رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الرابع عشر
وصل حمزة لفيلا عمه بالإسكندرية
ليتلقفه الأخير مرحبا في تهليل:- بجى دِه الأسبوع اللى جلت هتغيبه عشان المشروع و زيارة سيد العشماوى!؟ طولت الغيبة يا حمزة..
هتف حمزة و هو يجذب نفسه من بين أحضان عمه هاتفا:- و الله يا عمى الأمور مكنتش تمام هناك و مكنتش جادر اسيبهم.. ما انى حكيت لك ع التليفون كل اللى چرى..
تنهد زكريا في تعجب:- اه و الله.. كله كوم و حكاية يونس دى كوم تانى..
و استطرد زكريا و هو يسحب بن أخيه لداخل الفيلا:- يعنى موضوع حامد عادى.. واحد اتجدم يخطب واحدة و اترفض.. لكن موضوع يونس دِه و ابوه العمدة اللى ظهر فچأة و لا كان ع البال و لا ع الخاطر..
هتف حمزة متحسرا:- و الله يا عمى لو تشوف ابويا ما تعرفه.. على طول ساكت و شارد و كنه مش ف الدنيا..
هتف زكريا في حزن:- لا حول و لا قوة الا بالله.. ربنا يهديه للصواب.. القرار اللى مطلوب يخده مش سهل برضك.. دِه حمل تجيل و شيلة عايزة چبل.. انى كلمت يونس و جالى على تفاصيل كَتير حكتهاله الحاچة سكينة..
و كان محتار و تايه.. و مش مصدج أصلا اللى بيحصل.. و لا عارف يرسى على بر.. يروح لأبوه و يتحمل يشيل اسمه بكل اللى ليه و اللى عليه و لا ينسى و لا كنه سمع و لا عرف حاچة!؟..
هتف حمزة:- ولساته على حيرته يا عمى و الله.. و انا مجدرتش اتاخر اكتر من كِده عليك.. سامحنى معلش..
هنا هتفت هدير التي دخلت في زوبعة كعادتها:- لا مفيش سماح.. بجد زعلانة.. انا كنت متخيلة انك هاتحضر خطوبتى.. و كنت كمان هقولك تجيب تسبيح معاك.. ينفع كِده يا واد عمى!؟..
ابتسم حمزة في رزانة غاضا بصره كالعادة:- عندك حج تزعلى بس و الله الظروف معلش.. تتعوض ف الفرح و ساعتها ابجى اچيب تسبيح.. ما يمكن نكون اتچوزنا احنا كمان..
هتف زكريا فرحا:- إنتوا حددتوا ميعاد فرحكم يا حمزة.. !؟
هز حمزة رأسه نافيا:- لاه يا عمى.. لسه محددناش.. بس بالتجريب كِده..
هي بس تخلص الكام شهر اللى باجيين لها و نحدد نهائي بإذن الله.
هتف زكريا:- على خيرة الله.. ربنا يتمم لكم كلكم على خير.. حازم برضك مستنى نهلة تخلص اخر سنة عشان تجدر تتنجل معاه الصعيد.. ربنا يهنيكم يا رب..
هتفت زينة مرحبة وهى تهبط الدرج لبهو الفيلا:- اهلًا.. اهلًا.. حمدالله ع السلامة يا حمزة..
نهض حمزة ملقيا التحية في تأدب:- الله يسلمك يا مرت عمى..
سألت في مودة:- اخبارهم ايه ف البلد.. يا رب يكونوا كلهم بخير.. !؟
اكد هاتفا:- الحمد لله.. كلهم بيسلموا على حضرتك و نفسهم تشرفينا هناك..
أكدت زينة في محبة:- اكيد هايحصل.. انا سامعة عن اخبار افراح قريبة.. ربنا يتمم لك على خير يا حمزة.. و يسهل كمان لحازم.. و الهانم دى اللى لسه بتقول يا هادى..
و شكلها لسه مطولة معانا شوية..
قهقه زكريا هاتفا:- مين دى اللى تطول!؟.. دى هتچوز جبلهم كلهم.. و ابجى شوفى..
ابتسم حمزة و ضحكت زينة على تعبيرات وجه هدير الطفولية و التي زمت ما بين حاجبيها في ضيق هاتفة:- قصدك ايه يا سى دادى.. انا مستعجلة ع الجواز و كده!؟..
اكد زكريا مشاكسا:- اه مستعچلة.. عريسك چاى على ملا وشه نجول له طب تخلص الكام شهر اللى فاضلين لها ع التخرچ و هو يجول لاه.. نخطب و بعد التخرچ الچواز.. و انتِ متبعاه.. صح و لا لاااه!؟..
قهقهت هدير هاتفة:- الصراحة.. ااه.
ليضحك زكريا و زينة على صراحتها بينما ينظر لها حمزة نظرة جانبية لم يتبعها بأخرى و تمنى من صميم قلبه ان يكون عريسها المختار على قدر كبير من الطيبة و التفهم حتى يستطع ان يتعامل مع كل هذا الكم من البراءة الذى تتحلى به ابنه عمه العزيزة تلك و التي ظن يوم ان رأها انها كتلة من الغرور و الكبر و لم يكن يدرك انها المادة الخام للبراءة.. ألقى نظرة أخيرة عليها و هي تشع بشر و سعادة و ابتسم بدوره بشكل لا ارادى على مظهرها الملائكى و تمنى لها من صميم قلبه السعادة..
تعالت صرخات حسام على غير عادته في ولده البكر داخل دارهم بعد ان سقطت سندس فاقدة وعيها و استأذن عريسها المزعوم مضطربا و ألقى عاصم بباسل خارج السراىّ ليلحق به كل من امه و ابيه ..
كانت ثورته مزيجا من الغيظ و القهر و الغضب و العجب على ذاك الجنون الذى قام به ولده في دار خاله و امام ضيوفه..
صرخ حسام من جديد:- انت اتهبلت رسمي.. لااااه.. دِه انت اتچننت..
كيف تعمل اللى عِملته دِه!؟.. ما هي كانت جدامك طول السنين اللى فاتت دى كلها.. ليه مجلتش انك رايدها.. ليه ما اتكلمتش و لا حتى لمحت ليا و لا حتى لأمك كنّا جسينا نبضهم.. لكن تخش بسلاحك على عريسها جدام ابوها و اخوها ف جلب دارهم.. !!.. لاااااه.. دِه چنان رسمي.. و والله لو كانوا طخوك عيارين ما كان حد لامهم و لا كان ليك عنديهم دية..
كانت سهام تسمع صراخ زوجها المحتقن قهرا و غضبا و لم تستطع ان تفوه بكلمة دفاعا عن ولدها و قرة عينها فهى تعلم علم اليقين ان كل ما ذكره زوجها صحيح و لا يقبل المناقشة و ان ما فعله عاصم و تركه باسل يخرج مطرودا من السراىّ بهذا الشكل ما هو الا كرم اخلاق منه متذكرًا انه بن اخته الوحيد.. اخته التي ظل محتفظا بخاطر لها و لم يتعد على ولدها في وقت ان فعل.. لن يلومه لائم..
تطلعت سهام من بين دموعها لولدها الذى كان يقف في وسط الدار مطأطئ الرأس شاردا و كأنه لا يع ما يحدث حوله.. تمزقت اشفاقا و حزنا على حاله.. هي وحدها تدرك ما يمور بقلب ولدها من مشاعر تجاه ابنة خاله منذ زمن بعيد.. هي وحدها تدرك ان قلبه لم ينبض الا لها و لن يعشق سواها..
هي وحدها التي تستشعر مدى الألم الذى كابده ليوئد حبها في قلبه.. و ما زال يكابده حتى تلك اللحظة..
سالت دموعها تباعا شفقة على وليدها و حال قلبه النازف.. و تنبهت عندما همس باسل بصوت متحشرج:- انى بحبها.. و محدش هيتچوزها غيرى.. و هعمل اللى عِملته دِه تانى و تالت.. يا يموتونى.. يا يچوزهالى...
شهقت سهام رغما عنها و هي تسمع اعترافات ولدها الذى ناء بحمل عذابات قلبه فقرر الاعتراف بها دفعة واحدة.. بينما هتف حسام بصوت رزين خفت منه نبرات الثورة و الغضب اشفاقا على حال ولده و ربت على كتفه في تعاطف:- و ماله.. يبجى كان تطلبها بالأصول.. تطلبها ذى الناس.. و يا توافج يا ترف...
هتف باسل صارخا و مقاطعا ابيه :- لاااه.. مش هستحمل ترفض.. مش هجدر اسمع كلمة لاااه منيها.. انى عارف انى مش جد المجام.. انى يا دوب واخد معهد سنتين و هي أستاذة بتحضر دراسات عليا.. كنت بصبِر نفسى و اجول اهى جدامى.. ممكن ف يوم تكون ليا.. لكن لما عرفت انها ممكن تضيع من يدى مستحملتش.. و مش هسيبها تضيع من يدى..
و اندفع باسل خارج دار التهامية لتنتفض خلفه سهام صارخة و من ورائه هتف ابوه متسائلا في قلق:-طب انت رايح فين دلوجت!؟.. احنا ف نصاص الليالى..
هتف باسل دون ان يلتفت اليهما حتى و قد عزم امره الا يعود الا وقد تأكد انها له:- مش بايت ف الدار و م الفچر هرچع السرايا.. هطلبها من خالى عاصم.. و يا ارچع بالموافجة يا مش راچع من أساسه..
انتحبت سهام في لوعة و هي تستند على كتف زوجها هاتفة:- هتسيبه يا حسام يروح لخاله ف الحالة دى.!؟..
ربت حسام على كتفها مطمئنا:- متخافيش.. عاصم بيعز باسل كنه مهران او ماچد.. دِه ولده و مش ممكن يأذيه.. ربنا يعديها على خير..
هتفت سهام متضرعة:- يااارب..
تقدم حازم يجلس بجوار حمزة على تلك الأرجوحة فى حديقة الفيلا الخلفية التى كانت تعد حديقة خاصة لجناح حمزة.. هتف حازم متنهداً:- سلام عليكم.. كيفك يا واد عمى!؟..
ابتسم حمزة هاتفا:- تمام يا واد عمى.. بس جولى.. كنت غايب فين طول النهار و چاى ف نصاص الليالى.. !؟
تنهد حازم من جديد:- كنت مع نهلة يا سيدى.. كل شوية تتصل.. انت مش بتيجى.. انت مش بتنزل اجازة.. بقالى فترة مشفتكش.. هى عندها حق طبعا بس غصب عنى ضغط الشغل مش مخلينى عارف أجى إسكندرية.. لكن قلت انزل يومين كده بسرعة..
هز حمزة رأسه متفهما ليسأل حازم مستفسرًا:- و انت.. مش المفروض خاطب برضو !!.. لا بشوفك بتقول انزل اشوف خطيبتى و لا حتى بقفشك بتكلمها!؟.. ايه متخاصمين!؟..
ابتسم حمزة هاتفا:- لااااه.. بس عندينا الأمور دى غير.. يعنى مينفعش اكلمها عمال على بطال و لا ازورهم كل شوية.. يعنى الدنيا محكومة اكتر.. و بعدين ما انى كنت هناك من مدة صغيرة..
هتف حازم بسؤال مباغت حتى عليه هو نفسه و صورة تسبيح بشقاوتها المعتادة تقفز رغما عنه لمخيلته :- بتحبها!؟..
انتفض حمزة كأن السؤال فاجأه و كأنه لم يفكر فى ان يسأله لنفسه من قبل او حتى لم يخطر بباله لتكون إجابته حاضرة بذهنه و اخيرا همس لابن عمه بصدق:- يعنى ايه!؟.. انى معرفش يعنى ايه حب.. و لا حتى بعترف ان فى حاچة اسميها حب من اساسه.. و لو فى.. مش عايز اجابلها لإنى شفت ممكن تعمل ف الناس ايه..
قال حمزة كلماته الاخيرة و هو يتذكر ما حدث لأخيه حامد بعد ما تم رفضه من والد حبيبته..
ابتسم حازم رابتا على كتف حمزة هاتفا فى تأييد:- انا كمان مش بعترف بحاجة اسمها حب.. و برضو لو كان موجود فعلا مش عايز اعرفه و لا أقابله لأنى زيك سمعت ممكن يعمل ايه ف الناس..
و تذكر حازم ما كانت خالته نعمة تقصه عليه من حكايا عن مدى عشق ابيه لأمه بدور و كيف كان حاله ما ان فاتته و رحلت..
هتف حازم فى سرعة قاطعا استرسال خواطره:- الحمد لله يا حمزة.. اخيرا لقيت حد زيي ف الدنيا لحسن انا كنت بدأت احسن انى شخص مش طبيعى.
ابتسم حمزة مؤكدا:- لااه متجلجش واد عمك معاك.. مفيش احسن من ان جلبك يبجى ف يدك.. لا حب و لايحزنون..
هتف حازم بدوره رابتا على كتف بن عمه مدعما:- انت صح.. قلبى ف ايدى و سيد نفسى..
كان كل منهما واثق انه سيد نفسه و ان قلبه ملك يديه و لم يكن يدرك كلاهما ان للأقدار شأنا اخر و ان للقلوب احوال فهى مرهونة بين إصبعين من يد الله يحركها كيفما شاء... فسبحانه مقلب القلوب..
طرقات على باب حجرة الحاجة فضيلة و كالعادة لا اجابة لتدخل ثريا مستأذنة بصوت مرتفع مما استرعى انتباه فضيلة لترفع رأسها مستفسرة عن القادم اليها فى تلك الساعة من النهار.. هتفت فضيلة فى سعادة:- اهلًا بالجمر.. تعالى ادخلى..
ابتسمت ثريا لذاك اللقب الذى تطلقه الحاجة فضيلة عليها..
هتفت ثريا بابتسامة :- امر بالستر يا حاچة ..
انفجرت فضيلة ضاحكة و ثريا تجلس بالقرب منها:- ليه.!؟ دِه انتِ جمر اربعتاشر كمان..
ربتت ثريا على كف سيدتها العجوز فى محبة هاتفة:- تسلميلى يا حاچة..
هتفت فضيلة:- تسلم لى عيونك يا باشمهندسة.. هااا.. جوليلى بجى ايه اللى جابك لحدى ف الساعة دى!؟
مش بعادة..
طرقت ثريا رأسها قليلا و اخيرا تنهدت هامسة:- الباشمهندس اللى كنت حكيت لك عليه.. فكراه!؟.. اللى كان چاى يشارك عاصم بيه و زكريا بيه ف مشروع هنا جريب..
هزت الحاجة فضيلة رأسها مؤكدة:- ايوه افتكرته.. الباشمهندس الحليوة بتاع مصر.. ماله دِه!؟..
هتفت ثريا ممتعضة:- حليوة مين يا حاچة.. و لا حليوة و لا حاچة.. عادى يعنى..
هتفت فضيلة مشاكسة:- انى جولت انه حليوة.. يبجى حليوة..
قهقهت ثريا:- خلاص يا حاچة و احنا نجدر نعارضك برضك.. نمشيها حليوة.. اى إضافات تانية.!؟..
هتفت فضيلة ضاحكة:- لاه.. هو كفاية عليه كِده.. المهم ماله الحليوة بجى!؟..
ابتسمت ثريا و حكت لها ما حدث فى غرفة مكتب عاصم و عرض سيد لها بالعمل فى فرع شركته هنا
مما استرعى انتباه فضيلة لتهتف مستفسرة:- و انتِ جبلتى!؟.. و لا ايه!؟..
هتفت ثريا:- ما هو دِه اللى جيتك فيه يا حاچة.. انتِ ايه رأيك!؟.. اجبل و لا اخلينى بعيد و انتبه للكام شهر الباجيين ع التخرچ يمكن ربنا يسهلها و اتعين فى سلك التدريس ف الچامعة!؟.. هى فرصة ممكن متتعوضش و حلم بالنسبة لأى خريچ و خصوصى للى ذى حالاتى.. واهو كمان اساعد ابويا ع المعايش بجرشين.. انت ايه جولك يا حاچة!؟.. دِه عايزنى ارد عليه اخر النهار جبل ما يرچع ع القاهرة..
همهمت الحاجة فضيلة دلالة تفكير عميق استغرق فترة من الصمت حتى هتفت فى هدوء:- بصى يا بتى.. انت واعية معزتك عندى كيف.. و اللى هجولهلولك دِه كنى بجوله لسندس بت ولدى..
اكدت ثريا:- معلوم يا حاچة.. معلوم..
استطردت فضيلة:- انتِ بتجولى لسه كام شهر ع التخرچ.. و هو عايزك ف الشركة هنا.. خلاص انتِ تروحى الكام شهر دول و تشوفى الدنيا فيها ايه بس متجصريش ف چامعتك و هو ذى ما جلتى مش هاياجى كَتير.. عچبتك الحال و لجيتى ف الشغلانة اللى يريحك و يرضيكِ يبجى ع البركة كملى.. ماكنيش.. يبجى اديكِ خدتى فكرة و خليكِ ف الچامعة و طريجها و شوفى حالك فيها.. هااا.. ايه جولك!؟..
انحنت ثريا تلثم كف الحاجة فضيلة فى محبة و امتنان هاتفة:- و هو فى بعد جولك يا حاچة ربنا يخليكِ لينا..
ربتت فضيلة على كتف ثريا قائلة:- انى عارفة ان دِه اللى فكرتى فيه يا باشمهندسة.. دِه انتِ عجلك يوزن بلد.. بس انتِ كنتِ محتاچة تسمعيها من حد تانى عشان ترتاحى..
ابتسمت ثريا لأن الحاجة فضيلة كانت تفهمها على حق و تدرك دواخل نفسها كأنها تراها...
همست ثريا متأهبة للمغادرة :-.. اسيبك يا حاچة تستريحى و اروح انى اشوف حالى..
تمددت فضيلة على فراشها بغية الحصول على قسط من الراحة و قد حان وقت قيلولتها المعتادة و همست ناعسة:- روحى يا بتى.. روحى..
خرجت ثريا من حجرة الحاجة فضيلة و قد عزمت امرها على الموافقة على عرض سيد العشماوي..
و العمل لديه فى الشركة المشتركة بينه و بين زكريا الهوارى...
هتفت نعمة بوهن من على فراشها منادية شيماء التي جاءت اليها مسرعة ملبية ندائها كالعادة:- نعم ياما.. عايزة حاجة!؟..
نهضت نعمة متوكئة على أطراف الفراش و شيماء تحاول منعها لتنال قسطا من الراحة و لا تغادر فراشها
حتى لا ينخفض ضغطها كالمعتاد مؤخرا و تفقد وعيها..
هتفت نعمة بعد ان وصلت لأقرب مقعد في الردهة الواسعة بقلب شقتها مؤكدة:- بقولك ايه يا شيماء..
تنبهت شيماء في اهتمام:- نعم ياما..
استطردت نعمة:- انت الليلة دى تعملى حسابك انت و جوزك تطلعوا بقى شقتكم.. كفاية عليكم قووى كده..
ردت شيماء في اضطراب:- كفاية ايه ياما.. احنا ف ايه و لا ف ايه!؟..
هتفت نعمة بصوت متحشرج تأثرا:- نادر غايب داخل ع الشهرين اهو.. و إنتوا من يوميها قاعدين معانا هنا.. كفاية بقى.. اطلعوا شقتكم.. و..
دق الباب مقاطعا استرسال نعمة في مطالبها.. فتحت شيماء الباب ليطل منه ناصر لتهتف نعمة به:- تعال يا ناصر.. جيت ف وقتك..
اقترب منها ناصر متسائلا:- خير ياما.. عيونى.. محتاجة حاجة!؟..
اكدت نعمة:- اه محتاجة..
انتفض ناصر:- عايزة ايه و انا اجيبهولك و لو كان لبن العصفور..
جذبت كفه ليجلس جوارها هاتفة:- لااا مش عايزة لا لبن العصفور و لا لبن الحداية.. انا عيزاكوا تفارقونا..
كرر ناصر متعجبا:- نفارقكم!؟..
اكدت نعمة و هي تشير لشيماء التي كانت تضطرب خجلا:- اه.. انت و الهانم دى.. اطلعوا شقتكم بقى و شوفوا حالكم..
اضطرب ناصر في مجلسه هاتفا:- و ده وقته ياما.. خلينا معاكم اهو شيماء تخدمك و ادينا مونسينكم..
اكدت نعمة:- لا.. شوشو هتونسنى طول النهار يا سيدى و لما ترجع انت من الورشة تلاقى مراتك ف شقتكم..
هتف ناصر يحاول أثنائها عن ما عزمت عليه:- بس ياما..
قاطعته هاتفة:- مبسش.. خلصنا بقى.. خد ياللاه مراتك على شقتكم و نورتونا الحبة دوول..
اكد ناصر و شيماء تلتزم الصمت تماما غير قادرة على التفوه بكلمة:- طب نستنى ابويا و شيماء كمان تحط له العشا..
اكدت نعمة بحزم:- ملكش دعوة بأبوك.. هعشيه انا.. ياللاه من غير مطرود.. مشفش وشكم الا الضهر.. و يا ريت مشفهوش قد يومين تلاتة كده..
فتحت نعمة الباب و اشارت لهما معا بالصعود لشقتهما و لم يستطع اى منهما ان يتفوه بكلمة جراء إصرارها فصعد ناصر و خلفه شيماء يكاد الخجل يبتلعها ابتلاعا و خاصة عندما ابتعد عن مدخل الشقة مفسحا لها الطريق لتمر للداخل و يمر خلفها مغلقا الباب و قد اضحى كلاهما يقف كالتائه لا يعرف ما عليه قوله او فعله حتى هتفت هي أخيرا بصوت مهتز النبرات:- خالى هيقول علينا ايه دلوقتى!؟..
تنحنح يرد في محاولة لإظهار عدم لامبالاته بالأمر:- عادى.. ابويا عارف ان ده هيحصل سواء دلوقتى او بعدين..
صمتت و لم تعقب و لم تتحرك من موضعها لذا كان من الأفضل له اتخاذ القرار و هتف بسرعة:- تصبحى على خير.. و توجه الى احد الغرف المغلقة و فتح بابها و دخل ليغلقه خلفه متجنبا تلك الغرفة التي كانت معدة لتجمعهما كزوجين.. لاز بالغرفة سريعا حتى يبتعد عنها و عن تأثيرها الطاغ على جوارحه و خلجاته التي تنتفض في رعشات محمومة رغبة في وصل ما عاد في الإمكان...
اما هي فما ان غاب عنها حتى تنفست في راحة و اتخذت طريقها لغرفة أخرى و كأنما الابتعاد عن تلك الغرفة كان اتفاقا غير معلن بينهما.. دخلت غرفتها المختارة و أغلقت بابها خلفها وهى لا تع ان هناك خلف احد تلك الأبواب قلبا يئن شوقا لقربها و روحا هي احوج ما يكون لدواء شاف لأسقامها.. دواء غير متوفر الا بين ذراعيها.. و يا له من دواء صعب المنال.. !!
دخل غرفتهما مندفعا فدوما دخوله تلك الغرفة يشعره بالأسر و انه قد وقع فى شباكها و لا يستطيع الفكاك حتى يأتى النهار فيندفع هاربا بعيدا عن محياها الذى يكره و يعشق فى نفس ذات الوقت.. دخلت خلفه هى فى هدوء و اغلقت بابها خلفها.. تنهدت فى قلة حيلة و هى تدرك شعوره تجاهها و يصلها كل حس نافر منه..
توجه للحمام يغتسل و يطيل غيابه و اخيرا خرج فى ضيق و توجه لخزينة الملابس يمد يده داخلها لذاك الركن الذى وضع به مرتبته الإسفنجية التى ابتاعها و ادخلها السراىّ فى غفلة من قاطنيها حتى يتسنى له النوم عليها ارضا بعيدا عن فراشهما المشترك.. انتزعها من مكانها الخفى فى عنف يعكس غضبا مكتوم و ألقى بها ارضا و بسطها ليتمدد عليها فى لامبالاة لوجودها..
نظرت اليه فى حزن على ما ألت اليه حالهما و فكت رباط حجابها عن عنقها و الذى بدأ يشعرها بالاختناق و قررت الخروج للشرفة قليلا لعلها تشعر ببعض التحسن و تتركه يذهب فى نعاسه فقد تأخر فى العودة الليلة على غير العادة و ايضا جلسا فترة بالأسفل مع الجميع يتباحثا فيما بدر من باسل اخيها فى حق عريس سندس و بعدها صعدا لهنا.. تنهدت من جديد و هى تتطلع للأضواء البعيدة الصادرة من أعمدة الانارة التى تقف فى انتظام على طول الطريق الرئيسى لمدخل النجع و كأنهم حراس له يراقبون كل شاردة و واردة تخرج منه او تدخل اليه..
جلست على ذاك الكرسى الموضوع جانبا و تاهت فى تلك الظلمة و تلك الأنوار المتفرقة هنا و هناك بطول النجع و عرضه و كأنه صورة منعكسة لمرآة السماء بنجومها الساطعة بشكل رائع تلك الليلة..
اخرجت مسبحتها من جيب عباءتها و بدأت فى التسبيح و الاستغفار حتى بدأت تشعر بالسكينة و الدعة.. لا تعرف كم استغرقت من وقت و هى على حالها من الذكر و التسبيح الا ان هواء الفجر البارد نوعا ما بدأ يتسلل اليها فأرتعشت و قد قررت ان الوقت حان للعودة للداخل قبل ان يفكر هو فى الاستيقاظ متأهبا لصلاة الفجر كعادته..
دخلت فى حذّر حتى لا توقظه و اغلقت خلفها باب الشرفة ليعم الظلام فتضطرب لا تع طريقها لفراشها فى تلك العتمة..
تلمست طريقها فى حرص و تحسست موضع خطواتها قبل ان تطأه قدماها و فجأة و هى تسير بشكل موفق لهدفها ضربت قدمها قدم ما ارتفعت عن موضعها فتعسرت فيها لترتبك و لا تعلم اين سيكون موضع خطوتها التالية لتترك قدمها تختار موطئا بشكل عشوائى ليكون هذه المرة قدمه الاخرى التى تعرقلت فيها لتسقط شاهقة بصرخة مكتومة ايقظته بشكل منتفض ليجدها فى لحظة بين ذراعيه.. نظر اليها و كأنما هى هدية السماء اليه بعد طول عناء..
كانت هى مشدوهة لا تدرك ما يحدث و هو يتطلع اليها بتلك الطريقة كالمسحور كليا و كفيه تعانقان خصرها البض و نظراته تجول على ملامح وجهها مأخوذ لا يرفع نظراته عنها كالمجذوب.. رفع كفا عن خصرها يداعب تلك الخصلات التى فرت متمردة من تحت حجابها الذى انحصر عن شعرها الغجرى.. و اخيرا جذب ذاك الحجاب فى سلاسة و ألقى به بعيدا بطول ذراعه و كأنما هو عزول حرمه رؤية ما و من يحب و انتظر لقاءه طويلا.. خلل أصابعه فى داخل تلك الجدائل المعطرة و رفعها الى وجهه يتحسسها و يتنسم عطرها حتى تشربت به روحه..
و اخيرا تركها تتهدل و تنساب ببطء من بين أصابعه و هو يتابعها فى شغف و اخيرا سلط نظراته على محياها الذى اصطبغ كعادته ما ان يطالعها بتلك الحمرة التى تكسوه خجلا و حياءً نفذت نظراته الى عمق عينيها و قرأ بهما ما كان يتمنى قرأته طوال حياته.. قرأ فيهما احلامه و أمنياته و سنوات عمره الراحلة كلها و عشقه اللانهائي لها و دعواتها المحبة و اعترافات بالهوى لم يبح بها قلبيهما بعد.. و لكنه رأى ايضا عتاب صامت و جوى يرتعش به نبض القلب و وجع يفر من المقل و لا دواء يطيب الجرح..
اقترب منها مأخوذاً كلية بحضورها الطاغ عن كل ما عاداه.. و انحنى ملثما جبينها الوضاء فى قبلة طويلة أودعها بعض مما يستشعره فى تلك اللحظة و بدأت هى ترتجف فى حياء لأفعاله التى ما عاد لها سيطرة عليها و لا قبل لها لتردعها و خاصة انها كانت لا تقل عنه سحرا بتلك اللحظات المختلسة من زمان خصامهما الذى طال أمده حتى جفت حنايا القلب شوقا للوصل.. لكنها كانت الأكثر إدراكا و وعيا ان تلك اللحظات نهايتها ستكون ندما و قهرا قد يباعد بينهما اكثر من زى قبل مما دفعها لتضع كفيها على صدره تحاول ان تصده عنها بوهن لا قبل لها لتضعه حيّز التنفيذ و تقصيه عنها بعد ان تمنت قربه للحظة..
تمنت ان تراه مهران كما حلمت ان يكون و كما كانت تدرك بفطرتها كيف سيكون.. فكيف لها ان تقصى عنها حلما طال انتظارها له و هى تراه يتحقق صوب ناظريها.. !؟ و من اين لها تلك القوة و ذاك الجبروت لترفض دنوه منها و الذى كان املا بعيد المنال!؟.. انها تحبه.. بل تعشقه و تهوى كل ما يمت له بصلة..
لازالت تتوسد كفاها البضتين صدره فى محاولة محكوم عليها بالفشل لإبعاده ليحتضن هو احد كفيها و يرفعه ليلثم باطنه فى عشق باح به حتى الثمالة.. و هنا أعلنت هى استسلامها و نكست رايات الرغبة فى ابعاده و..
انتفض هو و كأنما لدغه عقرب و جواله يعلن عن توقيت أذان الفجر صادحا و مكبرا.. و كأنما قد أتى ذنبا و هو بالفعل أتاه.. فقد تذكر انه حرمها على نفسه بمنتهى الغباء فنهض مبتعدا و مستغفرا و هو يندفع كالمصعوق للحمام يتوضأ على عجل و يندفع فارا من الغرفة لا يرفع نظراته اليها..
انفجرت تسنيم باكية ما ان أغلق الباب خلفه و قد شعرت بكم رهيب من المهانة و الإذلال لم تشعر بهما قط.. بكت حتى أرهقها البكاء و اخيرا نهضت لتصلى فرضها و ما ان ختمت صلاتها حتى قررت انها لابد و ان ترد له الصاع صاعين.. و لن تدعه يلهو بها مرة اخرى كيفما شاء..