجبولة برضك..
خرج يقطر ماء منهيا وضوئه و تجهز للصلاة و ما ان هم بالخروج حتى اندفعت خلفه هاتفه:- ماهر.. استنى.
توقف متطلعا اليها و هى تقف قبالته تحمل زجاجة من مسك تعطر به جلبابه و ما ان انتهت حتى همست فى فرحة:- خلصت..
همس و هو يقترب منها فى عشق:- ده انى اللى خِلصت..
هتفت مبتعدة فى عتب:- ماهر.. صلاة الفچر!؟..
تنبه ان الوقت حان لذهابه و الا لن يلحق بصلاة الجماعة فاندفع باتجاه باب شقته مغادرا و قبل ان يهم بغلق الباب خلفه تطلع اليها معلنا فى عابثة نافذة الصبر:- انى نازل.. بس و الله لما ارچع لواخد كل الچوايز و العلاوات التشچيعية اللى خلجها ربنا.
قهقهاتها التى ودعته بها و هو فى سبيله للصلاة كانت سامره و هو فى طريقه للمسجد.. طريق الهداية..
وصل مهران لذاك العنوان الذى أعطاه حازم.. محل إقامة صاحب رقم الهاتف الذى نال الهوارية و التهامية من افعاله الخسيسة كفايتهم.. و عليه ان يدفع ثمن افعاله و التى كان أول المتضررين منها فأشهر زواجه الاولى التى كانت من المفترض ان تكون اروع أشهر تمناها فى حياته انقلبت كابوس بسبب ذاك النذل الذى لا يعلم ما سبب افعاله تلك..
طرق باب شقة الرجل و انتظر حتى اجاب من بالداخل..و خرج صاحب البيت متسائلا:- حضرتك عايز مين!؟
هتف مهران:- عفيفى محروس.. حضرتك !؟..
اكد الرجل:- ايوه انا.. حضرتك مين!؟..
هتف مهران محاولا السيطرة على أعصابه و عدم التهجم على الرجل بغية انتزاع اعتراف منه عما قام به فى حق عائلته:- انت متعرفنيش.. بس نمرة الموبيل دى بضايجنى كَتير و لما اطجست عرفت انك صاحبها.. كنت هجدم فيك بلاغ بس جلت الطيب احسن و اچى اكلمك الاول..
تلجلج الرجل و اضطرب هاتفا:- نمرة ايه !؟.. انت جاى تتبلى عليا..!؟
انا معرفكش و لا اعرف اى نمر..
اندفع مهران متخطيا عتبة بيت الرجل ممسكا بتلابيه و قد بدأ يفقد أعصابه هاتفا و هو يجز على اسنانه غضبا:- بجول لك..النمرة نمرتك و بأسمك و لو مجلتش انت بتعمل اللى بتعمله ده ليه و لمصلحة مين و الله لهدفنك مطرحك..
و اخرج مهران سلاحه ترهيبا للرجل الذى انتفض فى ذعر هاتفا:- و الله ما اعرف.. اقسم بالله ما اعرف صاحب النمرة الحقيقى.. هو خلانى اشترى النمرة بأسمى و هو بيستعملها و كل شهر يبعت لى مبلغ محترم ع البريد لكن لا عمرى شفته و لا اعرف حتى اسمه الحقيقى..
استشعر مهران الصدق فى حديث الرجل فدفعه بعيدا عنه و دس سلاحه فى موضعه و هتف محذرا:- لو عرفت انك ليك مصلحة او تعرف هو مين و مجلتش متلومش الا روحك..
اقسم الرجل هاتفا:- و عهد الله ما اعرفه.. و لو اعرفه هقولك على طول يا بيه.. هو العمر بعزقة..!؟
ده انا ممكن اروح ف حديد.. انا عملت كده م الحوجة لكن لو الليلة دى هضيعنى.. بلاها.. انا عندى عيال عايز اربيها يا باشا..
تطلع مهران لإثاث البيت المهترئ و أيقن ان الرجل صادق بكل كلمة تفوه بها فأخرج بعض من نقود وضعها فى كفه مطبقا إياها هاتفا:- ربنا يعينك على حالك.. بس لو عرفت حاچة عن صاحب النمرة بلغنى.. ادى نمرتى اهى..
واعطاه مهران رقم هاتفه و ترك الرجل يدعو ممتنا لكرم مهران و سخائه مؤكدا على ابلاغه اذا ما جد جديد..
هتفت كسبانة فى عتاب:- هو ينفع كِده يا بتى !؟.
انت مبتحطيش الذاد ف چوفك و انتِ بترضعى.. طب عشان خاطر يونس الصغير.. خدى يا بتى من يدى متغلبنيش..
كانت كسبانة تمد يدها بملعقة من الحساء و قطعة من الدجاج لتتناولها عائشة بغية تغذيتها بعد ولادتها الصعبة تلك.. لكن عائشة كانت ترفض الطعام و غير قادرة على تناوله بأى شكل..
اندفع حامد لداخل الغرفة هاتفا فى نبرة مازحة كعادته:- مين اللى مش عايز ياكل دِه !؟.. هو حد يجول للأكل لاااه..
و استطرد و هو يتناول صينية الطعام من على حجر امه لتنهض هى تاركة طرف الفراش حيث كانت تجلس بجوار عائشة ليجلس بدلا منها واضعا صينية الطعام على حجره بدوره هاتفا مدعيا الجدية:- انزلى ياما هاتى خرطوم من تحت عشان اللى مش راضى ياكل ليا صرفة تانية معاه..
انفجرت كسبانة ضاحكة و هتفت فى تضرع:- أكلها حاچة يا حامد.. و الله كِده ما ينفع.. ترضع الواد ازاى دلوجت!؟..
هتف حامد متصنعا الفخر:- عيب يا حاچة دِه انتِ بتكلمى ولدك.. يعنى سيد الرچالة..يعنى اللى مرته متجدرش تكسر له كلمة..يعنى السيطرة كلها..
و استطرد فى اعتزاز و هو يرفع ملعقة الطعام الى فمها هاتفا فى نبرة مازحة:- مش كِده يا مرتى!؟..
أزاحت عائشة بوجهها بعيدا عن مسار الملعقة و هتفت بغية معاندته:- لااااه.
انفجرت كسبانة مقهقهة وهتفت فى سخرية:- ياعينى ع السيطرة اللى موردتش على حد.. عوض عليا عوض الصابرين يا رب..
و اندفعت تحمل يونس الصغير فى سعادة و تهبط الدرج الى الأسفل لتهمس عائشة و هى تراه لايزل يحمل الملعقة فى سبيله لإطعامها:- امك نزلت خلاص.. مفيش داعى للى بتعمله دِه..
تطلع اليها فى ضيق هامسا:- و هو انى لما اهتم بأم ولدى يبجى لازما يكون جدام امى بس!؟..
قاومت نبرة الحنان التى يقطر بها كلامه رغم انه مخلوطا بضيق لملاحظتها و بدأت فى التحرك ببطء حتى تنزل عن الفراش بغية الذهاب للحمام..
تطلع اليها و الى كبريائها الحمقاء و رأسها العنيد الذى يرفض اى مساعدة تذكر منه..
ترك صينية الطعام على احدى الطاولات و ظل يتابعها وجلا بعينيه و هى تتلمس الأركان و الحوائط تتخدها داعما لحركتها البطيئة.. ما عاد قادرًا على تركها تعذب نفسها بهذا الشكل و جرحها لم يندمل بعض و قلة الطعام تتركها شاحبة غير متوازنة.. اندفع اليها و ما شعر الا و هو يحملها فى رفق بين ذراعيه لتشهق هى فى صدمة مصحوبة بألم والذى كتمته فى كبر حتى لا يدركه..
همست فى وهن:- لو سمحت يا حامد نزلنى.. انى تعبانة و مش..
قاطعها هامسا:- ما هو عشان تعبانة لازما حد يساعدك.. افرضى الچرح اتفتح دلوجتى.. هايبجى حلو يعنى.. و بعدين طالما انتِ لسه تعبانة يبقى اعتبرينى الموصلاتى بتاعك لحد ما تخفى.. اتفجنا!؟..
اكدت فى انفة:- لاااه متفجناش..
كان قد وصل بها لباب الحمام ليظل ممسكا بها لا يطلقها و هتف
مشاكسا:- هتجولى اتفجنا و لا ادخل و اعسكر چوه الحمام لحد ما توافجى!؟..
هتفت فى ذعر و هى تدرك تماما انه قادر على اتيان ما عزم عليه:- لااااه.. خلاص اتفجنا..
ابتسم فى نصر و هو ينزلها على عتبة الحمام و يستند على قائم الباب فى لامبالاة لتهتف هى متعجبة:- انت هاتفضل واجف كِده!؟..
اومأ برأسه مؤكدا:- ايوه.. عِندك مانع.. هستنى لما تخلصى عشان ارچعك الأوضة.. و هتاكلى.. سمعانى..
اندفعت هاتفة فى تهور و هى
تتوعده:- تحكماتك زادت يا واد كسبانة..
انفجر ضاحكا مما شجن ندى داخلها و هى تتطلع اليه منتشيا بهذا الشكل ليهتف و هو يعشق روحها المتحدية تلك و التى كان من النادر ظهورها سابقا:- بجولك ايه!؟.. انى معنديش حريم تجول لاااه..
ضيقت عينيها و هى تتطلع اليه تذكره انها قالتها امام امه منذ دقائق قليلة ليهتف هو مستطردا فى مشاكسة:- الا جدام امى بس..
لم تستطع ان تكبح جماح تلك الضحكات التى كادت تطلقها رغما عنها لمزاحه فأندفعت تغلق باب الحمام دونه و هى تكاد تموت ألما من جراء قهقهاتها التى ما عادت قادرة على كتمانها...
دخل الدار التى اشتراها من عائلة منصور تلك العائلة التى تكن للهوارية بغضا و ضغينة لا حدود لهما..
تخطى عتبتها و تطلع حوله فى ثقة و قد اصر على رؤية الدار و هل تليق بأستقبال امه ام لا.. عمل على تجهيزها بكل ما يلزم حالتها.. احضر لها ممرضة مقيمة معها و خادمات من خارج النجع.. و تعهد اولاد منصور على حمايته و حماية داره فى غيابه على مدار اليوم صباحا و مساء فأصبحت الدار مدججة بالرجال يحاوطونها كالسوار حول معصم.. و هو بالطبع لم يبخل فى تقديم المال الكافى ليطيعوا رغبة فى إرضائه و الحصول على مزيد من تلك النقود التى لا تنفذ فقد كان معروف ان تلك العائلة تبيع كل غال و نفيس فى سبيل حفنة جنيهات..
كما انه سيلجأ اليهم وقت الحاجة عندما تحتدم الامور بينه و بين الهوارية و ذاك الصدام قادم لا محالة فهو لن يقف متفرجا بعد الان عليه التحرك سريعا قبل افتضاح امره و العمل على تنفيذ خطته و الخلاص من رأس الحية و كبير الهوارية عاصم الهوارى.. عليه اخذ بثأره منه بعد كل ما حاق بأبيه سليم الهوارى من ظلم على يد ذاك الطاغية و ما زاد و فاض ما قاموا به تجاه امه التى كان يظن عمره كله انها رحلت بغير رجعة و فارقت الحياة للأبد.. لن يرحمهم.. لن يترك عاصم يهنأ ثانية بعد كل هذا و لن يرحم احدا..
شعر انه بحاجة للحديث مع احدهم.. هو يعلم من يحتاجه بالتحديد.. انها هى.. ثريا.. بعد ان تركها فى المرة الاخيرة عند العشة التى كانت لأمه و هو لم يرها و لم يحادثها حتى هاتفيا
كانت صدمة إيجاده لأمه و رغبته فى شفائها و انشغاله بتدبير سكن مناسب لها داخل النجع قد احتل جُل وقته.. اما فى تلك اللحظة التى يشعر فيها بهذا الكم من الضيق و مثل هذا القدر من الاختناق.. لا يذكر الا إياها..
لكن ليتها تجيب.. انها لا تعرف الكثير عن ماضيه و لا تدرى ما عاناه.. هى كل ما تدركه انه شخص مريض بالانتقام و ان الهوارية ملائكة يمشون على الارض و لا يستحقون كل هذا القدر من الحقد و الكراهية..
معذورة.. هى لا تعلم.. عليه ان يتصل بها ليخبرها بكل جديد لعله يعرف خبرا يساعده فى ثأره الذى اعتقدت هى منذ حادثة حمزة ان ناره قد خمدت..
ألتقط هاتفه يبحث عن رقمها و ضغط الشاشة منتظرا ردها.. أجابت اخيرا بصوت ناعس أورثه اضطرابا لا يعرف كنهه لكنه رد فى ثبات يحسد عليه هاتفا:- انا أسف لو اتصلت ف وقت غير مناسب..
ردت بلهجة رسمية كعادتها:- لا ابدا يا باشمهندس.. تحت امرك !؟.. و استطردت متسائلة:- انت هنا ف النچع و لا ف مصر!؟..
اكد:- انا هنا..ف بيت ولاد منصور اللى كانوا عرضينه للبيع و انا اشتريته و جبت امى فيه..
هتفت صارخة:- ولاد منصور !؟.. انت عارف انت بتعمل ايه !؟.. و عارف دول مين من الاساس !؟..
اكد هاتفا فى هدوء و نبرة ثابتة:- ايوه عارف.. و محدش هاينفعنى غيرهم لو حد حاول يمسنى...
هتفت فى غيظ:- ولاد منصور دول المتغطى بيهم عريان.. اسمع كلامى.. بلاها العيلة دى..
اكد فى عزم:- انا مش هوصل للى انا عاوزه الا بمساعدة العيلة دى..
صرخت فى غضب:- يبجى بتكلمنى ليه !؟.. عايز منى ايه دلوجت !؟..
اكد فى هدوء رغم ثورتها:- عايزك تبقى تيجى تاخدى بالك من امى و انا مش موجود.. انا جايب لها ممرضة مقيمة.. بس انا مش هستأمن عليها حد غيرك..
هدأت حدة ثورتها مع كلماته التى تنضح ثقة بها و هتفت فى قلة حيلة:- باذن الله يا باشمهندس.. اكيد هزورها و اطمن عليها..
أغلق الهاتف شاكرا و تطلعت هى للفراغ فى تيه و هى لا تدرك بالضبط ما عليها فعله جراء ما يحدث امامها من تصاعد مخيف للأحداث.. هل تقف متخذة دور المتفرج ام عليها ان تتحرك فى اتجاه اخر!؟.. هى لا تدرى.. حقا لا تدرى..
دخل المعلم خميس الى شقته قادما من القهوة من اجل وجبة الغذاء و القيلولة التى يأخذها بعد فترة الظهيرة ليجد نعمة و شيماء كل منهما تضع رأسها برأس الاخرى تتهامسا فى تخابث ليهتف ساخرا:- حاطين روسكم بروس بعض ليه !؟.. بتتودودوا على مين!؟.. حاكم انا عارف القعدة دى اخرها ايه..
انفجرت نعمة ضاحكة و هتفت مؤنبة فى دلال:- يعنى هنكون بنتودود على ايه !؟.. بنتى و بطمن عليها.. بتأكد ان العجل وقع..
هتفت شيماء مؤنبة نعمة بخجل:- اللاه.. كده برضو ياما.. ميتبلش ف بقك فولة.. و بعدين متقوليش عليه كده...
ابتسم خميس و قد ادرك مغزى كلمات
نعمة و إشارتها المبطنة لاستسلام ناصر لقلبه و إعلانه الولاء و الطاعة اخيرا لأمر الهوى..
هتفت نعمة فى نزق موجهة كلامها لشيماء:- لاااا.. بقولك ايه !؟.. ده ابنى و اقول عليه اللى انا عايزاه.. اااه..
قهقه خميس و هو يرى نعمة و قد تحولت فجأة من دور الام الرؤوم الناصحة لشيماء الى حماة عتيدة تأخذ بحقها من زوجة ولدها..
قرر إنهاء هذه المسرحية الهزلية و هتف بهما:- طب بقولكم ايه.. انا جعان و طالع اكل و استريح.. جهزوا الغدا ياللاه..
نهضت شيماء تساعد امها فى إعداد المائدة و ما ان هم الجميع بتناول الطعام حتى وجدتها نعمة لا تمد كفا الى صحن من الصحون فهتفت بها:- ايه يا بت.. ما تاكلى انت هتتعزمى و لا ايه !؟..
هتفت فى خجل:- لا مش هتعزم.. بس اصل مستنية ناصر نتعشى سوا.. هبقى اكل معاه..
ابتسم خميس فى سعادة هاتفا:- سبيها يا نعمة.. هى صح.. خليها تاكل مع جوزها..
ابتسمت نعمة و هى تضع لقمة بفمها هاتفة:- ربنا يهنى سعيد بسعيدة..
انهى خميس طعامه و دخل حجرته و أغلقها عليه لينعم بقيلولته المعتادة..
لم يمر وقت طويل حتى اندفع ناصر فى اتجاه بيته صاعدا الدرج فى لهفة طارقا على باب شقة ابيه.. فتحت نعمة و شيماء أتية تحمل صينية الشاي
فهتفت نعمة متعجبة لمجيئه فهذا ليس وقت رجوعه المعتاد من ورشته:- خير يا ناصر ايه اللى جابك بدرى كده!؟..
تلجلج ناصر مدعيا العجلة هاتفا:- ابدا ياما..رجعت أدور على حاجة فوق ف الشقة.. تعالى يا شيماء دورى عليها يمكن تكونى شيلتيها ف حتة و انا معرفش..
ابتسمت نعمة فى خبث متفهمة و هتفت فى شيماء أمرة:- اطلعى دورى مع جوزك ع اللى بيدور عليه و هو مش عارف هو ايه..
خرجت شيماء تتبعه لشقتهما بالأعلى تلاحقها ضحكات نعمة الماجنة..
ما ان وصلا للأعلى حتى هتفت شيماء فى تعجب و هى تدلف لداخل الشقة:- حاجة ايه يا ناصر اللى بتدور عليها !؟.. انت نسيت حاجة م الورشة هنا و لا ايه!؟..
اقترب منها فى شوق هاتفا:- اه نسيت.. و نسيت حاجة مهمة كمان..
اقتربت منه فى سعادة هامسة فى دلال:- نسيت ايه !؟..
هتف و هو يضمها اليه:- نسيت روحى معاكِ.. و مش قادر اقعد على بعضى ف الورشة من غير ما اطلع اشوفك..
تعلقت برقبته فى فرحة هاتفة:- بحبك قووى يا ناصر.. انا مكنتش اعرف انى بحبك قووى كده..
ضمها اليه يخبئها بأحضانه و يعتصرها بين ذراعيه هامسا:-انا لو مكنتش اتجوزتك كان ممكن يحصل لى حاجة.. انا ربيتك على ايدى و مكنتش بستحمل عليك ِ الهوا الطاير.. لو حد كان قالى شوشو دى ايه بالنسبة لك كنت قولتله دى الهوا اللى بتنفسه..
دمعت عيناها و هى تتشبث بأحضانه حيث تستشعر الأمان..
فجأة حملها فى اتجاه غرفتهما هامسا:- وحشتينى..
همست مؤنبة:- ناصر.. امى مستنيانى تحت..
همس ساخرا:- لا متقلقيش.. امك عارفة انك هتتأخرى و انت بتدورى معايا على اللى ضايع و انا مش عارف هو ايه..
انفجرت شيماء مقهقهة و هتفت:- اتفضحنا يا بوالنصر..
قهقه بدوره هاتفا و هو يغيبها بين ذراعيه فى لهفة:- احلى فضيحة ف الدنيا..
دخل ماجد السراىّ صارخا فى غضب و ايمان تندفع خلفه تحاول تهدئته:- لااا.. ما هو كده كتير و عهد الله ده كتير..
اندفعت زهرة من الداخل على صوت صرخات ماجد الغاضبة و توقفت امامهما فى تيه هاتفة:- فى ايه يا ولاد!؟.. ايه اللى حصل بالظبط !؟..
هتف ماجد فى حنق:- انا بس عايز اعرف اعمل ايه تانى!؟.. خطوبة و خطبنا.. كتب كتاب و كتبنا..
ايه بقى !؟ هو احنا لازم نخلف لنا عيلين نروح بيهم الجامعة عشان مفيش حد يجى يطلبها منى !؟..
انفجرت زهرة ضاحكة غير قادرة على كبح جماح قهقهاتها بينما هتفت ايمان بهدوء سعيدة بغيرته عليها:- طب اعمل ايه يا مرت خالى.. انا مالى طيب !؟..
هدأت قهقهات زهرة لتهتف محاولة امتصاص غضب ولدها الثائر:- الصراحة يا ماجد ايمان ملهاش ذنب.. يعنى بجد تعمل لك ايه !؟..
هتف ماجد حانقا:- معرفش.. مليش فيه..
هتفت ايمان متصنعة الحزن:- خلاص يا مرت خالى انى مش هروح الكلية تانى عشان ماچد يرتاح..
هتفت زهرة معاتبة:- ايه الكلام ده يا ايمان !؟.. هو ده ينفع برضو!..
و نظرت زهرة لماجد حتى يقول اى شئ يطيب بخاطر ايمان فتنبه هاتفا فى هدوء مناقض لصرخاته السابقة و هو يمرر أصابعه بخصلات شعره فى اضطراب:- لااا طبعا مش للدرجة دى.. جامعة ايه اللى متروحيهاش !؟.
انا بس.. يعنى.. خلاص حصل خير..
غمزت له زهرة و انصرفت تحضر لهما بعض العصائر فتفهم الامر و ابتسم مقتربا لإيمان التى ظلت منكسة رأسها فى استسلام و همس فى مشاكسة:- لسه زعلانة !؟..
هزت رأسها نفيا فأستطرد ممعنا فى مشاكسته:- لا خليكى لسه زعلانة عشان أصالحك بطريقتى..
و اقترب منها بشكل خطر فأنتفضت ايمان مبتعدة تنظر اليه شذرا هامسة:- حاول بس و هتشوف هيحصل لك ايه!؟..
قهقه مقتربا من جديد:- ايه يا مونى ده انا جوزك يا جميل !؟..
همست بحزم و هى تجز أسنانها:- لما ابجى ف بيتك.. جبل كِده متحلمش..
هتف ماجد مقهقها:- ملكيش ف الطيب نصيب.. ده انا كنت هعلمك ضرب النار..
هتفت ساخرة:- لما تبجى الحرب تجوم نبجى نشوف ازاى نستغل خدماتك..
قهقه ماجد من جديد و زهرة تظهر بصينية المشروبات هامسا بالقرب منها و هو يتوجه ليتناول نصيبه من العصير:- بكرة تندم يا جميل..
ابتسمت رغما عنها و توجهت لتتناول نصيبها من العصير بدورها..
كانت تجلس فى اضطراب عيناها معلقة بالمجلس المنعقد بالأسفل تتطلع اليه خلسة من خلف خصاص نافذتها.. طال الوقت و ما عادت تدرى ما الذى يحدث بالضبط حتى رن هاتفها فذهبت لترد فى عجالة حتى تتفرغ من جديد لمتابعة الموقف بالأسفل حيث حازم و خالها زكريا بصحبة ابيها و باسل اخيها لخطبتها.. كان رقم غريب غير معنون باسم..ردت فى تحفظ:- الو..
همس لها الصوت على الجانب الاخر فى لهفة:- مبروك..
اضطربت و ما عادت تدرى بما تجيب.. كان ذاك صوته الرخيم الذى يأتيها عبر الهاتف ليفعل ما بدا له بذاك الخافق بين جنباتها.. استجمعت احرف الأبجدية التى تاهت منها للحظات لتهمس بصوت مضطرب:- الله يبارك فيك..بس انت چبت رقمى منين !؟..
همس مؤكدا:- من باسل..ربنا يباركله..و استطرد بعد فترة صمت هامسا باسمها فى شوق:- تسبيح..
كانت المرة الاولى التى ينطق اسمها دون لقب يسبقه.. كان اسمها مجردا من بين شفتيه له وقع اخر لم تدركه من قبل.. وقع كدبيب رقيق على جدران القلب يربكه و يجعله ينتفض فى رهبة لذيذة كما تستشعره الان.. ردت بصوت متحشرج تأثرا:- نعم..
سأل متلهفا:- مش هاتتزلى عشان تسلمى علينا..
اكدت:- مينفعش طالما ان محدش ناداني..
سأل معاتبا:- و لا حتى عشان تسلمى ع الحاج زكريا اللى جه من اخر الدنيا ده !؟..
اكدت بدورها:- خالى زكريا مش غريب لازم ادخل اسلم عليه عشان يشوف عروسة ابنه.. هو عارفنى كويس..
اكد مازحا:- على فكرة.. بيقولك تسلم ايدك.. البسبوسة عجبته جدااا.. اول ما شافها بصلى و قعد يضحك..
ابتسمت بدورها و لم تعقب.. ليستطرد هو فى لهفة:- تسبيح.. انتِ مش هتنزلى شوية طيب.. اشوفك بس..
سألت بغية اغاظته:- ليه !؟..
قرر رد الصاع صاعين فهتف مغيظا إياها :- ابدا.. كان عندى ضرس واجعنى شوية و عايزك تشوفيه..
هتفت فى حنق :- نعممم..
قهقه فى سعادة:- خلاااص.. انا بقول تخليكِ عندك احسن.. كده لو نزلتى انا متأكد ان سنانى عليا العوض فيهم.
قهقهت بدورها هاتفة:- انا بجول كِده برضك..
هتف عندما شعر ان الرجال على الجانب الاخر ينهون حديثهم:- بقولك ايه !؟..
همست من جديد:- نعم..
اكد هاتفا على عجالة:- بصى م الشباك اشوفك حتى و لو من بعيد قبل ما أمشى..
ابتسمت رغما عنها فى سعادة هامسة:- حاضر.
و سمعته يعترض فى غيظ:- و الله ده حرام ده انا كنت بشوفك اكتر من كِده قبل ما نقرا الفاتحة..
قهقهت هاتفة:- النظام عندينا كده.. عچبك و لا ترچع ف كلامك!؟..
همس بشوق:- ارجع ف كلامى ايه!؟.. ده انا ما صدقت..
ثم استطرد فى عجلة:- احنا ماشيين.. اقولك سلام عليكم..
همست و هى تتطلع من نافذتها:- و عليكم السلام..
خرج هو و ابيه من دار ابيها متطلعا فى لهفة حيث نافذتها و ما ان رأها تطل منها على استحياء حتى شعر اخيرا بالراحة و رحل و قد ادرك انه ما ترك قلبه بمفرده مع تلك الشقية هناك بل ترك بصحبته روحه و عقله و الباقى من اتزانه و رزانته..
اندفع الى داخل حجرته هاتفا فى عجالة:- اوعى تكونى صليتِ السُنة من غيرى !؟..
ابتسمت تسنيم فى سعادة هامسة:- هو انا اچدر يا شيخ..
كان دوما ما يجعل لبيته نصيب من صلاته بصحبتها بعد انقضاء الفرض جماعة فى المسجد..
انهيا صلاتهما و جاء دور الورد اليومى من القران الكريم.. كان دورها لتردد على مسامعه ما تحفظ.. فاستدار متطلعا اليها هاتفا:- دورك تسمعى النهاردة.. هاااا..وصلنا لفين!؟..
ردت برقم الآية و اسم الصورة ليومئ برأسه مشجعا إياها على الأسترسال.. بدأت فى التسميع بصوت رخيم أشعره بدفء بدأ يسرى بأوصاله.. فتمدد يلقى برأسه فى حجرها لتضطرب فى خجل كعادتها هامسة:- ينفع الدلع ده يا شيخ مهران!؟..
ابتسم رافعا ناظريه متطلعا اليها:- الشيخ يعمل اللى هو عايزه و انت تسمعى من سكات.. و الا..
و لوح بالسواك الذى يحمله دوما بكفه متصنعا التهديد بالعقاب.. فقهقت هامسة فى دلال:- و اهون عليك يا شيخ !؟..
اضطرب لرقتها فهتف متصنعا
الشدة:- اهاا.. شوفوا مين اللى بيدلع دلوجت !؟..سمعى..
همست بالآية الكريمة:- نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ..
هتف منتفضا:- صدق الله العظيم.. و اندفع حاملا إياها فهتفت متعجبة:- بتعمل ايه يا شيخ!؟..
همس مشاكسا إياها:- بنفذ كلام ربنا.. اعترضى !؟..
قهقهت هامسة:- اللهم لا اعتراض.. لما نشوف اخرة دلع المشايخ..
همس يغيبها بين ذراعيه:- هو فى احلى من دلع المشايخ.. ايش فهمك انت ِ..
لتعلو ضحكاتها من جديد فى سعادة..
هبطت الدرج من شقتها بغية الحصول على قليل من النعناع لغليه حتى تهدأ ألام معدة يونس الصغير و يستطيع النوم و لو قليلا.. دخلت الشقة فى هدوء و تقدمت ناحية المطبخ لتحصل على بغيتها و ما ان عادت حتى سمعت صوت زوجها حامد يعلو قليلا عن المعتاد فى غرفته القديمة التى اصبحت اليوم غرفة لحمزة اخيه حين يعود لبضع ايّام زائرا من الاسكندرية..
تقدمت رغما عنها لا تعلم ما الذى دفعها لذلك و هى تستشعر بشكل غريزى ان اسمها يتردد على مسامعها من خلف جدران تلك الغرفة.. وقفت على بابها و صدق حدسها و هى تسمع حمزة هاتفا:- عيشة ما تستاهلش منك كِده يا حامد..دى بجد بتحبك.
ابتسم حامد لإخيه هاتفا بشكل ساخر متعجبا:- اخيرا حمزة جلب الأسد بيتكلم عن الحب!.. انت اخر واحد ف الدنيا دى كان ممكن اصدج انه يعترف بحاچة اسميها حب من اساسه.
تتهد حمزة فى قلة حيلة:- لاااه فيه حب.. و انى بعترف لك انى كنت غلطان..بس سيبك منى دلوجت و جولى هاتعمل ايه فى سلوى و اللى جولتهولى عنها دِه!؟.. هاتتجوزها صح يا حامد!؟..
تنهد حامد هاتفا فى ثبات:- لااه.. مش هتچوزها.. عمرى ما هجدر أنسى اللى سمعته عن ابويا ف بيتها.. وابوها اللى مشفش حامد على حجيجته ساعتها و لا حتى فكر يدينى فرصة.. كل اللى همه وجتها كان حامد بن يونس السوابج.. لكن حامد نفسه مهمهوش ف حاچة.. ممكن يكون سلوى ملهاش ذنب و مغصوبة من أهلها بس المشكلة مبجتش فيها و لا في الظروف يا حمزة.. المشكلة بجيت فيا انى..
ارهفت عيشة السمع على الباب عندما بدأ صوت حامد يخفت و حمزة يسأله:- المشكلة فيك انت كيف يعنى!؟.. انى مستغربك.. مش دى سلوى اللى كنت هتموت روحك عليها!؟.. اهى چات لحد عِندك بعد طلاجها تجولك تعالى و ابوها وافج على چوازكم بعد اللى عملتوا معاها ف المستشفى..
هتف حامد متنهداً:- ايوه يا واد ابوى.. عندك حج ف ده كله.. بس المشكلة بجيت ف حامد و جلب حامد.. منكرش انى فرحت بموضوع سلوى ده يمكن عشان حسّيت انى كرمتى اتردت لى.. لكن انى بحبها يا حمزة..
هتف حمزة يتعجله:- ما ده اللى بجوله و اهى چاتك لحد عنديك و ابوها راضى..
هتف حامد مقرا فى صدق:- انى بحب عيشة يا حمزة.. بحبها بچد و عارف انى غلطت ف حجها كَتييير.. و عامل جدامها زى التلميذ الخايب اللى كنه اول مرة يحب.. كنت مع سلوى چرئ و الكلمة الحلوة دايما على لسانى.. لكن عيشة.. معرفش..
اول ما بطلع لها جدامى كنى اتخرست.. عينى بتبجى عليها و لسانى نفسه ينطج و يجول اللى ف جلبى و هى و لا كنها هنا من اساسه.. تعدى جصادى تبرچل حالى و اجف زى اللى لسانه أنشل و هى و لا دريانه باللى بيحصلى من اصله.. اعمل ايه ف حالى يا حمزة!؟.. هموت بجهرتى و هى و لا هى هنا..
انفجر حمزة ضاحكا و هتف ساخرا:- و بتسألنى انى تعمل ايه !؟.. چاى تسأل أخيب واحد ف الدنيا ف المواويل دى.. و الله احنا الاتنين عايزين لنا جاضى غرام يشوف لنا ايه اخرتها..
تنبهت عائشة لحركة ما داخل الغرفة فتوقعت ان احدهما فى سبيله للخروج منها فأندفعت مبتعدة لتصعد لشقتها و قد نسيت تماما امر النعناع و صغيرها الباكى و الذى دخلت غرفتها لتجده و قد غفا فى سكينة اخيرا.. جلست على طرف فراشها و اخذت تفكر فى ما سمعت و هى لا تصدق انها سمعته من الاساس.. حامد يحبها!.. انه حقا يحبها.. و تلك التى اعتقدت انها ستظل بينهما دوما و التى هتف بأسمها على مسامعها يوم ان اخذها للمرة الاولى و الاخيرة بين ذراعيه ها هى متاحة له لكنه رفض العودة اليها لانه يحبها هى..
تنهدت فى اضطراب فقد ظنت فى لحظة ما وعلى الرغم من قدر العشق الفائض فى قلبها تجاهه انها لن تسامحه ابدا.. لن تغفر له همسه على مسامعها بأسم حبيبته.. لكنها و فى تلك اللحظة.. و ما ان سمعت انه يعشقها هى و يتمناها هى.. حتى نسيت كل وجعها و حزنها و برأ جرح كبريائها و شُفيت كرامتها المطعونة.. تنهدت فى سعادة غير مصدقة أنها اخيرا حبيبته و نهضت كالممسوسة تقفز راقصة تدور حول نفسها فى أنحاء الغرفة كفراشة اخيرا عثرت على شعاع من نور لطالما تمنته فى ظلمة لياليها..