رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الخامس والعشرون
شعرت عندما اندفع و تركها انه ما غادر المنزل و ما سمعت الا صوت خطواته الصاعدة للسطح.. توقعت انه قضى به معظم الليل و هبط قبيل الفجر فالجو قد بدأ يميل للبرودة ليلا الا انها كانت مخطئة فها هو باب حجرته على حاله مفتوح منذ البارحة على مصرعيه و لزيادة التأكيد طلت منه فى سرعة ليتأكد حدسها.. لقد بات ليلته بالأعلى او ربما تسلل لشقة ابيه و بات فيها ليلته..
قررت تجاهل الامر و النزول لأمها نعمة ككل صباح حتى تعد لهم طعام الافطار ليتناوله هو و خالها قبل نزول كل منهما لعمله...
اغلقت باب الشقة و ما ان همت بالنزول على اول درجات السلم حتى عاودها القلق بشكل لا ارادى و هى تتساءل كيف بات ليلته فى الطل هكذا دون حتى غطاء يقيه برودة الليل فأندفعت تغير وجهتها صاعدة للأعلى و ما ان طلت برأسها داخل السطح حتى وجدته بالفعل ممددا على تلك الأريكة بالقرب من السُوَر البعيد هناك ترددت ما بين النزول لإعداد الفطور و ما بين إيقاظها اياه حتى لا يشك كل من خالها و زوجه فيما بينهما و اخيرا قررت الاندفاع لإيقاظه و ابلاغه سبب ازعاجها له على غير رغبتها..
وقفت مترددة امام محياه الرجولى الذى يحتل الأريكة بكاملها.. انها المرة الاولى التى تراه فيها ممددا بهذا الشكل الحميمى و على قسمات وجهه كل تلك السكينة و الدعة و هو الذى لم تره يوما الا مقطب الجبين و عابس الوجه يثور لأتفه الأسباب و ينالها ما ينالها من سخرية لسانه اللاذع..
همهم فى وداعة و هو يجذب السترة حوله فى محاولة ليستمد منها مزيد من الدفء يفتقده..
اضطربت خوفا من استيقاظه فجأة فمدت كفها فى سرعة تحاول إيقاظه هاتفة بأسمه بصوت متحشرج لم يخرج بشكل سليم من بين شفتيها الا انه لم يستجيب بل زادت همهماته و بدأ فى التحدث بصوت متقطع ينذر بالسوء.. تطلعت اليه محاولة تفسير ما يقول لكنها لم تستنبط حرفا مما همس به و شعرت انه ليس على ما يرام فتجرأت و مدت كف مرتعشة لجبينه و ما ان لامسته حتى جذبته مصعوقة فى صدمة فقد كان يستعر حرارة و كأنه مرجل يغلى..
تطلعت حولها كالمشدوهة لا تعلم ما عليها فعله و كيف تبرر لخالها وجود ابنه نائما هنا و بهذا الشكل!؟..
لحظات قضتها فى حيرة و اخيرا اندفعت للأسفل هاتفة فى سرها مهما كان ما ستناله من تقريع على ما قد يعتقده خالها او أمها نعمة الا انها على استعداد لتلقيه بصدر رحب طالما ان ذلك سيكون فى مصلحته فهى تحاول و لو بقدر يسير ان ترد له بعض من جميله عليها و الذى يطوق جيدها و سيظل مدى العمر..
طرقت باب شقة خالها فى سرعة لتطالعها أمها نعمة متسائلة عن سبب تلك اللهفة فدخلت شيماء مندفعة حيث خالها هاتفة:- ألحقنى يا خالى.. ناصر قايد نار فوق و مش عارفة اعمل ايه!؟..
انتفض المعلم خميس هاتفا:- ناصر !؟.. ماله !؟..
هتفت شيماء ؛- مش عارفة يا خالى.. لازم دكتور حالا..
اندفعت نعمة تضرب على صدرها فى لوعة ما ان سمعت ما تقصه شيماء على خالها:- يا حبيبى يا بنى.. ماله ناصر كفا الله الشر!؟..
اندفع خميس يكمل ارتداء ملابسه على عجالة هاتفا:- طب اطلعى اقعدى جنبه يا شوشو لحد ما اجيب الدكتور و اجى..
هتفت شيماء مطأطئة الرأس:- بس هو مش فوق ف الشقة يا خالى..
هتفت نعمة فى تعجب:- امال فين !؟
هتفت شيماء دون ان ترفع رأسها المطرق:- كان نايم ع السطح طول الليل..
ضربت نعمة صدرها من جديد
هاتفة:- السطح!.و ايه اللى ينيمه فوق و الليل بقى زى التلج اليومين دوول..
و تطلعت لشيماء بإتهام هاتفة:- كده برضه يا شوشو.. تلاقيكِ زعلتيه..
لم تجب شيماء فهى لا تعلم ماذا فعلت من الاساس حتى يكون رد الفعل العجيب من قبله بالامس هو الإجابة لذا التزمت الصمت و هنا تدخل خميس هاتفا:- احنا هنقعد نحكى و الواد فوق تعبان.. انا هنادى الواد فتلة من ع القهوة و معاه الواد شكمان من الورشة يسندوه لحد سريره لحد ما اجيب الدكتور و اجى.. سلام..
و اندفع المعلم خميس خارجا لتندفع كلتاهما للسطح لتظلا بجواره حتى يتم وضعه فى فراشه فى انتظار الطبيب و الذى لن يداوى الا جسده المحموم اما روحه الجريحة تلك فمن لها ليشفيها من أسقام علقت بها و ما من مداو..!
دخلت غرفة مكتبه التى تظل مغلقة لفترة طويلة حتى يعود اليها من جديد اذا ما جد ما يستدعى حضوره من مقره بالقاهرة.. كان دائم الحضور الى هنا لمتابعة المشروع لكنه قليل التواجد بمقر الشركة المشترك فهو يأتى بالطائرة متابعا ما يخصه بالجانب التنفيذي و يرحل بعدها بساعات قليلة دون حتى المرور الى المقر الذى يحوى ذلك المكتب الفخم الذى تقف فى منتصفه الان تحاول ان تتذكر اين يمكنه ان يضع تلك الاوراق الهامة التى نسيها و أرسل فى طلبها.
اندفعت ناحية المكتب و اخذت تعبث بتلك الملفات الموجودة على سطحه هنا و هناك لعلها تجد ضالتها المنشودة اتقاءً لنوبة غضبه التى تعلم الى اين يمكن ان يصل مداها..
انحنت تعبث بالادراج لعلها تصل لمبتغاها لكن لا فائدة و اخيرا وجدت الدرج الاخير مغلق.. حاولت جذبه لعله عالق فقط و غير مغلق.. و لم يفلح الامر و تأكد لها انه مغلق.. لكنها تعجبت.. ما الذى يدعوه لغلق احد الأدراج هنا فى مقره المؤقت الذى لا يحوى اى من الاوراق الهامة التى قد تدفعه للخوف عليها و إغلاق الأدراج دونها!؟..
تيقنت ان تلك الاوراق التى يريدها بهذه اللهفة و اكد على إحضارها بهذه السرعة هى فى هذا الدرج المقفول..
حاولت ان تعالج الدرج بأحد ألات فتح المظاريف الموجودة على سطح المكتب قبالتها.. و بالفعل نجحت فتنهدت فى ارتياح و فتحت الدرج و اخرجت الاوراق من باطنه و جلست على الكرسى تلتقط انفاسها..
فتحت الملف فى حذّر لترى مدى أهمية تلك الاوراق التى لا تخص الشراكة القائمة بين شركته و شركة زكريا الهوارى.. انها أوراق خاصة بعمله فى القاهرة و يبدو انه نسيها هنا قبل ان يغادر فى اخر مرة كان فيها.. اخذت تقلب فى الاوراق و لم ترى فيها ما يستدعى كل ذاك الاهتمام المبالغ بأهميتها و ما ان همت بغلق الملف حتى وقعت عيناها على سطر بنهاية احدى الاوراق لتشهق فى صدمة غير قادرة على الإتيان بأى رد فعل.. و قد جحظت عيناها فى ذعر حقيقى مما هو أَت..
تطلعت الى باب الغرفة المقفل و تنهدت في ضيق فيبدو انه لا نصيب لها لتلقاه قبل رحيلها.. على ايه حال هي ما كانت ترغب في ذلك فما عاد لها القدرة على المغادرة بعيدا عنه..
هتف ذاك الصوت الداخلى موبخا:- انك كاذبة.. فأنت تحترقين شوقا لملاقاته.. و تتوقين للأنس بمجلسه..
أعترفت ان ذاك الصوت الموبخ داخلها كان على حق تماما.. لكن ما باليد حيلة.. فيبدو انه قد سهر طويلا حتى انه لم يستيقظ كعادته مبكرا..
همت بالرحيل و قد اسقط في يدها و فقدت الأمل في وداعه قبل عودتها لبيت ابيها بعد عودة أمها و ماهر منذ ساعات قليلة من رحلة الحج الا ان باب الغرفة المطل على الحديقة الخلفية و غرفة القراءة و المطالعة قد فتح على حين غرة فأنتفضت بدورها و استدارت من جديد تتطلع لماجد و قد فوجئ بوجودها لكنه استدرك في سرعة:- انتِ هنا يا ايمان !..جاية تذكرت بدرى النهاردة عن ميعادك..
ابتسمت هاتفة:- لاااه مش هذاكر.. انا كنت چاية اجولك..اقصد ألم كتبى
هتف مستفسرًا:- تلمى كتبك..! ليه خير رايحة فين !؟..
اتسعت ابتسامتها و التي تحاول ان تدارى خلفها الكثير من الوجع:- راچعة بيت ابويا يا چنرال.. هو انى هعيش العمر كله هنا و لا ايه!؟..
هتف مستفسرًا من جديد:- هو عمتى سمية و ماهر رجعوا من الحج و لا ايه !؟..
أكدت بإيماءة من رأسها دون ان تنطق حرفا و تطلعت لمحياه الذى ظهرت الصدمة لرحيلها المباغت جلية عليه بوضوح مما أسعدها كثيرا الا انها كعادتها فضلت ان لا تتعلق بأحبال مهترئة من امل قد يكون كاذبا...
قطع الصمت بينهما هاتفا في محاولة للثبات:- حمد الله على سلامتهم.. و شدى حيلك بقى ف المذاكرة الامتحانات خلاص ع الأبواب..
ابتسمت مؤكدة:- اكيد.. ادعيلى يا واد خالى..
ابتسم مؤكدا بايماءة من رأسه و ما ان همت بالمغادرة حتى هتف يستوقفها:- ايمان..
استدارت بكليتها متطلعة اليه ليستطرد مازحا:- لو اى حاجة وقفت معاكِ تعالى انا اشرحهالك.. و خاصة ف العربى.. انا ف الخدمة..برغم انى عارف انك شاطرة بس الامر ما يسلمش برضه..
اتسعت ابتسامتها مؤكدة:- حااضر.. اوامرك يا چنرال.. عن اذنك عشان ماهر مستنينى.. سلام عليكم..
رد تحيتها:- و عليكم السلام..
رحلت في ثبات و غابت خلف أسوار السراىّ ليتنهد هو في ضيق حقيقى لا يعرف مصدره الفعلى و سار بكرسيه المدولب بإتجاه غرفة المطالعة التي دوما ما كانت موضع اجتماعهما..
جالت عيناه في أركانها و سقطت فجأة على احد الكتب الموضوعة على احدى الأرائك.. اقترب ممسكا بالكتاب ليدرك انه احد كتبها و الذى نسيته في غفلة و هي تحزم حقيبة الرحيل عنه..
فر الكتاب في رغبة حقيقة لمجالسة صاحبته كما اعتاد..رغبة وصلت حد لا يجرؤ على التفكير فيه او حتى تخيله.. وقعت عيناه على احد السطور المكتوبة عرضا على احد الأطراف ليكتشف انها قصيدة لنزار قبانى خطتها أناملها فهمس بكلماتها في وجل:-
متى ستعرف كم أهواك يا رجلا أبيع من أجله الدنيـــا وما فيها
يا من تحديت في حبي له مدنـا بحالهــا وسأمضي في تحديهـا
لو تطلب البحر في عينيك أسكبه أو تطلب الشمس في كفيك أرميها...
أنـا أحبك فوق الغيم أكتبهــا وللعصافيـر والأشجـار أحكيهـا
أنـا أحبك فوق الماء أنقشهــا وللعناقيـد والأقـداح أسقيهـــا
أنـا أحبك يـا سيفـا أسال دمي يـا قصة لست أدري مـا أسميها
أنـا أحبك حاول أن تسـاعدني فإن من بـدأ المأساة ينهيهـــا...
وإن من فتح الأبواب يغلقهــا وإن من أشعل النيـران يطفيهــا
يا من يدخن في صمت ويتركني في البحر أرفع مرسـاتي وألقيهـا
ألا تراني ببحر الحب غارقـة والموج يمضغ آمـالي ويرميهــا
إنزل قليلا عن الأهداب يا رجلا مــا زال يقتل أحلامي ويحييهـا...
انهى قراءة الكلمات و تنهد في عمق يتطلع حوله في تيه و أخيرا تطلع للكتاب من جديد و اعترف انه بدأ يفتقد صاحبته منذ اللحظة التي رحلت فيها و ان الامر فاق حد التعود على وجودها كما كان يدعى لنفسه كثيرا..
انه.. انه.. لم يجرؤ على البوح بها و هو ادرى الناس انه لن يكون ابدا ذاك الرجل الذى تكتب من اجله تلك الكلمات لان مؤمن كان دوما يتمنى لها الأفضل و هو بحاله تلك لن يكون لها الأفضل ابدا.. أغلق الكتاب في تؤدة و وضعه على حجره و عاد لحجرته و قد قرر ان ذاك الكتاب و قصيدته تلك المخطوطة بأناملها هي سلواه في بعادها الاجبارى..
دخل سيد العشماوي المقر المشترك للشركة مندفعا فى غضب هاتفا:- ملف اسيبه هنا و أبعت اجيبه الكل يقولى مش موجود.. يعنى هيكون راح فين!؟.. دى مهزلة..
انتفض العاملين بالشركة على صراخ سيد و تأنيبه لكل من يعمل بمكتبه و تحت امرته حتى ثريا نفسها ما سلمت من تقريعه..
دخل مكتبه يبحث بنفسه لعله يجد ضالته.. دخلت ثريا خلفه فى هدوء و اغلقت خلفها الباب فى حزم و انتظرت فى صمت مكانها متغافلة عن ضيقه و ثورته.. و اخيرا هتفت بعد ان استشعرت ان هذا هو الوقت المناسب لتتكلم و هى تخرج ملف ما من حقيبتها:- حضرتك بتدور ع الملف ده يا باشمهندس سيد يا عشماوي.!؟.. و لا اقولك يا سيد...
و سكتت و لم تنطق بكامل جملتها التهديدية لتجحظ عيناه و هو يراها تحمل ملفه المنشود..
حاول السيطرة على أعصابه و التمسك بقليل من البرود و هو يقول:- انتِ قصدك ايه!؟..
هتفت فى ثقة:- جصدى اللى انت عارفه كويس.. جصدى اللى شفته ف الملف ده!؟..و اللى ممكن اروح أفضحك بيه چدامهم كلهم..
هتف و قد اعتقد انها تساومه و تحاول ابتزازه على الرغم من ثقته انها ليست من هذا النوع من البشر لكن ما كان بيده حيلة ليهتف:- طلباتك..!؟
هتفت فى حزم:- هو طلب واحد مفيش غيره.. تخرچ باشمهندس حمزة من الورطة اللى وجع فيها و اللى بجيت متأكدة دلوجتى انك سببها.
هتف متعجبا:- بس كده !؟..
اكدت فى عزة:- امال انت فاكر انى هطلب فلوس او حاچة لنفسى !؟.. لاااه و لا يهمنى الكلام ده.. انا اللى يهمنى الناس اللى كلت ف بيتهم عيش و ملح محدش يتأذى فيهم من تحت راسك و خصوصى لو أجدر امنع الأذية دى.. و اهاا ربنا جدرنى..
هز سيد رأسه فى ضيق هاتفا:- ثريا.. انتِ مش فاهمة حاجة!؟.. انا..
هتفت فى غضب:- انت واحد چاى ينتجم من ناس محدش ضره فيهم و لا يعرف انت مين م الاساس و لا يعرف بوچودك اصلا.. انت ايه !؟..
ايه كمية الغل و الكره اللى چواك دى.. انا بجيت متأكدة ان كل اللى حصل للهوارية الفترة اللى فاتت دى انت اكيد ليك يد فيه.. ربنا يهديلك حالك.. و يجويك على روحك..
همت بالرحيل مغادرة الا انه هتف يستوقفها متسائلا فى قلق:- ثريا.. هتبلغى حد!؟..
هزت رأسها نافية:- لاااه.. بس طلع باشمهندس حمزة من مشكلته اللى ورطه فيها و ابعد عن الهوارية يا سيد بيه.. ابعد عنهم و اتجى الله و روح شوف حالك بعيد عنيهم..و لو سمعت بأى ازية ليهم تانى يبجى متلومش الا روحك..
صمت و لم يعقب و هو يتناول الملف من يدها قبل ان تغادر ليهمس خلفها فى غضب مكبوت و هو يلقى بالملف البغيض بطول ذراعه:- مش هسيبهم.. مش هسيبهم غير لما اخد حقى..و لو ده كان اخر حاجة اعملها ف حياتى..
اندفع الطبيب خارج الغرفة و المعلم خميس فى عقبه لتطالعهما شيماء و نعمة المنتظرتين فى قلق بالخارج..
كتب الطبيب وصفته الطبية و نزعها ليسلمها للمعلم خميس هاتفا فى لهجة عملية:- لازم الاهتمام بالأدوية فى مواعدها و الحقن اللى كتبتها دى لازم تتاخد كاملة.. و مش هوصيكم على الغذا و السوائل.. الدور اللى واخدة شديد..انا اديته حاجة تنزل الحرارة بس اذا ارتفعت تانى لازم كمادات ماية باردة مع الدوا.. و باذن الله خلال ثلاث ايّام هيكون احسن..
اكد الجميع على إلتزام التعليمات حرفيا و خرج الطبيب بصحبة المعلم خميس الذى عاد بعد دقائق هاتفا:- متهئ لى سمعتوا الدكتور..
اندفعت نعمة هاتفة:- انا نازلة اسلق له فرخة و اعمل له شربة يقوم بعدها زى الحصان.. متقلقش ياخويا و الله هايبقى زى الفل..
هتفت شيماء فى تضرع:- يا رب يا خالتى..
هتف خميس:- خليكِ جنبه يا شوشو متسيبهوش لحظة يمكن يصحى يحتاج حاجة تكونى جنبه..
هتفت دامعة:- حاضر يا خالى مش هتعتع من مكانى قصاد سريره..
هبط المعلم خميس لشقته تبعته نعمة و ما ان دخلا شقتهما حتى هتفت نعمة فى لهجة تقريرية:- يا معلم.. العيال دى بينها حاجة احنا منعرفهاش..
تطلع اليها خميس متعجبا:- حاجة ايه!؟.. مش فاهم قصدك ايه!؟..
هتفت تسرد له بعض الشواهد:- لما بعت الصبيان من الورشة و القهوة يشيلوا ناصر لأوضته قلت هيدخلوه اوضة نومهم اللى انا مجهزاها بأيدي لقيت البت شوشو بتشاور لهم على اوضة تانية لما دخلتها وراهم لقيت فيها كل حاجة ناصر.. و لما طلبت منها تجيب لى ترحة احطها على راسى لما الدكتور وصل دخلت أوضة تانى خاالص رحت وراها لقيت فيها حاجتها كلها برضة.. هو فى ايه بالظبط بين العيال دى !؟..
تنبه خميس لما سردته زوجه و هتف بعد لحظات من الصمت مفكرا:- انت قصدك ايه !؟.. ان هما مش..
قاطعته فى ضيق:- و هو فى تفسير غير كده يا معلم!.. و نومته العجيبة ف السطح دى هيكون تفسرها ايه غير كده !؟..
هتف خميس مستبعدا ذاك الخاطر:- طب بس ليه !؟.. هو حد غصبهم على حاجة.. ما هو اللى طلبها قصادك و هى مرفضتش..
صمتت نعمة و لم ترد على تساؤل زوجها و الذى كانت تعرف او اعتقدت انها تعرف إجابته و قررت مراجعة شيماء بما يعتمل داخلها من ظنون لعلها تهدى بعض من غضبها تجاه ما يحدث لولدها البكر الذى لن تحمل عليه كل هذا الظلم و تقف متفرجة..
دخل حمزة و زكريا للفيلا اخيرا بعد تلك الفترة من الغياب عنها و قد ظن انه لن يعاودها من جديد.. فقد كانت القضية شائكة و البراءة بعيدة المنال.. اندفعت زينة مرحبة فى سعادة هاتفة:- حمد لله على السلامة يا حمزة.. الف مبروك البراءة يا حبيبتى.. ربنا لا يعيدها ابدااا..
هتف حمزة بصوت مرهق:- الله يسلمك يا مرت عمى.. الحمد لله على كل حال..
ربت زكريا على كتف بن اخيه هاتفا:- انت دلوجت تروح تاخد دش و تستريح شوية و هنستناك على الغدا..
هتف حمزة:- لاااه يا عمى.. كلوا انتوا انا چعان نوم.. و لما اصحى هبجى اكل..
هتف زكريا:- على رحتك يا حمزة.. روح ارتاح انت فعلا محتاچ راحة كَبيرة بعد كل اللى حصل لك دِه..
همس حمزة:- الحمد لله..
و استدار مغادرا ليتوجه لجناحه و لكنه توقف ليسأل فى اندفاع مخالفا لطبيعته:- امال فين هدير !؟..
هتفت زينة فى حزن:- موجودة فوق نايمة تعبانة.. من ساعة اللى حصل و هى مخرجتش من اوضتها.. دى هتفرح قووى لما تعرف انهم افرجوا عنك..
اومأ برأسه فى تفهم و غادر فى صمت..
دخل جناحه و تطلع حوله فى شوق لكل ركن فيه فقد ظن انه لن يعود اليه من جديد.. تنهد فى راحة و توجه فى بطء الى الحمام لينال قسطا وافرا من النظافة و التى أفتقدها لفترة لابأس بها و اخد يمنى نفسه بمغطس الحمام الملئ بالماء الساخن و استرخاء لمدة طويلة حتى يلقى عن جسده ما عاناه فى الأيام الماضية.. و لكن ما ان وضع احدى قدميه على عتبة الحمام حتى بدأ الطرق على باب جناحه..
تنهد فى ضيق و اندفع يفتح فى سرعة ليقف مشدوها امام عينيها التى صوبت نظراتها نحوه و كأنها لا تصدق انه بالفعل هنا.. ظل متسمرا على موضعه و هى كذلك لا يطرف لها جفن و اخيرا استفاق من ذهوله على انفجارها فى البكاء بشكل هستيرى حتى انها ما عادت قادرة على الوقوف قبالته فجلست على ركبتيها على اعتاب بابه تغطى وجهها بكامل كفيها و تنتحب فى رقة مزقت نياط قلبه الذى ما كان يدرك انه يمتلك واحدا الا بوجودها..
هتف و هو ينحنى قبالتها محاولا طمأنتها رغم اضطرابه لمرأها:- هدير.. انا هنا.. انا كويس و الله..
اخرجت وجهها من جوف كفيها و همست فى لوعة:- لا.. انت مش كويس يا حمزة.. شكلك مبهدل.. و دقنك طويلة.. و شعرك منكوش..
كاد ينفجر ضاحكا لتعبيراتها الا انه أشفق على حالها فأبتسم هامسا:- ما هو انتِ لو اتأخرتى بس نص ساعة قبل ما تيجى تسلمى عليا كان زمانى خدت دش و بقيت حمزة النضيف اللى تعرفيه..انا كنت ف الحبس يا هدير مش ف رحلة..
رفعت نظراته الدامعة اليه ليسقط قلبه بين قدميه و يزدرد ريقه بصعوبة امام رقتها و هى تهمس:- انا قلت لهم ان حمزة عمره ما يعمل حاجة تغضب ربنا.. ده مش بيرضى يسلم عليا و انا بنت عمه.. مش معقول.. انا عارفة حمزة كويس..
تنحنح فى اضطراب و لم يعد قادرًا على الرد فنهض فى سرعة مبتعدا عنها لداخل جناحه هاتفا فى صوت تغلّفه الشدة:- اديكِ شفتينى يا ستى و اطمنتى عليا.. قومى ارتاحى بقى و انا كمان هرتاح..
نهضت بالفعل و همت بالمغادرة الا انها استدارت فى هدوء قائلة:- انا عارفة انك مكلتش.. و انا كمان مكلتش من ساعة ما اخدوك..
و دمعت عيناها من جديد و صمتت للحظات و اخيرا هتفت:- هستناك عشان ناكل سوا.. ماااشى..
اومأ برأسه ايجابا غير قادر على تصنع الشدة من جديد امام ذاك الفيض القاهر من رقتها و وداعتها التى دوما ما كانت مصدر لإضطرابه و الان اصبحت مصدرا لقلقه و توجسه فقد ادرك انه ينحى منحن لا يعلم الى اى طريق سيودى به..
رحلت مبتعدة و اندفع هو يغلق بابه دونها و قد شعر انه حتى و لو أغلق الف باب فهى اصبحت فعلا بالداخل حيث روحه و لا سبيل لإخراجها..
زفر فى ضيق عندما تذكر انه معلق بجانب اخر جانب لا يسطيع منه فكاكاً.. امرأة اخرى هو ألتزم امامها بوعد قد قطعه على نفسه.. و هو ابدا لم يخلف وعدا.. و عليه ان يسدد دينه القديم تجاهها مهما حدث.. نعم يا حمزة.. مهما حدث..
هكذا هتف لنفسه فى اصرار و حزم.
تطلعت عائشة من نافذة حجرتها تتنسم بعض من هواء الصباح العليل و تحاول التسرية عن نفسها قليلا فقد أغلقت الجامعة أبوابها و ما عاد في الإمكان الخروج من النجع لأى سبب الا للضرورة.. بقيت على حالها فترة ترقب الغادى و الايب من موضعها المستتر قليلا و ما ان همت بإغلاق النافذة و الدخول الا و قد لمحت شخص مألوف لديها قادم من مسافة قريبة هتفت تستدعى هداية على عجالة و التي ظهرت من الداخل ملبية نداء ابنة عمها و التي اشارت اليها لتسرع الخطى و تقف بجوارها خلف احد ضلف النافذة المواربة لتهتف عائشة محاولة استثارة فضول هداية لمعرفة كنه ذاك القادم و الذى يمر الان من تحت سُوَر دارهم:- عارفة مين ده !؟.. مش هتصدجى..
تطلعت هداية لذاك القادم محاولة استنتاج كنهه و أخيرا هتفت في عدم تصديق:- معچولة!؟.. دِه ماهر الهوارى!..
هتفت عائشة مصدقة على صحة استنتاجها:- چدعة.. هو ماهر الهوارى بشحمه و لحمه.. بس اللى اتغير انه ربى دِجنه و بجى ملوش غير الچامع رايح چاى عليه..استشيخ ع الاخر..
همست هداية:- سبحانه مغير الأحوال.. مين يجول ان ماهر دِه يهتدى.. بس كن موضوع استشهاد اخوه اثر عليه جووى!؟..
هتفت عائشة مؤكدة:- يوووه.. مجلكيش.. اثر كَتير.. دِه مبيفوتش فرض دلوجت..و خصوصى بعد ما رجع م الحچ.. عينه دايما ف الأرض و السبحة ف يده و رايح چاى ع الچامع.. سبحانه الهادى..
لم تعقب هداية بحرف بل تطلعت من جديد الى ماهر الجديد ذاك و الذى يتلاشى ظله المار امام دارهم متوجها لذاك المسجد القريب الذى لا يفصله عن عتبة الدار الا بضع خطوات..
شردت قليلا لا تعرف لما جال خاطرها حول ذاك المهتدى حديثا حتى قطع شرودها طرق على باب شقتهما فأندفعت عائشة تفتح الباب لتغلق هداية النافذة محاولة وأد خواطرها الجانحة نحو المسجد و أحد رواده..
هتفت سكينة بالسلام و في أعقابها دخلت كسبانة و جلسن في صمت للحظات ما ان تقدمت عائشة بأكواب الشاي الذى كان معد سلفا قبل حضورها بدقائق تضعها امامهن في ترحاب.. قاطعتها سكينة هاتفة في سعادة موجهة كلامها لعائشة:- عبجبال ما تشرب شربات فرحك عن جريب يا جمر..
اضطربت عائشة في مجلسها فهى اكثر من يدرك ان ذاك لن يحدث الا اذا كان الغرض من ديارتهن هو مفاتحتها في وضعها داخل الدار و كيفية تنفيذ وصية عمها و زواجها من يونس.. و لكن هل هذا يُعقل ان تصعد روجته لطلب يدها لزوجها !؟..
و الأدهى من ذلك انه يبدو عليها الانشراح و السرور !؟..
كانت تزوى في موضعها لولا ان هتفت كسبانة في سعادة:- بجولك ايه يا عيشة يا بتى..انى هدخل ف الموضوع على طوول.. ايه جولك ف حامد ولدى!؟..
تطلعت عائشة اليها في تيه و صمتت للحظات قبل ان تتساءل متعجبة:- جولى ف ايه بالظبط يا خالتى !؟..
هتفت سكينة تنهى الامر:- حامد طالب يدك يا بتى.. ايه جولك !؟..
انتفضت موضعها غير مصدقة ان أمنية قلبها منذ رأته قد تحققت و انه طلب يدها للزواج بالفعل..
نكست رأسها في خجل دون ان تجيب بحرف لتهتف هداية و التي كانت تدرك ما يخبئه قلب ابنة عمها الطاهر من مشاعر لحامد لم تبوح بها لمخلوق لكنها قرأتها كثيرا مفضوحة على صفحة وجهها عندما يصادف الامر و يجتمع الجميع و يظهر هو في الصورة لتصبح عائشة في عالم أخر من الأحلام الوردية:- و هو حامد يتعيب يا حاچة سكينة..!. ده زينة الشباب و الله.. و السكوت علامة الرضا زى ما بيجولوا..
ابتسمت سكينة و كسبانة متطلعات لبعضهن في نشوة حقيقة لانتصار مأربهما.. و أخيرا نهضتا مغادرات
و قبل ان تغادر كسبانة تطلعت الى تلك الشابة الجميلة التي ستصبح قريبا زوجة ولدها و جذبتها في سعادة الى أحضانها في حنو بالغ و أخيرا أبعدتها قليلا لتقبلها هامسة و عيونها تدمع فرحا:- مبرووك يا مرت ولدى.. الف مبروووك..
تعلقت عائشة بأحضانها الدافئة التي تشع حنانا تفتقده منذ زمن و قد استشعرت مدى قوة هذه المرأة التي يدعمها لين قلبها و نقاءه و ايقنت انه قد حان أخيرا موعدها مع السعادة التي كانت تعتقد ان الله يخبئها لها يوما ما.. و ها قد صدق اعتقادها و جاءت السعادة تهرول اليها و هي التي كانت تظن انها لن تزورها يوما و قد خاب ظنها...
رحلت كل من كسبانة و سكينة لتبليغ خبر موافقتها لحامد و يونس و اعلان خطبتهما الغير رسمية لحين التحضير لعقد القران بعد تجهيز الشقة التي تقطنها مع هداية و التي استدارت تتطلع اليها الان غير مصدقة انها أصبحت خطيبة حامد بدلا من زواجها من ابيه ما بين طرفة عين و انتباهتها غير الله حالها من حال الى حال..
تلقفتها هداية بين ذراعيها في سعادة غامرة هاتفة:- الف مبروك يا حبيبتى.. ربنا يتمم لك على خير يا رب..
دمعت عينا عائشة في سعادة و ما عادت قادرة على التفوه بحرف و لكن قلبها اخذ يلهج بالدعاء شكرًا.. فأخيرا اصبح قاب قوسين او أدنى من الراحة التي كان ينشدها في محيا ذاك الحبيب الذى ظنت انه بعيد المنال..فهل سيصدق القدر في دعواه لقلبها بالسعادة.!؟..